شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله ـ في رواية من نصب (مائة) ـ قول حذيفة (١) رضي الله تعالى عنه :«فقلنا : يا رسول الله أتخاف علينا ، ونحن ما بين السّتّ مائة ، والسبع مائة» (٢) فأجرى الألف واللّام ـ في تصحيح نصب المميز ـ مجرى النّون ، من «مائتين عاما» ، لاستوائهما في المنع من الإضافة ، قال المصنف : وهذا يقوّي ما ذهب إليه ابن كيسان ، من جواز : الألف درهما ، والمائة دينارا (٣) ، قال : ويروى «ما بين الستّ مائة ، إلى السبع مائة؟» بجرّ (مائة) وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون أراد (مئات) على (٤) أنه بدل ، ثمّ استعمل المفرد مكان الجمع ، على فهم المعنى ، كما قيل في قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)(٥).

والثّاني : أن يجعل الألف واللام زائدين ، فلم يمنعا من الإضافة ، كما لم يمنعا في قول الشاعر :

١٩٢٤ـ تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا

كالأقحوان من الرشاش المستقي (٦)

الثالث : أن يكون أراد ما بين الستّ ستمائة ، ثم حذف المضاف ، وأبقى عمله ، ـ

__________________

(١) هو أبو عبد الله ، حذيفة بن اليمان ، الصحابي ، رضي الله تعالى عنهما ، أسلم هو وأبوه ، وشهد أحدا ، وروى عنه جماعة من الصحابة رضي‌الله‌عنه منهم : عمر ، وعلي ، وعمار رضي‌الله‌عنه. توفي بالمدائن سنة (٣٦ ه‍).

ينظر في ترجمته : تهذيب الأسماء واللغات للإمام أبي زكريا النووي (١ / ١٥٥) ط. بيروت.

دار الكتب العلمية.

(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، في كتاب الإيمان ، باب الاستسرار بالإيمان للخائف (١ / ٧٣ ، ٧٤) والرواية بتمامها : «عن حذيفة رضي الله تعالى عنه ، قال : «كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : احصوا لي كم يلفظ الإسلام ، قال : فقلنا : يا رسول الله. أتخاف علينا ، ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟

قال : إنكم لا تدرون ، لعلكم أن تبتلوا قال : فابتلينا ، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرّا». اه.

(٣) ينظر رأي ابن كيسان هذا في : شرح التصريح (٢ / ٢٧٣) ، والهمع (١ / ٢٥٣) ، والأشموني (٤ / ٦٧) ، والتذييل والتكميل (٤ / ١٦٤).

(٤) كلمة على : من الهامش.

(٥) سورة القمر : ٥٤. في معاني القرآن للفراء (٣ / ١١١): «وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) يقرأ «نهر» بفتح النون وهو واحد في معنى الجمع ، ويقرأ بضم النون والهاء ، على الجمع ، مثل :أسد ، وأسد.

والمراد ـ هنا ـ إبدال (مائة) من المخفوض ، على إنابة المفرد على الجمع مثل : (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ.)

(٦) سبق تخريجه في الباب السابق (باب التمييز).

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

كقراءة بعض القراء : والله يريد الآخرة ، (١) ، أي : عرض الآخرة ، فحذف المضاف ، وأبقى عمله وحكى الكسائيّ أن من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى المفسّر منكرا أو معرّفا ، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : وربّما قيل : عشرو درهم ، وأربعو ثوبه (٢) ومنهم [٣ / ٦٣] من ينصب مفسّر الثلاثة وأخواتها على التمييز ، فيقول : لي خمسة أثوابا (٣) ، وهو نظير قول الربيع :

١٩٢٥ ـ إذا عاش الفتى مائتين عاما

ونظيره : «ونحن ما بين الستّ مائة» بالنصب.

هذا ما ذكره المصنف (٤). ثم إنّنا نشير إلى أمور.

منها : أن تسأل عن الموجب لإفراد المائة المفسرة للعدد ، من ثلاثة إلى تسعة ما هو؟ فأما بعضهم فإنه علّل ذلك بأنّ المائة جمع في المعنى ، ولا يخفى أنّ هذا التعليل غير متّجه ، لانتقاضه بالألف ، فإنّه جمع في المعنى ومع هذا لا يفسّر به إلا وهو جمع ، وقد ذكر الفارسيّ كلاما حسنا فقال : «والأصل فيما يبين العدد الإفراد ؛ لأنّ المعدود قد علم قدره ، وإنّما يحتاج إلى بيان جنسه ، والواحد كاف في ذلك ، ولفظه أخفّ من لفظ الجمع» (٥). ـ

__________________

(١) سورة الأنفال : ٦٧.

قال ابن جني في المحتسب (١ / ٢٨١): «ومن ذلك قراءة ابن جماز ـ سليمان بن جماز المدني ـ : والله يريد الآخرة يحملها على «عرض الآخرة» ثم قال : وجه جواز ذلك ـ على عزته ، وقلة نظيره ـ أنه لما قال : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) فجرى ذكر العرض ، صار كأنه عرضه ثانيا فقال : «عرض الآخرة» ولا ينكر نحو ذلك ، ألا ترى إلى بيت الكتاب :

أكل امرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا

وينظر ذلك أيضا في : البحر المحيط (٤ / ٥١٨) ، والكشاف للزمخشري (٢ / ١٦٨).

(٢) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٥) ، والمساعد لابن عقيل (٢ / ٧٠) ، والتذييل والتكميل (٤ / ١٦٨) ، حيث قال الشيخ أبو حيان : «وفي قوله : (وربما) إشارة إلى تقليل ذلك ، وأنه جائز على قلة ، فأما «عشرو درهم» فهو عند أصحابنا شاذ ، لا تبنى على مثله قاعدة ، وينظر أيضا : المقرب لابن عصفور ، حيث قال ـ (١ / ٣٠٥) ـ : «وأما ما حكاه الكسائي من قولهم : أخذته بمائة وعشري درهم ، فشاذ لا يلتفت إليه». اه.

(٣) في الأصل (أثواب) والصحيح ما أثبته.

(٤) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٥).

(٥) عبارة الفارسي ـ في الشيرازيات ـ : «... الأصل في الأسماء التي تبين العدد أن تكون مفردة ،

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى ذلك جاء الاستعمال في ضروب العدد ، إلا ما كان من الثلاثة إلى العشرة ، فإنه يبين بجموع القلة ؛ لأنّها تشبه الآحاد ، من جهة تكسيرها تكسير الآحاد ، وتحقيرها على لفظها ، كما تحقّر الآحاد ومن جهة أنّها توصف بها الآحاد ، نحو :برمة أعشار ، وثوب أخلاق (١) ، ومن جهة عود الضمير المفرد المذكّر عليها ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ)(٢) ، ومما حسن تبيينها بها مناسبتها لها في القلة ، ومما يبيّن لك أنّ الأصل في مفسّر الثلاثة إلى العشرة ، التعيين بالمفرد أنّهم قد بيّنوا ضربا منها به ، وذلك قولهم : ثلاثمائة ، وأربعمائة ، إلى الألف (٣) ، وقولهم : ثلاث مئين وثلاث مئات شاذّ في القياس ، وإنّما يجيء في الشعر ، وأما إضافة الثلاثة ، وأخواتها إلى جمع الكثرة فقليل ، وغيره مقيس. اه (٤).

ولكن قد تقدّم قول المصنف : والقياس يقتضي أن يقال : ثلاث مئات ، أو مئين.

وقال سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى ـ : وأما تسعمائة ، وثلاثمائة فكان ينبغي أن يكون في القياس مئين ، أو مئات ، ولكنّهم شبهوه بعشرين ، وأحد عشر ، حين جعلوا ما يبين العدد واحدا ؛ لأنه اسم لعدد ، وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا ، والمعنى جمع (٥). انتهى ، وهو خلاف ما قاله الفارسيّ ، وقد جمع النحاة بين القولين بأن قالوا : لنا قياسان (٦) :

أحدهما : أصل ، وهو أنّ أصل تمييز العدد أن يكون واحدا. ـ

__________________

وذلك أنّ المعدود قد علم قدره بذلك العدد ، وإنّما يحتاج إلى ما يبين جنسه ، والواحد يكفي في ذلك ولفظه أخف من لفظ الجمع ، فكان التبيين به أولى ...».

ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٥٠) تحقيق د / الشربيني أبو طالب.

(١) في اللسان مادة «خلق» : وقد يقال : ثوب أخلاق ، يصفون به الواحد ، إذا كانت الخلوقة فيه كله ، كما قالوا : «برمة أعشار».

(٢) سورة النحل : ٦٦.

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ١٥١): «وجاء الاستعمال بها في حال السعة والاختيار».

(٤) ينظر : المرجع السابق (٤ / ١٥٢) والمسائل الشيرازيات : المسألة الثانية والعشرون (٢ / ٣٥٣ ـ ٣٦٥) رسالة دكتوراه تحقيق د. علي جابر منصور ، بجامعة عين شمس تحت رقم (٢١٢١٠).

(٥) في هذا النقل عن سيبويه تصرف في العبارة. ينظر : الكتاب (١ / ٢٠٩).

(٦) نقل ناظر الجيش عن أبي حيان هذين القياسين ، ولم ينسبهما إليه.

ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٥٥).

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والثاني : أنهم حينما خالفوا هذا الأصل ، فأضافوا (ثلاثة وتسعة) ، وما بينهما إلى جمع صار هذا أصلا ثانيا ، فلما أضافوا إلى المائة كان القياس فيها أن تجمع ، فترك هذا القياس ، وأضيفت إلى لفظ مائة مفردة.

وقد ذكر عن الفراء ـ في إفراد المائة ، بعد اسم العدد من الثلاثة إلى التسعة ـ تعليل غير ذلك (١) ، ولكنّي تركت ذكره خوف الإطالة.

ومنها : أنّه قد تقدمت الإشارة إلى أنّ مميز المائة قد يجمع ، وعليه قراءة من قرأ :ثلث مائة سنين (٢) وأما من قرأ بالتنوين (٣) فيكون إعراب سنين عطف بيان ، أو بدلا (٤).

وقيل : ولا يجوز كونه تفسيرا ؛ لأنّه يلزم منه أن يكون أقلّ ما لبثوا تسعمائة سنة ، سوى التسع (٥) ، وكأنّ مستند هذا القائل أنّ (سنين) جمع ، وهو مفسر لـ (ثَلاثَ مِائَةٍ ،) فكأنّه يقول : كلّ مائة سنة هي جمع ، وأقلّ الجمع ثلاثة ، فتعين أن يكون (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) تسعمائة سنة ، ولا يخفى ضعف هذا التقدير. ـ

__________________

(١) قال المرادي ـ في توضيح المقاصد (٤ / ٣٠٩) تحقيق د. عبد الرحمن سليمان (ط ١٣٩٦ ه‍) ـ : «وفي كتاب الصفار ، عن الفراء : لا يقول : ثلاث مئين. إلا من لا يقول : ألف ، وإنما يقول : عشر مئين». اه.

وفي التذييل والتكميل (٤ / ١٥٦): «ومن يقول : ألف ، ولا يقول : عشر مئين ، لا يقول : ثلاث مئين». اه.

(٢) سورة الكهف : ٢٥ ، وهي قراءة حمزة والكسائي ، بإضافة (مائة) ينظر : الكشف عن وجوه القراءات السبع (٢ / ٥٨) وإرشاد المبتدي (ص ٤١٦).

(٣) وهم : ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر.

تنظر : القراءات السبعة لابن مجاهد (ص ٣٨٩) والمرجعان السابقان ، والبحر المحيط : (٦ / ١١٧).

(٤) ينظر : البحر المحيط (٦ / ١١٧) ، وشرح التصريح (٢ / ٢٧٣) ، والحجة لابن خالويه (ص ٢٢٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص ٢٨٩) ، والتبيان لأبي البقاء العكبري (٢ / ٤).

(٥) هذا قول الزجاج ، وقد نسبه إليه ابن يعيش في شرح المفصل (٦ / ٢٤) والدماميني في تعليق الفرائد (٣٥٣ ، ٣٥٤) حيث قال : «قال أبو إسحاق الزجاج : «لو أتبعت سنين ، على التمييز ، لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسعمائة سنة ، قال ابن الحاجب : ووجهه أنه فهم من لغة العرب أن مميز المائة واحد من مائة ، فإذا قلت : مائة رجل ، فمميزها رجل ، وهو واحد من المائة ، وإذا كان كذلك وقلت : (مئتين) فتكون (مئين) واحدة من المائة ، وهي ثلاثمائة ، وأقل الجمع ثلاثة ، فيجب أن يكون (تسعمائة) ..

وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائي : ثلث مائة سنين بإضافة سنين عندهما ، وإن لم يكن منصوبا ، ولا شك أن قراءة الجماعة أقيس عند النحاة ، وما ذكره الزجاج غير لازم ، وذلك أن الذي ذكر مخصوص بأن يكون التمييز مفردا ، أما إذا كان جمعا ، فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا ، في نحو : ثلاثة أثواب».

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : أنّ تمييز الثلاثة إلى العشرة لا يلزم ذكره مضافا إليه ، بل قد يذكر بعد اسم العدد ، مجرورا بـ (من) نحو : ثلاثة من الرجال ، وقد يذكر تابعا لاسم العدد ، نحو : ثلاثة قرشيّون ، وقد نصّوا على أنّ الإتباع في نحو : ثلاثة قرشيّون ـ يعنون في الصّفة ـ أحسن من الإضافة.

وقد ذكر ابن عصفور تقسيما ، فقال : المعدود إمّا صفة أو جامد ، فإن كان جامدا فالأحسن فيه الإضافة ، نحو : «ثلاثة رجال» ، ثم الفصل بـ (من) نحو : «ثلاثة من الرّجال» ، ثم النصب على التمييز ، نحو : «ثلاثة رجالا» ، وإن كان صفة فالأحسن فيه الإتباع ، نحو : «ثلاثة قرشيّون» ، ثم يليه النصب على الحال من (ثلاثة) نحو : «ثلاثة قرشيّين» ، ثمّ الإضافة ، نحو : «ثلاثة قرشيين» ، وهذا أضعفها ، وسبب ضعفه استعمال الصفة استعمال الأسماء ، يعني أن العامل أولها ، ولا تستعمل الصفة استعمال الأسماء بقياس (١). انتهى.

وهو كلام مقبول ، غير قوله : إنّ المعدود ينصب تمييزا نحو : «ثلاثة رجالا» ؛ فإنّ ذلك لا يجوز عند البصريّين ، وذكر الشيخ أنّ الفراء يجيزه قياسا (٢).

وقد ذكر سيبويه أنّ نحو : «ثلاثة أثواب» ، قد تنوّن في الشّعر وينصب ما بعده (٣) ولم يجزه في الكلام (٤).

وأقول : إذا ورد نحو : «ثلاثة أثوابا» في الشّعر ، أمكن أن يجعل (أثوابا) حالا ـ

__________________

(١) هذا الكلام منقول ـ بتصرف ـ عن الشرح الكبير ، لابن عصفور (٢ / ٣٢) بتحقيق أبو جناح.

وينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٦٨) حيث نقله أبو حيان بتصرف ـ أيضا ـ ولم يصرح بنسبته إلى ابن عصفور.

وقال ابن عقيل ـ في المساعد (٢ / ٧٠) ـ : «وقالوا : أي المغاربة ـ في باب خمسة ـ إن كان المعدود جامدا فالأحسن فيه الإضافة كـ : ثلاثة أثواب ، ثم الفصل بـ (من) ثم النصب على التمييز». اه.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٦٩).

(٣) ينظر : الكتاب (٢ / ١٦١ ، ١٦٢).

(٤) ظاهر كلام سيبويه جواز ذلك في الكلام. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٥٧). والكتاب (١ / ٢٦٠ ـ ٢٦٦) ، حيث قال سيبويه : «... ومثل ذلك في الكلام قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)[النساء : ٤] ، وقررنا به عينا ، وإن شئت قلت : أعينا وأنفسا ، كما قلت : ثلاثمائة وثلاث مئين ومئات». اه.

٣٠٥

[أحكام خاصة بالتمييز «المفسّر»]

قال ابن مالك : (ولا يجمع المفسّر جمع تصحيح ، ولا بمثال كثرة ، من غير باب مفاعل إن كثر استعمال غيرهما ، إلّا قليلا ، ولا يسوّغ : ثلاثة كلاب ونحوه ، تأوّله بثلاث من كذا ، خلافا للمبرّد ، وإن كان المفسّر اسم جنس ، أو جمع فصل بـ «من» وإن ندر مضافا إليه لم يقس عليه ، ويغني عن تمييز العدد إضافته إلى غيره).

______________________________________________________

من (ثلاثة) على حدّ قولهم : «عليه مائة بيضا» (١) وعلى هذا لا يتجه قول ابن عصفور : ثم النصب على التمييز ، نحو : ثلاثة رجالا ؛ لأنّ في هذا خرم القاعدة المستقرة ، من أنّ مميز الثلاثة إلى العشرة لا ينصب (٢).

قال ناظر الجيش : قال المصنف : لا تضاف الثلاثة وأخواتها إلى جمع تصحيح إلّا إن أهمل غيره ، أو جاور [٣ / ٦٤] ما أهمل غيره فالأول نحو : (سَبْعَ سَماواتٍ)(٣) ، و (تِسْعِ آياتٍ)(٤) وخمس صلوات ، والثاني نحو : (وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ)(٥) فإنّه حقيق بأن يجيء على مثال (مفاعل) ؛ لأنّه أولى مما واحده صالح له من جمع التّصحيح ، كقوله تعالى : (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ)(٦) ، (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ)(٧) ، (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ)(٨) ، (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ)(٩). ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٦٠) حيث قال أبو حيان : «وقد أجاز أبو العباس في قولهم :«عليه مائة بيضا» أن تكون (بيضا) تمييزا ، ورد عليه بأن (المائة) لا تفسر بجمع منصوب ، وإنما تفسّر بمفرد مجرور ، وخرج سيبويه ذلك على الحال من النكرة ، ألا ترى أنه لو رفع لكان صفة للمائة ، والمائة مبهمة الوصف ، فلذلك كان النصب حالا ، والرفع صفة». اه.

وينظر أيضا : الكتاب (٢ / ١١٢).

(٢) ينظر : المرجع السابق (٤ / ١٦١) حيث قال الشيخ أبو حيان : «واعلم أن انتصاب التمييز عن تمام الاسم في الأعداد والمقادير ، إنما يكون إذا تعذرت الإضافة ، فإن لم تتعذر لم يجز النصب إلا في اضطرار الشعر». اه.

(٣) سورة البقرة : ٢٩ ، سورة الطلاق : ١٢ ، سورة الملك : ٣.

(٤) سورة النمل : ١٢.

(٥) سورة يوسف : ٤٣ ، ٤٦.

(٦) سورة البقرة : ٢٦١.

(٧) سورة المؤمنون : ١٧.

(٨) سورة الحاقة : ٧.

(٩) سورة المائدة : ٨٩.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يؤثر ما لا يماثل (مفاعل) من أمثلة الكثرة على جمع التصحيح ، دون مجاور تقصد مشاكلته ، نحو : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ)(١).

وقد يؤثر مثال كثرة ، على مثال قلة ، لخروجه عن القياس ، أو لقلّة استعماله ، فالأول نحو : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٢) ، والثاني نحو : «ثلاثة شسوع».

فأوثر (قُرُوءٍ) على (أقراء) ؛ لأنّ واحده (قرء) كـ : (فلس) ، وجمع مثله على (أفعال) شاذّ (٣) ، وأوثر (شسوع) على (أشساع) لقلّة استعماله ، وإن لم يكن شاذّا ؛ لأنّ واحده (شسع) وجمع مثله على (أفعال) مطرد ، لكنّ أكثر العرب يستغنون في جمع (شسع) بـ (فعول) عن غيره (٤) ، ومثل إيثار (قُرُوءٍ) على (أقراء) ، لخروجه عن القياس ، إيثار (شهداء) على (أشهاد) في قوله تعالى : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ)(٥) ؛ لأنّ واحد (شُهَداءَ) إمّا (شهيد) وإمّا (شاهد) ولكلّ واحد منهما نصيب في (أفعال) كـ (شريف) و (أشراف) و (صاحب) و (أصحاب) ، وكلاهما شاذّ ، فعدل إلى (فعلاء) لما عدل من (أقراء) إلى (قُرُوءٍ)(٦).

قال المبرد ـ في المقتضب ـ : فإن قلت : ثلاث حمير ، وخمس كلاب جاز ، على أنك تريد : ثلاثة من الحمير ، وخمسة من الكلاب ، وجعل من ذلك (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٧).

ولو جاز هذا لم يكن معنى في الحجر بجمع القلّة ؛ لأنّ كلّ جمع كثرة صالح لأن يراد به مثل هذا ، فكان يقال : ثلاثة فلوس ، وثلاث دور ، على تقدير : ثلاثة من الفلوس ، وثلاث من الدّور ، وإلى هذا أشرت بقولي : ولا يسوغ ثلاثة كلاب ونحوه ، تأوّله بثلاثة من كذا ، خلافا للمبرّد (٨).

وإن فسّر عدد باسم جنس ، أو باسم جمع ، لم يضف إليه إلّا بسماع ، ـ

__________________

(١) سورة القصص : ٢٧. (٢) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٧٦ ، ١٧٧) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٩٦) ، وتوضيح المقاصد للمرادي (٤ / ١٠٧). وينظر : شرح التصريح (٢ / ٢٧٢) ، والكشاف للزمخشري (١ / ٣٦٦).

والمفصّل للزمخشري (ص ٢١٥).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٧٤).

(٥) سورة النور : ١٣. (٦) شرح المصنف (٢ / ٣٩٦).

(٧) وينظر في ذلك : المقتضب للمبرد (٢ / ١٥٦ ، ١٥٧) طبعة. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ، بالقاهرة (١٣٩٩ ه‍).

(٨) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٧).

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كقوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)(١) وكقوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ :«ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة» (٢) وكقول العرب : «خمسة رجلة» والأصل أن يجاء بمفسّر هذا النوع مقرونا بـ (من) نحو : ثلاثة من القوم ، وأربعة من الحيّ ، وخمسة من الركب ، وعشرة من البطّ ، قال الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٣).

ويستغني العدد عن مفسّر بإضافته إلى غيره ، كقولك : اقبض عشرتك ، وعشري زيد ؛ لأنك لم تضفه إلّا وهو عند السامع معلوم الجنس ، فاستغنى عن مفسّر والله تعالى أعلم (٤). انتهى كلام المصنف.

وفي فهم المراد من قوله : ولا يجمع المفسّر إلى قوله : إلّا قليلا ، قلق ، وإن كان في شرحه له بعض إيضاح.

والذي تلخص لي منه (٥) ومن كلام الشّيخ ما أذكره : وهو إمّا أن يوجد للمعدود جمع تصحيح فقط ، فيتعيّن ، نحو : (سَبْعَ سَماواتٍ)(٦) و (سَبْعَ بَقَراتٍ)(٧) أو يوجد معه جمع تكسير وهو من باب (مفاعل) فيؤثر جمع التكسير المذكور عليه حينئذ ، كـ : (سَبْعَ سَنابِلَ)(٨) و «ثلاث أحامد» ، و «ثلاث زيانب» ، والتصحيح قليل ، بأن يقال : سبع سنبلات ، وثلاث أحمدين ، وثلاث زينبات ، إلّا إن حصلت مجاورته لما أهمل فيه غير جمع التصحيح ، فيؤثر ـ إذ ذاك ـ جمع ـ

__________________

(١) سورة النمل : ٤٨ ، وينظر في ذلك : البرهان في علوم القرآن (٤ / ١١٨).

(٢) ينظر : صحيح البخاري ـ كتاب الزكاة (١ / ٢٥٤) ونصه : عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «... وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة».

وصحيح مسلم (١ / ٣٩٠ ، ٣٩١) كتاب الزكاة ، والترمذي (٢ / ٦٩). والذود : اسم لعدد من الإبل غير كثير ، يقال : ما بين الثلاث إلى العشر ، واحده بعير ، وليس من لفظه.

(٣) سورة البقرة : ٢٦٠. وينظر في ذلك : البرهان في علوم القرآن (٤ / ١١٨).

(٤) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٧).

(٥) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٣٩٢ ـ ٣٩٧). والتذييل والتكميل (٤ / ١٧٢).

(٦) سورة البقرة : ٢٩ ، سورة الطلاق : ١٢ ، سورة الملك : ٣.

(٧) سورة يوسف : ٤٣ ، ٤٦.

(٨) سورة البقرة : ٢٦١. ينظر : الكشاف للزمخشري (١ / ٣٩٣).

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التصحيح على جمع التكسير ، كـ : (سَبْعَ سُنْبُلاتٍ)(١) بعد (سَبْعَ بَقَراتٍ)(٢).

وإن كان جمع التكسير من غير باب (مفاعل) أوثر على جمع التّصحيح ، والتصحيح قليل ، كقوله تعالى : (ثَمانِيَ حِجَجٍ)(٣) وإن لم يوجد جمع تصحيح تعيّن التكسير.

ثم إن وجد أحد الجمعين من قلة ، أو كثرة تعيّن ، كـ : ثلاثة رجال وثلاث أرجل ، وإن وجدا معا فجمع القلة يتعين في الأكثر ، وقد يوقع موقعه جمع الكثرة ، وفي الأكثر لا يعدل عن جمع القلّة إلى جمع الكثرة ، إلا لخروج جمع (القلّة) عن القياس ، أو لقلة الاستعمال ، الأول : كـ (قُرُوءٍ)(٤) ، والثاني : كـ «شسوع».

ويظهر لي أنّ قول المصنف ـ في الشرح ـ : «لا تضاف الثلاثة وأخواتها إلى جمع التصحيح إلا إن أهمل غيره ، أو جاور ما أهمل غيره» لا يطابق قوله ـ في المتن ـ :ولا يجمع المفسّر جمع تصحيح ، ولا بمثال كثرة ، من غير باب (مفاعل) إن كثر استعمال غيره ، إلا قليلا ؛ لأنّ هذا يفهم منه أنّ المفسر لهذه الكلمات قد يكون جمع تصحيح ، مع وجود غيره ، ولكنّه قليل ، والظاهر أن الأمر على ما قاله في الشرح.

ثم إنّ كلام المصنف يعطي ظاهره أنّ الجمع من باب (مفاعل) تقدّم على غيره ، وإن وجد غيره ، مع أنّه جمع كثرة ، وقد عرف أنّ جمع القلة إذا وجد كان هو المؤثر على جمع الكثرة ، ومثل لذلك بـ : سنابل ، وطرائق ، وليال ، ومساكن ، فإن كانت مفردات هذه الكلمات الأربع جمعت جمع تكسير على غير هذه الصيغة ـ أعني (مفاعل) ـ تم كلام المصنف ، لكن يحتاج إلى بيان الأمر المسوّغ لذلك. وإن كانت لم تجمع بهذه الصيغة ، فلا وجه لاستثناء باب (مفاعل) وتخصيصه بالذّكر ؛ لأنّ الكلمة إذا لم يكن لها إلّا جمع واحد ، جمع كثرة كان ، أو جمع قلّة ، تعيّن.

وكلام الشيخ يقتضي أنّ الجمع بصيغة (مفاعل) يؤثر على جمع التصحيح فيقال : ثلاثة أحامد ، وثلاث زيانب ، ويجوز التصحيح على قلّة فيقال : ثلاثة أحمدين ، وثلاث زينبات (٥) وهو عجب ، فإنّه قال ـ قبل ذلك بأسطر ـ : إن ـ

__________________

(١ ، ٢) سورة يوسف ، ٤٣ ، ٤٦.

(٣) سورة القصص : ٢٧. وقوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ)[البقرة : ٢٣٤].

(٤) سورة البقرة : ٢٢٨.

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٧٣).

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

جمع التصحيح لا يضاف إليه ، إلا إذا لم يكن لذلك المفرد جمع غير هذا الجمع (١) ، فتبين مناقضة كلامه الثاني لكلامه الأول.

وبعد : فهذا الموضع لم يتحصل لي من كلام هذين الرجلين ضبطه على وجه منظوم ، على أنّ ما ذكرته فيه للناظر الحاذق كفاية ، ولا شكّ أنّ الأمر في ذلك قريب ، وقد عرف من قول المصنّف : وإن كان المفسر اسم جنس أو جمع أنّ المراد بقوله : مجموعا مع ما بين اثنين ، وأحد عشر الجمع اللّغويّ ، لا الجمع الاصطلاحيّ.

ويفهم من كلامه أنّ إضافة اسم العدد ، إلى اسم الجنس ، واسم الجمع لا تنقاس [٣ / ٦٥] وإنّما ذلك موقوف على السماع.

قال الشيخ : وهذا اتّبع فيه الأخفش (٢) ، ثمّ ذكر أنّ في ذلك مذهبين آخرين :

أحدهما : أنه ينقاس. والثّاني : التفصيل ، بين ما يستعمل من اسم الجنس للقلة ، فيجوز : ثلاثة نفر ، وثلاث ذود ، وتسع رهط ، أو يستعمل للكثير ، أو للقليل والكثير ، فلا يجوز. فلا يقال : ثلاثة بشر ؛ لأنّ (بشر) تكون للكثير ، ولا : ثلاثة قوم ؛ لأنّ (قوم) تكون للقليل والكثير ، وليس كذلك : رهط ، وذود ، ونفر ؛ لأنّها لا تكون إلّا للقليل. انتهى. ويبعد أن يقوم دليل على ذلك. والذي ذكره المصنف هو المشهور المعروف ، ولا ينبغي العدول عنه.

وقد قال ابن هشام (٣) : ولا يجوز : خمسة قوم ، وثلاثة إبل ، وكذلك في الأجناس ، وهي أسماء مفردة ، وتكسّر كما تكسّر أسماء الجموع ، فقد قالوا :ذود وأذواد (٤) ، ورطب وأرطاب ، وعنب وأعناب ، وطلح وطلاح (٥) ، فصارت ـ

__________________

(١) ينظر : المرجع السابق (٤ / ١٧٢).

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٨٣) حيث قال أبو حيان : «وتلخص من هذه النقول أقوال :

أحدها : أن اسم الجمع ، واسم الجنس لا تنقاس الإضافة إليهما ، وهو قول المصنف ، واتبع فيه الأخفش ، والثاني : أنه يجوز ذلك وينقاس ، وإن كان قليلا. والثالث : التفرقة بين ما يستعمل ...». اه.

وينظر في بيان هذه الآراء : المساعد لابن عقيل (٢ / ٧٣) تحقيق بركات.

(٣) يعني ابن هشام الخضراوي.

(٤) في اللسان مادة «ذود» ، قال اللغويون : الذود : جمع لا واحد له من لفظه ، كالنعم ، وقال بعضهم : الذود واحد وجمع ، وفي المثل : الذود إلى الذود. إبل. اه.

(٥) في القاموس مادة «طلح» : «الطلح : شجر عظام كالطلاح ككتاب». اه.

٣١٠

[حذف تاء الثلاثة وأخواتها]

قال ابن مالك : (فصل : تحذف تاء الثّلاثة وأخواتها إن كان واحد المعدود مؤنّث المعنى حقيقة أو مجازا ، أو كان المعدود اسم جنس أو جمع مؤنثا ، غير نائب عن جمع مذكّر ، ولا مسبوق بوصف يدلّ على التّذكير ، وربّما أوّل مذكّر بمؤنّث ، ومؤنّث بمذكر ، فجيء بالعدد على حسب التأويل ، وإن كان في المذكور لغتان ، فالحذف والإثبات سيّان ، وإن كان المذكور صفة نابت عن الموصوف اعتبر غالبا حاله لا حالها).

______________________________________________________

كالمفرد ، فكما لا يضاف إلى المفرد ، لا ينبغي أن يضاف إلى هذه» (١).

قال ناظر الجيش : قال المصنف (٢) : الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات ، كـ : زمرة (٣) ، وأمّة ، وعصبة ، وفرقة ، وسربة (٤) ، وفتية ، وعشيرة ، وقبيلة ، وفصيلة ، فالأصل أن تكون بالتاء ، لتوافق الأسماء التي هي بمنزلتها.

فاستصحب الأصل مع المعدود المذكّر ، لتقدّم رتبته ، وحذفت التاء مع المعدود المؤنّث ، لتأخّر رتبته (٥) ، فقيل : ثلاثة أعبد ، وثلاث جوار ، والمعتبر من التأنيث ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ١٨٥).

(٢) شرح التسهيل (٢ / ٣٩٨) وما بعدها.

(٣) قبل أن يورد الشيخ أبو حيان كلام المصنف الآتي قال ـ في التذييل والتكميل (٤ / ١٩٠) ـ :«تكلم النحويون في العلة الموجبة لإثبات تاء التأنيث من ثلاثة إلى عشرة مع المذكر المضاف إليه اسم العدد ، وحذفها مع المؤنث ، وذلك من الوضيعيات ، ونحن لا نرى تعليل الوضيعيات ، لكنه ينبغي أن نوافقهم فنذكر شيئا مما ذكروا». اه.

(٤) في القاموس ـ مادة (سرب) ـ : «والسربة بالضم : المذهب والطريقة وجماعة الخيل ما بين العشرين إلى الثلاثين ، ثم قال : وجماعة النخل».

(٥) قال ابن الأنباري ـ في المذكر والمؤنث (ص ٦٢٦) ـ : «وقال محمد بن يزيد البصري : إن قال قائل : ما بال علامة التأنيث لحقت ما كان مذكرا ، وإنما حدها أن تلحق المؤنث فتفصله من المذكر؟ قيل له : العلة في هذا أن التأنيث والتذكير ، إذا وقعا لما حقيقته التأنيث والتذكير ، كان حق المذكر أن يجري على أصله ، ويكون المؤنث بائنا منه العلامة».

وفي التذييل والتكميل (٣ / ١٩٠) ما نصّه : «أرادوا التفرقة بين عدد المذكر وعدد المؤنث ، واختص المذكر بالتاء ؛ لأن العدد كله مؤنث ، لمذكر كان أو مؤنث ، وأصل المؤنث أن يكون بعلامة تدل على تأنيثه ، والمذكر هو السابق بحق الأصالة فحصلت له العلامة».

وينظر في ذلك أيضا : ما قاله ابن يعيش في شرحه على المفصل (٦ / ١٨).

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

تأنيث المفرد (١) ، لا تأنيث الجمع ، سواء كان كل واحد منهما حقيقة أم مجازا ، فلذلك يقال : ثلاثة سجلات ، وعشرة دنينيرات ، بثبوت التاء ؛ لأنّ مفرديهما مذكّران (٢).

ولا يعتبر تأنيث المفرد إذا كان علما لمذكّر ، نحو : طلحة ، وسلمة ؛ لأنّه تأنيث لا تعلق له بالمعنى لا حقيقة ولا مجازا ؛ ولذلك لا يؤنث ضميره ولا ما يشار به إليه ، فيقال : ثلاثة الطلحات لقيتهم ، وثلاث المسلمات لقيتهن فتثبت التاء ؛ لأنّ تأنيثه لمجرد اللّفظ ، ومن أجل ذلك لا يؤنّث ضميره ، ولا ما يشار به إليه ، كقولك :الطلحات ذهبوا ، والمسلمات أتوا ، ويقال في الثاني ـ وهو الذي يتعلق تأنيثه بالمعنى حقيقة أو مجازا ـ : ثلاثة الفتيات رقين عشر الدرجات (٣).

وإن كان مفسّر الثلاثة وأخواتها اسم جنس ، أو جمع مؤنث ، جيء بالمفسر مقرونا بـ (من) ، وحذفت التاء من اسم العدد ، إن وليه المفسر موصوفا ، نحو : لي ثلاث من البط ذكور ، أو غير موصوف ، كـ : عندي خمس من النخل (٤) فإن توسط دليل تذكير لزم إثبات التاء ، نحو : لي ثلاثة ذكور من البط ، وأربعة فحول من الإبل ، وإلى نحو هذا أشرت بقولي : ولا مسبوق بوصف يدل على التذكير (٥).

والحاصل : أنّ تاء الثلاثة وأخواتها تسقط لتأنيث واحد مفسرها ، لا لتأنيثه نفسه ، إن كان جمعا ، ولتأنيثه نفسه دون تعرّض لواحد ، إن كان اسم جنس ، أو جمع. وأما قولهم : ثلاثة أشياء وثلاثة رجلة (٦) ، ففيهما شذوذان : ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب لابن عصفور (١ / ٣٠٦).

(٢) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٨) والتذييل والتكميل (٤ / ١٩٧) حيث قال ما نصه : «وقوله ـ أي المصنف ـ : مؤنث المعنى حقيقة أو مجازا ؛ مثاله عندي : ثلاث فتيات ، وعشر خشبات ، وخمس أعنق ، وثلاث أذرع ...». اه.

(٣) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٨) ، والمرجع قبل السابق (٤ / ١٠٠) حيث قال الشيخ أبو حيان :مثاله عندي : ثلاث فتيات ، وعشر خشبات ، وخمس أعنق ، وثلاث أذرع». اه.

(٤) ينظر : المرجع السابق الصفحة نفسها حيث قال أبو حيان ما نصه : «فالبط والنخل من اسم الجنس الذي استعملته العرب مؤنثا فقط ومدرك هذا النوع السماع».

(٥) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٨).

(٦) والرجلة ، بفتح الراء وكسرها ، فإذا زالت التاء فالفتح لا غير ، كالركب ، والصحب ، والسفر.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : الإضافة إلى المفسّر ، وحقّه أن ينفصل مقرونا بـ (من) كسائر أسماء الأجناس.

الثاني : ثبوت التّاء في عددهما ، والقياس الحذف ؛ لأنّ اسم الجنس ، أو الجمع لا يعتبر في التأنيث والتذكير حال واحده ، وإنّما يعتبر فيها حاله ، ولذلك يقال : ثلاث من البطّ ذكور ، وواحده بطّة ذكر ، ومع ذلك لم يقل : ثلاثة بل قيل : ثلاث ، وقد وجّه ثبوت التاء ، في عدد أشياء ، ورجلة ، بأنهما نائبان عن جمع مفرديهما على (أفعال) ، فإنّ واحد (أشياء) شيء كـ (فيء) فقياسه أن يساويه في جمعه ، وواحد (رجلة) راجل ، فكان له نصيب من الجمع على (أفعال) ، كما قيل : صاحب ، وأصحاب ، فعدل في جمع (شيء) من (أفعال) إلى (فعلاء) ، ثم قدّمت لامه على فائه ، فصار في الوزن (لفعاء) (١) استصحب منع صرفه لتأنيثه ، ولزم التأنيث ، وثبتت التاء في عدده ، كما كانت تثبت مع المنوب عنه) وهو (أفعال) ، وعدل في جمع (راجل) من (أفعال) إلى (فعلة) وتثبت تاء عدده أيضا ، كما كانت تثبت مع المنوب عنه ، وقد يؤوّل مذكر بمؤنث ، فتسقط التاء ، ومؤنث بمذكّر ، فتثبت التاء (٢) ، فالأول (٣) كقول الشاعر :

١٩٢٦ ـ وإنّ كلابا هذه عشر أبطن

وأنت بريء من قبائلها العشر (٤)

 ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٢٠٣) حيث قال الشيخ أبو حيان ما نصه : «وشذ من هذا النوع (أشياء) على مذهب سيبويه ، فقالوا : ثلاثة أشياء. وكان قياسه حذف التاء ؛ لأنه اسم جمع لا يعقل ، كالطرفاء : شجر. والحلفاء : نبت ، لكنه بنى العدد على المفرد.

وينظر : الكتاب (٣ / ٥٦٤) حيث قال سيبويه : وأما ثلاثة أشياء ، فقالوها ؛ لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليها (فعل) وصار بدلا من أفعال ، ومثل ذلك قولهم : ثلاثة رجلة ، إلا أن (رجلة) صار بدلا من أرجال.

(٢) أي يجاء بكل منهما حسب التأويل ، وذلك جائز على قلة. ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٢٠٩).

(٣) تأويل المذكر بالمؤنث.

(٤) البيت من بحر الطويل وقائله النواح الكلابي ، هجا رجلا ادعى نسبه في بني كلاب ، فذكر له أن بطونهم عشرة ، ولا نسب له معلوم في أحدهم ، وهو في المقتضب (٢ / ١٤٦) ، والهمع (٢ / ١٩٤) ، والأشموني (٤ / ٦٣).

والشاهد فيه : تأنيث الأبطن ، وحذف الهاء من العدد قبلها حملا للبطن على معنى القبيلة ، بقرينة ذكر القبائل.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله قول الآخر :

١٩٢٧ ـ فكان مجنّي دون من كنت أتّقي

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (١)

ومثال الثّاني (٢) قول الشاعر :

١٩٢٨ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود

لقد جار الزّمان على عيالي (٣)

ومثله (٤) قول الآخر :

١٩٢٩ ـ وقائع في مضر تسعة

وفي وائل كانت العاشرة (٥)

أوّل (الأبطن) بـ (القبائل) ، و (الشّخوص) بـ (الجواري) ، فأسقط تاءي (عشرة) ، و (ثلاثة) ، وأول (الأنفس) بـ (أشخاص) ، والوقائع بـ (مشاهد) فأثبت التاء ، وقد يكون في المذكور لغتان ، فيجوز في عدده وجهان كـ (حال) ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة (٩٢) ، وترجمته في الشعر والشعراء (٢ / ٥٥٧). ينظر : المقتضب (٢ / ١٤٨) ، والمقرب (ص ٦٧) ، والتصريح (٢ / ٢٧١ ، ٢٧٥) ، والأشموني (٣ / ٦٢) ، والكتاب (٢ / ١٧٤).

ويروى : «فكان نصيري» ، والمجن : الترس. يذكر أنه استتر من الرقباء بثلاث نسوة ، كاعبان : والكاعب التي نهد ثديها. ومعصر : وهي التي دخلت في عصر شبابها.

والشاهد فيه : معاملة شخوص معاملة المؤنث ؛ لأنه أراد بالشخص المرأة ، فجعل لها عدد المؤنث.

(٢) أي تأويل المؤنث بالمذكر.

(٣) البيت من الوافر ، وقائله الحطيئة ، وهو في ديوانه (ص ٢٠٧) برواية :

ونحن ثلاثة وثلاث ذود

 ... البيت

وفي الدرر (١ / ٢٠٩) قيل : إنه ثالث أبيات للحطيئة ، قالها وكانت معه امرأته أمامة ، وابنته مليكة ، وكان في سفر فنزل وسرح ذودا ثلاثا ، فلما قام للرواح فقد إحداها ، والذود من الإبل.

والشاهد : قوله : ثلاث ذود على أنه يجوز إضافة العدد إلى اسم الجمع ، وهو هنا ذود ، وأنشده سيبويه شاهدا على تأنيث (ثلاثة أنفس) والقياس : ثلاث أنفس ؛ لأن النفس مؤنثة.

ينظر : الكتاب (٣ / ٥٦٥) ، والخصائص (٢ / ٤١٢) ، واللسان مادة «نفس».

(٤) أي تأويل المؤنث بالمذكر.

(٥) البيت من المتقارب ، ولم ينسب لقائل معين ، ولم أهتد إلى قائله.

والشاهد : في قوله : «وقائع .. تسعة» ، وكان ينبغي أن يقال : تسع ؛ لأن الوقعة مؤنثة ، ولكنه ذهب إلى الأيام والمشاهد ؛ لأن من معنى الوقائع ـ عند العرب ـ الأيام ، فيقال : هو عالم بأيام العرب ، يريد : وقائعها.

ينظر : اللسان : «يوم» ، ومعاني القرآن للفراء (١ / ١٢٦) ، وشرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٣٩٩) ، والهمع (٢ / ١٤٩) ، والدرر (٢ / ٢٠٤).

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

و (عضد) ، و (لسان) ، فإنّها تذكّر وتؤنث ، فيقال ـ على لغة من ذكّر ـ :ثلاثة أحوال ، وثلاثة أعضاد ، وثلاثة ألسنة (١).

ويكثر الوجهان في أسماء الأجناس المميز واحدها بالتاء ، كبقر ، ونخل ، وسحاب ، فيقال ـ على لغة من ذكّر ـ : لزيد ثلاثة من البقر ، وثلاثة من النخل ، وسقيت أرضا بثلاثة من السحاب ، ويقال ـ على لغة من أنّث ـ : ثلاث ، وإن كان المذكور صفة قامت مقام موصوفها اعتبر في الغالب حال موصوفها ، لا حالها (٢) فنقول : ثلاثة ربعات ـ بإثبات التاء ـ إذا أردت رجالا ، وثلاث ربعات ـ بإسقاطها ـ إذا أردت نساء ، ومن اعتبار حال الموصوف قوله تعالى :(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٣) فلو لا قصد [٣ / ٦٦] الحسنات لقيل :عشرة أمثالها ؛ لأنّ واحد الأمثال مذكر.

ومن العرب من يسقط تاء العدد المضاف إلى (دوابّ) لتأنيث لفظها ، مع قصد تذكير الموصوف ؛ لأنّ الدابة جرت مجرى الأسماء الجامدة ، فاعتبر في العدد لفظها ، ومنها احترزت بقولي : اعتبر غالبا حاله ، لا حالها (٤). انتهى كلام المصنّف.

ولا بدّ من الإشارة إلى أمور :

منها : أنّ العلة التي أشار إليها المصنف أنّها موجبة لإثبات تاء الثلاثة وأخواتها ، إذا كان المعدود بها مذكرا ، وحذفها إذا كان مؤنثا هي العلة المعروفة ، وهي أن أسماء العدد مصحوبة بالتاء وضعا ، قبل أن يذكر معها معدود بدليل أنّك تقول : ستّة ضعف ثلاثة ، وأربعة نصف ثمانية فكأنّ ذكرها مصحوبة بالتاء هو الأصل ، ولا شكّ أنّ المذكر هو الأصل بالنسبة إلى المؤنث ، فناسب أن يكون الأصل للأصل ، والفرع للفرع (٥) ، ومن ثمّ لم يحتج المصنف إلى أن يذكر إثبات التاء في هذه الكلمات مع ـ

__________________

(١) ويقال على لغة من أنث : ثلاث أحوال ، وثلاث أعضاد ، وثلاث ألسن. التذييل والتكميل (٤ / ٣٣٨).

(٢) أي : اعتبر حال الموصوف ، لا حال الصفة.

(٣) سورة الأنعام : ١٦٠.

(٤) شرح المصنف (٢ / ٤٠٠) والمقصود اعتبار حال الموصوف ، لا حال الصفة.

قال ابن عصفور في المقرب (١ / ٣٠٧) ما نصه : «فأما قولهم : ثلاث دواب ذكور ، فعلى جعل الدّابة اسما».

(٥) قال ابن يعيش ـ في شرحه على المفصل (٦ / ١٨) ـ ما نصه : «وإنما اختص المذكر بالتاء ؛ لأن

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المذكّر ، بل قال : تحذف تاء الثلاثة وأخواتها ، إن كان واحد المعدود مؤنث المعنى فأفاد ذلك أنّ ثبوت التاء في هذه الكلمات هو الأصل ، وإنّما تحذف لموجب ، فوجب لذلك الاقتصار على ذكره.

وقد ذكر ابن عصفور عللا أخرى ؛ منها ما هو مقبول ، ومنها ما هو غير مقبول (١) ، واختار هو علة منها ، والذي اختاره يرجع ـ إذا حقّق الأمر فيه ـ إلى الذي ذكره المصنّف.

ومنها : أنّ التاء قد تحذف من هذه الكلمات ، ومع كون المعدود مذكّرا ، لكن إنّما يكون ذلك عند عدم ذكر المعدود معها ، نبّه على ذلك ابن عصفور ، وغيره ، قال : حكى الكسائيّ : صمنا من شهر كذا خمسا ، ولا شكّ أنّ هذا حقّ ، لقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من صام رمضان ، وأتبعه بستّ من شوال ، فكأنما صام الدّهر» (٢).

ومنها : أنّ أهل بغداد لا يعتبرون واحد المعدود المضاف إليه اسم العدد ، بل المعتبر عندهم لفظ ما أضيف إليه العدد ، بالنسبة إلى التذكير ، والتأنيث ، فتقول : ثلاث حمامات ، اعتبارا بلفظ الجمع ، ذكر ابن عصفور ذلك عنهم (٣) ، ولا معوّل على هذا المذهب (٤).

ومنها : أنّ المصنف لم يذكر ما يدل على تأنيث اسم الجمع ، لتحذف التاء من اسم عدده ، وكأنه وكل الأمر في ذلك إلى الأخذ عن أهل اللغة ، لكنّ ابن عصفور ـ في المقرّب ـ قال : إن كان اسم الجمع لمن يعقل فحكمه حكم المذكر ، وإن كان لما ـ

__________________

أصل العدد قبل تعليقه على معدوده أن يكون مؤنثا بالتاء نحو : ثلاثة وأربعة ، ونحوهما من أسماء العدد ، فإذا أردت تعليقه على معدود هو أصل وفرع ، جعل الأصل للأصل فأثبتت العلامة ، والفرع للفرع فأسقطت العلامة ، فمن أجل هذا قلت : ثلاثة رجال ، وأربع نسوة.

(١) ينظر : الشرح الكبير لابن عصفور (٢ / ٣٠) تحقيق أبو جناح ، وشرح ألفية ابن مالك للمرادي (٤ / ٣٠١).

(٢) هذا الحديث أخرجه أبو داود بهذه الرواية : (١ / ٥٦٧) ، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه :(١ / ٤٧٥) كتاب الصيام ـ باب صيام ستة أيام من شوال برواية : (ثم أتبعه ستّا من شوال).

(٣) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (٢ / ٣١) بتحقيق أبو جناح : «وأهل بغداد يعتبرون المفرد ، إلا أن يكون الجمع مؤنث اللفظ ، فإن المعتبر عندهم لفظ المضاف إليه العدد ، فيقولون : ثلاث حمامات.

(٤) أي فلا يقال إلا : ثلاثة حمامات ، بإدخال التاء في (ثلاثة) ؛ لأن واحده (حمام) وهو مذكر.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يعقل فحكمه حكم المؤنث (١) ، وينتقض ما قاله (٢) بقوله تعالى : (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٣) ، فالطير لا يعقل وقد عومل معاملة المذكّر في إثبات التاء في اسم عدده (٤) ، ثمّ قد جاء التأنيث في (قوم) ، قال تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)(٥) ، مع أنّه مختصّ بالعقلاء من الرّجال ، وأما اسم الجنس فمعلوم أنّ التأنيث فيه لغة الحجازيّين (٦) ، والتذكير لغة التميميّين (٧).

قال ابن عصفور ـ في المقرب ـ : إلّا ألفاظا ، فإنّها استعملت مذكّرة وهي :عنب ، وموز ، وسدر (٨) ، وفي شرح الشّيخ : وقمح أيضا (٩). ويعطي كلام المصنّف أنّ البطّ التزم تأنيثه ، مع أنّ الشيخ صرّح بتأنيثه وتأنيث النخل أيضا وعلى هذا فالواجب أن يقال : اسم الجنس فيه لغتان التذكير والتأنيث ، إلا ألفاظا استعملت مذكرة ، وألفاظا استعملت مؤنثة (١٠) ، ولا يقتصر على استثناء المذكّر ، كما فعل ابن عصفور (١١).

ثم الظاهر أنّ الحجازيين يستعملون (عنبا) ، وما ذكر معه مذكّرات ، وإن كان من لغتهم تأنيث اسم الجنس ، وإلّا فلا فائدة في الاستثناء ؛ وكذلك ينبغي أنّ التميميّين يستعملون البطّ والنخل مؤنثين ، ولو كان لغتهم التذكير ، ويبقى مدرك ـ

__________________

(١) ينظر : المقرب لابن عصفور (١ / ٣٠٧) حيث مثل للعاقل بقوله : ثلاثة رهط ، ولغير العاقل بقوله :ثلاث ذود.

(٢) أي ابن عصفور في المقرب (١ / ٣٠٧).

(٣) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٤) ينظر التذييل والتكميل (٤ / ٢٠٤).

(٥) سورة ص : ١٢ ، سورة غافر : ٥.

(٦) وحسّنها ابن عصفور في المقرب (١ / ٣٠٨) حيث قال : «وإن أضفتها ـ الثلاثة ـ إلى اسم الجنس كنت في إلحاق التاء بالخيار ، فتقول : ثلاثة نخل. والأحسن إلحاقها». اه.

(٧) فيقولون : ثلاث نخل. بحذف التاء.

(٨) ينظر : المقرب (١ / ٣٠٧). وفي القاموس مادة (سدر): «السدر : شجر النبق ، الواحدة ـ سدرة ـ بهاء».

(٩) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٢٠٢) ، والهمع (٢ / ١٤٩).

(١٠) قال الشيخ أبو حيان ـ في التذييل والتكميل (٤ / ٢٠٠) ـ ما نصه : «فالبطّ والنخل من أسماء الجنس الذي استعملته العرب مؤنثا فقط». اه.

(١١) حين اقتصر على اسم الجمع المذكر ، في : عنب ، وموز ، وسدر.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك السّماع (١) ، وإن كان الأمر كذلك فالذي اعتمده المصنف هو المعتبر ، وهو أنّه قال : إن كان المعدود اسم جنس ، أو مقتصرا على ذلك ؛ لأنّ الأمر بالتذكير والتأنيث راجع إلى استعمال موقوف على السّماع ، فوكل هو الأمر إلى ما يثبت من استعمال الكلمة بالتذكير والتأنيث في اللغة ، وكأنّ الذي ذكره ابن عصفور هو الغالب ، أما أنّه توقّف عنده ويلتزم فلا.

ومنها : أنّ القياس والأكثر في الاستعمال ، أنّ مفسر العدد من الثلاثة إلى العشرة ـ إذا كان اسم جنس ، أو اسم جمع ـ أن يجرّ بعد اسم العدد بـ (من) ؛ قال الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٢) وتجوز الإضافة أيضا (٣) ، قال تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ)(٤) وهذا الأمر يستفاد من قول المصنف ـ في ثلاثة أشياء ، وثلاثة رجلة ـ كان حقّه أن يفصل مقرونا بـ (من) كسائر أسماء الأجناس (٥).

ومنها : أنّ المصنف ربما توجه مناقشته في (شيء) وهو أنّه احترز بـ : غالبا من قوله : وإن كان المذكور صفة نابت عن الموصوف اعتبر غالبا حاله لا حالها من قول بعض العرب : ثلاث دوابّ ـ بإسقاط التاء ـ يعني : مرادا بالدواب الذكور. ثم قال : لأنّ الدوابّ جرت مجرى الأسماء الجامدة فاعتبر في العدد لفظها.

فيقال له : هذا التعليل يخرج الدابة عن أن تكون صفة هنا ، وإذا خرجت عن أن تكون صفة فلا يقال : إنّ حال الصفة اعتبر دون الموصوف ؛ لأننا ما اعتبرنا حال الصّفة أصلا ؛ لأنّ ذلك الاعتبار إنما يكون مع بقائها على الوصفية ، والغرض أنّها تجري مجرى الأسماء الجامدة. وقد قال ابن عصفور : وأما قولهم : ثلاث دوابّ ذكور ، فعلى جعل الدّابة اسما (٦) ، وهو كلام حسن.

__________________

(١) ينظر : الهمع (٢ / ١٤٩) ، والتذييل والتكميل (٤ / ٢٠٢) حيث قال أبو حيان : «فمثال اسم الجنس المذكر : عنب ، وموز ، وسدر ، وقمح ، نصوا على أنّ العرب؟ استعملتها مذكرة ، ومدرك هذا النوع السماع ، واستعملت سائر أسماء الجنس مؤنثة ...». اه.

(٢) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٣) في التذييل والتكميل (٤ / ١٧٩): «وقوله ـ أي المصنف ـ : «وإن كان اسم جنس أو جمع فصل بـ (من)» مثاله : ثلاثة من القوم ، وقال تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) ـ من الآية ٢٦٠ من سورة البقرة ـ وتقول : عندي ثلاث من الشجر ، وسبع من النخل».

(٤) سورة النمل : ٤٨.

(٥) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٩٧) والتذييل والتكميل (٤ / ١٧٩).

(٦) ينظر : المقرب (١ / ٣٠٧).

٣١٨

[عطف العشرين وأخواته على النيف]

قال ابن مالك : (فصل : يعطف العشرون وأخواته على النّيّف ، وهو إن قصد التعيين واحد ، أو أحد ، واثنان ، وثلاثة ، وواحدة ، أو إحدى ، واثنتان ، وثلاث ، إلى تسعة في التذكير ، وتسع في التأنيث ، وإن لم يقصد التّعيين فيهما فبضعة وبضع ، ويستعملان أيضا دون تنييف ، وتجعل العشرة مع النيّف اسما واحدا مبنيّا على الفتح ، ما لم يظهر العاطف.

ولتاء الثلاثة والتّسعة ، وما بينهما عند عطف عشرين وأخواتها ما لها قبل النّيّف ، ولتاء العشرة في التركيب عكس ما لها قبله ، ويسكّن شينها في التأنيث الحجازيّون ، ويكسرها التميميّون [٣ / ٦٧] وقد تفتح ، وربّما سكّن عين عشر).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قال المصنف : النيّف (١) عند قصد التعيين : تسعة فما دونها ، وعند عدم قصده : بضعة في التذكير ، وبضع في التأنيث ، ولا يقال للشّيء منها :نيّف ، إلّا وبعده عشرة ، أو عشرون ، فيقال في تعيين المعطوف عليه : ثلاثة وعشرون رجلا ، وثلاث وعشرون امرأة.

ويقال في الإبهام : بضعة وعشرون ، وبضع (٢) وعشرون ، وبضعة عشر ، وبضع عشرة ، إلى : وبضعة وتسعين ، وبضع وتسعين ، وقد يستعمل (بضعة) و (بضع) دون تنييف (٣) كقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ)(٤).

وقد تناول قولي : وتجعل العشرة مع النيف اسما واحدا : أحد عشر ، وتسعة عشر ، وما بينهما ، ونبهت بقولي : ما لم يظهر العاطف على أنّ ظهور العاطف مانع من البناء والتركيب ومنه قول الشّاعر : ـ

__________________

(١) النيف : الزيادة ، يخفف ويشدد ، وأصله من الواو ، ويقال : عشرة ونيف ، ومائة ونيف ، وكل ما زاد على العقد فهو نيف ، حتى يبلغ العقد الثاني ، ونيف فلان على السبعين : أي زاد. وأنافت الدراهم :أي زادت. وأناف : أشرف. ينظر : الصحاح للجوهري مادة «نيف» (٤ / ١٣٤٦).

(٢) في القاموس مادة «بضع» ـ بالكسر ويفتح ـ ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس ، أو ما بين الواحد إلى الأربعة ، أو من أربع إلى تسع ، أو هو سبع ، فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع ، لا يقال :بضع وعشرون ، أو يقال ذلك.

(٣) أي لا يكون بعدهما عشرة ولا عشرون.

(٤) سورة الروم : ٣ ، ٤.

٣١٩

 ـ ١٩٣٠ ـ كأنّ بها البدر ابن عشر وأربع

إذا هبوات الصّيف عنه تجلّت (١)

وللنّيف المعطوف عليه عشرون وأخواته من ثبوت التاء وسقوطها ما له لو استعمل دون عطف ، فيقال في الذكور : ثلاثة وعشرون ، وفي الإناث ثلاث وعشرون ، كما يقال عند عدم العطف : ثلاثة ، وثلاث ، ثم قلت : ولتاء العشرة في التركيب عكس ما لها قبله. ثم أشرت إلى شين عشرة في التركيب ، ساكنة عند الحجازيين ، ومكسورة عند بني تميم (٢) وعلى لغتهم قراءة بعض القراء (٣) : (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) (٤) وقرأ الأعمش (٥) : (اثنتا عشرة) بالفتح (٦) ، وهي أشهر من قراءة من قرأ بالكسر.

وقرأ يزيد بن القعقاع (٧) : أحد عشر (٨) بسكون العين (٩) ، وقرأ ـ

__________________

(١) البيت من الطويل ، ولم ينسبه أحد إلى قائل معين ، ولم أهتد إلى قائله.

هبوات : جمع هبوة : الغبرة ، والهباء الغبار ، أو يشبه الدخان ، ودقاق التراب ، ينظر القاموس ، مادة «هبو».

الشاهد قوله : «ابن عشر وأربع» ؛ حيث جوز ابن مالك ظهور الواو العاطفة فمنع التركيب والبناء.

ينظر : الصبّان (٤ / ٦٨) ، والهمع (٢ / ١٥٠).

(٢) المرجع السابق الصفحة نفسها ما نصه : «ويسكن شينها في التأنيث الحجازيون ، ويكسرها التميميون».

(٣) ينظر : البحر المحيط (١ / ٢٢٩) حيث نسب هذه القراءة إلى مجاهد وطلحة ، وعيسى ويحيى بن وثاب ، وابن أبي ليلى ويزيد.

(٤) سورة البقرة : ٦٠.

(٥) هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الأسدي الكوفي ، ولد سنة (٦٠ ه‍) أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي ، وزيد بن حبيش ، ويزيد بن وهب ، وعاصم بن أبي النجود ، وغيرهم ، وروى عنه عرضا وسماعا حمزة الزيات ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. توفي سنة (١٤٨ ه‍).

ينظر : غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجوزي (١ / ٣١٥).

(٦) ينظر : البحر المحيط (١ / ٢٢٩) حيث قال أبو حيّان ما نصّه : «وقرأ ابن الفضل الأنصاري والأعمش بفتح الشين».

(٧) هو أبو جعفر أحد القراء الثلاثة بعد السبعة وقارئ المدينة ، توفي سنة (١٣٠ ه‍). وفي قراءة هؤلاء الثلاثة وتوجيهها نحويّا وصرفيّا كتاب مشهور للدكتور علي محمد فاخر ، طبع سنة (١٩٩٨ م).

(٨) سورة يوسف : ٤.

(٩) في الإتحاف (ص ٢٦٢): (أحد عشر) بسكون العين ، أبو جعفر كأنه نبه بذلك على أنّ الاسمين جعلا اسما واحدا. وينظر في ذلك : المحتسب لابن جني (١ / ٣٣٢).

وفي النشر في القراءات العشر (٣ / ٩٥): «واختلفوا في (اثنا عشر ، وأحد عشر ، وتسعة عشر) فقرأ أبو جعفر بإسكان العين من الثلاثة». وينظر أيضا : البحر المحيط (٥ / ٢٧٩).

٣٢٠