شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مع أحدهما (١).

الثاني : قوله : وانفراد الواو حينئذ ـ أي : حين وجد الضمير ـ أقلّ من انفراد (قد).

وقال في الشرح : واجتماعه ـ أي : الضمير ـ مع الواو وحدها أكثر من اجتماعه مع (قد) وحدها (٢).

وأمّا لزوم الواو و (قد) إذا لم يكن ضمير فقد أشار إليه بقوله : وإن عدم الضمير لزمتا ؛ أي : الواو و (قد).

وقد قال المصنف : وزعم قوم أنّ الفعل الماضي لفظا لا يقع حالا وليس قبله (قد) ظاهرة إلّا وهي قبله مقدرة (٣).

وهذه دعوى لا يقوم عليها حجّة ؛ لأنّ الأصل عدم التقدير ولأنّ وجود (قد) مع الفعل المشار إليه لا يزيد معنى على ما يفهم منه إذا لم توجد ، وحقّ المحذوف المقدّر ثبوته أن يدل على معنى لا يدرك بدونه.

فإن قيل : (قد) تدلّ على التقريب ـ قلنا : دلالتها على التقريب مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية ، كما أغنى عن تقدير السين وسوف سياق الكلام في مثل قوله تعالى : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ)(٤) ولو كان الماضي معنى لا يقع حالا إلّا وقبله (قد) مقدّرة لامتنع وقوع المنفي بـ (لم) حالا ، ولكان المنفي بـ (لما) أولى منه بذلك ؛ لأنّ (لم) لنفي (فعل) و (لمّا) لنفي (قد فعل) وهذا واضح لا ريب فيه.

وأجاز بعض من قدّر (قد) قبل الفعل الماضي الاستغناء عن تقديرها بجعل الفعل صفة لموصوف مقدّر (٥) ، وهو أيضا تكلّف شيء لا حاجة إليه. انتهى (٦). ـ

__________________

(١) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٧١).

(٢) شرح المصنف (٢ / ٣٧١).

(٣) هذا مذهب الفراء والمبرد وأبي علي والجزولي والأبذي وابن عصفور والعكبري.

ينظر : معاني الفراء (١ / ٢٤) ، والمقتضب (٤ / ١٢٠ ـ ١٢٤) ، واللباب للعكبري (١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤) ، والتذييل (٣ / ٨٥٢) ، والارتشاف (٢ / ٣٧٠) ، والهمع (١ / ٢٤٧).

(٤) سورة يوسف : ٦.

(٥) منهم المبرد والعكبري. يراجع المقتضب (٤ / ١٢٤) ، واللباب للعكبري (١ / ٢٩٤) ، والبحر المحيط (٣ / ٣١٧).

(٦) انتهى كلام المصنف وينظر : في شرحه (٢ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣).

٢٤١

[الجملتان المفسرة والاعتراضية وعلاقتهما بالحالية]

قال ابن مالك : (فصل : لا محلّ إعراب للجملة المفسّرة ، وهي الكاشفة حقيقة ما تلته ممّا يفتقر إلى ذلك ، ولا للاعتراضيّة وهي المفيدة تقوية بين جزأي صلة أو إسناد أو مجازاة أو نحو ذلك ، ويميّزها من الحاليّة امتناع قيام مفرد مقامها ، وجواز اقترانها بالفاء و «لن» وحرف تنفيس وكونها طلبية ، وقد تعترض جملتان خلافا لأبي علي) (١).

______________________________________________________

وفي جعل الفعل صفة شيء آخر ، وهو دعوى حذف الموصوف مع كون الصفة جملة ، وهي لا يحذف موصوفها إلا بشرط هو مفقود هنا.

قال ناظر الجيش : لما انقضى الكلام على الجملة الحالية ، وكان من الجمل جملتان تشبهانها وتغايرانها وجب التنبيه عليهما ، ما يتميزان به والجملتان هما المفسّرة والاعتراضية ، وكلتاهما لا موضع لها من الإعراب.

أما المفسّرة : فهي المبينة حقيقة شيء متقدّم عليها مفتقر إلى البيان وهو معنى قول المصنف : وهي الكاشفة حقيقة ما تلته مما يفتقر إلى ذلك ، كقوله تعالى : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(٢) بعد قوله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ)(٣). وكقول النابغة : «يكوى غيره وهو راتع» من قوله :

١٨٨١ ـ تكلّفني ذنب امرئ وتركته

كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع (٤)

وذهب بعضهم (٥) إلى أن حكم المفسّرة حكم ما فسّرته ، فإن كان له موضع من الإعراب فلها موضع على حسبه ، وإلّا فلا. ومقتضى هذا أنّ مفسّرها متى كان مفردا كان لها موضع من الإعراب ؛ لأنّ المفرد لا بدّ له من الإعراب لفظا أو محلّا ، ومتى كان مفسّرها جملة ولها محلّ من الإعراب فكذلك ، وإن لم يكن لها محلّ ـ

__________________

(١) تسهيل الفوائد (ص ١١٣).

(٢ ، ٣) سورة آل عمران : ٥٩.

(٢ ، ٣) سورة آل عمران : ٥٩.

(٤) البيت من الطويل ، وهو في : ديوان النابغة الذبياني (ص ٨١) وشرح المصنف (٢ / ٣٧٥).

والغرّ : داء يصيب مشافر الإبل ، وكان إذا فشا في الإبل أخذوا بعيرا صحيحا ليكوى بين يدي الإبل ، بحيث تنظر إليه فتبرأ كلها ، وقد صار الشطر الثاني من هذا البيت مثلا يضرب في أخذ البريء بذنب صاحب الجناية. ينظر : مجمع الأمثال (٣ / ٤٩).

(٥) هو الأستاذ أبو علي الشلوبين كما سيأتي ، وينظر : الارتشاف (٢ / ٣٧٤).

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فالمفسّرة مثلها ، وعلى هذا يكون (خلقه) في محل جرّ ؛ لأنّ مفسّرها مجرور ، وكذلك «يكوي غيره وهو راتع» لأنّ مفسرها كذلك ، ومثّل الشيخ لما له موضع من الإعراب بقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)(١) قال : فـ (مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) في موضع نصب ؛ لأنه تفسير للموعود به ، ولو صرح به لكان في موضع نصب. انتهى (٢). ولم أتحقق ما ذكره [٣ / ٨٦] ، وقال أبو علي الشلوبين : قول النحويين أنّ التفسير لا موضع له من الإعراب ليس على ظاهره مطلقا ، والتحقيق في ذلك : أنه على حسب ما يفسره ، فإن كان له موضع كان المفسّر له موضع ، وإلّا فلا ، مثال ما لا موضع له :(ضربته) من «زيدا ضربته» فإنّه فسّر عاملا في (زيد) وذلك العامل لا موضع له إن ظهر فالمفسّر مثله ، ومثال ما له موضع : (خلقنه) من قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ)(٣) ؛ لأنّه فسّر ما له موضع من حيث وقوعه خبرا أيضا ويوضحه ظهور الرفع في المفسّر وهو دليل قوي على ما ذكرنا.

وكذلك مسألة الكتاب (٤) «إن زيدا تكرمه يكرمك» فـ (تكرمه) تفسير للعامل في (زيد) وقد ظهر الجزم. انتهى (٥).

وهو كلام محقق ، ولعلّ المصنف لا ينازع في ذلك ، فإنه لم يرد بالمفسّرة إلا ما عرّفها به من أنها تكشف حقيقة متلوها المفتقر إلى البيان ، ولا يصدق هذا على الجملة الواقعة بعد الاسم المشتغل عنه ، وإنما أطلق عليها تفسيرية لكونها دالّة على المحذوف ، والتفسيرية المذكورة هنا أخصّ والذي يقطع بأن المصنف لم يقصد الجملة الواقعة في باب الاشتغال قوله : إنّ المفسّرة والاعتراضية تشبهان الحالية فلهذا وجب التنبيه عليهما (٦). وليست الجملة في «زيدا ضربته» توهم الحالية ، ولا تلبس بها فتدخل في مقصود المصنف (٧).

ونقل الشيخ عن الصفار أنه قال في شرح الكتاب : لا تفسّر الجملة إلا بمثلها ، ـ

__________________

(١) سورة المائدة : ٩.

(٢) ينظر : التذييل (٣ / ٨٥٦).

(٣) سورة القمر : ٤٩.

(٤) يراجع الكتاب (٣ / ١١٣ ، ١١٤).

(٥) ينظر : الارتشاف (٢ / ٣٧٤ ، ٣٧٥) ، ومغني اللبيب (ص ٤٠٢ ، ٤٠٣) ، والهمع (١ / ٢٤٨) وفيه اختار السيوطي مذهب الشلوبين.

(٦) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٧٥).

(٧) يراجع المغني (ص ٤٠٢).

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا المفرد إلّا بمثله ، فإن جاء خلاف ذلك لم يكن ، وذلك قوله تعالى : (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ)(١) فهذه الجملة مفسّرة لـ (آدم ،) وكذلك : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٢) ثم قال : (تؤمنون) (٣). انتهى (٤).

وجعله الجملة المفسّرة لـ (آدم) غير ظاهر ، والظاهر أنها تفسير لـ (مثل آدم).

وأما الاعتراضية : فهي الواقعة بين متلازمين ، أو كالمتلازمين لتفيد تقوية أي :للكلام التي اعترضت بين أجزائه.

قال الشيخ : قال في البسيط : وشرطها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة ، بحيث يكون كالتوكيد لها ، أو التنبيه على حال من أحوالها ، وألّا تكون معمولة لشيء ، من أجزاء الجملة المقصودة ، وألّا يكون الفصل بها إلّا بين الأجزاء المنفصلة بذاتها ، بخلاف المضاف والمضاف إليه ؛ لأنّ الثاني كالتنوين منه. انتهى (٥).

ولا يظهر قوله : ألا تكون معمولة لشيء من أجزاء الجملة ؛ لأنّ الاعتراضية لا موضع لها من الإعراب ، فلا حاجة إلى اشتراط ذلك. ووقوع الجملة المذكورة إمّا بين موصول وصلته نحو قول الشاعر :

١٨٨٢ ـ ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما

يحظيك بالنّجح أم خسر وتضليل (٦)

وقول الآخر :

١٨٨٣ ـ ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا

والحقّ يدفع ترّهات الباطل (٧)

وإمّا بين ما هو مؤول بموصول وبين معموله نحو قول الشاعر :

١٨٨٤ ـ وتركي بلادي والحوادث جمّة

طريدا وقدما كنت غير مطرّد (٨)

وعبّر المصنف عن الموصول وصلته ، وعمّا ذكر بعده بقوله : جزأي صلة وناقشه ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٩. (٢) سورة الصف : ١٠.

(٣) سورة الصف : ١١. (٤) ينظر : التذييل (٣ / ٨٥٦).

(٥) ينظر : التذييل (٣ / ٨٥٧).

(٦) البيت من البسيط ، ولم يعرف قائله وينظر في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٥) ، والبحر المحيط (١ / ٤٠٣) ، والهمع (١ / ٨٨). والنجح : بمعنى النجاح.

(٧) البيت من الكامل وقائله : جرير ، وينظر : في شرح ديوانه (ص ٣٤٥) ، والخصائص (١ / ٣٣٦) ، والمقرب (١ / ٦٢) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٦) ، والمغني (ص ٣٩١).

(٨) البيت من الطويل ، ولم يعرف قائله ، وينظر في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٥) ، والارتشاف (٢ / ٣٧٢).

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ فيه ، والأمر في ذلك قريب.

وإمّا بين جزأي إسناد نحو قول الشاعر :

١٨٨٥ ـ وقد أدركتني والحوادث جمّة

أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل (١)

وإما بين شرط وجواب كقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى)(٢) على أحد القولين (٣) ، ومنه قول عنترة :

١٨٨٦ ـ إمّا تريني قد نحلت ومن يكن

غرضا لأطراف الأسنّة ينحل

فلربّ أبلج مثل بعلك بادن

ضخم على ظهر الجواد مهبّل

غادرته متعفّرا أوصاله

والقوم بين مجرّح ومجدّل (٤)

وقوله : أو نحو ذلك يعني أو نحو ما تقدّم وذلك لوقوعها بين قسم وجوابه كقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)(٥) ، ومنه قول الشاعر :

١٨٨٧ ـ لعمري وما عمري عليّ بهيّن

لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع (٦)

وبين نعت ومنعوت نحو قوله : (لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ،) وبين فعل ومفعوله نحو :

١٨٨٨ ـ وبدّلت والدّهر ذو تبدّل

هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل (٧)

__________________

(١) البيت من الطويل لرجل من دارم هو جويرية بن زيد. وينظر في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٦) ، والارتشاف (٢ / ٣٧٢) ، والمغني (ص ٣٨٧).

(٢) سورة النساء : ١٣٥.

(٣) أي : على أن جواب الشرط (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى) والقول الثاني كما قال ابن هشام : والظاهر أن الجواب (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) ينظر : المغني (٣٨٩).

(٤) الأبيات من الكامل ، وهي في : ديوان عنترة (ص ١٢١) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٦). والمهبّل : الثقيل ، والمجدّل : المطروح على الأرض.

(٥) سورة الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧.

(٦) البيت من الطويل وقائله النابغة الذبياني وينظر في : ديوانه (ص ٨٠) ، وكتاب سيبويه (٢ / ٧٠) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٦) ، والمغني (ص ٣٩٠).

(٧) البيتان من الرجز المشطور ، وقائلهما أبو النجم ، وينظر في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٦) ، والارتشاف (٢ / ٣٧٣) ، والمغني (ص ٣٨٧) ، والهمع (١ / ٢٤٨).

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبين (كأنّ) واسمها ، نحو قول الشاعر :

١٨٨٩ ـ كأنّ وقد أتى حول جديد

أثافيها حمامات مثول (١)

وأشار المصنف بقوله : ويميزها من الحالية ... إلى آخره ، إلى أنّ الفارق بين الجملة الاعتراضية والجملة الحالية ثلاثة أمور :

الأول : امتناع قيام مفرد مقامها إذا كانت اعتراضية ، وجوازه إذا كانت حالية.

قال المصنف : فلو أقمت مفردا مقام «ولا عتب في المقدور» لوجدته ممتنعا ، وكذا سائر الأمثلة التي بعده (٢).

الأمر الثاني : جواز اقتران الاعتراضية بالفاء أو بـ (لن) أو بحرف تنفيس.

فمثال الأول قوله تعالى : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما)(٣). ومنه قول الشاعر [٣ / ٨٧] :

١٨٩٠ ـ ألا أبلغ بنيّ بني ربيع

فأشرار البنين لهم فداء

بأنّي قد كبرت وطال عمري

فلا تشغلهم عنّي النّساء (٤)

وقول الآخر :

١٨٩١ ـ واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كلّ ما قدرا (٥)

ومثال الثاني قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا)(٦). ـ

__________________

والهيف : ريح حارة تأتي من قبل اليمن ، والدبور : ريح مهبها مغرب الشمس ، والصّبا : مهبها مطلع الشمس.

(١) البيت من الوافر ، وقائله أبو الغول الطهوي وينظر في : نوادر أبي زيد (ص ١٥١ ، ١٨٦) ، والخصائص (١ / ٣٣٨) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٧) ، والمغني (ص ٣٩٢) ، والهمع (١ / ٢٤٨).

والأثافي : جمع أثفية ، وهي الحجارة التي توضع عليها القدر ، والمثول : من الأضداد ، ويطلق على ما التصق بالأرض ، وعلى المنتصبات.

(٢) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٧٧).

(٣) سورة النساء : ١٣٥.

(٤) البيتان من الوافر ، وقائلهما الربيع بن ضبع الفزاري وهما في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٧) ، والخزانة (٧ / ٣٨١).

(٥) البيت من الكامل ، ولم يعرف قائله ، وينظر في : شرح المصنف (٢ / ٣٧٧) ، والمغني (ص ٣٩٨) ، وشرح الشذور (ص ٢٨٣) ، والفوائد الضيائية للجاحي (٢ / ٣٤٩) ، والداودي على ابن عقيل (١ / ٧٠٨).

(٦) سورة البقرة : ٢٤.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثال الثالث قول زهير :

١٨٩٢ ـ وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء (١)

الأمر الثالث : كونها طلبية ، كقوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ)(٢) فـ (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) جملة معترضة بين (تُؤْمِنُوا) و (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ.)

ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)(٣) اعترضت بين (فَاسْتَغْفَرُوا)(٤) و (لَمْ يُصِرُّوا)(٥) وهما جملتان معطوف إحداهما على الأخرى في صلة (الَّذِينَ.) ومن ذلك قول الشاعر :

١٨٩٣ ـ إنّ سليمى ـ والله يكلؤها ـ

ضنّت بشيء ما كان يرزؤها (٦)

فقوله : «والله يكلؤها» دعاء ، وقد اعترضت بين اسم (إنّ) وخبرها. وأراد المصنف بجعله (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) طلبية ، أنها طلب في الصورة ، وإن كانت خبرا من حيث المعنى.

وزعم أبو علي أنّ الاعتراض لا يكون إلّا بجملة واحدة (٧).

وردّ المصنف ذلك عليه ، فإنّ الاعتراض بجملتين كثير ، ومنه قول زهير :

١٨٩٤ ـ لعمر أبيك والأنباء تنمي

وفي طول المعاشرة التّقالي

لقد باليت مظعن أمّ أوفى

ولكن أمّ أوفى لا تبالي (٨)

__________________

(١) البيت من الوافر ، وقائله زهير بن أبي سلمى وهو في شرح ديوانه للأعلم (ص ٧٢) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٧) ، والمغني (ص ٤١).

(٢) سورة آل عمران : ٧٣.

(٣ و٤ و٥) سورة آل عمران : ١٣٥.

(٣ و٤ و٥) سورة آل عمران : ١٣٥.

(٣ و٤ و٥) سورة آل عمران : ١٣٥.

(٦) البيت من المنسرح ، وقائله : ابن هرمة وينظر : في ديوانه (ص ٥٥) والأمالي الشجرية (١ / ٢١٥) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٨) ، والمغني (٣٩٦). يكلؤها : يحفظها ، ويرزؤها : ينقصها ويضرها.

(٧) ينظر : الارتشاف (٢ / ٣٧٥) ، والمغني (ص ٣٩٤).

(٨) البيتان من الوافر ، وقائلهما زهير بن أبي سلمى ، وهما في ديوانه (ص ٨٦) بشرح الأعلم ، وصدر الأول منهما :

لعمري والخطوب مغيّرات

وكذلك في المغني (ص ٣٩٥) ، وهما بالرواية المذكورة هنا في شرح المصنف (٢ / ٣٧٨).

والتقالي : التباغض ، وباليت : اكترثت.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن ذلك قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(١).

وقال الزمخشري : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٢) اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهما (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً)(٣) و (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى)(٤).

وهذا اعتراض بكلام تضمّن سبع جمل. انتهى (٥).

وقال الشيخ : بل هي أربع : جملة (لو) وجملة جوابها ، وجملة الاستدراك ، وجملة العطف عليه. انتهى (٦).

وقد يقال : جملة (لو) وجملة جوابها في حكم جملة واحدة ، وعلى هذا يكون الاعتراض بثلاث جمل لا غير.

وينبغي أن يتعرض هنا لذكر الجمل ، وتمييز ما له محلّ منها مما ليس له ذلك :

والضابط فيه أنّ كل جملة وقعت موقع مفرد كان لها محلّ ، وما لا فلا ، وقد قسمت الجمل بالاعتبار المذكور إلى ثمانية أقسام ، أربعة منها لها محلّ ، وهي :جملة الخبر ، والحال ، والصفة ، والمضاف إليها ، وكل منها مذكور في بابه. وأربعة منها ليس لها محلّ ، وهي : الجملة الابتدائية ، والجملة الموصول بها ، والجملة المفسّرة ، والجملة الاعتراضية.

وقال الشيخ : إنّ الجمل التي لا محلّ لها اثنا عشر قسما فذكر الأربعة المشار إليها ، وذكر أقساما كلها ترجع إلى الجملة الابتدائية ، وعدّد أيضا صورا من الجمل التي لها محلّ ، والكلّ داخل تحت الضابط المتقدّم (٧) ، فتركت التعرّض له لذلك.

__________________

(١) سورة النحل : ٤٣ ، ٤٤.

(٢) سورة الأعراف : ٩٦.

(٣) سورة الأعراف : ٩٥.

(٤) سورة الأعراف : ٩٧.

(٥) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٧٨) ، وما ذكر هو ما فهمه من كلام الزمخشري ، وليس هذا نصه.

يراجع الكشاف (٢ / ٩٨) ، والمغني (ص ٣٩٤ ، ٣٩٥).

(٦) ينظر : التذييل (٣ / ٨٦٦).

(٧) ينظر : الارتشاف (٢ / ٣٧٥ ، ٣٧٦).

٢٤٨

الباب التاسع والعشرون باب التّمييز

[تعريفه]

قال ابن مالك : (وهو ما فيه معنى «من» الجنسيّة من نكرة منصوبة فضلة غير تابع) (١).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : المقصود بالحدّ المذكور : يطلق عليه التمييز والتبيين والتفسير والمميز والمبين والمفسّر ، والتمييز أغلب ألقابه ، وهو في الأصل مصدر ميّز الشيء إذا فصله وأفرده من غيره ، والثلاثي منه (ماز) يقال : «مز ذا من ذا» أي : افصله ، ومنه قوله تعالى : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ)(٢) فقوله : ما فيه معنى (من) يشمل التمييز نحو : «امتلأ الإناء ماء ، وله رطل زيتا» وثاني منصوبي (استغفر) كـ (ذنبا) من قول الشاعر :

١٨٩٥ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٣)

والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في نحو : «هو حسن وجهه». والنكرة المضاف إليها في نحو : «رطل زيت» واسم (لا) المحمولة على (إنّ) نحو : «لا خير من زيد فيها» وتابع العدد إذا كان من جنس المعدود نحو : «قبضت عشرة دراهم» ونحو : (أَسْباطاً) من قوله تعالى : (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً)(٤) وصفة اسم (لا) المنصوبة به نحو : «لا رجل ظريفا».

فأخرج ثاني منصوبي (أستغفر) بقوله : الجنسية ، والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في المثال المتقدم بقوله : نكرة. والنكرة المضاف إليها المفيدة للتمييز ـ

__________________

(١) تسهيل الفوائد (ص ١١٤).

(٢) سورة يس : ٥٩.

(٣) البيت من البسيط ولم يعرف قائله. وينظر : في الكتاب (١ / ٣٧) ، والمقتضب (٢ / ٣٢٠) ، والخصائص (١ / ٣٨٤) ، وشرح المصنف (٢ / ٣٧٩).

وشاهده : قوله : «أستغفر الله ذنبا» ؛ حيث نصب ذنبا على المفعولية ، ولا يجوز نصبه على التمييز وإن كان بمعنى «من» لأن معناها ليس للجنس.

(٤) سورة الأعراف : ١٦٠.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله : منصوبة ، واسم (لا) بقوله : فضلة ، وتابع العدد المذكور وصفة اسم (لا) المنصوبة بقوله : غير تابع.

قال المصنف (١) : واحترز بـ : ما فيه معنى (من) من الحال ، فإنها تشارك التمييز فيما سوى ذلك من القيود.

ولا يخفى ما في هذا الحدّ من القلق ، وإنّ قوله : احترز بـ : ما فيه معنى (من) من الحال لا يحتاج إليه ، مع أنّ الجنس لا يؤتى به للاحتراز ، لكنّ المصنف لا يعتبر ذلك ، وكأنّه لمّا لم يتعين عنده المذكور أولا للجنسية ؛ جاز أن يحترز به [٣ / ٨٨] كما يحترز بالفصول ، ولكن ترك هذا أولى.

وقد ناقشه الشيخ في قوله : ما فيه معنى (من) قال : إنّ التمييز المنقول ليس فيه معناها. وفي قوله : غير تابع قال : لا يحتاج إليه ؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه ، إنّما هو بحسب المتبوع.

قال : وكذا صفة اسم (لا) لا يحترز منها ؛ لأنها يجوز رفعها بخلاف التمييز فإنه ملتزم فيه النصب ، وأيضا ليس في الصفة المذكورة معنى (من) فلم يدخل أولا ليحترز عنه ثانيا. انتهى (٢).

أما قوله : إنّ التمييز المنقول ليس فيه معنى (من) ـ فظاهر ، إلّا أن يدّعي المصنف التعميم ويقول : لا يلزم من عدم جواز ظهور (من) معه فيما ذكرتم ألّا يفسّر بها المعنى ، فكم من مقدّر معنى وظهوره ممتنع.

وأمّا قوله : إنه لا يحتاج لقوله : غير تابع ؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه ـ فالمصنف إنّما احترز به على تقدير تبعيته للأول ما دام منصوبا.

وأمّا قوله : إنّ صفة اسم (لا) يجوز رفعها ، فنقول : ما احترز عنها إلا ما دامت منصوبة.

وأمّا قوله : إنّ صفة اسم (لا) ليس فيها معنى (من) فصحيح. والأقرب في حدّ التمييز ما ذكره ابن الحاجب وهو : ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة ـ

__________________

(١) شرح المصنف (٢ / ٣٧٩).

(٢) ينظر : التذييل (٤ / ٥ ، ١٢ ، ١٣) رسالة بتحقيق د / الشربيني أبو طالب ، رحمه‌الله تعالى.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أو مقدّرة (١).

فقوله : «يرفع الإبهام» يشمل التمييز وغيره كالحال. وقوله : «عن ذات» يخرج غير التمييز. وقوله : «المستقر» يخرج به نحو : (مبصرة) من قولك : «عين مبصرة» ؛ لأنّه يرفع الإبهام عن ذات وليس بتمييز ؛ لأنّ الإبهام فيها غير مستقر ، بخلاف نحو : (عشرين) فإنّه موضوع لذات مبهمة في أصل الوضع ، و (عين) وضع دالّا على كلّ واحد من مدلولاته ، وإنما عرض الإبهام فيه من جهة تعدد الوضع. وقوله : «مذكورة أو مقدّرة» تقسيم للتمييز ، فإنّه يكون عن ذات ذكرت كـ «عشرين درهما» ويكون عن ذات مقدّرة كـ «حسن زيد أبا» ؛ لأنّ (حسن) مسند في اللفظ إلى (زيد) وهو في المعنى مسند لمقدّر متعلق بـ (زيد) ، وذلك المقدّر مبهم لاحتمال متعلقاته كلها ، فإذا قلت : (أبا) فقد رفعت الإبهام عن الذات المقدّرة ، كما رفعت الإبهام في «عشرين درهما» عن الذات المذكورة ومميز الذات المذكورة هو مميز المفرد ، ومميز الذات المقدّرة هو مميّز الجملة (٢).

وحقيقة الذات المقدّرة أنّها النسبة الحاصلة بين منتسبين فكلما ميّز نسبة أطلق عليه مميّز جملة ، وما لم يميز نسبة فهو مميز مفرد ، ويعبّر النحويون عن القسم الأول ـ أعني مميز الجملة ـ بأنه المنتصب عن تمام الكلام ، وعن القسم الثاني بأنه المنتصب عن تمام الاسم.

واعلم أن التمييز مناسب للحال من وجوه ومفارق لها من وجوه :

أمّا المناسبة : فكونهما نكرتين ، ويأتيان بعد تمام الكلام ، ويبيّن بهما ، فالتمييز يبيّن به الذوات ، والحال يبين بها الهيئات.

وأمّا المفارقة : فمن جهة أنّ الحال بابها الاشتقاق ، والتمييز بابه الجمود. والحال يحسن معها تقدير (في) ، والتمييز يحسن معه تقدير (من). والحال ليس في تقديمها على العامل المتصرف خلاف بين البصريين ، وفي التمييز خلاف. والحال تكون منتقلة في أحد أقسامها ، والتمييز لا يكون منتقلا. والحال تقع جملة ، ـ

__________________

(١) ينظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (١ / ٣٤٨) وهذا تعريف الزمخشري.

(٢) استفاد هذا الشرح من كلام ابن الحاجب. يراجع الإيضاح في شرح المفصل (١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠).

٢٥١

[قسما التمييز : ما يميز مفردا وما يميز جملة]

قال ابن مالك : (ويميز إمّا جملة ـ وستبيّن ـ وإمّا مفردا عددا أو مفهم مقدار أو مثليّة ، أو غيريّة ، أو تعجّب بالنصّ على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين ، أو نون تثنية أو جمع أو شبهه) (١).

______________________________________________________

والتمييز ليس كذلك (٢).

قال ناظر الجيش : قد تقرر أنّ التمييز قسمان : قسم يميّز المفرد ، وقدّم المصنف ذكره ، وقسم يميّز الجملة ، وقد أخّر المصنف الكلام عليه.

وعند صاحب الكتاب (٣) أنّ مميز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النسبة ، نحو : «طاب زيد نفسا» و (فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٤). ومميز المفرد ما عدا ذلك ، ولهذا عدّ من مميز المفرد نحو : «هو طيب نفسا ، ومنشرح صدرا» كما سيأتي بعد عند ذكر العامل في التمييز ، وما ذكره غير ظاهر فإنّ المبهم في هذين المثالين إنّما هو النّسبة ، وكلّما ميّز نسبة فهو من قبيل مميّز الجملة لا المفرد ، وليس من شرط النسبة وجود جملة ، بل وجود المنتسبين ، كان بينهما إسناد جملي أو لم يكن.

وقد حقّق ابن الحاجب ذلك فقال : الذات المقدّرة إنّما تكون باعتبار النسب ، وذلك في الجمل كـ «حسن زيد أبا» وما يضاهيها من الصفة المنسوبة لمعمولها نحو : «زيد حسن أبا» والمضاف بالنسبة إلى المضاف إليه نحو : «يعجبني حسن زيد أبا» ؛ لأنها جميعها قصد فيها إلى نسبة الحكم إلى متعلق بالمذكور ، وهو مبهم فكان ما ذكره تمييزا له. انتهى (٥).

وإذا كان المميز في «طاب زيد نفسا» وفي «هو طيب نفسا» واحدا ، وهو النسبة فكيف نخصّ مميز الأول باسم مميز الجملة دون مميز الثاني ، وكأنّ المصنف لاحظ صورة الجملة فقط دون التفات إلى المعنى ، وهو غير واضح ؛ لأنّ التمييز إنما ـ

__________________

(١) تسهيل الفوائد (ص ١١٤).

(٢) انظر ما اجتمع فيه الحال والتمييز وما افترقا بتفصيل أكثر في كتاب مغني اللبيب (٢ / ٤٦٠) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين ، وكتب المتأخرين الأخرى آخر البابين.

(٣) يقصد المصنف ابن مالك.

(٤) سورة القمر : ١٢.

(٥) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل (١ / ٣٥٠).

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

انقسم إلى القسمين المذكورين باعتبار ما ميّزه ، لا باعتبار ما يذكر معه من جملة أو غيره.

وقسّم المصنف المفرد إلى عدد وإلى ما أفهم مقدارا ، أو مثليّة أو غيريّة ، أو تعجّبا :

فالعدد نحو : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً)(١) ، و (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً)(٢).

والذي يفهم المقدار يتناول الكيل والوزن والمساحة ، نحو : «إردبّ قمحا ، ورطل زيتا ، وقدر راحة سحابا» وإنّما أفرد المصنف العدد بالذكر ولم يدخله تحت مفهم المقدار ، وإن كان مقدارا من جهة أنه ليس له آلة يعرف بها (٣) كالمكيال للمكيل ، والميزان للموزون ، والذراع للممسوح ، على أنّ بعضهم أدرجه في المقادير ولم [٣ / ٨٩] يلتفت إلى هذا ، وكذا فعل ابن الضائع (٤).

ومفهم المثليّة نحو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (٥) ، ومنه قول الشاعر :

١٨٩٦ ـ فإن خفت يوما أن يلجّ بك الهوى

فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا (٦)

وقول العرب : «لنا أمثالها إبلا».

ومفهم الغيريّة نحو قولهم : «لنا غيرها شاء».

ومفهم التعجب نحو : «ويحه رجلا ، وحسبك به فارسا ، ولله درّه إنسانا (٧) ، ـ

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٤٢.

(٢) سورة يوسف : ٤.

(٣) ينظر : التذييل (٤ / ٢٠ ـ ٢٢) ، وفيه قال : وجعل المصنف مفهم مقدار قسيما للعدد هو قول أبي علي الفارسي ، قال في الإيضاح : والمقادير على ثلاثة أضرب : ممسوح ومكيل وموزون ، وكذا قال ابن عصفور. وينظر : الإيضاح (ص ١٨٠) ، والمقرب (١ / ١٦٤).

(٤) قال أبو حيان : وأدرج شيخنا أبو الحسن الأبّذي وابن الضائع تحت المقادير العدد. التذييل (٤ / ٢١) ، وينظر : شرح الجمل لابن الضائع (١ / ١٤٦ أ) مخطوط تحت رقم (٢٠ نحو).

(٥) ينظر في : سنن أبي داود (٢ / ٥١٨) ، وصحيح البخاري (٢ / ٢٩) وذكر في شرح المصنف (٢ / ٣٨٠) ، والتذييل (٤ / ٢٣).

(٦) البيت من الطويل ، وقائله الرماح بن أبرد ، وينظر في شرح المصنف (٢ / ٣٨٠) ، وشرح الكافية الشافية (٢ / ٧٧٣) ، والتذييل (٣ / ٧٢٥) ، (٤ / ٢٤).

(٧) تنظر هذه الأقوال في : شرح المصنف (٢ / ٣٨٠).

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

و :

١٨٩٧ ـ ...

 ... أبرحت جارا (١)

و :

١٨٩٨ ـ ...

يا جارتا ما أنت جاره (٢)

واعلم أنّ مميز المفرد أكثره فيما كان مقدارا وإن جاء في غيره فلشبهه به ومناسبته إيّاه ، وذلك قليل ، ومنه الأمثلة السابقة المتقدمة.

قال الشيخ : مذهب الفارسي أنّ (مثلا) ليس من المقادير (٣). وعلى هذا أتى به المصنف فعطفه على المقدار. وجعله سيبويه من المقادير (٤) ، ووجهه أنّ مثل الشيء يساويه ويقادره في الشيء الذي أشبهه فيه (٥). وقال ابن الضائع : «لي مثله رجلا» شبيه بالمقادير ؛ لأنّه لمّا حذف موصوف «مثله» وانبهم أشبه المقدار ، وقد جعله سيبويه ـ لشبهه بالمقادير ـ منها (٦).

وقال الشيخ أيضا : إنّ سيبويه جعل «ويحه رجلا ، وحسبك به فارسا ، ولله درّه إنسانا» شبيهة بالمقادير. انتهى (٧). ـ

__________________

(١) جزء من بيت للأعشى وهو بتمامه :

تقول ابنتي حين جدّ الرّحي

ل أبرحت ربّا وأبرحت جارا

وهو من المتقارب ، وينظر في : ديوانه (ص ٤٩) ، والكتاب (١ / ٢٩٩) ، والإيضاح لابن الحاجب (١ / ٣٥٠). والمراد بالربّ هنا الممدوح.

(٢) من مجزوء الكامل للأعشى أيضا وسبق تخريجه في باب الحال.

(٣) ينظر : التذييل (٤ / ٢٤) ، وعبارة الفارسي في الإيضاح : وقالوا : «لي مثله رجلا» فنصبوا «رجلا» لحجز الإضافة بينه وبين «مثل» وإن لم يكن ما تقدم من المقادير ، ولكن لما كان «مثله» شائعا في أشياء مبهما فيها صار الناصب لذلك في التبيين كتبيين الناصب في المقادير. (ص ١٨٠) بتحقيق د / كاظم المرجان.

(٤) ينظر : الكتاب (٢ / ١٧٢).

(٥) ينظر : التذييل (٤ / ٢٤).

(٦) السابق نفسه ، وينظر : شرح الجمل لابن الضائع (١ / ١٤٦ بـ مخطوط).

(٧) التذييل (٤ / ٣٢) ، وينظر : الكتاب (٢ / ١٧٤) ، وعبارته : هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير ، وذلك قولك : «ويحه رجلا ، ولله درّه رجلا ، وحسبك به رجلا» وما أشبه ذلك.

ثم قال : وانتصب الرجل ؛ لأنه ليس من الكلام الأول ، وعمل فيه الكلام الأول ، فصارت الهاء بمنزلة التنوين. ومع هذا أيضا أنّك إذا قلت : ويحه فقد تعجبت وأبهمت من أيّ أمور الرجل تعجبت ، وأي الأنواع تعجبت منه ، فإذا قلت : فارسا وحافظا فقد اختصصت ولم تبهم ، وبيّنت في أي نوع هو. اه.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يريد سيبويه أنّها شبيهة بالمقادير في المقدارية ؛ لأنّ هذا لا يصحّ وإنّما أراد أنّ في نحو : «حسبك به فارسا» احتمالات مبهمة والتمييز أزالها كما أزال الإبهام عن المقدار ، وكذا إذا قيل : «لله درّه فارسا» ؛ لأنّه يتعجب منه في صور شتّى ، فلا يعلم أيّها هو ، فـ (فارسا) بيّن أنّ التعجب وقع من فروسيته (١).

ولم يجعل ابن الحاجب التمييز في نحو : «لله درّه فارسا ، وحسبك به شجاعا» مميز مفرد ، قال : لأنّ المعنى فيه : لله درّ فروسيّته ، فهو مثل : «يعجبني حسن زيد أبا» والمعنى : حسن أبوّته ، وإذا كان المعنى كذلك فهو من باب تمييز الجمل ؛ لأنه من باب تمييز النسبة الإضافية ، وكذا المعنى في «حسبك به ناصرا» : حسبك بنصرته (٢).

وفي كلام ابن الدّهان ما يعضد هذا ، فإنّه قال ـ بعد أن نفى أن يكون هذا من التمييز المنقول ، ومن الذي انتصب عن تمام الاسم في المقادير ـ : والذي عندي في هذا أنّ التقدير : لله درّ شجاعته زيد ، ثم نقل «زيد» فجعل مضافا إليه «در» فخرجت «الشجاعة» تمييزا ، وقام «الشجاع» مقامها توسعا.

قال : وكذلك :

١٨٩٩ ـ يا جارتا ما أنت جاره (٣)

في أحد قولي الفارسي (٤) ، تقديره : ما جوارك ، أقام الكاف مقام الجوار ، فقال :ما أنت ، فخرج الجوار منصوبا على التمييز ، وجعل موضعه (جارة) كما تقدّم. وإن جعل (ما) نافية ، وجعل (جارة) خبر (أنت) استراح ، أي : ما أنت جارة ، بل أكثر من ذلك. انتهى كلام ابن الدهان ، ولا يبعد المعنى على ما قرره.

ومعنى «أبرحت جارا» بيّن أن الإعجاب من جهة الجوار ، فعلى هذا التمييز للنسبة ، وكلام المصنف إنما هو في تمييز المفرد ، فلا ينبغي التمثيل به في هذا الفصل. قال الشيخ : «أبرحت جارا» من قول الشاعر :

١٩٠٠ ـ فأبرحت ربّا وأبرحت جارا

ـ

__________________

(١) وهذا مفهوم كلامه السابق.

(٢) ينظر : الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (١ / ٣٥٥).

(٣) سبق تخريجه.

(٤) ينظر : الإيضاح للفارسي (ص ١٨٠) بتحقيق د / كاظم المرجان.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أنشده سيبويه ، وقال الأعلم : هو عجز بيت ، وأوله :

١٩٠١ ـ تقول ابنتي حين جدّ الرّحي

ل أبرحت ربّا وأبرحت جارا (١)

قال : وذهب الأعلم إلى أنه مما انتصب عن تمام الكلام ، وأنه منقول من فاعل ، وتقديره : أبرح ربّك وأبرح جارك ، فأسند الفعل إلى غيرهما ، ثم نصبهما تفسيرا.

وذهب ابن خروف إلى أنّه مما انتصب عن تمام الاسم ، وعلى هذا أنشده سيبويه ، وجاء به على أن الربّ هو التاء في أبرحت وهو خطاب الشاعر لممدوحه ، ويقوي ذلك إنشاده إياه : (فأبرحت) بالفاء ، ولا يصح إيصاله بصدر البيت على أن يكون معمولا للقول ، فلا يكون عجزا لذلك الصدر. انتهى (٢).

وعلى ما ذهب إليه ابن خروف من أنّه تمييز منتصب عن تمام الاسم يحسن تمثيل المصنف به ومجيئه بذلك على أنه من قبيل مميز المفرد ، لكن الظاهر خلاف ذلك ، وتفسيرهم إياه بأن معناه : أعجبت جارا وأنّ الإعجاب من جهة الجوار يدلّ على أنّ التمييز فيه مميز جملة ، لا مميز مفرد ، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يمثل به المصنف ؛ لأنّه بصدد ذكر مميز المفرد ، وهذا مميز جملة.

والباء من قوله (٣) : بالنصّ على جنس المراد تتعلق بـ : يميّز.

قال الشيخ : وينبغي أنّ النكرة إذا لم يكن فيها بيان ألّا تقع تمييزا.

وقد اختلفوا من ذلك في مسائل :

منها :

(ما) في باب (نعم) أجاز الفارسيّ أن تكون تامة بمعنى «شيء» وتنتصب تمييزا (٤) ، وتبعه الزمخشري (٥) ، ومنع ذلك غيره (٦). ـ

__________________

(١) البيت للأعشى وسبق تخريجه وينظر : الكتاب (٢ / ١٧٥) ، وتحصيل عين الذهب للأعلم بهامش الكتاب (١ / ٢٩٩) بولاق.

(٢) انتهى كلام الشيخ : أبي حيان وينظر : في التذييل (٤ / ٢٤ ـ ٣٣).

(٣) أي : المصنف في المتن.

(٤) ينظر : المسائل الشيرازيات للفارسي (٢ / ٥٥٠) رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس تحقيق د / علي منصور تحت رقم (٢١١٢١٠).

(٥) ينظر : المفصل (ص ٢٧٣) ، وشرح المفصل (٧ / ١٣٤).

(٦) منهم أبو ذرّ مصعب بن أبي بكر الخشني. التذييل (٤ / ٣٧).

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : (مثل) أجاز سيبويه التمييز بها ، فتقول : «لي عشرون مثله» (١) وحكى «لي ملء الدار أمثالك» (٢) ومنع ذلك الكوفيون (٣).

ومنها : (غير) أجاز يونس التمييز بها ، فتقول : «لي عشرون غيرك» (٤) ومنع ذلك الفراء (٥). قال (٦) : وهو أحرى أن يمنعه الكوفيون ، وقد تلقى سيبويه هذا عن يونس بالقبول ، فينبغي أن ينسب إليه جوازه.

ومنها : «أيّما رجل» أجاز التمييز بها الجمهور ، ومنع ذلك الخليل وسيبويه (٧).

وتمام المميز بإضافة نحو : «لله درّه إنسانا» ، و (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً)(٨) ، و (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(٩) ، ومنه «زيد أشجع الناس رجلا».

وتمامه بتنوين نحو : «رطل زيتا ، ومدّ برّا». [٣ / ٩٠] وقد يكون التنوين مقدرا كما يأتي تمثيله.

وتمامه بنون تثنية نحو : «لي منوان سمنا» وتمامه بنون جمع نحو : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً)(١٠).

وجرى المصنف في تمثيله بهذه الآية الكريمة ، وبنحو : (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) وما يورده من المضاف في قسم مميز المفرد على ما تقدّم تقريره عنه في ذلك ، وقد علمت مما تقدّم أنّ هذا قسم مميز الجملة ، لأنه ميّز نسبة.

وتمامه بنون شبه الجمع نحو : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً)(١١).

قال المصنف : وفهم من سكوتي عن نون شبه المثنى أنّ التمييز لا يقع بعده ، ويعني بذلك «اثنين واثنتين» (١٢).

__________________

(١) ينظر : الكتاب (١ / ٤٢٧). (٢) ينظر : الكتاب (٢ / ١٧٣).

(٣) ينظر : الهمع (١ / ٢٥٠). (٤) ينظر : الكتاب (١ / ٤٢٨).

(٥) ينظر : الهمع (١ / ٢٥٠).

(٦) القائل هو أبو حيان في التذييل (٤ / ٣٨).

(٧) إلى هنا انتهى نقله عن أبي حيان وينظر في : التذييل (٤ / ٣٦ ـ ٣٩).

(٨) سورة آل عمران : ٩١.

(٩) سورة المائدة : ٩٥.

(١٠) سورة الكهف : ١٠٣.

(١١) سورة الأعراف : ١٤٢.

(١٢) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٨٠ ، ٣٨١).

٢٥٧

[أحكام تمييز المفرد]

قال ابن مالك : (وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل أو شبهه ، ويجرّه بالإضافة إن حذف ما به التّمام ، ولا يحذف إلّا أن يكون تنوينا ظاهرا في غير «ممتليء ماء» ونحوه ، أو مقدّرا في غير «ملآن ماء» و «أحد عشر درهما» و «أنا أكثر مالا» ونحوهنّ ، أو يكون نون تثنية ، أو جمع تصحيح ، أو مضافا إليه صالحا لقيام التّمييز مقامه في غير «ممتلئين أو ممتلئين غضبا») (١).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : قد تقدّم أنّ هذا الفصل معقود لتمييز المفرد فالأحكام التي يذكرها راجعة إليه ، لا إلى مميز الجملة ، فنبّه الآن على أنّ ناصب التمييز ما ميّزه ، ومثال ما ينصبه لشبهه بالفعل : «هو مسرور قلبا ، ومنشرح صدرا ، وطيّب نفسا باشتعال رأسه شيبا ، وسرعان ذا إهالة» (٢).

وأما ما ينصبه مميزه لشبهه شبه الفعل فمميز العدد ، ومبهم المقدار ، وكذا مميّز مفهم المثليّة والغيريّة والتعجب ، وقد تقدمت أمثلة ذلك فلا حاجة إلى إعادتها.

واستثنى المصنف من الأمثلة المتقدمة «أبرحت جارا» (٣).

قال الشيخ : لأنّ (جارا) منصوب بالفعل ، لا بشبه الفعل ، ولا بشبه شبه الفعل ، ولهذا استثناه مما قبله. انتهى (٤).

ولا ينتظم تمثيل المصنف به أولا مع استثنائه عند ذكر العامل ثانيا ، واعتذار الشيخ عنه بأنّه إنما استثناه لكون الفعل عاملا لا شبهه ، ولا شبه شبهه ؛ لأنّ (جارا) إمّا مميز جملة ، أو مميز مفرد ، إن كان الأول صحّ أن يقال : العامل فيه الفعل لكن ليس لذكره مع الأمثلة المتقدّمة وجه ، فإنّ المميز فيها مميّز مفرد ، وإن كان الثاني صحّ أن يمثل به لكن لا وجه لاستثنائه ، ولا لقول الشيخ العامل فيه الفعل ، وقد تقدّم ذكر الخلاف في المثال المذكور ، وأنّ الظاهر فيه أنه من قبيل مميز الجملة لا المفرد.

وقد مثّل المصنف للعامل في التمييز لشبهه بالفعل بنحو : «هو مسرور قلبا ، ـ

__________________

(١) تسهيل الفوائد (ص ١١٤).

(٢) ينظر : التذييل (٤ / ٤١).

(٣) ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣٨١).

(٤) ينظر : التذييل (٤ / ٤٢).

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنشرح صدرا (١) ... إلى آخره ، والمميز نسبة الكلام في هذا الفصل إنّما هو تمييز لمفرد ، والمصنف في هذا جار على اصطلاحه الذي تقدّم ذكره عنه ، وهو فيه مخالف لاصطلاح النحاة.

وقد يقال : إن المصنف يرى أنّ مميز النسبة قسمان ، فالنسبة التي تتضمنها جملة يسمّى مميّزها مميّز جملة ، والنسبة التي لا تتضمنها جملة يسمّى مميزها مميز مفرد.

والجواب : أنّ في كلام المصنف ما يدفع أنه يرى هذا ، وذلك أنه حصر مميز المفرد في العدد وفي ما أفهم مقدارا أو مثليّة أو غيريّة أو تعجبا ، وليس التمييز في نحو : «هو مسرور قلبا» مميّز شيء منها ، فيلزم المصنف القول بأنه مميز جملة لذلك.

ثم إنّ قوله : وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل وتمثيله بنحو : «هو مسرور قلبا ...» إلى آخره فيه إشكال (٢) ، وتدافع ظاهر ، فإنه قد تقرر أنّ العامل في التمييز إذا كان عن مفرد نفس ذلك المفرد المميز ، ولا شبهة في أنّ المميز في نحو : «هو مسرور قلبا» هو النسبة ، فينبغي أن تكون هي العاملة ، وقد قال : إنّ العامل هو (مسرور) ونحوه من الصفات لشبهها بالفعل ، فيقتضي أن يكون المميز في الأمثلة التي ذكرها الصفات المذكورة لقوله : وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل ولا قائل بذلك.

وإذا تقرر هذا علم أنّه لم يتحقق في تمييز المفرد التمثيل بما يكون العامل فيه شبه الفعل ، وأمّا التمثيل لشبه شبه الفعل فصحيح ، لكن الذي يقتضيه كلام المصنف أنّ أسماء الأعداد والمقادير وما ذكر معها عملت في التمييز لشبهها باسم الفاعل.

وقال الشيخ (٣) : عملت هذه الأسماء ـ يعني «عشرين ، وقفيزا ، ورطلا ، وذراعا» ـ وإن كانت جوامد ؛ لأن عملها على طريق التشبيه.

واختلف البصريون في الذي شبهت به : فقيل : شبهت باسم الفاعل لطلبها اسما بعدها ، كما أنّ اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال كذلك وقيل : لشبهها بـ (أفعل ـ

__________________

(١) لم يذكر المصنف هذه الأمثلة وإنما نقل المؤلف هذا الكلام عن أبي حيان في التذييل (٤ / ٤٢) ، ويراجع كلام المصنف في شرحه (٢ / ٣٧٩ ـ ٣٨١) المطبوع.

(٢) ولذلك أسقطها المصنف من شرحه كما أشرت سابقا.

(٣) انظر هذا النقل الطويل لأبي حيان من كتابه التذييل والتكميل (٤ / ٤٤). وهو تحقيق د / الشربيني أبو طالب.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من) في طلبها اسما بعدها على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير كذلك ، فالفعل هو الأصل ؛ لأنه يعمل معتمدا وغير معتمد ، واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في السببي والأجنبي ، والصفة المشبهة تعمل في المعرفة والنكرة ولا تعمل إلّا في السببي ، و (أفعل من) لا تعمل إلّا في النكرة ، لكنها تتحمل الضمير ، فكل واحد من هذه أضعف من الذي قبله من الجهات التي ذكرناها ، فشبه هذه الأسماء بـ (أفعل من) أقوى من شبهها باسم الفاعل. انتهى (١).

وفهم من هذا : أنّ النصب في التمييز يكون في خامس رتبة من منصوب الفعل ؛ لأنّ النصب بعدها مشبه بنصب (أفعل من) و (أفعل منه) مشبّه بالصفة المشبهة ، وهي مشبهة باسم الفاعل وهو مشبه بالفعل.

وعلى ما أشعر به كلام المصنف [٣ / ٩١] يكون التمييز في ثالث رتبة من منصوب الفعل.

وقد قيل : إن العامل في التمييز هو التنوين والنون والإضافة.

وتحقيق ذلك أنّ الاسم عامل بتمامه بأحد الثلاثة ، لا أنّها هي العاملة.

وقيل : العامل الظرف أو شبه الظرف المذكور مع الاسم المميز نحو : «لي عشرون جملا» (٢).

وهو منقوص بما إذا جيء بالعدد ونحوه وليس مذكورا معه ظرف أو شبهه.

وقوله : ويجرّه بالاضافة إن حذف ما به التّمام إشارة إلى أنّه قد يحذف من الاسم المميّز ما حصل به تمامه فيجر التمييز بالإضافة ولما تقدّم أنّ ما به التمام قد يكون إضافة ، وقد يكون تنوينا ظاهرا أو مقدرا ، وقد يكون نون تثنية أو نون جمع أو نون شبه الجمع ، وكان بعضه يجوز حذفه ، وبعضه يمتنع حذفه شرع الآن في بيان ذلك ، وقد ذكر ما يجوز حذفه واستثنى منه صورا ، وعلم بسكوته عن غيره أنه يمتنع حذفه وليعلم أنّ شرط جواز الإضافة المذكورة ألّا يكون الاسم الذي يقصد إضافته مقدر الإضافة إلى غير التمييز فلهذا استثنى المصنف مادة الامتلاء من كل صورة ذكر فيها جواز الحذف ، كما يأتي بيانه. ـ

__________________

(١) انتهى كلام الشيخ أبي حيان وينظر في : التذييل (٤ / ٤٤) ، ويراجع التصريح (١ / ٣٩٥) ، والهمع (١ / ٢٥٠).

(٢) ينظر : التذييل (٤ / ٤٦).

٢٦٠