شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن يوسف بن أحمد [ ناظر الجيش ]


المحقق: علي محمّد فاخر [ وآخرون ]
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حاشاي (١) ، هذا نصّه. وتعصّب بعض المتأخرين ، مانعا فعلية (حاشا) لقول بعض العرب : (حاشاي) وأنشد :

١٧٣٦ ـ في فتية جعلوا الصّليب إلههم

حاشاي إنّي مسلم معذور (٢)

وأجاب المصنف بأنّ ذلك ورد على استعمالها حرفا ؛ لأنّه أكثر من استعمالها فعلا ، ولو أنّ من قال : حاش الشيطان دعته حاجة إلى استثنائه نفسه ، قاصدا للنصب لقال : حاشاني ، كما يقال : عساني (٣) ، وقال بعض المتعصبين (٤) ـ أيضا ـ : لو كانت (حاش) فعلا لجاز أن يوصل بها (ما) كما (٥) وصلت بـ (عدا) و (خلا) وما ذكره غير لازم ، فإنّ من أفعال هذا الباب (ليس) و (لا يكون) ولم توصل (ما) بهما ، وأيضا فالدليل يقتضي ألّا توصل (ما) وغيرها ، من الحروف الموصلة بالأفعال ، إلّا بفعل له مصدر مستعمل ، حتى يقدّر الحرف وصلته واقعين موقع ذلك المصدر ، ومعلوم أنّ أفعال هذا الباب ليس لها مصادر مستعملة فإذا وصل بها حرف مصدري فهو على خلاف الأصل ، فلا يبالى بانفراده بذلك فيقال : لم لم يوافقه غيره ، فإنّ موافقته تكثير للشذوذ ومخالفته استمرار على مقتضى الدليل ، ومن ورود الجرّ بـ (حاش) ـ وإن كان هو المجمع عليه ـ قول الشاعر [٣ / ٥٤] : ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٦٢٧) والتصريح (١ / ١١٢) ، والهمع (١ / ٢٣٢).

(٢) قائله الأقيشر الأسدي ، واسمه المغيرة بن أسود بن عبد الله بن أسد بن خزيمة ، نشأ في أول الإسلام ، وعمّر عمرا طويلا ، ويروى :

من معشر عبدوا الصليب سفاهة

 ...

المعذور : المختون ، وهو مقطوع العذرة ، وهي : قلفة الذكر ، يقال : عذر الغلام ، وأعذره ، وكذلك الجارية ، الأكثر : عذر الغلام ، وختن الجارية ، والبيت من الكامل.

والشاهد : في قوله : «حاشاي» ؛ حيث جرّ ياء المتكلم بـ (حاش) ، فلو كان في محل نصب لاتصلت نون الوقاية بالفعل. ينظر : العيني (١ / ٣٧٧) ، والتصريح (١ / ١١٢) ، والهمع (١ / ٢٣٢) ، والدرر (١ / ١٩٧).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٣٨).

(٤) قال سيبويه (١ / ٣٣٧): «لو قلت أتوني ما حاشا زيد لم يكن كلاما». اه.

(٥) أجاز أبو الحسن الأخفش دخول (ما) المصدرية على قلة. قال التبريزي : وأجاز بعضهم على قلة فقال :

رأيت الناس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا

مبسوط الأحكام (٣ / ٩١٤) ، وينظر : شرح الكافية للرضي (١ / ٢٤٤) ، والبسيط (ص ١٢١) ، وشرح الأشموني (٢ / ١٦٥) ، والخزانة (٢ / ٣٦) ، والهمع (١ / ٢٣٣) ، والدرر اللوامع (١ / ١٩٧).

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

١٧٣٧ ـ حاشا أبي ثوبان إنّ أبا

ثوبان ليس ببكمة فدم

عمرو بن عبد الله إنّ به

ضنّا عن الملحاة والشّتم (١)

وقبلها قوله :

١٧٣٨ ـ وبنو رواحة ينظرون إذا

نظر النّديّ بآنف خشم (٢)

قال المصنف : وروي : «أبا ثوبان» بالنصب (٣).

ومن شواهد الجرّ بـ (عدا) قول الشاعر :

١٧٣٩ ـ تركنا في الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النّسور

أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشمطاء والطّفل الصّغير (٤)

ومن شواهد الجرّ بـ (خلا) قول الشاعر :

١٧٤٠ ـ خلا الله لا أرجو سواك إنمّا

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (٥)

 __________________

(١) البيت من الكامل وهو لجميع الأسدي ، واسمه المنقذ بن الطماح.

اللغة : البكمة : ـ من البكم ـ وهو الخرس ، والفدم : العيي الثقيل ، والضنّ : البخل. والملحاة : ـ بفتح الميم ـ : مصدر ميمي ، كالملاحاة ، وهي المنازعة.

الشاهد : في قوله : «حاشا أبي ثوبان» ، حيث جرّ المستثنى بـ (حاشا). ينظر : المفضليات (ص ٣٦٧) ، والأصمعيات (ص ٢١٨) ، والكشاف (٢ / ٣٦٢) ، والإنصاف (ص ١٦٢) ، والبحر المحيط (٥ / ٣٠١) ، والهمع (١ / ٢٣٢) ، والدرر (١ / ١٩٦) ، والأشموني (٢ / ١٦٥) ، والبيتان من الكامل.

(٢) الندي : النادي ، وأراد به أهله ، وآنف : جمع قلة للأنف ، وخشم : جمع أخشم ، وهي العظام ، الكثيرة اللحم.

(٣) شرح المصنف (١ / ٣٠٨).

(٤) البيتان من بحر الوافر وهما مجهولا القائل.

اللغة : الحضيض : القرار من الأرض ، عند منقطع الجبل ، وأراد به الموضع الذي وقعت فيه الحرب ، وبنات عوج : أي بنات خيول عوج ، وهو جمع أعوج ، والعوج من الخيل : التي في أرجلها تجنيب ، وهو انحناء ، وتوتر في رجل الفرس ، وهو مستحب ، وعواكف : جمع عاكفة ، من عكف على الشيء يعكف عكوفا ، إذا أقبل ، والنسور : جمع نسر ، وهو الطائر المعروف ، والشمطاء : التي يخالط سواد شعرها بياض. والشاهد : في البيت الثاني ؛ حيث جرّ المستثنى بـ (عدا) ويؤكد هذا قافية البيت الأول إذ هي مجرورة. ينظر : التصريح (١ / ٣٦٣) ، والهمع (١ / ٢٣٢) ، والدرر (١ / ١٩٧) ، والأشموني (٢ / ١٦٣) ، والعيني (٣ / ١٣٢).

(٥) سبق تخريجه. والشاهد فيه : ـ هنا ـ جر المستثنى بـ (خلا).

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قال المصنف : رواه من يوثق بروايته : «خلا الله» بالجرّ (١) ، ومن النّصب بـ (عدا) وإن كان المشهور ـ قول الشاعر :

١٧٤١ـ يا من دحا الأرض ومن طحاها

أنزل بهم صاعقة أراها

تحرّق الأحشاء من لظاها

عدا سليمى ، وعدا أباها (٢)

ومن النّصب بـ (خلا) قول الآخر :

١٧٤٢ ـ وبلدة ليس بها طوريّ

ولا خلا الجنّ بها إنسيّ (٣)

واتفق الجمهور على وجوب النّصب بـ (عدا) و (خلا) ، مصحوبين بـ (ما) كقوله :

١٧٤٣ ـ ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (٤).

وقول الآخر :

١٧٤٤ ـ تملّ الّندامى ما عداني فإنّني

بكلّ الذي يهوى نديمي مولع (٥)

وسبب ذلك أنّ (ما) مصدرية ، ولا يليها حرف جرّ ، وإنمّا توصل بجملة فعلية ، أو اسمية قليلا ، وأجاز الجرمي جرّ ما بعدهما حينئذ ـ ورواه عن العرب (٦) ، والوجه فيه أن تجعل (ما) زائدة ، و (عدا ، وخلا) حرفي جرّ ، وفيه شذوذ ؛ لأنّ ـ

__________________

(١) شرح المصنف (٢ / ٣١٠).

(٢) البيتان من بحر الرجز لقائل مجهول.

اللغة : دحا ، وطحا : بمعنى بسط ، والصاعقة : نار تسقط من السماء في رعد شديد ، واللظى : النار.

والشاهد : في نصب المستثنى بـ (عدا) في قوله : «عدا سليمى» ، و «عدا أباها». ينظر : الهمع (١ / ٢٣٢) ، والدرر (١ / ١٩٦) ، والتذييل والتكميل (٣ / ٦٣٠) رسالة ، ومبسوط الأحكام للتبريزي (٣ / ٧٨٧) رسالة.

(٣) رجز للعجاج.

(٤) لبيد بن ربيعة العامري ، وقد سبق تخريجه وهو بتمامه :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وكل نعيم لا محالة زائل

(٥) لم يعين قائله ، والبيت من الطويل.

الندامى : جمع نديم ، وهو شريب الرجل ، الذي ينادمه. والشاهد فيه : نصب المستثنى بـ (عدا) مما يدل على أنها فعل ؛ لذا لحقتها نون الوقاية. ينظر : شرح المرادي (١٧٧ / ب) ، والشذور (ص ٢٦٢) ، والعيني (١ / ٣٦٣) ، (٢ / ١٢٤) ، والهمع (١ / ٣٢٣) ، والدرر (١ / ١٩٧).

(٦) ينظر : شرح الرضي (١ / ٢٣٠) ، والغرة شرح اللمع لابن الدهان (٢ / ١٣٩).

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(ما) إذا زيدت مع حرف الجرّ لا تتقدم عليه ، بل تتأخر عنه ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ)(١) و (عَمَّا قَلِيلٍ)(٢) وحيث نصب الاسم بعد (عدا) و (خلا) موصولين بـ (ما) أو غير موصولين بـ (ما) نصبه الأفعال ، على أنه مفعول به وسيأتي الكلام على فاعل الأفعال المشار إليها وعلى محلّها أيضا ، واعلم أنه تجرد (حاشا) عن معنى الاستثناء ، وتستعمل مقصودا بها تنزيه الاسم المذكور بعدها عن السوء ، فيقال : ـ حينئذ ـ حاش زيد ، وحاشا لزيد ؛ منونة ، وغير منونة ، وقد يبتدئون بتنزيه اسم الله تعالى ، على جهة التعجّب ، كما في قوله تعالى : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)(٣) ، وإذا قصد بها هذا المعنى خرجت عن أن تكون حرفا ؛ لأنّ الحرف لا يضاف ، ولا ينوّن ولا يباشر حرفا مثله ، وهل هي اسم أم فعل؟ في ذلك خلاف.

قال المصنف (٤) : وإذا ولي حاشا مجرور باللّام فارقت الحرفية بلا خلاف ؛ إذ لا يدخل حرف جرّ على حرف جرّ ، وإذا لم تكن حرفا فهي إمّا فعل ، وإمّا اسم ، فمذهب المبرّد أنّها ـ حينئذ ـ فعل (٥) ، والصّحيح أنها اسم ، منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل ، فمن قال : (حاشَ لِلَّهِ) بالإضافة ـ وهي قراءة ابن مسعود (٦) ـ فهي مثل : سبحان الله ، ومعاذ الله (٧) ، ومن قال : (حاشا لله) ، بالتنوين ـ وهي قراءة أبي السّمّاك (٨) ـ فهو مثل : رعيا لزيد ، وأما القراءة ـ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٩.

(٢) سورة المؤمنون : ٤٠.

(٣) سورة يوسف : ٥١.

(٤) شرح المصنف (٢ / ٣٠٨) تحقيق د / عبد الرحمن السيد ، د / بدوي المختون.

(٥) ينظر : المقتضب للمبرد (٤ / ٣٩٢) تحقيق / عبد الخالق عضيمة.

(٦) هو عبد الله بن مسعود بن الحارث أبو عبد الرحمن الهذلي المكي ، أحد السابقين والبدريين ، والعلماء الكبار من الصحابة ، إليه منتهى قراءة عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش ، توفي سنة (٣٢ ه‍). ينظر : غاية النهاية (١ / ٤٥٨ ، ٤٥٩).

(٧) في الكشاف للزمخشري (٢ / ٣١٧) : فمعنى (حاشا الله) : براءة الله ، وتنزيه الله ، وهي قراءة ابن مسعود ، على إضافة (حاشا) إلى (الله) ، إضافة البراءة. اه. وقد نقل هذا الكلام بنصه عن الزمخشري في البحر المحيط (٥ / ٣٠٢).

(٨) هو أبو السماك ، قعنب بن أبي قعنب ، العدوي البصري ، له اختيار في القراءة ، شاذ عن العامة ، رواه عنه أبو زيد ، سعيد بن أوس ، وأسند الهذلي قراءة أبي السماك عن هشام البربري ، عن عباد بن راشد ، عن الحسن عن سمرة ، عن عمر ، وهذا سند لا يصح. ينظر : غاية النهاية (٢ / ٢٧).

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهورة وهي : (حاشَ لِلَّهِ) ـ بغير تنوين ـ فالوجه فيها أن يكون (حاشا) مبنيّا ، لشبهه بـ (حاشا) التي هي حرف ، فإنّه شبيه بها لفظا ، ومعنى ، فجرى مجراه ، في البناء (١) كما جرى في (عن) من :

١٧٤٥ ـ ...

من عن يميني تارة وأمامي (٢)

مجرى (عن) في نحو : رويت عن زيد. انتهى.

وقد أفهمت عبارة المصنّف ـ في المتن (٣) أنّ المبرد دائما يدّعي الفعلية فيها إذا وليها المجرور باللّام ، وهو الظاهر فإنه حال إضافتها ـ لا يمكن أن يكون فعلا ، وكذا إذا نونت وإن وليها المجرور المذكور ، وحينئذ تبعد دعوى المبرد ؛ لأنّ معناها ـ مضافة وغير مضافة ، منونة ـ وغير منونة واحد ، وهو التّنزيه ، كما تقدّم ، فكيف يدّعي الفعليّة في بعض الصور ، دون بعض مع إمكان غيرها؟ فالظاهر اتفاقهم ، وإن وليها اللام ، كما قال المصنف ، وفي (حاشا) لغات أربع :

إحداها : إثبات الألف الأولى والأخيرة.

الثانية : إثبات الأولى ، وحذف الأخيرة.

الثالثة : عكسها.

الرابعة : حذف الألف الأخيرة ، مع سكون آخرها (٤).

وقال الشيخ ـ ما معناه ـ : إنّ هذه اللغات في (حاشا) التي تستعمل للتنزيه ، والمرادة من الصور ، ظاهر عبارة المصنّف أنّ اللغات المذكورة في المستثنى بها أيضا ، ـ

__________________

(١) لمراجعة القراءتين المذكورتين ينظر : معاني الفراء (٢ / ٣٤١) ، والمحتسب (٢ / ٣٤١) ، والبحر المحيط (٥ / ٣٠٣) ، والمساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٥).

(٢) قائله : قطري بن الفجاءة الخارجي ، وهو عجز بيت من الكامل ، وصدره :

ولقد أراني للرماح دريئة

 ...

والدريئة : الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي.

والشاهد : في مجيء (عن) اسما بمعنى جانب ، وهي ساكنة ، كما كانت حرفا. ينظر : شرح المفصل (٨ / ٤٠) ، والخزانة (٤ / ٢٥٨) ، والتصريح (٢٩ / ١٩٠) ، والهمع (٢ / ٣٦) ، والأشموني (٢ / ٢٢٦).

(٣) أي قوله : «وإن وليها مجرور باللام لم يتعين فعليتها خلافا للمبرد. ينظر : تسهيل الفوائد (ص ١٠٦).

(٤) ينظر : المساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٥) تحقيق د / بركات.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد نقل غير المصنف أنّ (حشى) جاءت للاستثناء حاش (١) ، وأنشد عليه :

١٧٤٦ ـ حشى رهط النّبيّ فإن منهم

بحورا لا تكدّرها الدّلاء (٢)

وأشار المصنف بقوله : وربّما قيل : (ما حاشا) إلى ما روي من قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :«أسامة أحبّ الناس إليّ ما حاشا فاطمة» (٣) وأنشد الشيخ على ذلك (٤) :

١٧٤٧ ـ رأيت الناس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا (٥)

وأشار المصنّف أيضا بقوله : وليس (أحاشي) مضارع (حاشا) المستثنى بها إلى أنّ المبرد استدلّ على فعلية (حاشا) (٦) التي هي أداة الاستثناء بقول النابغة :

١٧٤٨ ـ ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه

وما أحاش من الأقوام من أحد (٧)

قال المصنف : وهذا منه غلط ؛ لأنّ (حاشا) إذا كانت فعلا ، وقصد بها الاستثناء ، فهي واقعة موقع (إلّا) ومؤدية معناها ، فلا تتصرف ، كما لا تتصرف ـ

__________________

(١) في التذييل والتكميل (٣ / ٦٣٩): «يعني في التي تستعمل للتنزيه والبراءة من السوء ولا يحفظ (حاش) في المستثنى بها ، وحفظ حاشا». اه.

(٢) البيت من الوافر ، ولم أهتد إلى قائله. رهط الرجل : أهله ، والدلاء : جمع دلو.

والشاهد : في استعمال (حاشا) المحذوفة والألف الأولى للاستثناء. ينظر : المقرب (١ / ١٧٢). اللسان مادة (حشا).

(٣) أخرجه ابن حنبل (٢ / ٩٦ ، ١٠٦ ، ١٠٧).

(٤) نسب في العيني (٣ / ١٣٦) ، وشواهد المغني (ص ١٢٧) إلى الأخطل ، وليس في ديوانه.

(٥) البيت من بحر الوافر.

الشاهد في قوله : «ما حاشا» ؛ حيث دخلت (ما) على (حاشا) وهو قليل ، عند بعض العلماء ، شاذ عند غيرهم ، كسيبويه ، وأكثر النحويين. ينظر : الهمع (١ / ٢٣٣) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ١٩٠) ، والخزانة (٢ / ٣٦) ، والتصريح (١ / ٣٦٥) ، والأشموني (٢ / ١٦٥) ، والمساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٦).

(٦) في المساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٦): «خلافا للمبرّد في استدلاله على فعلية (حاشا) في الاشتقاق ، بتصريف الفعل نحو : حاشيت زيدا ، أحاشيه ؛ لأنّ حاشيت مشتق من حاشا حرف الاستثناء ، كما اشتق سوفت من سوف». اه.

(٧) استدل المبرد بقوله : لا أحاش ، على فعلية حاشا الاستثنائية ، ورد ذلك عليه.

ينظر : ديوان النابغة (ص ٣٣) ، الإنصاف (١٦١) ، وشرح المفصل (٢ / ٨٥) ، والغرة لابن الدهان (٢ / ١٩٠) ، وشرح الجمل لابن العريف (١٠٩ / أ) ، وابن القواس (ص ٣٩٧) ، والمغني (ص ١٢١) ، والخزانة (٢ / ٤٤) ، والهمع (١ / ٢٣٣) ، والدرر (١ / ١٩٨) ، والأشموني (٢ / ١٦٧) والبيت من البسيط.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(عدا) و (خلا) و (ليس) و (لا يكون) بل هي أحقّ بمنع الصّرف ؛ لأنّ فيها مع مساواتها (إلّا) ـ وقع شبيهها بـ (حاش) الحرفية لفظا ومعنى ، وأمّا (أحاشي) فمضارع (حاشيت) بمعنى استثنيت ، وهو فعل متصرف مشتقّ من لفظ (حاش) المستثنى بها ، كما اشتقّ (سوفت) من لفظ (سوف) و (لوليت) من لفظ (لو لا) و (أنّهت) من لفظ (إنّها) وأمثال ذلك كثيرة (١).

وأشار أيضا بقوله : والنصب في : ما النّساء إلى ما روي من كلام العرب : «كلّ شيء مهمه ما النساء وذكرهنّ» (٢) ، ومعناه : كلّ شيء يستر ، ما عدا النساء وذكرهنّ ، فحذفوا (عدا) وأبقوا عملها (٣).

قال المصنف : وزعم بعض الناس أنّ (ما) ـ هنا ـ بمعنى (إلا) ، وليس بشيء (٤) قال الشيخ : لأنّ (ما) لم يثبت لها قطّ معنى (إلّا) في لسان العرب بخلاف كونها مصدريّة (٥) ، قال : وإنّما أضمر [٣ / ٥٥] (عدا) لأنّها متفق على فعليتها ، بخلاف (خلا) و (حاشا) فكانت أولى ، ونقل عن السهيليّ أنّ (ما) في هذا المثال المذكور بمعنى (ليس) أي : ليس النساء وذكرهنّ (٦).

قال الشيخ : فهذا مذهب ثالث ؛ لأنّها عنده نافية ، ليست مصدريّة ، ولا بمعنى (إلا) (٧).

__________________

(١) شرح المصنف (٢ / ٣٠٩).

(٢) ذكره الميداني في مجمع الأمثال (٢ / ١٣٢) برواية «كل شيء مهمه ما خلا النساء وذكرهن» ، وينظر اللسان مادة «مهمه» في اللسان : مههت : لنت ، ومهّ الإبل : رفق بها ، وسير مهه ومهادة :رفيق ، والمهة : الطراوة والنضارة.

(٣) في المساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٦): «فالتقدير : ما عدا النساء ، فحذف الفعل الواقع صلة (ما) وبقي معموله ، كما حذف الفعل الواقع صلة أن من قول من قال : «أما أنت منطلقا انطلقت». اه.

تحقيق د / بركات. قال الجوهري والأحمر والفراء : «يقال في المثل : كلّ شيء مهه ما النساء وذكرهن ، أي : أنّ الرجل يحتمل كلّ شيء حتّى يأتي ذكر حرمه ، فيمتعض حينئذ فلا يحتمله ، قال : وقوله (مهه) : أي : يسير ، ويقال أيضا : مهاة ، أي : حسن ، ونصب النساء على الاستثناء ، أي : ما خلا النساء ، وإنما أظهروا التضعيف في (مهه) فرقا بين فعل ، وفعل. اه.

(٤) شرح المصنف (٢ / ٣١٠).

(٥) أي : وهو ثابت في كلام العرب ، ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٢).

(٦) شرح المصنف (٢ / ٣١٠).

(٧) المرجع قبل السابق الصفحة نفسها.

١٠٧

[أحكام الاستثناء بـ «ليس» و «لا يكون»]

قال ابن مالك : (ويستثنى بـ «ليس» و «لا يكون» فينصبان المستثنى خبرا ، واسمهما بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه ، لازم الحذف ، وكذا فاعل الأفعال الثلاثة وقد يوصف ـ على رأي ـ المستثنى منه ، منكّرا ، أو مصحوبا بـ «أل» الجنسيّة بـ «ليس» و «لا يكون» فيلحقها ما يلحق الأفعال الموصوف بها من ضمير وعلامة).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : اعلم أنّ من أدوات الاستثناء (ليس) و (لا يكون) وهما الرافعان الاسم الناصبان الخبر ولهذا يجب نصب ما استثنى بهما ؛ لأنه الخبر ، ولوقوعهما موقع (إلّا) لزم عدم الإتيان باسمهما لفظا ؛ لئلّا تفصلهما من المستثنى فيجهل قصد الاستثناء وجعله المصنف ظاهرا محذوفا لازم الحذف ، وإليه الإشارة بقوله : واسمهما بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه لازم الحذف (١). فتقدير : قام القوم ليس زيدا ، ولا يكون زيدا : ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا ، والأصل : قام القوم إلا زيدا ، فلما وقعت (ليس) و (لا يكون) موقع (إلّا) ولأجل أنّ اسمهما البعض المذكور لم يختلف اللفظ بهما فيقال : جاءني القوم لا يكون زيدا وليس عمرا ، ومررت بالنساء لا يكون فلانة وليس فلانة (٢) ، وكذا لو كان المستثنى بها مثنى أو مجموعا نحو : جاء الناس ليس الزيدين ، أو لا يكون الزيدين ، وليس العمرين ، أو لا يكون العمرين ، والجمهور على أنّ اسمهما ضمير مستكنّ فيهما ، عائد على البعض المفهوم من معنى الكلام المتقدّم وإن لم يذكر فالتقدير : ليس هو زيدا ، أو لا يكون هو زيدا ؛ لأنه إذا أخبر عن معهودين وزيد من جملتهم ، فقيل : أتى القوم ، حصل في نفس المخاطب أنّ بعض الآتين زيد ، فعاد الضّمير على ذلك البعض المفهوم ولهذا أيضا لم يختلف لفظ : (ليس) و (لا يكون) لاختلاف (المستثنى) بهما ، كالأمثلة المتقدمة ؛ لأنّ الضمير مفرد ، مذكر لعوده على (بعض) الذي هو كذلك ـ أي : مفرد مذكر ـ وإنّما قدّر مضمرا ، ولم يجعل مظهرا كما قال المصنف ، وإن كان المعنى في التقديرين ـ

__________________

(١) ينظر : التسهيل (ص ١٠٦).

(٢) ينظر : المساعد لابن عقيل (١ / ٥٨٧) تحقيق د / بركات.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واحدا ، لما يلزم من حذف اسم (ليس) و (لا يكون) وقد نصّوا على أنّ الاسم في باب كان وأخواتها لا يحذف ، لشبهه بالفاعل فإذا قدّر مضمرا أمن من ذلك ، ولا شك في وضوح هذا القول ورجحانه على دعوى المصنف ، على أنّ في عبارة سيبويه إشعارا برأي المصنف ، ولعلّها هي الموقعة له في ذلك فإنّه قال ـ بعد أن ترجم باب (لا يكون) و (ليس) وما أشبههما ـ : فإذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء (فإنّ فيهما إضمارا وعلى هذا وقع فيهما معنى الاستثناء) (١) فقوله : فإنّ فيهما إضمارا يفهم بأنّ الاسم مضمر فيهما ، ثم قال ـ بعد أن مثل بنحو : أتاني القوم ليس زيدا ـ كأنّه ـ حين قال : أتوني ـ صار المخاطب عنده قد وقع في خلده أنّ بعض الآتين زيد ، حتّى كأنّه قال : بعضهم زيد ، فكأنه قال : ليس بعضهم زيدا ، وترك إظهار (بعض) استغناء ، كما ترك الإظهار في (لات حين) (٢) فقوله :

فكأنّه قال : ليس بعضهم زيدا ، يشعر بأنّ الاسم مظهر غير مضمر ، إلّا أن يقال :إنمّا أراد بذلك تفسير المعنى ، لا التقدير الصناعيّ ولكن يبعد هذا القول قوله ـ بعد ذلك ـ كما ترك الإظهار في (لات حين) (٣) شبه (٤) ترك الإظهار في ليس وأخواتها ، بترك الإظهار في : (ولات حين) ، ولا يدّعي أحد أن اسم (لات) مضمر ، بل محذوف ، ثم قال : قول سيبويه ـ أولا ـ فإنّ فيهما إضمارا محمول على أنه أراد بالإضمار التقدير لا أنّ الاسم ، غير مظهر.

وقد شنّع الشيخ على المصنف في قوله : واسمهما بعض لازم الحذف فقال : هذا الذي قاله لم يذهب إليه أحد من النحويّين ، بل اتفق الكوفيون والبصريّون على أنه مضمر فيهما ، ليس ظاهرا محذوفا ، قال البصريون : هو عائد على البعض المفهوم من الكلام السابق وقال الكوفيون : هو عائد على الفعل المفهوم من الكلام الأول فتقدير : (قام القوم ليس زيدا) : ليس فعلهم فعل زيد ، فحذف المضاف إلى (زيد) وأقيم (زيد) مقامه ، وردّ هذا المذهب بأنّ فيه دعوى مضاف محذوف لم يلفظ به قطّ (٥) ، وبأنك تقول : قام القوم إخوتك ليس زيدا ، وليس فيه فعل يقدر الضمير ـ

__________________

(١) ما بين القوسين من الهامش. وينظر : الكتاب (٢ / ٣٤٧).

(٢ ، ٣) ينظر : المرجع السابق.

(٢ ، ٣) ينظر : المرجع السابق.

(٤) أي : شبه سيبويه.

(٥) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٤).

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عائدا عليه (١). اه.

وقد علمت ما في عبارة سيبويه (٢) من الاحتمال على أنّ الشيخ ـ بعد تشنيعه ـ نقل عن صاحب البسيط أنه قال : يقول المصنف في هذه المسألة ، ونقل عنه استدلالا على ذلك وتقوية له (٣). وقد يمنع المصنف عدم جواز حذف الاسم في باب (كان) ويدّعي جواز الحذف لدليل ، كما كان يجوز فيه وهو مبتدأ ، قبل دخول (كان) عليه ، ولا يلزم من تشبيهه بالفاعل في بعض الأحوال أن يشبهه في كلّ ما له ومن شواهد الاستثناء بـ (ليس) قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يطبع المؤمن على كلّ خلق ليس الخيانة والكذب» (٤) أي : إلّا الخيانة والكذب (٥).

وأما فاعل (عدا) و (خلا) و (حاشا) ففيه أقوال :

أحدها : أنه كفاعل (٦) (ليس) و (لا يكون) وإليه أشار بقوله : وكذا فاعل الأفعال الثلاثة فقدّر «قام القوم عدا زيدا» : عدا بعضهم زيدا ، أو عدا هو أي بعضهم زيدا ، على ما عرفت من التقديرين المتقدمين إلا أنّ مدلول البعض المقدّر فاعلا لهذه الأفعال غير مدلول البعض المقدر اسما ، لـ (ليس) و (لا يكون) ؛ لأنّ البعض المقدر اسما لهما هو نفس [٣ / ٥٦] المستثنى ؛ لأنه مخبر عنه به ، والمبتدأ والخبر متّحدان (٧) ، وأما البعض المقدر فاعلا لـ (عدا) (٨) وأختيها فمدلوله ما بقي ـ

__________________

(١) في نقل هذه العبارة تصرف ونصها في المرجع السابق الصفحة نفسها : «قد يأتي الاستثناء بها حيث لا يتقدر ما قدره الكوفيون نحو : القوم إخوتك ليس زيدا ، أو لا يكون زيدا ، وما أشبه هذا ، فهنا لا يمكن تقدير : ليس فعلهم فعل زيد إذ لم يستند إليهم فعل البتة. اه.

(٢) أشير إليها منذ سطور ، وينظر الكتاب (٢ / ٣٤٧).

(٣) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٦).

(٤) هكذا في الفتح الكبير للسيوطي (٣ / ٤٢٦) وفي مسند ابن حنبل (٢ / ٢٥٢): «يطبع المؤمن على الخلال كلها ، إلا الخيانة والكذب».

(٥) فأوقع (ليس) موقع (إلا) وأولاها ما كان يليها. والأصل : ليس بعض خلقه الخيانة والكذب.

(٦ ، ٧) ينظر شرح اللمع لابن برهان (١ / ١٥٢) ، وشرح ابن يعيش (٢ / ٨٧) ، ومبسوط الأحكام للتبريزي (٣ / ٨٨٨) ، والمقرب (١ / ١٧٣) ، وشرح الرضي (١ / ٢٢٩) ، وشرح الكافية لابن مالك (٢ / ٧٢١).

(٦ ، ٧) ينظر شرح اللمع لابن برهان (١ / ١٥٢) ، وشرح ابن يعيش (٢ / ٨٧) ، ومبسوط الأحكام للتبريزي (٣ / ٨٨٨) ، والمقرب (١ / ١٧٣) ، وشرح الرضي (١ / ٢٢٩) ، وشرح الكافية لابن مالك (٢ / ٧٢١).

(٨) تدخل (ما) على (خلا) و (عدا) فيتعين النصب بعدها ؛ لأنها مصدرية فدخولها يعينّ الفعلية وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه يجوز الجر على تقدير (ما) زائدة ، الهمع (١ / ٢٣٢) وينظر : اللمع لابن برهان (١ / ١٥٢) ، وشرح الكافية لابن القواس (١ / ٢٠٧) ، ورصف

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

من المستثنى منه بعد إخراج المستثنى ، ويرجّح دعوى كون فاعل هذه الأفعال ضميرا لبعض ، على دعوى كونه ظاهرا محذوفا ؛ لأنّ فاعليته متحققة والفاعل لا يحذف.

القول الثّاني : أنّ الفاعل ضمير ، كما هو في أحد التقديرين في القول الأوّل ، إلّا أنّه لا يعود على البعض وإنّما يعود على (من) المفهوم من معنى الكلام المتقدّم ، فتقدير «قام القوم عدا زيدا» : عدا هو زيدا ، أي : عدا من قام زيدا وهو رأي المبرّد (١).

القول الثالث : للمصنّف : (الذي) (٢) ذكره في الشرح أنّ الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه ، فتقدير : قاموا عدا زيدا ، جاوز قيامهم زيدا ، ولم يقدره المصنف ضمير المصدر ، بل جعل فاعل المصدر الظاهر محذوفا على طريقته التي عرفتها. قال المصنف : وتقدير : عدا قيامهم زيدا أجود من تقدير : عدا بعضهم زيدا ؛ لأنّه لا يستقيم إلّا أن يراد بالبعض ما سوى زيد ، وهذا ـ وإن صحّ إطلاق البعض على الكلّ إلّا واحدا ، لا يحسن ، لقلته في الاستعمال (٣). انتهى.

وللعلّة التي أشار إليها المصنف جنح المبرد إلى القول الذي تقدم نقله عنه.

قال الشيخ : وهذا الذي ذهب إليه ـ يعني المصنف ـ لا يطرأ له ، فإنّ من صور الاستثناء ألّا يتقدم فعل ، ولا ما يجري مجرى الفعل ، نحو : القوم إخوتك عدا زيدا ، والقوم قرشيّون ، ما خلا زيدا ، وهنا لا يمكن أن تقدر : جاوز فعلهم زيدا ؛ لأنّه لم ينسب إليهم فعل (٤). اه. وفيه نظر ، ونقل الشيخ أنّ الفراء ذهب إلى أنّ (حاشا) فعل ولا فاعل له (٥) ، ثم قال الشيخ : ويمكن القول في (عدا) و (خلا) كذلك. وأنّ النصب بعدهما إنّما هو بالحمل على (إلّا) والتزم فيه النصب (٦) ؛ لأنّه لم يتمحص للحرفية ، والفروع يقتصر فيها على بعض الأحكام ولا ينكر أن يعرى الفعل من الفاعل إلّا إذا استعمل استعمال الحروف كما أنّ (قلّما) لما استعملت للنفي ـ

__________________

المباني للمالقي (ص ٣٦٦).

(١) الذي قاله المبرد في المقتضب (٤ / ٤٢٦): «وأما عدا وخلا فهما فعلان ينتصب ما بعدهما وذلك قولك : جاءني القوم : عدا زيدا ؛ لأنه لما قال : جاء القوم وقع عند السامع أن بعضهم (زيدا) فيقال :عدا زيدا أي : جاوز بعضهم زيدا فهذا تقديره إلا أنّ (عدا) فيها معنى الاستثناء. اه.

(٢) ما بين القوسين من الهامش ، وعدم إثباته أولى.

(٣) شرح التسهيل لابن مالك (٢ / ٣١١). (٤) التذييل والتكميل (٣ / ٦٣٥).

(٥) ينظر : المرجع السابق الصفحة نفسها ، وشرح الكافية لابن القواس (ص ٣٩٨) ، الهمع (١ / ٢٣٣).

(٦) أي حين تكون أفعالا.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

المحض استغنت عن فاعل ، فتقول : قلّما يقوم زيد ، أي : ما يقوم زيد ، وكذلك يقدّر : قاموا عدا زيدا ، قاموا إلا زيدا ، فيجرى (عدا) مجرى (إلّا) (١). اه.

وبقي الكلام على مواضع هذه الكلمات من الإعراب :

فاعلم أنّ (عدا وخلا ، وحاشا) إذا كنّ أحرف جرّ : كانت متعلقة بما قبلها وهي والمجرور بها في موضع نصب ، وأما المذكورات إذا كنّ أفعالا غير موصول شيء منها بـ (ما ، وليس ، ولا يكون) فيجوّز السيرافي فيه وجهين : أحدهما : أن يكون لها موضع من الإعراب ، ويكون في موضع نصب على الحال ، وكأنك قلت : قام القوم خالين زيدا وعادين زيدا وحاشين زيدا ، أي مجاوزا هو أي بعضهم زيدا (٢) ، قال بعضهم : ويستثنى هذا من القاعدة المقررة ، وهي أنّ الجملة الحالية إذا صدّرت بفعل ماض غير ما استثنوه لا بدّ معها من (قد) ظاهرة أو مقدّرة. الوجه الثاني : أن لا موضع لها من الإعراب ، وإن كانت جملة فمفتقرة من جهة المعنى إلى الكلام الذي قبلها ، من حيث كان معناها كمعنى (إلّا) ونظيره مذ يومان ، من قولك : ما رأيته مذ يومان فإنّها جملة ابتدائية ، لا موضع لها من الإعراب وهي مفتقرة إلى ما قبلها (٣) واختار ابن عصفور هذا الوجه ، قال : لأنّك إذا جعلتها حالا احتاجت إلى رابط يربطها بذي الحال ، ولا رابط ؛ لأنّ الضمير في (عدا) و (خلا) و (حاشا) ليس عائدا على المستثنى منه ، وإنما هو عائد على البعض المفهوم وهو مضاف إلى القوم ولا يقال : إذا كان البعض مضافا إلى القوم فقد حصل الربط ، لأنه كالمصرّح به لأنّ هذا رابط بالمعنى والربط بالمعنى لا ينقاس ، ألا ترى قصوره على السماع في نحو مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين ، ومنعوه في : مررت برجل قائمين ، لا قاعد أبواه ، على إعمال (قاعد) في الأبوين لأنّ الربط بالمعنى إنما سمع في الصفة الثانية لا في الصفة الأولى فلم يتجاوزوا به موضع السّماع (٤). اه.

وأما إذا كانت (عدا) و (خلا) موصولتين بـ (ما): ـ

__________________

(١) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٣٥) وفي العبارة تصرف.

(٢) ينظر : شرح السيرافي (٣ / ١٢٧ / بـ ، ١٢٨ / أ) المخطوط ، والمغني (ص ١٣٤).

(٣) ينظر : هذا الوجه أيضا في المرجعين السابقين.

(٤) ذكر ابن عصفور ـ في المقرب (١ / ١٧٣) ـ أن الجملة في موضع نصب على الحال وذكر في شرح الجمل (٢ / ٢١٩) ـ جواز الأمرين.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فموضع (ما) والفعل نصب ، واختلفوا في محلّ انتصابه : فزعم السيرافي أنّه بتأويل مصدر منصوب وأنّه لا خلاف في ذلك بين البصريّين والكوفيّين ثم اختار السيرافي أنّه مصدر موضع موضع الحال ، وفيه معنى الاستثناء ، قال : وجاز وقوع (ما) المصدريّة مع صلتها موضع الحال ، إجراء لها مجرى المصدر الذي هي في تقديره كما وصف بها في قولك : مررت برجل ما شئت من رجل ؛ إجراء لها مجرى المصدر الموصوف به في نحو : مررت برجل عدل. قال المصنف : ولا يمنع من ذلك كونه معرفة فإنّ وقوع المعرفة حالا لتأولها بالنكرة سائغ شائع. وزعم ابن خروف والشلوبين أنّ انتصاب المصدر المذكور على الاستثناء (١) ، قال المصنف : وهو غلط منهما ؛ لأن المنصوب على معنى لا يقوم ذلك المعنى بغيره ومعنى الاستثناء قائم بما بعد (ما) وصلتها لا بـ (ما) فلا يصحّ القول بأنّهما منصوبان على الاستثناء ؛ لأنهما مستثنى بهما لا مستثنيان. وزعم ابن الضائع ـ ونقله الشيخ عن صاحب البسيط أيضا ـ أنّ انتصاب المصدر المذكور على الظرف ودخله معنى الاستثناء ، فيقدّر (قام القوم ما عدا زيدا) بـ : (قام القوم وقت مجاوزتهم زيدا) ، قال : (وما) المصدرية كثيرا ما تكون ظرفا ولم يثبت فيها النصب على الحال (٢).

وجعل ذلك صاحب البسيط نظير : (أتاني مقدم الحاجّ ، وخفوق النّجم) (٣).

وأشار المصنّف بقوله : وقد يوصف ـ على رأي ـ المستثنى منه ... إلخ إلى أنّ (ليس) و (لا يكون) قد يوصف بهما ما قبلهما ، كما يوصف بسائر الأفعال فعلى هذا يتعين كون [٣ / ٥٧] الموصوف بهما نكرة ؛ لأنّ الجملة صفة للمعرفة ولمّا كان المعرف بالأداة الجنسية ـ عند المصنف ـ يجري مجرى النكرة أدرجه معها في الحكم المذكور ، ويتعين أيضا لحاقها ما يلحق الأفعال الموصوف بها ، من ضمير مطابق للموصوف ؛ في إفراد ، وتثنية ، وجمع ، ومن علامة تأنيث إن كان الموصوف مؤنثا نحو : أتاني رجل لا يكون زيدا ، أو ليس زيدا ، أو أتتني امرأة لا تكون فلانة (٤) ـ

__________________

(١) ينظر : المغني (ص ٦٩٢) والأشموني (٢ / ١٤٦) ، والتذييل التكميل (٣ / ٥٣٢) ، والارتشاف (ص ٦٢٨) ، والتصريح (١ / ٣٦٥).

(٢) شرح الجمل لابن الضائع (٢ / ١١٨ / أ) ، والتذييل والتكميل (٣ / ٦٣٢).

(٣) ينظر : المرجع السابق ، الصفحة نفسها.

(٤) في التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٧) : وتمثيله ـ يعني المصنف ـ بقوله : «أتتني امرأة لا تكون فلانة»

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أو ليست فلانة ، ومثال المعرف بالأداة الجنسيّة قولك : أتاني القوم ليسوا إخوتك ، مثل به المصنف ، وقال : من أمثلة أبي العبّاس (١) وعبارة المصنف في هذا قريبة من عبارة سيبويه ، فإنه ـ بعد أن ذكر أنّ (ليس) و (لا يكون) يجيئان ، وفيهما معنى الاستثناء ـ قال : وقد يكونان صفة وهو قول الخليل (٢) فأتى بـ (قد) المشعرة بالتقليل ، كما فعل المصنّف وكأنّه أراد بقوله : على رأي : ما أراد سيبويه بقوله : وهو قول الخليل. وقد صرّح ابن عصفور بذلك في المقرّب فقال : ومن العرب من يجعل الضمير الذي فيهما ـ يعني في (ليس) و (لا يكون) ـ على حسب الاسم المتقدّم فيقال : ورجلان لا يكونان زيدا أو ليسا زيدا ، ورجال لا يكونون زيدا ، وليسوا زيدا ، فتكون الجملة ـ على هذه اللغة ـ صفة للاسم المتقدّم (٣) ، ومراد المصنّف بقوله : وقد يوصف على رأي المستثنى منه الذي كان يكون مستثنى منه ، لو لم يوصف ؛ لأنه ـ حال كونه موصوفا بهما ـ ليس مستثنى منه وليس مراده أنّ (ليس) و (لا يكون) لا يجريان وصفا على ما قبلهما إلّا إذا كان صالحا لأن يكون مستثنى منه ، بل أعمّ من ذلك على أنّه لو قال :وقد يوصف بـ (ليس) و (لا يكون) ما قبلهما ، كان أولى.

وقال الشيخ ـ وهو قول النّحويين ـ : إنّ (ليس) و (لا يكون) قد يوصف بهما ، إنما يعنون أنهما يكونان وصفين ، في المكان الذي يكونان فيه صالحين للاستثناء. اه (٤). وفيما ذكر نظر ؛ لأنّ الوصف بهما كالوصف بسائر الأفعال وليس الوصف بـ (ليس) و (لا يكون) فرعا على الوصف بغيرهما حتّى يشترط فيهما ذلك ، وهذا الشرط لم يثبت في الوصف بـ (إلا) مع أنها فرع على الوصف بـ (غير) فكيف يلتزم في الوصف بالجملة الفعلية (٥). قال الشيخ : ونصّ الأبذي على أنه إذا كان ما قبلهما معرفة كانا في موضع نصب على الحال نحو : جاء القوم ليسوا إخوتك وجاءتني النساء ، ليست الهندات (٦). اه. وهو واضح ، فإنّ الجملة ـ

__________________

ليس بصحيح فيما ادعاه ؛ لأن قوله : امرأة في سياق الإثبات فيصح أن يكون مستثنى منها ، ألا تراه قال :ما أتتني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة. اه.

(١) ينظر : المقتضب (٤ / ٤٢٨).

(٢) ينظر : الكتاب (٢ / ٣٤٨).

(٣) المقرب لابن عصفور (١ / ١٧٤).

(٤) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٧).

(٥) والراجح عند النحويين هو مذهب ابن مالك ينظر : المغني (ص ٤٢٩) ، والأشموني (١ / ١٨٠) ، (٣ / ٦٠ ، ٦٣).

(٦) التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٨) بتصرف.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد المعرفة لا يصحّ كونها نعتا ، فتعين الحالية ونصّ سيبويه على أنّ (عدا) و (خلا) لا يكونان صفة (١) ولم يعلل ذلك.

وذكر سيبويه أيضا في باب (ليس) و (لا يكون) ـ وهو آخر أبواب الاستثناء في الكتاب ـ مسألة : وهي أتوني إلّا أن يكون زيد. قال سيبويه ـ بعد أن مثل بذلك ـ : فالرفع جيّد بالغ وهو كثير في كلام العرب ؛ لأنّ (يكون) صلة لـ (أن) وليس فيها معنى الاستثناء و (أن يكون) في موضع اسم مستثنى ، كأنّك قلت (٢) : لا يأتونك إلّا أن يأتيك زيد ، والدليل على أنّ (يكون) ليس فيها ـ هنا ـ معنى الاستثناء أنّ (ليس) و (عدا) و (خلا) لا تقعن هنا ومثل الرفع قول الله عزوجل : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(٣) وبعضهم ينصب على وجه النصب في (لا يكون) والرفع أكثر هنا (٤). انتهى كلام سيبويه. أما الآية الكريمة فقد قرئت برفع (تجرة) ونصبها ، أمّا الرفع فعلى أنّ (تكون) تامة ، وأمّا النصب فعلى أنّها الناقصة والتقدير : إلّا أن تكون التجارة تجارة. وقد فهم من كلام سيبويه أنّ قراءة الرفع أرجح ، وإنّما رجح الرفع لعدم الإضمار معه وكأنّ مراد سيبويه ـ في قوله : وبعضهم ينصب على وجه ـ النصب في (لا يكون) أن النصب إنما يكون على الخبرية (٥) والاسم مضمر في (تكون) في (إلّا أن تكون) هي أداة استثناء كما أنّ (لا يكون) أداة استثناء ؛ إذ لا يتأتى ذلك فيها وقيل : مراد سيبويه أنّ الضمير الذي في (يكون) يلزم إفراده وتذكيره ، كما أنّه كذلك في (لا يكون) المستثنى بها ، وهذا لا يمكن حمل الآية الكريمة عليه ؛ لأنّ (تكون) فيها مؤنثة إلّا أن يقال : إنّ قول سيبويه :وبعضهم ينصب ... إلخ لا يعود إلى الآية الكريمة إنما يعود إلى المثال الذي مثل به أولا وهو قوله : «أتوني إلا أن يكون زيد» ، وفيه نظر (٦).

__________________

(١) الكتاب (٢ / ٣٤٨).

(٢) لفظ (غير) موجود في عبارة سيبويه (٢ / ٣٤٩).

(٣) سورة النساء : ٢٩.

(٤) وفي قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً)[البقرة : ٢٨٢] فالنصب قراءة عاصم ، والرفع قراءة الباقين. ينظر : الإتحاف (١٩٩) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٥٣).

(٥) الكتاب (٢ / ٣٤٩).

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٤٩ ، ٦٥٠).

١١٥

[أحكام الاستثناء بـ «غير» وبيد»]

قال ابن مالك : (فصل : يستثنى بـ «غير» فتجرّ المستثنى معربة بما له بعد «إلّا» ولا يجوز فتحها مطلقا لتضمّن معنى «إلّا» خلافا للفراء ، بل قد تفتح في الرفع والجرّ ، لإضافتها إلى مبنيّ ، واعتبار المعنى في المعطوف على المستثنى بها وب «إلا» جائز ، ويساويها في الاستثناء المنقطع «بيد» مضافا إلى «أنّ» وصلتها).

______________________________________________________

قال ناظر الجيش : الاستثناء بـ (غير) حمل على (إلّا) والوصف بها هو الأصل ، والاستثناء بـ (إلّا) هو الأصل والوصف بها وبما بعدها حمل على (غير) وقد تقدم ذلك ، ولذلك لا يحكم على (غير) بأنها يستثنى بها حتّى تكون في موضعها صالحة لـ (إلّا) ، فتقدّر (إلّا) في موقعها ، وينظر ما يستحقه الواقع بعدها من نصب لازم أو نصب مرجح عليه الإتباع أو نصب مرجح على الإتباع أو تأثر بعامل مفرغ فيعطاه (غير) ويجرّ هو على مقتضى الإضافة فتقول : جاؤوني غير زيد ، بنصب لازم ، وما جاءني أحد غير زيد بنصب مرجح عليه الإتباع ، وما لزيد علم غير ظن ، بنصب مرجح على الإتباع ، لرجح اللغة الحجازية على التميمية في ذلك وما جاء في غير زيد (١) بإيجاب التأثر لتفرغ العامل فتفعل بـ (غير) ما كنت تفعل بالواقع بعد (إلّا) وإذا انتصب (غير) (٢) في الاستثناء غير المفرغ ففي انتصابه خلاف ، فرأي المصنف ـ ونسبه إلى الفارسيّ ـ : أنّها منصوبة على الحال (٣) ، وفيها معنى الاستثناء كما تقدم ، في (ما عدا) و (ما خلا) ورأي أكثر المتأخرين أنّ انتصابها كانتصاب الاسم الواقع بعد (إلا) فهي منصوبة على الاستثناء (٤) وقد تقدم ما يضعف ذلك وهو أنّ المنصوب [٣ / ٥٨] على معنى لا يقوم ذلك المعنى بغيره ، ومعنى الاستثناء قائم بما بعد (غير) لا بـ (غير) ولا يصحّ القول بأنها منصوبة على الاستثناء ؛ لأنها مستثنى بها ، لا مستثناة ، وذهب السيرافي وابن الباذش إلى أنها ـ

__________________

(١) ينظر : التبصرة للصيمري (١ / ٢٨٢) ، والمساعد لابن عقيل (١ / ٥٩٠).

(٢) قال ابن الدهان : «... ثم وقعت (غير) موقع (إلا) في الاستثناء كما وقعت (إلا) موقع (غير) في الصفة ثم وقعت الجملة موقع (غير) فموضع الجملة نصب كما (كانت غير) نصبا في الاستثناء. اه.

(٣) هذا رأي الفارسي في التذكرة ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٥٣).

(٤) وهذا رأي الفارسي ـ أيضا ـ ينظر : الهمع (١ / ٢٣١) ، والأشموني (٢ / ١٥٧) حيث نسب هذا للمغاربة.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

منصوبة بالفعل السابق ، وهي عند ابن الباذش مشبهة بالظرف المبهم ، فكما يصل الفعل إليه بنفسه فكذلك يصل إلى غيره بنفسه (١). قال ابن عصفور ـ بعد نقله ذلك عنهما ـ : وهذا خطأ ؛ لأنها قد تنصب (غير) ولم يتقدمها فعل ولا ما يشبهه نحو : القوم إخوتك غير زيد (٢) وأجاز الفراء بناء «غير» على الفتح عند تفريغ العامل سواء كان المضاف إليه معربا أم مبنيّا فيقال ـ على رأيه ـ : ما جاء غير زيد وما جاء غيرك (٣) ، ولم يذكر ـ في الاحتجاج لذلك ـ من كلام العرب (غير) مضاف إلى مبني. قال المصنف : وكان حامله على العموم جعل سبب البناء تضمّن معنى (إلّا) وذلك عارض فلا يجعل وحده سببا بل إذا ... أضيفت (غير) إلى مبنىّ جاز بناؤها ، صلح موضعها لـ (إلّا) أو لم يصلح (٤) فمثال الأول :

١٧٤٩ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال (٥)

ومثال الثّاني قول الآخر :

١٧٥٠ ـ لذ بقيس حين ينأى غيره

تلقه بحرا مفيضا خيره (٦)

وأشار المصنّف بقوله : واعتبار المعنى في المعطوف على المستثنى بها جائز إلى قول سيبويه ـ في الباب الذي ترجمته : هذا باب ما أجري على موضع (غير) لا على ما بعد (غير) ـ : زعم الخليل ويونس أنّه يجوز : ما أتاني غير زيد وعمرو ، والوجه ـ

__________________

(١) ينظر : المغني (ص ١٥٩) ، وشرح المرادي (١ / ١٠٨ / أ) ، والأشموني (١ / ١٥٧).

(٢) شرح الجمل لابن عصفور (٢ / ٢٠٢).

(٣) ينظر : معاني الفراء (١ / ٣٨٢).

(٤) شرح المصنف (٢ / ٣١٢).

(٥) قائله : أبو قيس الأسلت الأنصاري ، في وصف ناقته. والبيت من البسيط.

الإعراب : منها : أي من الوجناء ، الشرب : مفعول «يمنع» ، وغير : فاعله ، وهو محل الشاهد ؛ حيث بني على الفتح لإضافته إلى مبني ، وهو «أن» وصلتها والأوقال : جمع وقل وهو ثمر الدوم اليابس ، ويروى : «في سحوق» وهو : ما طال من شجر الدوم. وينظر : الكتاب (٢ / ٣٩٢) ، ومعاني الفراء (١ / ٣٨٣) ، وأمالي الشجري (١ / ٤٦) ، (٢ / ٢٦٤) ، وشرح المفصل (٣ / ٨٠ ، ٨ / ١٣٥) ، والخزانة (٢ / ٤٥) ، والتصريح (١ / ٥١).

(٦) رجز لم يعلم قائله.

والشاهد : في قوله : «غيره» ؛ حيث بنيت (غير) على الفتح لإضافتها إلى مبني وهي ليست استثنائية.

ينظر : شرح المصنف (٢ / ٣١٢) ، والارتشاف (٦٣٢) ، وشرح المرادي (١ / ١٨٠ / ب) ، والمغني (ص ١٥٩) ، وشواهد المغني (ص ١٥٦) ، وتعليق الفرائد (ص ١٨٢٩) ، والخزانة (٢ / ٤٦) ، والعيني (٣ / ١٣٨).

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الجر ؛ وذلك أنّ (غير زيد) في موضع (إلّا زيد) وفي معناه ، فحمل على الموضع كما قال :

١٧٥١ ـ ...

فلسنا بالجبال ولا الحديدا (١)

فلمّا كان في موضع (إلّا زيد) ومعناه كمعناه حملوه على الموضع ؛ والدليل على ذلك أنك إذا قلت : (غير زيد) كأنك قلت : (إلا زيد) ألا ترى أنك تقول :ما أتاني غير زيد وإلا عمرو ، ولا يقبح الكلام كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو (٢). انتهى.

قال المصنف ـ بعد نقل كلام سيبويه هذا ـ : قلت : إذا قيل : ما أتاني غير زيد وعمرو ، بالرفع فلا يخلو ؛ إمّا أن يحكم لـ (غير) ـ هنا ـ بحكم (إلّا) ، أو لا ، فإن لم يحكم لها بحكم (إلّا) فسد المعنى المراد وذلك أنّ المراد إدخال زيد وعمرو في الإتيان وإن قال : ما أتاني غير هذين فإن لم يجعل (غير) بمنزلة (إلا) ورفع (عمرو) كان المعنى إخراجه من الإتيان وكأنه قيل : ما أتاني غير زيد ، وما أتاني عمرو والمراد خلاف ذلك ، فلزم أنه لا يصحّ المعنى حتى ينزل (غير) منزلة (إلا) ويعرب «عمرو» بإعراب ما بعد (إلا) أو بإعراب ما بعد (غير) لا بإعرابها نفسه. (٣) قال الشيخ : وظاهر كلام سيبويه أنه عطف على الموضع ؛ لأنّ (غير) دخيلة في الاستثناء فالمستثنى بعدها أصله أن يكون معمولا لما قبل (إلّا) فالمجوز ـ

__________________

(١) شطر من بحر الوافر قاله عقيبة بن هبيرة الأسدي ، شاعر جاهلي إسلامي ، وفد على معاوية بن أبي سفيان فدفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات فدعاه معاوية فقال له : ما جرأك عليّ؟ قال : نصحتك إذ غشوك ، وصدقتك إذ كذبوك ، فقال : ما أظنك إلا صادقا ، وقضى حوائجه. ينظر : الخزانة (١ / ٣٤٣) ، وهو عجز بيت وصدره :

معاوي إننا بشر فاسجح

واسجح : بمعنى ارفق. والشاهد : في نصب و «لا الحديدا» ، بالعطف على موضع الجبال ؛ لأن موضعه نصب ؛ إذ الباء لو لم تدخل عليه لم يختل المعنى وكان نصبا. ينظر : الكتاب (١ / ٦٧) ، (٢ / ٢٩٢) ، (٣ / ٩١) ، ومعاني الفراء (٢ / ٣٤٨) ، والمقتضب (٢ / ٣٣٨) ، شرح المفصل (٢ / ١٠٩) ، (٤ / ٩) ، والمغني (٤٧٧).

(٢) الكتاب (٢ / ٣٤٤) وشرح المصنف (٢ / ٣١٣).

(٣) شرح المصنف (٢ / ٣١٤) ، والكتاب (٢ / ٣٤٤).

١١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

موجود وهو طالب الرفع والنّصب وإن كان ما بعد (غير) مجرورا (١). انتهى.

أمّا قوله : إنّ ظاهر كلام سيبويه أنّه عطف على الموضع فصحيح ، وأما قوله :«والمجوز موجود وهو طالب الرفع والنصب فلا يتمّ إلّا على القول بأنّ العامل في المستثنى تمام الجملة ، وأمّا على القول بأنّ العامل ما قبل (إلّا) بتقوية (إلّا) فلا يتمّ. وزعم الشلوبين أنّ العطف هنا على التوهّم لا على المرجّح ، وحمل عليه كلام سيبويه ، وهو بعيد ، لتنظيره ، المسألة بقوله :

١٧٥٢ ـ فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وكأن الشلوبين لمّا لم يجد مجوّزا ادّعى التوهّم (٢) وظهر من المصنف أنّ الحكم المذكور مقصور على المعطوف دون غيره من التوابع كما يشعر به تمثيل سيبويه (٣) ، ولا يعدّ في إجراء بقية التوابع مجراه ، لعدم الفرق ، وعبارة ابن عصفور ـ في المقرب (٤) ـ تشعر بذلك فإنّه قال ـ بعد ذكر (غير) : إلّا أنك إذا اتبعت الاسم الواقع بعد (غير) كان لك في التابع وجهان الخفض ، وأن يكون على حسب إعراب (غير). وأنشد قول الشاعر ـ إلا أنه شاهد على العطف ـ :

١٧٥٣ ـ لم يبق غير طريد غير منفلت

وموثق في حبال القدّ مسلوب (٥)

فإنّه روي بخفض «موثق» ورفعه. وقال ابن عصفور : ولا يجوز لك في إتباع الاسم الواقع بعد (إلّا) غير الحمل على اللفظ خاصّة (٦) ، يعني أنّه لا يجوز فيه الحمل على تقدير وجود (غير) كما كان ذلك في عكسه وعللوا ذلك بأنّ الاسم الواقع بعد (إلّا) لا موضع له يخالف لفظه ، بل لفظه ، وموضعه واحد بخلاف الواقع بعد ـ

__________________

(١) التذييل والتكميل (٣ / ٦٥٥).

(٢) ينظر : الارتشاف (ص ٦٣٢) ، والأشموني (٢ / ١٥٨) ، وشرح الجمل لابن عصفور (٢ / ١٠٧) حيث صرح بأنه عطف على الموضع.

(٣) الكتاب (٢ / ٣٤٤).

(٤) المقرب (١ / ١٧٢).

(٥) البيت من بحر البسيط قاله النابغة في وصف حرب.

اللغة : الطريد : الذي طرده الخوف وأبعده عن محلّه ، والموثق : المشدود بالحبال ، والقد : الشراك ، وكانوا يشدّون به الأسير. ينظر : ديوان النابغة الذبياني (ص ١٦) ، والمقرب (١ / ١٧٢).

(٦) المقرب (١ / ١٧٢).

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(غير) وذلك لأصالة (إلّا) وفرعية (غير). قال الشيخ : وقد ذهب بعض النحويّين ـ ومنهم ابن خروف ـ إلى إجازة ذلك وحمل عليه قول الشاعر :

١٧٥٤ ـ وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة

تغنّت على خضراء سمر قيودها (١)

وروي برفع (سمر) على لفظ (حمامة) وبجرّه على تقدير غير حمامة سمر قيودها ، ومع منع ذلك أوّل الجر على أنّه خفض على الجوار ، أو على أنّ (سمرا) نعت لـ (خضراء) ويكون المراد بالقيود : عروق الشّجر (٢).

قال الشيخ أيضا : في الاستدلال بـ (سمر قيودها) بالجرّ دليل على إجراء النعت مجرى العطف يعني في الحمل على المعنى بعد (غير) وبعد (إلّا) إن قيد به ، وذكر الشيخ أنّ (غيرا) إذا كانت استثناء ففي العطف بعدها بـ (إلّا) خلاف ذهب جماعة منهم الأخفش وابن السّراج (٣) والزجاج ، وأبو عليّ ، إلى جواز ذلك إمّا على تقدير زيادة (لا) وإمّا على الحمل على المعنى ؛ لأن الاستثناء في معنى النّفي (٤). وذهب الفراء وثعلب إلى أنّ ذلك غير جائز ، كما أنه لا يجوز بعد (إلّا) فلا تقول : جاءني القوم غير زيد ولا عمرو ، كما لا تقول : جاءني القوم إلا زيد وإلا عمرا (٥).

قال الشيخ : وأجاز النحويون : عندي غير زيد ولا عبد الله ولم يجيزوا : عندي سوى عبد الله ولا زيد ، وأجاز بعضهم : أنت زيدا غير ضارب ، ولم يجوّزوا : أنت زيدا مثل ضارب ، لجعلهم (غيرا) بمنزلة (إلّا). انتهى (٦).

ومثال مساواة [٣ / ٥٩] (بيد) لـ (غير) في الاستثناء المنقطع قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ

__________________

(١) البيت من بحر الطويل قاله علي بن عميرة الجرمي كما في معجم الشواهد (ص ١٠٤).

ينظر في : أمالي القالي (١ / ٥) ، والهمع (١ / ١٣٢) ، والدرر (١ / ١٩٥).

والشاهد في البيت : قوله : «سمر» ؛ حيث يجوز فيه الرفع والجرّ على ما ذكر الشارح.

(٢) ينظر : التذييل والتكميل (٤ / ٦٥٨).

(٣) الذي ذهب إليه ابن السراج ـ في الأصول (١ / ٢٣٨) ـ هو المنع ، قال : (ولا ينسق على حروف الاستثناء بـ (إلا) لا تقول : قام القوم ليس زيدا ، ولا عمرا ولا قام القوم غير زيد ولا عمرو ، والنفي في جميع العربية ، ينسق عليه بـ (إلا) إلا في الاستثناء».

(٤) التذييل والتكميل (٣ / ٦٥٨).

(٥) لمراجعة ذلك ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٥٩) ، والارتشاف (ص ٦٣٣) ، والهمع (١ / ٢٣١).

(٦) ينظر : التذييل والتكميل (٣ / ٦٥٩).

١٢٠