شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

ارتفع الضحى ذهبت ظلالها ، ولم تبق ، فتأمل.

* * *

وأنشد الجاربردى ـ وهو الشاهد الحادى عشر بعد المائتين ـ : [من الطويل]

٢١١ ـ فآليت لا أملاه حتّي يفارقا

على أن أصله لا أملّه ، من مللت الشىء بالكسر ومللت منه أيضا مللا وملالة وملّة ؛ إذا سئمته

* * *

وأنشد الشارح ـ وهو الشاهد الثانى عشر بعد المائتين ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من الرجز]

٢١٢ ـ ومنهل ليس له حوازق

ولضفادى جمّه نقانق

على أن أصله ولضفادع ، فأبدلت العين ياء ضرورة

وأورده سيبويه فى باب ما رخمت الشعراء فى غير النداء اضطرارا ، قال : «وأما قوله وهو رجل من بنى يشكر : [من البسيط]

لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالى ووخز من أرانيها

فزعم أن الشاعر لما اضطر إلى الياء أبدلها مكان الباء ، كما يبدلها مكان الهمزة ، وقال أيضا :

ومنهل ليس له حوازق

ولضفادى جمّه نقانق

وإنما أراد ضفادع ، فلما اضطر إلى أن يقف آخر الاسم كره أن يقف حرفا لا يدخله الوقف فى هذا الموضع ، فأبدل مكانه حرفا يوقف فى الجر والرفع» انتهى

قال الأعلم : «ووجه الإبدال أنه لما اضطر إلى إسكان الحرفين لإقامة الوزن ، وهما مما لا يسكن فى الوصل ، أبدل مكان الباء والعين الياء ؛ لأنها تسكن فى حالة الرفع والخفض ، وإنما ذكر سيبويه هذا لئلا يتوهم أنه من باب الترخيم ،

٤٤١

وأن الياء زيدت كالعوض ؛ لأن المطرد فى الترخيم أن لا يعوض من الحرف المحذوف شىء ، لأن التمام منوى فيه ، ولأن الترخيم تخفيف ؛ فلو عوض منه لرجع فيه إلى التثقيل ؛ والمنهل : المورد ، والحوازق : الجماعات ، واحدتها حزيقة ، فجمعها جمع فاعلة كأن واحدتها حازقة ، لأن الجمع قد يبنى على غير واحده : أى هو منهل قفرلا وارد له ، والجمّ : جمع جمّة ، وهى معظم الماء ومجتمعه ، والنقانق : أصوات الضفادع واحدتها نقنقة» انتهى.

فيكون وصف المنهل بالبعد والمخافة ، يعنى أن هذا المنهل لا يقدر أحد أن يرده لبعده وهوله ، ولكنى لإقدامى وجرأتى أرد مثله من المياه ، وأراد أنه ليس به إلا الضفادع النقاقة.

ومنهل : مجرور بربّ المقدرة بعد الواو ، وجوابها فى بيت آخر ، وحوازق ـ بالحاء المهملة والزاى المعجمة ؛ وهو اسم ليس ، وله : خبرها ، والجملة صفة لمنهل ، ولضفادى جمّه : خبر مقدم ، وضفادى : مضاف إلى جمه ، وجمّ مضاف إلى ضمير المنهل ، ونقانق : مبتدأ مؤخر ، والجملة صفة ثانية لمنهل ، والحم ـ بالجيم ـ : وصف بمعنى الكثير ، وأصله المصدر ؛ قال صاحب المصباح : «جمّ الشىء جما من باب ضرب : كثر ؛ فهو جمّ تسمية بالمصدر ، ومال جم : أى كثير» انتهى ، والجم أيضا : ما اجتمع من ماء البئر ، وقد ذكر الجوهرى الحازقة بمعنى الجماعة ، فيكون جمعه على القياس ، والنّقنقة ـ بفتح النونين ، وسكون القاف الأولى ـ : صوت الضفدع إذا ضوعف والدّجاجة تنقنق للبيض ، ويقال : نقّت الضفدعة تنق ، بالكسر نقيقا : أى صاحت قال الشاعر : [من الرجز]

تسامر الضّفدع فى نقيقها

وكذلك النقيق للعقرب والدجاجة ، قال : (١) [من الطويل]

__________________

(١) البيت لجرير

٤٤٢

كأنّ نقيق الحبّ فى حاويائه

فحيح الأفاعى أو نقيق العقارب

وربما قيل للهر ، قال (١) : [من الرجز]

*خلف استه مثل نقيق الهرّ*

كذا فى العباب

وقال بعض أفاضل العجم فى شرح أبيات المفصل : «قال صدر الأفاضل الحزق :

الشّدّ والحبس ، والمراد بالحوازق الجوانب ؛ لأنها تمنع الماء أن ينبسط ، وقيل :

إنه لا يمنع الواردة لسهولة جوانبه ؛ لأنها منبسطة ، يصف منهلا واسعا فيقول :

ربّ منهل ليس له جوانب تمنع الماء من انبساطه فانبسط ماؤه حوله ؛ إذ ليس [له] موانع وحوابس تمنع الواردين ؛ لأنه سهل الورود» هذا كلامه ، وتبعه الجاربردى ؛ قال الأعلم : هذا الرجز يقال صنعه خلف الأحمر

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائتين ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من البسيط]

٢١٣ ـ لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالى ووخز من أرانيها

على أن الأصل من الثعالب وأرانبها ، فأبدلت الموحدة فيهما ياء لضرورة الشعر ، كما تقدم

وقال ابن عصفور فى كتاب الضرائر : «وقد يمكن أن يكون جمع ثعالة ، فيكون الأصل فيه إذ ذاك الثّعائل إلا أنه قلب» انتهى.

__________________

(١) قد أنشد أبو عمرو قبله :

أطعمت راعىّ من اليهيرّ

فظلّ يبكى حبجا بشرّ

٤٤٣

والبيت من قصيدة لأبى كاهل اليشكرى ، وقبله

كأنّ رحلى على شغواء حادرة

ظمياء قد بلّ من طلّ خوافيها

لها أشارير من لحم تتمّره

من الثّعالى ووخز من أرانيها

فأبصرت ثعلبا من دونه قطن

فكفّتت من ذناباها تواليها

ضغا ومخلبها فى دفّه علق

يا ويحه إذ تفرّيه أشافيها

وأبو كاهل : هو والد سويد بن أبى كاهل ، وسويد : شاعر مخضرم. قد ترجمناه فى الشاهد التاسع والثلاثين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية. وأبو كاهل شبه ناقته فى سرعتها بالعقاب ، الموصوفة بما ذكره ، والرحل للابل أصغر من القتب ، وهو من مراكب الرجال دون النساء ، والشغواء ـ بالشين والغين المعجمتين ـ العقاب ، وروى «كأنّ رحلى على صقعاء» وهى العقاب التى فى وسط رأسها بياض ، والأصقع من الخيل والطير : ما كان كذلك ، والاسم الصّقعة ـ بالضم ـ وموضعها : الصّوقعة ، وحادرة ـ بمهملات ـ من الحدور ، وهو النزول من عال إلى أسفل كالصّبب

وقال بعض أفاضل العجم فى شرح أبيات المفصل : «حاذرة ـ بالذال المعجمة ـ المتيقظة ، وإنما وصف العقاب بأنها حاذرة ليشير إلى حذر فؤاد ناقته ؛ لأنه مدح لها قال أبو العلاء : [من البسيط]

*فؤاد وجناء مثل الطّائر الحذر*

ورواه بعض الشارحين بالدال المهملة ، وقال : الحادرة المكتنزة الصّلبة» هذا ما سطره

قال ابن برى فى أماليه على الصحاح : والظمياء العطشى إلى دم الصيد ، وقيل : التى تضرب إلى السواد ، وبلّ : فعل مبنى للمجهول من البلل ، فإذا بلها المطر

٤٤٤

أسرعت إلى وكرها ، وكذلك جميع الطير ، والطّلّ : المطر الضعيف ، والخوافى : جمع خافية ، وهى ريشة الجناح القصيرة تلى الإبط ، والخوافى : أربع ريشات ، وسميت خوافى لأن الطائر ضمّ جناحه خفيت ، والأشارير : جمع إشرارة ـ بكسر الهمزة ـ وهى اللحم القديد ، وتتمّره : فعل مضارع ، والجملة صفة أشارير أو حال منها ، وروى متمّرة ـ على وزن اسم المفعول ـ وبالجر على الصفة ، وبالنصب على الحال ، والتّتمير ـ بالمثناة الفوقية لا بالمثلثة ـ : هو تجفيف اللحم والتمر ، قال النحاس فى شرح أبيات سيبويه : ويقال : إن المبرد صحفه بالثاء المثلثة ، وتعجب منه ثعلب ، وكان معاصره ، فقال : إنما كان يتمّر اللحم بالبصرة فكيف غلط فى هذا؟ والوخز ـ بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة بعدها زاى ـ : الشيء القليل ، كذا فى الصحاح ، وقيل : الوخز قطع اللحم واحدتها وخزة ، والمتمرة المقددة ، يريد أنه يبقى فى وكرها حتى يجفّ لكثرته. وقال الأعلم : الوخز : قطع اللحم ، وأصله الطعن الخفيف وأراد ما تقطعه بسرعة ، يريد أنها قطعته وجففته ؛ وأضاف الأرانب إلى ضميرها لكونها صادته ، ثم وصف صيدها فقال : فأبصرت ثعلبا ـ الخ ، وقطن بفتحتين ـ جبل لبنى أسد ، وكفّتت ـ بتشديد الفاء للمبالغة ، والتاء الثانية للتأنيث ، يقال : كفت الشىء كفتا ـ من باب ضرب ـ إذا ضمه إلى نفسه ، والذّنابى : بضم الذال المعجمة بعدها نون وبعد الألف موحدة فألف مقصورة ، قال صاحب الصحاح : «وفى جناح الطائر أربع ذنابى بعد الخوافى» ، ولم يذكرها ابن قتيبة فى أدب الكاتب ، قال : «قالوا جناح الطائر عشرون ريشة : أربع قوادم ، وأربع مناكب ، وأربع أباهر ، وأربع خوافى ، وأربع كلى» انتهى. ولم ينبه عليها شرحه ، وإنما قال شارحه اللّبلىّ : وقداماه أوله ، وذناباه آخره ، انتهى. وتواليها : الضمير للذنابى ، والتوالى : جمع تالية ، وهى الريشات التى تلى الذنابى ، يريد أنها لما انحدرت على الثعلب ضمت جناحها إليها كما تفعل الطيور المنقضة على الصيد ، وتواليها : مفعول

٤٤٥

كفّتت ووجب تأخيره لأن الضمير فيها راجع للذّنابى ، وقوله «ضغا» بالضاد والغين المعجمتين ، قال صاحب الصحاح : ضغا الثعلب والسّنّور يضغو ضغوا : أى صاح ، وكذلك صوت كل ذليل مقهور ، والمخلب ـ بالكسر ـ للطائر والسباع بمنزلة الظفر للانسان ، والدف ـ بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء ـ : الجنب ، وعلق ـ بفتح العين وكسر اللام ـ أى : ناشب به ، وقوله «يا ويحه» المنادى محذوف وويج : كلمة ترحّم وتوجع ، والضمير للثعلب ، وتفرّيه : تشققه وتقطعه ، مبالغة فرته ـ بتخفيف الراء ـ والأشافى : جمع إشفى ـ بكسر الهمزة وبعد الفاء ألف مقصورة ـ وهى آلة للإسكاف ، قال ابن السكيت : الإشفى : ما كان للأسقية والمزاود وأشباهها ، والمخصف للنعال ، وأراد هنا المخالب ، شبهها بالأشافى

وبما شرحنا ظهر أنه شبه راحلته بعقاب ذاهبة إلى وكرها وقد بلها المطر ، وهو أشدّ لسرعتها ، ثم وصف صيدها وسرعة انقضاضها عليه من جو السماء

وزعم الجوهرى أنه وصف فرخة عقاب تسمى غبّة ـ بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة ـ وهو اسم فرخ بعينه ، لا اسم جنس ، وليس فى الشعر شىء منه ، وتبعه على هذا عبد اللطيف البغدادى فى شرح نقد الشعر لقدامة ، فقال : يصف فرخة عقاب تسمى غبّة كانت لبنى يشكر ، ولها حديث ، وكذا قال العينى ، وأنشده صاحب الصحاح فى ثلاثة مواضع : فى مادة تمر ، ومادة شر ، ومادة وخز ، وفى هامشه قيل : هو لآبى كاهل ، وقيل للنمر بن تولب اليشكرى ، وجمع بينهما العينى فقال : قائله هو أبو كاهل النمر بن تولب اليشكرى ، وهذا غير جيد منه

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الرابع عشر بعد المائتين ـ : [من الوافر]

٢١٤ ـ إذا ما عدّ أربعة فسال

فزوجك خامس وأبوك سادى

على أن أصله سادس ، فأبدلت السين ياء ، وهذا لضرورة الشعر.

٤٤٦

ومثله ما فى كتاب القلب والإبدال ، قال : «كان رجل له امرأة تقارعه ويقارعها أيهما يموت قبل ؛ وكان تزوج نساء قبلها فمتن وتزوجت هى أزواجا قبله فماتوا ، فقال : [من الطويل]

ومن قبلها أهلكت بالشّؤم أربعا

وخامسة أعتدّها من نسائيا

بويزل أعوام أذاعت بخمسة

وتعتدّنى إن لم يق الله ساديا

وقوله «بويزل أعوام» أى مسنّة ، حال من خامسة ، مصغر بازل ، وهو مستعار من البازل فى الإبل ، وهو الداخل فى السنة التاسعة ، وهو آخر أسنانه ، ويقال فى العاشرة : بازل عام ، وبازل عامين ، وبازل أعوام ، ومثله قول الآخر : [من البسيط]

خلا ثلاث سنين منذ حلّ بها

وعام حلّت وهذا التّابع الخامى

وأصلهما سادسا ، والخامس ، فأبدلت الياء من السين فيهما.

وأما قول الآخر : [من الطويل]

ثلاثة أيّام كرام ورابع

وما الخام فيهم بالبخيل الملوّم

فإن لما أبدل السين من الخامس ياء اكتفى بالكسرة منها ، كذا قال ابن عصفور فى كتاب الضرائر.

وأما البيت الأول فقد أورده الجوهرى فى مادة فسل ، قال : الفسل من الرجال الرّذل ، والمفسول مثله ، وقد فسل ـ بالضم ـ فسالة وفسولة فهو فسّل من قوم فسلاء وأفسال وفسال وفسول ، قال الشاعر :

إذا ما عدّ أربعة الخ

وروى ابن السكيت حموك بدل أبوك ، ولم يكتب ابن برى ولا الصفدى

٤٤٧

على المادة شيئا ، وقال ياقوت فيما كتبه على هامش الصحاح : البيت يروى للنابغة الجعدى ، يهجو به ليلى الأخيلية.

وأما قوله «خلا ثلاث سنين ـ البيت» فقال ابن السكيت : أنشدنيه القاسم بن معن ، ونقل عنه ابن المستوفى : أنه للحادرة ، ولم أره فى ديوانه.

وصريح كلام ابن عصفور أن هذا كله ضرورة ، ويرد عليه ما نقله ابن السكيت عن الفراء عن الكسائى أنه قال : العرب تقول : جاء ساتّا ، وجاء ساتيا ، تريد سادسا ، فلما ثقل المشدد بدل بالياء ، وكانت خلفا من التاء ، وأخرجت الدال لأنها من الأصل ، ومن قال ساتا فعلى لفظ ستة وستين ، ومن قال سادسا فعل الأصل ، قالوا : جاء سادسهم ، وساتّهم ، وساديهم ، وساديتهنّ ، للمرأة ، قال : وزعم الكسائى أنه سمع أعراييا يقول : وكانت آخر ناقة نحرها والدى أو جدى سادية وستين ، وأنشد بعض العرب : [من البسيط]

يا لهف نفسى لهفا غير ما كذب

على فوارس بالبيداء أنجاد

كعب وعمرو وعبد الله بينهما

وابناهما خمسة والحارث السّادي

أى السادس

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الخامس عشر بعد المائتين ـ : [من الرجز]

٢١٥ ـ يفديك يا زرع أبى وخالى

قد مرّ يومان وهذا الثّالى

وأنت بالهجران لا تبالى

على أن الأصل «وهذا الثالث» فأبدل الياء من الثاء.

وخصه ابن عصفور بالضرورة أيضا ، ولم يذكره ابن السكيت فى كتاب الإبدال ،

٤٤٨

ولا الزجاجى فى أماليه ، ولا رأيته إلا فى كتب التصريف ، وقائله مجهول ، والله أعلم به ، وزرع : مرخم زرعة.

* * *

وأنشد بعده : [من الطويل]

هما نفثا فى فىّ من فمويهما

على النّابح العاوى أشدّ رجام

على أن «فما» عند الأخفش أصله فوه ، بدليل رجوعها فى التثنية

وقد تقدم فى الشاهد السابع والخمسين من هذا الكتاب.

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد السادس عشر بعد المائتين ـ : [من الرجز]

٢١٦ ـ لا تقلواها وادلواها دلوا

إنّ مع اليوم أخاه غدوا

على أن «غدا» أصله غدو ، بدليل هذا البيت.

وجاء فى بيت لبيد الصحابى رضى الله تعالى عنه كذلك ، قال من قصيدة : [من الطويل]

وما النّاس إلّا كالدّيار وأهلها

بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع

واستدل سيبويه بهذا البيت على أن أصله غدو ، باسكان الدال ، وإذا نسب إلى الأصل فقيل «غدوىّ» لم تسلب الدال الحركة ، لأن النسبة جرت على التحرك بعد الحذف ، خلافا للأخفش ؛ فانه زعم أن الحركة تحذف عند النسبة إلى الأصل ، فيقول : غدوىّ ويديىّ ، باسكان دالهما.

قال ابن جنى فى شرح تصريف المازنى : «والقول قول سيبويه ، ألا ترى

(ق ٢ ـ ٢٩)

٤٤٩

أن الشاعر لما ردّ الحرف المحذوف بقّى الحركة التى أحدثها الحذف بحالها قبل الرد فى قوله :

يديان بيضاوان عند محلّم

فتحريك الدال بعد رد الياء دلالة على صحة ما ذهب اليه سيبويه ، قال أبو على : فإن قيل : فما تصنع بغدوا فى البيتين ، فإنه يشهد لصحة قول الأخفش؟

فالجواب أن الذى قال : غدوا ليس من لغته أن يقول : غد ؛ فيحذف ، بل الذى يقول : غد غير الذى يقول : غدوا» انتهى كلامه.

وأنشده صاحب الكشاف عند قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) على أن التقدير كمثل ذوى صيّب ؛ لأن التشبيه ليس بين ذات المنافقين والصيّب نفسه ، بل بين ذواتهم وذوات ذوى الصيّب ، كما فعل لبيد بإدخاله حرف التشبيه على الديار ، مع أنه لم يرد تشبيه الناس بالديار ؛ إذ لا يستقيم ذلك ، وإنما شبه وجودهم فى الدنيا وسرعة زوالهم وتركهم منازلهم خالية ، بحلول أهل الديار فيها ونهوضهم عنها وتركها خالية ؛ فهى بالحلول مأهولة ، وبالرحيل خالية ، والتقدير :

وما الناس إلا كالديار حال كون أهلها بها يوم حلولهم فيها وهى فى غد خالية ، وأهلها : مبتدأ ، وخبره : بها ، ويوم : ظرف متعلق بمتعلق الخبر ، وغدوا : ظرف لبلاقع ، وبلاقع : خبر مبتدأ محذوف : أى وهى خالية غدوا.

والبيت من قصيدة يرثى بها أخاه لأمه فى الجاهلية ، وهو أربد ، ومطلعها :

بلينا وما تبلى النّجوم الطّوالع

وتبقى الجبال بعدنا والمصانع

ولا جزع أن فرّق الدّهر بيننا

وكلّ امرىء يوما له الدّهر فاجع

وما النّاس إلّا كالدّيار وأهلها

بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع

٤٥٠

وما المرء إلّا كالشّهاب وضوءه

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

وأما البيت الأول فقوله «لا تقلواها» نهى : أى لا تسوقا الناقة سوقا عنيفا ، من قلا الحمار أتانه يقلوها قلوا ؛ إذا طردها وساقها ، وقوله «وادلواها دلوا» هو أمر ، والجملة معطوفة على جملة النهى ، قال صاحب الصحاح : دلوت النّاقة دلوا سيّرتها سيرا رويدا ، وأنشد هذا الشعر. وقول الآخر :

*لا تعجلا بالسّير وادلواها*

ولم يذكر قائله ، ولا كتب عليه شيئا ابن برى ، ولا الصفدى ، وقوله «إن مع اليوم ـ إلخ» قال الزمخشرى فى مستقصى الأمثال : إن مع اليوم غدا ، مثل يضربه الراجى للظفر بمراده فى عاقبة الأمر ، وهو فى بدئه غير ظافر ، وأنشد هذا الشعر.

* * *

وأنشد الجاربردى هنا ـ وهو الشاهد السابع عشر بعد المائتين ـ : [من المنسرح]

٢١٧ ـ ذاك خليلى وذو يعاتبنى

يرمى ورائى بامسهم وامسلمه

على أن إبدال لام «أل» المعرفة ميما ضعيف.

وقال ابن جنى فى سر : الصناعة هذا الإبدال شاذ لا يسوغ القياس عليه ، وفيه نظر ؛ فإنه لغة قوم بأعيانهم ، قال صاحب الصحاح : هى لغة لحمير ، وقال الرضى رضى الله عنه فى شرح الكافية : هى لغة حمير ونفر من طئ ، وقال الزمخشرى فى المفصل : وأهل اليمن يجعلون مكانها الميم ، ومنه ليس من امبرّ امصيام فى امسفر ، وقال : *يرمى ورائى ... البيت* وحينئذ لا يجوز الحكم على لغة قوم بالضعف ، ولا بالشذوذ ، نعم لا يجوز القياس بابدال كل لام ميما ، ولكن يتبع إن سمع ،

٤٥١

وقد حكى الزجاجى أربع كلمات وقع التبادل [فيها] بينهما ، قال : «غرلة وغرمة ، وهى القلفة ، وامرأة غرلاء وغرماء ولا يقال قلفاء ، وأصابته أزلة وأزمة : أى سنة ، وانجبرت يده على عثم وعثل ، وشممت ما عنده وشملت ما عنده : أى خبرته» انتهى ، ولم يرو ابن السكيت فيهما شيئا.

والبيت من أبيات لبجير بن عنمة الطائى الجاهلى ؛ قال الآمدى فى المؤتلف والمختلف : «بجير بن عنمة الطائى : أحد بنى بولان بن عمرو بن الغوث بن طىء ، وأراه أخا خالد بن غنمة الطائى الشاعر الجاهلى ، وبجير القائل فى أبيات :

وإنّ مولاى ذو يعاتبنى

لا إحنة عنده ولا جرمه

ينصرنى منك غير معتذر

يرمى ورائى بامسهم وامسلمه»

انتهى

والمولى : ابن العم ، والناصر ، والحليف ، والمعتق ، والعتيق ، والظاهر أن المراد هنا إما الأول وإما الثانى ، وذو : كلمة طائية بمعنى الذى محلّها الرفع خبر إنّ ، ويعاتبنى : صلتها ، والمعاتبة : مخاطبة الإدلال ، والاسم العتاب ، قال الشاعر :

*ويبقى الودّ ما بقى العتاب*

وروى بدله «يعيّرنى» وهو غير مناسب ، وقوله «لا إحنة» مبتدأ ، وعنده الخبر ، والجملة حال من فاعل يعاتبنى ، ويجوز أن تكون خبرا ثانيا لإن ، وجرمة : معطوف على إحنة ـ بكسر الهمزة ـ وهى الضغينة والحقد ، والجرمة ـ بفتح الجيم وكسر الراء ـ هو الجرم والذنب ، كذا فى القاموس ، وقوله «يرمى ورائى» قال بعض أفاضل العجم فى شرح أبيات المفصل : «وراء : من الأضداد ، بمعنى قدام وخلف ، ويحتمل المعنيين هنا ، والرمى وراءه عبارة عن الذبّ والمدافعة عنه» اه ؛ والمعنى هذا الرجل يعاتبنى ويسلك طريق بقاء الود ، يدافع عنى مرة بالسهام ومرة

٤٥٢

بالسّلام ، وقيل : يشكو إعراضه ، يقول : إذا غبت رمانى بهما ، وهذا ليس بصحيح كما هو ظاهر ، وورائى بالمد وفتح الياء (١) وقوله «بامسهم» بكسر الميم دون تنوين ؛ لأنه معرف باللام لكن الكسرة مشبعة للوزن (٢) وقوله «وبامسلمة» بباء الجر بعد الواو ، وبها يتزن (٣) الشعر ، والسّلمة ـ بفتح السين وكسر اللام ـ : واحدة السّلام ، رهى الحجارة ، كذا روى البيتين الآمدى وابن برى فى أماليه على الصحاح ، ورواه الجوهرى فى مادة سلم كذا.

ذاك خليلى وذو يعاتبنى

يرمى ورائى بالسّهم وامسلمه

وقال : يريد والسلمة ، وكذا رواه صدر الأفاضل ، وقال : «الرواية بالسهم ـ بتشديد السين ـ على اللغة المشهورة ، وامسلمه ـ بالميم الساكنة بعد الواو ـ على اللغة اليمانية» انتهى.

ولا يخفى أن هذا غير متّزن ، إلا إن حركت الهمزة بعد الواو ، وتحريكها لحن ، قال ابن برى : وصواب الرواية ما ذكرنا ، قال ابن هشام فى المغنى : «قيل إن هذه اللغة مختصة بالأسماء التى لا تدغم لام التعريف فى أولها ، نحو : غلام ، وكتاب ، بخلاف رجل وناس ، وحكى لنا بعض طلبة اليمن أنه سمع فى بلادهم من يقول :

خذ الرمح ، واركب امفرس ، ولعل ذلك لغة بعضهم ، لا لجميعهم ، ألا ترى إلى البيت السابق وأنها فى الحديث على النوعين؟» انتهى.

وقد تابع الناس الجوهرى فى ذكر المصراع الأول من هذا البيت ، قال ابن هشام فى شرح أبيات ابن الناظم : «روى الجوهرى (يعاتبنى) بدل يواصلنى ، وزعم

__________________

(١) لا ، بل بسكون الياء ، والبيتان من المنسرح : يرمى ورا مستفعلن ، ئى بامسهم مفعولات ، وامسلمه مفتعلن

(٢) لا ، بل بكسرة غير مشبعة ، لأن الوزن لا يستقيم مع الاشباع

(٣) لا ، بل بدون باء الجر

٤٥٣

أن الواو زائدة ، وكأن ذلك لأنه رأى أن قوله : يرمى ، محط الفائدة ؛ فقدره خبرا وقدر خليلى تابعا للاشارة ، وذو : صفة لخليلى ، فلا يعطف عليه ، وتبعية خليلى للاشارة بأنه بدل منها ، لانعت ، بل ولا بيان ؛ لأن البيان بالجامد كالنعت بالمشتق ، ونعت الاشارة بما ليست فيه أل ممتنع ، وبهذا أبطل أبو الفتح كون بعلى فيمن رفع شيخا بيانا ، ولك أن تعرب خليلى خبرا ، وذو عطفا عليه ، ويرمى حالا منه وإن توقف المعنى عليه ، مثل (وهذا بعلى شيخا)» انتهى كلامه

أقول : ليس فى كلام الجوهرى ما يدل على زيادة الواو ، ولعل القائل غيره ، وأما الحديث الذى أورده الزمخشرى ـ وهو مشهور فى كتب النحو والصرف ـ فقد قال السخاوى فى شرح المفصل : يجوز أن يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكلم بذلك لمن كانت هذه لغته ، أو تكون هذه لغة الراوى التى لا ينطق بغيرها ؛ لا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبدل اللام ميما ، قال الأزهرى : الوجه أن لا تثبت الألف فى الكتابة ؛ لأنها ميم جعلت كالألف واللام ، ووجد فى خط السيوطى فى كتاب الزبرجد رسمه كذا «ليس من ام بر ام صيام فى ام سفر»

وقد اشتهر أنها رواية النمر بن تولب ، وليس كذلك

قال ابن جنى فى سر الصناعة : «وأما إبدال الميم من اللام فيروى أن النمر بن تولب قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : ليس من امبر امصيام فى امسفر ، فأبدل اللام المعرفة ميما ، ويقال : إن النمر لم يرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير هذا الحديث ، إلا أنه شاذ لا يسوغ القياس عليه» انتهى.

وتبعه الزمخشرى فى المفصل ، وابن يعيش فى شرحه ، وابن هشام فى المغنى ، قال : «تكون أم للتعريف ، ونقلت عن طيىء ، وعن حمير ، وأورد البيت والحديث ، وقال : كذا رواه النمر بن تولب» انتهى.

قال السيوطى فى حاشيته على المغنى : «هذا الحديث أخرجه أحمد فى مسنده ،

٤٥٤

والطبرانى فى معجمه الكبير من حديث كعب بن عاصم ، ومسنده صحيح ، وقوله «كذا رواه النّمر بن تولب» وكذا ذكره ابن يعيش والسخاوى : كلاهما فى شرح المفصل ، وصاحب البسيط ، زاد ابن يعيش : ويقال : إن النمر لم يرو عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا هذا الحديث ، وكلهم تواردوا على ما لا أصل له ، أما أولا فلان النمر بن تولب مختلف فى إسلامه وصحبته ، وأما ثانيا فإن هذا الحديث لا يعرف من رواية النمر ، والحديث الذى رواه النمر عند من أثبت صحبته غير هذا الحديث ، قال أبو نعيم فى «معرفة الصحابة» : النمر بن تولب الشاعر ، كتب له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابا ، وروى من طريق مطرّف عنه ، قال : سمعت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من سره أن يذهب كثير من وحر صدره ، فليصم شهر الصبر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر» انتهى كلام السيوطى رحمه‌الله

قلت : وكذا قال ابن عبد البر فى الاستيعاب ، وابن حجر فى الإصابة ، إن النمر بن تولب لم يرو إلا حديثا واحدا ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وغر الصدر

و «بجير» بضم الموحدة وفتح الجيم بعدها ياء ساكنة فراء مهملة ، و «عنمة» بفتح العين المهملة والنون بعدها ميم و «بولان» بفتح الموحدة وسكون الواو

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الثامن عشر بعد المائتين ـ : [من الرجز]

٢١٨ ـ يا هال ذات المنطق التّمتام

وكفّك المخضّب البنام

على أن الأصل البنان ؛ فأبدلت النون المتحركة ميما بضعف كما أبدلت فى طامه الله على الخير ، والأصل طانه ، قال ابن جنى فى سر الصناعة : «فأما قول رؤبة :

*وكفّك المخضّب البنام*

٤٥٥

فإنه أراد البنان ، وإنما جاز ذلك لما فيها من الغنة والهوىّ ، وعلى هذا جمعوا بينهما فى القوافى فقالوا : [من السريع]

يا ربّ جعد فيهم لو تدرين

يضرب ضرب السّبط المقاديم

وقال الآخر :

يطعنها بخنجر من لحم

دون الذّنابى فى مكان سخن

وهو كثير» انتهى

ولم يذكروا إبدال النون من الميم

وقد أورد ابن السكيت فى كتاب الإبدال كلمات كثيرة للقسمين

فمن القسم الأول : ماء آجن وآجم للمتغير ، ويقال لريح الشّمال : نسع ومسع ، والحلّان والحلّام ، وهو الجدى الصغير ، قال أبو عبيدة (١) فى قول مهلهل : [من السريع]

كلّ قتيل فى كليب حلّام

حتّى ينال القتل آل همّام

ويقال : نجر من الماء ينجر نجرا ومجر يمجر مجرا ؛ إذا أكثر من شربه ولم يكد يروى ، وقال اللحيانى : يقال رطب محلقن ومحلقم ، وقال الأصمعى : إذا بلغ الترطيب ثلثى البسرة فهى حلقانة ، وحلقان للجميع ، وهى محلقنة ، والمحلقن للجميع ، والحزن والحزم : ما غلظ من الأرض ، وهى الحزون والحزوم ، وقال غير الأصمعى من الأعراب : الحزم أرفع ، والحزن أغلظ ، يقال : قد أحزنّا : أى صرنا إلى الحزونة ، ولا يقال أحزمنا ، أبو عبيدة يقال : انتطل فلان من الزق

__________________

(١) لم يذكر ما قال أبو عبيدة فى شرح بيت المهلهل ، وقوله هو : «أى فرغ ، ويقال : الفرغ ، للباطل الذى لا يؤدى ؛ يقال : ذهب دمه فرغا : أى باطلا» اه نقلا عن كتاب القلب والأبدال لابن السكيت (ص ١٩). والفرغ بكسر الفاء وسكون الراء

٤٥٦

نطلة : أى امتص منه شيئا يسيرا ، وتقول : امتطل من الزّق مطلة ، والمعنى واحد ويقال : قد نشنشها الرجل والفحل : أى قد نكحها ، وقال بعضهم : مشمشها ، فى ذلك المعنى ، ويقال : إن فلانا لشراب بأنقع ، جمع ، وقال بعضهم : بأمقع ، قال الأصمعى : معناه المعاود لما يكره مرة بعد مرة

ومن القسم الثانى : الأصمعى ، يقال : للحية أيم وأين ، والأصل أيّم ، فخفف ويقال : الغيم والغين ، وقال بعضهم : الغين إلباس الغيم السماء ، ومنه : إنه ليغان على قلبى : أى يغطى عليه ويلبس ، وسمعت أبا عمرو يقول : الغيم العطش ، يقال : غيم وغين ، وقد غامت وغانت : أى عطشت ، وهى تغيم وتغين ، الأصمعى : يقال : امتقع لونه وانتقع لونه ؛ إذا تغير لفزع ، وهو ممتقع اللون ومنتقع اللون ، الفراء : يقال : مخجت بالدّلو ونخجتها ؛ إذا جذبتها لتمتلىء ، الأصمعى : المدى والنّدى للغاية ، يقال : بلغ فلان المدى والنّدى ، الكسائى : تمدّلت بالمنديل وتندّلت ، الأصمعى : يقال : أمغرت الناقة والشاة وأنغرت ؛ إذا خالطت لبنها حمرة من دم ، الأصمعى : يقال للبعير إذا قارب الخطو وأسرع : بعير دهامج وبعير دهانج ، وقد دهمج يدهمج دهمجة ودهنج يدهنج دهنجة ، ويقال : أسود قاتم وقاتن ، أبو عمرو والفراء : يقال : كرزم ، «للفأس الثقيلة وكرزن ؛ الكسائى يقال : عراهمة وعراهنة ، وسمع الفراء حنظل وحمظل ، وقال أبو عمرو : الدّمدم الصّلّيان المحيل فى لغة بنى أسد ، وهو فى لغة تميم الدّندن ، الكلابى : يقال : أطمّ يده وأطنّها» هذا ما ذكره ابن السكيت بحذف الشواهد

وزاد الزجاجى من الأول : نثّ جسده من السمن ، ينت نثا ، ومثّ يمثّ مثا ، ومن الثانى : تكهّم به وتكهن : أى تهزأ به

وأما الشعر الشاهد فقد نسبه ابن جنى والزمخشرى والشارح إلى رؤبة ؛ وليس موجودا فى ديوانه ، و «هال» مرخم هالة ، و «ذات» بالنصب صفة لهالة

٤٥٧

تبعه على المحل ، والمنطق : هو النطق ، و «التّمتام» صفة لمنطق ، وأصل التمتام الإنسان الذى يتردد فى التاء عند نطقه ، قال ابن المستوفى : عطف «كفّك» على المنطق ، وكان الواجب أن يقول : والكفّ المخضب ؛ لأن ذا وذات يتوصل بها إلى الوصف بأسماء الأجناس ، غير أن المعطوف يجوز فيه ما لا يجوز فى المعطوف عليه ، وقال بعض فضلاء العجم : «التمتام الذى فيه تمتمة : أى تردد فى كلامه ، ووصف المنطق بالتّمتام مجاز ، وتمتمتها فى المنطق عبارة عن حيائها ، قال صاحب المقتبس : ورأيت فى نسخة الطباخى بخطه أن الواو فى : وكفّك : واو القسم ، هذا كلامه ، وقيل : يجوز أن يكون جواب القسم محذوفا دل عليه قوله : ذات المنطق ، يريد أقسم بكفك أن منطقك تمتام وأنك مستحية ، وقال بعض الشارحين : أقسم بكفها ، والمقسم عليه فى بيت بعده ، ولم يذكر ذلك البيت ، ويجوز أن يكون (وكفّك) معطوفا على المنطق ، وإنما قال : المخضب ولم يقل المخضبة ؛ لأن المؤنث بغير علامة يجوز تذكيره حملا على اللفظ ، أو لأنه ذهب بالكف إلى العضو» هذا ما ذكره ذلك الفاضل

وقوله «لأن المؤنث بغير علامة إلخ» هذا يقتضى جواز (الشمس طلع) مع أنه يجب إلحاق العلامة عند الإسناد إلى ضمير المؤنث المجازى ، وفى المصباح المنير : «الكف من الإنسان وغيره أنثى ، قال ابن الأنبارى : وزعم من لا يوثق به أن الكف مذكر ، ولا يعرف تذكيرها من يوثق بعلمه ، وأما قولهم : كف مخضب ؛ فعلى معنى ساعد مخضب ، قال الأزهرى : الكف الراحة مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن» انتهى.

وفيه أن الخضاب لا يوصف به الساعد ، وقال العينى : ذات المنطق ؛ يجوز رفعه حملا على اللفظ ونصبه حملا على المحل.

أقول : لا يجوز هنا إلا النصب ؛ فإن المنادى إذا كان موصوفا بمضاف يجب

٤٥٨

نصب وصفه ، نحو : يا زيد أخا عمرو ، وقال أيضا : يجوز أن يكون : كفك ؛ مرفوعا على الابتداء وخبره فى البيت الآتى ، أو محذوف ، أقول : هذا عدول عن واضح إلى خفى مجهول.

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد التاسع عشر بعد المائتين ـ : [من الطويل]

٢١٩ ـ ألا كلّ نفس طين منها حياؤها (١)

قال ابن السكيت فى كتاب الإبدال : «قال الأحمر : يقال طانه الله على الخير وطامه : يعنى جبله ، وهو يطيمه ويطينه ، وأنشد :

ألا تلك نفس طين فيها حياؤها

وسمعت الكلابى يقول : طانه الله على الخير وعلى الشر» انتهى.

وكذا نقله الجوهرى عنه ، قال ابن برى فى أماليه على الصحاح : «صواب الشعر : إلى تلك ؛ بإلى الجارّة ، والشعر يدل على ذلك ، أنشد الأحمر :

لئن كانت الدّنيا له قد تزيّنت

على الأرض حتّى ضاق عنها فضاؤها

لقد كان حرّا يستحى أن تضمّه

إلى تلك نفس طين فيها حياؤها

يريد أن الحياء من جبلتها وسجيتها» انتهى.

ففى ما فى الشرح ثلاث تحريفات ، وفى الصحاح تحريف واحد تبعا لابن السكيت ، والأحمر : هو خلف بن حيّان بن محرز ، ويكنى أبا محرز البصرى ، وهو مولى بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه من أبناء الصغد الذين سباهم قتيبة بن مسلم لبلال ، وهو أحد رواة الغريب واللغة والشعر

__________________

(١) انظر (ص ٢٠) من كتاب القلب والأبدال لابن السكيت

٤٥٩

ونقاده والعلماء به ، قال الأصمعى : أول من نعى أبا جعفر المنصور بالبصرة خلف الأحمر ، وذلك أنا كنا فى حلقة يونس فمر بنا خلف فسلم ، ثم قال :

قد طرّقت ببكرها بنت طبق

فقال له يونس : هيه ، فقال :

فنتجوها خبرا ضخم العنق

فقال : وما ذاك ، قال :

موت الإمام فلقة من الفلق

كذا فى طبقات النحويين لمحمد بن الحسين اليمنى ، وساق له نوادر وأشعارا وحكايات كثيرة.

* * *

وأنشد بعده ـ وهو الشاهد العشرون بعد المائتين ـ : [من الرجز]

٢٢٠ ـ هل ينفعنك اليوم إن همت بهم

كثرة ما توصى وتعقاد الرّتم

على أن ميم الرتم أصلية من الرتيمة غير مبدلة من الياء ، وهذا الفصل جميعه من سر الصناعة لابن جنى ، قال صاحب الصحاح : الرتيمة : خيط يشد فى الإصبع لتستذكر به الحاجة ، وكذلك الرتمة ، تقول منه : أرتمت الرجل إرتاما ، قال الشاعر : [من الطويل]

إذا لم تكن حاجاتنا فى نفوسكم

فليس بمغن عنك عقد الرّتائم

والرتمة بالتحريك : ضرب من الشجر ، والجمع رتم ، قال الشاعر :

نظرت والعين مبينة التّهم

إلى سنانار وقودها الرّتم

وكان الرجل إذا أراد سفرا عمد إلى شجرة فشد غصنين منها فان رجع

٤٦٠