الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي
المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢
سالت هذيل رسول الله فاحشة |
|
ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب |
سالوا رسولهم ما ليس معطيهم |
|
حتّى الممات وكانوا سبّة العرب |
انتهى.
وزاد ابن هشام فى السيرة بعدهما بيتين آخرين ، وهما :
ولن ترى لهذيل داعيا أبدا |
|
يدعو لمكرمة عن منزل الحرب |
لقد أرادوا خلال الفحش ويحهم |
|
وأن يحلّوا حراما كان فى الكتب |
* * *
وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الخامس والستون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من الوافر]
١٦٥ ـ وكنت أذلّ من وتد بقاع |
|
يشجّج رأسه بالفهر واجى |
على أن أصله واجىء ـ بالهمز ـ فقلبت الهمزة ياء لضرورة الشعر عند سيبويه كما تقدم نصه
واعترض عليه الشارح المحقق تبعا لابن الحاجب بأن هذا القلب جائز فى الوقف قياسا ، والقلب فى مثله إنما يكون ضرورة لو كان فى غير الوقف
واعتراض ابن الحاجب فى شرح المفصل ، قال : «وأصله واجىء ، فقلبت الهمزة ياء ، وقد أنشده سيبويه أيضا على ذلك ، وهو عندى وهم ؛ فان هذه الهمزة موقوف عليها ، فالوجه أن تسكن لأجل الوقف ، وإذا سكنت جرها حركة ما قبلها ؛ فيجب أن تقلب ياء ؛ فليس لإيرادهم لها فيما خرج عن القياس من إبدال الهمزة حرف لين وجه مستقيم ، وقد اعتذر لهم عن ذلك بأن القصيدة مطلقة بالياء ، وياء الاطلاق لا تكون مبدلة عن همزة ؛ لأن المبدل عن الهمزة فى حكم الهمزة ؛ فجعلها ياء الاطلاق ضرورة ؛ فصح إيرادهم لها فيما خرج عن القياس فى قلب الهمزة حرف لين ، والجواب أن ذلك لا يدفع كون التخفيف ياء جائزا على القياس ؛
لأن الضرورة فى جعل الياء مبدلة عن الهمزة ياء للإطلاق ، لا أن إبدالها على خلاف القياس ؛ لأنهما أمران متقاطعان ، فتخفيفها إلى الياء أمر ، وجعلها ياء للاطلاق أمر آخر ، والكلام إنما هو فى إبدالها ياء ، ولا ينفع العدول إلى الكلام فى جعلها ياء الاطلاق ، فثبت أن قلبها ياء فى مثل هذا مثل قياس تخفيف الهمزة ، وأن كونها إطلاقا لا يضر فى كونها جارية على القياس فى التخفيف ، نعم يضر فى كونه جعل ما لا يصح أن يكون إطلاقا ، وتلك قضية ثانية ، هذا بعد تسليم أن الياءات والواوات والألفات المنقلبات عن الهمزة لا يصح أن تكون إطلاقا ، وهو فى التحقيق غير مسلم ؛ إذ لا فرق فى حرف الاطلاق بين أن يكون عن همزة وبين أن يكون غير ذلك ، كما فى حرف الردف وألف التأسيس» هذا آخر كلامه
وكأنه لم يقف على ما كتبه الزمخشرى هنا من مناهيه على المفصل ، وهو قوله : «لا يقال : وقف على الهمزة فى واجىء ثم قلبها ياء لكسرة ما قبلها ؛ لأنه لو وقف لوقف على الجيم الذى هو حرف الروى» انتهى.
وهذا تحقيق منه وشرح لمراد سيبويه ؛ لأنه إنما منع الوقوف على الهمزة فى واجىء ؛ لأنه كان يصير حرف الروى همزة ، فيختلف الرويان اختلافا شديدا ؛ بخلاف الإكفاء فى نحو قوله : [من الرجز]
بنىّ إنّ البرّ شىء هيّن |
|
المنطق الّليّن والطّعيّم |
فلا يجوز أن يقال : وقف على الهمزة ، وأنه فعل به بعد الوقف على الجيم ما فعل من إسكان الهمزة وقلبها ياء للضرورة ، إنما يقال : أبدل منها إبدالا محضا ولا يخففها التخفيف القياسى ؛ فإن التخفيف القياسى هو إبدالها إذا سكنت بالحرف الذى منه حركة ما قبلها ، نحو راس فى رأس ، وإذا خففت تخفيفا قياسيا كانت فى حكم المحققة ، وإذا كانت فى حكم المحققة اختلف الرويان ، ولذلك أبدلوا فى الشعر ولم يحققوا ؛ خوفا من انكساره ، ومن اختلاف رويه ، وهذا البدل
هو الذى ذكره سيبويه فى قوله : «وقد يجوز فى ذا كله البدل حتى يكون قياسا إذا اضطر الشاعر» وذكر أن البدل فى المفتوحة بالألف وفى المكسورة بالياء وفى المضمومة بالواو ليس بقياس (١) ، يريد أن القياس أن تجعل بين بين ، وقلبها على وجه البدل شاذ وهو من ضرورة الشعر ، وقول الزمخشرى «لأنه لو وقف لوقف على الجيم إلخ» يريد أنه إذا أدى الأمر إلى أن تقلب الهمزة ياء صار واجى كقاضى ، وحكم الوقف على المنقوص المنون فى الرفع والجر فى الاختيار حذف الياء والوقف على الحرف الذى قبلها ، نحو هذا قاض ومررت بقاض ، وإن جاز إثبات الياء فيهما ، لكن المختار حذفها
هذا ، والبيت من قصيدة لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت رضى الله عنه هجا بها عبد الرحمن بن الحكم بن أبى العاص وكان يهاجيه ، وقبله :
وأمّا قولك الخلفاء منّا |
|
فهم منعوا وريدك من وداجى |
ولولاهم لكنت كحوت بحر |
|
هوى فى مظلم الغمرات داجى |
وكنت أذلّ من وتد بقاع |
|
... البيت |
افتخر ابن الحكم على ابن حسّان بأن الخلفاء منا لا منكم ؛ وأن الخلافة فى قريش ، وبنو أمية منهم ، وابن حسان من الأنصار ، والأنصار هم الأوس والخزرج ، وهم من أزد غسّان من عرب اليمن قحطان.
والوريد : عرق غليظ فى العنق ، وهما وريدان فى صفحتى مقدّم العنق ، ويقال له : الودج ـ بفتحتين ـ والوداج أيضا بكسر الواو ، والودجان : عرقان غليظان يكتنفان نقرة النحر يمينا وشمالا ، وقيل : هما عرقان فى العنق يتفرعان من الوريدين ، ويقال للودج الأخدع أيضا ، والأخدعان : الودجان ، وقوله «وداجى» كذا جاء بالإضافة إلى الياء ، والوداج : مصدر وادج ، فاعل ،
__________________
(١) انظر كتاب سيبويه (ح ٢ ص ١٥٩)
وليس بمراد ، وإنما المراد مصدر وادج كسافر بمعنى سفر ، يقال : ودجت الدابة ودجا ـ من باب وعد ـ إذا قطعت ودجها ، وهو لها كالفصد للانسان ، ولو روى وداج ، بدون ياء ، لحمل على أنه جمع ودج ، كجمال جمع جمل ، وقدر مضاف : أى صفع وداج ، ونحوه ، ويكون الجمع باعتبار ما حوله ، يقول : لو لا أن الخلفاء من قومك وقد احتميت بهم لذبحتك أو لصفعتك على أخدعيك ؛ والغمرات : جمع غمرة ـ بالفتح ـ وهى قطع الماء التى بعضها فوق بعض ، وداجى : أسود ؛ من دجا الليل يدجو دجوا إذا أظلم ، يريد لولاهم لكنت خاملا لعدم نباهتك مختفيا لا يراك أحد كالحوت فى البحر لا يرى لعمقه وتكاثف المياه عليه ، ورواه شراح أبيات المفصل *ولولاهم لكنت كعظم حوت* وقالوا : لكنت كعظم سمكة وقع فى البحر لا يشعر به.
وقوله «وكنت أذلّ الخ» الوتد : بفتح الواو وكسر التاء ، والقاع المستوى من الأرض ، ويشجج : مبالغة يشجّ رأسه ؛ إذا جرحه وشق لحمه ، والفهر ـ بكسر الفاء ـ : الحجر ملء الكف ، ويؤنث ، والواجى : الذى يدق ، اسم فاعل من وجأت عنقه ـ بالهمز ـ إذا ضربته ؛ وفى أمثال العرب «أذلّ من وتد بقاع» لأنه يدق ومن أمثالهم أيضا «أذلّ من حمار مقيّد» وقد جمعهما الشاعر فقال : [من البسيط]
ولا يقيم بدار الذّلّ يألفها |
|
إلّا الأذلّان عير الدّار والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمّته |
|
وذا يشجّ فلا يرثى له أحد |
وقال المبرد فى الكامل : «كانا يتهاجيان ، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم أن يؤدبهما ، وكانا تقاذفا ، فضرب ابن حسان ثمانين ، وضرب أخاه عشرين ، فقيل لابن حسان : قد أمكنك فى مروان ما تريد ، فأشد بذكره وارفعه إلى
معاوية ، فقال : والله إذن لا أفعل وقد حدّنى حد الرجال الأحرار وجعل أخاه كنصف عبد ، فأوجعه بهذا القول :
* * *
وأنشد الجاربردى هنا ـ وهو الشاهد السادس والستون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من الرجز]
١٦٦ ـ *وأمّ أو عال كها أو أقربا*
على أن دخول الكاف على الضمير شاذ فى الاستعمال ، لا فى القياس ؛ إذ القياس أن يدخل الكاف على الاسم ، ظاهرا كان أو مضمرا ، كسائر حروف الجر ،
والبيت من أرجوزة للعجاج ، وقبله :
*خلّى الذّنابات شمالا كثبا*
وهذا فى وصف حمار الوحش أراد أن يرد الماء مع أتنه فرأى الصياد ، وفاعل «خلّى» ضمير ، وهو مضمن معنى جعل ، والذّنابات : مفعوله الأول ، وشمالا : ظرف فى موضع المفعول الثانى ، والذنابات : جمع ذنابة ـ بالكسر ـ وهو آخر الوادى ينتهى إليه السيل ، والكثب ـ بفتح الكاف والمثلثة ـ : القرب ، وأراد القريب ، وأم أوعال : قيل بالنصب معطوف على الذّنابات ، وقيل مرفوع بالابتداء ، و «كها» الجار والمجرور فى موضع خبر المبتدأ ، و «أقرب» معطوف على مدخول الكاف ، وأم أوعال : هضبة فى ديار بنى تميم ، والهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض ، وضمير «كها» للذّنابات
وقد تكلمنا عليه بأبسط من هذا فى الشاهد السادس والثلاثين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية.
* * *
وأنشد أيضا بعده ـ وهو الشاهد السابع والستون بعد المائة ـ [من الطويل] :
١٦٧ ـ ويستخرج اليربوع من نافقائه |
|
ومن جحره بالشّيحة اليتقصّع |
على أن دخول «أل» على الفعل شاذ مخالف للقياس والاستعمال ؛ إذ هى خاصة بالاسم ، وصوابه فيستخرج بالفاء السببية ، ونصبه بأن مضمرة بعدها ، وبالبناء للمفعول ، و «اليربوع» نائب الفاعل ، وهو دويبّة تحفر الأرض ، وله جحران : أحدهما القاصعاء ، وهو الذى يدخل فيه ، وثانيهما النافقاء ، وهو الجحر الذى يكتمه ويظهر غيره ، وهو موضع يرققه ؛ فإذا أتى من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه ؛ فانتفق : أى خرج ، والجحر ـ بضم الجيم ـ يطلق على مأوى اليربوع والضب والحية ، وقوله «بالشّيحة» رواه أبو عمرو الزاهد وغيره تبعا لابن الأعرابى «ذى الشيحة» وقال : لكل يربوع شيحة عند جحره ، ورد عليه أبو محمد الأعرابى فى «ضالّة الأديب» : صوابه بالشيخة ـ بالخاء المعجمة ـ وهى رملة بيضاء فى بلاد بنى أسد وحنظلة ، وقوله «اليتقصّع» رواه الرياشى بالبناء للمفعول ، يقال : تقصّع اليربوع دخل فى قاصعائه ؛ فيكون صفة للجحر ، وصلته محذوفة : أى من جحره الذى يتقصع فيه ، وروى بالبناء للفاعل ؛ فيكون صفة اليربوع ، ورواه أبو زيد فى نوادره «المتقصّع» باسم المفعول ؛ فيكون من صفة اليربوع أيضا ، لكن فيه حذف الصلة.
والبيت من أبيات شرحناها شرحا وافيا فى أول شاهد من شواهد شرح الكافية
* * *
وأنشد بعده ـ وهو الشاهد الثامن والستون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من الطويل]
١٦٨ ـ أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم |
على أنه فصل بين الهمزتين بألف
قال سيبويه. «ومن العرب ناس يدخلون بين ألف الاستفهام وبين الهمزة ألفا إذا التقتا ، وذلك أنهم كرهوا التقاء همزتين ففصلوا ، كما قالوا : اخشينانّ ؛ ففصلوا بالألف كراهية التقاء هذه الحروف المضاعفة ، قال ذو الرمة :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
... البيت» اه (١) |
وبزيادة الألف يكون قوله «نقا آ أن» مفاعيلين ، جزءا سالما ، ويجوز أن تحقق الهمزتان بلا زيادة ألف فيكون قوله «نقا أ أن» مفاعلن ؛ جزءا مقبوضا ، وأورده الشارح والزمخشرى فى المفصل تبعا لسيبويه بزيادة الألف ؛ لأنه معها يمتد الصوت ويكون جزءا سالما ، وهو أحسن ، وحملا على الأصل ؛ لأن الزحاف فرع ومراعاة الأصل أولى ؛ وأما البيت بعده فلا يستقيم إلا بإقحام الألف بين الهمزتين ، قال أبو على فى كتاب الشعر : فيه حذف خبر المبتدأ ، التقدير أ أنت هى أم أمّ سالم ، فان قلت : فما وجه هذه المعادلة؟ وهل يجوز أن يشكل هذا عليه حتى يستفهم عنه ، وهو بندائه لها قد أثبت أنها ظبية الوعساء؟ ألا ترى أنه لو نادى رجلا بما يوجب القذف لكان فى ندائه له بذلك كالمخبر عنه؟ فكذلك إذا قال : يا ظبية الوعساء قد أثبتها ظبية للوعساء ، وإذا كان كذلك فلا وجه لمعادلته إياها بأم سالم حتى يصير كأنه قال : أيكما أمّ سالم؟ فالقول فى ذلك أن المعنى على شدة المشابهة من هذه الظبية لأم سالم ؛ فكأنه أراد التبستما على واشتبهتما ، حتى لا أفصل بينكما ؛ فالمعنى على هذا الذى ذكرناه شدة المشابهة ، لأنه ليس ظبية الوعساء من أم سالم ... إلى آخر ما ذكره»
والبيت من قصيدة طويلة لذى الرمة ، وقبله :
__________________
(١) انظر كتاب سيبويه فى (ح ٢ ص ١٦٨)
أقول لدهناويّة عوهج جرت |
|
لنا بين أعلى عرفة فالصّرائم |
وبعده :
هى الشّبه إلّا مدرييها وأذنها |
|
سواء وإلّا مشقة فى القوائم |
وقوله «أقول لدهناوية» أى : لظبية منسوبة إلى الدهناء ـ بالمد وبالقصر وهو موضع فى بلاد تميم ، والعوهج ـ بفتح العين المهملة وآخره جيم ـ : الطويلة العنق ، وجرت : سنحت ، والعرفة ـ بضم العين المهملة وبالفاء ـ : القطعة المشرفة من الرمل ، والصرائم : قطع من الرمل ، جمع صريمة ، وقوله «أيا ظبية الخ» هو مقول القول ، ويروى «فيا ظبية» ـ بالفاء ـ وليس بالوجيه ، والوعساء : الرابية اللينة من الرمل ، ويقال : الوعساء : الأرض اللينة ذات الرمل ، والمكان أوعس ، و «جلاجل» بجيمين أولاهما مضمومة ، وروى بفتحها أيضا ، وروى «حلاحل» ـ بمهملتين أولاهما مضمومة ـ وهو اسم مكان ، والنقا : التل من الرمل ، وأم سالم : هى محبوبته ، وقوله «هى الشّبه إلخ» المدرى ـ بكسر الميم وسكون الدال المهملة ـ : القرن ، والمشقة : الدّقة ، يقال : فلان ممشوق الجسم : أى دقيق خفيف ، يقول : هى أشبه شىء بأم سالم إلا قرنيها وأذنيها ، وإلا حموشة (١) فى قوائمها ، فأما العنق والعين والملاحة فهى شبيهة بها ، قال الأصمعى فى شرح ديوانه هنا : «يقال : إن مسعودا أخاه وهشاما عابا عليه كثرة تشبيهه المرأة بالظبية ، وقيله : إنها دقيقة القوائم ، وغير ذلك ، فقال هذه القصيدة ، واستثنى هذا الكلام فيها»
* * *
وأنشد بعده ـ وهو الشاهد التاسع والستون بعد المائة ـ : [من الطويل]
__________________
(١) الحموشة : الدقة ، قال الشاعر يصف براغيث :
وحمش القوائم حدب الظّهور |
|
طرقن بليل فأرّقننى |
١٦٩ ـ حزقّ إذا ما النّاس أبدوا فكاهة |
|
تفكّر آ إيّاه يعنون أم قردا |
لما تقدم قبله
والبيت أورده أبو زيد فى كتاب الهمز ، وقال : وبعض العرب يقول : يا زيد ؛ آ أعطيت فلانا؟ فيفرق بين الهمزتين بالألف الساكنة ، ويحققهما ، قال الشاعر :
حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة |
|
... البيت |
وأورده ابن جنى فى سر الصناعة ، والزمخشرى فى المفصل
و «الحزق» بضمتى الحاء المهملة والزاى المعجمة وتشديد القاف ، فسره أبو زيد بالقصير ، وكذا فى العباب. قال : والحزقّ والحزقّة القصير ، قال جامع بن عمرو بن مرخية الكلابى :
وليس بحوّاز لأحلاس رحله |
|
ومزوده كيسا من الرّأى أو زهدا |
حزقّ إذا ما القوم ... |
|
... البيت |
وفى حديث النبى صلىاللهعليهوسلم أنه كان يرقّص الحسن أو الحسين رضى الله عنهما ، ويقول : حزقّة حزقّه ترقّ عين بقّه ؛ فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره عليه الصلاة والسّلام ، قال ابن الأنبارى : حزقّة حزقّه : معناها المداعبة والترقيص له ، وهى فى اللغة الضعيف الذى يقارب خطوه من ضعف بدنه ؛ فقال له النبى صلىاللهعليهوسلم ذلك لضعف كان فيه فى ذلك الوقت ، قال : والحزقّة فى غير هذا الضّيق (١) ، قالها الأصمعى ، وقال أبو عبيدة : الحزقة القصير العظيم البطن الذى إذا مشى أدار أليته ، ومعنى ترقّ : أى اصعد ، عين بقّه : أى
__________________
(١) قد أطلق الضيق فى عبارة الأصمعى هنا ، ولكن قيده صاحب اللسان فقال : «قال الأصمعى : رجل حزقة ، وهو الضيق الرأى من الرجال والنساء وأنشد بيت امرىء القيس :
وأعجبنى مشى الحزقّة خالد |
|
كمشى أتان حلّئت بالمناهل |
يا صغير العين ؛ لأن عين البقة نهاية فى الصغر» انتهى
وهذان البيتان من قصيدة لجامع المذكور أورد منها أبو محمد الأعرابىّ فى ضالة الأديب ثلاثة عشر بيتا وهى هذه :
تعالى بأيد ذارعات وأرجل |
|
منكّبة روح يخدن بنا وخدا |
سعالى ليل ما تنام وكلّفت |
|
عشيّة خمس القوم هاجرة صخدا |
فجئن بأغباش وما نزل القطا |
|
قراميص مأواه وكان لها وردا |
وجئن ينازعن الأزمّة مقدما |
|
محاويق قد لاقت ملاويحها جهدا |
إلى طاميات فوقها الدّمن لم نجد |
|
لهنّ بأوراد ولا حاضر عهدا |
فشنّ عليها فى الإزاء بسفرة |
|
فتى ماجد تثنى صحاباته حمدا |
كأنّهم أربابه وهو خيرهم |
|
إذا فزعوا يوما وأوراهم زندا |
وأجدرهم أن يعمل العيس تشتكى |
|
مناسمها فى الحجّ أو قائدا وفدا |
خفيف لهم فى حاجهم وكأنّما |
|
يعدّون للأبطال ذا لبدة وردا |
إذا ما دعوا للخير أو لحقيقة |
|
دعوا رعشنيّا لم يكن خاله عبدا |
وليس بحوّاز لأحلاس رحله |
|
ومزوده كيسا من الرأى أو زهدا |
حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة |
|
تذكر آ إيّاه يعنون أم قردا |
ولا هجرع سمج إذا مات لم يجد |
|
به قومه فى النّائبات له فقدا |
وقوله «تعالى بأيد» أى : تتعالى وترتفع الإبل بأيد ، ذارعات : أى مسرعات ، والذرع والتذريع : تحريك الذراعين فى المشى ، و «منكّبة» اسم فاعل من نكب تنكيبا ؛ إذا عدل عن الطريق ، ويقال : نكب عن الطريق ينكب نكوبا ، بالتخفيف أيضا ، وروح : جمع أروح ، وروحاء ، من الرّوح ـ بفتحتين ومهملتين ـ وهو سعه فى الرجلين ، وهو أن تتباعد صدور القدمين وتتدانى العقبان ، والوخد ـ بالخاء المعجمة ـ : ضرب من سير الإبل ، وهو رمى القوائم
كمشى النعام ، وقوله «سعالى ليل» أى : كسعالى ليل ، شبه الإبل بالسّعلاة ، وهى أنثى الغول وأخبثها ، وأضافها إلى الليل لكمال قوتها فيه ، و «كلّفت» بالبناء للمفعول ، والخمس ـ بالكسر ـ هو أن ترد الإبل الماء يوما ولا ترد بعده إلا فى اليوم الخامس ؛ فيكون صبرها عن الماء ثلاثة أيام ، والهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحر ، وأراد كلّفت سير هاجرة ، والصّخد ـ بالصاد المهملة والخاء المعجمة ـ : مصدر بمعنى اسم الفاعل ، يقال : صخدته الشمس ، من باب منع : أى أصابته وأحرقته ، وقوله «فجئن بأغباش» : أى جاءت الإبل بأغباش جمع غبش ـ بفتحتين ـ وهو البقية من الليل ، ويقال : ظلمة آخر الليل ، والقطا أسبق الطير إلى الماء ، والقراميص : حفر صغار يستكنّ فيها الإنسان من البرد ، الواحد قرموص ، والورد ـ بالكسر ـ : ورود الماء ، يريد أن الإبل سبقت القطا إلى الورد ، وقوله «وجئن ينازعن إلخ» أى يجاذبن ، والأزمّة : جمع زمام ، والمقدم : اسم فاعل من أقدم إذا جدّ ، وهو المنازع منه ، و «محاويق» حال من فاعل ينازعن ، وهو جمع محوقة ـ بالفتح ـ وهى التى دعكها السفر وأتعبها ، اسم مفعول من حاقه يحوقه حوقا ، وهو الدلك والتمليس ، و «ملاويحها» فاعل لافت ؛ جمع ملواح ـ بالكسر ـ وهى الشديدة العطش ، من لاح لوحا من باب نصر ؛ إذا عطش ، ولاحه السفر : أى غيره ، والجهد : المشقة ، وقوله «إلى طاميات» أى : جاءت الإبل إلى مياه طاسيات : أى مرتفعات فى الأحواض ، من طما الماء يطمو طموّا ـ بالطاء المهملة ـ إذا ارتفع وملأ النهر ، والدّمن ـ بكسر الدال ـ : البعر ، وماء متدمن ؛ إذا سقط فيه أبعار الإبل والغنم ، وأوراد : جمع ورد ـ بالكسر ـ والورد هنا. القوم الذين يردون الماء ، والحاضر : المقيم ، يقال : على الماء حاضر ، وقوم حضّار ؛ إذا حضروا المياه ، وقوله «فشنّ عليها» أى : على الإبل ، وشنّ الماء على الشراب : أى فرّقه عليه ، والإزاء ـ بكسر
الهمزة بعدها زاى معجمة والمد ـ : مصب الماء فى الحوض ، قال أبو زيد : هو صخرة ، وما جعلت وقاية على مصب الماء حين يفرغ الماء ، والسّفرة ـ بالضم ـ الجلدة التى يؤكل عليها الطعام ، و «فتى» فاعل شن ، و «تثنى» من الثناء وهو الذكر الجميل ، و «أربابه» ساداته ، والمناسم : جمع منسم ـ كمجلس ـ : طرف خف البعير ، وحاج : جمع حاجة ، و «يعدّون» من أعدّه لكذا : أى هيأه ، و «ذالبدة» مفعوله ، أراد به الأسد ، واللبدة ـ بكسر اللام ـ وهو الشعر المتلبد بين كتفى الأسد ، قال صاحب الصحاح : الورد : الذى يشمّ ، وبلونه قيل للأسد ورد ، وللفرس ورد ، وقوله «إذا ما دعوا إلخ» أراد إذا دعا القوم لبذل الخير أو لحماية حقيقة ، وأراد به من يحق عليه حمايته من عشيرة وغيرها ، والرعشى : المسرع ، وقوله «وليس بحوّاز إلخ» هو مبالغة حائز ، من حاز الشىء ؛ إذا جمعه ، والأحلاس : جمع حلس ـ بالكسر ـ : أثاث البيت ، والرّحل : المنزل والمأوى ، ومزوده معطوف على أحلاس ، والمزود ـ بالكسر ـ : ما يجعل فيه الزاد ، وهو طعام السفر ، وكيسا : مفعول لأجله : أى لا يحوز : إمّا لكيسه وإما لزهده ، والكيس : الكياسة ، وهى خلاف الحمق ، وقوله «حزق» بالجر صفة لحوّاز ، والفكاهة ـ بالضم ـ المزاح وانبساط النفس ، يقول : هو ليس ممن إذا تمازح القوم تفكر أيعنونه ويريدونه أم يعنون القرد لشبهه به ، فيشتبه عليه الأمر ، وقوله «ولا هجرع» بالجر معطوف على حزقّ ، والهجرع بكسر الهاء والراء (١) وسكون الجيم بينهما ، وهو الطويل ، و «سمج» صفته من السماجة ، أى : ليس بطويل قبيح ، وقوله «إذا مات إلخ» يقول : هو ليس ممن لا يبكى عليه قومه فى الشدائد بعد موته ، بل يبكون عليه ؛ لأنه يدفع عنهم نوائب الدهر.
__________________
(١) هجرع : فيها لغتان حكاهما صاحب القاموس : إحداهما كدرهم ، والثانية كجعفر ، وليس فيها كسر الراء كما يتوهم من عبارة المؤلف
الإعلال
أنشد فيه ـ وهو الشاهد السبعون بعد المائة ـ : [من الوافر]
١٧٠ ـ *أعارت عينه أم لم تعارا*
على أنه قد يعل باب فعل من العيوب ، فإن عارت أصله عورت ـ بكسر الواو ـ فقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وهو قليل ، والكثير عور يعور ؛ لأنه فى معنى اعورّ يعورّ ؛ فلما كان اعورّ لا بد له من الصحة لسكون ما قبل الواو صحت العين فى عور وحول ونحوهما ؛ لأنها قد صحت فيما هو بمعناها ؛ فجعلت صحة العين فى فعل أمارة لأنه فى معنى افعلّ
قال سيبويه : لم يذهب به مذهب افعلّ ؛ فكأنه قال : عارت تعور ، ومن قال هكذا فالقياس أن يقول : أعار الله عينه ، وقد رواه صاحب الصحاح ـ وتبعه صاحب العباب ـ بالعين المهملة والغين المعجمة ، ومعنى عارت عينه صارت عوراء ، وقالا فى المعجمة : وغارت عينه تغور غورا وغؤورا : دخلت فى الرأس ، وغارت تغار لغة فيه ، وصدره عنده :
*وسائلة بظهر الغيب عنّى*
أى : رب سائلة
وأنشده ابن قتيبة فى أدب الكاتب :
*تسائل بابن احمر من رآه*
على أن الباء بمعنى عن
قال الجواليقى فى شرحه : «عمرو بن أحمر من باهلة ، وهو أحد عوران قيس ، وهم خمسة شعراء : تميم بن أبىّ بن مقبل ، والراعى ، والشماخ ، وحميد بن ثور ، وابن أحمر ، يقول : تسائل هذه المرأة عن ابن أحمر أصارت عينه عوراء أم لم تعورّ؟ يقال : عارت العين وعرتها أنا وعوّرتها ، ويروى تعارا ـ بفتح التاء
(ق ٢ ـ ٢٣)
وكسرها ـ وهى لغة فيما كان مثله ، وأراد تعارن بالنون الخفيفة ـ التى للتأكيد فأبدل منها ألفا لينه للوقف» انتهى.
وروى ابن دريد صدره فى الجمهرة
*وربّت سائل عنىّ حفىّ*
قال : وربما قالوا : ربت فى معنى ربّ ، وأنشد البيت
و «الحفى» بالحاء المهملة والفاء : المستقصى فى السّؤال
وقال ابن السّيد فى شرح أدب الكاتب : «هذا البيت لعمرو بن أحمر ، وهذا من الشعر الذى يدل على قائله ، ويغنى عن ذكره ، ووقع فى شعره : وربّت سائل عنّى حفىّ ، وهو الصحيح ؛ لأنه ليس قبل هذا البيت مذكور يعود إليه الضمير من قوله : تسائل ، ولعل الذى ذكر ابن قتيبة رواية ثانية مخالفة للرواية التى وقعت إلينا من هذا الشعر ، وبعد هذا البيت :
فإن تفرح بما لاقيت قومى |
|
لئامهم فلم أكثر حوارا |
والحوار ـ بالحاء المهملة ـ : مصدر حاورته فى الأمر إذا راجعته فيه ، يقول : لم أكثر مراجعة من سرّ بذلك من قومى ، ولا أعنفه فى سروره لما أصابنى ، وكان رماه رجل يقال له مخشىّ بسهم ففقأ عينه ، وفى ذلك يقول : [من البسيط]
شلّت أنامل مخشىّ فلا جبرت |
|
ولا استعان بضاحى كفّه أبدا |
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها |
|
وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا |
أعشو بعين وأخرى قد أضرّ بها |
|
ريب الزّمان فأمسى ضوءها خمدا |
وقوله «أم لم تعارا» قياسه أن يقول : أم لم تعر كلم تخف ، ولكنه أراد النون الخفيفة» انتهى كلامه
واورده ابن عصفور فى الضرائر قال : «ومنها ردّ حرف العلة المحذوف لالتقاء
الساكنين اعتدادا بتحريك الساكن الذى حذف من أجله وإن كان تحريكه عارضا ، كقوله :
*أعارت عينه أم لم تعارا*
كان الوجه لم تعر ؛ إلا أنه اضطر فرد حرف العلة المحذوف واعتد بتحريك الآخر وإن كان عارضا ، ألا ترى أن الراء من تعارا إنما حركت لأجل النون الخفيفة المبدل منها الألف؟ والأصل لم تعرن ، ولحقت النون الخفيفة الفعل المنفى بلم كما لحقته فى قول الآخر :
*يحسبه الجاهل ما لم يعلما*»
انتهى
ولم يتصل خبر عور عينه بسهم إلى بعض فضلاء العجم فقال فى شرح أبيات المفصل : «وأراد بغؤور العين ما هو سببه ، وهو الهزال والنحافة ، فسألت عنه أنحف جسمه وضعف بعدى أم هو على حاله؟» هذا كلامه ، وظن أن هذا الكلام من التغزل ، وأجحف ابن المستوفى وظن أن عينيه عورتا فحمل عارت عينه على الواحدة وتعارا على العينين ، واعتذر للإفراد أولا بأن كل شىء لا يخلو عن قرين يجوز أن يعبّر [فيه] بالواحد عن الاثنين ، فالألف فى «تعارا» على قوله ضمير تثنية ، والجزم بحذف النون ، وتندفع الضرورتان عنه برد الألف والتوكيد مع لم ، لكنه خلاف الواقع
وعمرو بن أحمر شاعر مخضرم إسلامى قد ترجمناه فى الشاهد الستين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية
* * *
وأنشد الجاربردى هنا ـ وهو الشاهد الواحد والسبعون بعد المائة ـ : [من الرجز]
١٧١ ـ أىّ قلوص راكب تراها |
|
طاروا علاهنّ فطر علاها |
على أن القياس عليهنّ وعليها ؛ لكن لغة أهل اليمن قلب الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفا ، وهذا الشعر من كلامهم
كذا أوردهما الجوهرى فى الصحاح ، وهما من رجز أورده أبو زيد فى نوادره نقلناه وشرحناه فى الشاهد الثامن عشر بعد الخمسمائة من شواهد شرح الكافية
وقوله «أى قلوص راكب» باضافة قلوص إلى راكب ، و «أى» استفهاميه تعجبية ، وقد اكتسبت التأنيث من قلوص ، ولهذا أعاد الضمير إليها مؤنثا ، و «أى» منصوب ، من باب الاشتغال ، ويجوز رفعه على الابتداء ، والقلوص ـ بفتح القاف ـ : الناقة الشابة ، وطاروا : أسرعوا
* * *
وانشد بعده : [من المنسرح]
نستوقد النّبل بالحضيض ونصطاد نفوسا بنت على الكرم
وتقدم شرحه فى الشاهد التاسع عشر من هذا الكتاب
* * *
وانشد بعده ـ وهو الشاهد الثانى والسبعون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه ـ : [من مجزوء الكامل]
١٧٢ ـ عيّوا بأمرهم كما |
|
عيّت ببيضتها الحمامه |
جعلت لها عودين من |
|
نشم وآخر من ثمامه |
على أنه أدغم المثلان جوازا فى عيّوا
قال سيبويه : «وقد قال بعضهم : حيّوا وعيّوا لمّا رأوها فى الواحد والاثنين والمؤنث ؛ إذا قالوا : حيّت المرأة ؛ بمنزلة المضاعف من غير الياء ، أجروا الجمع على ذلك ؛ قال الشاعر :
*عيّوا بأمرهم ... البيت (١)*»
__________________
(١) انظر الكتاب (ح ٢ ص ٣٨٧)
قال الأعلم : «الشاهد فيه إدغام عيّوا وجعله كالمضاعف الصحيح السالم من الإعلال والحذف ؛ لإدغامه»
والبيتان من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدىّ خاطب بها حجرا أبا امرىء القيس ، واستعطفه لبنى أسد ، وذلك أن حجرا كان يأخذ منهم إتاوة فمنعوه إياها فأمر بقتلهم بالعصى ؛ فلذلك سموا عبيد العصى ، ونفى من نفى منهم إلى تهامة ، وأمسك منهم عمرو بن مسعود وعبيد بن الأبرص وحلف أن لا يساكنوه ، فلما خاطبه بها رق لهم حجر ، وأمر برجوعهم إلى منازلهم ؛ فاضطغنوا عليه ما فعل بهم فقتلوه ، وأولها :
يا عين ما فابكى بنى |
|
أسد هم أهل النّدامه (١) |
أهل القباب الحمر والنّعم |
|
المؤبّل والمدامه |
وذوو الجياد الجرد والأسل |
|
المثقّفة المقامه (٢) |
حلّا أبيت اللّعن حللا |
|
إنّ فيما قلت آمه |
فى كلّ واد بين |
|
يثرب فالقصور إلى اليمامه |
تطريب عان أو صيا |
|
ح محرّق وزقاء هامه (٣) |
ومنعتهم نجدا فقد |
|
حلّوا على وجل تهامه |
عيّوا بأمرهم كما |
|
عيّت ببيضتها الحمامه (٤) |
جعلت لها عودين من |
|
نشم وآخر من ثمامه |
__________________
(١) رواية الأغانى
«يا عين فابكى ما بنى»
(٢) رواية الأغانى «وذوى الجياد»
(٣) رواية الأغانى «أو صوت هامه»
(٤) رواية الأغانى
«برمت بنو أسد كما |
|
برمت ببيضتها الحمامه» |
فنمت بها فى رأس شا |
|
هقة على فرع البشامه |
إمّا ترت تركت عفوا |
|
أو قتلت فلا ملامه |
أنت المليك عليهم |
|
وهم العبيد إلى القيامه |
ذلّوا وأعطوك القيا |
|
د كذلّ أدبر ذى حزامه (١) |
قوله «يا عين ما فابكى» ما : زائدة ، والنعم : المال الراعى ، وهو جمع لا واحد له من لفظه ، وأكثر ما يقع على الأبل ، قال أبو عبيد : النعم : الجمال فقط ، وقيل :
الإبل خاصة (٢) ، يؤنث ويذكر ، وهو هنا مذكر لوصفه بالمؤبّل ، باسم المفعول ، ومعناه المقتنى ، يقال : أبّل الرجل تأبيلا : أى اتخذ إبلا واقتناها ، والأسل : القنا ، والتثقيف : التعديل ، والمقامة : اسم مفعول من أقام الشىء بمعنى عدّله وسواه ، وفى العباب : يقال : حلّا : أى استثن ، ويا حالف اذكر حلّا ، قال عبيد بن الأبرص لأبى امرىء القيس ـ وحلف أن لا يساكنوه ـ :
حلّا أبيت اللّعن ... البيت
و «آمه» وفيه أيضا فى مادة (أوم) : الآمة العيب ، وأنشد البيت أيضا ، وطرّب تطريبا : أى مدّ صوته ، والعانى : الأسير ، والزّقاء ـ بضم الزاى المعجمة بعدها قاف ـ : صياح الديك ونحوه ، و «الهامة» تزعم العرب أن روح القتيل الذى لم يدرك بثأره تصير هامة ـ وهو من طيور الليل ـ فتزقو تقول : اسقونى اسقونى (٣) ؛ فاذا أدرك بثأره طارت ، وقوله «عيّوا بأمرهم» الضمير لبنى أسد ،
__________________
(١) فسر المؤلف الحزامة على أنها بالحاء المهملة مفتوحة ، والذى فى الأغانى :
ذلّوا بسوطك مثلما |
|
ذلّ الأشيقر ذى الخزامه |
والخزامة ـ بكسر الخاء المعجمة ـ : برة تجعل فى أنف البعير ليذل ويقاد
(٢) هذا مقابل لقول لم يذكر ، وهو : النعم يطلق على الأبل والبقر والغنم
(٣) قال ذو الأصبع العدوانى :
يا عمرو إلّا تدع شتمى ومنقصتى |
|
أضربك حتّى تقول الهامة اسقونى |
وفى الصحاح : يقال : عىّ بأمره وعييى إذا لم يهتد لوجهه ، والإدغام أكثر ، وأنشد البيت ، والنشم ـ بفتح النون والشين المعجمة ـ : شجر يتخذ منه القسّىّ ، والثمام ـ بضم المثلثة ـ : نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخصوص ، وربما حشى به وسد به خصاص البيوت ، الواحدة ثمامة
قال ابن السيّد فى شرح أبيات أدب الكاتب : «أصحاب المعانى يقولون :
إنه أراد جعلت لها عودين : عودا من نشم ، وآخر من ثمامة ؛ فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه ؛ فقوله : وآخر ؛ على هذا التأويل ليس معطوفا على عودين ؛ لأنك إن عطفته عليهما كانت ثلاثة ، وانما هو معطوف على الموصوف الذى حذف وقامت صفته مقامه ؛ فهو مردود على موضع المجرور ، وهذا قبيح فى العربية ؛ لأن إقامة الصفة مقام الموصوف إنما يحسن فى الصفات المحضة ؛ فإذا لم تكن محضة وكانت شيئا ينوب مناب الصفة من مجرور أو جملة أو فعل لم يجز إقامتها مقام الموصوف ؛ لا يجوز جاءنى من بنى تميم وأنت تريد رجل من بنى تميم ، وقد جاء شىء قليل من ذلك فى الشعر ، وأما تشبيه أمر بنى أسد بأمر الحمامة فتلخيصه أنه ضرب النشم مثلا لذوى الحزم وصحة التدبير ، وضرب الثّمام مثلا لذوى العجز والتقصير ؛ فأراد أن ذوى العجز منهم شاركوا ذوى الحزم فى آرائهم فأفسدوا عليهم تدبيرهم ؛ فلم يقدر الحكماء على إصلاح ما جناه السفهاء ، كما أن الثمام لما خالط النشم فى بنيان العش فسد العش وسقط ؛ لو هن الثمام وضعفه ، ولم يقدر النشم على إمساكه بشدته وقوته» هذا كلامه
وفيه نظر من وجهين : أما أولا : فلأنه لا ضرورة فى تخريجه على الضرورة ، ولا مانع فى المعنى من عطف «آخر» على عودين ؛ إذ المراد جعلت عشها من هذين الجنسين : النشم ، والثمامة : سواء كان أحدهما أكثر من الآخر أم لا ، وليس المراد أنها لم تجعله سوى عودين لعدم ؛ إمكانه بديهة ، والمراد من العدد القلة لا ظاهره ،
وأما ثانيا : فلأنه ليس معنى التشبيه على ما ذكره ، وإنما المراد من تشبيههم بها عدم الاهتداء لصلاح الحال
قال الأعلم : «وصف خرق قومه وعجزهم عن أمرهم ، وضرب لهم مثلا بخرق الحمامة وتفريطها فى التمهيد لعشها ؛ لأنها لا تتخذ عشها إلا من كسار العيدان ؛ فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانكسرت ، ولذلك قالوا فى المثل : أخرق من حمامة ، وقد بين خرقها فى بيت بعده ، وهو : جعلت لها عودين ... البيت : أى : جعلت لها مهادا من هذين الصنفين من الشجر ، ولم يرد عودين فقط ولا ثلاثة كما يتأول بعضهم ؛ لأن ذلك غير ممكن» انتهى.
واستدل ابن يسعون والصّقلىّ وجماعة ممن شرح أبيات الإيضاح الفارسىّ على أنه لا بد من حذف الموصوف بأن العرب فيما زعموا لا تقول : ما رأيت رجلين وآخر ؛ لأن آخر إنما يقابل به ما قبله من جنسه : من إفراد أو تثنية أو جمع ؛ فلزم لذلك أن يكون التقدير عودا من نشم وآخر من ثمامة ، حتى يكون قد قابل مفردا بمفرد ، وهو الذى ذكروا من أنه إنما يكون على وفق ما قبله من إفراد أو تثنية أو جمع ، هذا ما قالوه ، وهو ليس بصحيح ؛ بدليل قول ربيعة بن مكدّم : [من الكامل]
*ولقد شفعتهما بآخر ثالث (١)*
ألا ترى أنه قابل بآخر اثنين؟ وقول أبى حية : [من البسيط]
وكنت أمشى على رجلين معتدلا |
|
فصرت أمشى على أخرى من الشّجر |
__________________
(١) هذا صدر بيت لربيعة بن مكدم ، وعجزه قوله :
*وأبى الفرار لى الغداة تكرّمى*