شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي

شرح شافية ابن الحاجب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ رضي الدين محمّد بن الحسن الاستراباذي النحوي


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

والبيت من قصيدة للمتنبى نظمها فى الكوفة بعد رجوعه إليها من مصررثى بها خولة أخت سيف الدولة بن حمدان البكرى ، وتوفيت بميّا فارقين ، من ديار بكر ، لثلاث بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وورد خبر موتها العراق ، فرثاها بهذه القصيدة فى شعبان وأرسلها إليه ، وقبله :

طوى الجزيرة حتّى جاءنى خبر

فزعت فيه بآمالى إلى الكذب

حتّى إذا لم يدع لي صدقه أملا

شرقت بالدّمع حتّى كاد يشرق بى

تعثّرت به فى الأفواه ألسنها

... البيت

طىّ البلاد : قطعها بالسير ، والجزيرة : بلد يتصل بأرض الموصل ، والفزع إلى الشىء : الاعتصام به والالتجاء إليه ، والشّرق : الغصص ؛ وتعثر الألسن : توقفها عن الإبانة ، مستعار من عثار الرّجل ، والبرد ـ بالضم ـ رجال يحملون الرسائل على دواب تتخذ لهم ، الواحد منها بريد ، يقول : طوى أرض الجزيرة خبر هذه المتوفاة مسرعا غير متوقف حتى طرقنى بغتة ، وورد علىّ فجأة ، ففزعت بآمالى فيه إلى تكذيب صدقه ومخادعة نفسى فى أمره ، ثم قال : حتى إذا لم يدع لى صدقه أملا أتعلل بانتظاره ورجاء أخدع نفسى بارتقابه أعلنت بالحزن ، واستشفيت بالدمع فأذريت منه ما أشرقنى تتابعه ، وأدهشنى ترادفه ، حتى كدت أولمه كتألمى به وأشرقه كشرقى به ، ثم قال : تعثرت الألسن بذلك الخبر فى الأفواه فلم تظهره لشنعته ، ولم تفصح به لجلالته ، وكذلك تعثرت به البرد فى الطرق استعظاما لحمله ، والأقلام فى الكتب استكراها لذكره

وقد أوردنا ما يتعلق به بأبسط من هذا فى الشاهد السادس والثمانين بعد الأربعمائة من شرح شواهد شرح الكافية

* * *

(ق ٢ ـ ١٦)

٢٤١

وأنشد بعده : [من الرمل]

*رهط مرجوم ورهط ابن المعلّ*

وتقدم شرحه فى الشاهد الثالث بعد المائة

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه : [من الطويل]

١٢٤ ـ *قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*

على أن حرف الإطلاق لا يلحق الكلمة فى الوقف إلا فى الشعر إذا أريد التغنى والترنم ، كما ألحقت الياء لام منزل ، ولو لا الشعر لكانت اللام ساكنة ،

قال سيبويه فى باب وجوه القوافى فى الإنشاد : «أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون ؛ لأنهم أرادوا مدّ الصوت ، وذلك قولهم لامرىء القيس :

*قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل*

وقال فى النصب ليزيد بن الطثرية : [من الطويل]

فبتنا تحيد الوحش عنّا كأنّنا

قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا

وقال فى الرفع للأعشى : [من الطويل]

*هريرة ودّعها وإن لام لائم*

هذا ما ينون فيه ، وما لا ينون فيه قولهم لجرير : [من الوافر]

*أقلّى الّلوم عاذل والعتابا*

وقال فى الرفع لجرير أيضا : [من الوافر]

*سقيت الغيث أيّتها الخيام*

وقال فى الجر لجرير أيضا : [من الكامل]

*كانت مباركة من الأيّام*

٢٤٢

وإنما ألحقوا هذه المدة فى حروف الروى لأن الشعر وضع للغناء والترنم ، فألحقوا كل حرف الذى حركته منه ، فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه : أمّا أهل الحجاز فيدعون هذه القوافى : ما نون منها ، وما لم ينون ، على حالها فى الترنم ، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذى لم يوضع للغناء ، وأما ناس كثير من بنى تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينوّن وفيما لم ينون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نونا ، ولفظوا بتمام البناء وما هو منه ، كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد ، سمعناهم يقولون للعجاج : [من الرجز]

*يا أبتا علّك أو عساكن*

و *يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن*

وقال العجاج :

*من طلل كالأتحمىّ أنهجن*

وكذلك الجر والرفع ، والمكسور والمفتوح والمضموم فى جميع هذا كالمجرور والمنصوب والمرفوع ، وأما الثالث فأن يجروا القوافى مجراها لو كانت فى الكلام ولم تكن قوافى شعر ، جعلوه كالكلام حيث لم يترنموا وتركوا المدة [لعلمهم أنها فى أصل البناء](١) ، سمعناهم يقولون لجرير : [من الوافر]

*أقلّى اللّوم عاذل والعتاب*

وللأخطل : [من البسيط]

*واسأل بمصقلة البكرىّ ما فعل*

وكان هذا أخفّ عليهم. ويقولون : [من الرجز]

*قد رابنى حفص فحرّك حفصا*

__________________

(١) هذه الزيادة عن سيبويه (٢ : ٢٩٩)

٢٤٣

يثبتون الألف لأنها كذلك فى الكلام» انتهى كلام سيبويه ، ونقلناه برمته ؛ لأن الشارح المحقق لم يورد مسائله بتمامها

والمصراع صدر ، وعجزه

*بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل*

والبيت مطلع معلقة امرىء القيس ، وقد شرحناه شرحا وافيا فى الشاهد السابع والثمانين بعد الثمانمائة من شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المائة : [من الخفيف]

١٢٥ ـ *آذنتنا ببينها أسماءو*

على أن واو الإطلاق لحقت الهمزة من «أسماء» فى الوقف لإرادة الترنم ، ولو كان فى نثر لسكنت الهمزة ولما جاز إلحاق الواو لها

والمصراع صدر ، وعجزه :

*ربّ ثاو يملّ منه الثّواء*

والبيت مطلع معلقة الحارث بن حلّزة اليشكرى ، وبعده :

آذنتنا ببينها ثمّ ولّت

ليت شعرى متى يكون اللّقاء

و «آذنتنا» أعلمتنا ، قال تعالى : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) قال ابن السكيت : يقال : آذن يؤذن إيذانا ، وأذّن يؤذّن تأذينا ، والاسم الأذان ، بمعنى الإعلام ، والبين : الفراق ، مصدر بان يبين بينا وبينونة ، وأسماء : اسم امرأة ، لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، وأصله وسماء ، أبدلت الواو همزة ، ووزنه فعلاء ، من الوسم والوسامة : أى الحسن والجمال ، ولم يصب النحاس فى شرح المعلقة فى زعمه أنه قبل العلمية جمع اسم (١) قال : ولو سميت به رجلا

__________________

(١) عدم تصويب أبى جعفر النحاس فى ذلك غير سديد ؛ فان هذا مذهب

٢٤٤

لكان الأكثر فيه الصرف ؛ لأنه جمع اسم ، وقد قال : إنه لا ينصرف إذا سميت به رجلا لأن الأصل أن يكون اسما لمؤنث فقد صار بمنزلة زينب» انتهى

وقوله «رب ثاو ـ الخ» أرسله مثلا ، والتقدير رب شخص ثاو ، وجواب ربّ العامل فى محل مجرورها هو يمل بالبناء للمفعول ، بمعنى يسأم ، يقال : مللته أملّه ورجل ملول وملولة ، والهاء للمبالغة ، والثاوى : المقيم ، يقال : ثوى يثوى ثواء وثواية ، إذا أقام ، يقول : أعلمتنا أسماء بمفارقتها إيانا : أى بعزمها على فراقنا ، ورب مقيم تمل إقامته ، ولم تكن أسماء ممن يملّ وإن طال إقامتها.

وتقدم ترجمته مع شرح أبيات من هذه المعلقة وذكر سببها فى الشاهد الثامن والأربعين من شرح شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائة [من الطويل]

١٢٦ ـ ومستلئم كشّفت بالرّمح ذيله

أقمت بعضب ذى شقاشق ميله

لما تقدم قبله

والواو واو رب ، والمستلئم : اسم فاعل من استلأم الرجل : أى لبس اللّأمة ، واللأمة بالهمز : الدرع ، وكشفت ـ بالتشديد ـ للمبالغة ، وذيله :

مفعوله ، يعنى طعنته بالرمح فسقط عن فرسه وانكشف ذيله ، وأقمت : بمعنى عدّلت تعديلا ، والعضب ـ بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ـ : السيف القاطع ، وهنا مستعار للّسان (١) ، شبه به للتأثير والإيلام ، والشقاشق : جمع شقشقة

__________________

للفراء ، نعم الأول مذهب سيبويه ، وهو أرجح المذهبين ؛ لكون النقل إلى العلمية من الصفة أكثر من النقل من الجمع.

(١) دعاه إلى ذلك التصحيف ، والرواية «بعضب دى سفاسق» والسفاسق : جمع سفسقة ، وهى فرند السيف ، وانظر اللسان.

٢٤٥

بكسر الشين ، وهى شىء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج ، ويشبه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر ، ولسانه بشقشقته ، وميله : اعوجاجه ، وهو مفعول أقمت

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه [من الرجز] :

١٢٧ ـ ببازل وجناء أو عيهلّ

على أنهم جوزوا فى الشعر تحريك اللام المضعف لأجل حرف الإطلاق مع أن حقه السكون فى غير الشعر كما جوزوا فيه أن يحركوا لأجل المجىء بحرف الإطلاق ما حقه السكون فى غيره

قال سيبويه : «وأما التضعيف فقولك : هذا خالدّ ، وهو يجعلّ ، [وهذا فرجّ](١) حدثنا بذلك الخليل عن العرب ، ومن ثمّ قالت العرب [فى الشعر](٢) فى القوافى سبسبّا تريد السّبسب ، وعيهلّ تريد العيهل ؛ لأن التضعيف لما كان فى كلامهم فى الوقف أتبعوه الياء فى الوصل والواو على ذلك. كما يلحقون الواو والياء فى القوافى فيما لا تدخله واو ولا ياء فى الكلام ، وأجروا الألف مجراهما ؛ لأنها شريكتهما فى القوافى ، ويمد بها فى غير موضع التنوين ، [ويلحقونها فى غير التنوين](٣) ؛ فألحقوها بهما فيما ينون فى الكلام ، وجعلت سبسب كأنه مما لا تلحقه الألف فى النصب ، إذا وقفت ، قال رجل من بنى أسد [من الرجز]

*ببازل وجناء أو عيهلّ*

وقال رؤبة : [من الرجز]

لقد خشيت أن أرى جدبّا

فى عامنا ذا بعد ما أخصبّا

أراد جدبا ؛ وقال رؤبة : [من الرجز]

__________________

(١) هذه الزيادة عن كتاب سيبويه (٢ : ٢٨٢)

٢٤٦

*بدء يحبّ الخلق الأضخمّا*

فعلوا هذا إذ كان من كلامهم أن يضعفوا» انتهى كلامه

وقوله «ومن ثمة قالت العرب فى الشعر سبسبّا تريد السبب ، وعيهلّ تريد العيهل» صريح فى أنه ضرورة ، وكذا صرح الأعلم بقوله : «الشاهد فيه تشديد عيهلّ فى الوصل ضرورة ، وأراد جدبا فشدد الباء ضرورة ، وحرك الدال بحركة الباء قبل التشديد لالتقاء الساكنين ، وكذلك شدد أخصبّا للضرورة» انتهى.

فقول الشارح المحقق «وليس فى كلام سيبويه ما يدل على كون مثله شاذا أو ضرورة» مخالف لنصه

وقد أورده ابن السراج فى باب الضرائر الشعرية من كتابه الأصول ، قال : «الثانى إجراؤهم الوصل كالوقف ؛ من ذلك قولهم فى الشعر للضرورة فى [نصب](١) سبسب وكلكل رأيت سبسبّا وكلكلأ ، ولا يجوز مثل هذا فى الكلام ، إلا أن تخفف ، وإنما جاز هذا فى الضرورة لأنك كنت تقول فى الوقف فى الرفع والجر : هذا سبسبّ ، ومررت بسبسبّ ، فتثقل على أنه متحرك الآخر فى الوصل ؛ لأنك إذا ثقلت لم يجز أن يكون الحرف الآخر إلا متحركا ؛ لأنه لا يلتقى ساكنان ، فلما اضطر إليه فى النصب أجراه على حاله فى الوقف ، وكذلك فعل به فى القوافى المرفوعة والمجرورة فى الوصل ، ثم أنشد أبيات سيبويه ، وقال : فهذا أجراه فى الوصل على حده فى الوقف» انتهى.

وكذلك عده ابن عصفور ضرورة فى كتاب الضرائر ، وقد نقلنا مثله من المسائل العسكرية لأبى على فى الشاهد الثانى والأربعين بعد الأربعمائة من شواهد شرح الكافية

__________________

(١) سقطت هذه الكلمة من بعض النسخ

٢٤٧

وقال ابن جنى فى شرح تصريف المازنى : «التثقيل إنما يكون فى الوقف ، ليعلم باجتماع الساكنين فى الوقف أنه متحرك فى الوصل ، حرصا على البيان ؛ لأنه معلوم أنه لا يجتمع فى الوصل ساكنان ، وعلى هذا قالوا : خالدّ وهو يجعلّ ، فإذا وصلوه قالوا : خالد أنّى ، وهو يجعل لك ، فكان سبيله إذا أطلق فى الأضخم بالنصب أن يزيل التثقيل ، إلا أنه أجراه فى الوصل مجراه فى الوقف للضرورة ، ومثله : [من الرجز]

*ببازل وجناء أو عيهلّ*

يريد العيهل ، وهذا أكثر من أن أضبطه لك لسعته وكثرته».

وقال فى المحتسب أيضا : «وقد كان ينبغى ـ إذ كان إنما شدد عوضا من الإطلاق ـ أنه إذا أطلق عاد إلى التخفيف إلا أن العرب قد تجرى الوصل مجرى الوقف تارة ، وتارة الوقف مجرى الوصل» انتهى.

والبيت من أرجوزة طويلة لمنظور بن مرثد الأسدى ، وقيل : لمنظور بن حبّة (١) الأسدى ، أولها :

ليت شبابى [كان](٢)للأوّلّ

وغضّ عيش قد خلا أرغلّ

شدد لام أوّل ، وأرغل كذلك ، وهو بالغين المعجمة ، قال صاحب العباب «وعيش أرغل وأغرل : أى واسع»

*من لى من هجران ليلى من لى*

*والحبل من حبالها المنحلّ*

__________________

(١) منظور بن حبة هو بعينه منظور بن مرثد ، قال المجد : «ومنظور بن حبة راجز ، وحبة أمه ، وأبوه مرثد» اه

(٢) هذه زيادة يقتضيها الوزن ، وقد بحثنا عن هذا البيت فى كثير من المظان لنثبت لفظ الشاعر نفسه فلم نجده ؛ فأثبتنا ما يقتضيه المقام

٢٤٨

قال أبو على فى المسائل العسكرية : «المنحل لا يخلو من أن يكون محمولا على الحبل أو الحبال ، وكلا الأمرين قبيح»

تعرّضت لى بمكان حلّ

تعرّض المهرة فى الطّولّ

*تعرّضا لم تعد عن قتلا لى (١)*

قال أبو على : قال «أبو الحسن (٢) : يكون «عن قتلا لى» على الحكاية ، ويكون يريد أن ؛ فأبدل منها العين فى لغة من يقولون فى أنّ : عنّ ، وتسمى عنعنة تميم» انتهى.

والطّول بكسر الطاء وتخفيف اللام ، وشددت لما ذكرنا ، وهو الحبل الذى يطول للدابة فترعى فيه ، ورواه صاحب العباب :

*تعرّضا لم تأل عن قتل لى*

أى : لم تقصر عن قتل ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى تأويل :

ترى مراد نسعه المدخلّ

بين رجى الحيزوم والمرحلّ

*مثل الزّحاليف بنعف التّلّ*

وقال ابن جنى فى سر الصناعة : «يريد المدخل والمرحل فشدد» ؛ إلى أن قال :

إن تبخلى يا جمل أو تعتلّى

أو تصبحى فى الظّاعن المولّى

__________________

(١) هذان وجهان ذكرهما ابن المكرم عن ابن برى ، وذكر وجها ثالثا عن سيبويه عن الخليل ، قال : أراد عن قتلى ، فلما أدخل عليه لاما مشددة كما أدخل نونا مشددة فى قول دهلب بن قريع

جارية ليست من الوخشنّ

كأنّ مجرى دمعها المستنّ

قطنّة من أجود القطنّ

أحبّ منك موضع القرطنّ

وصار الاعراب فيه ـ فتح اللام الأولى كما تفتح فى قولك مررت بتمر وبتمرة وبرجل وبرجلين» اه

٢٤٩

نسلّ وجد الهائم المغتلّ

ببازل وجناء أو عيهلّ

كأنّ مهواها على الكلكلّ

وموقعا من ثفنات زلّ

موقع كفّى راهب يصلّى

فى غبش الصّبح وفى التّجلّى

جمل : اسم امرأة ـ بضم الجيم ـ وتعتلى : من الاعتلال وهو التمارض والتمسك بحجة ، ونسلّ : من التسلية ، وهى تطييب النفس ، وهو جواب الشرط ، والمغتل ـ بالغين المعجمة ـ : الذى قد اغتل جوفه من الشوق والحب والحزن ، كغلة العطش ، و «ببازل» متعلق بنسل ، والبازل : الداخل فى السنة التاسعة من الإبل ذكرا كان أم أنثى ، والوجناء : الناقة الشديدة ، والعيهلّ : الناقة الطويلة ، ومهواها : مصدر ميمى بمعنى السقوط ، والكلكل : الصدر ، قال أبو على : «استعمال العيهل والكلكل بتخفيف اللام ، قدر الوقف عليه فضاعف إرادة للبيان ، وهذا ينبغى أن يكون فى الوقف دون الوصل ؛ لأن ما يتصل به فى الوصل يبين الحرف وحركته ، ويضطر الشاعر فيجرى الوصل بهذه الإطلاقات فى القوافى مجرى الوقف ، وقد جاء ذلك فى النصب أيضا ، قال : [من الرجز]

*مثل الحريق وافق القصبّا*

وهذا لا ينبغى أن يكون فى السعة» انتهى

والثفنة ـ بفتح المثلثة وكسر الفاء بعدها نون ـ وهو ما يقع على الأرض من أعضاء الإبل إذا استناخ وغلظ كالركبتين ، وزلّ ـ بضم الزاى ـ : جمع أزلّ ، وهو الخفيف ، شبّه الأعضاء الخشنة من الناقة بكثرة الاستناخة بكفى راهب قد خشنتا من كثرة اعتماده عليهما فى السجود ، والغبش ـ بفتحتين ـ : بقية الليل ، وأراد بالتجلى النهار ، قال السخاوى فى سفر السعادة : «وهذا الشعر لمنظور بن مرثد الأسدى ، وقد روى لغيره ، ويزاد فيه :

٢٥٠

إن صحّ عن داعى الهوى المضلّ

ضحوة ناسى الشّوق مستبلّ

أو تعدنى عن حاجها حاج لى

نسلّ وجد الهائم المغتلّ»

انتهى.

ومستبل : من أبلّ من مرضه ، إذا صح وتوجه إلى العافية ، وتعدنى : تتجاوزنى ، وحاج : جمع حاجة

وقد تكلمنا على هذه الأبيات فى شواهد شرح الكافية بأبسط من هذا.

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة : [من الوافر]

١٢٨ ـ *ولا تبقى خمورا لأندرينا*

على أن [حق](١) نون الأندرين فى الكلام السكون عند الوقف

وهذا عجز وصدره :

*ألا هبّى بصحنك فاصبحينا*

وهو مطلع معلقة عمرو بن كلثوم التغلبى

و «ألا» حرف يفتتح به الكلام ومعناه التنبيه ، وهبّى : فعل أمر مسند إلى ضمير المخاطبة ، ومعناه قومى من نومك ، يقال : هب من نومه يهب ـ بالضم ـ هبا ، إذا انتبه وقام من موضعه ، والصّحن : الكبير الواسع ، واصبحينا : اسقينا الصّبوح ، وهو الشرب بالغداة ، وهو خلاف الغبوق ، يقال : صبحه صبحا ـ من باب نفع ـ واصطبح : أى شرب الصبوح ، والعرب تسمى شرب الغداة صبوحا ـ بفتح الصاد ـ وشرب نصف النهار قيلا ـ بفتح القاف ـ وشرب العشاء غبوقا ـ بفتح الغين ـ وشرب الليل فحمة ـ

__________________

(١) كان الأصل «على أن نون الأندرين فى الكلام على السكون ... الخ» وهو غير ظاهر المعنى فأثبتنا ما ترى ليستقيم الكلام

٢٥١

بفتح الفاء وسكون المهملة ـ وشرب السحر جاشريّة ـ بالجيم والشين المعجمة ـ وقد نظمها محمد التوّجىّ (١) فقال : [من الطويل]

صبوح وقيل والغبوق وفحمة

لدى العرب العرباء يا صاح تعتبر

لشرب غداة والظّهيرة والعشا

وليل ، وشرب الجاشريّة بالسّحر

وقوله «ولا تبقى الخ» أبقيت الشىء وبقّيته بمعنى : أى لا تبقيها لغيرنا وتسقيها سوانا ، والمعنى ولا تدخرى خمر هذه القرية. والأندرين : قرية بالشام ، وهى معدن الخمر ، وقيل : إنما هى أندر ، وجمعها بما حولها ، وقيل : إنها أندرون ، وفيها لغتان : منهم من يرفعه بالواو ويجره وينصبه بالياء ، ويفتح النون فى كل ذلك ، ولهذا قال «خمور الأندرينا» ومنهم من يجعل الإعراب على النون ويجعل ما قبلها ياء فى كل حال ، وإنما فتح (٢) هنا فى موضع الجر لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث ، أو للعلمية والعجمة

وقال أبو إسحق : «ويجوز أن تأتى بالواو ، ويحتمل الإعراب على النون ، ويكون مثل زيتون ، وخبرنا بهذا أبو العباس المبرد ، ولا أعلم أحدا سبقه إليه» وقال أبو عبيد فى معجم ما استعجم : «الأندرين : قرية بالشام ، وقال الطوسى : قرية من قرى الجزيرة ، وأنشد هذا البيت» وقال ياقوت فى معجم البلدان : «الأندرين : اسم قرية فى جنوبى حلب ، بينهما مسيرة يوم للراكب ، فى طرف البرية ليس بعدها عمارة ، وهى الآن خراب ليس إلا بقية جدر ، وإياها عنى عمرو بن كلثوم بقوله :

*ولا تبقى خمور الأندرينا*

وهذا ما لا شك فيه ، سألت عنه ذوى المعرفة من أهل حلب فكل وافق

__________________

(١) نسبة إلى توج ، وهى مدينة بفارس قريبة من كازرون ، فتحت فى أيام عمر ابن الخطاب ، وأمير المسلمين فى الموقعة مجاشع بن مسعود

(٢) غير مستقيم لوجود ال ، بل هو على اللغة الأولى لا غير.

٢٥٢

عليه ، وقد تكلف جماعة اللغويين لمّا لم يعرفوا حقيقة اسم هذه القرية ، وألجأتهم الحيرة إلى أن شرحوا هذه اللفظة من هذا البيت بضروب الشروح ؛ فقال صاحب الصحاح : الأندر : اسم قرية بالشام ، إذا نسبت إليها تقول : هؤلاء الأندريون ، وذكر البيت ، ثم قال : لما نسب الخمر إلى هذه القرية اجتمعت ثلاث ياءات فخففها للضرورة كما قال الآخر : [من الوافر]

*وما علمى بسحر البابلينا*

وقال صاحب كتاب العين : الأندرىّ ، ويجمع الأندرين [يقال : هم الفتيان يجتمعون من مواضع شتى ، وأنشد البيت ، وقال الأزهرى : الأندر قرية بالشأم فيها كروم ، وجمعها الأندرين](١) فكأنه على هذا المعنى أراد خمور الأندريين فخفف ياء النسبة ، كما قال الأشعرين فى الأشعريين ، وهذا حسن منهم ، صحيح القياس ؛ ما لم يعرف حقيقة اسم هذا الموضع ، فأما إذا عرفت فلا افتقار بنا إلى هذا التكلف» انتهى باختصار

وتقدم ذكر هذه المعلقة مع ترجمة ناظمها فى الشاهد الثامن والثمانين بعد المائة من شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المائة : [من الكامل]

١٢٩ ـ لعب الرّياح بها وغيّرها

بعدى سوافى المور والقطر

على أن تحريك الراء بالكسر لأجل حرف الإطلاق وهو الياء (٢) ، وليس بشاذ اتفاقا ، مع أن حقه السكون فى غير الشعر

__________________

(١) الزيادة من ياقوت

(٢) هذا الذى أثبتناه هو الموافق لروى القصيدة التى منها هذا البيت ، ووقع فى الأصول «على أن تحريك الراء بالضم لأجل حرف الاطلاق وهو الواو» وهو خطأ ظاهر

٢٥٣

والبيت من قصيدة لزهير بن أبى سلمى ، وقبله وهو مطلع القصيدة

لمن الدّيار بقنّة الحجر

أقوين من حجج ومن شهر

وهذا الاستفهام تعجب من شدة خرابها حتى كأنها لا تعرف ولا يعرف سكانها ، وقنة الشىء ـ بضم القاف وتشديد النون ـ : أعلاه ، وحجر ـ بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم ـ : قصبة اليمامة ، وأل فيه زائدة لضرورة الشعر ، وقيل : العلم إنما هو الحجر بأل ، وأقوين : أقفرن ، يقال : أقوت الدار إذا خلت من سكانها ، والحجج ـ بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم الأولى ـ : جمع حجّة ـ بالكسر أيضا ـ وهى السنة ، وأراد بالشهر الشهور فوضع الواحد موضع الجمع اكتفاء به ، والسوافى : جمع سافية اسم فاعل من سفت الريح التراب سفيا ، إذا ذرته ، والمور ـ بضم الميم ـ : الغبار بالريح ، والقطر : المطر

قال أبو عبيد : «ليس للقطر سواف ، ولكنه أشركه فى الجر»

أقول : ليس هذا من الجر على الجوار ؛ لأنه لا يكون فى النسق ، ووجهه أن الرياح السوافى تذرى التراب من الأرض وتنزل المطر من السحاب

وقد شرحنا هذين البيتين شرحا وافيا فى الشاهد الرابع والسبعين بعد السبعمائة من شواهد شرح الكافية

* * *

وأنشد بعده ، وهو الشاهد الثلاثون بعد المائة ، وهو من شواهد سيبويه :

[من الرجز]

١٣٠ ـ لقد خشيت أن أرى جدبّا

فى عامنا ذا بعد ما أخصبّا

إنّ الدّبا فوق المتون دبّا

وهبّت الرّيح بمور هبّا

تترك ما أبقى الدّبا سبسبّا

كأنّه السّيل إذا اسلحبّا

أو الحريق وافق القصبّا

والتّبن والحلفاء فالتهبّا

٢٥٤

على أن تحريك المضعف للوقف كثير ، وليس ضرورة عند سيبويه

تقدم قبله أن هذا النقل خلاف نصه ، وهو فى هذا تابع لقول المفصل : «وقد يجرى الوصل مجرى الوقف ؛ منه قوله :

*مثل الحريق وافق القصبّا*

ولا يختص بحال الضرورة ، يقولون : ثلثهربعة ، وفى التنزيل (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) انتهى

وقد رد عليه الأندلسى فى شرحه قال : «جمع فى هذا الفصل بين ما لا يجوز إلا فى الضرورة وبين ما يجوز فى غيرها ؛ فقوله «ولا يختص هذا بحال الضرورة» ينبغى أن يكون فى آخر الفصل حتى يرجع إلى ثلثهربعة ، و (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) أو يعنى به أن التشديد فى الوقف لا يختص بالضرورة ، فأما أن يعنى به أن تحريك المشدد لأجل الوقف يجوز فى غير الضرورة فمما لا يعرف ، فإنه من المشهور أن من جملة المعدود فى الضرورات تشديد المخفف ، وأصله الوقف ، ثم للشاعر أن يجرى الوصل محرى الوقف ، بل غير سيبويه لا يجيز التشديد فى المنصوب إلا فى الشعر ، فكيف لا يختص هذا بالضرورة» انتهى.

ونقله ابن المستوفى وسلمه ، قال : «إنما أراد الزمخشرى بقوله «ولا يختص بالضرورة» ما ذكره من قوله «وقد يجرى الوصل مجرى الوقف» ولم يرد أن تحريك المشدد لأجل الوقف جائز ، ولهذا علله بثلثهربعة ، و (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) ،) فلا شبهة فى أن هذين الموضعين أجرى فيهما الوصل مجرى الوقف ، وهما من كلام فصحاء العرب والوارد فى الكتاب العزيز ، وأما إسناده البيت ليريك صورة إجراء الوصل مجرى الوقف لا أنه ممن يخفى عليه ذلك» انتهى.

وبالغ ابن يعيش فى شرحه فعمم ، قال : «قد يجرى الوصل مجرى الوقف ، وبابه الشعر ، ولا يكون فى حال الاختيار ، من ذلك قولهم : السبسبّا والكلكلّ ،

٢٥٥

وربما جاء ذلك فى غير الشعر تشبيها بالشعر ، ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم فى العدد : ثلثهربعة ، ومنه (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) فى قراءة ابن عامر بإثبات الألف» هذا كلامه

وهو غير جيد ، والأولى التفصيل ، وحرره ابن عصفور بقوله فى كتاب الضرائر : «ومنها تضعيف الآخر فى الوصل إجراء له مجرى الوقف ، نحو قول ربيعة بن صبيح [من الرجز] :

*تترك ما أبقى الدّبا سبسبّا* الأبيات

فشدد آخر سبسبّا والقصبّا والتهبّا فى الوصل ضرورة ، وكأنه شدّد وهو ينوى الوقف على الباء نفسها ، ثم وصل القافية بالألف فاجتمع له ساكنان فحرك الباء وأبقى التضعيف ؛ لأنه لم يعتدّ بالحركة لكونها عارضة ، بل أجرى الوصل مجرى الوقف ، ومثل ذلك قول الآخر :

ببازل وجناء أو عيهلّ

كأنّ مهواها على الكلكلّ

يريد أو عيهل وعلى الكلكل ، فشدد» انتهى.

وقال شارح شواهد أبى على الفارسى : «جلبه شاهدا على أن الشاعر لم يحدث فيه أكثر من القطع لألف الوصل» (١)

وهذه الأبيات الثمانية نسبها الشارح المحقق تبعا لابن السيرافى وغيره إلى رؤبة ، وقد فتشت ديوانه فلم أجدها فيه (٢)

وقال أبو محمد الأعرابى فى فرحة الأديب : «توهم ابن السيرافى أن الأراجيز

__________________

(١) فى الأصول «على أن الشاعر إذا لم يحدث فيه الخ» وكلمة (إذا) لم يظهر لنا وجه إثباتها فحذفناها ؛ والظاهر أن مراد شارح شواهد أبى على بقطع همزة الوصل كلمة أخصبا ، وكأنه جعلها من باب احمر ونحوه

(٢) قد فتشنا ديوان أراجيز رؤبة فوجدنا هذه الأحد عشر بيتا مسطورة فى زيادات ديوانه (ص ١٦٩) التى عثر عليها ناشره فى كتب غير الديوان منسوبة إليه

٢٥٦

كلها لرؤبة ؛ لأجل أن رؤبة كان راجزا ، وهذه عامية ، وليست الأبيات لرؤبة ، بل هى من شوارد الرجز لا يعرف قائلها ، والأبيات التى جاء بها مختل أكثرها ، والصواب :

إنّى لأرجو (١) أن أرى جدبّا

فى عامكم ذا بعد ما أخصبّا

إذا الدّبا فوق المتون دبّا

وهبّت الرّيح بمور هبّا

تترك ما أبقى الدّبا سبسبّا

أو كالحريق وافق القصبّا

والتّبن والحلفاء فالتهبّا

كأنّه السّيل إذا اسلحبّا

وتمام الأبيات ولا يتم معنى البيت إلا بها :

حتّى ترى البويزل الأزبّا

والسّدس الضّواضى المحبّا

من عدم المرعى قد اجلعبّا»

انتهى.

قلت : بقى بيت آخر لم يورده ، وهو :

*تبّا لأصحاب الشّوىّ تبّا*

ونسبها ابن عصفور وابن يسعون نقلا عن الجرمى والسخاوى إلى ربيعة بن حبيح ، وكذا قال شارح أبى على الفارسى والله أعلم.

وأورد الأبيات ابن هشام اللخمى فى شرح أبيات الجمل كرواية الشارح ، وقال : أخبر أنه إنما خاف الجدب لأجل الجراد الذى هبّ فى متون الأرض ؛ فأكل ما مر عليه ، ثم هبت الريح فاقتلعت ما أبقى الدّبا ولم تترك شيئا من المرعى

__________________

(١) المحفوظ ـ وهو الموافق لما رواه الشارح المحقق ولما فى زيادات الديوان ـ

*لقد خشيت أن أرى جدبّا*

وفيه «فى عامنا» وفيه «إن الدبا» وفيه «كأنه الحريق» وفيه «الإرزبّا» وفيه «قد اقرعبّا»

(ق ٢ ـ ١٧)

٢٥٧

ولا غيره ، فشبهها بالسيل فى حمله ما يمر عليه ، أو بالنار إذا وافقت القصب والتبن والحلفاء ؛ فإنها تحطم جميعها

وقوله بعد «ما أخصبا» ما : مهيّئة عند المبرد ، ومصدرية عند سيبويه» انتهى.

ورواية أبى محمد الأعرابى دعاء على المخاطبين بخلاف الروايه الأولى فإنها إخبار عما وقع ، وأرى بصرية ، والجدب ـ بفتح الجيم وسكون الدال ـ : نقيض الخصب والرخاء ، ومكان جدب أيضا وجديب : بين الجدوبة ، وأرض جدبة ، وأجدب القوم : أصابهم الجدب ، وأجدبت أرض كذا : وجدتها جدبة ، قال السخاوى فى سفر السعادة : «وجدبّا أصله جدبا بإسكان الدال ، وإنما حركها لالتقاء الساكنين حين شدد الباء ، وإنما حركها بالفتح لأنها أقرب الحركات إليه» وقال فى موضع آخر : «وشدد الباء فى الشعر فى الوصل تشبيها بحال الوقف» وقال أبو الفتح : «لا يقال فى هذا إنه وقف ولا وصل» وقوله «أخصبا» هو من الخصب ـ بالكسر ـ نقيض الجدب ، وأخصبت ، ومكان مخصب وخصيب وأخصب القوم إذا صاروا إلى الخصب. قال السخاوى و «أما قوله : أخصبا [فإنه] يروى بفتح الهمزة وكسرها ، فالفتح على أنه أخصب يخصب إخصابا ، وشدّد الباء ، كما قال : القصبّا ، ومن رواه بالكسر كان مثل احمرّ ، إلا أنه قطع همزة الوصل» انتهى.

وكل منهما ضرورة إلا أن تشديد الباء أخف من قطع همزة الوصل ؛ فإنه لحن فى غير الشعر ؛ وقول العينى : «جدبّا بتشد الباء هو نقيض الخصب ، وقوله : أخصبا بتشديد الباء ماض من الخصب» لا يعرف منه هل الدال مفتوحة أم لا ولا يعرف هل حركة الهمزة من أخصبا مفتوحة أم مكسورة. وقوله «إن الدبا الخ» يروى بكسر همزة إن وبفتحها ، وعلى رواية «إذا الدبا» إذا شرطية وجوابها

٢٥٨

تترك ، والدّبا ـ بفتح الدال بعدها موحدة ـ قال صاحب الصحاح : «هو الجراد قبل أن يطير ، الواحدة دباة» والمتون : جمع متن ، وهو المكان الذى فيه صلابة وارتفاع ، ودبّ : تحرّك ، من دب على الأرض يدب دبيبا ، وكل ماش على الأرض دابة ودبيب ، والألف للإطلاق ، وتشديد الباء أصلى لا للوقف ، وفاعل دب ضمير الدبا ، وفيه جناس شبه الاشتقاق ، وقوله «بمور» الباء متعلقة بهبّت ، والمور ـ بضم الميم ـ : الغبار ، والسّبسب ـ كجعفر ـ : القفر ، والمفازة ، وتشديد الباء للضرورة ، وهو المفعول الثانى لتترك ، و «ما» هو المفعول الأول إن كان ترك بمعنى جعل وصير ، وإن كان بمعنى خلّى المتعدى إلى مفعول واحد وهو «ما» الواقعة على النبات ، فسبسب حال من «ما» وفاعل تترك ضمير الريح ، والمراد كسبسب ، على التشبيه ، وأراد تترك الريح المكان الذى أبقى فيه الدبا شيئا من النبات أجرد لا شىء فيه ؛ لأنها جفّفت النبت وحملته من مكان إلى مكان ، ورواه بعض أفاضل العجم فى شرح أبيات المفصل :

*تترك ما انتحى الدّبا سبسبّا*

وقال : المراد انتحاه : أى قصده ؛ فحذف الراجع إلى الموصول ، وقوله «كأنه» أى كان الدبا ، واسلحبّ اسلحبابا بالسين والحاء المهملتين : أى امتد امتدادا ، هذا على الرواية المشهورة ، وأما على رواية أبى محمد الأعرابى فهو متأخر عن البيتين بعده ، ويكون ضمير «كأنه» للحريق : أى كأن صوت التهاب النار فى القصب والحلفاء والتبن صوت السيل وجريه ، ويكون على روايته قوله «أو كالحريق» معطوفا على قوله «سبسبّا» ؛ فيكون الجار والمجرور فى محل نصب ، وروى السخاوى الأبيات بالرواية المشهورة ، وقال : «وأنشده أبو على «مثل الحريق» بدل قوله «أو كالحريق» فيكون منصوبا على الحال من الضمير فى اسلحبا : أى اسلحبّ مثل الحريق ، أو على أنه نعت لمصدر محذوف :

٢٥٩

أى اسلحبابا مثل اسلحباب الحريق : أى امتد الدبا وانتشر امتداد النار فى القصب والتبن والحلفاء» وقال العينى : قوله «مثل الحريق» هكذا هو فى رواية سيبويه ، وفى رواية أبى على «أو كالحريق».

أقول : ليس هذا البيت من شواهد سيبويه البتة ، وإنما أورد سيبويه البيتين الأولين فقط ، والنقل عن أبى على معكوس ، وتشديد الباء من القصبّا والتهبّا ضرورة ، والتبن بكسر المثناة الفوقية وتسكين الموحدة ، والحلفاء : نبت فى الماء ، قال أبو زيد : واحدتها حلفة ، مثل قصبة وطرفة ، وقال الأصمعى حلفة بكسر اللام ، وقوله «حتى ترى البويزل إلخ» هو مصغر البازل من بزل البعير بزولا من باب قعد ؛ إذا فطر نابه بدخوله فى السنة التاسعة ، فهو بازل ، يستوى فيه المذكر والمؤنث ، والأزبّ ـ بالزاى المعجمة ـ : وصف من الزبب ، وهو طول الشعر وكثرته ، وبعير أزبّ ، ولا يكاد يكون الأزب إلّا نفورا ؛ لأنه ينبت على حاجبيه شعيرات ، فاذا ضربته الريح نفر ، وقال السخاوى : الإرزبّ ـ بكسر الهمزة وسكون الراء المهملة بعدها زاى ـ قال الإرزب الضخم الشديد ، وقوله «والسّدس الضّواضى الخ» السّدس ـ بفتحتين ـ : السن التى قبل البازل يستوى فيه المذكر والمؤنث ؛ لأن الاناث فى الأسنان كلها بالهاء إلا السّدس والسديس والبازل ، قاله صاحب الصحاح ، والضّواضى : بضادين معجمتين الأولى مضمومة ، وهو الجمل الضخم ، كذا فى القاموس ، والمحب ـ بفتح الحاء ـ : المحبوب ؛ واجلعبّ : بالجيم ، فى الصحاح : «واجلعبّ الرجل اجلعبابا ، إذا اضطجع وامتد وانتصب ، واجلعبّ فى السير إذا مضى وجدّ» انتهى ، ورواه السخاوى قد اقرعبّا : بالقاف والراء والعين المهملتين ، وقال : «اقرعب : اجتمع وتقبّض من الضر ، أى الهزال» انتهى : وليست هذه المادة فى الصحاح ، والجملة حال من البويزل والسدس ، والألف للتثنية ، وترى بصرية ، الشّوىّ بفتح الشين

٢٦٠