مغنى اللبيب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

فأضمر «قد» وأما (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) فزعم قوم أنه من ذلك ، وهو سهو ، لأن ظلّوا مستقبل ، لأنه مرتب على الشرط وساد مسد جوابه ؛ فلا سبيل فيه إلى قد ؛ إذ المعنى ليظلّنّ ، ولكن النون لا تدخل على الماضى.

حذف لا التبرئة

حكى الأخفش «لا رجل وامرأة» بالفتح ، وأصله ولا امرأة ، فحذفت لا وبقى البناء للتركيب بحاله.

حذف لا النافية وغيرها

يطرد ذلك فى جواب القسم إذا كان المنفى مضارعا نحو (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) وقوله :

٨٧٣ ـ فقلت : يمين الله أبرح قاعدا

[ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى]

وبقل مع الماضى كقوله :

٨٧٤ ـ فإن شئت آليت بين المقا

م والرّكن والحجر الأسود

نسيتك مادام عقلى معى

أمدّ به أمد السّرمد

ويسهله تقدم لا على القسم كقوله :

٨٧٥ ـ فلا والله نادى الحىّ قومى

[طوال الدّهر ما دعى الهديل]

وسمع بدون القسم كقوله :

٨٧٦ ـ وقولى إذا ما أطلقوا عن بعيرهم :

يلاقونه حتّى يؤوب المنخّل

٣٠١

وقد قيل به فى (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) أى لئلا ، وقيل : المحذوف مضاف ، أى كراهة أن تضلوا.

حذف ما النافية

ذكر ابن معطى ذلك فى جواب القسم ، فقال فى ألفيته :

وإن أتى الجواب منفيّا بلا

أو ما كقولى والسّما ما فعلا

فإنّه يجوز حذف الحرف

إن أمن الإلباس حال الحذف

قال ابن الخباز : وما رأيت فى كتب النحو إلّا حذف لا ، وقال لى شيخنا : لا يجوز حذف ما ، لأن التصرف فى لا أكثر من التصرف فى ما ، انتهى.

وأنشد ابن مالك :

٨٧٧ ـ فو الله ما نلتم وما نيل منكم

بمعتدل وفق ولا متقارب

وقال : أصله ما ما نلتم ، ثم فى بعض كتبه قدر المحذوف «ما» النافية ، وفى بعضها قدره ما الموصولة.

حذف ما المصدرية

قاله أبو الفتح فى قوله :

بآية يقدمون الخيل شعثا

[كأنّ على سنابكها مداما [٦٦١]

والصواب أن آية مضافة إلى الجملة كما مر ، وعكسه قول سيبويه فى قوله :

[ألا من مبلغ عنّى تميما]

بآية ما تحبّون الطعاما [٦٦٣]

إن ما زائدة ، والصواب أنها مصدرية.

٣٠٢

حذف كى المصدرية

أجازه السيرا فى نحو «جئت لتكرمنى» وإنما يقدر الجمهور هنا «أن» بعينها ، لأنها أمّ الباب ؛ فهى أولى بالتجوز.

حذف أداة الاستثناء

لا أعلم أن أحدا أجازه ، إلا أن السهيلى قال فى قوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ) الآية : لا يتعلق الاستثناء بفاعل إذ لم ينه عن أن يصل إلا أن يشاء الله بقوله ذلك ، ولا بالنهى ، لأنك إذا قلت أنت منهىّ عن أن تقوم إلا أن يشاء الله فلست بمنهى ، فقد سلّطته على أن يقوم ويقول : شاء الله ذلك ، وتأويل ذلك أن الأصل إلا قائلا إلا أن يشاء الله ، وحذف القول كثير ، اه فتضمن كلامه حذف أداة الاستثناء والمستثنى جميعا ، والصواب أن الاستثناء مفرّغ ، وأن المستثنى مصدر أو حال ، أى إلا قولا مصحوبا بأن يشاء الله ، أو إلا متلبسا بأن يشاء الله ، وقد علم أنه لا يكون القول مصحوبا بذلك إلا مع حرف الاستثناء ، فطوى ذكره لذلك ، وعليهما فالباء محذوفة من أن ، وقال بعضهم : يجوز أن يكون (أَنْ يَشاءَ اللهُ) كلمة تأييد ، أى لا تقولّنه أبدا ، كما قيل فى (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا) ؛ لأن عودهم فى ملتهم مما لا يشاؤه الله سبحانه. وجوّز الزمخشرى أن يكون المعنى ولا تقولن ذلك إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه ، ولما قاله مبعد ، وهو أن ذلك معلوم فى كل أمر ونهى ، ومبطل ، وهو أنه يقتضى النهى عن قول إنى فاعل ذلك غدا مطلقا ، وبهذا يردّ أيضا قول من زعم أن الاستثناء منقطع ، وقول من زعم أن (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) كناية عن التأييد.

٣٠٣

حذف لام التوطئة

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) بخلاف (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ).

حذف الجار

يكثر ويطّرد مع أنّ وأن نحو (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أى بأن ، ومثله (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ) (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي) (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا) (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) أى : ولأن المساجد لله (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ) أى بأنكم.

وجاء فى غيرهما نحو : (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) أى قدر ناله (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أى يبغون لها (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) أى يخوفكم بأوليائه.

وقد يحذف مع بقاء الجر كقول رؤبة ـ وقد قيل له كيف أصبحت ـ «خير عافاك الله» وقولهم «بكم درهم اشتريت» ويقال فى القسم «الله لأفعلنّ».

حذف أن الناصبة

هو مطرد فى موضع معروفة ، وشاذ فى غيرها نحو «خذ اللص قبل يأخذك» و «مره يحفرها» و «لا بدّ من تتبعها» وقال به سيبوه فى قوله :

٨٧٨ ـ [فلم أر مثلها خباسة واجد]

ونهنهت نفسى بعد ما كدت أفعله

وقال المبرد : الأصل أفعلها ، ثم حذفت الألف ونقلت حركة الهاء إلى ما قبلها ، وهذا أولى من قول سيبويه ، لأنه أضمر أن فى موضع حقها أن لا تدخل فيه صريحا وهو خبر كاد ، واعتد بها مع ذلك بإبقاء عملها.

٣٠٤

وإذا رفع الفعل بعد إضمار أن سهل الأمر ، ومع ذلك فلا ينقاس ، ومنه (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) و «تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه» وهو الأشهر فى بيت طرفة :

ألا أيّها ذا الزّاجرى أحضر الوغى

وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدى؟ [٦١٦]

وقرىء (أعبد) بالنصب كما روى «أحضر» كذلك ، وانتصاب (غَيْرِ) فى الآية على القراءتين لا يكون بأعبد ؛ لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول ، بل بتأمرونى ، و (أَنْ أَعْبُدَ) بدل اشتمال منه ، أى تأمرونى بغير الله عبادته.

حذف لام الطلب

هو مطرد عند بعضهم فى نحو «قل له يفعل» وجعل منه (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا) وقيل : هو جواب لشرط محذوف ، أو جواب للطلب ، والحقّ أن حذفها مختص بالشعر كقوله :

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

[إذا ما خفت من أمر تبالا] [٣٧١]

حذف حرف النداء

نحو (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) وشذ فى اسمى الجنس والإشارة فى نحو «أصبح ليل» وقوله :

٨٧٩ ـ [إذا هملت عينى لها قال صاحبى]:

بمثلك هذا لوعة وغرام

ولحن بعضهم المتنبى فى قوله :

٨٨٠ ـ هذى برزت لنا فهجت رسيسا

[ثمّ انثنيت وما شفيت رسيسا]

وأجيب بأن «هذى» مفعول مطلق : أى برزت هذه البررة ، وردّه ابن مالك

٣٠٥

بأنه لا يشار إلى المصدر إلا منعوتا بالمصدر المشار إليه كضربته ذلك الضرب ، ويرده بيت أنشده هو ، وهو قوله :

٨٨١ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتى

وصحابتيك إخال ذاك قليل

حذف همزة الاستفهام

قد ذكر فى أول الباب الأول من هذا الكتاب.

حذف نون التوكيد

يجوز فى نحو «لأفعلن» فى الضرورة كقوله :

٨٨٢ ـ فلا وأبى لنأتيها جميعا

ولو كانت بها عرب وروم

ويجب حذف الخفيفة إذا لقيها ساكن نحو «اضرب الغلام» بفتح الباء ، والأصل اضربن ، وقوله :

لا تهين الفقير علّك أن

تركع يوما والدّهر قد رفعه [٢٥٥]

وإذا وقف عليها تالية ضمة أو كسرة ويعاد حينئذ ما كان حذف لأجلها ، فيقال فى «اضربن يا قوم» : اضربوا ، وفى «اضربن يا هند» : اضربى ، قيل : وحذفها فى غير ذلك ضرورة كقوله :

٨٨٣ ـ اضرب عنك الهموم طارقها

ضربك بالسّيف قونس الفرس

وقيل : ربما جاء فى النثر ، وخرّج بعضهم عليه قراءة من قرأ (أَلَمْ نَشْرَحْ) بالفتح ،

٣٠٦

وقيل : إن بعضهم ينصب بلم ويجزم بلن ، ولك أن تقول : لعل المحذوف فيهما الشديدة ؛ فيجاب بأن تقليل الحذف والحمل على ما ثبت حذفه أولى.

حذف نونى التثنية والجمع

يحذفان للإضافة نحو (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) و (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) ولشبه الإضافة نحو «لا غلامى لزيد» و «لا مكرمى لعمرو» إذا لم تقدر اللام مقحمة ، ولتقصير الصلة نحو «الضّاربا زيدا ، والضّاربو عمرا» وللام الساكنة قليلا نحو (لَذائِقُوا الْعَذابِ) فيمن قرأه بالنصب ، وللضرورة نحو قوله :

٨٨٤ ـ هما خطّتا : إمّا إسار ومنّة ،

وإمّا دم ، والقتل بالحرّ أجدر

[ص ٦٩٩]

فيمن رواه برفع «إسار ومنة» وأمامن خفض فبالإضافة ، وفصل بين المتضايفين بإمّا ؛ فلم ينفكّ البيت عن ضرورة ، واختلف فى قوله :

٨٨٥ ـ [ربّ حىّ عرندس ذى طلال]

لا يزالون ضاربين القباب

فقيل : الأصل : ضاربين ضاربى القباب ، وقيل للقباب ، كقوله :

*أشارت كليب بالأكفّ الأصابع* [٢]

وقيل : ضاربين معرب إعراب مساكين ، فنصبه بالفتحة ، لا بالياء.

حذف التنوين

يحذف لزوما لدخول أل نحو «الرّجل» وللإضافة نحو «غلامك» ولشبهها نحو «لا مال لزيد» إذا لم تقدر اللام مقحمة ؛ فإن قدرت فهو مضاف ، ولمانع الصرف نحو «فاطمة» وللوقف فى غير النصب ، وللاتصال بالضمير نحو «ضاربك» فيمن قال إنه غير مضاف ، فأما قوله :

٣٠٧

[وما أدرى وظنّى كلّ ظنّى]

أمسلمنى إلى قوم شراحى [٥٦٣]

فضرورة ، خلافا لهشام ، ثم هو نون وقاية لا تنوين كقوله :

وليس الموافينى ليرفد خائبا

[فإنّ له أضعاف ما كان أمّلا] [٥٦٤]

إذ لا يجتمع التنوين مع ال ، ولكون الاسم علما موصوفا بما اتصل به وأضيف إلى علم ، من ابن وابنة اتفاقا ، أو بنت عند قوم من العرب ، فأما قوله :

٨٨٦ ـ جارية من قيس بن ثعلبه

[كريمة أخوالها والعصبه]

فضرورة ، ويحذف لالتقاء الساكنين قليلا كقوله :

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلّا قليلا [٧٩٣]

وإنما آثر ذلك على حذفه للإضافة لإرادة تماثل المتعاطفين فى التنكير ، وقرىء (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) بترك تنوين أحد وسابق وينصب النهار.

واختلف لم ترك التنوين (١) فى نحو «قبضت عشرة ليس غير» فقيل : لأنه مبنى كقبل وبعد ، وقيل : لنية الإضافة وإن الضمة إعراب وغير متعينة لأنها اسم ليس ، لا محتملة لذلك وللخبرية ، ويرده أن هذا التركيب مطرد ، ولا يحذف تنوين مضاف لعير مذكور باطراد ، إلا إن أشبه فى اللفظ المضاف نحو «قطع الله يد ورجل من قالها» فإن الأول مضاف للمذكور ، والثانى لمجاورته له مع أنه المضاف إليه فى المعنى كأنه مضاف إليه لفظا.

حذف أل

تحذف للاضافة المعنوية ، وللنداء نحو «يا رحمن» إلا من اسم الله تعالى ، والجمل المحكية ، قيل : والاسم المشبه به نحو «يا الخليفة هيبة» وسمع «سلام عليكم»

__________________

(١) فى نسخة «لم ترك تنوين غير فى نحو ـ إلخ».

٣٠٨

بغير تنوين ؛ فقيل : على إضمار أل ، ويحتمل عندى كونه على تقدير المضاف إليه ، والأصل سلام الله عليكم ، وقال الخليل فى «ما يحسن بالرّجل خير منك أن يفعل كذا» هو على نية أل فى خبر ، ويرده أنه لا تجامع من الجارة للمفضول ، وقال الأخفش : اللام زائدة ، وليس هذا بقياس ، والتركيب قياسى ، وقال ابن مالك : خير بدل ، وإبدال المشتق ضعيف ، وأولى عندى أن يخرج على قوله :

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّنى

[فمضيت ثمّت قلت لا يعنينى] [١٤٢]

حذف لام الجواب

وذلك ثلاثة : حذف لام جواب لو نحو (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) وحذف لام لقد ، يحسن مع طول الكلام نحو (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) وحذف لام لأفعلنّ يختص بالضرورة كقول عامر بن الطّفيل :

٨٨٧ ـ وقتيل مرّة أثأرنّ ؛ فإنّه

فرغ ، وإنّ أخاكم لم يثأر

حذف جملة القسم

كثير جدا ، وهو لازم مع غير الباء من حروف القسم ، وحيث قيل «لأفعلنّ» أو «لقد فعل» أو «لئن فعل» ولم يتقدم جملة قسم فثمّ جملة قسم مقدرة ، نحو (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) الآية (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) واختلف فى نحو «لزيد قائم» ونحو «إنّ زيدا قائم ، أو لقائم» هل يجب كونه جوابا لقسم أولا؟

حذف جواب القسم

يجب إذا تقدم عليه أو اكتنفه ما يغنى عن الجواب ؛ فالأول نحو «زيد قائم والله» ومنه «إن جاءنى زيد والله أكرمته» والثانى نحو «زيد والله قائم» فإن قلت «زيد والله إنه قائم ، أو لقائم» احتمل كون المتأخر عنه خبرا عن المتقدم عليه ، واحتمل كونه جوابا وجملة القسم وجوابه الخبر.

٣٠٩

ويجوز فى غير ذلك ، نحو (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) الآيات ، أى لتبعثنّ ، بدليل ما بعده ، وهذا المقدر هو العامل فى (يَوْمَ تَرْجُفُ) أو عامله اذكر ، وقيل : الجواب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) وهو بعيد لبعده ، ومثله (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أى لنهلكن ، بدليل (كَمْ أَهْلَكْنا) أو إنك لمنذر ، بدليل (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) وقيل : الجواب مذكور ؛ فقال الأخفش (لَقَدْ عَلِمْنَا) وحذفت اللام للطول مثل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) وقال ابن كيسان (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) الآية ، الكوفيون (بَلْ عَجِبُوا) والمعنى لقد عجبوا ، بعضهم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) ومثله (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) أى إنه لمعجز ، أو (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أو ما الأمر كما يزعمون ، وقيل : مذكور ؛ فقال الكوفيون والزجاج (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ) وفيه بعد ، الأخفش (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) الفراء وثعلب (أَحْرَصَ) لأن معناها صدق الله ، ويرده أن الجواب لا يتقدم ، وقيل : (كَمْ أَهْلَكْنا) وحذفت اللام للطول.

حذف جملة الشرط

هو مطّرد بعد الطلب نحو (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) أى فإن تتبعونى يحببكم الله (فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ) (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ).

وجاء بدونه نحو (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أى فإن لم يتأت إخلاص العبادة لى فى هذه البلدة فإياى فاعبدون فى غيرها (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) أى إن أرادوا أولياء بحق فالله هو الولى (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) أى إن صدقتم فيما كنتم تعدون به من أنفسكم فقد جاءكم بينة وإن كذبتم فلا أحد أكذب منكم فمن أظلم ، وإنما جعلت هذه الآية من حذف جملة الشرط فقط ـ وهى من حذفها وحذف جملة الجواب ـ لأنه قد ذكر فى اللفظ جملة قائمة مقام الجواب ، وذلك يسمى جوابا تجوزا كما سيأتى ،

٣١٠

وجعل منه الزمخشرى وتبعه ابن مالك بدر الدين (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أى إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم ، ويرده أن الجواب المنفى بلم لا تدخل عليه الفاء.

وجعل منه أبو البقاء (فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أى إن أردت معرفته فذلك ، وهو حسن.

وحذف جملة الشرط بدون الأداة كثير كقوله :

٨٨٨ ـ فطلقها فلست لها بكفء

وإلّا بعل مفرقك الحسام

أى وإلا تطلقها.

حذف جملة جواب الشرط

وذلك واجب إن تقدم عليه أو اكتنفه ما يدلّ على الجواب : فالأول نحو «هو ظالم إن فعل» والثانى نحو «هو إن فعل ظالم» (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) ومنه «والله إن جاءنى زيد لأكرمنه» وقول ابن معطى :

*اللّفظ إن يفد هو الكلام*

إما من ذلك ففيه ضرورة ، وهو حذف الجواب مع كون الشرط مضارعا ، وإما الجواب الجملة الاسمية وجملتا الشرط والجواب خبر ففيه ضرورة أيضا ، وهى حذف الفاء كقوله :

*من يفعل الحسنات الله يشكرها* [٨١]

ووهم ابن الخباز إذ قطع بهذا الوجه ، ويجوز حذف الجواب فى غير ذلك نحو (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) الآية ، أى فافعل (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) الآية ، أى لما آمنوا به ، بدليل (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) والنحويون يقدرون : لكان هذا القرآن ، وما قدرته أظهر (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أى لارتدعتم وما ألهاكم التكاثر (وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أى ما تقبّل منه (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أى لأدرككم (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أى أعرضوا ، بدليل ما بعده (أَإِنْ

٣١١

ذُكِّرْتُمْ) أى تطيرتم (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) أى لنفد (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) أى لرأيت أمرا فظيعا (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) أى لهلكتم (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) قال الزمخشرى : تقديره ألستم ظالمين ، بدليل (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ويرده أن جملة الاستفهام لا تكون جوابا إلا بالفاء مؤخرة عن الهمزة نحو «إن جئتك أفما تحسن إلىّ» ومقدمة على غيرها نحو «فهل تحسن إلى».

تنبيه ـ التحقيق أن من حذف الجواب مثل (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) لأن الجواب مسبّب عن الشرط ، وأجل الله آت سواء أوجد الرجاء أم لم يوجد ، وإنما الأصل فليبادر بالعمل فإن أجل الله لآت ، ومثله (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) أى فاعلم أنه غنى عن جهرك (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) أى فتصبّر (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) أى فاصبروا (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أى يفعل الفواحش والمنكرات (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أى يغلب (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) أى فلا تؤذوهم بقول ولا فعل ؛ فإن الله يسمع ذلك ويعلمه (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أى فلا لوم علىّ (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ).

حذف الكلام بجملته

يقع ذلك باطراد فى مواضع :

أحدها : بعد حرف الجواب ، يقال : أقام زيد؟ فتقول : نعم ، وألم يقم زيد؟ فتقول : نعم ، إن صدّقت النفى ، وبلى ، إن أبطلته ، ومن ذلك قوله :

٨٨٩ ـ قالوا : أخفت؟ فقلت : إنّ ، وخيفتى

ما إن تزال منوطة برجائى

٣١٢

فإن إنّ هنا بمعنى نعم ، وأما قوله :

ويقلن : شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت : إنّه [٤٩]

فلا يلزم كونه من ذلك ، خلافا لأكثرهم ؛ لجواز أن لا تكون الهاء للسكت ، بل اسما لإنّ على أنها المؤكدة والخبر محذوف ، أى إنه كذلك.

الثانى : بعد نعم وبئس إذا حذف المخصوص ، وقيل : إن الكلام جملتان نحو (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ).

والثالث : بعد حروف النداء فى مثل (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) إذا قيل : إنه على حذف المنادى ، أى يا هؤلاء.

الرابع : بعد إن الشرطية كقوله :

٨٩٠ ـ قالت بنات العمّ يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما؟ قالت : وإن

أى : وإن كان كذلك رضيته.

الخامس : فى قولهم «افعل هذا إمّا لا» أى إن كنت لا تفعل غيره فافعله.

حذف أكثر من جملة

فى غير ما ذكر ، أنشد أبو الحسن :

٨٩١ ـ إن يكن طبّك الدّلال فلو فى

سالف الدّهر والسّنين الخوالى

أى إن كان عادتك الدلال فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه منك ، وقالوا فى قوله تعالى (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها ، كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) : إن التقدير فضربوه فحيى فقلنا : كذلك يحيى الله ، وفى قوله تعالى (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) الآية : إن التقدير : فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا فأرسلوه فأتاه وقال له يا يوسف ؛ وفى قوله تعالى (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ) إن التقدير فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم.

تنبيه ـ الحذف الذى يلزم النحوىّ النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة ، وذلك

٣١٣

بأن يجد خبرا بدون مبتدأ أو بالعكس ، أو شرطا بدون جزاء أو بالعكس ، أو معطوفا بدون معطوف عليه ، أو معمولا بدون عامل ، نحو (لَيَقُولُنَّ اللهُ) ونحو (قالُوا خَيْراً) ونحو «خير عافاك الله» وأما قولهم فى نحو (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) إن التقدير : والبرد ، ونحو (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) إن التقدير ولم تعبدنى ، ففضول فى فن النحو ، وإنما ذلك للمفسر ، وكذا قولهم : يحذف الفاعل لعظمته وحقارة المفعول أو بالعكس أو للجهل به أو للخوف عليه أو منه أو نحو ذلك ، فإنه تطفل منهم على صناعة البيان ، ولم أذكر بعض ذلك فى كتابى جريا على عادتهم ، وأنشد متمثلا :

٨٩٢ ـ وهل أنا إلّا من غزّية : إن غوت

غويت ، وإن ترشد غزيّة أرشد

بل لأنى وضعت الكتاب لإفادة متعاطى التفسير والعربية جميعا ، وأما قولهم فى «راكب النّاقة طليحان» إنه على حذف عاطف ومعطوف ، أى والناقة ، فلازم لهم ؛ ليطابق الخبر المخبر عنه ، وقيل : هو على حذف مضاف ، أى أحد طليحين ، وهذا لا يتأتى فى نحو «غلام زيد ضربتهما».

الباب السادس من الكتاب

فى التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين ، والصواب خلافها.

وهى كثيرة ، والذى يحضرنى الآن منها عشرون موضعا.

أحدها : قولهم فى لو «إنها حرف امتناع لامتناع» وقد بيّنا الصواب فى ذلك فى فصل لو ، وبسطنا القول فيه بما لم نسبق إليه.

والثانى : قولهم فى إذا غير الفجائية «إنها ظرف لما يستقبل من الزمان وفيها معنى الشرط غالبا» وذلك معيب من جهات :

إحداها : أنهم يذكرونه فى كل موضع ، وإنما ذلك تفسير للأداة من حيث

٣١٤

هى ، وعلى المعرب أن يبين فى كل موضع : هل هى متضمنة لمعنى الشرط أم لا؟

وأحسن مما قالوه أن يقال ، إذا أريد تفسيرها من حيث هى : ظرف مستقبل خافض لشرطه منصوب بجوابه صالح لغير ذلك.

والثانية : أن العبارة التى تلقى للمتدرّبين يطلب فيها الإيجاز لتخف على الألسنة ؛ إذ الحاجة داعية إلى تكرارها ، وكان أخصر من قولهم لما يستقبل من الزمان أن يقولوا : مستقبل.

والثالثة : أن المراد أنها ظرف موضوع للمستقبل ، والعبارة موهمة أنها محل للمستقبل ، كما تقول : اليوم ظرف للسفر ؛ فإن الزمان قد يجعل ظرفا للزمان مجازا كما تقول : كتبته فى يوم الخميس فى عام كذا ، فإن الثانى حال من الأول ، فهو ظرف له على الاتساع ، ولا يكون بدلا منه ؛ إذ لا يبدل الأكثر من الأقل على الأصح ، ولو قالوا «ظرف مستقبل» لسلموا من الإسهاب والإيهام المذكورين.

والرابعة : أن قولهم «غالبا» راجع إلى قولهم «فيه معنى الشرط» كذا يفسرونه ، وذلك يقتضى أن كونه ظرفا وكونه للزمان وكونه للمستقبل لا يتخلّفن ، وقد بينا فى بحث إذا أن الأمر بخلاف ذلك.

الثالث : قولهم «النعت يتبع المنعوت فى أربعة من عشرة» وإنما ذلك فى النعت الحقيقى ، فأما السببى فإنما يتبع فى اثنين من خمسة : واحد من أوجه الإعراب ، وواحد من التعريف والتنكير ، وأما الإفراد والتذكير وأضدادهما فهو فيها كالفعل تقول : مررت برجلين قائم أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ، وبرجل قائمة أمّه وبامرأة قائم أوها ، وإنما يقول : قائمين أبواهما ، وقائمين آباؤهم ، من يقول أكلونى البراغيث ، وفى التنزيل (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) غير أن الصفة الرافعة للجمع يجوز فيها فى الفصيح أن تفرد ، وأن تكسّر ، وهو أرجح على الأصح كقوله :

٣١٥

٨٩٣ ـ بكرت عليه بكرة فوجدته

قعودا عليه بالصّريم عواذله

وصح الاستشهاد بالبيت لأن هذا الحكم ثابت أيضا للخبر والحال.

والرابع : قولهم فى نحو (وَكُلا مِنْها رَغَداً) «إن رغدا نعت مصدر محذوف» ومثله (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) وقول ابن دريد :

واشتعل المبيضّ فى مسودّه

مثل اشتعال النّار فى جزل الغضا [٦٧٧]

أى أكلا رغدا ، وذكرا كثيرا ، واشتعالا مثل اشتعال النار.

قيل : ومذهب سيبويه والمحققين خلاف ذلك ، وأن المنصوب حال من ضمير مصدر الفعل ، والأصل فكلاه ، واشتعله ، أى فكلا الأكل واشتعل الاشتعال ودليل ذلك قولهم «سير عليه طويلا» ولا يقولون طويل ، ولو كان نعتا للمصدر لجاز ، وبدليل أنه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصة بجنسه ، تقول «رأيت كاتبا» ولا تقول : رأيت طويلا ، لأن الكتابة خاصة بجنس الإنسان دون الطول

وعندى فيما احتجوا به نظر ؛ أما الأول فلجواز أن المانع من الرفع كراهية اجتماع مجازين : حذف الموصوف ، وتصيير الصفة مفعولا على السّعة ؛ ولهذا يقولون «دخلت الدّار» بحذف فى توسعا ، ومنعوا «دخلت الأمر» لأن تعلق الدخول بالمعانى مجاز ، وإسقاط الخافض مجاز ، وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك فى صفة الأحيان ؛ فيقولون : سير عليه زمن طويل ، فإذا حذفوا الزمان قالوا : طويلا ، بالنصب لما ذكرنا ، وأما الثانى فلأن التحقيق أن حذف الموصوف إنما يتوقف على وجدان الدليل ، لا على الاختصاص ، بدليل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أى دروعا سابغات ، ومما يقدح فى قولهم مجىء نحو قولهم «اشتمل الصّمّاء» أى الشملة الصماء ، والحالية متعذّرة لتعريفه.

والخامس : قولهم «الفاء جواب الشرط» والصواب أن يقال : رابطة لجواب الشرط ، وإنما جواب الشرط الجملة

٣١٦

والسادس : قولهم «العطف على عاملين» والصواب على معمولى عاملين.

والسابع : قولهم «بل حرف إضراب» والصواب حرف استدراك وإضراب ؛ فإنها بعد النفى والنهى بمنزلة لكن سواء.

والثامن : قولهم فى نحو «ائتنى أكرمك» : إن الفعل مجزوم فى جواب الأمر ، والصحيح أنه جواب لشرط مقدر ، وقد يكون إنما أرادوا تقريب المسافة على المتعلمين.

والتاسع : قولهم فى المضارع فى مثل «يقوم زيد» : فعل مضارع مرفوع لخلوه من ناصب وجازم ، والصواب أن يقال : مرفوع لحلوله محل الاسم ، وهو قول البصريين ، وكأن حاملهم على ما فعلوا إرادة التقريب ، وإلا فما بالهم يبحثون على تصحيح قول البصريين فى ذلك ، ثم إذا أعربوا أو عربوا قالوا خلاف ذلك؟.

والعاشر : قولهم «امتنع نحو سكران من الصرف للصفة والزيادة ، ونحو عثمان للعلمية والزيادة» وإنما هذا قول الكوفيين ، فأما البصريون فمذهبهم أن المانع الزيادة المشبهة لألفى التأنيث ، ولهذا قال الجرجانى : وينبغى أن تعدّموا مع الصرف ثمانية لا تسعة ، وإنما شرطت العلمية أو الصفة لأن الشبه لا يتقوم إلا بأحدهما ، ويلزم الكوفيين أن يمنعوا صرف نحو عفريت ـ علما ـ فإن أجابوا بأن المعتبر هو زيادتان بأعيانهما ، سألناهم عن علة الاختصاص ؛ فلا يجدون مصرفا عن التعليل بمشابهة ألفى التأنيث ؛ فيرجعون إلى ما اعتبره البصريون.

والحادى عشر : قولهم فى نحو قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) «إن الواو نائبة عن أو» ولا يعرف ذلك فى اللغة ، وإنما يقوله بعض ضعفاء المعربين والمفسرين ، وأما الآية فقال أبو طاهر حمزة بن الحسين الإصفهانى فى كتابه المسمى بـ «الرسالة المعربة عن شرف الإعراب» القول فيها

٣١٧

بأن الواو بمعنى أو عجز عن درك الحق ، فاعلموا أن الأعداد التى تجمع قسمان : قسم يؤتى به ليضم بعضه إلى بعض وهو الأعداد الأصول ، نحو (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض ، وإنما يراد به الانفراد ، لا الاجتماع ، وهو الأعداد المعدولة كهذه الآية وآية سورة فاطر ، وقال : أى منهم جماعة ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة ؛ فكل جنس مفرد بعدد ، وقال الشاعر :

٨٩٤ ـ ولكنّما أهلى بواد أنيسه

ذئاب تبغّى النّاس مثنى وموحدا

ولم يقولوا ثلاث وخماس ويريدون ثمانية كما قال تعالى (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) وللجهل بمواقع هذه الألفاظ استعملها المتنبى فى غير موضع التقسيم ، فقال :

أحاد أم سداس فى أحاد

لييلتنا المنوطة بالتّنادى [٦٠]

وقال الزمخشرى : فإن قلت الذى أطلق للناكح فى الجمع أن يجمع بين اثنين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التكرير فى مثنى وثلاث ورباع؟ قلت : الخطاب للجميع ؛ فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراده من العدد الذى أطلق له ، كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ، ولو أفردت لم يكن له معنى. فإن قلت : لم جاء العطف بالواو دون أو؟ قلت : كما جاء بها فى المثال المذكور ، ولو جئت فيه بأو لأعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة ، وليس لهم أن يجمعوا بينها فيجعلوا بعض القسمة على تثنية وبعضها على تثليث وبعضها على تربيع ، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذى دلّت عليه الواو ، وتحريره أن الواو دلّت على إطلاق أن يأخذ الناكحون

٣١٨

من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع ، إن شاؤوا مختلفين فى تلك الأعداد وإن شاؤا متفقين فيها ، محظورا عليهم ماوراء ذلك.

وأبلغ من هذه المقالة فى الفساد قول من أثبت واو الثمانية ، وجعل منها (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وقد مضى فى باب الواو أن ذلك لا حقيقة له ، واختلف فيها هنا فقيل : عاطفة خبر هو جملة على خبر مفرد ، والأصل هم سبعة وثامنهم كلبهم ، وقيل : للاستئناف ، والوقف على سبعة ، وإن فى الكلام تقريرا لكونهم سبعة ، وكأنه لما قيل سبعة قيل : نعم وثامنهم كلبهم ، واتصل الكلامان ، ونظيره (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) الآية ، فإن (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) ليس من كلامها ، ويؤيده أنه قد جاء فى المقالتين الأوليين (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ولم يجىء مثله فى هذه المقالة ؛ فدل على مخالفتها لهما فتكون صدقا ، ولا يرد ذلك بقوله تعالى (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) لأنه يمكن أن يكون المراد ما يعلم عدّتهم أوقصتهم قبل أن نتلوها عليك إلا قليل من أهل الكتاب الذين عرفوه من الكتب ، وكلام الزمخشرى يقتضى أن القليل هم الذين قالوا سبعة ؛ فيندفع الإشكال أيضا ، ولكنه خلاف الظاهر ، وقيل : هى واو الحال ، أو الواو الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الاسم بالصفة كمررت برجل ومعه سيف ، فأما الواو الأولى فلا حقيقة لها ، وأما واو الحال فأين عامل الحال إن قدرت هم ثلاثة أو هؤلاء ثلاثة ، فإن قيل على التقدير الثانى : هو من باب (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) قلنا : العامل المعنوى لا يحذف.

الثانى عشر : قولهم «المؤنث المجازىّ يجوز معه التذكير والتأنيث» وهذا يتداوله الفقهاء فى محاورانهم ، والصواب تقييده بالمسند إلى المؤنث المجازى ، وبكون المسند فعلا أو شبهه ، وبكون المؤنث ظاهرا ، وذلك نحو «طلع الشّمس ، ويطلع الشّمس ، وأطالع الشّمس» ولا يجوز : هذا الشمس ، ولا هو الشمس ، ولا الشمس

٣١٩

هذا ، أو هو ، ولا يجوز فى غير ضرورة «الشّمس طلع» خلافا لابن كيسان ، واحتج بقوله :

٨٩٥ ـ [فلا مزنة ودقت ودقها]

ولا أرض أبقل إبقالها [ص ٦٧٠]

قال : وليس بضرورة لتمكنه من أن يكون «أبقلت ابقالها» بالنقل ، وردّ بأنا لا نسلم أن هذا الشاعر ممن لغته تخفيف الهمزة بنقل أو غيره.

الثالث عشر : قولهم «ينوب بعض حروف الجر عن بعض» وهذا أيضا مما يتداولونه ويستدلون به ، وتصحيحه بإدخال قد على قولهم ينوب ، وحينئذ فيتعذر استدلالهم به ، إذ كل موضع ادعوا فيه ذلك يقال لهم فيه : لا نسلم أن هذا مما وقعت فيه النيابة ، ولو صح قولهم لجاز أن يقال : مررت فى زيد ، ودخلت من عمرو ، وكتبت إلى القلم ، على أن البصريين ومن تابعهم يرون فى الأماكن التى ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه ، وأن العامل ضمن معنى عامل يتعدى بذلك الحرف ؛ لأن التجوز فى الفعل أسهل منه فى الحرف.

الرابع عشر : قولهم «إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى ، وإذا أعيدت معرفة أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثانى عين الأول» وحملوا على ذلك ما روى «لن يغلب عشر يسرين» قال الزجاج : ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره ؛ فصار المعنى إن مع اليسر يسرين ، اه. ويشهد للصورتين الأوليين أنك تقول : اشتريت فرسا ثم بعت فرسا ، فيكون الثانى غير الأول ، ولو قلت. ثم بعت الفرس ، لكان الثانى عين الأول ، وللرابع قول الحماسى :

٨٩٦ ـ صفحنا عن بنى ذهل

وقلنا : القوم إخوان

عسى الأيّام أن يرجعن

قوما كالّذى كانوا

ويشكل على ذلك أمور ثلاثة.

٣٢٠