مغنى اللبيب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

جلوسا» فلا دافع له من القياس ، وقيل : التقدير [اقعدوا لهم] على كل مرصد ، فحذفت على ، كما قال :

*وأخفى الّذى لو لا الأسى لقضانى* [٢٢٢]

أى لقضى علىّ ، وقياس الزجاج أن يقول فى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) مثل قوله فى (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) والصواب فى الموضعين أنهما على تقدير على ، كقولهم «ضرب زيد الظّهر والبطن» فيمن نصبهما ، أو أنّ لأقعدنّ واقعدوا ضمنا معنى لألزمنّ والزموا.

ومن الوهم فى الثانى قول الحوفى فى (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) : إن (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) جملة مخبر بها عن ظلمات ، وظلمات غير مختص : فالصواب قول الجماعة إنه خبر لمحذوف ، أى تلك ظلمات ؛ نعم إن قدر أن المعنى ظلمات أىّ ظلمات بمعنى ظلمات عظام أو متكاثفة وتركت الصفة لدلالة المقام عليها كما قال

٨١٠ ـ له حاجب فى كلّ أمر يشينه

[وليس له عن طالب العرف حاجب]

صحّ ، وقول الفارسى فى (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) : إنه من باب «زيدا ضربته» واعترضه ابن الشجرى بأن المنصوب فى هذا الباب شرطه أن يكون مختصا ليصح رفعه بالابتداء ، والمشهور أنه عطف على ما قبله ، وابتدعوها : صفة ، ولا بد من تقدير مضاف ، أى وحبّ رهبانية ، وإنما لم يحمل أبو على الآية على ذلك لاعتزاله ، فقال : لأن ما يبتدعونه لا يخلقه الله عزوجل ، وقد يتخيّل ورود اعتراض ابن الشجرى على أبى البقاء فى تجويزه فى (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) كونه كزيدا ضربته ، ويجاب بأن الأصل «وصفة أخرى» ويجوز كون (تُحِبُّونَها) صفة ، والخبر إما نصر ، وإما محذوف ، أى ولكم نعمة أخرى ، ونصر : بدل أو خبر لمحذوف ، وقول ابن [ابن] مالك بدر الدين فى قول الحماسى :

٨١١ ـ فارسا ما غادروه ملحما

[غير زمّيل ولا نكس وكل]

٢٤١

إنه من باب الاشتغال كقول أبى على فى الآية ، والظاهر أنه نصب على المدح لما قدمنا ، وما فى البيت زائدة ؛ ولهذا أمكن أن يدّعى أنه من باب الاشتغال.

النوع الخامس : اشتراطهم الإضمار فى بعض المعمولات ، والإظهار فى بعض ؛ فمن الأول مجرور لو لا ومجرور وحد ، ولا يختصّان بضمير خطاب ولا غيره ، تقول : لولاى ، ولولاك ، ولولاه ، ووحدى ، ووحدك ، ووحده ، ومجرور لبّى وسعدى وحنانى ، ويشترط لهن ضمير الخطاب ، وشذ نحو قوله :

٨١٢ ـ [دعونى] فيالبّىّ إذ هدرت لهم

[شقاشق أقوام فأسكتها هدرى]

وقول آخر :

٨١٣ ـ [إنّك لو دعوتنى ودونى

زوراء ذات مترع بيون]

*لقلت لبّيه لمن يدعونى*

كما شذت إضافتها إلى الظاهر فى قوله :

٨١٤ ـ [دعوت لما نابنى مسورا]

فلبّى فلبّى يدى مسور

ومن ذلك مرفوع خبر كاد وأخواتها إلا عسى ؛ فتقول : كاد زيد يموت ولا تقول : يموت أبوه ، ويجوز «عسى زيد أن يقوم ، أو يقوم أبوه» فيرفع السببىّ ، ولا يجوز رفعه الأجنبىّ نحو «عسى زيد أن يقوم عمرو عنده».

ومن ذلك مرفوع اسم التفضيل فى غير مسألة الكحل ، وهذا شرطه مع الإضمار الاستتار ، وكذا مرفوع نحو قم وأقوم ونقوم وتقوم.

ومن الثانى تأكيد الاسم المظهر ، والنعت ، والمنعوت ، وعطف البيان ، والمبين

ومن الوهم فى الأول قول بعضهم فى «لولاى وموسى» : إن موسى يحتمل الجر ، وهذا خطأ ؛ لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ، ولأن لو لا لا تجر الظاهر ؛ فلو أعيدت لم تعمل الجر ، فكيف ولم تعد؟ هذه مسألة يحاجى بها فيقال ضمير مجرور لا يصح أن يعطف عليه اسم مجرور أعدت الجار أم لم تعده ، وقولى

٢٤٢

«مجرور» لأنه يصح أن تعطف عليه اسما مرفوعا ؛ لأن «لو لا» محكوم لها بحكم الحروف الزائدة ، والزائد لا يقدح فى كون الاسم مجردا من العوامل اللفظية ؛ فكذا ما أشبه الزائد ؛ وقول جماعة فى قول هدبة :

عسى الكرب الّذى أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب [٢٤٧]

إن فرجا اسم كان ، والصواب أنه مبتدأ خبره الظرف ؛ والجملة خبر كان ، واسمها ضمير الكرب ، وأما قوله :

٨١٥ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلنى

ثوبى ؛ فأنهض نهض الشّارب الثّمل

فتوبى : بدل اشتمال من تاء جعلت ، لا فاعل يثقلنى.

ومن الوهم فى الثانى قول أبى البقاء فى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) : إنه يجوز كون هو توكيدا وقد مضى ، وقول الزمخشرى فى قوله تعالى (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) إذا قدرت أن مصدرية ، وأنها وصلتها عطف بيان على الهاء ، وقول النحويين فى نحو (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) إن العطف على الضمير المستتر ، وقد ردّ ذلك ابن مالك وجعله من عطف الجمل ، والأصل وليسكن زوجك ، وكذا قال فى (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) : إن التقدير ولا تخلفه أنت ؛ لأنّ مرفوع فعل الأمر لا يكون ظاهرا ، ومرفوع الفعل المضارع ذى النون لا يكون غير ضمير المتكلم ، وجوز فى قوله :

٨١٦ ـ نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوى

ذوو الأموال منّا والعديم

إلى حفر أسافلهنّ جوف

وأعلاهنّ صفّاح مقيم

٢٤٣

كون ذوو فاعلا بفعل غيبة محذوف ، أى يأوى ذوو الأموال ، وكونه وما بعده توكيدا على حد «ضرب زيد الظّهر والبطن».

تنبيه ـ من العوامل ما يعمل فى الظاهر وفى المضمر بشرط استتاره وهو نعم وبئس ، تقول «نعم الرّجلان الزّيدان ، ونعم رجلين الزّيدان» ولا يقال «نعمّا» إلا فى لغيّة ، أو بشرط إفراده وتذكيره وهو «ربّ» فى الأصح.

النوع السادس : اشتراطهم المفرد فى بعض المعمولات ، والجملة فى بعض.

فمن الأول الفاعل ونائبه وهو الصحيح ، فأما (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) فقد مرّ البحث فيهما.

ومن الثانى خبر أنّ المفتوحة إذا خففت ، وخبر القول المحكى نحو «قولى لا إله إلّا الله» وخرج بذكر المحكى قولك «قولى حقّ» وكذلك خبر ضمير الشأن ، وعلى هذا فقوله تعالى (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) إذا قدر ضمير إنه للشأن لزم كون آثم خبرا مقدما وقلبه مبتدأ مؤخرا ، وإذا قدر راجعا إلى اسم الشرط جاز ذلك ، وأن يكون آثم الخبر وقلبه فاعل به ، وخبر أفعال المقاربة.

ومن الوهم قول بعضهم فى (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) إن (مَسْحاً) خبر طفق ، والصواب أنه مصدر لخبر محذوف أى يمسح مسحا ، وجواب الشرط ، وجواب القسم (١) ومن الوهم قول الكسائى وأبى حاتم فى نحو (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) إن اللام وما بعدها جواب ، وقد مر البحث فى ذلك ، وقول بدر الدين ابن مالك فى قوله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) إن جواب الشرط محذوف ، وإن تقديره : ذهبت نفسك عليهم حسرة ، بدليل (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) أو كمن هداه الله ، بدليل (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ

__________________

(١) هذا معطوف على قوله «خبر أن» فى قوله فيما مضى «ومن الثانى خبر أن المفتوحة ـ إلخ» يعنى أن جواب الشرط وجواب القسم مما اشترطوا فيه أن يكون جملة

٢٤٤

وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، والتقدير الثانى باطل : ويجب عليه كون من موصولة ، وقد يتوهم أنّ مثل هذا قول صاحب اللوامح ـ وهو أبو الفضل الرازى ـ فإنه قال فى قوله تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لا بد من إضمار جملة معادلة ، والتقدير كمن لا يخلق ـ اه. وإنما هذا مبنى على تسمية جماعة منهم الزمخشرى فى مفصّلة الظرف من نحو «زيد فى الدار» جملة ظرفية ؛ لكونه عندهم خلفا عن جملة مقدرة ، ولا يعتذر بمثل هذا عن ابن مالك ؛ فإن الظرف لا يكون جوابا ، وإن قلنا إنه جملة.

النوع السابع : اشتراط الجملة الفعلية فى بعض المواضع ، والاسمية فى بعض.

ومن الأول جملة الشرط غير لو لا وجملة جواب لو ولو لا ولو ما ، والجملتان بعد لما ، والجمل التالية أحرف التحضيض ، وجملة أخبار أفعال المقاربة ، وخبر أن المفتوحة بعد لو عند الزمخشرى ومتابعيه نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا).

ومن الثانى الجملة بعد «إذا» الفجائية ، و «ليتما» على الصحيح فيهما.

ومن الوهم فى الأول أن يقول من لا يذهب إلى قول الأخفش والكوفيين فى نحو (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) : إن المرفوع مبتدأ ، وذلك خطأ ؛ لأنه خلاف قول من اعتمد عليهم ، وإنما قاله سهوا ، واما إذا قال ذلك الأخفش أو الكوفى فلا يعدّ ذلك الإعراب خطأ ؛ لأن هذا مذهب ذهبوا إليه ولم يقولوه سهوا عن قاعدة ، نعم الصواب خلاف قولهم فى أصل المسألة ، وأجازوا أن يكون المرفوع محمولا على إضمار فعل كما يقول الجمهور ، وأجاز الكوفيون وجها ثالثا ، وهو أن يكون فاعلا بالفعل المذكور على التقديم والتأخير ، مستدلين على جواز ذلك بنحو قول الزباء :

٢٤٥

٨١٧ ـ ما للجمال مشيها وئيدا

[أجندلا يحملن أم حديدا]

فيمن رفع «مشيها» وذلك عند الجماعة مبتدأ حذف خبره وبقى معمول الخبر ، أى مشيها يكون وئيدا أو يوجد وئيدا ، ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر فى الظرف كما كان فيمن جره بدل اشتمال من الجمال ؛ لأنه عائد على «ما» الاستفهامية ، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام ، فكذلك حكم ضمير الاستفهام ، ولأنه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه.

ومن ذلك قول بعضهم فى بيت الكتاب :

[صددت فأطولت الصّدود] وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم [٥٠٩]

إن «وصال» مبتدأ ، والصواب أنه فاعل بيدوم محذوفا مفسرا بالمذكور ، وقول آخر فى نحو «آتيك يوم زيدا تلقاه» : إنه يجوز فى زيد الرفع بالابتداء ، وذلك خطأ عند سيبويه ؛ لأن الزمن المبهم المستقبل يحمل على إذا فى أنه لا يضاف إلى الجملة الاسمية ، وأما قوله تعالى (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) فقد مضى أن الزمن هنا محمول على إذ ، لا على إذا ، وأنه لتحققه نزّل منزلة الماضى ، وأما جواب ابن عصفور عن سيبويه بأنه إنما يوجب ذلك فى الظروف ، واليوم هنا بدل من المفعول به وهو (يَوْمَ التَّلاقِ) فى قوله تعالى (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) فمردود ، وإنما ذلك فى اسم الزمان ظرفا كان أو غيره ، ثم هذا الجواب لا يتأتى له فى قوله :

وكن لى شفيعا يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب [٦٥٩]

ومن الوهم أيضا قول بعضهم فى قوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) بعد ما جزم بأنّ (مِنَ) شرطية : إنه يجوز كون الجملة الاسمية

٢٤٦

معطوفة على (كانَ) وما بعدها ، ويرده أن جملة الشرط لا تكون اسمية ، فكذا المعطوف عليها ، على أنه لو قدّر من موصولة لم يصح قوله أيضا ؛ لأن الفاء لا تدخل فى الخبر إذا كانت الصلة جملة اسمية ؛ لعدم شبهه حينئذ باسم الشرط ، وقول ابن طاهر فى قوله :

٨١٨ ـ فإن لا مال أعطيه فإنّى

صديق من غدوّ أو رواح

وقول آخرين فى قول الشاعر :

ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة

إلىّ ، فهلّا نفس ليلى شفيعها [١٠٩]

إن ما بعد إن لا وهلّا جملة اسمية نابت عن الجملة الفعلية ، والصواب أن التقدير فى الأولى فإن أكن ، وفى الثانية فهلّا كان ، أى الأمر والشأن ، والجملة الاسمية فيهما خبر.

ومن ذلك قول جماعة منهم الزمخشرى فى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) : إن الجملة الاسمية جواب لو ، والأولى أن يقدر الجواب محذوفا ، أى لكان خيرا لهم ، أو أن يقدر «لو» بمنزلة ليت فى إفادة التمنى ؛ فلا تحتاج إلى جواب.

ومن ذلك قول جماعة منهم ابن مالك فى قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) : إن الجملة جواب لما ، والظاهر أن الجواب جملة فعلية محذوفة ، أى انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك ، ويؤيد هذا أن جواب لما لا يقترن بالفاء.

ومن الوهم فى الثانى تجويز كثير من النحويين الاشتغال فى نحو «خرجت

٢٤٧

فإذا زيد يضربه عمرو» ومن العجب أن ابن الحاجب أجاز ذلك فى كافيته مع قوله فيها فى بحث الظروف : وقد تكون للمفاجأة فيلزم المبتدأ بعدها ، وأجاز ابن أبى الربيع فى «ليتما زيدا أضربه» أن يكون انتصاب «زيدا» على الاشتغال كالنصب فى «إنما زيدا أضربه» والصواب أن انتصابه بليت ؛ لأنه لم يسمع نحو «ليتما قام زيد» كما سمع «إنما قام زيد».

تنبيه ـ اعترض الرازى على الزمخشرى فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) : إن الجملة معطوفة على (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) بأن الاسمية لا تعطف على الفعلية ، وقد مر أن تخالف الجملتين فى الاسمية والفعلية لا يمنع التعاطف ، وقال بعض المتأخرين فى تجويز أبى البقاء فى قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) : إنه يجوز كون الجملة الاسمية بدلا من (فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) : هذا مردود ، لأن الاسمية لا تبدّل من الفعلية ، اه. ولم يقم دليل على امتناع ذلك.

النوع الثامن : اشتراطهم فى بعض الجمل الخبريّة ، وفى بعضها الإنشائية.

فالأول كثير كالصلة ، والصفة ، والحال ، والجملة الواقعة خبرا لكان ، أو خبرا لإن أو لضمير الشأن ، قيل : أو خبرا للمبتدأ ، أو جوابا للقسم غير الاستعطافى.

ومن الثانى جواب القسم الاستعطافى كقوله :

٨١٩ ـ بربّك هل ضممت إليك ليلى

[قبيل الصّبح أو قبّلت فاها؟]

وقوله :

٨٢٠ ـ بعيشك يا سلمى ارحمى ذا صبابة

[أبى غير ما يرضيك فى السّرّ والجهر]

وما ورد على خلاف ما ذكر مؤوّل ، فمن الأول قوله :

٢٤٨

وإنّى لراج نظرة قبل الّتى

لعلّى ـ وإن شطّت نواها ـ أزورها [٦٢٢]

وتخريجه على إضمار القول ، أى قبل التى أقول لعلى ، أو على أن الصلة أزورها وخبر لعل محذوف ، والجملة معترضة ، أى لعلّى أفعل ذلك ، وقوله :

*جاؤا بمذق هل رأيت الذّئب قطّ* [٤٠٥]

وقوله :

٨٢١ ـ *فإنّما أنت أخ لا نعدمه*

وتخريجهما على إضمار القول ، أى أخ مقول فيه لا جعلنا الله نعدمه ، وبمذق مقول عند رؤيته ذلك ، وقول أبى الدرداء رضى الله عنه «وجدت النّاس اخبر تقله» أى صادفت الناس مقولا فيهم ذلك ، وقوله :

٨٢٢ ـ وكونى بالمكارم ذكّرينى

ودلّى دلّ ماجدة صناع

والجملة فى هذا مؤولة بالجملة الخبرية ، أى وكونى تذكريننى ، مثل قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أى فيمد ، وقوله :

٨٢٣ ـ إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم

لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما

وقوله :

٨٢٤ ـ إنّى إذا ما القوم كانوا أنجيه

واضطرب القوم اضطراب الأرشيه

*هناك أوصينى ولا توصى بيه*

وينبغى أن يستثنى من منع ذلك فى خبرى إنّ وضمير الشأن خبر أن المفتوحة إذا

٢٤٩

خففت ؛ فإنه يجوز أن يكون جملة دعائية كقوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) فى قراءة من قرأ أن بالتخفيف وغضب بالفعل والله فاعل ، وقولهم «أما أن جزاك الله خيرا» فيمن فتح الهمزة ، وإذا لم نلتزم قول الجمهور فى وجوب كون اسم [أن] هذه ضمير شأن فلا استثناء بالنسبة إلى ضمير الشأن ، إذ يمكن أن يقدر والخامسة أنها ، وأما أنّك ، وأما (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) فيجوز كون أن تفسيرية.

ومن الوهم فى هذا الباب قول بعضهم فى قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) : إن جملة الاستفهام حال من العظام ، والصواب أن كيف وحدها حال من مفعول ننشز ، وأن الجملة بدل من العظام ، ولا يلزم من جواز كون الحال المفردة استفهاما جواز ذلك فى الجملة ؛ لأن الحال كالخبر وقد جاز بالاتفاق نحو «كيف زيد» واختلف فى نحو «زيد كيف هو» وقول آخرين إن جملة الاستفهام حال فى نحو «عرفت زيدا أبو من هو» وقد مر.

واعلم أن النظر البصرىّ يعلّق فعله كالنظر القلبى ، قال تعالى : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) ، وقال سبحانه وتعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ).

ومن ذلك قول الأمين المحلى فيما رأيت بخطه : إن الجملة التى بعد الواو من قوله :

اطلب ولا تضجر من مطلب

[فآفة الطّالب أن يضجرا] [٦٣٧]

حالية ، وإن «لا» ناهية ، والصواب أن الواو للعطف ، ثم الأصح أن الفتحة إعراب مثلها فى «لا تأكل السمك وتشرب للبن» لا بناء لأجل نون توكيد خفيفة محذوفة.

النون التاسع : اشتراطهم لبعض الأسماء أن يوصف ، ولبعضها أن لا يوصف فمن الأول مجرور ربّ إذا كان ظاهرا ، وأىّ فى النداء ، والجماء فى قولهم «جاؤا الجمّاء

٢٥٠

الغفير» وما وطّىء به من خبر أو صفة أو حال ، نحو «زيد رجل صالح ، ومررت بزيد الرجل الصالح» ومنه (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ) إلى قوله تعالى (قُرْآناً عَرَبِيًّا) وقول الشاعر :

٨٢٥ ـ أأكرم من ليلى علىّ فتبتغى

به الجاه أم كنت امرا لا أطيعها؟

ومن ثمّ أبطل أبو على كون الظرف من قول الأعشى :

٨٢٦ ـ ربّ رفد هرقته ذلك اليو

م وأسرى من معشر أقيال

متعلقا بأسرى ؛ لئلا يخلو ما عطف على مجرور ربّ من صفة ، قال : وأما قوله

فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال [٢٠٦]

فعلى أن صفة الثانى محذوفة مدلول عليها بصفة الأول ، ولا يتأتى ذلك هنا ، وقد يجوز ذلك هنا ؛ لأن الإراقة إتلاف ، فقد تجعل دليلا عليه.

ومن الثانى فاعلا نعم وبئس والأسماء المتوغلة فى شبه الحرف إلا من وما النكرتين فإنهما يوصفان نحو «مررت بمن معجب لك ، وبما معجب لك» وألحق بهما الأخفش أيا نحو «مررت بأىّ معجب لك» وهو قوىّ فى القياس ؛ لأنها معربة ؛ ومن ذلك الضمير ، وجوز الكسائى نعته إن كان لغائب والنعت لغير التوضيح ، نحو (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ونحو (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) فقدر (عَلَّامُ) نعتا للضمير المستتر فى (يَقْذِفُ بِالْحَقِّ) و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نعتين لهو ، وأجاز غير الفارسى وابن السراج نعت فاعلى نعم وبئس تمسكا بقوله :

٨٢٧ ـ نعم الفتى المرّى أنت إذا هم

حضروا لدى الحجرات نار الموقد

وحمله الفارسى وابن السراج على البدل ، وقال ابن مالك : يمتنع نعته إذا قصد بالنعت التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس ؛ لأن تخصيصه حينئذ مناف لذلك القصد ، فأما إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع من نعته حينئذ ؛ لإمكان أن

٢٥١

ينوى فى النعت ما نوى فى المنعوت ، وعلى هذا يحمل البيت ، اه. وقال الزمخشرى وأبو البقاء فى (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ) : إن الجملة بعدكم صفة لها ، والصواب أنها صفة لقرن ، وجمع الضمير حملا على معناه ، كما جمع وصف جميع فى نحو (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ).

النوع العاشر : تخصيصهم جواز وصف بعض الأسماء بمكان دون آخر ، كالعامل من وصف ومصدر ، فإنه لا يوصف قبل العمل ويوصف بعده ، وكالموصول فإنه لا يوصف قبل تمام صلته ويوصف بعد تمامها ، وتعميمهم الجواز فى البعض ، وذلك هو الغالب.

ومن الوهم فى الأول قول بعضهم فى قول الحطيئة :

٨٢٨ ـ أزمعت يأسا مبينا من نوالكم

ولن ترى طاردا للحرّ كالياس

إن «من» متعلقة بيأسا ، والصواب أن تعلها بيئست محذوفا ، لأن المصدر لا يوصف قبل أن يأتى معموله.

وقال أبو البقاء فى (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً) : لا يكون يبتغون نعتا لآمّين ؛ لأن اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل فى الاختيار ، بل هو حال من آمّين ، اه. وهذا قول ضعيف ، والصحيح جواز الوصف بعد العمل

النوع الحادى عشر : إجازتهم فى بعض أخبار النواسخ أن يتصل بالناسخ نحو «كان قائما زيد» ومنع ذلك فى البعض نحو «إنّ زيدا قائم».

ومن الوهم فى هذا قول المبرد فى قولهم «إنّ من أفضلهم كان زيدا» إنه لا يجب أن يحمل على زيادة كان كما قال سيبويه ، بل يجوز أن تقدر كان ناقصة واسمها ضمير زيد ، لأنه متقدم رتبة ، إذ هو اسم إنّ ، ومن أفضلهم : خبر كان ، وكان ومعمولاها خبر إنّ ، فلزمه تقديم خبر إن على اسمها مع أنه ليس ظرفا ولا مجرورا ، وهذا لا يجيزه أحد.

٢٥٢

النوع الثانى عشر : إيجابهم لبعض معمولات الفعل وشبهه أن يتقدم كالاستفهام والشرط وكم الخبرية نحو (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) ولهذا قدر ضمير الشأن فى قوله :

إنّ من يدخل الكنبسة يوما

يلق فيها جآذرا وظباء [٤٨]

ولبعضها أن يتأخر : إما لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه ، أو لضعف الفعل كمفعول التعجب نحو «ما أحسن زيدا» أو لعارض معنوى أو لفظى وذلك كالمفعول فى نحو «ضرب موسى عيسى» فإن تقديمه يوهم أنه مبتدأ وأن الفعل مسند إلى ضميره ، وكالمفعول الذى هو أى الموصولة نحو «سأكرم أيّهم جاءنى» كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين أىّ الشرطية والاستفهامية ، والمفعول الذى هو أنّ وصلتها نحو «عرفت أنّك فاضل» كرهوا الابتداء بأنّ المفتوحة لئلا يلتبس بأن التى بمعنى لعلّ ، وإذا كان المبتدأ الذى أصله التقديم يجب تأخره إذا كان أنّ وصلتها نحو (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) فأن يجب تأخّر المفعول الذى أصله التأخير نحو (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ) أحقّ وأولى ، وكمعمول عامل اقترن بلام الابتداء أو القسم ، أو حرف الاستثناء ، أو ما النافية ، أولا فى جواب القسم.

ومن الوهم الأول قول ابن عصفور فى (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) : إن كم فاعل يهد ، فإن قلت : خرجه على لغة حكاها الأخفش ، وهى أن بعض العرب لا يلتزم صدرية كم الخبرية ، قلت : قد اعترف برداءتها ، فتخريج التنزيل عليها بعد ذلك رداءة ، والصواب أن الفاعل مستتر راجع إلى الله سبحانه وتعالى ، أى أو لم يبين الله لهم ، أو إلى الهدى ، والأول قول أبى البقاء ، والثانى قول الزجاج ، وقال الزمخشرى : الفاعل الجملة ، وقد مر أن الفاعل لا يكون جملة ، وكم مفعول أهلكنا ، والجملة مفعول يهد ، وهو معلّق عنها ، وكم الخبرية تعلق خلافا لأكثرهم.

ومن الوهم فى الثانى قول بعضهم فى بيت الكتاب :

٢٥٣

[صددت فأطولت الصّدود] وقلّما

وصال على طول الصّدود يدوم [٥٠٩]

إن «وصال» فاعل بيدوم ، وفى بيت الكتاب أيضا :

٨٢٩ ـ [فإنّك لا تبالى بعد حول

أظبى كان أمّك أم حمار

إن «ظبى» اسم كان ، والصواب أن «وصال» فاعل يدوم محذوفا مدلولا عليه بالمذكور ، وأن «ظبى» اسم لكان محذوفة مفسّرة بكان المذكورة ، أو مبتدأ ، والأول أولى ؛ لأن همزة الاستفهام بالجمل الفعلية أولى منها بالاسمية ، وعليهما فاسم كان ضمير راجع إليه ، وقول سيبويه «إنه أخبر عن النكرة بالمعرفة» واضح على الأول ؛ لأن ظبيا المذكور اسم كان ، وخبره «أمّك» وأما على الثانى فخبر ظبى إنما هو الجملة ، والجمل نكرات ، ولكن يكون محل الاستشهاد قوله «كان أمك» على أن ضمير النكرة عنده نكرة لا على أن الاسم مقدم.

وقول بعضهم فى قوله تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) : إن (عَنْهُ) مرفوع المحل بمسؤلا ، والصواب أن اسم كان ضمير المكلف وإن لم يجر له ذكر ، وأن المرفوع بمسؤلا مستتر فيه راجع إليه أيضا ، وأن (عَنْهُ) فى موضع نصب.

وقول بعضهم فى قوله :

*آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه* [١٣٩]

إنه من باب الاشتغال ، لا على إسقاط على كما قال سيبويه ، وذلك مردود : لأن «أطعمه» بتقدير لا أطعمه.

وقول الفراء فى (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) فيمن خفف إن : إنه أيضا من باب الاشتغال مع قوله إن اللام بمعنى إلا ، وإن نافية ولا يجوز بالإجماع أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها ، على أن هنا مانعا آخر وهو لام القسم ، وأما قوله تعالى (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) فإن إذا ظرف لأخرج ، وإنما جاز تقديم الظرف على لام القسم لتوسّعهم فى الظرف ، ومنه قوله :

٢٥٤

رضيعى لبان ثدى أمّ تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرّق [٢٤٤]

أى لا نتفرق أبدا ، ولا النافية لها الصّدر فى جواب القسم ، وقيل : العامل محذوف ، أى أئذا ما مت أبعث لسوف أخرج.

النوع الثالث عشر : منعهم من حذف بعض الكلمات ، وإيجابهم حذف بعضها ؛ فمن الأول الفاعل ، ونائبه ، والجار الباقى عمله ، إلا فى مواضع نحو قولهم «الله لأفعلنّ» و «بكم درهم اشتريت» أى والله ، وبكم من درهم.

ومن الثانى أحد معمولى «لات».

ومن الوهم فى الأول قول ابن مالك فى أفعال الاستثناء نحو «قاموا ليس زيدا ، ولا يكون زيدا ، وما خلا زيدا» : إن مرفوعهن محذوف ، وهو كلمة بعض مضافة إلى ضمير من تقدم ، والصواب أنه مضمر عائد إما على البعض المفهوم من الجمع السابق كما عاد الضمير من قوله تعالى (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) على البنات المفهومة من الأولاد (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) وإما على اسم الفاعل المفهوم من الفعل ، أى لا يكون هو ـ أى القائم ـ زيدا ، كما جاء «لا يزنى الزّانى حين يزنى وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» وإما على المصدر المفهوم من الفعل ، وذلك فى غير ليس ولا يكون ، تقول «قاموا خلا زيدا» أى جانب هو ـ أى قيامهم ـ زيدا.

ومن ذلك قول كثير من المعربين والمفسرين فى فواتح السور : إنه يجوز كونها فى موضع جر بإسقاط حرف القسم.

وهذا مردود بأن ذلك مختص عند البصريين باسم الله سبحانه وتعالى ، وبأنه لا أجوبة للقسم فى سورة البقرة وآل عمران ويونس وهود ونحوهنّ ، ولا يصحّ أن يقال : قدّر (ذلِكَ الْكِتابُ) فى البقرة ، و (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فى آل عمران جوابا ، وحذفت اللام من الجملة الاسمية كحذفها فى قوله.

٨٣٠ ـ وربّ السّموات العلى وبروجها

والأرض وما فيها المقدّر كائن

٢٥٥

وقول ابن مسعود «والله الذى لا إله غيره هذا مقام الذى أنزلت عليه سورة البقرة» لأن ذلك ـ على قلّته ـ مخصوص باستطالة القسم.

ومن الوهم فى الثانى قول ابن عصفور فى قوله :

٨٣١ ـ حنّت نوار ولات هنّا حنّت

[وبدا الّذى كانت نوار أجنّت]

إن هنّا اسم لات ، وحنّت خبرها بتقدير مضاف ، أى وقت حنت ، فاقتضى إعرابه الجمع بين معموليها ، وإخراج هنّا عن الظرفية ، وإعمال لات فى معرفة ظاهرة وفى غير الزمان وهو الجملة النائبة عن المضاف ، وحذف المضاف إلى الجملة ، والأولى قول الفارسى إن «لات» مهملة ، وهنّا خبر مقدم ، وحنت مبتدأ مؤخر بتقدير أن مثل «تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه».

النوع الرابع عشر : تجويزهم فى الشعر ما لا يجوز فى النثر ، وذلك كثير ، وقد أفرد بالتصنيف ، وعكسه ، وهو غريب جدا ، وذلك بدلا الغلط والنسيان زعم بعض القدماء أنه لا يجوز فى الشعر ، لأنه يقع غالبا عن تروّ وفكر.

النوع الخامس عشر : اشتراطهم وجود الرابط فى بعض المواضع ، وفقده فى بعض ، فالأول قد مضى مشروحا. والثانى الجملة المضاف إليها نحو «يوم قام زيد» فأما قوله :

٨٣٢ ـ وتسخن ليلة لا يستطيع

نباحا بها الكلب إلّا هريرا

وقوله :

٨٣٣ ـ مضت سنة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجّتان

فنادر ، وهذا الحكم خفى على أكثر النحويين ، والصواب فى مثل قولك «أعجبنى يوم ولدت فيه» تنوين اليوم ، وجعل الجملة بعده صفة له ، وكذلك «أجمع» وما يتصرف منه فى باب التوكيد ، يجب تحريده من ضمير المؤكد ، وأما قولهم «جاء

٢٥٦

القوم بأجمعهم» فهو بضم الميم لا بفتحها ، وهو جمع لقولك جمع ، على حد قولهم فلس وأفلس ، والمعنى جاءوا بجماعتهم ، ولو كان توكيدا لكانت الباء فيه زائدة مثلها فى قوله :

٨٣٤ ـ هذا وجدّكم الصّغار بعينه

[لا أمّ لى إن كان ذاك ولا أب]

فكان يصح إسقاطها.

النوع السادس عشر : اشتراطهم لبناء بعض الأسماء أن تقطع عن الإضافة كقبل وبعد وغير ، ولبناء بعضها أن تكون مضافة ، وذلك أىّ الموصولة ؛ فإنها لا تبنى إلا إذا أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا نحو (أَيُّهُمْ أَشَدُّ).

ومن الوهم فى ذلك قول ابن الطراوة (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) مبتدأ وخبر ، وأىّ مبنية مقطوعة عن الإضافة ، وهذا مخالف لرسم المصحف ولإجماع النحويين.

* * *

الجهة السابعة : أن يحمل كلاما على شىء ، ويشهد استعمال آخر فى نظير ذلك الموضع بخلافه ، وله أمثلة :

أحدها : قول الزمخشرى فى (مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) إنه عطف على (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) ولم يجعله معطوفا على (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ؛ لأن عطف الاسم على الاسم أولى ، ولكن مجىء قوله تعالى (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) بالفعل فيهما يدلّ على خلاف ذلك.

الثانى : قول مكى وغيره فى قوله تعالى (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) : إن جملة (يُضِلُّ) صفة لمثلا أو مستأنفة ، والصواب الثانى ؛ لقوله تعالى فى سورة المدثر (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ).

الثالث : قول بعضهم فى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ) : إن الوقف هنا على (رَيْبَ) ويبتدىء (فِيهِ هُدىً) ويدل على خلاف ذلك قوله تعالى فى سورة السجدة (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

٢٥٧

الرابع : قول بعضهم فى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : إن الرابط الإشارة ، وإن الصابر والغافر جعلا من عزم الأمور مبالغة ، والصواب أن الإشارة للصبر والغفران ، بدليل (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ولم يقل إنكم.

الخامس : قولهم فى (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) : إن التقدير تزعمونهم شركاء ، والأولى أن يقدر تزعمون أنهم شركاء ، بدليل (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) ولأن الغالب على «زعم» أن لا يقع على المفعولين صريحا ، بل على أنّ وصلتها ، ولم يقع فى التنزيل إلا كذلك.

ومثله فى هذا الحكم «تعلم» كقوله :

٨٣٥ ـ تعلّم رسول الله أنّك مدركى

[وأنّ وعيدا منك كالأخذ باليد]

ومن القليل فيهما قوله :

٨٣٦ ـ زعمتنى شيخا ولست بشيخ

[إنّما الشيخ من يدبّ دبيبا]

وقوله :

٨٣٧ ـ تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها

[فبالغ بلطف فى التّحيّل والمكر]

وعكسهما فى ذلك هب بمعنى ظن ؛ فالغالب تعدّيه إلى صريح المفعولين كقوله :

٨٣٨ ـ فقلت : أجرنى أبا خالد ،

وإلّا فهبنى امرأ هالكا

ووقوعه على أنّ وصلتها نادر ، حتى زعم الحريرى أن قول الخواص «هب أنّ زيدا قائم» لحن ، وذهل عن قول القائل «هب أنّ أبانا كان حمارا» ونحوه.

السادس : قولهم فى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) إن (لا يُؤْمِنُونَ) مستأنف ، أو خبر لإنّ ، وما بينهما اعتراض ، والأولى الأول ؛ بدليل (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).

السابع : قولهم فى نحو (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ) (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) : إن المجرور فى

٢٥٨

موضع نصب أو رفع على الحجازية والتميمية ، والصواب الأول ؛ لأن الخبر بعد «ما» لم يجىء فى التنزيل مجردا من الباء إلا وهو منصوب نحو (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) (ما هذا بَشَراً).

الثامن : قول بعضهم فى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) : إن اسم الله سبحانه وتعالى مبتدأ أو فاعل ، أى الله حلقهم أو خلقهم الله. والصواب الحمل على الثانى ؛ بدليل (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).

التاسع : قول أبى البقاء فى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى) إن الظرف حال أى على قصد تقوى ، أو مفعول أسس ، وهذا الوجه هو المعتمد عليه عندى ؛ لتعينه فى (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى).

تنبيه ـ وقد يحتمل الموضع أكثر من وجه ، ويوجد ما يرجح كلا منها ؛ فينظر فى أولاها كقوله تعالى (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) فإنّ الموعد محتمل للمصدر ، ويشهد له (لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ) وللزمان ويشهد له (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وللمكان ويشهد له (مَكاناً سُوىً) وإذا أعرب (مَكاناً) بدلا منه لا ظرفا لتخلفه تعين ذلك.

* * *

الجهة الثامنة : أن يحمل المعرب على شىء ، وفى ذلك الموضع ما يدفعه. وهذا أصعب من الذى قبله ، وله أمثلة :

أحدها : قول بعضهم فى (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) : إنها إنّ واسمها ، أى إن القصة ، وذان : مبتدأ ، وهذا يدفعه رسم إنّ منفصلة ، وهذان متصلة.

والثانى : قول الأخفش وتبعه أبو البقاء فى (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) : إن اللام للابتداء ، والّذين : مبتدأ ، والجملة بعده خبره ، ويدفعه أن الرسم (وَلَا) وذلك يقتضى أنه مجرور بالعطف على (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) لا مرفوع بالابتداء ، والذى

٢٥٩

حملهما على الخروج عن ذلك الظاهر أن من الواضح أن الميت على الكفر لا توبة له لفوات زمن التكليف ويمكن أن يدّعى لهما أن الألف [فى لا] زائدة كالألف فى (لا اذبحنه) ، فإنها زائدة فى لرسم ، وكذا فى (لا أوضعوا) والجواب أن هذه الجملة لم تذكر ليفاد معناها بمجرده ، بل ليسوى بينها وبين ما قبلها ، أى أنه لا فرق فى عدم الانتفاع بالتوبة بين من أخّرها إلى حضور الموت وبين من مات على الكفر ، كما نفى الإثم عن المتأخر فى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) مع أن حكمه معلوم ؛ لأنه آخذ بالعزيمة ، بخلاف المتعجل فإنه آخذ بالرخصة ، على معنى يستوى فى عدم الإثم من يتعجل ومن لم يتعجل ، وحمل الرسم على خلاف الأصل مع إمكانه غير سديد.

والثالث : قول ابن الطراوة فى (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) هم أشد : مبتدأ وخبر ، وأى مضافة لمحذوف ، ويدفعه رسم أيهم متصلة ، وأن أيا إذا لم تضف أعربت باتفاق.

والرابع : قول بعضهم فى (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) : إن هم الأولى ضمير رفع مؤكد للواو ، والثانية كذلك أو مبتدأ وما بعده خبره ، والصواب أن هم مفعول فيهما ؛ لرسم الواو بغير ألف بعدها ، ولأن الحديث فى الفعل لا فى الفاعل ؛ إذ المعنى إذا أخذوا من الناس استوفوا ، وإذا أعطوهم أخسروا ، وإذا جعلت الضمير للمطففين صار معناه إذا أخذوا استوفوا وإذا تولّوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا ، وهو كلام متنافر ، لأن الحديث فى الفعل لا فى المباشر.

الخامس : قول مكى وغيره فى قوله تعالى (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) إن جنات بدل من الفضل ، والأولى أنه مبتدأ ؛ لقراءة بعضهم بالنصب على حد «زيدا ضربته».

السادس : قول كثير من النحويين فى قوله تعالى (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) : إنه دليل على جواز استثناء الأكثر من الأقل ، والصواب

٢٦٠