مغنى اللبيب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

٧٢٨ ـ وما كنت ذا نيرب فيهم

ولا منمش فيهم منمل

لقلة دخول الباء على خبر كان ، بخلاف خبرى ليس وما ، والنّيرب : النميمة ، والمنمل : الكثير الميمة ، والمنمش : المفسد ذات البين.

وكما وقع هذا العطف فى المجرور وقع فى أخيه المجزوم ، ووقع أيضا فى المرفوع اسما ، وفى المنصوب اسما وفعلا ، وفى المركبات.

فأما المجزوم فقال به الخليل وسيبويه فى قراءة غير أبى عمرو (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) فإن معنى لو لا أخرتنى فأصدق ومعنى إن أخرتنى أصّدّق واحد ، وقال السيرافى والفارسى : هو عطف على محل فأصدق كقول الجميع فى قراءة الأخوين (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) بالجزم ، ويردّه أنهما يسلمان أن الجزم فى نحو «ائتنى أكرمك» بإضمار الشرط ، فليست الفاء هنا وما بعدها فى موضع حزم ؛ لأن ما بعد الفاء منصوب بأن مضمرة ، وأن والفعل فى تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم مما تقدم ، فكيف تكون الفاء مع ذلك فى موضع الجزم؟ وليس بين المفردين المتعاطفين شرط مقدر ، ويأتى القولان فى قول الهذلى :

فأبلونى بليّتكم لعلّى

أصالحكم وأستدرج نويّا [٦٧٠]

أى نواى ، وكذلك اختلف فى نحو «قام القوم غير زيد وعمرا» بالنصب ، والصواب أنه على التوهم ، وأنه مذهب سيبويه ، لقوله لأن «غير زيد» فى موضع «إلا زيدا» ومعناه ، فشبهوه بقولهم :

٧٢٩ ـ [معاوى إنّنا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وقد استنبط من ضعف فهمه من إنشاد هذا البيت هنا أنه يراه عطفا على المحل ولو أراد ذلك لم يقل إنهم شبهوه به.

١٤١

رجع القول إلى المجزوم ـ وقال به الفارسى فى قراءة قنبل : (إنه من يتق ويصبر فإن الله) بإثبات الياء فى (يتقى) وجزم (يصبر) فزعم أن من موصلة ، فلهذا ثبتت ياء يتقى ، وأنها ضمنت معنى الشرط ، ولذلك دخلت الفاء فى الخبر ، وإنما جزم (يَصْبِرْ) على توهم معنى من ، وقيل : بل وصل (يَصْبِرْ) بنية الوقف كقراءة نافع (ومحياى ومماتى) بسكون ياء (محياى) وصلا ، وقيل : بل سكن لتوالى الحركات فى كلمتين كما فى (يَأْمُرُكُمْ) و (يُشْعِرُكُمْ) وقيل : من شرطية ، وهذه الياء إشباع ، ولام الفعل حذفت للجازم ، أو هذه الياء لام الفعل ، واكتفى بحذف الحركة المقدرة.

وأما المرفوع فقال سيبويه : واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون «إنهم أجمعين ذاهبون ، وإنك وزيد ذاهبان» وذلك على أن معناه معنى الابتداء ، فيرى أنه قال هم ، كما قال :

*بدا لى أنّى لست مدرك ما مضى* البيت اه [١٣٥]

ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم ، وذلك ظاهر من كلامه ، ويوضحه إنشاده البيت ، وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوّزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم ، وامتنع أن نثبت شيئا نادرا لإمكان أن يقال فى كل نادر : إن قائله غلط.

وأما المنصوب اسما فقال الزمخشرى فى قوله تعالى (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) فيمن فتح الباء. كأنه قيل : ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، على طريقة قوله :

٧٣٠ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة

ولا ناعب إلّا ببين غرابها [ص ٥٥٣]

اه ، وقيل : على إضمار وهبنا ، أى ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب ، بدليل

١٤٢

(فَبَشَّرْناها) لأن البشارة من الله تعالى بالشىء فى معنى الهبة ، وقيل : هو مجرور عطفا على بإسحاق ، أو منصوب عطفا على محله ، ويردّ الأول أنه لا يجوز الفصل بين العاطف والمعطوف على المجرور كمررت بزيد واليوم عمرو ، وقال بعضهم فى قوله تعالى (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) إنه عطف على معنى (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) وهو إنا خلقنا الكواكب فى السماء الدنيا زينة للسماء كما قال تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً) ويحتمل أن يكون مفعولا لأجله ، أو مفعولا مطلقا ، وعليهما فالعامل محذوف : أى وحفظا من كل شيطان زيناها بالكواكب ، أو وحفظناها حفظا.

وأما المنصوب فعلا فكقراءة بعضهم (ودوا لو تدهن فيدهنوا) حملا على معنى ودوا أن تدهن ، وقيل فى قراءة حفص (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ) بالنصب : إنه عطف على معنى لعلى أبلغ ، وهو لعلى أن أبلغ ، فإن خبر لعل يقترن بأن كثيرا ، نحو الحديث «فلعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض» ويحتمل أنه عطف على الأسباب على حد :

*للبس عباءة وتقرّ عينى* [٤٢٤]

ومع هذين الاحتمالين فيندفع قول الكوفى : إن هذه القراءة حجة على جواز النصب فى جواب الترجّى حملا له على التمنى.

وأما فى المركبات فقد قيل فى قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ) إنه على تقدير ليبشركم وليذيقكم ، ويحتمل أن التقدير : وليذيقكم وليكون كذا وكذا أرسلها ، وقيل فى قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) إنه على معنى أرأيت كالذى حاجّ أو كالذى مر ، ويجوز أن يكون على اضمار فعل ، أى أو رأيت مثل الذى ، فحذف لدلالة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ) عليه ؛ لأن كليهما تعجب ، وهذا التأويل هنا وفيما تقدم أولى ؛ لأن اضمار الفعل لدلالة

١٤٣

المعنى عليه أسهل من العطف على المعنى ، وقيل : الكاف زائدة ، أى ألم تر إلى الذى حاج أو الذى مر ، وقيل : الكاف [اسم] بمعنى مثل معطوف على الذى ، أى ألم تنظر إلى الذى حاجّ أو إلى مثل الذى مر.

تنبيه ـ من العطف على المعنى على قول البصريين نحو «لألزمنّك او تقضينى حقّى» إذ النصب عندهم بإضمار أن ، وأن والفعل فى تأويل مصدر معطوف على مصدر متوهم ، أن ليكوننّ لزوم منى أو قضاء منك لحقى ، ومنه (تقاتلونهم أو يسلموا) فى قراءة أبىّ بحذف النون ، وأما قراءة الجمهور بالنون فبالعطف على لفظ تقاتلونهم ، أو على القطع بتقدير أو هم يسلمون ، ومثله «ما تأتينا فتحدّثنا» بالنصب ، أى ما يكون منك إتيان فحديث ، ومعنى هذا نفى الإتيان فينتفى الحديث ، أى ما تأتينا فكيف تحدثنا ، أو نفى الحديث فقط حتّى كأنه قيل : ما تأتينا محدثا ، أى بل غير محدث ، وعلى المعنى الأول جاء قوله سبحانه وتعالى (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) أى فكيف يموتون ، ويمتنع أن يكون على الثانى ؛ إذ يمتنع أن يقضى عليهم ولا يموتون ، ويجوز رفعه فيكون إما عطفا على تأتينا ؛ فيكون كل منهما داخلا عليه حرف النفى ، أو على القطع فيكون موجبا ، وذلك واضح فى نحو «ما تأتينا فتجهل أمرنا» و «لم تقرأ فتنسى» لأن المراد إثبات جهله ونسيانه ، ولأنه لو عطف لجزم تنسى وفى قوله :

٧٣١ ـ غير أنّا لم يأتنا بيقين

فنرجّى ونكثر التّأميلا

اذ المعنى أنه لم يأت باليقين فنحن نرجو خلاف ما أتى به لانتفاء اليقين عما أتى به ، ولو جزمه أو نصبه لفسد معناه ؛ لأنه يصير منفيا على حدته كالأول إذا جزم ، ومنفيا على الجمع إذا نصب ، وإنما المراد إثباته ، وأما إجازتهم ذلك فى المثال السابق فمشكلة ؛ لأن الحديث لا يمكن مع عدم الإتيان ، وقد يوجه قولهم بأن يكون معناه ما تأتينا فى المستقبل فأنت تحدثنا الآن ، عوضا عن ذلك ، وللاستئناف وجه آخر ، وهو أن

١٤٤

يكون على معنى السببية وانتفاء الثانى لانتفاء الأول ، وهو أحد وجهى النصب ، وهو قليل ، وعليه قوله :

٧٣٢ ـ فلقد تركت صبيّة مرحومة

لم تدر ما جزع عليك فتجزع

أى لو عرفت الجزع لجزعت ، ولكنها لم تعرفه فلم تجزع ، وقرأ عيسى بن عمر (فيموتون) عطفا على (يُقْضى) ، وأجاز ابن خروف فيه الاستئناف على معنى السببية كما قدمنا فى البيت ، وقرأ السبعة (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) وقد كان النصب ممكنا مثله فى (فَيَمُوتُوا) ولكن عدل عنه لتناسب الفواصل ، والمشهور فى توجيهه أنه لم يقصد إلى معنى السببية ، بل إلى مجرد العطف على الفعل وإدخاله معه فى سلك النفى ؛ لأن المراد بلا يؤذن لهم نفى الإذن فى الاعتذار ، وقد نهوا عنه فى قوله تعالى (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) فلا يتأتى العذر (١) منهم بعد ذلك ، وزعم ابن مالك بدر الدين أنه مستأنف بتقدير : فهم يعتذرون ، وهو مشكل على مذهب الجماعة ؛ لاقتضائه ثبوت الاعتذار مع انتفاء الإذن كما فى قولك «ما تؤذينا فنحبّك» بالرفع ، ولصحة الاستئناف يحمل ثبوت الاعتذار مع مجىء (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) على اختلاف المواقف ، كما جاء (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ، وإليه ذهب ابن الحاجب ؛ فيكون بمنزلة «ما تأتينا فتجهل أمورنا» ويردّه أن الفاء غير العاطفة للسببية ، ولا يتسبب الاعتذار فى وقت عن نفى الإذن فيه فى وقت آخر ، وقد صح الاستئناف بوجه آخر يكون الاعتذار معه منفيا ، وهو ما قدمناه ونقلناه عن ابن خروف من أن المستأنف قد يكون على معنى السببية ، وقد صرح به هنا الأعلم ، وأنه فى المعنى مثل (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ورده ابن عصفور بأن الإذن

__________________

(١) فى نسخة «فلا يأتى العذر ـ إلخ».

١٤٥

فى الاعتذار قد يحصل ولا يحصل اعتذار ، بخلاف الفضاء عليهم ؛ فإنه يتسبب عنه الموت جزما ، وردّ عليه ابن الضائع بأن النصب على معنى السببية فى «ما تأتينا فتحدثنا» جائز بإجماع ، مع أنه قد يحصل الإتيان ولا يحصل التحديث ، والذى أقول : إن مجىء الرفع بهذا المعنى قليل جدا ؛ فلا يحسن حمل التنزيل عليه.

تنبيه ـ «لا تأكل سمكا وتشرب لبنا» إن جزمت فالعطف على اللفظ والنهى عن كل منهما ، وإن نصبت فالعطف عند البصريين على المعنى والنهى عند الجميع عن الجمع ، أى لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن ، وإن رفعت فالمشهور أنه نهى عن الأول وإباحة للثانى ، وأن المعنى : ولك شرب اللبن ، وتوجيهه أنه مستأنف ، فلم يتوجه إليه حرف النهى ، وقال بدر الدين ابن مالك : إن معناه كمعنى وجه النصب ، ولكنه على تقدير لا تأكل (١) السمك وأنت تشرب اللبن ، اه. وكأنه قدّر الواو للحال ، وفيه بعد ؛ لدخولها فى اللفظ على المضارع المثبت ، ثم هو مخالف لقولهم ؛ إذ جعلوا لكل من أوجه الإعراب معنى.

عطف الخبر على الإنشاء ، وبالعكس

منعه البيانيون ، وابن مالك فى شرح باب المفعول معه من كتاب التسهيل ، وابن عصفور فى شرح الإيضاح ، ونقله عن الأكثرين ، وأجازه الصفار ـ بالفاء ـ تلميذ ابن عصفور ، وجماعة ، مستدلين بقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فى سورة البقرة ، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) فى سورة الصف ، قال أبو حيان : وأجاز سيبويه «جاءنى زيد ومن عمرو العاقلان» على أن يكون العاملان خبرا لمحذوف ، ويؤيده قوله :

__________________

(١) فى نسخة «ولكنه على طريق لا تأكل السمك ـ إلخ».

١٤٦

وإنّ شفائى عبرة مهراقة

وهل عند رسم دارس من معوّل؟ [٥٧٠]

وقوله :

٧٣٣ ـ تناغى غزالا عند باب ابن عامر

وكحّل أماقيك الحسان بإثمد

واستدل الصفار بهذا البيت ، وقوله :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

[وأكرومة الحيّين خلو كما هيا] [٢٧١]

فإن تقديره عند سيبويه : هذه خولان :

وأقول : أما آية البقرة فقال الزمخشرى : ليس المعتمد بالعطف الأمر حتى يطلب له مشاكل ، بل المراد عطف جملة ثواب المؤمنين على جملة عذاب الكافرين ، كقولك «زيد يعاقب بالقيد وبشّر فلانا بالإطلاق» وجوز عطفه على (فَاتَّقُوا) وأنمّ من كلامه فى الجواب الأول أن يقال : المعتمد بالعطف جملة الثواب كما ذكر ، ويزاد عليه فيقال : والكلام منظور فيه إلى المعنى الحاصل منه ، وكأنه قيل : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات فبشرهم بذلك ، وأما الجواب الثانى ففيه نظر ؛ لأنه لا يصح أن يكون جوابا للشرط ؛ إذ ليس الأمر بالتبشير مشروطا بعجز الكافرين عن الإتيان بمثل القرآن ، ويجاب بأنه قد علم أنهم غير المؤمنين ، فكأنه قيل : فإن لم يفعلوا فبشر غيرهم بالجنات ، ومعنى هذا فبشر هؤلاء المعاندين بأنه لا حظّ لهم من الجنة.

وقال فى آية الصف : إن العطف على (تُؤْمِنُونَ) لأنه بمعنى آمنوا ، ولا يقدح فى ذلك أن المخاطب بتؤمنون المؤمنون ، وببشّر النبى عليه الصلاة والسّلام ،

١٤٧

ولا أن يقال فى (تُؤْمِنُونَ) : إنه تفسير للتجارة لا طلب ، وإن (يَغْفِرْ لَكُمْ) جواب الاستفهام تنزيلا لسبب السبب منزله السبب كما مر فى بحث الجمل المفسرة ؛ لأن تخالف الفاعلين لا يقدح ، تقول «قوموا واقعد يا زيد» ولأن (فَتُؤْمِنُونَ) لا يتعين للتفسير ، سلمنا ، ولكن يحتمل أنه تفسير مع كونه أمرا ، وذلك بأن يكون معنى الكلام السابق اتجروا تجارة تنجيكم من عذاب أليم كما كان (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فى معنى انتهوا ، أو بأن يكون تفسيرا فى المعنى دون الصناعة ؛ لأن الأمر قد يساق لإفادة المعنى الذى يتحصّل من المفسرة ، يقول : هل أدلك على سبب نجاتك؟ آمن بالله ، كما تقول : هو أن تؤمن بالله ، وحينئذ فيمتنع العطف ؛ لعدم دخول التبشير فى معنى التفسير.

وقال السكاكى : الأمران معطوفان على قل مقدرة قبل (يا أَيُّهَا) ، وحذف القول كثير ، وقيل : معطوفان على أمر محذوف تقديره فى الأولى فأنذر ، وفى الثانية فأبشر ، كما قال الزمخشرى فى (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) : إن التقدير فاحذرنى واهجرنى ، لدلالة (لَأَرْجُمَنَّكَ) على التهديد.

وأما *وهل عند رسم دارس من معوّل* [٥٧٠] فهل فيه نافية ، مثلها (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) :

وأما *هذه خولان* [٢٧١] فمعناه تنبه لخولان ، أو الفاء لمجرد السببية مثلها فى جواب الشرط ، وإذ قد استدلا بذلك فهلا استدلّا بقوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ونحوه فى التنزيل كثير.

وأما *وكحّل أماقيك* [٧٣٣] فيتوقف على النظر فيما قبله من الأبيات ، وقد يكون معطوفا على أمر مقدر يدلّ عليه المعنى ، أى فافعل كذا وكحل ، كما قيل فى (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا).

١٤٨

وأما ما نقله أبو حيان عن سيبويه فغلط عليه ، وإنما قال : واعلم أنه لا يجوز «من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين» رفعت أو نصبت ؛ لأنك لا تثنى إلا على من أثبتّه وعلمته ، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة ، وقال الصفار : لما منعها سيبويه من جهة النعت علم أنّ زوال النعت يصحّحها ؛ فتصرّف أبو حيان فى كلام الصفار فوهم فيه ، ولا حجة فيما ذكر الصفار ؛ إذ قد يكون للشىء مانعان ويقتصر على ذكر أحدهما ؛ لأنه الذى اقتضاه المقام. والله أعلم.

عطف الاسمية على الفعلية ، وبالعكس

فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : الجواز مطلقا ، وهو المفهوم من قول النحويين فى باب الاشتغال فى مثل «قام زيد وعمرا أكرمته» إن نصب عمرا أرجح ؛ لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.

والثانى : المنع مطلقا ، حكى عن ابن جنى أنه قال فى قوله :

٧٣٤ ـ عاضها الله غلاما بعد ما

شابت الأصداغ والضّرس نقد

إن الضرس فاعل بمحذوف يفسره المذكور ، وليس بمبتدأ ، ويلزمه إيجاب النصب فى مسألة الاشتغال السابقة ، إلا إن قال : أقدر الواو للاستئناف.

والثالث : لأبى على ، أنه يجوز فى الواو فقط ، نقله عنه أبو الفتح فى سر الصناعة ، وبنى عليه منع كون الفاء فى «خرجت فإذا الأسد حاضر» عاطفة.

وأضعف الثلاثة القول الثانى ، وقد لهج به الرازى فى تفسيره ، وذكر فى كتابه فى مناقب الشافعى رضى الله عنه أن مجلسا جمعه وجماعة من الحنفية ،

١٤٩

وأنهم زعموا أن قول الشافعى «يحلّ أكل متروك التسمية» مردود بقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فقال : فقلت لهم : لا دليل فيها ، بل هى حجة للشافعى ، وذلك لأن الواو ليست للعطف ؛ لتخالف الجملتين بالاسمية والفعلية ، ولا للاستئناف ؛ لأن أصل الواو أن تربط ما بعدها بما قبلها ، فبقى أن تكون للحال ؛ فتكون جملة الحال مقيدة للنهى ، والمعنى لا تأكلوا منه فى حالة كونه فسقا ، ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقا ، والفسق قد فسره الله تعالى بقوله (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) فالمعنى لا تأكلوا منه إذا سمى عليه غير الله ، ومفهومه كلوا منه إذا لم يسم عليه غير الله ، اه ملخصا موضحا. ولو أبطل العطف لتخالف الجملتين بالإنشاء والخبر لكان صوابا.

العطف على معمولى عاملين

وقولهم «على عاملين» فيه تجوز ، أجمعوا على جواز العطف على معمولى عامل واحد ، نحو «إن زيدا ذاهب وعمرا جالس» وعلى معمولات عامل نحو «أعلم زيد عمرا بكرا جالسا ، وأبو بكر خالدا سعيدا منطلقا» وعلى منع العطف على معمولى أكثر من عاملين نحو «إنّ زيدا ضارب أبوه لعمرو ، وأخاك غلامه بكر» وأما معمولا عاملين ، فإن لم يكن أحدهما جارا فقال ابن مالك : هو ممتنع إجماعا نحو «كان آكلا طعامك عمرو وتمرك بكر» وليس كذلك ، بل نقل الفارسىّ الجواز مطلقا عن جماعة ، وقيل : إن منهم الأخفش ، وإن كان أحدهما جارا فإن كان الجارّ مؤخرا نحو «زيد فى الدار والحجرة عمرو ، أو وعمرو الحجرة» فنقل المهدوىّ أنه ممتنع إجماعا ، وليس كذلك ، بل هو جائز عند من ذكرنا ، وإن كان الجار مقدما نحو «فى الدار زيد والحجرة عمرو» فالمشهور عن سيبويه المنع ، وبه قال المبرد وابن السراج وهشام ، وعن الأخفش الإجازة ، وبه قال الكسائى والفراء والزجاج ، وفصّل قوم ـ منهم الأعلم ـ فقالوا : إن ولى المخفوض العاطف كالمثال جاز ، لأنه

١٥٠

كذا سمع ، ولأن فيه تعادل المتعاطفات ، وإلا امتنع نحو «فى الدار زيد وعمرو الحجرة».

وقد جاءت مواضع يدلّ ظاهرها على خلاف قول سيبويه ، كقوله تعالى (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) آيات الأولى منصوبة إجماعا ؛ لأنها اسم إن ، والثانية والثالثة قرأهما الأخوان بالنصب ، والباقون بالرفع ، وقد استدل بالقراءتين فى (آياتٌ) الثالثة على المسألة ، أما الرفع فعلى نيابة الواو مناب الابتداء وفى ، وأما النصب فعلى نيابتها مناب إنّ وفى.

وأجيب بثلاثة أوجه :

أحدها : أن فى مقدرة ؛ فالعمل لها ، ويؤيده أن فى حرف عبد الله التصريح بقى ، وعلى هذا الواو نائبة مناب عامل واحد ، وهو الابتداء أو إنّ.

والثانى : أن انتصاب (آياتٌ) على التوكيد للأولى ، ورفعها على تقدير مبتدأ ، أى هى آيات ، وعليهما فليست فى مقدرة.

والثالث : يخصّ قراءة النصب ، وهو أنه لى إضمار إنّ وفى ، ذكره الشاطبى وغيره ، وإضمار إنّ بعيد.

ومما يشكل على مذهب سيبويه قوله :

هوّن عليك ؛ فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها

[٢٣٢]

فليس بآتيك منهيّها

ولا قاصر عنك مأمورها

لأن «قاصر» عطف على مجرور الباء ، فإن كان مأمورها عطفا على مرفوع

١٥١

ليس لزم العطف على معمولى عاملين ، وإن كان فاعلا بقاصر لزم عدم الارتباط بالمخبر عنه ؛ إذ التقدير حينئذ فليس منهيا بقاصر عنك مأمورها.

وقد أجيب عن الثانى بأنه لما كان الضمير فى مأمورها عائدا على الأمور كان كالعائد على المنهيّات ؛ لدخولها فى الأمور.

واعلم أن الزمخشرىّ ممن منع العطف المذكور ، ولهذا اتجه له أن يسأل فى قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) الآيات ، فقال : فإن قلت : نصب إذا معضل ؛ لأنك إن جعلت الواوات عاطفة وقعت فى العطف على عاملين ، يعنى أنّ إذا عطف على إذا المنصوبة بأقسم ، والمخفوضات عطف على الشمس المخفوضة بواو القسم ، قال : وإن جعلتهن للقسم وقعت فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه ، يعنى أنهما استكرها ذلك لئلا يحتاج كل قسم إلى جواب يخصه ، ثم أجاب بأن فعل القسم لما كان لا يذكر مع واو القسم بخلاف الباء صارت كأنها هى الناصبة الخافضة فكان العطف على معمولى عامل.

قال ابن الحاجب : وهذه قوة منه ، واستنباط لمعنى دقيق ، ثم اعترض عليه بقوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) فإن الجار هنا الباء ، وقد صرح معه بفعل القسم ؛ فلا تنزل الباء منزلة الناصبة الخافضة ، اه.

وبعد ، فالحق جواز العطف على معمولى عاملين فى نحو «فى الدّار زيد والحجرة عمرو» ولا إشكال حينئذ فى الآية.

وأخذ ابن الخباز جواب الزمخشرىّ فجعله قولا مستقلا فقال فى كتاب النهاية : وقيل إذا كان أحد العاملين محذوفا فهو كالمعدوم ، ولهذا جاز العطف فى نحو (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) وما أظنه وقف فى ذلك على كلام غير الزمخشرى فينبغى له أن يقيد الحذف بالوجوب.

١٥٢

المواضع التى يعود الضمير فيها على متأخر لفظا ورتبة

وهى سبعة :

أحدها : أن يكون الضمير مرفوعا بنعم أو بئس ، ولا يفسر إلا بالتمييز ، نحو «نعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» ويلتحق بهما فعل الذى يراد به المدح والذم نحو (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) و (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ) و «ظرف رجلا زيد» وعن الفراء والكسائى أن المخصوص هو الفاعل ، ولا ضمير فى الفعل ، ويرده «نعم رجلا كان زيد» ولا يدخل الناسخ على الفاعل ، وأنه قد يحذف نحو (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً).

الثانى : أن يكون مرفوعا بأول المتنازعين المعمل ثانيهما نحو قوله :

٧٣٥ ـ جفونى ولم أجف الأخلاء ؛ إنّنى

لغير جميل من خليلى مهمل

والكوفيون يمنعون من ذلك ، فقال الكسائى : يحذف الفاعل ، وقال الفراء : يضمر ويؤخر عن المفسر ، فإن استوى العاملان فى طلب الرفع وكان العطف بالواو نحو «قام وقعد أخواك» فهو عنده فاعل بهما.

الثالث : أن يكون مخبرا عنه فيفسره خبره نحو (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) قال الزمخشرى : هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلا بما يتلوه ، وأصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ، ثم وضع هى موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبيّنها ، قال : ومنه :

٧٣٦ ـ *هى النّفس تحمل ما حمّلت*

و «هى العرب تقول ما شاءت» قال ابن مالك : وهذا من جيد كلامه ، ولكن فى تمثيله بهى النفس وهى العرب ضعف ؛ لإمكان جعل النفس والعرب بدلين وتحمل وتقول خبرين ، وفى كلام ابن مالك أيضا ضعف ؛ لإمكان وجه ثالث

١٥٣

فى المثالين لم يذكره ، وهو كون هى ضمير القصة ، فإن أراد الزمخشرى أن المثالين يمكن حملهما على ذلك لا أنه متعين فيهما فالضعف فى كلام ابن مالك وحده.

الرابع : ضمير الشأن والقصة نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ونحو (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) والكوفى يسميه ضمير المجهول.

وهذا الضمير مخالف للقياس من خمسة أوجه :

أحدها : عوده على ما بعده لزوما ؛ إذ لا يجوز للجملة المفسرة له أن تتقدم هى ولا شىء منها عليه ، وقد غلط يوسف ابن السيرافى ؛ إذ قال فى قوله :

٧٣٧ ـ أسكران كان ابن المراغة إذ هجا

تميما بجوّ الشّام أم متساكر

فيمن رفع سكران وابن المراغة : إن كان شانية ، وابن المراغة سكران : مبتدأ وخبر ، والجملة خبر كان. والصواب أن كان زائدة ، والأشهر فى إنشاده نصب سكران ورفع ابن المراغة ؛ فارتفاع متساكر على أنه خبر لهو محذوفا ، ويروى بالعكس ؛ فاسم كان مستتر فيها.

والثانى : أن مفسره لا يكون إلا جملة ، ولا يشاركه فى هذا ضمير ، وأجاز الكوفيون والأخفش تفسيره بمفرد له مرفوع نحو «كان قائما زيد ، وظننته قائما عمرو» وهذا إن سمع خرج على أن المرفوع مبتدأ ، واسم كان وضمير ظننته راجعان إليه ؛ لأنه فى نية التقديم ، ويجوز كون المرفوع بعد كان اسما لها ، وأجاز الكوفيون «إنه قام» و «إنه ضرب» على حذف المرفوع والتفسير بالفعل مبنيا للفاعل أو للمفعول ، وفيه فسادان : التفسير بالمفرد ، وحذف مرفوع الفعل.

والثالث : أنه لا يتبع بتابع ؛ فلا يؤكد ، ولا يعطف عليه ، ولا يبدل منه.

والرابع : أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه.

١٥٤

والخامس : أنه ملازم للإفراد ، فلا يثنّى ولا يجمع ، وإن فسر بحديثين أو أحاديث.

وإذا تقرر هذا علم أنه لا ينبغى الحمل عليه إذا أمكن غيره ، ومن ثمّ ضعف قول الزمخشرى فى (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) إن اسم إن ضمير الشأن ، والأولى كونه ضمير الشيطان ، ويؤيده أنه قرىء (وَقَبِيلُهُ) بالنصب ، وضمير الشأن لا يعطف عليه ، وقول كثير من النحويين إن اسم أنّ المفتوحة المخففة ضمير شأن ، والأولى أن يعاد على غيره إذا أمكن ، ويؤيده قول سيبويه فى (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) إن تقديره أنك ، وفى «كتبت إليه أن لا يفعل» إنه يجزم على النهى ، وينصب على معنى لئلا ، ويرفع على أنك.

الخامس (١) : أن يجر برب مفسّرا بتمييز ، وحكمه حكم ضمير نعم وبئس فى وجوب كون مفسره تمييزا وكونه هو مفردا ، وقال :

٧٣٨ ـ ربّه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائبا فأجابوا

ولكنه يلزم أيضا التذكير ، فيقال «ربّه امرأة» لا ربّها ، ويقال «نعمت امرأة هند» وأجاز الكوفيون مطابقته للتمييز فى التأنيث والتثنية والجمع ، وليس بمسموع.

وعندى أن الزمخشرى يفسر الضمير بالتمييز فى غير بابى نعم وربّ ، وذلك أنه قال فى تفسير (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) الضمير فى (فَسَوَّاهُنَّ) ضمير مبهم ، وسبع سموات تفسيره ، كقولهم «ربه رجلا» وقيل : راجع إلى السماء ، والسماء فى معنى الجنس ، وقيل : جمع سماءة ، والوجه العربى هو الأول ، اه. وتؤول على أن مراده أن سبع سموات بدل ، وظاهر تشبيهه بربه رجلا يأباه.

السادس : أن يكون مبدلا منه الظاهر المفسر له ، كـ «ضربته زيدا» قال

__________________

(١) الخامس من المواضع التى يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

١٥٥

ابن عصفور : أجازه الأخفش ومنعه سيبويه ، وقال ابن كيسان : هو جائز بإجماع ، نقله عنه ابن مالك ، ومما خرجوا على ذلك قولهم «اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم» وقال الكسائى : هو نعت ، والجماعة يأبون نعت الضمير ، وقوله :

قد أصبحت بقرقرى كوانسا

فلا تلمه أن ينام البائسا [٦٩٥]

وقال سيبويه : هو بإضمار أذمّ ، وقولهم «قاما أخواك ، وقاموا إخوتك ، وقمن نسوتك» وقيل : على التقديم والتأخير ، وقيل : الألف والواو والنون أحرف كالتاء فى «قامت هند» وهو المختار.

والسابع : أن يكون متصلا بفاعل مقدم ، ومفسره مفعول مؤخر كـ «ضرب غلامه زيدا» أجازه الأخفش وأبو الفتح وأبو عبد الله الطّوال من الكوفيين ، ومن شواهده قول حسان :

٧٣٩ ـ ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا

من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما

وقوله :

٧٤٠ ـ كسا حلمه ذا الحلم أثواب سودد

ورقّى نداه ذا النّدى فى ذرى المجد

والجمهور يوجبون فى ذلك فى النثر تقديم المفعول ، نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) ويمتنع بالإجماع نحو «صاحبها فى الدار» لاتصال الضمير بغير الفاعل ، ونحو «ضرب غلامها عبد هند» لتفسيره بغير المفعول ، والواجب فيهما تقديم الخبر والمفعول ولا خلاف فى جواز نحو «ضرب غلامه زيد» وقال الزمخشرى فى (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) الآية فى قراءة أبى عمرو فلا يحسبنهم

١٥٦

بالغيبة وضم آخر الفعل : إن الفعل : مسند للذين يفرحون واقعا على ضميرهم محذوفا ، والأصل لا يحسبنّهم الذين يفرحون بمفازة ، أى لا يحسبنّ أنفسهم الذين يفرحون فائزين ، و (فلا يحسبنهم) توكيد ، وكذا قال فى قراءة هشام (ولا يحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا) بالغيبة : إن التقدير ولا يحسبنهم ، والذين فاعل ، ورده أبو حيان باستلزامه عود الضمير على المؤخر ، وهذا غريب جدا ؛ فإن هذا المؤخر مقدم فى الرتبة ؛ ووقع له نظير هذا فى قول القائل : مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها ، فقال : تقديم الحال هنا على عاملها وهو ذاهبة ممتنع ، لأن فيه تقديم الضمير على مفسره ، ولا شك أنه لو قدم لكان كقولك «غلامه ضرب زيد» ووقع لابن مالك سهو فى هذا المثال من وجه غير هذا ، وهو أنه منع من التقديم لكون العامل صفة ، ولا خلاف فى جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف ، ومن الغريب أن أبا حيان صاحب هذه المقالة وقع له أنه منع من التقديم لكون العامل صفة ، ولا خلاف فى جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف ، ومن الغريب أن أبا حيان صاحب هذه المقالة وقع له أنه منع عود الضمير إلى ما تقدم لفظا ، وأجاز عوده إلى ما تأخر لفظا ورتبة ، أما الأول فإنه منع فى قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) كون ما شرطية ، لأن (تَوَدُّ) حينئذ يكون دليل الجواب ، لا جوابا ، لكونه مرفوعا ، فيكون فى نية التقديم ، فيكون حينئذ الضمير فى (بَيِّنَةٍ) عائدا على ما تأخر لفظا ورتبة ، وهذا عجيب ، لأن الضمير الآن عائد على متقدم لفظا ، ولو قدم (تَوَدُّ) لغير التركيب ، ويلزمه أن يمنع «ضرب زيدا غلامه» لأن زيدا فى نية التأخير ، وقد استشعر ورود ذلك ، وفرق بينهما بما لا معوّل عليه ، وأما الثانى فإنه قال فى قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) إن فاعل بدا عائد على السّجن المفهوم من ليسجننه

شرح حال الضمير المسمى فصلا وعمادا

والكلام فيه فى أربع مسائل :

الأولى : فى شروطه ، وهى ستة ، وذلك أنه يشترط فيما قبله أمران :

١٥٧

أحدهما : كونه مبتدأ فى الحال أو فى الأصل ، نحو (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) الآية (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) وأجاز الأخفش وقوعه بين الحال وصاحبها كجاء زيد هو ضاحكا ، وجعل منه (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فيمن نصب (أَطْهَرُ) ، ولحن أبو عمرو من قرأ بذلك ، وقد خرّجت على أن (هؤُلاءِ بَناتِي) جملة ، و (هُنَّ) إما توكيد لضمير مستتر فى الخبر ، أو مبتدأ ولكم الخبر ؛ وعليهما فأطهر حال ، وفيهما نظر ، أما الأول فلأن بناتى جامد غير مؤول بالمشتق ، فلا يتحمل ضميرا عند البصريين ، وأما الثانى فلأن الحال لا يتقدم على عاملها الظرفى عند أكثرهم.

والثانى : كونه معرفة كما مثلنا ، وأجاز الفراء وهشام ومن تابعهما من الكوفيين كونه نكرة نحو «ما ظننت أحدا هو القائم» و «كان رجل هو القائم» وحملوا عليه (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) فقدروا (أَرْبى) منصوبا.

ويشترط فيما بعده أمران : كونه خبرا لمبتدأ فى الحال أو فى الأصل ، وكونه معرفة أو كالمعرفة فى أنه لا يقبل أل كما تقدم فى خيرا وأقل ، وشرط الذى كالمعرفة : أن يكون اسما كما مثلنا ، وخالف فى ذلك الجرجانى فألحق المضارع بالاسم لتشابههما وجعل منه (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) وهو عند غيره توكيد ، أو مبتدأ ، وتبع الجرجانىّ أبو البقاء ، فأجاز الفصل فى (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) وابن الخباز فقال فى شرح الإيضاح : لا فرق بين كون امتناع أل لعارض كأفعل من والمضاف كمثلك وغلام زيد ، أو لذاته كالفعل المضارع ، اه ، وهو قول السهيلى ، قال فى قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى ، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا ، وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) : وإنما أتى بضمير الفصل فى الأولين دون الثالث ، لأن بعض

١٥٨

الجهال قد يثبت هذه الأفعال لغير الله كقول نمرود : أنا أحيى وأميت ، وأما الثالث فلم يدّعه أحد من الناس ، اه.

وقد يستدل لقوله الجرجانى بقوله تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي) فعطف (يَهْدِي) على (الْحَقَّ) الواقع خبرا بعد الفصل ، اه.

ويشترط له فى نفسه أمران :

أحدهما : أن يكون بصيغة المرفوع ، فيمتنع «زيد إيّاه الفاضل ، وأنت إياك العالم» وأما «إنك إياك الفاضل» فجائز على البدل عند البصريين ، وعلى التوكيد عند الكوفيين.

والثانى : أن يطابق ما قبله ، فلا يجوز «كنت هو الفاضل» فأما قول جرير بن الخطفى.

٧٤١ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يرانى لو أصبت هو المصابا

وكان قياسه «يرانى أنا» مثل (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ) فقيل : ليس هو فصلا وإنما هو توكيد للفاعل ، وقيل : بل هو فصل ، فقيل : لما كان صديقه بمنزلة نفسه حتى كان إذا أصيب كأن صديقه هو قد أصيب فجعل ضمير الصديق بمنزلة ضميره ، لأنه نفسه فى المعنى ، وقيل : هو على تقدير مضاف إلى الياء ، أى يرى مصابى ، والمصاب حينئذ مصدر كقولهم «جبر الله مصابك» أى مصيبتك ، أى يرى مصابى هو المصاب العظيم ، ومثله فى حذف الصفة (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) أى الواضح ، وإلا لكفروا بمفهوم الظرف (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أى نافعا ، لأن أعمالهم توزن ، بدليل (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) الآية ، وأجازوا «سير بزيد سير»

١٥٩

بتقدير الصفة ، أى واحد ، وإلا لم يفد ، وزعم ابن الحاجب أن الإنشاد «لو أصيب» بإسناد الفعل إلى ضمير الصديق ، وإنّ «هو» توكيد له ، أو لضمير يرى ، قال : إذ لا يقول عاقل يرانى مصلتا إذا أصابتنى مصيبة ، اه. وعلى ما قدمناه من تقدير الصفة لا يتجه الاعتراض ، ويروى «يراه» أى يرى نفسه ، و «تراه» بالخطاب ، ولا إشكال حينئذ ولا تقدير ، والمصاب حينئذ مفعول لا مصدر ، ولم يطلع على هاتين الروايتين بعضهم فقال : ولو أنه قال يراه لكان حسنا ، أى يرى الصديق نفسه مصابا إذا أصبت.

المسألة الثانية : فى فائدته ، وهى ثلاثة أمور :

أحدها لفظى ، وهو الإعلام من أول الأمر بأن ما بعده خبر لا تابع ، ولهذا سمى فصلا ، لأنه فصل بين الخبر والتابع ، وعمادا ، لأنه يعتمد عليه معنى الكلام ، وأكثر النحويين يقتصر على ذكر هذه الفائدة ، وذكر التابع أولى من ذكر أكثرهم الصفة ، لوقوع الفصل فى نحو (كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) والضمائر لا توصف.

والثانى معنوى ، وهو التوكيد ، ذكره جماعة ، وبنوا عليه أنه لا يجامع التوكيد فلا يقال «زيد نفسه هو الفاضل» وعلى ذلك سماه بعض الكوفيين دعامة ، لأنه يدعم به الكلام ، أى يقوى ويؤكد.

والثالث معنوى أيضا ، وهو الاختصاص ، وكثير من البيانيين يقتصر عليه ، وذكر الزمخشرى الثلاثة فى تفسير (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فقال : فائدته الدلالة على أن الوارد بعده خبر لا صفة ، والتوكيد ، وإيجاب أن فائدة المسند ثابتة للمسند إليه دون غيره.

المسألة الثالثة : فى محله.

زعم البصريون أنه لا محل له ، ثم قال أكثرهم : إنه حرف ، فلا إشكال ،

١٦٠