مغنى اللبيب

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري

مغنى اللبيب

المؤلف:

أبي محمّد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري


المحقق: محمّد محيى الدين عبد الحميد
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مكتبة الصادق للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

هل يتعلقان بالفعل الجامد؟

زعم الفارسى فى قوله :

ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه

ونعم من هو فى سرّ وإعلان [٥٣٥]

أن من نكرة تامة تمييز لفاعل نعم مستترا ، كما قال هو وطائفة فى «ما» من نحو (فَنِعِمَّا هِيَ) إن الظرف متعلق بنعم ، وزعم ابن مالك أنها موصولة فاعل ، وأن هو مبتدأ خبره هو أخرى مقدرة على حد *شعرى شعرى* [٥٣٦] وإن الظرف متعلق بهو المحذوفة لتضمنها معنى الفعل ، أى ونعم الذى هو باق على وده فى سره وإعلانه ، وإن المخصوص محذوف ، أى بشر بن مروان ، وعندى أن يقدر المخصوص هو ؛ لتقدم ذكر بشر فى البيت قبله ، وهو :

٦٨٢ ـ وكيف أرهب أمرا أو أراع به

وقد زكأت إلى بشر بن مروان؟

فيبقى التقدير حينئذ هو هو هو.

هل يتعلقان بأحرف المعانى؟

المشهور منع ذلك مطلقا ، وقيل بجوازه مطلقا ، وفصّل بعضهم فقال : إن كان نائبا عن فعل حذف جاز ذلك على طريق (١) النّيابة لا الأصالة ، وإلا فلا ، وهو قول أبى على وأبى الفتح ، زعما فى نحو «يا لزيد» أن اللام متعلقة بيا ، بل قالا فى «يا عبد الله» إن النصب ييا ، وهو نظير قولهما فى قوله :

*أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر* [٤٤]

إن «ما» الزائدة هى الرافعة الناصبة ، لا كان المحذوفة.

__________________

(١) فى نسخة «على» سبيل النيابة.

١٠١

وأما الذين قالوا بالجواز مطلقا فقال بعضهم فى قول كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه :

٦٨٣ ـ وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلّا أغنّ غضيض الطّرف مكحول

غداة البين : ظرف للنفى ، أى انتفى كونها فى هذا الوقت إلا كأغنّ.

وقال ابن الحاجب فى (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) إذ بدل من اليوم ، واليوم إما ظرف للنفع المنفى ، وإما لما فى لن من معنى النفى ، أى انتفى فى هذا اليوم النفع ، فالمنفى نفع مطلق ، وعلى الأول نفع مقيد باليوم. وقال أيضا : إذا قلت «ما ضربته للتأديب» فإن قصدت نفى ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل ، والمنفى ضرب مخصوص ، وللتأديب : تعليل للضرب المنفى ، وإن قصدت نفى الضرب كل حال فاللام متعلقة بالنفى والتعليل له ، أى أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب ؛ لأنه قد يؤدّب بعض الناس بترك الضرب ، ومثله فى التعلق بحرف النفى «ما أكرمت المسىء لتأديبه ، وما أهنت المحسن لمكافأته» ، إذ لو علق هذا بالفعل فسد المعنى المراد ، ومن ذلك قوله تعالى (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) الباء متعلقة بالنفى ، إذ لو علقت بمجنون لأفاد نفى جنون خاص ، وهو الجنون الذى يكون من نعمة الله تعالى ، وليس فى الوجود جنون هو نعمة ، ولا المراد نفى جنون خاص ، اه ملخصا.

وهو كلام بديع ، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف ، فينبغى على قولهم أن يقدر أن التعلق بفعل دل عليه النافى ، أى انتفى ذلك بنعمة ربك.

وقد ذكرت فى شرحى لقصيدة كعب رضى الله تعالى عنه أن المختار تعلق الظرف بمعنى التشبيه الذى تضمنه البيت ، وذلك على أن الأصل : وما كسعاد إلا ظبى أغنّ ، على التشبيه المعكوس للمبالغة ، لئلا يكون الظرف متقدما فى التقدير على اللفظ الحامل لمعنى التشبيه ، وهذا الوجه هو اختيار ابن عمرون ، وإذا جاز لحرف التشبيه أن يعمل فى الحال فى نحو قوله :

١٠٢

كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا

لدى وكرها العنّاب والحشف البالى [٣٦٥]

مع أن الحال شبيهة بالمفعول به ، فعمله فى الظرف أجدر.

فإن قلت : لا يلزم من صحة إعمال المذكور [صحة] إعمال المقدر ، لأنه أضعف.

قلت : قد قالوا «زيد زهير شعرا وخاتم جودا» وقيل فى المنصوب فيهما : إنه حال أو تمييز ، وهو الظاهر ، وأيا كان فالحجة قائمة [به] ، وقد جاء أبلغ من ذلك ، وهو إعماله فى الحالين ، وذلك فى قوله :

٦٨٤ ـ تعيّرنا أنّنا عالة

ونحن صعاليك أنتم ملوكا

إذ المعنى تعيرنا أننا فقراء ، ونحن فى حال صعلكتنا مثلكم فى حال ملككم.

فإن قلت : قد أوجبت فى بيت كعب بن زهير رضى الله عنه أن يكون من عكس التشبيه لئلا يتقدم الحال على عاملها المعنوى ، فما الذى سوّغ تقدم صعاليك هنا عليه؟

قلت : سوّغه الذى سوغ تقدم بسرا فى «هذا بسرا أطيب منه رطبا» وإن كان معمول اسم التفضيل لا يتقدم عليه فى نحو «لهوأ كفؤهم ناصرا» وهو خشية اختلاط المعنى ، إلا أن هذا مطّرد ثمّ لقوة التفضيل. ونادر هنا لضعف حرف التشبيه.

وهذا الذى ذكرته فى البيت أجود ما قيل فيه ، وفيه قولان آخران ، أحدهما : ذكره السخاوى فى كتابه سفر السعادة ، وهو أن عالة من «عالنى الشىء» إذا أثقلنى ، و «ملوكا» مفعول : أى أننا نثقل الملوك بطرح كلّنا عليهم ، ونحن أنتم أى مثلكم فى هذا الأمر ، فالإخبار هنا مثله فى (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) والثانى قاله الحريرى وقد سئل عن البيت ، وهو أن التقدير : إناعالة صعاليك نحن وأنتم ، وقد خطىء فى ذلك ، وقيل : إنه كلام لا معنى له ، وليس كذلك ، بل هو متجه على

١٠٣

بعد فيه ، وهو أن يكون صعاليك مفعول عالة ؛ أى إنا نعول صعاليك ، ويكون نحن توكيدا لضمير عالة ، وأنتم توكيد لضمير مستتر فى صعاليك ، وحصل فى البيت تقديم وتأخير للضرورة ، ولم يتعرض لقوله «ملوكا» وكأنه عنده حال من ضمير عالة ، والأولى على قوله أن يكون صعاليك حالا من محذوف ، أى نعولكم صعاليك ويكون الحالان بمنزلتهما فى «لقيته مصعدا منحدرا» فإنهم نصوا على أنه يكون الأول للثانى والثانى للأول ؛ لأن فصلا أسهل من فصلين ، ويكون أنتم توكيدا للمحذوف ؛ لا لضمير صعاليك لأنه ضمير غيبة ، وإنما جوزناه أولا لأن الصعاليك هم المخاطبون ، فيحتمل كونه راعى المعنى.

ذكر ما لا يتعلق من حروف الجر

يستثنى من قولنا «لا بد لحرف الجر من متعلق» ستة أمور :

أحدها : الحرف الزائد كالباء ومن فى (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) وذلك لأن معنى التعلق الارتباط المعنوى ، والأصل أن أفعالا قصرت عن الوصول إلى الأسماء فأعينت على ذلك بحروف الجر ، والزائد إنما دخل فى الكلام تقوية له وتوكيدا ، ولم يدخل للربط.

وقول الحوفى إن الباء فى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) متعلقة وهم ، نعم يصح فى اللام المقوية أن يقال إنها متعلقة بالعامل المقوّى نحو (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) و (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) و (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) لأن التحقيق أنها ليست زائدة محضة ، بل لما تخيل فى العامل من الضعف الذى نزله منزلة القاصر ، ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها ؛ فلها منزلة بين المنزلتين.

الثانى : لعلّ فى لغة عقيل ؛ لأنها بمنزلة الحرف الزائد ، ألا ترى أن مجرورها فى موضع رفع على الابتداء ، بدليل ارتفاع ما بعده على الخيرية ، قال :

١٠٤

*لعلّ أبى المغوار منك قريب* [٤٧٠]

ولأنها لم تدخل لتوصيل عامل ، بل لإفادة معنى التوقّع ، كما دخلت «ليت» لإفادة معنى التمنى ، ثم إنهم جروا بها منبهة على أن الأصل فى الحروف المختصة بالاسم أن تعمل الإعراب المختص به كحروف الجر.

الثالث : لو لا فيمن قال «لولاى ، ولولاك ، ولولاه» على قول سيبويه : إن لو لا جارة للضمير ؛ فإنها أيضا بمنزلة لعل فى أن ما بعدها مرفوع المحلّ بالابتداء ؛ فإن لو لا الامتناعية تستدعى جملتين كسائر أدوات التعليق. وزعم أبو الحسن أن لو لا غير جارة ، وأن الضمير بعدها مرفوع ، ولكنهم استعاروا ضمير الجر مكان ضمير الرفع ، كما عكسوا فى قولهم «ما أنا كأنت» وهذا كقوله فى «عساى» ويردّهما أن نيابة ضمير عن ضمير يخالفه فى الإعراب إنما تثبت [فى الكلام] فى المنفصل ، وإنما جاءت النيابة فى المتصل بثلاثة شروط : كون المنوب عنه منفصلا ، وتوافقهما فى الإعراب ، وكون ذلك فى الضرورة ، كقوله :

٦٨٥ ـ [وما نبالى إذا ما كنت جارتنا]

أن لا يجاورنا إلّاك ديّار

وعليه خرّج أبو الفتح قوله :

٦٨٦ ـ نحن بفرس الودىّ أعلمنا

منّا بركض الجياد فى السّدف

فادعى أن «نا» مرفوع مؤكّد للضمير فى أعلم ، وهو نائب عن نحن ؛ ليتخلّص بذلك من الجمع بين إضافة أفعل وكونه بمن ، وهذا البيت أشكل على أبى على حتى جعله من تخليط الأعراب.

والرابع : ربّ فى نحو «ربّ رجل صالح لقيته ، أو لقيت» ؛ لأن مجرورها

١٠٥

مفعول فى الثانى ، ومبتدأ فى الأول ، أو مفعول على حد «زيدا ضربته» ويقدر الناصب بعد المجرور لا قبل الجار ؛ لأن ربّ لها الصّدر من بين حروف الجر ، وإنما دخلت فى المثالين لإفادة التكثير أو التقليل ، لا لتعدية عامل. هذا قول الرمانى وابن طاهر. وقال الجمهور : هى فيهما حرف جر معد ، فإن قالوا إنها عدّت العامل المذكور فخطأ ؛ لأنه يتعدى بنفسه ، ولاستيفائه معموله فى المثال الأول ، وإن قالوا عدّت محذوفا تقديره حصل أو نحوه كما صرح به جماعة ففيه تقدير لما معنى الكلام مستغن عنه ولم يلفظ به فى وقت.

الخامس : كاف التشبيه ، قاله الأخفش وابن عصفور ، مستدلين بأنه إذا قيل «زيد كعمرو» فإن كان المتعلق استقر فالكاف لا تدل عليه ، بخلاف نحو فى من «زيد فى الدار» وإن كان فعلا مناسبا للكاف ـ وهو أشبه ـ فهو متعد بنفسه لا بالحرف.

والحق أن جميع الحروف الجارة الواقعة فى موضع الخبر ونحوه تدل على الاستقرار.

السادس : حرف الاستثناء ، وهو خلا وعدا وحاشا ، إذا خفضن ؛ فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه ، كما أن إلّا كذلك ، وذلك عكس معنى التعدية الذى هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم ، ولو صح أن يقال إنها متعلقة لصح ذلك فى إلا ، وإنما خفض بهن المستثنى ولم ينصب كالمستثنى بإلا لئلا يزول الفرق بينهن أفعالا وأحرفا.

حكمهما بعد المعارف والنكرات

حكمهما بعدهما حكم الجمل ؛ فهما صفتان فى نحو «رأيت طائرا فوق غصن ،

١٠٦

أو على غصن» ؛ لأنهما بعد نكرة محضة ، وحالان فى نحو «رأيت الهلال بين السّحاب ، أو فى الأفق» لأنهما بعد معرفة محضة ، ومحتملان لهما فى نحو «يعجبنى الزّهر فى أكمامه ، والثمر على أغصانه» ؛ لأن المعرّف الجنسىّ كالنكرة ، وفى نحو «هذا ثمر يانع على أغصانه» لأن النكرة الموصوفة كالمعرفة.

حكم المرفوع بعدهما

إذا وقع بعدهما مرفوع ؛ فإن تقدّمهما نفى أو استفهام أو موصوف أو موصول أو صاحب خبر أو حال نحو «ما فى الدار أحد» و «أفى الدار زيد» و «مررت برجل معه صقر» و «جاء الذى فى الدار أبوه» و «زيد عندك أخوه» و «مررت بزيد عليه جبة» ففى المرفوع ثلاثة مذاهب :

أحدها : أن الأرجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلا.

والثانى : أنّ الأرجح كونه فاعلا ، واختاره ابن مالك ، وتوجيهه أن الأصل عدم التقديم والتأخير.

والثالث : أنه يجب كونه فاعلا ، نقله ابن هشام عن الأكثرين.

وحيث أعرب فاعلا فهل عامله الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن استقر وقربهما من الفعل لاعتمادها! فيه خلاف ، والمذهب المختار الثانى ، لدليلين : أحدهما امتناع تقديم الحال فى نحو «زيد فى الدار جالسا» ولو كان العامل الفعل لم يمتنع ، ولقوله :

٦٨٧ ـ [فإن يك جثمانى بأرض سواكم]

فإنّ فؤادى عندك الدّهر أجمع

فأكّد الضمير المستتر فى الظرف ، والضمير لا يستتر إلا فى عامله ، ولا يصح أن

١٠٧

يكون توكيدا لضمير محذوف مع الاستقرار ، لأن التوكيد والحذف متنافيان ، ولا لاسم إنّ على محله من الرفع بالابتداء ؛ لأن الطالب للمحل قد زال.

واختار ابن مالك المذهب الأول ، مع اعترافه بأن الضمير مستتر فى الظرف وهذا تناقض ، فإن الضمير لا يستكنّ إلا فى عامله.

وإن لم يعتمد الظرف أو المجرور نحو «فى الدار ـ أو عندك ـ زيد» فالجمهور يوجبون الابتداء ، والأخفش والكوفيون يجيزون الوجهين ، لأن الاعتماد عندهم ليس بشرط ، ولذا يجيزون فى نحو «قائم زيد» أن يكون قائم مبتدأ وزيد فاعلا وغيرهم يوجب كونهما على التقديم والتأخير.

تنبيهات ـ الأول : يحتمل قول المتنبى يذكر دار المحبوب :

٦٨٨ ـ ظلت بها تنطوى على كبد

نضيجة فوق خلبها يدها

أن تكون اليد فيه فاعلة بنضيجة ، أو بالظرف ، أو بالابتداء ، والأول أبلغ ، لأنه أشد للحرارة ، والخلب : زيادة الكبد ، أو حجاب القلب ، أو ما بين الكبد والقلب ، وأضاف اليد إلى الكبد للملابسة بينهما ؛ فإنهما فى الشخص.

ولا خلاف فى تعين الابتداء فى نحو «فى داره زيد» لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

فإن قلت «فى داره قيام زيد» لم يجزها الكوفيون ألبتة ، أما على الفاعلية فلما قدمنا ، وأما على الابتدائية فلأن الضمير لم يعد على المبتدأ ، بل على ما ضيف إليه المبتدأ ، والمستحق للتقديم إنما هو المبتدأ ، وأجازه البصريون على أن يكون المرفوع مبتدأ لا فاعلا ، كقولهم «فى أكفانه درج الميت» وقوله :

١٠٨

٦٨٩ ـ *بمسعاته هلك الفتى أو نجاته*

وإذا كان الاسم فى نية التقديم كان ما هو من تمامه كذلك.

والأرجح تعين الابتدائية فى نحو «هل أفضل منك زيد» لأن اسم التفضيل لا يرفع الفاعل الظاهر عند الأكثر على هذا الحد ، وتجوز الفاعلية فى لغة قليلة.

ومن المشكل قوله :

فخير نحن عند النّاس منكم

[إذا المثوّب قال يالا] [٣٦٦]

لأن قوله «نحن» إن قدر فاعلا لزم إعمال الوصف غير معتمد ، ولم يثبت ، وعمل أفعل فى الظاهر فى غير مسألة الكحل وهو ضعيف ، وإن قدر مبتدأ لزم الفصل به وهو أجنبى بين أفعل ومن ، وخرّجه أبو على ـ وتبعه ابن خروف ـ على أن الوصف خبر لنحن محذوفة ، وقدر نحن المذكورة توكيدا للضمير فى أفعل.

ما يجب فيه تعلقهما بمحذوف

وهو ثمانية :

أحدها : أن يقعا صفة نحو (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ).

الثانى : أن يقعا حالا نحو (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) وأما قوله سبحانه وتعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) فزعم ابن عطية أن (مُسْتَقِرًّا) هو المتعلّق الذى يقدر فى أمثاله قد ظهر ، والصواب ما قاله أبو البقاء وغيره من أن هذا الاستقرار معناه عدم التحرك ، لا مطلق الوجود والحصول ، فهو كون خاص.

الثالث : أن يقعا صلة نحو (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ).

الرابع : أن يقعا خبرا ، نحو «زيد عندك ، أو فى الدار» وربما ظهر فى الضرورة كقوله :

١٠٩

٦٩٠ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن

فأنت لدى بحبوبة الهون كان

وفى شرح ابن يعيش : متعلق الظرف الواقع خبرا ، صرح ابن جنى بجواز إظهاره ، وعندى أنه إذا حذف ونقل ضميره إلى الظرف لم يجز إظهاره ؛ لأنه قد صار أصلا مرفوضا ، فأما إن ذكرته أولا فقلت «زيد استقر عندك» فلا يمنع مانع منه ، اه. وهو غريب.

الخامس : أن يرفعا الاسم الظاهر نحو (أَفِي اللهِ شَكٌّ) ونحو (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ) ونحو «أعندك زيد».

والسادس : أن يستعمل المتعلق محذوفا فى مثل أو شبهه ، كقولهم لمن ذكر أمرا قد تقادم عهده «حينئذ الآن» أصله : كان ذلك حينئذ واسمع الآن ، وقولهم للمعرس «بالرّفاء والبنين» بإضمار أعرست.

والسابع : أن يكون المتعلق محذوفا على شريطة التفسير نحو «أيوم الجمعة صمت فيه» ونحو «بزيد مررت به» عند من أجازه مستدلا بقراءة بعضهم (وللظالمين أعد لهم) والأكثرون يوجبون فى [مثل] ذلك إسقاط الجار ، وأن يرفع الاسم بالابتداء أو ينصب بإضمار جاوزت أو نحوه ، وبالوجهين قرىء فى الآية ، والنصب قراءة الجماعة ، ويرجحها العطف على الجملة الفعلية ، وهل الأولى أن يقدر المحذوف مضارعا ، أى ويعذب ، لمناسبة يدخل ، أو ماضيا ، أى وعذب ، لمناسبة المفسر؟ فيه نظر. والرفع بالابتداء ، وأما القراءة بالجر فمن توكيد الحرف بإعادته داخلا على ضمير ما دخل عليه المؤكّد ، مثل «إنّ زيدا إنّه فاضل» ولا يكون الجار والمجرور توكيدا للجار والمجرور ؛ لأن الضمير لا يؤكد الظاهر ؛ لأن الظاهر أقوى ، ولا يكون المجرور بدلا من المجرور بإعادة الجار ؛ لأن العرب لم تبدل مضمرا من مظهر ، لا يقولون «قام زيد هو» وإنما جور ذلك بعض النحويين بالقياس.

١١٠

والثامن : القسم بغير الباء نحو (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وقولهم «لله لا يؤخر الأجل» ولو صرح بالفعل فى نحو ذلك لوجبت الباء.

هل المتعلق الواجب الحذف فعل أو وصف؟

لا خلاف فى تعيين الفعل فى باب (١) القسم والصّلة ؛ لأن القسم والصلة لا يكونان إلا جملتين.

قال ابن يعيش : وإنما لم يجز فى الصلة أن يقال إن نحو «جاء الذى فى الدار» بتقدير مستقر على أنه خبر لمحذوف على حد قراءة بعضهم (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) بالرفع ؛ لقلة ذاك واطراد هذا ، اه.

وكذلك يجب فى الصفة فى نحو «رجل فى الدار فله درهم» لأن الفاء تجوز فى نحو «رجل يأتينى فله درهم» وتمتنع فى نحو «رجل صالح فله درهم» فأما قوله :

٦٩١ ـ كلّ أمر مباعد أو مدان

فمنوط بحكمة التعالى

فنادر.

واختلف فى الخبر والصفة والحال ؛ فمن قدّر الفعل ـ وهم الأكثرون ـ فلأنه الأصل فى العمل ، ومن قدّر الوصف فلأن الأصل فى الخبر والحال والنعت الإفراد ، ولأن الفعل فى ذلك لا بد من تقديره بالوصف ، قالوا : ولأن تقليل المقدر أولى ، وليس بشىء ؛ لأن الحق أنا لم نحذف الضمير ، بل نقلناه إلى الظرف ؛ فالمحذوف فعل أو وصف ، وكلاهما مفرد.

وأما فى الاشتغال فيقدر بحسب المفسر ؛ فيقدر الفعل فى نحو «أيوم الجمعة تعتكف فيه» والوصف فى نحو «أيوم الجمعة أنت معتكف فيه».

والحق عندى أنه لا يترجح تقديره اسما ولا فعلا ، بل بحسب المعنى كما سأبينه.

__________________

(١) فى نسخة «فى بابى ـ إلخ»

١١١

كيفية تقديره باعتبار المعنى

أما فى القسم فتقديره أقسم ، وأما فى الاشتغال فتقديره كالمنطوق به نحو «يوم الجمعة صمت فيه».

وأعلم أنهم ذكروا فى باب الاشتغال أنه يجب أن لا يقدر مثل المذكور إذا حصل مانع صناعى كما فى «زيدا مررت به» أو معنوى كما فى «زيدا ضربت أخاه» إذ تقدير المذكور يقتضى فى الأول تعدى القاصر بنفسه ، وفى الثانى خلاف الواقع ؛ إذ الضرب لم يقع بزيد ؛ فوجب أن يقدر جاوزت فى الأول ، وأهنت فى الثانى ، وليس المانعان مع كل متعد بالحرف ، ولا مع كل سببى ، ألا ترى أنه لا مانع فى نحو «زيدا شكرت له» لأن شكر يتعدى بالجار وبنفسه ، وكذلك الظرف نحو «يوم الجمعة صمت فيه» لأن العامل لا يتعدّى إلى ضمير الظرف بنفسه ، مع أنه يتعدى إلى ظاهره بنفسه ، وكذلك لا مانع فى نحو «زيدا أهنت أخاه» لأن إهانة أخيه إهانة له ، بخلاف الضرب.

وأما فى المثل فيقدّر بحسب (١) المعنى ، وأما فى البواقى نحو «زيد فى الدّار» فيقدر كونا مطلقا وهو كائن أو مستقر أو مضارعهما إن أريد الحال أو الاستقبال نحو «الصوم اليوم» أو «فى اليوم» و «الجزاء غدا» أو «فى الغد» ويقدر كان أو استقر أو وصفهما إن أريد المضى ، هذا هو الصواب ، وقد أغفلوه مع قولهم فى نحو «ضربى زيدا قائما» : إن التقدير إذ كان إن أريد المضى أو إذا كان إن أريد المستقبل ، ولا فرق ، وإذا جهلت المعنى فقدر الوصف فإنه صالح فى الأزمنة كلها ، وإن كانت حقيقته الحال ، وقال الزمخشرى فى قوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) إنهم جعلوا فى النار الآن لتحقق الموعود به ، ولا يلزم ما ذكره ؛ لأنه لا يمتنع تقدير المستقبل ، ولكن ما ذكره أبلغ وأحسن.

ولا يجوز تقدير الكون الخاص كقائم وجالس إلا لدليل ، ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا ، ولا ينتقل ضمير من المحذوف إلى الظرف والمجرور ، وتوهم

__________________

(١) انظر الأمر السادس فى ص ٤٤٦ فقد ذكر المثل وشبهه ومثالا لكل منهما

١١٢

جماعة امتناع حذف الكون الخاص ، يبطله أنا متفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل ، وعدم وجود معمول ، فكيف يكون وجود المعمول مانعا من الحذف مع أنه إما أن يكون هو الدليل أو مقويا للدليل؟ واشتراط النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف ، لا لجواره.

ومما يتخرج على ذلك قولهم «من لى بكذا» أى من يتكفّل لى به؟ وقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أى مستقبلات لعدتهن ، كذا فسره جماعة من السلف ، وعليه عوّل الزمخشرى ، وردّه أبو حيان توهما منه أن الخاص لا يحذف ، وقال : الصواب أن اللام للتوقيت ، وأن الأصل لاستقبال عدتهن ، فحذف المضاف ، اه. وقد بينا فساد تلك الشبهة ، ومما يتخرّج على التعلق بالكون الخاص قوله تعالى : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) التقدير مقتول أو يقتل ، لا كائن ، اللهم إلا أن تقدر مع ذلك مضافين ؛ أى قتل الحر كائن بقتل الحر ، وفيه تكلف تقدير ثلاثة الكون والمضافان ، بل تقدير خمسة ؛ لأن كلا من المصدرين لا بد له من فاعل ، ومما يبعد ذلك أيضا أنك لا تعلم معنى المضاف الذى تقدره مع المبتدأ إلا بعد تمام الكلام ، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية ، أى أن النفس مقتولة بالنفس ، والعين مفقوءة بالعين ، والأنف مجدوع بالأنف ، والأذن مصلومة بالاذن ، والسن مقلوعة بالسن ، هذا هو الأحسن ، وكذلك الأرجح فى قوله تعالى (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أن يقدر يجريان ، فإن قدرت الكون قدرت مضافا ، أى جريان الشمس والقمر كائن بحسبان ، وقال ابن مالك فى قوله تعالى (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) : إن الظرف ليس متعلقا بالاستقرار ؛ لاستلزامه إما الجمع بين الحقيقة والمجاز ؛ فإن الظرفية المستفادة من (فِي) حقيقة بالنسبة

١١٣

إلى غير الله سبحانه وتعالى ومجاز بالنسبة إليه تعالى ، وإما حمل قراءة السبعة على لغة مرجوحة ، وهى إبدال المستثنى المنقطع كما زعم الزمخشرى ؛ فإنه زعم أن الاستثناء منقطع ، والمخلّص من هذين المحذورين أن يقدر : قل لا يعلم من يذكر فى السموات والأرض ، ومن جوز اجتماع الحقيقة والمجاز فى كلمة واحدة واحتج بقولهم «القلم أحد اللّسانين» ونحوه لم يحتج إلى ذلك ، وفى الآية وجه آخر ، وهو أن يقدر من مفعولا به ، والغيب بدل اشتمال ، والله فاعل ، والاستثناء مفرغ.

تعيين موضع التقدير

الأصل أن يقدر مقدّما عليهما كسائر العوامل مع معمولاتها ، وقد يعرض ما يقتضى ترجيح تقديره مؤخرا ، وما يقتضى إيجابه.

فالأول ، نحو «فى النار زيد» لأن المحذوف هو الخبر ، وأصله أن يتأخر عن المبتدأ.

والثانى نحو «إنّ فى الدار زيدا» لأنّ إنّ لا يليها مرفوعها.

ويلزم من قدّر المتعلق فعلا أن يقدره متأخرا (١) فى جميع المسائل ؛ لأن الخبر إذا كان فعلا لا يتقدم على المبتدأ.

تنبيه ـ ردّ جماعة منهم ابن مالك على من قدّر الفعل بنحو قوله تعالى : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) وقولك «أمّا فى الدّار فزيد» لأن «إذا» الفجائية لا يليها الفعل ، و «أمّا» لا يقع بعدها فعل إلا مقرونا بحرف الشرط نحو (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ، وهذا على ما بيناه غير وارد ؛ لأن الفعل يقدر مؤخرا.

__________________

(١) فى نسخة أن يقدره مؤخرا».

١١٤

الباب الرابع من الكتاب

فى ذكر أحكام يكثر دورها ، ويقبح بالمعرب جهلها ، وعدم معرفتها على وجهها.

فمن ذلك ما يعرف به المبتدأ من الخبر.

يجب الحكم بابتدائية المقدّم من الاسمين فى ثلاث مسائل :

إحداها : أن يكونا معرفتين ، تساوت رتبتهما نحو «الله ربنا» أو اختلفت نحو «زيد الفاضل ، والفاضل زيد» هذا هو المشهور ، وقيل : يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبرا مطلقا ، وقيل : المشتق خبر وإن تقدم نحو «القائم زيد».

والتحقيق أن المبتدأ ما كان أعرف كزيد فى المثال ، أو كان هو المعلوم عند المخاطب كأن يقول : من القائم؟ فتقول «زيد القائم» فإن علمهما وجهل النسبة فالمقدّم المبتدأ.

الثانية : أن يكونا نكرتين صالحتين للابتداء بهما نحو «أفضل منك أفضل منى».

الثالثة : أن يكونا مختلفين تعريفا وتنكيرا ولأول هو المعرفة «كزيد قائم» وأما إن كان هو النكرة فإن لم يكن له ما يسوّغ الابتداء به فهو خبر اتفاقا نحو «خزّ ثوبك» و «ذهب خاتمك» وإن كان له مسوغ فكذلك عند الجمهور ، وأما سيبويه فيجعله المبتدأ نحو «كم مالك» و «خير منك زيد» و «حسبنا الله» ووجهه أن الأصل عدم التقديم والتأخير ، وأنهما شبيهان بمعرفتين تأخّر الأخصّ منهما نحو «الفاضل أنت» ويتّجه عندى جواز الوجهين إعمالا للدليلين ، ويشهد لابتدائية النكرة قوله تعالى (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ) (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) وقولهم «إنّ قريبا منك زيد»

١١٥

وقولهم «بحسبك زيد» والباء لا تدخل فى الخبر فى الإيجاب ، ولخبريتها قولهم «ما جاءت حاجتك» بالرفع ، والأصل ما حاجتك ، فدخل الناسخ بعد تقدير لمعرفة مبتدأ ، ولو لا هذا التقدير لم يدخل ؛ إذ لا يعمل فى الاستفهام ما قبله ، وأما من نصب فالأصل ما هى حاجتك ، بمعنى أىّ حاجة هى حاجتك ، ثم دخل الناسخ على الضمير فاستتر فيه ، ونظيره أن تقول «زيد هو الفاضل» وتقدر هو مبتدأ ثانيا لا فصلا ولا تابعا ؛ فيجوز لك حينئذ أن تدخل عليه كان فتقول «زيد كان الفاضل».

ويجب الحكم بابتدائية المؤخر فى نحو «أبو حنيفة أبو يوسف». و

٦٩٢ ـ بنونا بنو أبنائنا [وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد]

رعيا للمعنى ، ويضعف (١) أن تقدر الأول مبتدأ بناء على أنه من التشبيه المعكوس للمبالغة ؛ لأن ذلك نادر الوقوع ، ومخالف للأصول ، اللهم إلا أن يقتضى المقام المبالغة ، والله أعلم.

ما يعرف به الاسم من الخبر

اعلم أن لهما ثلاث حالات :

احداها : أن يكونا معرفتين ، فإن كان المخاطب يعلم أحدهما دون الآخر فالمعلوم الاسم والمجهول الخبر ؛ فيقال «كان زيد أخا عمرو» لمن علم زيدا وجهل أخوّته لعمرو ، و «كان أخو عمرو زيدا» لمن يعلم أخا لعمرو ويجهل أن اسمه زيد ، وإن كان يعلمهما ويجهل انتساب أحدهما إلى الآخر فإن كان أحدهما أعرف فالمختار جعله الاسم ، فتقول «كان زيد القائم» لمن كان قد سمع بزيد وسمع برجل قائم ، فعرف كلا منهما بقلبه ، ولم يعلم أن أحدهما هو الآخر ، ويجوز قليلا «كان القائم زيدا». وإن لم يكن أحدهما أعرف فأنت مخير نحو «كان زيد أخا عمرو»

__________________

(١) فى نسخة «ويضعفه ـ إلخ».

١١٦

وكان أخو عمرو زيدا» ويستثنى من مختلفى الرتبة نحو «هذا» فإنه يتعين للاسمية لمكان التنبيه المتصل به ؛ فيقال «كان هذا أخاك ، وكان هذا زيدا» إلا مع الضمير ، فإن الأفصح فى باب المبتدأ أن تجعله المبتدأ وتدخل التنبيه عليه ؛ فتقول «ها أنذا» ولا يتأتى ذلك فى باب الناسخ ؛ لأن الضمير متصل بالعامل ؛ فلا يتأتى دخول التنبيه عليه ، على أنه سمع قليلا فى باب المبتدأ «هذا أنا».

واعلم أنهم حكموا لأن وأن المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير ؛ لأنه لا يوصف كما أن الضمير كذلك ؛ فلهذا قرأت السبعة (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا) والرفع ضعيف كضعف الإخبار بالضمير عما دونه فى التعريف.

الحالة الثانية : أن يكونا نكرتين ؛ فإن كان لكل منهما مسوّغ للإخبار عنها فأنت مخير فيما تجعله منهما الاسم وما تجعله الخبر ؛ فتقول «كان خير من زيد شرّا من عمرو» أو تعكس ، وإن كان المسوغ لإحداهما فقط جعلتها الاسم نحو «كان خير من زيد امرأة».

الحالة الثالثة : أن يكونا مختلفين ، فتجعل المعرفة الاسم والنكرة الخبر ، نحو «كان زيد قائما» ولا يعكس إلا فى الضرورة كقوله :

٦٩٣ ـ [قفى قبل التّفرّق يا ضباعا]

ولا يك موقف منك الوداعا

وقوله :

٦٩٤ ـ [كأنّ سبيئة من بيت رأس]

يكون مزاجها عسل وماء [ص ٦٩٥]

وأما قراءة ابن عامر (أولم تكن لهم آية أن يعلمه) بتأنيث تكن ورفع آية ، فإن قدرت تكن تامة فاللام متعلقة بها وآية فاعلها ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل من آية ، أو خبر لمحذوف أى هى أن يعلمه ، وإن قدرتها ناقصة فاسمها ضمير القصة ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) مبتدأ ، وآية خبره ، والجملة خبر كان ، أو آية اسمها ،

١١٧

ولهم خبرها ، و (أَنْ يَعْلَمَهُ) بدل أو خبر لمحذوف ، وأما تجويز الزجاج كون آية اسمها و (أَنْ يَعْلَمَهُ) خبرها فردّوه لما ذكرنا ، واعتذر له بأن النكرة قد تخصصت بلهم.

ما يعرف به الفاعل من المفعول

وأكثر ما يشتبه ذلك إذا كان أحدهما اسما ناقصا والآخر اسما تاما.

وطريق معرفة ذلك أن تجعل فى موضع التام إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع ، وإن كان منصوبا ضميره المنصوب ، وتبدل من الناقص اسما بمعناه فى العقل وعدمه ، فإن صحت المسألة بعد ذلك فهى صحيحة قبله ، وإلا فهى فاسدة ، فلا يجوز «أعجب زيد ما كره عمرو» إن أوقعت «ما» على ما لا يعقل ، فإنه لا يجوز «أعجبت الثّوب» ويجوز النصب ، لأنه يجوز «أعجبنى الثوب» فإن أوقعت «ما» على أنواع من يعقل جاز ، لأنه يجوز «أعجبت النّساء» وإن كان الاسم الناقص من أو الذى جاز الوجهان أيضا.

فروع ـ تقول «أمكن المسافر السّفر» بنصب المسافر ، لأنك تقول «أمكننى السفر» ولا تقول «أمكنت السّفر» وتقول «ما دعا زيدا إلى الخروج» و «ما كره زيد من الخروج» بنصب زيد فى الأولى مفعولا والفاعل ضمير «ما» مستترا ، وبرفعه فى الثانية فاعلا والمفعول ضمير ما محذوفا ، لأنك تقول «ما دعانى إلى الخروج» و «ما كرهت منه» ويمتنع العكس ، لأنه لا يجوز «دعوت الثوب إلى الخروج» و «كره من الخروج» (١) وتقول «زيد فى رزق عمرو عشرون دينارا» برفع العشرين لا غير ، فإن قدمت عمرا فقلت «عمرو زيد فى رزقه عشرون» جاز رفع العشرين ونصبه ، وعلى الرفع فالفعل خال من الضمير ، فيجب توحيده مع المثنى والمجموع ، ويجب ذكر الجار والمجرور لأجل الضمير الراجع إلى

__________________

(١) الأولى أن يقول «وكرهنى الثوب من الخروج» تطبيقا للقاعدة التى أصلها

١١٨

المبتدأ ، وعلى النصب فالفعل متحمل للضمير ؛ فيبرز فى التثنية ، والجمع ، ولا يجب ذكر الجار والمجرور.

ما افترق فيه عطف البيان والبدل

وذلك ثمانية أمور :

أحدها : أن العطف لا يكون مضمرا ولا تابعا لمضمر ؛ لأنه فى الجوامد نظير النعت فى المشتق ، وأما إجازة الزمخشرى فى (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أن يكون بيانا للهاء من قوله تعالى (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) فقد مضى ردّه ، نعم أجاز الكسائى أن ينعت الضمير بنعت مدح أو ذم أو ترحم ، فالأول نحو «لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم» ونحو (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) وقولهم «اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم» والثانى نحو «مررت به الخبيث» والثالث نحو قوله :

٦٩٥ ـ [قد أصبحت بقرقرى كوانسا]

فلا تلمه أن ينام البائسا [ص ٤٩٢]

وقال الزمخشرى فى (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) : إن (الْبَيْتَ الْحَرامَ) عطف بيان على جهة المدح كما فى الصفة ، لا على جهة التوضيح ؛ فعلى هذا لا يمتنع مثل ذلك فى عطف البيان على قول الكسائى.

وأما البدل فيكون تابعا للمضمر بالاتفاق نحو (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) (ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) وإنما امتنع الزمخشرى من تجويز كون (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) بدلا من الهاء فى (بِهِ) توهما منه أن ذلك يخل بعائد الموصول ، وقد مضى ردّه.

وأجاز النحويون أن يكون البدل مضمرا تابعا لمضمر كـ «رأيته إياه» أو لظاهر كـ «رأيت زيدا إياه» وخالفهم ابن مالك فقال : إن الثانى لم يسمع ، وإن الصواب فى الأول قول الكوفيين إنه توكيد كما فى «قمت أنت».

الثانى : أن البيان لا يخالف متبوعه فى تعريفه وتنكيره ، وأما قول الزمخشرى :

١١٩

إن (مَقامِ إِبْراهِيمَ) عطف على (آياتٍ بَيِّناتٍ) فسهو ، وكذا قال فى (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا) : إن (أَنْ تَقُومُوا) عطف على (واحدة) ولا يختلف فى جواز ذلك فى البدل ، نحو (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) ونحو (بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ).

الثالث : أنه لا يكون جملة ، بخلاف البدل نحو (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) ونحو (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وهو أصحّ الأقوال فى «عرفت زيدا أبو من هو» وقال :

٦٩٦ ـ لقد أذهلتنى أمّ عمرو بكلمة

أتصبر يوم البين أم لست تصبر؟

الرابع : أنه لا يكون تابعا لجملة ، بخلاف البدل ، نحو (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) ونحو (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ) وقوله :

*أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا* [٦٧١]

الخامس : أنه لا يكون فعلا تابعا لفعل ، بخلاف البدل ، نحو قوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ).

السادس : أنه لا يكون بلفظ الأول ، ويجوز ذلك فى البدل بشرط أن يكون مع الثانى زيادة بيان كقراءة يعقوب (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) بنصب كل الثانية ؛ فإنها قد اتصل بها ذكر سبب الجثو ، وكقول الحماسى :

٦٩٧ ـ روبد بنى شيبان بعض وعيدكم

تلاقوا غدا خيلى على سفوان

١٢٠