المباحثات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

المباحثات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: محسن بيدارفر
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: انتشارات بيدار
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

١
٢

فهرست العناوين

تقديم...................................................................... ٥ ـ ٣٦

المؤلف....................................................................... ٥

كتاب المباحثات............................................................... ٨

السائل أو السائلون............................................................ ٩

عدد الرسائل................................................................ ١٢

زمان الكتابة................................................................. ١٦

أهمية الرسائل................................................................ ١٧

نسخ الكتاب................................................................ ١٩

منهج التحقيق............................................................... ٣٠

اعتذار وشكر............................................................... ٣١

صورة النسخ................................................................. ٣٣

الرموز المستعملة.............................................................. ٣٦

المباحثة الأولى............................................................. ٣٨ ـ ٤٨

المباحثة الثانية............................................................. ٤٩ ـ ٥٤

المباحثة الثالثة............................................................. ٥٥ ـ ٧٩

المباحثة الرابعة........................................................... ٨٠ ـ ١٠٠

المباحثة الخامسة........................................................ ١٠١ ـ ١٤٤

المباحثة السادسة....................................................... ١٤٥ ـ ٣٢١

قسم الملحق........................................................... ٣٢٣ ـ ٣٧٤

الفهارس.............................................................. ٣٧٦ ـ ٤٠٠

٣

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

عرف واشتهر كتاب المباحثات بأنه من تأليفات الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا ، وكان مرجعا لدى الباحثين والناقدين للفلسفة عموما ، ولآراء مؤلفه خصوصا.

وهنا مجموعة أسئلة مطروحة حول خصوصيات هذا الكتاب. وقبل الشروع في الجواب عنها يلزمنا تعريف المؤلف وسيرته ، إلا ان شهرته وما كتب في ترجمته من مقالات وكتب مفردة تغني عن ذلك ، ومع هذا فإني سوف أذكر كلاما مختصرا لمسيس الحاجة إليه في البحث عن الكتاب (١).

المؤلف :

أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا. ولد في ٣٧٠ ه‍. بأفشنة ـ قرية قريبة من بخارى ـ ثم انتقل مع والده إلى بخارى وتنشّأ بها. قال عن نفسه :

«واحضر لي معلم القرآن ومعلم الأدب ، وكملت العشر من العمر وقد أتيت على القرآن وعلى كثير من الأدب حتى يقضى مني العجب».

__________________

(١) ما جاء في سيرة المؤلف هنا ملخص من رسالة سيرة الشيخ الرئيس ، التي كتبه الجوزجاني تلميذه ، ونقل معظمه عن الشيخ ثم أكمله من عنده.

٥

ثم اشتغل بتعليم المنطق والفلسفة والهندسة والطب ، وصار متبحّرا فيه ، حتى عالج السلطان نوح بن منصور الساماني (٢) من مرضه الذي تحير فيه الأطباء ؛ ولذلك اتّصل به واستفاد من خزانة كتبه.

قال : «فلما ثماني عشرة من عمري فرغت من هذه العلوم كلها ؛ وكنت إذا ذاك للعلم أحفظ ، ولكنه اليوم معي أنضج. وإلا فالعلم واحد لم يتجدد لي شيء بعد».

قال : «ثم مات والدي وتصرّفت بي الأحوال وتقلّدت شيئا من أعمال السلطان ، ودعتني الضرورة إلى الإخلال ببخارى والانتقال إلى كركانج ... ثم دعت الضرورة إلى الانتقال إلى نسا ، ومنها إلى باورد ، ومنها إلى طوس ، ومنها إلى سمنقان ، ومنها إلى جاجرم ...

ومنها إلى جرجان ... ثم مضيت إلى دهستان ... وعدت منها إلى جرجان ، واتّصل أبو عبيد الجوزجاني بي».

وانتقل إلى الري وأقام عند مجد الدولة (٣) أياما ، ثم اتفقت له أسباب أوجبت خروجه إلى قزوين ، ومنها إلى همدان. ودعاه شمس الدولة (٤) لمعالجة «قولنج» أصابه وصار الشيخ من ندمائه وتقلّد هناك الوزارة. واتفق تشويش العسكر عليه ، فكبسوا داره وأخذوه إلى الحبس ، وأغاروا على أسبابه وأخذوا

__________________

(٢) نوح بن منصور بن نوح من الملوك السامانيين. ولد في ٣٥٣ ه‍. ق ببخارى وورث ملك ماوراء النهر عن أبيه في ٣٦٥ (على ما أكثر التواريخ المعتبرة) ومات في ٣٨٧ ه‍. ق ببخارى وتولى السلطنة بعده ابنه منصور. (ملخصا من لغت نامه).

(٣) مجد الدولة أبو طالب رستم بن فخر الدولة من الملوك الديالمة ، تولى السلطنة بالري بعد أبيه من ٣٨٧ ه‍ ق. إلى ٤٢٠. (تاريخ مفصل ايران. عباس اقبال. ص ١٨١).

(٤) شمس الدولة أبو طاهر بن فخر الدولة أخو مجد الدولة ، تولى السلطنة بعد أبيه على همدان وكرمانشاه من ٣٨٧ ه‍ ق. إلى ٤١٢ تقريبا (المصدر السابق ، ص ١٨٣).

٦

جميع ما كان يملكه ، وعاد «القولنج» للأمير شمس الدولة ، وطلب الشيخ واعتذر إليه ، فأقام عنده مكرما واعيدت الوزارة إليه ثانيا.

فشرع هناك بتأليف كتاب الشفاء وابتدأ بالطبيعيات ، ومات شمس الدولة وبويع لابنه ، وطلبوا استيزار الشيخ فأبى عليهم.

فاتهموه بمكاتبة علاء الدولة (٥) وأخذوه وحملوه إلى قلعة فردجان ، وبقي فيها أربعة أشهر ثم أعادوه إلى همدان.

قال الجوزجاني : «وعزم على التوجه إلى أصفهان ، فخرج متنكّرا ـ وأنا معه وأخوه وغلامان ـ في زيّ الصوفية ، إلى أن وصلنا إلى طهران على باب أصفهان ، بعد أن قاسينا شدائد في الطريق ؛ فاستقبلنا أصدقاء الشيخ وندماء الأمير علاء الدولة وخواصّه ...».

واختصّ الشيخ بعلاء الدولة وصار من ندمائه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همدان ؛ وخرج الشيخ في صحبته ... وصنّف كتاب الإنصاف ، وفي اليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود أصفهان نهب عسكره رحل الشيخ ، وكان الكتاب في جملته وما وقف له على أثر ، ثم قصد علاء الدولة همدان وكان الشيخ معه ... وهناك انتقل إلى جوار ربّه ، ودفن بهمدان في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وكانت ولادته في سنة سبعين وثلاثمائة ؛ وجميع عمره ثمان وخمسون سنة.

وكان مشتغلا بالكتابة والتأليف ضمن أسفاره واشتغالاته ، فقد ألّف كتبا

__________________

(٥) أبو جعفر محمد بن دشمنزيار الملقب بعلاء الدولة وكاكويه ، وهو ابن خال مجد الدولة بن فخر الدولة ـ السابق الذكر ـ كان حاكما على أصفهان بعد فخر الدولة حتى سنة ٤٢٧ وانهزم من السلطان مسعود الغزنوي (٤٢١ ه‍) ومن أميره بو سهل الحمدوني (٤٢٥ ه‍) ثم أخيرا فى (٤٢٧ ه‍) ، ولم يرجع إلى الحكم. (راجع تاريخ مفصل ايران ـ اقبال ١٨٢ و ٢٧٠ و ٢٦٤).

٧

ورسائل كثيرة أشهرها الشفاء والقانون والإشارات والنجاة (٦).

كتاب المباحثات :

ومن كتبه المشهورة كتابه هذا ـ المباحثات ـ وقد اشتهر لدى الباحثين والناقدين لآراء الشيخ ، رغم صغر حجمه وعدم الترتيب والتبويب فيه ؛ ولو ذهبنا لنجد نظيرا له من كتب الشيخ فأشبه شيء به كتابه التعليقات ، فانهما استرضعا من ثدي واحد. إذ لم يكن شأن الشيخ فيهما القصد إلى تأليف كتاب ، بل هما مجموعة جوابات وكلمات مأخوذة منه ، جمعهما تلميذه الخاص بهمنيار بنفسه ، أو بمعاونة تلميذة الآخر ابن زيلة كما سنشير إليه.

والكتاب مما لا شك في نسبته ، فقد ذكره أولا الجوزجاني (٧) عند سرد أسامي تأليفاته حيث قال : «... وكتاب المباحثات مجلدة ...» وهذا الفهرس من المصادر الرئيسية في عد تأليفات الشيخ الرئيس ، لكون الجوزجاني ملازما للشيخ ومنادما له خلال خمس وعشرين سنة حتى في أسفاره المختلفة ، وحينما كان الشيخ مشتغلا بهذه التأليفات ؛ ثم إن الكتاب كان مشتهرا لدى الباحثين عن آراء الشيخ الرئيس ، كالفخر الرازي والخواجة نصير الدين الطوسي وصدر المتألهين الشيرازي وغيرهم (٨). والشيخ أورد أحيانا اسماء كتبه فيه كالإشارات والشفاء

__________________

(٦) ألف جورج قنواتي فهرسا لتأليفات الشيخ وأوصل رقم الكتب والرسائل إلى (٢٧٦) عددا. ثم ألف الدكتور يحيى مهدوي كتابه «فهرست نسخه هاى مصنفات ابن سينا» وأورد فيه (١٣١) كتابا ورسالة صحيح النسبة إلى الشيخ و (١١٠) أثرا مشكوكا أو منحولا إليه.

(٧) سيرة الشيخ الرئيس.

(٨) لم يكن الكتاب عند صدر المتألهين كما صرح بذلك في كتابه الأسفار الأربعة.

والأظهر أن اتصاله بهذا الكتاب كان بما نقله الفخر الرازي في كتابه المباحث المشرقية.

٨

والإنصاف والمبدأ والمعاد ـ وأحال البحث إليها. على أن جلّ المطالب والمباحث التي فيه تدور حول المباحث الواردة في كتابه الشفاء ، خصوصا كتاب النفس منه.

السائل ، أو السائلون؟

المشهور أن السائل هو بهمنيار بن المرزبان تلميذ الشيخ ... (٨) فقد جاء في أول الرسالة السادسة :

«الخادم بهمنيار بن المرزبان ، خادم مولانا الرئيس ، السيد الأوحد ، الأجلّ شرف الملك ، فخر الكفاة ـ أطال الله بقاه وأدام رفعته وعلاه

__________________

(٨) أقدم ترجمة لبهمنيار ما جاء في تتمة صوان الحكمة للبيهقي ، ننقل شيئا منها بلفظه :

«الفيلسوف بهمنيار الحكيم ؛ كان تلميذ أبي علي وكان مجوسي الملة ، غير ماهر في كلام العرب ؛ وكان من بلاد آذربايجان والمباحث التي لأبي علي أكثرها مسائل بهمن يار ، تبحث عن غوامض المشكلات.

ومن تصانيف بهمنيار كتاب التحصيل وكتاب الرتبة في المنطق ، وكتاب في الموسيقي ، ورسائل كثيرة ... ومات بهمنيار في شهور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، بعد موت أبي علي بثلاثين سنة (تاريخ الحكماء (تتمة صوان الحكمة) ص ٩٧) هذا جلّ ما نعرفه من ترجمة بهمنيار وقد أخذ سائر المترجمين له من كلام البيهقي ، فترى الشهرزوري (نزهة الأرواح : ٢ / ٣٨) ينقل كلامه بلفظه دون ذكر القائل.

وقد طبع كتابه «التحصيل» (طهران ١٣٤٩ ـ ه. ش ـ كلية الإلهيات) بتحقيق الأستاذ الشهيد مرتضى المطهري (ره). وقال الاستاذ في مقدمته على الكتاب :

«من البعيد بقاء بهمنيار على المجوسية مع ما نرى من نظراته وسياق فكره في مسائل التوحيد والخير والشر ، وأن ذلك لا ينتظم مع العقائد المجوسية».

ومما يوضح اتصال بهمنيار بأبي علي ما كتبه الشيخ في المباحثة الثالثة مخاطبا له ـ كما يظهر ـ :

«وذلك غير ما كنت أتوقّعه منه ـ وهو لي كالولد ، بل ألحّ من الولد وأحبّ ، وقد علّمته وأدّبته وبلغت به المنزلة التي بلغها ؛ فما كان له في ذلك التبليغ آخر غيري يقوم فيه مقامي ...».

٩

وكبت حساده وأعداه ـ خدم نهى الحضرة بكتاب مطوي على أوراق وأسئلة وشكوك يرجو وصول الجميع إليها وإحاطة العلم الشريف بها ... فإن هذه الجوابات التي ينعم بها ربما يضيع أصول المسائل على أيدي الغلمان ... وقد ساء ظني بالكتاب الصادر أخيرا وخيّل لي الشيطان ضياعه ...».

فعلى هذا لا يبقى شك في أن لبهمنيار القدم الأول في تدوين هذا الكتاب.

وأما هل لغيره أيضا حظّ من ذلك فقد يدل عليه ما جاء على ظهر نسخة بودليان :

«السينات على الحواشي علامة السؤال ، والجيمات علامة الجواب ، وحرف الطاء مع السين علامة لما وجد من تلك الأسئلة أصولها في الرقاع إما بخط بهمنيار ، وإما بخط أبي منصور بن زيلة ، وكذلك هي مع الجيم علامة لما وجد من تلك الأجوبة تحتها بخط الشيخ الرئيس أبي علي ؛ وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودّة ، فعطّل دلالة على أن المعلم وجد بخط أحد السائلين المذكورين ، وكذلك الجواب بخط المسئول عنه».

وقد لمح الشيخ إليه في أول المباحثة الأولى أيضا :

(٢) «... أما الإشارات فإن النسخة منها لا تخرج إلا مشافهة وبعد شروط لا تعقد إلا مكافحة ؛ وليس يمكن أن يستفتح بها ويطلع معه غريب عليها ، فإنه لا يمكن أن يطلع عليها إلا هو والشيخ أبو منصور بن زيلة ...».

فهذا يدل على أن بهمنيار وابن زيلة (٩) اشتركا في طرح الأسئلة أو جمعها.

__________________

(٩) فأقدم ترجمة عنه ما قاله البيهقي :

«الحكيم أبو منصور حسين بن طاهر بن زيلة ، كان أصفهاني المولد ، وهو من خواص تلامذة ـ

١٠

ثم هناك قرائن تدل على ورود شخص آخر في هذه الدائرة أيضا. فقد جاء في الرقم (٥١٣) :

«هذا الجواب من بابه الشيخ الكرماني».

على أن المباحثة تدور حول اعتراض الكرماني (١٠) على البرهان الذي

__________________

ـ أبي علي ومن بطانته. وقيل : إنه كان مجوسي الملة ، ولكن لم يتحقق لي ذلك. وكان عالما بالرياضيات وماهرا في صناعة الموسيقي أيضا. ومن تصانيفه الاختصار من طبيعيات الشفاء ، وشرح رسالة حي بن يقظان ... وله كتاب في النفس ورسائل اخر وكان قصير العمر ، مات في سنة أربعين وأربعمائة بعد موت أبي علي باثنتي عشرة سنة ... وكان عارفا بعلوم العرب ، كاملا في صناعة الانشاء». (تاريخ الحكماء بيهقي : ٩٩) وقد نقل هذه الترجمة أيضا الشهرزوري بلفظه دون ذكر من البيهقي في نزهة الأرواح (٢ / ٣٩) وجاء ذكر ابن زيلة في عيون الانباء (٢ / ١٩) أيضا. وقد طبع من تأليفاته شرح حي بن يقظان وكتاب الكافي في الموسيقي (دانشنامه ايران واسلام : ٦١٩ ابن زيلة).

(١٠) لا نعلم شيئا من هذا الشيخ الكرماني ، غير ما جاء في رسالة السيرة عن لسان الجوزجاني :

«وكان الشيخ قد صنف بجرجان المختصر الأصغر في المنطق. وهو الذي وضعه بعد ذلك في أول النجاة ـ ووقعت نسخته إلى شيراز ؛ فنظر فيها جماعة من أهل العلم هناك. فوقعت لهم الشبه في مسائل منها ، وكتبوها على جزء. وكان القاضي بشيراز من جملة القوم. فأنفذ بالجزء إلى أبي القاسم الكرماني ـ صاحب إبراهيم بن بابا الديلمى ، المشتغل بعلم الباطن ـ وأضاف إليه كتابا إلى الشيخ أبي القاسم. وأنفذهما مع ركابي قاصد ، وسأله عرض الجزء على الشيخ وتنجز جوابه فيه. فحضر الشيخ أبو القاسم في يوم صائف عند اصفرار الشمس عند الشيخ ، وعرض عليه الكتاب والجزء. فقرأ الكتاب وردّه عليه وترك الجزء بين يديه والناس يتحدثون وهو ينظر فيه. ثم خرج أبو القاسم وأمرني الشيخ باحضار البياض ، فشددت له خمسة أجزاء كل واحد عشرة أوراق بالربع الفرعوني ... وعند الصباح حضر رسوله يستحضرني ، فحضرت وهو على المصلّى وبين يديه الأجزاء الخمسة. فقال : ـ

١١

اعتمد عليه الشيخ لإثبات النفس ، وردّ الشيخ واستنكاره الشديد عليه حين سمع أنه ضحك من البرهان :

(٤٩) «والذي حكاه من امتعاض الشيخ أبي القاسم الكرماني حين بلغه ما بلغه ـ فليس من حق مثله أن يشفق من ذلك ...».

(٧٩) «... فالضاحك هو المضحوك منه ، وهو السخيف ، وهو المهوّس ...».

عدد الرسائل

هذا الكتاب ـ كما عرفنا ـ مجموعة أسئلة ورسائل ، والقسم الأعظم منها متبادلة بين الشيخ وتلميذيه ، ولم يكن تأليفا مبوّبا على نظم خاص ، كما هو

__________________

ـ خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له : استعجلت في الإجابة عنها لئلا يتعوّق الركابي ...»

(راجع النسخ الموجودة عن هذه الأجوبة في مصنفات ابن سينا ص ١٧).

وقال الشهرزوري : (نزهة الأرواح ٢ / ٢٨) :

«أبو القاسم الكرماني : كان حكيما عالما جرت بينه وبين أبي علي مناظرة أدّت إلى مشاجرة لزمها سوء الأدب ، ونسبه أبو علي إلى قلّة العناية بصناعة المنطق ، ونسب الكرماني لأبي علي المغالطة. وكتب هذه المناظرة أبو علي إلى الوزير الأمين أبي سعد الهمداني الذي صنف لأجله الأجوبة. من كلامه : «الطبيب خادم القدر صحّ المريض أو هلك». قال يوما لأبي علي : «لا تعزز ما عندك بتهجّن ما عند غيرك ، فإن الحق أبلج والإنصاف لم ينعدم».

ولابن سينا رسالة «الأجوبة عن المسائل العشرة» وجاء بأول النسخة الموجودة منها بمكتبة المجلس الشورى الإسلامي (٢ / ٦٢٥) : «وكان السائل هو أبو القاسم الجرجاني أو الكرماني».

(فهرست مصنفات ابن سينا : ص ١٥).

١٢

الشأن في الكتب المؤلّفة ؛ ولذلك لم يتنبّه أكثر الناظرين فيه لكونه كتابا معروفا ؛ فترى عددا من المفهرسين للمخطوطات عرّفوه في فهارسهم بمجموعة رسائل أو أسئلة وأجوبة. ولعلّه لذلك أيضا لم ير المستنسخون من واجبهم استنساخه بكماله وترتيبه الخاصّ ؛ فاختلف النسخ في النظم وعدد الرسائل ، وحتى الأسئلة والأجوبة في رسالة واحدة.

فلو أعرضنا عن النسخ التي تحتوى على ملتقطات من الكتاب فهناك نوعان من النسخ يحتمل كونهما كاملتين على اختلافهما :

الف : نسخة بودليان (وسنأتي بشرحها فيما بعد) وهي أقدم النسخ الموجودة ـ على ما علمت ـ وهي تحتوى على ستّ رسائل. لكن توجد قرائن كثيرة تشهد على عدم كون كل رسالة فيها مفردة ، وإنما هي مجموعة أسئلة أخذت من رسالات عدة أو سئلت مشافهة ثم جمعت في جزء وصارت كرسالة واحدة.

ففي الرسالة الخامسة ترى أسئلة مرتبطة بأسئلة اخرى موجودة في نفس الرسالة : فقد جاء في الرقم (٣٥٦) : «ما معنى قوله في الفصول المتقدمة : هيئات النفوس مركبة تركيبا نفسانيا ...» وهذا إشارة ـ على ما يظهر ـ إلى الرقم (٣٣٨).

وفي (٣٥٨) : «ما معنى قوله : بقاء الفعل غاية للفعل ...» إشارة إلى الرقم (٣٤٦).

وفي (٣٦٠) : «فاعل المزاج لم يلزم أن يكون حافظا؟ فقد احيل به في هذه الفصول على البذور ...» إشارة الى (٣٤٧).

وفي الرسالة السادسة ـ على أنها رسالة طويلة تستغرق أكثر من نصف الكتاب ـ السؤال (٨٦٨) : «كيف يكون الإمكان من لوازم الماهيات ...؟» سؤال عما أجيب في (٨٦٧).

١٣

والفقرات (٧٩٩) إلى (٨١٧) مأخوذة بلفظها من كتاب الشفاء ـ الإلهيات ـ (١١).

ومن القرائن أيضا التكرار الواقع فيها بلفظها ـ وسنشير إلى بعضها.

ب : نسخة برينستون ـ وتوجد نسخ أخرى على سياقها ـ هذه النسخة وأخواتها تحتوي على المباحثات الستة أيضا ؛ إلا أنها تختلف عن الأولى في الترتيب (١٢) ، كما أنها تنقص عنها من الرقم (٧٨٨) إلى آخر الكتاب. ثم إن سياق هذه النسخة أكثر شيوعا بين النسخ بحيث يؤيد أن تكون هي الصورة الأصلية من الكتاب. فما سبب تلك الاختلافات؟

أما اختلاف الترتيب فتوجيهه سهل بعد ما ذكرنا أن الكتاب مجموعة أسئلة غير منسجمة وغير مبوّبة ، ويظهر أيضا مما نقلنا عن ظهر النسخة الأولى من أنها كانت في رقاع وأجزاء فاستنسخت منها ولم تكن ذا ترتيب يجب رعايته للكاتب.

إنما الكلام في هذه الزيادات : فهل هي من كلام الشيخ أولا؟ ثم من كتاب المباحثات ثانيا؟

أما بالنسبة إلى السؤال الأول : فكونها من كلام الشيخ مما لا شك فيه (١٣). إذ

__________________

(١١) هذه الفقرات أيضا توجد كرسالة مفردة منسوبة إلى بهمنيار معنونه باسم «اثبات المبدأ الأول» أو «موضوع علم ما بعد الطبيعة». فذكر الدكتور المهدوي (فهرست مصنفات ابن سينا : ٢٥٩) أنها موجودة في مجموعتي (٤٨٢٩ و ٤٨٤٩ أيا صوفيا) و (٤٨٩٤ نور عثمانية) منسوبا إلى الشيخ وفي (١٤٨٤ ليدن) منسوبا إلى بهمنيار. وأنها طبعت مع رسالة في مراتب الموجودات لبهمنيار وترجمتها بالآلمانية (ليبزيك ١٨٥١ م. بتحقيق Dr ـ Salomonpoper).

(١٢) سنشير إلى اختلاف ترتيبها عند البحث عن نسخ الكتاب.

(١٣) راجع التعليقة على الفقرة (٨٢٤ ـ ٨٢٦).

١٤

قسم منها ـ كما ذكرنا ـ يوجد في كتاب الشفاء بلفظه. ثم إن فقرات منها تكرار ما مضى في الكتاب سابقا (١٤) ، على أن سياق كتابة الشيخ يمتاز عن غيره ويعرفه كل من درس مؤلفاته بسهولة ، ثم إن هذه المطالب أيضا ـ كأخواتها من مطالب الكتاب ـ مرتبطة كثيرا بكتاب الشفاء وتوضيحات حوله.

وأما هل هي من صلب كتاب المباحثات ، أم ملحقة به؟ فمن العسير الجواب عن ذلك. والأقرب أن نقول أنها كانت أيضا مجموعة جوابات من الشيخ أو مأخوذة من كلماته أو كتبه عند بهمنيار ، فالحق بها. ويؤيد ذلك أولا التكرارات المشيرة إليها. وثانيا ما في الفقرة (٨٥٢) : «وجد في رقعة» ، وثالثا ما كتب بآخر القسم الأول من نسخة ليدن (١٥) : «إلى هنا وجدت المباحثات في عدة نسخ ـ والحمد لله وحده ، وصلواته على محمد وآله» ثم النص المنقول سابقا عن ظهر نسخة بودليان «... وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودة ...».

والفقرة (٨٩٦) يحتمل أن تكون مؤيدة لما قلناه ، إذ قال الشيخ فيها : «قد بيّنا في المباحثات الصديقية أن التشخص لطبيعة النوع الواحد كيف يمكن أن يكون» فلو كان هذا إشارة إلى ما جاء في الفقرة (٥٣٢) ـ من بيان كيفية كون التشخص بعرض لازم ـ لاتّضح صحة الفرض المذكور أولا. وكون الرسالة ذا اسم المباحثات في حياة الشيخ ثانيا.

__________________

(١٤) الفقرة (٧٩٦) تكرر في (٨٧٨) وجوابها فقط في (٦٤٥) وتكرر الجواب من (٦٥٤) في (٨١٨). والفقرتين (٨٤٩) و (٨٥٠) نفس ما جاء في (٢١٠) إلى (٢١٥). والرقم (٦١٥) تكرر في (٨٦٧) وجواب الرقم (٦٥٤) تكرر في (٨١٨) والرقم (٦٤٤) في (٧٦٧). والرقم (٧٥٨) في (٧٨٨) والرقم (٧٨٩) تكرار ما في (٤٢٠ ـ ٤٢١).

(١٥) سنشير إلى هذه النسخة وخصوصياتها عند البحث عن النسخ ، ويجدر بنا أن نتذكر هنا أن القسم الأول من هذه النسخة مطابق لنسخة برينستون ـ تقريبا ـ والقسم الثاني منها يشتمل على معظم الزيادات التي في نسخة بودليان مع إضافات أخر.

١٥

زمان الكتابة :

وأما زمان كتابة الرسائل : فقد اشير في ثلاثة مواضع منها إلى كتاب الإشارات ، وذكر أهل السير أنه من أواخر تأليفات الشيخ. فيفهم من ذلك أن الرسائل أيضا مكتوبة في الأخير من عمره.

على أن في الرسالة الرابعة إشارة أدقّ من هذا. قال فيها عن كتابه الانصاف :

«وقد كان اتفق من الدواعي عام طروق ركاب السلطان الماضي هذه البلاد ما بعثه على الاشتغال بكتاب سمّاه الانصاف ... وقبل أن نقل ذلك إلى المبيضّة وقع عليه قطع في هزيمة ألمأت بأسبابه كلها على باب أصفهان ، فلما عاد إلى الري هزّ لمعاودة ذلك التصنيف فاستفزّ ...».

وقال الجوزجاني في رسالة السيرة عن كتاب الإنصاف :

«كتاب الانصاف عشرون مجلدة ؛ شرح فيه جميع كتب أرسطو ، وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين ؛ ضاع في نهب السلطان مسعود ...».

«وصنف الشيخ كتاب الانصاف ، واليوم الذي قدم فيه السلطان مسعود اصفهان نهب عسكره رحل الشيخ ، وكان الكتاب في جملته ، وما وقف له على أثر ...».

و «السلطان الماضي» إشارة على الأظهر إلى المحمود الغزنوي ، الذي مات في سنة (٤٢١) واتفق في أواخر سلطنته دخول ابنه المسعود أصفهان ـ سنة (٤٢١). ويظهر أنه في هذه الواقعة نهب أمتعة الشيخ وكتبه.

١٦

وذكر البعض أن ضياع كتب الشيخ كان سنة (٤٢٥) حين ظفر بو سهل الحمدوي ـ وكان أميرا من قبل المسعود الغزنوي ـ على علاء الدولة ودخل أصفهان. (١٦)

والأول أظهر وأوفق مع ما في السيرة وهذه الرسالة.

وعلى أي ، فنظرا إلى تاريخ وفاة الشيخ (٤٢٨) فإنّ كتابة الرسائل كانت في هذه الفترة ـ ٤٢١ إلى ٤٢٨. أو ٤٢٥ ـ ٤٢٨.

أهمية كتاب المباحثات :

بقي الآن سؤال آخر ، وهو عن موقع هذه المكاتبات من تأليفات الشيخ ، وأنه هل هي ذات أهمية خاصة مع كثرة تأليفاته المفصلة والمختصرة؟

والجواب عنه واضح للناظر فيها ، إذ لهذه الأجوبة أهمية خاصة من جوانب شتّى :

فأولا إذ كانت هذه المحاورات بين الشيخ وخواص تلاميذه سقطت الآداب اللازم مراعاتها عند المؤلفين ، ولذلك تجلّت فيها روحية الشيخ الواقعية بكل وضوح ، ولا يخفى أهمية ذلك في مطالعة سيرة الشيخ. فمثلا اعتماده الشديد على نفسه وآراءه :

(١١٥) «وما أنا ممن أوطأت نفسي غشوة فيما لم أحسنه أني أحسّنه ؛ بل اجتهدت وبالغت ؛ فلا يروعني مناقض ولو نزل من السماء. ولا يهجس في بالي أن الشيء الذي أتقنته عرضة لنقض أو إبطال أو فساد ؛ وإن اجتمع علي كل فان وحيّ ومنتظر

__________________

(١٦) راجع تاريخ مفصل ايران : ٢٦٤ و ٢٧١. والكامل لابن الأثير : وقائع سنة ٤٢٥. فهرست مصنفات ابن سينا : ٤٦ ـ ٤٨.

١٧

من أهل السماء والأرض ؛ وما لا أعلم فلا أدعيه ...».

ثم شدة غضبه وبطشه على المتعرضين لأقواله وتسفيهه لهم :

(٩٦) «... وليتكلّف هذا الماضغ للخراء ، الغالط في نفسه ، الواضع نفسه ليس موضع من يجب أن يتشكك ويباحث ، وأن محله ليس محل من يخطر بباله حلا وجوابا ، بل محل من يفي بنقض ويقوم مقام مقابل ـ وبالله أنه قد يمكن أن يخاطب بالكلام الأهلي الذي لا تعويص فيه ولا تحريف للكلام عن جهته ، ثم لا يفهمه بوجه من الوجوه ؛ لا سيما إذا جعل الخطاب مجردا كليا. أفمثله يتعرض لأهل البصيرة ويقول : «هذا هوس عظيم ، وذلك كذلك»؟! وليس الهوس العظيم إلا هو وجوهره وذاته ـ فليتكلّف خمسين ورقة في إثبات أن النفس مزاج ، أو في دفعه ومنعه ...».

وثانيا إذا ليس شأن الشيخ فيها غير بيان ما أشكل على تلاميذه فلا يلتفت إلى ذكر الأقوال المختلفة ، والناظر فيها يرى آراءه الخاصة بسهولة في شتّى المواضع.

وثالثا توقفه في مواضع من المسائل وإقراره الصريح بالعجز فيها بما لا يتفق في مؤلّف آخر.

(٥٤٨) «لا أدري ـ لا إله إلا الله ـ وقبيح بالأئمة الإقرار بالجهل».

(٥٦٧) «لا أدرى. لو علم هذا لقصر الحديث».

(٦٥٥) «... إلا أني بعد لم أخصّ فيه الرأي».

(٧٣٠) «... وأنا إلى هذه الغاية لم أحصّلها ؛ وما عندي أن أحصّل بعد هذا السنّ شيئا لم أحصّله قبل ...».

١٨

نسخ الكتاب :

توجد عدة نسخ للكتاب مختلفة كما وكيفا ؛ يمكننا أن نقسمها إلى أربعة أصناف :

الف : نسخة مكتبة بودليان وفروعاتها.

ب : نسخة مكتبة برينستون وأمثالها.

ج : نسخة دار الكتب المصرية رقم (٦) الحكمة.

د : نسخ تحتوى على ملتقطات من الرسالة.

الف :

١ ـ فأقدم النسخ ـ التي علمت بها ـ النسخة الموجودة بمكتبة بودليان (مجموعة ٤٥٧) تاريخ تحريرها سنة ٦٣٨ وفيها كتاب النجاة ورسالة حيّ بن يقظان.

هذه النسخة أكمل من جميع النسخ الاخرى التي على غير سياقها ، وهي أصحها. والنصّ الموجود على الصفحة الاولى منها ـ لو لم يكن مستنسخا عن نسخة اخرى ـ يدل على أنها مستنسخة من اصول الرسائل :

«السينات على الحواشي علامة السؤال ، والجيمات علامة الجواب ، وحرف الطاء مع السين علامة لما وجد من تلك الأسئلة أصولها في الرقاع إما بخط بهمنيار ، وإما بخط أبي منصور بن زيلة ، وكذلك هي مع الجيم علامة لما وجد من تلك الأجوبة تحتها بخط الشيخ الرئيس أبي علي ؛ وما هو عاطل منها لم يظفر بالنسخة المسودّة ، فعطّل دلالة على أن المعلم وجد بخط أحد السائلين المذكورين. وكذلك الجواب بخط المسئول عنه».

١٩

والموجود عندي منها صورة عن المصورة الموجودة في المكتبة المركزية لجامعة طهران (رقم ٣١٤٩) وأشير إليها برمز (ب). ثم النسخة ام النسختين التاليتين :

٢ ـ نسخة المكتبة المركزية لجامعة طهران ؛ وهي من الكتب التي أهداها المغفور له الاستاذ السيد محمد المشكاة إلى الجامعة. وهي مجموعة ثمينة موجودة في المكتبة برقم ١١٤٩ (فهرس المكتبة ، الجزء الرابع من المجلد الثالث ، ص ٢٤٠٤) واشير إليها برمز (د).

والنسخة تحتوي على أربع وسبعين رسالة للشيخ الرئيس وثلاثة للدواني. ورسالة المباحثات تقع في الورق ٧٠ إلى ١٠٩ منها. وليس عليها تاريخ التحرير وقد تملكها مصطفى بن عبد الله في ٩٦٢ فهي مكتوبة قبل الألف.

وهناك قرائن كثيرة تدل على كونها ـ بواسطة أو بلا واسطة ـ مستنسخة عن نسخة بودليان ؛ اشير إلى اثنتين منها :

الاولى : النصّ في الورقة (٤١) من نسخة بودليان (س ٣ مطابق رقم ٤٩٣ من طبعتنا)

«لأن هذا يقارنه ما لا يقارن ذلك ويفارقه ما لا يفارق ذلك» وإذ كانت الفقرة الثانية ساقطة عند الاستنساخ عن (ب) استدركه الكاتب في الهامش ووضع في المتن علامة للتنبيه (راجع صورة الورقة) ، ولكن المستنسخ عن هذه النسخة لم يتنبه للعلامة ، وحسب ما في الهامش من تمام السطر وأدرجها في الفقرة التالية منها ، فترى فيها :

«لم لا يجوز أن يكون إدراكي لذاتي لحصول ذاتي ويفارقه ما لا يفارق ذلك ...».

الثانية : في الورقة (٣٦) كانت حاشية كتبها الناسخ عموديا (راجع الصورة) حتى يتميز عن المتن ، ولكن المستنسخ لم يتنبه لذلك وأدرجها في الفقرة

٢٠