نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

السِّقَاءِ ، وعَصَفَتْ بِه عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ ، تَرُدُّ أَوَّلَه إِلَى آخِرِه وسَاجِيَه (٢١) إِلَى مَائِرِه (٢٢) حَتَّى عَبَّ عُبَابُه ورَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُه (٢٣)، فَرَفَعَه فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ (٢٤) وجَوٍّ مُنْفَهِقٍ ، فَسَوَّى مِنْه سَبْعَ سَمَوَاتٍ ، جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً (٢٥)، وعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وسَمْكاً مَرْفُوعاً ، بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا ولَا دِسَارٍ (٢٦) يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ (٢٧) ، وأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً (٢٨) وقَمَراً مُنِيراً ، فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وسَقْفٍ سَائِرٍ ورَقِيمٍ (٢٩) مَائِرٍ.

خلق الملائكة

ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا ، فَمَلأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِه ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ ورُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ ، وصَافُّونَ (٣٠) لَا يَتَزَايَلُونَ (٣١) ومُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ ، لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ ولَا سَهْوُ الْعُقُولِ ، ولَا فَتْرَةُ الأَبْدَانِ ولَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ ، ومِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِه وأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِه ، ومُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِه وأَمْرِه ، ومِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِه والسَّدَنَةُ (٣٢) لأَبْوَابِ جِنَانِه ، ومِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ ، والْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ ، والْخَارِجَةُ مِنَ الأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ ، والْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ ، نَاكِسَةٌ دُونَه أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ (٣٣) تَحْتَه بِأَجْنِحَتِهِمْ ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ ، وأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ ، لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ ،

٤١

ولَا يُجْرُونَ عَلَيْه صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ ، ولَا يَحُدُّونَه بِالأَمَاكِنِ ولَا يُشِيرُونَ إِلَيْه بِالنَّظَائِرِ.

صفة خلق آدم عليه‌السلام

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَه مِنْ حَزْنِ (٣٤) الأَرْضِ وسَهْلِهَا ، وعَذْبِهَا وسَبَخِهَا (٣٥)، تُرْبَةً سَنَّهَا (٣٦) بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ ، ولَاطَهَا (٣٧) بِالْبَلَّةِ (٣٨) حَتَّى لَزَبَتْ (٣٩)، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ (٤٠) ووُصُولٍ وأَعْضَاءٍ ، وفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ ، وأَصْلَدَهَا (٤١) حَتَّى صَلْصَلَتْ (٤٢) لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وأَمَدٍ مَعْلُومٍ ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِه ، فَمَثُلَتْ (٤٣) إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا ، وفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا (٤٤) ، وأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ ، والأَذْوَاقِ والْمَشَامِّ والأَلْوَانِ والأَجْنَاسِ ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ ، والأَشْبَاه الْمُؤْتَلِفَةِ والأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ ، والأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ ، والْبَلَّةِ والْجُمُودِ ، واسْتَأْدَى (٤٥) اللَّه سُبْحَانَه الْمَلَائِكَةَ وَدِيعَتَه لَدَيْهِمْ ، وعَهْدَ وَصِيَّتِه إِلَيْهِمْ فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَه ، والْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِه ، فَقَالَ سُبْحَانَه : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ، اعْتَرَتْه الْحَمِيَّةُ ، وغَلَبَتْ عَلَيْه الشِّقْوَةُ ، وتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ واسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ ، فَأَعْطَاه اللَّه النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ ، واسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ ، فَقَالَ : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).

٤٢

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَه آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا ، عَيْشَه وآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَه وحَذَّرَه إِبْلِيسَ وعَدَاوَتَه ، فَاغْتَرَّه (٤٦) عَدُوُّه نَفَاسَةً عَلَيْه بِدَارِ الْمُقَامِ ، ومُرَافَقَةِ الأَبْرَارِ ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّه والْعَزِيمَةَ بِوَهْنِه ، واسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ (٤٧) وَجَلًا (٤٨) وبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً ، ثُمَّ بَسَطَ اللَّه سُبْحَانَه لَه فِي تَوْبَتِه ، ولَقَّاه كَلِمَةَ رَحْمَتِه ووَعَدَه الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِه ، وأَهْبَطَه إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.

اختيار الأنبياء

واصْطَفَى سُبْحَانَه مِنْ وَلَدِه أَنْبِيَاءَ ، أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ (٤٩) ، وعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِه عَهْدَ اللَّه إِلَيْهِمْ ، فَجَهِلُوا حَقَّه واتَّخَذُوا الأَنْدَادَ (٥٠) مَعَه ، واجْتَالَتْهُمُ (٥١) الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِه ، واقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِه فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَه ، ووَاتَرَ (٥٢) إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَه لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِه ، ويُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِه ، ويَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ ، ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ ، ويُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ ومِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ ، ومَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وأَوْصَابٍ (٥٣) تُهْرِمُهُمْ ، وأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ ، ولَمْ يُخْلِ اللَّه سُبْحَانَه خَلْقَه مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ (٥٤) قَائِمَةٍ ، رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ، ولَا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ ، مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَه مَنْ بَعْدَه،

٤٣

أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَه مَنْ قَبْلَه عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ (٥٥) الْقُرُونُ ومَضَتِ الدُّهُورُ ، وسَلَفَتِ الآبَاءُ وخَلَفَتِ الأَبْنَاءُ.

مبعث النبي

إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّه سُبْحَانَه مُحَمَّداً ، رَسُولَ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لإِنْجَازِ عِدَتِه (٥٦) وإِتْمَامِ نُبُوَّتِه ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُه ، مَشْهُورَةً سِمَاتُه (٥٧) كَرِيماً مِيلَادُه ، وأَهْلُ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ ، بَيْنَ مُشَبِّه لِلَّه بِخَلْقِه أَوْ مُلْحِدٍ (٥٨) فِي اسْمِه ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِه ، فَهَدَاهُمْ بِه مِنَ الضَّلَالَةِ وأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِه مِنَ الْجَهَالَةِ ، ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَه لِمُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله لِقَاءَه ، ورَضِيَ لَه مَا عِنْدَه وأَكْرَمَه عَنْ دَارِ الدُّنْيَا ، ورَغِبَ بِه عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى ، فَقَبَضَه إِلَيْه كَرِيماً ، صلى‌الله‌عليه‌وآله وخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا ، إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ ولَا عَلَمٍ قَائِمٍ (٥٩) :

القرآن والأحكام الشرعية

كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَه وحَرَامَه ، وفَرَائِضَه وفَضَائِلَه ونَاسِخَه ومَنْسُوخَه (٦٠) ، ورُخَصَه وعَزَائِمَه (٦١) وخَاصَّه وعَامَّه ، وعِبَرَه وأَمْثَالَه ومُرْسَلَه ومَحْدُودَه (٦٢) ، ومُحْكَمَه ومُتَشَابِهَه (٦٣) مُفَسِّراً مُجْمَلَه ومُبَيِّناً غَوَامِضَه ، بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِه ومُوَسَّعٍ

٤٤

عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِه(٦٤) ، وبَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُه ، ومَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُه ، ووَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُه ، ومُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُه ، وبَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِه وزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِه ، ومُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِه مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْه نِيرَانَه ، أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَه غُفْرَانَه ، وبَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاه مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاه.

ومنها في ذكر الحج

وفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِه الْحَرَامِ ، الَّذِي جَعَلَه قِبْلَةً لِلأَنَامِ ، يَرِدُونَه وُرُودَ الأَنْعَامِ ويَأْلَهُونَ إِلَيْه وُلُوه الْحَمَامِ(٦٥) ، وجَعَلَه سُبْحَانَه عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِه ، وإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِه ، واخْتَارَ مِنْ خَلْقِه سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْه دَعْوَتَه ، وصَدَّقُوا كَلِمَتَه ووَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِه ، وتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِه الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِه ، يُحْرِزُونَ الأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِه ، ويَتَبَادَرُونَ عِنْدَه مَوْعِدَ مَغْفِرَتِه ، جَعَلَه سُبْحَانَه وتَعَالَى لِلإِسْلَامِ عَلَماً ، ولِلْعَائِذِينَ حَرَماً فَرَضَ حَقَّه وأَوْجَبَ حَجَّه ، وكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَه (٦٦) ، فَقَالَ سُبْحَانَه : (ولِلَّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْه سَبِيلًا ، ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).

٤٥

٢ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

بعد انصرافه من صفين

وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين

أَحْمَدُه اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِه واسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِه ، واسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِه ، وأَسْتَعِينُه فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِه ، إِنَّه لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاه ولَا يَئِلُ (٦٧) مَنْ عَادَاه ، ولَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاه ، فَإِنَّه أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وأَفْضَلُ مَا خُزِنَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه ، شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا(٦٨) ، نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا ، ونَدَّخِرُهَا لأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا ، فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الإِيمَانِ وفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ ، ومَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ ومَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ (٦٩) وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه ، أَرْسَلَه بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ ، والْكِتَابِ الْمَسْطُورِ والنُّورِ السَّاطِعِ ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ ، إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ واحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ ، وتَحْذِيراً بِالآيَاتِ وتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ (٧٠) ، والنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ (٧١) فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ ، وتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ (٧٢) ، واخْتَلَفَ النَّجْرُ (٧٣) وتَشَتَّتَ الأَمْرُ ، وضَاقَ الْمَخْرَجُ وعَمِيَ الْمَصْدَرُ ، فَالْهُدَى خَامِلٌ والْعَمَى شَامِلٌ ، عُصِيَ الرَّحْمَنُ ونُصِرَ الشَّيْطَانُ وخُذِلَ الإِيمَانُ ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُه وتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُه ، ودَرَسَتْ (٧٤)

٤٦

سُبُلُه وعَفَتْ شُرُكُه (٧٥) ، أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَه ووَرَدُوا مَنَاهِلَه (٧٦) ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُه وقَامَ لِوَاؤُه فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا (٧٧) ووَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا (٧٨) ، وقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا (٧٩) ، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ ، فِي خَيْرِ دَارٍ وشَرِّ جِيرَانٍ ، نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ ، بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ.

ومنها يعني آل النبي عليه الصلاة والسلام

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّه ولَجَأُ أَمْرِه (٨٠) ، وعَيْبَةُ عِلْمِه (٨١) ومَوْئِلُ (٨٢) حُكْمِه ، وكُهُوفُ كُتُبِه وجِبَالُ دِينِه ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِه وأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِه (٨٣).

ومِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ

زَرَعُوا الْفُجُورَ وسَقَوْه الْغُرُورَ وحَصَدُوا الثُّبُورَ(٨٤) ، لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله مِنْ هَذِه الأُمَّةِ أَحَدٌ ، ولَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْه أَبَداً ، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وعِمَادُ الْيَقِينِ ، إِلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي (٨٥) وبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي ، ولَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ ، الآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِه ونُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِه!

٤٧

٣ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وهي المعروفة بالشقشقية

وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له

أَمَا واللَّه لَقَدْ تَقَمَّصَهَا (٨٦) فُلَانٌ وإِنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ولَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ (٨٧) دُونَهَا ثَوْباً وطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً (٨٨) ، وطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ (٨٩) ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ (٩٠)، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ويَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، ويَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه ،

ترجيح الصبر

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى (٩١) ، فَصَبَرْتُ وفِي الْعَيْنِ قَذًى وفِي الْحَلْقِ شَجًا (٩٢) أَرَى تُرَاثِي (٩٣) نَهْباً حَتَّى مَضَى الأَوَّلُ لِسَبِيلِه ، فَأَدْلَى بِهَا (٩٤) إِلَى فُلَانٍ بَعْدَه ، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الأَعْشَى :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا (٩٥)

ويَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا (٩٦) فِي حَيَاتِه ، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِه لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا (٩٧) ، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا (٩٨) ، ويَخْشُنُ مَسُّهَا ويَكْثُرُ الْعِثَارُ (٩٩) فِيهَا والِاعْتِذَارُ مِنْهَا ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ (١٠٠) ، إِنْ أَشْنَقَ (١٠١) لَهَا خَرَمَ (١٠٢) وإِنْ أَسْلَسَ (١٠٣)

٤٨

لَهَا تَقَحَّمَ (١٠٤) ، فَمُنِيَ (١٠٥) النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّه بِخَبْطٍ (١٠٦) وشِمَاسٍ (١٠٧) وتَلَوُّنٍ واعْتِرَاضٍ (١٠٨)، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وشِدَّةِ الْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِه ، جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّه ولِلشُّورَى (١٠٩)، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِه النَّظَائِرِ (١١٠) ، لَكِنِّي أَسْفَفْتُ (١١١) إِذْ أَسَفُّوا وطِرْتُ إِذْ طَارُوا ، فَصَغَا (١١٢) رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِه (١١٣)، ومَالَ الآخَرُ لِصِهْرِه مَعَ هَنٍ وهَنٍ (١١٤) إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْه (١١٥)، بَيْنَ نَثِيلِه (١١٦) ومُعْتَلَفِه (١١٧)، وقَامَ مَعَه بَنُو أَبِيه يَخْضَمُونَ (١١٨) مَالَ اللَّه ، خِضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ (١١٩) ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ (١٢٠) عَلَيْه فَتْلُه وأَجْهَزَ (١٢١) عَلَيْه عَمَلُه ، وكَبَتْ (١٢٢) بِه بِطْنَتُه (١٢٣).

مبايعة علي

فَمَا رَاعَنِي إِلَّا والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ (١٢٤)، إِلَيَّ يَنْثَالُونَ (١٢٥) عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وشُقَّ عِطْفَايَ (١٢٦) مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ (١٢٧) ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ (١٢٨) ، ومَرَقَتْ أُخْرَى (١٢٩) وقَسَطَ آخَرُونَ (١٣٠) ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّه سُبْحَانَه يَقُولُ : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ ، لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ ولا فَساداً ، والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، بَلَى واللَّه لَقَدْ سَمِعُوهَا ووَعَوْهَا ، ولَكِنَّهُمْ

٤٩

حَلِيَتِ الدُّنْيَا (١٣١) فِي أَعْيُنِهِمْ ورَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا(١٣٢)!

أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ (١٣٣) ، لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ (١٣٤) وقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ(١٣٥) ، ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ ، أَلَّا يُقَارُّوا (١٣٦) عَلَى كِظَّةِ (١٣٧) ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ (١٣٨) مَظْلُومٍ ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا (١٣٩) ـ ولَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا ـ ولأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِه أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ (١٤٠)!

قَالُوا وقَامَ إِلَيْه رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ (١٤١) ـ عِنْدَ بُلُوغِه إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِه ـ فَنَاوَلَه كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيه مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيه ـ [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِه] قَالَ لَه ابْنُ عَبَّاسٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ (١٤٢) مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ(١٤٣)!

فَقَالَ هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ـ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ (١٤٤) هَدَرَتْ (١٤٥) ثُمَّ قَرَّتْ (١٤٦)!

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّه مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ ـ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ ـ أَلَّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام بَلَغَ مِنْه حَيْثُ أَرَادَ.

* *

قال الشريف رضي‌الله‌عنه قوله عليه‌السلام كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ـ وإن أسلس لها تقحم ـ يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام ـ وهي تنازعه رأسها خرم أنفها ـ وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها ـ تقحمت به فلم يملكها ـ يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه ـ وشنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق ـ وإنما قال عليه‌السلام أشنق لها ولم يقل أشنقها ـ لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها ـ فكأنه عليه‌السلام قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام ـ

٥٠

٤ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وهي من أفصح كلامه عليه‌السلام وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم

ويقال : إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ وتَسَنَّمْتُمْ (١٤٧) ذُرْوَةَ ـ الْعَلْيَاءِ وبِنَا أَفْجَرْتُمْ (١٤٨) عَنِ السِّرَارِ (١٤٩) ـ وُقِرَ(١٥٠) سَمْعٌ لَمْ يَفْقَه الْوَاعِيَةَ (١٥١) ـ وكَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ (١٥٢) مَنْ أَصَمَّتْه الصَّيْحَةُ ـ رُبِطَ جَنَانٌ(١٥٣) لَمْ يُفَارِقْه الْخَفَقَانُ ـ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ ـ وأَتَوَسَّمُكُمْ (١٥٤) بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ(١٥٥) ـ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ (١٥٦) ـ وبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ ـ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ فِي جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ (١٥٧) ـ حَيْثُ تَلْتَقُونَ ولَا دَلِيلَ ـ وتَحْتَفِرُونَ ولَا تُمِيهُونَ(١٥٨).

الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ(١٥٩) ذَاتَ الْبَيَانِ ـ عَزَبَ (١٦٠) رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي ـ مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُه ـ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى عليه‌السلام خِيفَةً (١٦١) عَلَى نَفْسِه ـ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ ودُوَلِ الضَّلَالِ ـ الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا (١٦٢) عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ والْبَاطِلِ ـ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ!

٥١

٥ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وخاطبه العباس وأبو سفيان

بن حرب ـ في أن يبايعا له بالخلافة (وذلك بعد أن تمت البيعة لأبي بكر

في السقيفة ، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه)

النهي عن الفتنة

أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ ـ وعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ ـ وضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ ـ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ ـ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ (١٦٣) ولُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا. ومُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا (١٦٤) كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِه.

خلقه وعلمه

فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ ـ وإِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ (١٦٥) مِنَ الْمَوْتِ ـ هَيْهَاتَ (١٦٦) بَعْدَ اللَّتَيَّا والَّتِي (١٦٧) واللَّه لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ ـ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّه ـ بَلِ انْدَمَجْتُ (١٦٨) عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِه لَاضْطَرَبْتُمْ ـ اضْطِرَابَ الأَرْشِيَةِ (١٦٩) فِي الطَّوِيِّ (١٧٠) الْبَعِيدَةِ!

٥٢

٦ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال

وفيه يبين عن صفته بأنه عليه‌السلام لا يخدع

واللَّه لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ (١٧١) حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا ويَخْتِلَهَا(١٧٢) رَاصِدُهَا(١٧٣) ولَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْه ـ وبِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ (١٧٤) أَبَداً ـ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي ـ فَوَاللَّه مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي ـ مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّه نَبِيَّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا.

٧ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يذم فيها أتباع الشيطان

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلَاكاً (١٧٥) واتَّخَذَهُمْ لَه أَشْرَاكاً (١٧٦) فَبَاضَ وفَرَّخَ (١٧٧) فِي صُدُورِهِمْ ودَبَّ ودَرَجَ (١٧٨) فِي حُجُورِهِمْ ـ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ـ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ(١٧٩) وزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ (١٨٠) فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَه (١٨١) الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِه ونَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِه!

٥٣

٨ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك ويدعوه للدخول في البيعة ثانية

يَزْعُمُ أَنَّه قَدْ بَايَعَ بِيَدِه ولَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِه ـ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وادَّعَى الْوَلِيجَةَ (١٨٢) ـ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ ـ وإِلَّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْه.

٩ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في صفته وصفة خصومه ويقال إنها في أصحاب الجمل

وقَدْ أَرْعَدُوا وأَبْرَقُوا (١٨٣) ومَعَ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ (١٨٤) ولَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ (١٨٥) ولَا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ.

١٠ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يريد الشيطان أو يكني به عن قوم

أَلَا وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَه ـ واسْتَجْلَبَ خَيْلَه ورَجِلَه (١٨٦) وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي (١٨٧) ولَا لُبِّسَ عَلَيَّ ـ وايْمُ اللَّه لأُفْرِطَنَّ (١٨٨) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُه (١٨٩) لَا يَصْدُرُونَ عَنْه (١٩٠) ولَا يَعُودُونَ إِلَيْه.

٥٤

١١ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لابنه محمد ابن الحنفية ـ لما أعطاه الراية يوم الجمل

تَزُولُ الْجِبَالُ ولَا تَزُلْ ـ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ (١٩١) أَعِرِ(١٩٢) اللَّه جُمْجُمَتَكَ ـ تِدْ (١٩٣) فِي الأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وغُضَّ بَصَرَكَ (١٩٤) واعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّه سُبْحَانَه.

١٢ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لما أظفره الله بأصحاب الجمل وقَدْ قَالَ لَه بَعْضُ أَصْحَابِه ـ وَدِدْتُ أَنَّ

أَخِي فُلَاناً كَانَ شَاهِدَنَا ـ لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّه بِه عَلَى أَعْدَائِكَ

فَقَالَ لَه عليه‌السلام أَهَوَى (١٩٥) أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا ـ ولَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ ـ وأَرْحَامِ النِّسَاءِ ـ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ (١٩٦) ويَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ.

١٣ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل

كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ (١٩٧) رَغَا(١٩٨) فَأَجَبْتُمْ وعُقِرَ (١٩٩) فَهَرَبْتُمْ أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ(٢٠٠) وعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ ودِينُكُمْ نِفَاقٌ ومَاؤُكُمْ زُعَاقٌ (٢٠١) والْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ (٢٠٢) بِذَنْبِه والشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّه ـ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ

٥٥

سَفِينَةٍ (٢٠٣) قَدْ بَعَثَ اللَّه عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا ومِنْ تَحْتِهَا ـ وغَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا.

وفِي رِوَايَةٍ وايْمُ اللَّه لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ ـ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ(٢٠٤).

وفِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ(٢٠٥).

وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ (٢٠٦) بِلَادِ اللَّه تُرْبَةً ـ أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وأَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ ـ وبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ ـ الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِه والْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّه ـ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِه قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ ـ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ (٢٠٧) كَأَنَّه جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ!

١٤ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في مثل ذلك

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ـ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ (٢٠٨) فَأَنْتُمْ غَرَضٌ (٢٠٩) لِنَابِلٍ (٢١٠) وأُكْلَةٌ لِآكِلٍ وفَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ. (٢١١)

٥٦

١٥ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان ـ رضي‌الله‌عنه(٢١٢)

واللَّه لَوْ وَجَدْتُه قَدْ تُزُوِّجَ بِه النِّسَاءُ ومُلِكَ بِه الإِمَاءُ ـ لَرَدَدْتُه ـ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ـ ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ!

١٦ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لما بويع في المدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم

وفيها يقسمهم إلى أقسام

ذِمَّتِي (٢١٣) بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ (٢١٤) (وأَنَا بِه زَعِيمٌ) (٢١٥) إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَه الْعِبَرُ (٢١٦) عَمَّا بَيْنَ يَدَيْه مِنَ الْمَثُلَاتِ (٢١٧) حَجَزَتْه (٢١٨) التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ (٢١٩) أَلَا وإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا (٢٢٠) يَوْمَ بَعَثَ اللَّه نَبِيَّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله والَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ (٢٢١) بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ (٢٢٢) غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ (٢٢٣) سَوْطَ الْقِدْرِ (٢٢٤) حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ـ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ـ ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا ـ واللَّه مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً(٢٢٥) ولَا كَذَبْتُ كِذْبَةً ـ ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ ـ أَلَا وإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ (٢٢٦) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا ـ وخُلِعَتْ لُجُمُهَا (٢٢٧) فَتَقَحَّمَتْ (٢٢٨) بِهِمْ فِي النَّارِ ـ أَلَا وإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ (٢٢٩) حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا،

٥٧

وأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ ـ حَقٌّ وبَاطِلٌ ولِكُلٍّ أَهْلٌ ـ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ ـ ولَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا ولَعَلَّ ولَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ!

قال السيد الشريف وأقول ـ إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ـ ما لا تبلغه مواقع الاستحسان ـ وإن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به ـ وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة ـ لا يقوم بها لسان ولا يطلع فجها إنسان (٢٣٠) ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق ـ وجرى فيها على عرق (٢٣١) (وما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ).

ومن هذه الخطبة وفيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف

شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ والنَّارُ أَمَامَه ـ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا ـ ومُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى ـ الْيَمِينُ والشِّمَالُ مَضَلَّةٌ والطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ (٢٣٢) عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وآثَارُ النُّبُوَّةِ ـ ومِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ ـ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى و (خابَ مَنِ افْتَرى) ـ مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَه لِلْحَقِّ هَلَكَ ـ وكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه ـ لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ (٢٣٣) أَصْلٍ ـ ولَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ ـ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ (وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) ـ والتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ ـ ولَا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّه ولَا يَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَه.

٥٨

١٧ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل

وفيها : أبغض الخلائق إلى اللَّه صنفان

الصنف الأول : إنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَى اللَّه رَجُلَانِ ـ رَجُلٌ وَكَلَه اللَّه إِلَى نَفْسِه (٢٣٤) فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ (٢٣٥) مَشْغُوفٌ (٢٣٦) بِكَلَامِ بِدْعَةٍ (٢٣٧) ودُعَاءِ ضَلَالَةٍ ـ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِه ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَه ـ مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِه فِي حَيَاتِه وبَعْدَ وَفَاتِه ـ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِه رَهْنٌ بِخَطِيئَتِه(٢٣٨).

الصنف الثاني : ورَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا(٢٣٩) مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ (٢٤٠) عَادٍ (٢٤١) فِي أَغْبَاشِ (٢٤٢) الْفِتْنَةِ عَمٍ (٢٤٣) بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (٢٤٤) قَدْ سَمَّاه أَشْبَاه النَّاسِ عَالِماً ولَيْسَ بِه ـ بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْه خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ ـ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ (٢٤٥) واكْتَثَرَ (٢٤٦) مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ(٢٤٧) جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ (٢٤٨) مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِه (٢٤٩) فَإِنْ نَزَلَتْ بِه إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ ـ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً (٢٥٠) رَثًّا (٢٥١) مِنْ رَأْيِه ثُمَّ قَطَعَ بِه ـ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ ـ لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ ـ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ ـ وإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ ـ جَاهِلٌ خَبَّاطُ (٢٥٢) جَهَالَاتٍ عَاشٍ (٢٥٣) رَكَّابُ عَشَوَاتٍ (٢٥٤) لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ

٥٩

بِضِرْسٍ قَاطِعٍ ـ يَذْرُو (٢٥٥) الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ (٢٥٦) لَا مَلِيٌّ(٢٥٧) واللَّه بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْه ـ ولَا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِه (٢٥٨) لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَه ـ ولَا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِه ـ وإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْه أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِه (٢٥٩) لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِه ـ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِه الدِّمَاءُ ـ وتَعَجُّ مِنْه الْمَوَارِيثُ (٢٦٠) إِلَى اللَّه أَشْكُو ـ مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالًا ويَمُوتُونَ ضُلَّالًا ـ لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ (٢٦١) مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِه ـ ولَا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ (٢٦٢) بَيْعاً ـ ولَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِه ـ ولَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ولَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ!

١٨ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في ذم اختلاف العلماء في الفتيا

وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن

ذم أهل الرأي

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الأَحْكَامِ ـ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِه ـ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِه ـ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلَافِ قَوْلِه ـ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ (٢٦٣) فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وإِلَهُهُمْ وَاحِدٌ ـ ونَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ!

٦٠