نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

وأَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ ـ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ ـ وقِلَّةُ عِلْمٍ بِالأُمُورِ ـ والِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَه ـ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ ويَعْظُمُ الصَّغِيرُ ـ ويَقْبُحُ الْحَسَنُ ويَحْسُنُ الْقَبِيحُ ـ ويُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ـ وإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ ـ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْه النَّاسُ بِه مِنَ الأُمُورِ ـ ولَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ (٤١٧٧) ـ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ ـ وإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ ـ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ (٤١٧٨) فِي الْحَقِّ ـ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيه ـ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيه أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ ـ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ ـ إِذَا أَيِسُوا (٤١٧٩) مِنْ بَذْلِكَ ـ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ ـ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيه عَلَيْكَ ـ مِنْ شَكَاةِ (٤١٨٠) مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ.

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وبِطَانَةً ـ فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وتَطَاوُلٌ وقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ (٤١٨١) مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الأَحْوَالِ ـ ولَا تُقْطِعَنَّ (٤١٨٢) لأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وحَامَّتِكَ (٤١٨٣) قَطِيعَةً ـ ولَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ (٤١٨٤) عُقْدَةٍ ـ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ ـ فِي شِرْبٍ (٤١٨٥) أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ ـ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَه عَلَى غَيْرِهِمْ ـ فَيَكُونَ مَهْنَأُ (٤١٨٦) ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ ـ وعَيْبُه عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.

وأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَه مِنَ الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ ـ وكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً

٤٤١

مُحْتَسِباً ـ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ ـ وابْتَغِ عَاقِبَتَه بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْه ـ فَإِنَّ مَغَبَّةَ (٤١٨٧) ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ.

وإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً (٤١٨٨) فَأَصْحِرْ (٤١٨٩) لَهُمْ بِعُذْرِكَ ـ واعْدِلْ (٤١٩٠) عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ ـ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً (٤١٩١) مِنْكَ لِنَفْسِكَ ورِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وإِعْذَاراً (٤١٩٢) ـ تَبْلُغُ بِه حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.

ولَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْه عَدُوُّكَ ولِلَّه فِيه رِضًا ـ فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً (٤١٩٣) لِجُنُودِكَ ـ ورَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وأَمْناً لِبِلَادِكَ ـ ولَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِه ـ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ (٤١٩٤) ـ فَخُذْ بِالْحَزْمِ واتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ ـ وإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً ـ أَوْ أَلْبَسْتَه مِنْكَ ذِمَّةً (٤١٩٥) ـ فَحُطْ (٤١٩٦) عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ ـ واجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً (٤١٩٧) دُونَ مَا أَعْطَيْتَ ـ فَإِنَّه لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّه شَيْءٌ ـ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْه اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ ـ وتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ ـ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ ـ وقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ ـ لِمَا اسْتَوْبَلُوا (٤١٩٨) مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ ـ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ ولَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ (٤١٩٩) ـ ولَا تَخْتِلَنَّ (٤٢٠٠) عَدُوَّكَ ـ فَإِنَّه لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّه إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ ـ وقَدْ جَعَلَ اللَّه عَهْدَه وذِمَّتَه أَمْناً أَفْضَاه (٤٢٠١) بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِه ـ وحَرِيماً (٤٢٠٢) يَسْكُنُونَ إِلَى

٤٤٢

مَنَعَتِه (٤٢٠٣) ويَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِه (٤٢٠٤) ـ فَلَا إِدْغَالَ (٤٢٠٥) ولَا مُدَالَسَةَ (٤٢٠٦) ولَا خِدَاعَ فِيه ـ ولَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيه الْعِلَلَ (٤٢٠٧) ـ ولَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ (٤٢٠٨) بَعْدَ التَّأْكِيدِ والتَّوْثِقَةِ ـ ولَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ ـ لَزِمَكَ فِيه عَهْدُ اللَّه إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِه بِغَيْرِ الْحَقِّ ـ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَه وفَضْلَ عَاقِبَتِه ـ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَه ـ وأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّه فِيه طِلْبَةٌ (٤٢٠٩) ـ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ ولَا آخِرَتَكَ.

إِيَّاكَ والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا ـ فَإِنَّه لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ ولَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ ـ ولَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ ـ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا ـ واللَّه سُبْحَانَه مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ ـ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ ـ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُه ويُوهِنُه بَلْ يُزِيلُه ويَنْقُلُه ـ ولَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّه ولَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ ـ لأَنَّ فِيه قَوَدَ (٤٢١٠) الْبَدَنِ ـ وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ ـ وأَفْرَطَ عَلَيْكَ (٤٢١١) سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ ـ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ (٤٢١٢) فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً ـ فَلَا تَطْمَحَنَّ (٤٢١٣) بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ ـ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ.

وإِيَّاكَ والإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ ـ والثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وحُبَّ

٤٤٣

الإِطْرَاءِ (٤٢١٤) ـ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِه ـ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ.

وإِيَّاكَ والْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ ـ أَوِ التَّزَيُّدَ (٤٢١٥) فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ ـ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ ـ فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الإِحْسَانَ والتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ ـ والْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ (٤٢١٦) عِنْدَ اللَّه والنَّاسِ ـ قَالَ اللَّه تَعَالَى ـ (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ).

وإِيَّاكَ والْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا ـ أَوِ التَّسَقُّطَ (٤٢١٧) فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا ـ أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ (٤٢١٨) ـ أَوِ الْوَهْنَ (٤٢١٩) عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ ـ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَه وأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَه.

وإِيَّاكَ والِاسْتِئْثَارَ (٤٢٢٠) بِمَا النَّاسُ فِيه أُسْوَةٌ (٤٢٢١) ـ والتَّغَابِيَ (٤٢٢٢) عَمَّا تُعْنَى بِه مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ ـ فَإِنَّه مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ ـ وعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأُمُورِ ـ ويُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ ـ امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ (٤٢٢٣) وسَوْرَةَ (٤٢٢٤) حَدِّكَ (٤٢٢٥) ـ وسَطْوَةَ يَدِكَ وغَرْبَ (٤٢٢٦) لِسَانِكَ ـ واحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ (٤٢٢٧) وتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ ـ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ ـ ولَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ ـ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ.

٤٤٤

والْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ ـ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ ـ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا صلى‌الله‌عليه‌وآله أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّه ـ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِه فِيهَا ـ وتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا ـ واسْتَوْثَقْتُ بِه مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ ـ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا : وأَنَا أَسْأَلُ اللَّه بِسَعَةِ رَحْمَتِه ـ وعَظِيمِ قُدْرَتِه عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ ـ أَنْ يُوَفِّقَنِي وإِيَّاكَ لِمَا فِيه رِضَاه ـ مِنَ الإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْه وإِلَى خَلْقِه ـ مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وجَمِيلِ الأَثَرِ فِي الْبِلَادِ ـ وتَمَامِ النِّعْمَةِ وتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ (٤٢٢٨) ـ وأَنْ يَخْتِمَ لِي ولَكَ بِالسَّعَادَةِ والشَّهَادَةِ ـ (إِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ) ـ والسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً والسَّلَامُ.

٥٤ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى طلحة والزبير (مع عمران بن الحصين الخزاعي) ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وإِنْ كَتَمْتُمَا ـ أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي ـ ولَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي ـ وإِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وبَايَعَنِي ـ وإِنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ ولَا لِعَرَضٍ (٤٢٢٩) حَاضِرٍ ـ فَإِنْ

٤٤٥

كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ ـ فَارْجِعَا وتُوبَا إِلَى اللَّه مِنْ قَرِيبٍ ـ وإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ ـ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ (٤٢٣٠) بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ ـ وإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ ـ ولَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ ـ بِالتَّقِيَّةِ والْكِتْمَانِ ـ وإِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيه ـ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْه ـ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِه.

وقَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ ـ فَبَيْنِي وبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ـ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ ـ فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا ـ فَإِنَّ الآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ ـ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ والنَّارُ ـ والسَّلَامُ.

٥٥ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا ـ وابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ـ ولَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا ولَا بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا ـ وإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا ـ وقَدِ ابْتَلَانِي اللَّه بِكَ وابْتَلَاكَ بِي ـ فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الآخَرِ ـ فَعَدَوْتَ (٤٢٣١) عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ـ فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي ولَا لِسَانِي ـ وعَصَيْتَه أَنْتَ وأَهْلُ الشَّامِ بِي ـ وأَلَّبَ (٤٢٣٢) عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ؛

٤٤٦

فَاتَّقِ اللَّه فِي نَفْسِكَ ونَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ (٤٢٣٣) ـ واصْرِفْ إِلَى الآخِرَةِ وَجْهَكَ ـ فَهِيَ طَرِيقُنَا وطَرِيقُكَ ـ واحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللَّه مِنْه بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ (٤٢٣٤) ـ تَمَسُّ الأَصْلَ (٤٢٣٥) وتَقْطَعُ الدَّابِرَ (٤٢٣٦) ـ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّه أَلِيَّةً (٤٢٣٧) غَيْرَ فَاجِرَةٍ ـ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وإِيَّاكَ جَوَامِعُ الأَقْدَارِ لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ (٤٢٣٨) ـ (حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنا وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).

٥٦ ـ ومن وصية له عليه‌السلام

وصى بها شريح بن هانئ ـ لما جعله على مقدمته إلى الشام

اتَّقِ اللَّه فِي كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ ـ وخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ ـ ولَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ ـ واعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ ـ مَخَافَةَ مَكْرُوه ـ سَمَتْ (٤٢٣٩) بِكَ الأَهْوَاءُ (٤٢٤٠) إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ ـ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً ـ ولِنَزْوَتِكَ (٤٢٤١) عِنْدَ الْحَفِيظَةِ (٤٢٤٢) وَاقِماً (٤٢٤٣) قَامِعاً (٤٢٤٤).

٥٧ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى أهل الكوفة ـ عند مسيره من المدينة إلى البصرة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي (٤٢٤٥) هَذَا ـ إِمَّا ظَالِماً وإِمَّا

٤٤٧

مَظْلُوماً وإِمَّا بَاغِياً وإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْه ـ وإِنِّي أُذَكِّرُ اللَّه مَنْ بَلَغَه كِتَابِي هَذَا لَمَّا (٤٢٤٦) نَفَرَ إِلَيَّ ـ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي ـ وإِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي (٤٢٤٧).

٥٨ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

كتبه إلى أهل الأمصار ـ يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين

وكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا والْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ـ والظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ ونَبِيَّنَا وَاحِدٌ (٤٢٤٨) ـ ودَعْوَتَنَا فِي الإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ ـ ولَا نَسْتَزِيدُهُمْ (٤٢٤٩) فِي الإِيمَانِ بِاللَّه والتَّصْدِيقِ بِرَسُولِه ـ ولَا يَسْتَزِيدُونَنَا ـ الأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيه مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ـ ونَحْنُ مِنْه بَرَاءٌ ـ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ ـ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ (٤٢٥٠) وتَسْكِينِ الْعَامَّةِ ـ حَتَّى يَشْتَدَّ الأَمْرُ ويَسْتَجْمِعَ ـ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَه ـ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيه بِالْمُكَابَرَةِ (٤٢٥١) ـ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ (٤٢٥٢) الْحَرْبُ ورَكَدَتْ (٤٢٥٣) ـ ووَقَدَتْ (٤٢٥٤) نِيرَانُهَا وحَمِشَتْ (٤٢٥٥) ـ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا (٤٢٥٦) وإِيَّاهُمْ ـ ووَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وفِيهِمْ ـ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْه ـ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وسَارَعْنَاهُمْ (٤٢٥٧) إِلَى مَا طَلَبُوا ـ حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ـ وانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ ـ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ـ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَه اللَّه مِنَ الْهَلَكَةِ ـ ومَنْ لَجَّ وتَمَادَى فَهُوَ

٤٤٨

الرَّاكِسُ (٤٢٥٨) ـ الَّذِي رَانَ (٤٢٥٩) اللَّه عَلَى قَلْبِه ـ وصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِه.

٥٩ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان (٤٢٦٠)

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاه (٤٢٦١) ـ مَنَعَه ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ ـ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً ـ فَإِنَّه لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ ـ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَه ـ وابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّه عَلَيْكَ ـ رَاجِياً ثَوَابَه ومُتَخَوِّفاً عِقَابَه.

واعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ ـ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً ـ إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُه (٤٢٦٢) عَلَيْه حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ وأَنَّه لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً ـ ومِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ ـ والِاحْتِسَابُ (٤٢٦٣) عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ ـ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ ـ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ والسَّلَامُ.

٦٠ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم (٤٢٦٤)

مِنْ عَبْدِ اللَّه عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِه الْجَيْشُ ـ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وعُمَّالِ الْبِلَادِ.

٤٤٩

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً ـ هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه ـ وقَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّه عَلَيْهِمْ ـ مِنْ كَفِّ الأَذَى وصَرْفِ الشَّذَا (٤٢٦٥) ـ وأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وإِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ (٤٢٦٦) الْجَيْشِ ـ إِلَّا مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ (٤٢٦٧) لَا يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِه ـ فَنَكِّلُوا (٤٢٦٨) مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ ـ وكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَارَّتِهِمْ ـ والتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اسْتَثْنَيْنَاه مِنْهُمْ ـ وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ ـ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ ـ ومَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ ـ ومَا لَا تُطِيقُونَ دَفْعَه إِلَّا بِاللَّه وبِي فَأَنَا أُغَيِّرُه بِمَعُونَةِ اللَّه إِنْ شَاءَ اللَّه.

٦١ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى كميل بن زياد النخعي وهو عامله على هيت ، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وتَكَلُّفَه مَا كُفِيَ ـ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ ورَأْيٌ مُتَبَّرٌ (٤٢٦٩) ـ وإِنَّ تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا (٤٢٧٠) ـ وتَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ (٤٢٧١) الَّتِي وَلَّيْنَاكَ ـ لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا ولَا يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا ـ لَرَأْيٌ شَعَاعٌ (٤٢٧٢) ـ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ ـ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ ـ غَيْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ (٤٢٧٣) ولَا مَهِيبِ الْجَانِبِ،

٤٥٠

ولَا سَادٍّ ثُغْرَةً (٤٢٧٤) ولَا كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً ـ ولَا مُغْنٍ عَنْ (٤٢٧٥) أَهْلِ مِصْرِه ولَا مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِه.

٦٢ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى أهل مصر مع مالك الأشتر ـ لما ولاه إمارتها

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ ومُهَيْمِناً (٤٢٧٦) عَلَى الْمُرْسَلِينَ ـ فَلَمَّا مَضَى عليه‌السلام تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِه ـ فَوَاللَّه مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي (٤٢٧٧) ـ ولَا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأَمْرَ ـ مِنْ بَعْدِه صلى‌الله‌عليه‌وآله عَنْ أَهْلِ بَيْتِه ـ ولَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوه عَنِّي مِنْ بَعْدِه ـ فَمَا رَاعَنِي (٤٢٧٨) إِلَّا انْثِيَالُ (٤٢٧٩) النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ يُبَايِعُونَه ـ فَأَمْسَكْتُ يَدِي (٤٢٨٠) حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ (٤٢٨١) النَّاسِ ـ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلَامِ ـ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلَامَ وأَهْلَه ـ أَنْ أَرَى فِيه ثَلْماً (٤٢٨٢) أَوْ هَدْماً ـ تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِه عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ ـ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ ـ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ـ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ ـ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ (٤٢٨٣) الْبَاطِلُ وزَهَقَ (٤٢٨٤) ـ واطْمَأَنَّ الدِّينُ وتَنَهْنَه (٤٢٨٥).

٤٥١

ومِنْه : إِنِّي واللَّه لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وهُمْ طِلَاعُ (٤٢٨٦) الأَرْضِ كُلِّهَا ـ مَا بَالَيْتُ ولَا اسْتَوْحَشْتُ ـ وإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيه ـ والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْه ـ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي ـ وإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّه لَمُشْتَاقٌ ـ وحُسْنِ ثَوَابِه لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ ـ ولَكِنَّنِي آسَى (٤٢٨٧) أَنْ يَلِيَ (٤٢٨٨) أَمْرَ هَذِه الأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وفُجَّارُهَا ـ فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّه دُوَلًا (٤٢٨٩) وعِبَادَه خَوَلًا (٤٢٩٠) ـ والصَّالِحِينَ حَرْباً (٤٢٩١) والْفَاسِقِينَ حِزْباً ـ فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ (٤٢٩٢) ـ وجُلِدَ حَدّاً فِي الإِسْلَامِ ـ وإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَه عَلَى الإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ (٤٢٩٣) ـ فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ (٤٢٩٤) وتَأْنِيبَكُمْ ـ وجَمْعَكُمْ وتَحْرِيضَكُمْ ـ ولَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ ووَنَيْتُمْ (٤٢٩٥).

أَلَا تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ (٤٢٩٦) قَدِ انْتَقَصَتْ (٤٢٩٧) ـ وإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ ـ وإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى (٤٢٩٨) وإِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى ـ انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللَّه إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ ـ ولَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الأَرْضِ فَتُقِرُّوا (٤٢٩٩) بِالْخَسْفِ (٤٣٠٠) ـ وتَبُوءُوا (٤٣٠١) بِالذُّلِّ ويَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ ـ وإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ (٤٣٠٢) ومَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْه والسَّلَامُ.

٤٥٢

٦٣ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة ، وقد بلغه عنه تثبيطه (٤٣٠٣) الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل.

مِنْ عَبْدِ اللَّه عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّه بْنِ قَيْسٍ.

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وعَلَيْكَ ـ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ ـ واشْدُدْ مِئْزَرَكَ (٤٣٠٤) واخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ (٤٣٠٥) وانْدُبْ (٤٣٠٦) مَنْ مَعَكَ ـ فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ (٤٣٠٧) وإِنْ تَفَشَّلْتَ (٤٣٠٨) فَابْعُدْ ـ وايْمُ اللَّه لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ ـ ولَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ (٤٣٠٩) ـ وذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ ـ وحَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ (٤٣١٠) ـ وتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ ـ ومَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى (٤٣١١) الَّتِي تَرْجُو ـ ولَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى ـ يُرْكَبُ جَمَلُهَا ويُذَلَّلُّ صَعْبُهَا ويُسَهَّلُ جَبَلُهَا ـ فَاعْقِلْ عَقْلَكَ (٤٣١٢) وامْلِكْ أَمْرَكَ وخُذْ نَصِيبَكَ وحَظَّكَ ـ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ ولَا فِي نَجَاةٍ ـ فَبِالْحَرِيِّ (٤٣١٣) لَتُكْفَيَنَّ (٤٣١٤) وأَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ ـ واللَّه إِنَّه لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ ومَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ ـ والسَّلَامُ.

٤٥٣

٦٤ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى معاوية جوابا

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ ـ مِنَ الأُلْفَةِ والْجَمَاعَةِ ـ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وكَفَرْتُمْ ـ والْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وفُتِنْتُمْ ـ ومَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً (٤٣١٥) ـ وبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الإِسْلَامِ (٤٣١٦) كُلُّه لِرَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حِزْباً.

وذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ والزُّبَيْرَ ـ وشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ (٤٣١٧) ونَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ (٤٣١٨) ـ وذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْه فَلَا عَلَيْكَ ولَا الْعُذْرُ فِيه إِلَيْكَ.

وذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ ـ وقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ ـ فَإِنْ كَانَ فِيه عَجَلٌ فَاسْتَرْفِه (٤٣١٩) ـ فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ ـ أَنْ يَكُونَ اللَّه إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ ـ وإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ :

مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ

بِحَاصِبٍ (٤٣٢٠) بَيْنَ أَغْوَارٍ (٤٣٢١) وجُلْمُودِ (٤٣٢٢)

ـ وعِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُه (٤٣٢٣) بِجَدِّكَ ـ وخَالِكَ وأَخِيكَ فِي

٤٥٤

مَقَامٍ وَاحِدٍ ـ وإِنَّكَ واللَّه مَا عَلِمْتُ الأَغْلَفُ الْقَلْبِ (٤٣٢٤) الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ (٤٣٢٥) ـ والأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ ـ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ ـ لأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ (٤٣٢٦) ورَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ (٤٣٢٧) ـ وطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِه ولَا فِي مَعْدِنِه ـ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ ـ وقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وأَخْوَالٍ ـ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ (٤٣٢٨) حَيْثُ عَلِمْتَ ـ لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً ولَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً ـ بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلَا مِنْهَا الْوَغَى (٤٣٢٩) ـ ولَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى (٤٣٣٠).

وقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ ـ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيه النَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ ـ أَحْمِلْكَ وإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّه تَعَالَى ـ وأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ ـ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ (٤٣٣١) الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ (٤٣٣٢) ـ والسَّلَامُ لأَهْلِه.

٦٥ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إليه أيضا

أَمَّا بَعْدُ ـ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ (٤٣٣٣) مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ (٤٣٣٤) ـ فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ،

٤٥٥

واقْتِحَامِكَ (٤٣٣٥) غُرُورَ الْمَيْنِ (٤٣٣٦) والأَكَاذِيبِ وبِانْتِحَالِكَ (٤٣٣٧) مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ (٤٣٣٨) ـ وابْتِزَازِكَ (٤٣٣٩) لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ (٤٣٤٠) دُونَكَ ـ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ ـ وجُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ ودَمِكَ (٤٣٤١) ـ مِمَّا قَدْ وَعَاه سَمْعُكَ ـ ومُلِئَ بِه صَدْرُكَ ـ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ ـ وبَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ (٤٣٤٢) ـ فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ واشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا (٤٣٤٣) ـ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا (٤٣٤٤) ـ وأَغْشَتِ (٤٣٤٥) الأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا.

وقَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ (٤٣٤٦) مِنَ الْقَوْلِ ـ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ (٤٣٤٧) ـ وأَسَاطِيرَ (٤٣٤٨) لَمْ يَحُكْهَا (٤٣٤٩) مِنْكَ عِلْمٌ ولَا حِلْمٌ (٤٣٥٠) ـ أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ (٤٣٥١) ـ والْخَابِطِ (٤٣٥٢) فِي الدِّيمَاسِ (٤٣٥٣) ـ وتَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ (٤٣٥٤) بَعِيدَةِ الْمَرَامِ ـ نَازِحَةِ الأَعْلَامِ (٤٣٥٥) ـ تَقْصُرُ دُونَهَا الأَنُوقُ (٤٣٥٦) ـ ويُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ (٤٣٥٧).

وحَاشَ لِلَّه أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً (٤٣٥٨) ـ أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً ـ فَمِنَ الآنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ وانْظُرْ لَهَا ـ فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ (٤٣٥٩) إِلَيْكَ عِبَادُ اللَّه ـ أُرْتِجَتْ (٤٣٦٠) عَلَيْكَ الأُمُورُ ـ ومُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ والسَّلَامُ.

٤٥٦

٦٦ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى عبد الله بن العباس وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية

أَمَّا بَعْدُ ـ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَه ـ ويَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه ـ فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ ـ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ ـ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ ـ ولَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ ـ ولْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ ـ وأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ (٤٣٦١) ـ وهَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

٦٧ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى قثم بن العباس ـ وهو عامله على مكة

أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ ـ (وذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله) (٤٣٦٢) ـ واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ (٤٣٦٣) ـ فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ ـ وعَلِّمِ الْجَاهِلَ وذَاكِرِ الْعَالِمَ ـ ولَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ ـ ولَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ ـ ولَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا ـ فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ (٤٣٦٤) عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا (٤٣٦٥) ـ لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا.

وانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللَّه ـ فَاصْرِفْه إِلَى مَنْ قِبَلَكَ (٤٣٦٦)

٤٥٧

مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ والْمَجَاعَةِ ـ مُصِيباً بِه مَوَاضِعَ الْفَاقَةِ (٤٣٦٧) والْخَلَّاتِ (٤٣٦٨) ـ ومَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْه إِلَيْنَا لِنَقْسِمَه فِيمَنْ قِبَلَنَا.

ومُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً ـ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه يَقُولُ ـ (سَواءً الْعاكِفُ فِيه والْبادِ) ـ فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِه ـ والْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْه مِنْ غَيْرِ أَهْلِه ـ وَفَّقَنَا اللَّه وإِيَّاكُمْ لِمَحَابِّه (٤٣٦٩) والسَّلَامُ.

٦٨ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى سلمان الفارسي رحمه‌الله ـ قبل أيام خلافته

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ ـ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا ـ فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا ـ لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا ـ وضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا ـ لِمَا أَيْقَنْتَ بِه مِنْ فِرَاقِهَا ـ وتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا ـ وكُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا (٤٣٧٠) أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا ـ فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ ـ أَشْخَصَتْه (٤٣٧١) عَنْه إِلَى مَحْذُورٍ ـ أَوْ إِلَى إِينَاسٍ أَزَالَتْه عَنْه إِلَى إِيحَاشٍ والسَّلَامُ.

٤٥٨

٦٩ ـ ومن كتاب له عليه‌السلام

إلى الحارث الهمذاني

وتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ واسْتَنْصِحْه ـ وأَحِلَّ حَلَالَه وحَرِّمْ حَرَامَه ـ وصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ ـ واعْتَبِرْ (٤٣٧٢) بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا ـ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِه بَعْضاً ـ وآخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا ـ وكُلُّهَا حَائِلٌ (٤٣٧٣) مُفَارِقٌ ـ وعَظِّمِ اسْمَ اللَّه أَنْ تَذْكُرَه إِلَّا عَلَى حَقٍّ ـ وأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ ومَا بَعْدَ الْمَوْتِ ـ ولَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ (٤٣٧٤) ـ واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاه صَاحِبُه لِنَفْسِه ـ ويُكْرَه لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ ـ واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِه فِي السِّرِّ ـ ويُسْتَحَى مِنْه فِي الْعَلَانِيَةِ ـ واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْه صَاحِبُه أَنْكَرَه أَوْ اعْتَذَرَ مِنْه ـ ولَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْلِ ـ ولَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِه ـ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً ـ ولَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِه ـ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا ـ واكْظِمِ الْغَيْظَ وتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ واحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ ـ واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ (٤٣٧٥) تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ ـ واسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّه عَلَيْكَ. ولَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّه عِنْدَكَ ـ ولْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللَّه بِه عَلَيْكَ.

واعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ ـ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً (٤٣٧٦) مِنْ نَفْسِه وأَهْلِه

٤٥٩

ومَالِه ـ فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُه ـ ومَا تُؤَخِّرْه يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُه ـ واحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ (٤٣٧٧) رَأْيُه ـ ويُنْكَرُ عَمَلُه فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِه ـ واسْكُنِ الأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ـ واحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ والْجَفَاءِ ـ وقِلَّةَ الأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّه ـ واقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ ـ وإِيَّاكَ ومَقَاعِدَ الأَسْوَاقِ ـ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ ومَعَارِيضُ (٤٣٧٨) الْفِتَنِ ـ وأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْه (٤٣٧٩) ـ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ ـ ولَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ ـ إِلَّا فَاصِلًا (٤٣٨٠) فِي سَبِيلِ اللَّه أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِه ـ وأَطِعِ اللَّه فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ ـ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّه فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا ـ وخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وارْفُقْ بِهَا ولَا تَقْهَرْهَا ـ وخُذْ عَفْوَهَا (٤٣٨١) ونَشَاطَهَا ـ إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ـ فَإِنَّه لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا ـ وإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ ـ وأَنْتَ آبِقٌ (٤٣٨٢) مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا ـ وإِيَّاكَ ومُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ ـ فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ ـ ووَقِّرِ اللَّه وأَحْبِبْ أَحِبَّاءَه ـ واحْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّه جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ ـ والسَّلَامُ.

٤٦٠