نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

فِي الإِسْلَامِ ـ غَيْرَ رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا ـ أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ.

ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ ـ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه ـ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى ـ إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ ـ وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ ولَقَدْ كُنْتُ مَعَه صلى‌الله‌عليه‌وآله لَمَّا أَتَاه الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ ـ فَقَالُوا لَه يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً ـ لَمْ يَدَّعِه آبَاؤُكَ ولَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ ـ ونَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْه وأَرَيْتَنَاه ـ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ ورَسُولٌ ـ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ـ فَقَالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومَا تَسْأَلُونَ قَالُوا ـ تَدْعُو لَنَا هَذِه الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا ـ وتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ فَإِنْ فَعَلَ اللَّه لَكُمْ ذَلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ ـ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ ـ وإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ (٢٦٧٦) إِلَى خَيْرٍ ـ وإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ (٢٦٧٧) ومَنْ يُحَزِّبُ الأَحْزَابَ ـ ثُمَّ قَالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ ـ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ ـ وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّه فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ ـ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّه ـ فَوَالَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ

٣٠١

بِعُرُوقِهَا ـ وجَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ ـ وقَصْفٌ (٢٦٧٨) كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ ـ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مُرَفْرِفَةً ـ وأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وكُنْتُ عَنْ يَمِينِه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً واسْتِكْبَاراً ـ فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ويَبْقَى نِصْفُهَا ـ فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْه نِصْفُهَا ـ كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وأَشَدِّه دَوِيّاً ـ فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فَقَالُوا كُفْراً وعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ ـ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِه كَمَا كَانَ ـ فَأَمَرَه صلى‌الله‌عليه‌وآله فَرَجَعَ ـ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّه ـ وأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى ـ تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ ـ فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ «ساحِرٌ كَذَّابٌ» ـ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيه ـ وهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي ـ وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِمٍ ـ سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وكَلَامُهُمْ كَلَامُ الأَبْرَارِ ـ عُمَّارُ (٢٦٧٩) اللَّيْلِ ومَنَارُ النَّهَارِ ـ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّه وسُنَنَ رَسُولِه ـ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ولَا يَعْلُونَ ولَا يَغُلُّونَ (٢٦٨٠) ولَا يُفْسِدُونَ ـ قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ!

٣٠٢

١٩٣ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يصف فيها المتقين

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام يُقَالُ لَه هَمَّامٌ ـ كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ـ فَتَثَاقَلَ عليه‌السلام عَنْ جَوَابِه ـ ثُمَّ قَالَ يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّه وأَحْسِنْ ـ فَ «إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» ـ فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْه ـ فَحَمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْه وصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ثُمَّ قَالَ عليه‌السلام:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ ـ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ ـ لأَنَّه لَا تَضُرُّه مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاه ـ ولَا تَنْفَعُه طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَه فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ ـ ووَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ ـ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ ـ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ (٢٦٨١) ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ ـ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ (٢٦٨٢) عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ ـ ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ ـ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ ـ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ (٢٦٨٣) ـ ولَوْ لَا الأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمْ ـ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ ـ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ـ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَه فِي أَعْيُنِهِمْ ـ فَهُمْ والْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ ـ وهُمْ والنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ ـ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ ـ وأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وحَاجَاتُهُمْ

٣٠٣

خَفِيفَةٌ وأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ ـ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً ـ تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ (٢٦٨٤) يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ ـ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا ـ وأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا ـ أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ ـ تَالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا (٢٦٨٥) ـ يُحَزِّنُونَ بِه أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ (٢٦٨٦) بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ ـ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً ـ وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ ـ وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ ـ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ ـ وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ (٢٦٨٧) جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ ـ فَهُمْ حَانُونَ (٢٦٨٩) عَلَى أَوْسَاطِهِمْ ـ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ (٢٦٩٠) وأَكُفِّهِمْ ورُكَبِهِمْ وأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ ـ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ (٢٦٩١) ـ وأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ ـ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ (٢٦٩٢) ـ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى ـ ومَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ويَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا(٢٦٩٣)!

ولَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ ـ لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ ـ ولَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ ـ فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ ومِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٦٩٤) ـ إِذَا زُكِّيَ (٢٦٩٥) أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَه فَيَقُولُ ـ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي ورَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي ـ اللَّهُمَّ لَا

٣٠٤

تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ ـ واجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ واغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ.

فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَه قُوَّةً فِي دِينٍ ـ وحَزْماً فِي لِينٍ وإِيمَاناً فِي يَقِينٍ وحِرْصاً فِي عِلْمٍ ـ وعِلْماً فِي حِلْمٍ وقَصْداً فِي غِنًى (٢٦٩٦) وخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ ـ وتَجَمُّلًا (٢٦٩٧) فِي فَاقَةٍ وصَبْراً فِي شِدَّةٍ وطَلَباً فِي حَلَالٍ ـ ونَشَاطاً فِي هُدًى وتَحَرُّجاً (٢٦٩٨) عَنْ طَمَعٍ ـ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وهُوَ عَلَى وَجَلٍ ـ يُمْسِي وهَمُّه الشُّكْرُ ويُصْبِحُ وهَمُّه الذِّكْرُ ـ يَبِيتُ حَذِراً ويُصْبِحُ فَرِحاً ـ حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ ـ وفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ والرَّحْمَةِ ـ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ (٢٦٩٩) عَلَيْه نَفْسُه فِيمَا تَكْرَه ـ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ ـ قُرَّةُ عَيْنِه فِيمَا لَا يَزُولُ وزَهَادَتُه فِيمَا لَا يَبْقَى ـ يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ والْقَوْلَ بِالْعَمَلِ ـ تَرَاه قَرِيباً أَمَلُه قَلِيلًا زَلَلُه خَاشِعاً قَلْبُه ـ قَانِعَةً نَفْسُه مَنْزُوراً (٢٧٠٠) أَكْلُه سَهْلًا أَمْرُه ـ حَرِيزاً دِينُه (٢٧٠١) مَيِّتَةً شَهْوَتُه مَكْظُوماً غَيْظُه ـ الْخَيْرُ مِنْه مَأْمُولٌ والشَّرُّ مِنْه مَأْمُونٌ ـ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ ـ وإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ ـ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَه ويُعْطِي مَنْ حَرَمَه ـ ويَصِلُ مَنْ قَطَعَه بَعِيداً فُحْشُه (٢٧٠٢) ـ لَيِّناً قَوْلُه غَائِباً مُنْكَرُه حَاضِراً مَعْرُوفُه،

٣٠٥

مُقْبِلًا خَيْرُه مُدْبِراً شَرُّه ـ فِي الزَّلَازِلِ (٢٧٠٣) وَقُورٌ (٢٧٠٤) وفِي الْمَكَارِه صَبُورٌ ـ وفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ ـ ولَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ ـ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْه ـ لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ ولَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ ـ ولَا يُنَابِزُ بِالأَلْقَابِ (٢٧٠٥) ولَا يُضَارُّ بِالْجَارِ ـ ولَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ ولَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ ـ ولَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ ـ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّه صَمْتُه وإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُه ـ وإِنْ بُغِيَ عَلَيْه صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّه هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَه ـ نَفْسُه مِنْه فِي عَنَاءٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ ـ أَتْعَبَ نَفْسَه لِآخِرَتِه وأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِه ـ بُعْدُه عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْه زُهْدٌ ونَزَاهَةٌ ـ ودُنُوُّه مِمَّنْ دَنَا مِنْه لِينٌ ورَحْمَةٌ ـ لَيْسَ تَبَاعُدُه بِكِبْرٍ وعَظَمَةٍ ولَا دُنُوُّه بِمَكْرٍ وخَدِيعَةٍ.

قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً (٢٧٠٦) كَانَتْ نَفْسُه فِيهَا.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام أَمَا واللَّه لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْه ـ ثُمَّ قَالَ أَهَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا؟

فَقَالَ لَه قَائِلٌ فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟

فَقَالَ عليه‌السلام وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوه ـ وسَبَباً لَا يَتَجَاوَزُه فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا ـ فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ!

٣٠٦

١٩٤ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يصف فيها المنافقين

نَحْمَدُه عَلَى مَا وَفَّقَ لَه مِنَ الطَّاعَةِ ـ وذَادَ (٢٧٠٧) عَنْه مِنَ الْمَعْصِيَةِ ونَسْأَلُه لِمِنَّتِه تَمَاماً ـ وبِحَبْلِه اعْتِصَاماً ـ ونَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه ـ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّه كُلَّ غَمْرَةٍ (٢٧٠٨) وتَجَرَّعَ فِيه كُلَّ غُصَّةٍ (٢٧٠٩) ـ وقَدْ تَلَوَّنَ لَه الأَدْنَوْنَ (٢٧١٠) وتَأَلَّبَ عَلَيْه الأَقْصَوْنَ (٢٧١١) ـ وخَلَعَتْ إِلَيْه الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا (٢٧١٢) ـ وضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِه بُطُونَ رَوَاحِلِهَا ـ حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِه عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ وأَسْحَقِ (٢٧١٣) الْمَزَارِ.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه وأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ ـ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ والزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ (٢٧١٤) ـ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً ويَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً (٢٧١٥) ـ ويَعْمِدُونَكُمْ (٢٧١٦) بِكُلِّ عِمَادٍ (٢٧١٧) ويَرْصُدُونَكُمْ (٢٧١٨) بِكُلِّ مِرْصَادٍ (٢٧١٩) ـ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ (٢٧٢٠) وصِفَاحُهُمْ (٢٧٢١) نَقِيَّةٌ ـ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ (٢٧٢٢) ويَدِبُّونَ (٢٧٢٣) الضَّرَاءَ ـ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ (٢٧٢٤) ـ حَسَدَةُ (٢٧٢٥) الرَّخَاءِ ومُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ ومُقْنِطُو الرَّجَاءِ ـ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ (٢٧٢٦) ـ وإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ ولِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ ـ يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ (٢٧٢٨) ويَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ ـ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا (٢٧٢٩) وإِنْ عَذَلُوا (٢٧٣٠) كَشَفُوا،

٣٠٧

وإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا ـ قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا ولِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا ـ ولِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا ولِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً ـ ولِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً ـ يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِه أَسْوَاقَهُمْ ـ ويُنْفِقُوا (٢٧٣١) بِه أَعْلَاقَهُمْ (٢٧٣٢) يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ (٢٧٣٣) ـ ويَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ ـ وأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ (٢٧٣٤) فَهُمْ لُمَةُ (٢٧٣٥) الشَّيْطَانِ وحُمَةُ (٢٧٣٦) النِّيرَانِ ـ (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ـ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ).

١٩٥ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يحمد اللَّه ويثني على نبيه ويعظ

حمد اللَّه

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِه وجَلَالِ كِبْرِيَائِه ـ مَا حَيَّرَ مُقَلَ (٢٧٣٧) الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِه ـ ورَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ (٢٧٣٨) النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْه صِفَتِه ـ

الشهادتان

وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ـ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وإِيقَانٍ وإِخْلَاصٍ وإِذْعَانٍ ـ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه ـ أَرْسَلَه وأَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ ـ ومَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ (٢٧٣٩) فَصَدَعَ (٢٧٤٠) بِالْحَقِّ ـ ونَصَحَ لِلْخَلْقِ،

٣٠٨

وهَدَى إِلَى الرُّشْدِ وأَمَرَ بِالْقَصْدِ (٢٧٤١) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ

العظة

واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّه ـ أَنَّه لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً ولَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلًا ـ عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِه عَلَيْكُمْ وأَحْصَى إِحْسَانَه إِلَيْكُمْ ـ فَاسْتَفْتِحُوه (٢٧٤٢) واسْتَنْجِحُوه (٢٧٤٣) واطْلُبُوا إِلَيْه واسْتَمْنِحُوه (٢٧٤٤) ـ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْه حِجَابٌ ولَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَه بَابٌ ـ وإِنَّه لَبِكُلِّ مَكَانٍ وفِي كُلِّ حِينٍ وأَوَانٍ ـ ومَعَ كُلِّ إِنْسٍ وجَانٍّ ـ لَا يَثْلِمُه (٢٧٤٥) الْعَطَاءُ ولَا يَنْقُصُه الْحِبَاءُ (٢٧٤٦) ـ ولَا يَسْتَنْفِدُه سَائِلٌ ولَا يَسْتَقْصِيه نَائِلٌ ـ ولَا يَلْوِيه (٢٧٤٧) شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ ولَا يُلْهِيه صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ ـ ولَا تَحْجُزُه هِبَةٌ عَنْ سَلْبٍ ولَا يَشْغَلُه غَضَبٌ عَنْ رَحْمَةٍ ـ ولَا تُولِهُه (٢٧٤٨) رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ ولَا يُجِنُّه (٢٧٤٩) الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ ـ ولَا يَقْطَعُه الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ ـ قَرُبَ فَنَأَى وعَلَا فَدَنَا وظَهَرَ فَبَطَنَ ـ وبَطَنَ فَعَلَنَ ودَانَ (٢٧٥٠) ولَمْ يُدَنْ ـ لَمْ يَذْرَأِ (٢٧٥١) الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ (٢٧٥٢) ولَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلَالٍ(٢٧٥٣).

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه ـ فَإِنَّهَا الزِّمَامُ (٢٧٥٤) والْقِوَامُ (٢٧٥٥) فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا ـ واعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ (٢٧٥٦) الدَّعَةِ (٢٧٥٧) ـ وأَوْطَانِ السَّعَةِ ومَعَاقِلِ (٢٧٥٨) الْحِرْزِ (٢٧٥٩) ومَنَازِلِ الْعِزِّ فِي

٣٠٩

يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيه الأَبْصَارُ وتُظْلِمُ لَه الأَقْطَارُ ـ وتُعَطَّلُ فِيه صُرُومُ (٢٧٦٠) الْعِشَارِ (٢٧٦١) ويُنْفَخُ فِي الصُّورِ ـ فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ وتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ ـ وتَذِلُّ الشُّمُّ (٢٧٦٢) الشَّوَامِخُ (٢٧٦٣) والصُّمُّ (٢٧٦٤) الرَّوَاسِخُ (٢٧٦٥) ـ فَيَصِيرُ صَلْدُهَا (٢٧٦٦) سَرَاباً (٢٧٦٧) رَقْرَقاً (٢٧٦٨) ومَعْهَدُهَا (٢٧٦٩) قَاعاً (٢٧٧٠) سَمْلَقاً (٢٧٧١) ـ فَلَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ ولَا حَمِيمٌ يَنْفَعُ ولَا مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ.

١٩٦ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

بعثة النبي

بَعَثَه حِينَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ ـ ولَا مَنَارٌ سَاطِعٌ ولَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ ـ

العظة بالزهد

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه ـ وأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ (٢٧٧٢) ـ ومَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وقَاطِنُهَا بَائِنٌ (٢٧٧٣) ـ تَمِيدُ (٢٧٧٤) بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ ـ تَقْصِفُهَا (٢٧٧٥) الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ ـ فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ (٢٧٧٦) ومِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الأَمْوَاجِ ـ تَحْفِزُه (٢٧٧٧) الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وتَحْمِلُه عَلَى أَهْوَالِهَا ـ فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ ومَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ!

٣١٠

عِبَادَ اللَّه الآنَ فَاعْلَمُوا والأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ ـ والأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ والأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ (٢٧٧٨) ـ والْمُنْقَلَبُ (٢٧٧٩) فَسِيحٌ والْمَجَالُ عَرِيضٌ ـ قَبْلَ إِرْهَاقِ (٢٧٨٠) الْفَوْتِ (٢٧٨١) وحُلُولِ الْمَوْتِ ـ فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَه ولَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَه.

١٩٧ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه

ولَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ (٢٧٨٢) مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّه ولَا عَلَى رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ ـ ولَقَدْ وَاسَيْتُه (٢٧٨٣) بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ ـ الَّتِي تَنْكُصُ (٢٧٨٤) فِيهَا الأَبْطَالُ ـ وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ نَجْدَةً (٢٧٨٥) أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا.

ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَى صَدْرِي ـ ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي ـ ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلى‌الله‌عليه‌وآله والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي ـ فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ (٢٧٨٦) ـ مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ ـ ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ (٢٧٨٧) مِنْهُمْ ـ يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِي ضَرِيحِه ـ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً ـ فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ (٢٧٨٨) ـ ولْتَصْدُقْ

٣١١

نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ ـ فَوَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ ـ وإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ (٢٧٨٩) الْبَاطِلِ ـ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتَغْفِرُ اللَّه لِي ولَكُمْ!

١٩٨ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

ينبه على إحاطة علم اللَّه بالجزئيات ، ثم يحث على التقوى،

ويبين فضل الإسلام والقرآن

يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ ـ ومَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ ـ واخْتِلَافَ النِّينَانِ (٢٧٩٠) فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ ـ وتَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ ـ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّه (٢٧٩١) ـ وسَفِيرُ وَحْيِه ورَسُولُ رَحْمَتِه ـ

الوصية بالتقوى

أَمَّا بَعْدُ ـ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ ـ وإِلَيْه يَكُونُ مَعَادُكُمْ وبِه نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ ـ وإِلَيْه مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ ونَحْوَه قَصْدُ سَبِيلِكُمْ ـ وإِلَيْه مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ (٢٧٩٢) ـ فَإِنَّ تَقْوَى اللَّه دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ ـ وبَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ ـ وصَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ ـ وطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وجِلَاءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ،

٣١٢

وأَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ (٢٧٩٣) وضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّه شِعَاراً (٢٧٩٤) دُونَ دِثَارِكُمْ (٢٧٩٥) ـ ودَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ ولَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ ـ وأَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ ومَنْهَلًا (٢٧٩٦) لِحِينِ وُرُودِكُمْ ـ وشَفِيعاً لِدَرَكِ (٢٧٩٧) طَلِبَتِكُمْ (٢٧٩٨) وجُنَّةً (٢٧٩٩) لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ ـ ومَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ ـ وسَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ ونَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ ـ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّه حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ ـ ومَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وأُوَارِ (٢٨٠٠) نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ ـ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ (٢٨٠١) عَنْه الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا ـ واحْلَوْلَتْ لَه الأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا ـ وانْفَرَجَتْ عَنْه الأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا ـ وأَسْهَلَتْ لَه الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا (٢٨٠٢) ـ وهَطَلَتْ عَلَيْه الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا ـ. وتَحَدَّبَتْ (٢٨٠٣) عَلَيْه الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا ـ وتَفَجَّرَتْ عَلَيْه النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا (٢٨٠٤) ـ ووَبَلَتْ عَلَيْه الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا (٢٨٠٥).

فَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِه ـ ووَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِه وامْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِه ـ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِه ـ واخْرُجُوا إِلَيْه مِنْ حَقِّ طَاعَتِه.

فضل الإسلام

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الإِسْلَامَ دِينُ اللَّه الَّذِي اصْطَفَاه لِنَفْسِه ـ واصْطَنَعَه عَلَى عَيْنِه وأَصْفَاه (٢٨٠٦) خِيَرَةَ خَلْقِه ـ وأَقَامَ دَعَائِمَه عَلَى مَحَبَّتِه ـ أَذَلَّ الأَدْيَانَ

٣١٣

بِعِزَّتِه ووَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِه ـ وأَهَانَ أَعْدَاءَه بِكَرَامَتِه وخَذَلَ مُحَادِّيه (٢٨٠٧) بِنَصْرِه ـ وهَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلَالَةِ بِرُكْنِه (٢٨٠٨) ـ وسَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِه ـ وأَتْأَقَ (٢٨٠٩) الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِه (٢٨١٠) ـ ثُمَّ جَعَلَه لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِه ولَا فَكَّ لِحَلْقَتِه ـ ولَا انْهِدَامَ لأَسَاسِه ولَا زَوَالَ لِدَعَائِمِه ـ ولَا انْقِلَاعَ لِشَجَرَتِه ولَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِه ـ ولَا عَفَاءَ (٢٨١١) لِشَرَائِعِه ولَا جَذَّ (٢٨١٢) لِفُرُوعِه ولَا ضَنْكَ (٢٨١٣) لِطُرُقِه ـ ولَا وُعُوثَةَ (٢٨١٤) لِسُهُولَتِه ولَا سَوَادَ لِوَضَحِه (٢٨١٥) ـ ولَا عِوَجَ لِانْتِصَابِه ولَا عَصَلَ (٢٨١٦) فِي عُودِه ـ ولَا وَعَثَ (٢٨١٧) لِفَجِّه (٢٨١٨) ولَا انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِه ـ ولَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِه ـ فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ (٢٨١٩) فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا (٢٨٢٠) ـ وثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا ويَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا ـ ومَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا (٢٨٢١) ـ ومَنَارٌ (٢٨٢٢) اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا (٢٨٢٣) وأَعْلَامٌ (٢٨٢٤) قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا ـ ومَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا ـ. جَعَلَ اللَّه فِيه مُنْتَهَى رِضْوَانِه ـ وذِرْوَةَ دَعَائِمِه وسَنَامَ طَاعَتِه ـ فَهُوَ عِنْدَ اللَّه وَثِيقُ الأَرْكَانِ رَفِيعُ الْبُنْيَانِ ـ مُنِيرُ الْبُرْهَانِ مُضِيءُ النِّيرَانِ ـ عَزِيزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ (٢٨٢٥) مُعْوِذُ الْمَثَارِ (٢٨٢٦) ـ فَشَرِّفُوه واتَّبِعُوه وأَدُّوا إِلَيْه حَقَّه وضَعُوه مَوَاضِعَه.

الرسول الأعظم

ثُمَّ إِنَّ اللَّه سُبْحَانَه بَعَثَ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالْحَقِّ

٣١٤

حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الِانْقِطَاعُ وأَقْبَلَ مِنَ الآخِرَةِ الِاطِّلَاعُ (٢٨٢٧) ـ وأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ ـ وخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ (٢٨٢٨) وأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ (٢٨٢٩) ـ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا واقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا (٢٨٣٠) ـ وتَصَرُّمٍ (٢٨٣١) مِنْ أَهْلِهَا وانْفِصَامٍ (٢٨٣٢) مِنْ حَلْقَتِهَا ـ وانْتِشَارٍ (٢٨٣٣) مِنْ سَبَبِهَا وعَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا (٢٨٣٤) ـ وتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا.

جَعَلَه اللَّه بَلَاغاً لِرِسَالَتِه وكَرَامَةً لأُمَّتِه ـ ورَبِيعاً لأَهْلِ زَمَانِه ورِفْعَةً لأَعْوَانِه وشَرَفاً لأَنْصَارِه.

القرآن الكريم

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُه ـ وسِرَاجاً لَا يَخْبُو (٢٨٣٥) تَوَقُّدُه وبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُه ـ ومِنْهَاجاً (٢٨٣٦) لَا يُضِلُّ نَهْجُه (٢٨٣٧) وشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُه ـ وفُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُه وتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُه ـ وشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُه ـ وعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُه وحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُه ـ فَهُوَ مَعْدِنُ الإِيمَانِ وبُحْبُوحَتُه (٢٨٣٨) ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ وبُحُورُه ـ ورِيَاضُ (٢٨٣٩) الْعَدْلِ وغُدْرَانُه (٢٨٤٠) وأَثَافِيُّ (٢٨٤١) الإِسْلَامِ وبُنْيَانُه ـ وأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وغِيطَانُه (٢٨٤٢) وبَحْرٌ لَا يَنْزِفُه الْمُسْتَنْزِفُونَ (٢٨٤٣) ـ وعُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ (٢٨٤٤) ـ ومَنَاهِلُ (٢٨٤٥)

٣١٥

لَا يَغِيضُهَا (٢٨٤٦) الْوَارِدُونَ ـ ومَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ ـ وأَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ ـ وآكَامٌ (٢٨٤٧) لَا يَجُوزُ عَنْهَا (٢٨٤٨) الْقَاصِدُونَ جَعَلَه اللَّه رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ ورَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ ـ ومَحَاجَّ (٢٨٤٩) لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ ودَوَاءً لَيْسَ بَعْدَه دَاءٌ ـ ونُوراً لَيْسَ مَعَه ظُلْمَةٌ وحَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُه ـ ومَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُه وعِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاه ـ وسِلْماً لِمَنْ دَخَلَه وهُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِه ـ وعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَه وبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه ـ وشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِه وفَلْجاً (٢٨٥٠) لِمَنْ حَاجَّ بِه ـ وحَامِلًا لِمَنْ حَمَلَه ومَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَه ـ وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وجُنَّةً (٢٨٥١) لِمَنِ اسْتَلأَمَ (٢٨٥٢) ـ وعِلْماً لِمَنْ وَعَى وحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وحُكْماً لِمَنْ قَضَى (٢٨٥٣).

١٩٩ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

كان يوصي به أصحابه

تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وحَافِظُوا عَلَيْهَا ـ واسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وتَقَرَّبُوا بِهَا ـ فَإِنَّهَا (كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) ـ أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا ـ (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ـ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ـ وإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ (٢٨٥٤) الْوَرَقِ ـ وتُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ (٢٨٥٥) ـ وشَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ

٣١٦

بِالْحَمَّةِ (٢٨٥٦) تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ ـ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ واللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ـ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْه مِنَ الدَّرَنِ (٢٨٥٧) ـ وقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ـ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ ولَا قُرَّةُ عَيْنٍ ـ مِنْ وَلَدٍ ولَا مَالٍ ـ يَقُولُ اللَّه سُبْحَانَه ـ (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله ـ وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ) ـ وكَانَ رَسُولُ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نَصِباً (٢٨٥٨) بِالصَّلَاةِ ـ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَه بِالْجَنَّةِ ـ لِقَوْلِ اللَّه سُبْحَانَه (وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْها) ـ فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَه ويَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَه.

الزكاة

ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لأَهْلِ الإِسْلَامِ ـ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا ـ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَه كَفَّارَةً ومِنَ النَّارِ حِجَازاً ووِقَايَةً ـ فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَه ولَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَه ـ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا ـ يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ ـ مَغْبُونُ (٢٨٥٩) الأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ ـ طَوِيلُ النَّدَمِ.

الأمانة

ثُمَّ أَدَاءَ الأَمَانَةِ ـ فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ـ إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ ـ والأَرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ (٢٨٦٠) والْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ

٣١٧

الْمَنْصُوبَةِ ـ فَلَا أَطْوَلَ ولَا أَعْرَضَ ولَا أَعْلَى ولَا أَعْظَمَ مِنْهَا ـ ولَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ ـ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لَامْتَنَعْنَ ـ ولَكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ ـ وعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وهُوَ الإِنْسَانُ ـ (إِنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) ـ

علم اللَّه تعالى

إِنَّ اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْه ـ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ (٢٨٦١) فِي لَيْلِهِمْ ونَهَارِهِمْ ـ لَطُفَ بِه خُبْراً (٢٨٦٢) وأَحَاطَ بِه عِلْماً أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُه ـ وجَوَارِحُكُمْ جُنُودُه وضَمَائِرُكُمْ عُيُونُه وخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُه (٢٨٦٣).

٢٠٠ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في معاوية

واللَّه مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي ولَكِنَّه يَغْدِرُ ويَفْجُرُ ـ ولَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ ـ ولَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ـ ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

واللَّه مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ ولَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ (٢٨٦٤).

٣١٨

٢٠١ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

يعظ بسلوك الطريق الواضح

أَيُّهَا النَّاسُ ـ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِه ـ فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ ـ وجُوعُهَا طَوِيلٌ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا والسُّخْطُ (٢٨٦٥) ـ وإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ ـ فَعَمَّهُمُ اللَّه بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوه بِالرِّضَا ـ فَقَالَ سُبْحَانَه (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) ـ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ خَارَتْ (٢٨٦٦) أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ ـ خُوَارَ السِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ (٢٨٦٧) فِي الأَرْضِ الْخَوَّارَةِ (٢٨٦٨).

أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ ـ ومَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِّيه!

٢٠٢ ـ ومِنْ كَلَامٍ لَه عليه‌السلام

وِيَ عَنْه أَنَّه قَالَه عِنْدَ دَفْنِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ عليه‌السلام ـ كَالْمُنَاجِي بِه

رَسُولَ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عِنْدَ قَبْرِه

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي ـ وعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ ـ والسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ ـ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّه عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ورَقَّ

٣١٩

عَنْهَا تَجَلُّدِي ـ إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي (٢٨٦٩) لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ ـ وفَادِحِ (٢٨٧٠) مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ (٢٨٧١) ـ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ (٢٨٧٢) قَبْرِكَ ـ وفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وصَدْرِي نَفْسُكَ ـ فَ (إِنَّا لِلَّه وإِنَّا إِلَيْه راجِعُونَ) ـ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ ـ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ـ (٢٨٧٣) إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّه لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ ـ وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا (٢٨٧٤) ـ فَأَحْفِهَا (٢٨٧٥) السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ـ هَذَا ولَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ ولَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ ـ والسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ (٢٨٧٦) ولَا سَئِمٍ (٢٨٧٧) ـ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ ـ وإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّه الصَّابِرِينَ.

٢٠٣ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في التزهيد من الدنيا والترغيب في الآخرة

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ (٢٨٧٨) والآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ ـ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ ـ ولَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ ـ وأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ ـ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ ـ فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ ولِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ ـ إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ؟

٣٢٠