نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَه ـ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ ـ كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ (٢١٤٦) ـ يُؤَلِّفُ اللَّه بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ (٢١٤٧) السَّحَابِ ـ ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً ـ يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ ـ حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْه قَارَةٌ ـ ولَمْ تَثْبُتْ عَلَيْه أَكَمَةٌ (٢١٤٨) ـ ولَمْ يَرُدَّ سَنَنَه رَصُّ طَوْدٍ ولَا حِدَابُ أَرْضٍ ـ يُذَعْذِعُهُمُ (٢١٤٩) اللَّه فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِه ـ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ـ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ ـ ويُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ ـ وايْمُ اللَّه لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ والتَّمْكِينِ ـ كَمَا تَذُوبُ الأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ.

الناس آخر الزمان

أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ ـ ولَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ ـ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ ـ ولَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ ـ لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاه بَنِي إِسْرَائِيلَ ـ ولَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيه مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً (٢١٥٠) ـ بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ـ وقَطَعْتُمُ الأَدْنَى ووَصَلْتُمُ الأَبْعَدَ ـ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ ـ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ وكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الِاعْتِسَافِ ـ ونَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ (٢١٥١) عَنِ الأَعْنَاقِ.

٢٤١

١٦٧ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في أوائل خلافته

إِنَّ اللَّه سُبْحَانَه أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً ـ بَيَّنَ فِيه الْخَيْرَ والشَّرَّ ـ فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا ـ واصْدِفُوا (٢١٥٢) عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا.

الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اللَّه تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ـ إِنَّ اللَّه حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ ـ وأَحَلَّ حَلَالًا غَيْرَ مَدْخُولٍ (٢١٥٣) ـ وفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا ـ وشَدَّ بِالإِخْلَاصِ والتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا (٢١٥٤) ـ فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِه ويَدِه إِلَّا بِالْحَقِّ ـ ولَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ.

بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وهُوَ الْمَوْتُ (٢١٥٥) ـ فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ ـ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ.

اتَّقُوا اللَّه فِي عِبَادِه وبِلَادِه ـ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ والْبَهَائِمِ ـ أَطِيعُوا اللَّه ولَا تَعْصُوه ـ وإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِه ـ وإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْه.

٢٤٢

١٦٨ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

بعد ما بويع له بالخلافة ، وقد قال له قوم من الصحابة : لو عاقبت

قوما ممن أجلب على عثمان فقال عليه‌السلام :

يَا إِخْوَتَاه إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ ـ ولَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ والْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ (٢١٥٦) ـ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ (٢١٥٧) يَمْلِكُونَنَا ولَا نَمْلِكُهُمْ ـ وهَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ ـ والْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ ـ وهُمْ خِلَالَكُمْ (٢١٥٨) يَسُومُونَكُمْ (٢١٥٩) مَا شَاءُوا ـ وهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ تُرِيدُونَه ـ إِنَّ هَذَا الأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ ـ وإِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةً (٢١٦٠) ـ إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ إِذَا حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ ـ فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ وفِرْقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ ـ وفِرْقَةٌ لَا تَرَى هَذَا ولَا ذَاكَ ـ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ وتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا ـ وتُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً (٢١٦١) ـ فَاهْدَءُوا عَنِّي وانْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ بِه أَمْرِي ـ ولَا تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ (٢١٦٢) قُوَّةً وتُسْقِطُ مُنَّةً (٢١٦٣) ـ وتُورِثُ وَهْناً (٢١٦٤) وذِلَّةً وسَأُمْسِكُ الأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ ـ وإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ (٢١٦٥).

١٦٩ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة

الأمور الجامعة للمسلمين

إِنَّ اللَّه بَعَثَ رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وأَمْرٍ قَائِمٍ ـ لَا يَهْلِكُ عَنْه

٢٤٣

إِلَّا هَالِكٌ (٢١٦٦) ـ وإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ (٢١٦٧) الْمُشَبَّهَاتِ (٢١٦٨) هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ ـ إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّه مِنْهَا ـ وإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللَّه عِصْمَةً لأَمْرِكُمْ ـ فَأَعْطُوه طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ (٢١٦٩) ولَا مُسْتَكْرَه بِهَا ـ واللَّه لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللَّه عَنْكُمْ سُلْطَانَ الإِسْلَامِ ـ ثُمَّ لَا يَنْقُلُه إِلَيْكُمْ أَبَداً ـ حَتَّى يَأْرِزَ (٢١٧٠) الأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ.

التنفير من خصومه

إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَمَالَئُوا (٢١٧١) عَلَى سَخْطَةِ (٢١٧٢) إِمَارَتِي ـ وسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ ـ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ (٢١٧٣) هَذَا الرَّأْيِ ـ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ ـ وإِنَّمَا طَلَبُوا هَذِه الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا (٢١٧٤) اللَّه عَلَيْه ـ فَأَرَادُوا رَدَّ الأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا ـ ولَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى ـ وسِيرَةِ رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والْقِيَامُ بِحَقِّه والنَّعْشُ (٢١٧٥) لِسُنَّتِه.

١٧٠ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في وجوب اتباع الحق عند قيام الحجة كلَّم به بعض العرب

وقَدْ أَرْسَلَه قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ عليه‌السلام مِنْهَا ـ لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْه حَقِيقَةَ حَالِه مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ ـ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ ـ فَبَيَّنَ لَه عليه‌السلام مِنْ أَمْرِه مَعَهُمْ ـ مَا عَلِمَ بِه أَنَّه عَلَى الْحَقِّ ـ ثُمَّ قَالَ لَه بَايِعْ ـ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ ـ ولَا أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ عليه‌السلام

أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً ـ تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ،

٢٤٤

فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلإِ والْمَاءِ ـ فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ والْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً ـ قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ ومُخَالِفَهُمْ إِلَى الْكَلإِ والْمَاءِ ـ فَقَالَ عليه‌السلام فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ ـ فَقَالَ الرَّجُلُ ـ فَوَاللَّه مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ ـ فَبَايَعْتُه عليه‌السلام.

والرَّجُلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ.

١٧١ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لما عزم على لقاء القوم بصفين

الدعاء

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٢١٧٦) والْجَوِّ الْمَكْفُوفِ (٢١٧٧) ـ الَّذِي جَعَلْتَه مَغِيضاً (٢١٧٨) لِلَّيْلِ والنَّهَارِ ـ ومَجْرًى لِلشَّمْسِ والْقَمَرِ ومُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ ـ وجَعَلْتَ سُكَّانَه سِبْطاً (٢١٧٩) مِنْ مَلَائِكَتِكَ ـ لَا يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ ـ ورَبَّ هَذِه الأَرْضِ الَّتِي جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلأَنَامِ ـ ومَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ والأَنْعَامِ ـ ومَا لَا يُحْصَى مِمَّا يُرَى ومَا لَا يُرَى ـ ورَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلْتَهَا لِلأَرْضِ أَوْتَاداً ـ ولِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً (٢١٨٠) إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا ـ فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ ـ وإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ ـ واعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ.

٢٤٥

الدعوة للقتال

أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ (٢١٨٣) ـ والْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ (٢١٨٣) مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ (٢١٨٤) ـ الْعَارُ وَرَاءَكُمْ والْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ!

١٧٢ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

حمد الله

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَا تُوَارِي (٢١٨٥) عَنْه سَمَاءٌ سَمَاءً ـ ولَا أَرْضٌ أَرْضاً.

يوم الشورى

منها ـ وقَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ ـ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ واللَّه لأَحْرَصُ وأَبْعَدُ وأَنَا أَخَصُّ وأَقْرَبُ ـ وإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وبَيْنَه ـ وتَضْرِبُونَ وَجْهِي (٢١٨٦) دُونَه ـ فَلَمَّا قَرَّعْتُه (٢١٨٧) بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلإِ الْحَاضِرِينَ ـ هَبَّ (٢١٨٨) كَأَنَّه بُهِتَ لَا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِه!

الاستنصار على قريش

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ ومَنْ أَعَانَهُمْ ـ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ ـ وأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي ـ ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَه وفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَه.

٢٤٦

منها في ذكر أصحاب الجمل

فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كَمَا تُجَرُّ الأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا ـ مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ ـ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا ـ وأَبْرَزَا حَبِيسَ (٢١٨٩) رَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لَهُمَا ولِغَيْرِهِمَا ـ فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ ـ وسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَه ـ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا ـ وخُزَّانِ (٢١٩٠) بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا ـ فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً (٢١٩١) وطَائِفَةً غَدْراً ـ فَوَاللَّه لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ـ إِلَّا رَجُلًا وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ (٢١٩٢) لِقَتْلِه ـ بِلَا جُرْمٍ جَرَّه لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّه ـ إِذْ حَضَرُوه فَلَمْ يُنْكِرُوا ـ ولَمْ يَدْفَعُوا عَنْه بِلِسَانٍ ولَا بِيَدٍ ـ دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ـ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ!

١٧٣ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في رسول اللَّه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن هو جدير بأن يكون للخلافة

وفي هوان الدنيا

رسول الله

أَمِينُ وَحْيِه وخَاتَمُ رُسُلِه ـ وبَشِيرُ رَحْمَتِه ونَذِيرُ نِقْمَتِه.

الجدير بالخلافة

أَيُّهَا النَّاسُ ـ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْه ـ وأَعْلَمُهُمْ

٢٤٧

بِأَمْرِ اللَّه فِيه ـ فَإِنْ شَغَبَ (٢١٩٣) شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ (٢١٩٤) فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ ـ ولَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ ـ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ ـ ولَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ـ ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ ولَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ ـ أَلَا وإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ ـ رَجُلًا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَه وآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْه.

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه ـ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِه ـ وخَيْرُ عَوَاقِبِ الأُمُورِ عِنْدَ اللَّه ـ وقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (٢١٩٥) ـ ولَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ ـ والْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ ـ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِه وقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه ـ ولَا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا ـ فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَه غِيَراً (٢١٩٦).

هوان الدنيا

أَلَا وإِنَّ هَذِه الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا ـ وتَرْغَبُونَ فِيهَا وأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وتُرْضِيكُمْ ـ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ولَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَه ـ ولَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْه ـ أَلَا وإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ ولَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا ـ وهِيَ وإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا ـ فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا ـ وسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا ـ وانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا ـ ولَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ (٢١٩٧) الأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ (٢١٩٨) عَنْه مِنْهَا ـ واسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّه عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّه

٢٤٨

والْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِه ـ أَلَا وإِنَّه لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ ـ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ ـ أَلَا وإِنَّه لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ ـ حَافَظْتُمْ عَلَيْه مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ ـ أَخَذَ اللَّه بِقُلُوبِنَا وقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ ـ وأَلْهَمَنَا وإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!

١٧٤ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في معنى طلحة بن عبيد الله

وقد قاله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله

قَدْ كُنْتُ ومَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ ـ ولَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ ـ وأَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ ـ واللَّه مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً (٢١٩٩) لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ ـ إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِه لأَنَّه مَظِنَّتُه ـ ولَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْه مِنْه ـ فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيه ـ لِيَلْتَبِسَ الأَمْرُ (٢٢٠٠) ويَقَعَ الشَّكُّ ـ. ووَ اللَّه مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ ـ لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يُوَازِرَ (٢٢٠١) قَاتِلِيه ـ وأَنْ يُنَابِذَ (٢٢٠٢) نَاصِرِيه ـ. ولَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ (٢٢٠٣) عَنْه ـ والْمُعَذِّرِينَ فِيه (٢٢٠٤) ـ ولَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يَعْتَزِلَه ـ ويَرْكُدَ (٢٢٠٥)

٢٤٩

جَانِباً ويَدَعَ النَّاسَ مَعَه ـ فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ ـ وجَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُه ولَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُه.

١٧٥ ـ من خطبة له عليه‌السلام

في الموعظة وبيان قرباه من رسول اللَّه

أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ ـ والتَّارِكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ ـ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اللَّه ذَاهِبِينَ وإِلَى غَيْرِه رَاغِبِينَ ـ كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ (٢٢٠٦) أَرَاحَ بِهَا (٢٢٠٧) سَائِمٌ (٢٢٠٨) إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ (٢٢٠٩) ومَشْرَبٍ دَوِيٍّ (٢٢١٠) ـ وإِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى (٢٢١١) لَا تَعْرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا ـ إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا (٢٢١٢) وشِبَعَهَا أَمْرَهَا ـ واللَّه لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ ـ بِمَخْرَجِه ومَوْلِجِه (٢٢١٣) وجَمِيعِ شَأْنِه لَفَعَلْتُ ـ ولَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أَلَا وإِنِّي مُفْضِيه (٢٢١٤) إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْه ـ والَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ واصْطَفَاه عَلَى الْخَلْقِ ـ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً ـ وقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّه وبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ ـ ومَنْجَى مَنْ يَنْجُو ومَآلِ هَذَا الأَمْرِ ـ ومَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلَّا أَفْرَغَه فِي أُذُنَيَّ ـ وأَفْضَى بِه إِلَيَّ.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي واللَّه مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ ـ إِلَّا وأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا ـ ولَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.

٢٥٠

١٧٦ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وفيها يعظ ويبين فضل القرآن وينهى عن البدعة

عظة الناس

انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللَّه واتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّه ـ واقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّه ـ فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ (٢٢١٥) واتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ ـ وبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّه مِنَ الأَعْمَالِ ومَكَارِهَه مِنْهَا ـ لِتَتَّبِعُوا هَذِه وتَجْتَنِبُوا هَذِه ـ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ يَقُولُ ـ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِه ـ وإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ.

واعْلَمُوا أَنَّه مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّه شَيْءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي كُرْه ـ ومَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّه شَيْءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ ـ فَرَحِمَ اللَّه امْرَأً نَزَعَ (٢٢١٦) عَنْ شَهْوَتِه وقَمَعَ هَوَى نَفْسِه ـ فَإِنَّ هَذِه النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْءٍ مَنْزِعاً (٢٢١٧) ـ وإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى.

واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّه أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ ولَا يُمْسِي ـ إِلَّا ونَفْسُه ظَنُونٌ (٢٢١٨) عِنْدَه ـ فَلَا يَزَالُ زَارِياً (٢٢١٩) عَلَيْهَا ومُسْتَزِيداً لَهَا ـ فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ والْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ ـ قَوَّضُوا (٢٢٢٠) مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلِ وطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلِ.

٢٥١

فضل القرآن

واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ ـ والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ ـ ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ـ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى ـ واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ (٢٢٢١) ـ ولَا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى ـ فَاسْتَشْفُوه مِنْ أَدْوَائِكُمْ ـ واسْتَعِينُوا بِه عَلَى لأْوَائِكُمْ (٢٢٢٢) ـ فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ ـ وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلَالُ ـ فَاسْأَلُوا اللَّه بِه وتَوَجَّهُوا إِلَيْه بِحُبِّه ـ ولَا تَسْأَلُوا بِه خَلْقَه ـ إِنَّه مَا تَوَجَّه الْعِبَادُ إِلَى اللَّه تَعَالَى بِمِثْلِه ـ واعْلَمُوا أَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وقَائِلٌ مُصَدَّقٌ ـ وأَنَّه مَنْ شَفَعَ لَه الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ (٢٢٢٣) فِيه ـ ومَنْ مَحَلَ (٢٢٢٤) بِه الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْه ـ فَإِنَّه يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِه وعَاقِبَةِ عَمَلِه ـ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ ـ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِه وأَتْبَاعِه ـ واسْتَدِلُّوه عَلَى رَبِّكُمْ واسْتَنْصِحُوه عَلَى أَنْفُسِكُمْ ـ واتَّهِمُوا عَلَيْه آرَاءَكُمْ واسْتَغِشُّوا (٢٢٢٥) فِيه أَهْوَاءَكُمْ.

الحث على العمل

الْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ ـ والِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ والْوَرَعَ الْوَرَعَ ـ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ ـ وإِنَّ لَكُمْ عَلَماً (٢٢٢٦) فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ ـ وإِنَّ لِلإِسْلَامِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى

٢٥٢

غَايَتِه ـ واخْرُجُوا إِلَى اللَّه بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّه (٢٢٢٧) ـ وبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِه (٢٢٢٨) ـ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ وحَجِيجٌ (٢٢٢٩) يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ.

نصائح للناس

أَلَا وإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ ـ والْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ (٢٢٣٠) ـ وإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ (٢٢٣١) اللَّه وحُجَّتِه ـ قَالَ اللَّه تَعَالَى ـ (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقامُوا ـ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا ـ وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) ـ وقَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّه فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِه ـ وعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِه وعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِه ـ ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا ولَا تَبْتَدِعُوا فِيهَا ـ ولَا تُخَالِفُوا عَنْهَا ـ فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِيَّاكُمْ وتَهْزِيعَ (٢٢٣٢) الأَخْلَاقِ وتَصْرِيفَهَا (٢٢٣٣) ـ واجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً ولْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَه (٢٢٣٤) ـ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِه (٢٢٣٥) ـ واللَّه مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُه حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَه ـ وإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِه (٢٢٣٦) ـ وإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِه ـ لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَه فِي نَفْسِه ـ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاه وإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاه ـ وإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِه ـ لَا يَدْرِي مَا ذَا لَه ومَا ذَا عَلَيْه ـ ولَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُه ـ ولَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُه حَتَّى

٢٥٣

يَسْتَقِيمَ لِسَانُه ـ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى ـ وهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وأَمْوَالِهِمْ ـ سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ.

تحريم البدع

واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّه أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ ـ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ ويُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ ـ وأَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لَا يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً ـ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ـ ولَكِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّه والْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّه ـ فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الأُمُورَ وضَرَّسْتُمُوهَا (٢٢٣٧) ـ ووُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وضُرِبَتِ الأَمْثَالُ لَكُمْ ـ ودُعِيتُمْ إِلَى الأَمْرِ الْوَاضِحِ فَلَا يَصَمُّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَصَمُّ ـ ولَا يَعْمَى عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَعْمَى ـ ومَنْ لَمْ يَنْفَعْه اللَّه بِالْبَلَاءِ والتَّجَارِبِ ـ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ وأَتَاه التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِه (٢٢٣٨) ـ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ ويُنْكِرَ مَا عَرَفَ ـ وإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً ومُبْتَدِعٌ بِدْعَةً ـ لَيْسَ مَعَه مِنَ اللَّه سُبْحَانَه بُرْهَانُ سُنَّةٍ ولَا ضِيَاءُ حُجَّةٍ.

القرآن

وإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ ـ فَإِنَّه حَبْلُ اللَّه الْمَتِينُ وسَبَبُه الأَمِينُ ـ وفِيه رَبِيعُ الْقَلْبِ ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ ـ ومَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُه مَعَ أَنَّه قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ ـ وبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ ـ فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْه ـ وإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا

٢٥٤

عَنْه ـ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ يَقُولُ ـ يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَيْرَ ودَعِ الشَّرَّ ـ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ (٢٢٣٩)».

أنواع الظلم

أَلَا وإِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ ـ فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ وظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ ـ وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ ـ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّه ـ قَالَ اللَّه تَعَالَى (إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه) ـ وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ ـ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَه عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ (٢٢٤٠) ـ وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ ـ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً ـ الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى (٢٢٤١) ـ ولَا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ (٢٢٤٢) ولَكِنَّه مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَه ـ فَإِيَّاكُمْ والتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّه ـ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ ـ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ (٢٢٤٣) فِيمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ ـ وإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى ـ ولَا مِمَّنْ بَقِيَ.

لزوم الطاعة

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ـ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَه عَيْبُه عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ ـ وطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَه وأَكَلَ قُوتَه ـ واشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّه وبَكَى عَلَى خَطِيئَتِه ـ فَكَانَ مِنْ نَفْسِه فِي شُغُلٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ!

٢٥٥

١٧٧ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في معنى الحكمين

فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ ـ فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا (٢٢٤٤) عِنْدَ الْقُرْآنِ ولَا يُجَاوِزَاه ـ وتَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَه وقُلُوبُهُمَا تَبَعَه فَتَاهَا عَنْه ـ وتَرَكَا الْحَقَّ وهُمَا يُبْصِرَانِه ـ وكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا والِاعْوِجَاجُ رَأْيَهُمَا ـ وقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ ـ والْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وجَوْرَ حُكْمِهِمَا ـ والثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ ـ وأَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ.

١٧٨ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في الشهادة والتقوى. وقيل : إنه خطبها بعد مقتل عثمان في أول خلافته

اللَّه ورسوله

لَا يَشْغَلُه شَأْنٌ ولَا يُغَيِّرُه زَمَانٌ ـ ولَا يَحْوِيه مَكَانٌ ولَا يَصِفُه لِسَانٌ ـ لَا يَعْزُبُ (٢٢٤٥) عَنْه عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ ولَا نُجُومِ السَّمَاءِ ـ ولَا سَوَافِي الرِّيحِ (٢٢٤٦) فِي الْهَوَاءِ ـ ولَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا (٢٢٤٧) ـ ولَا مَقِيلُ الذَّرِّ (٢٢٤٨) فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ ـ يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الأَوْرَاقِ وخَفِيَّ طَرْفِ

٢٥٦

الأَحْدَاقِ (٢٢٤٩) ـ وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه غَيْرَ مَعْدُولٍ بِه (٢٢٥٠) ـ ولَا مَشْكُوكٍ فِيه ولَا مَكْفُورٍ دِينُه ـ ولَا مَجْحُودٍ تَكْوِينُه (٢٢٥١) شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُه ـ وصَفَتْ دِخْلَتُه (٢٢٥٢) وخَلَصَ يَقِينُه وثَقُلَتْ مَوَازِينُه ـ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه الَمْجُتْبَىَ (٢٢٥٣) مِنْ خَلَائِقِه ـ والْمُعْتَامُ (٢٢٥٤) لِشَرْحِ حَقَائِقِه والْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ (٢٢٥٥) كَرَامَاتِه (٢٢٥٦) ـ والْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِه ـ والْمُوَضَّحَةُ بِه أَشْرَاطُ الْهُدَى (٢٢٥٧) والْمَجْلُوُّ بِه غِرْبِيبُ (٢٢٥٨) الْعَمَى.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا والْمُخْلِدَ إِلَيْهَا (٢٢٥٩) ـ ولَا تَنْفَسُ (٢٢٦٠) بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا وتَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا ـ وايْمُ اللَّه مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ (٢٢٦١) نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ ـ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا (٢٢٦٢) لـ (أَنَّ الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ـ ولَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ ووَلَه مِنْ قُلُوبِهِمْ ـ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ وأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ ـ وإِنِّي لأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ (٢٢٦٣) ـ وقَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً ـ كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ ـ ولَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ ـ ومَا عَلَيَّ إِلَّا الْجُهْدُ ـ ولَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ (عَفَا الله عَمَّا سَلَفَ)!

٢٥٧

١٧٩ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

وقد سأله ذعلب اليماني فقال ـ هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين

فقال عليه‌السلام ـ أفأعبد ما لا أرى فقال وكيف تراه فقال

لَا تُدْرِكُه الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ ـ ولَكِنْ تُدْرِكُه الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ ـ قَرِيبٌ مِنَ الأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلَابِسٍ بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِنٍ ـ مُتَكَلِّمٌ لَا بِرَوِيَّةٍ (٢٢٦٤) مُرِيدٌ لَا بِهِمَّةٍ (٢٢٦٥) صَانِعٌ لَا بِجَارِحَةٍ (٢٢٦٦) ـ لَطِيفٌ لَا يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ كَبِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ (٢٢٦٧) ـ بَصِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ رَحِيمٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ ـ تَعْنُو (٢٢٦٨) الْوُجُوه لِعَظَمَتِه وتَجِبُ الْقُلُوبُ (٢٢٦٩) مِنْ مَخَافَتِه.

١٨٠ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في ذم العاصين من أصحابه

أَحْمَدُ اللَّه عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ ـ وعَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ ـ وإِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ ـ إِنْ أُمْهِلْتُمْ (٢٢٧٠) خُضْتُمْ وإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ (٢٢٧١) ـ وإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ ـ وإِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ (٢٢٧٢) نَكَصْتُمْ (٢٢٧٣) ـ. لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ (٢٢٧٤) مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ ـ والْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ ـ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ ـ فَوَاللَّه لَئِنْ جَاءَ يَومِي ولَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وبَيْنِكُمْ ـ وأَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ (٢٢٧٥) وبِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ (٢٢٧٦) ـ لِلَّه أَنْتُمْ أَمَا

٢٥٨

دِينٌ يَجْمَعُكُمْ ولَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ (٢٢٧٧) ـ أَولَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ (٢٢٧٨) الطَّغَامَ (٢٢٧٩) ـ فَيَتَّبِعُونَه عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ (٢٢٨٠) ولَا عَطَاءٍ ـ وأَنَا أَدْعُوكُمْ وأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الإِسْلَامِ (٢٢٨١) ـ وبَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ ـ فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ ـ إِنَّه لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًى فَتَرْضَوْنَه ـ ولَا سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْه ـ وإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ ـ قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ (٢٢٨٢) وفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ (٢٢٨٣) ـ وعَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وسَوَّغْتُكُمْ (٢٢٨٤) مَا مَجَجْتُمْ ـ لَوْ كَانَ الأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ ـ وأَقْرِبْ بِقَوْمٍ (٢٢٨٥) مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّه قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ ـ ومُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ (٢٢٨٦)!

١٨١ ـ ومِنْ كَلَامٍ لَه عليه‌السلام

وقَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِه ـ يَعْلَمُ لَه عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ ـ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ ـ وكَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْه عليه‌السلام ـ فَلَمَّا عَادَ إِلَيْه الرَّجُلُ ـ قَالَ لَه أَأَمِنُوا فَقَطَنُوا (٢٢٨٧) أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا (٢٢٨٨) ـ فَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ـ فَقَالَ عليه‌السلام

بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ـ أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ (٢٢٨٩) الأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ ـ وصُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ (٢٢٩٠) ـ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ (٢٢٩١) ـ وهُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ ومُتَخَلٍّ

٢٥٩

عَنْهُمْ ـ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ (٢٢٩٢) مِنَ الْهُدَى وارْتِكَاسِهِمْ (٢٢٩٣) فِي الضَّلَالِ والْعَمَى ـ وصَدِّهِمْ (٢٢٩٤) عَنِ الْحَقِّ وجِمَاحِهِمْ (٢٢٩٥) فِي التِّيه (٢٢٩٦).

١٨٢ ـ ومِنْ خُطْبَةٍ لَه عليه‌السلام :

رُوِيَ عَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ ـ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِه الْخُطْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عليه‌السلام بِالْكُوفَةِ ـ وهُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ ـ نَصَبَهَا لَه جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ ـ وعَلَيْه مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ (٢٢٩٧) وحَمَائِلُ سَيْفِه لِيفٌ ـ وفِي رِجْلَيْه نَعْلَانِ مِنْ لِيفٍ ـ وكَأَنَّ جَبِينَه ثَفِنَةُ (٢٢٩٨) بَعِيرٍ فَقَالَ عليه‌السلام

حمد اللَّه واستعانته

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي إِلَيْه مَصَائِرُ الْخَلْقِ ـ وعَوَاقِبُ الأَمْرِ نَحْمَدُه عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِه ـ ونَيِّرِ بُرْهَانِه ونَوَامِي (٢٢٩٩) فَضْلِه وامْتِنَانِه ـ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّه قَضَاءً ولِشُكْرِه أَدَاءً ـ وإِلَى ثَوَابِه مُقَرِّباً ولِحُسْنِ مَزِيدِه مُوجِباً ـ ونَسْتَعِينُ بِه اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِه مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِه وَاثِقٍ بِدَفْعِه ـ مُعْتَرِفٍ لَه بِالطَّوْلِ (٢٣٠٠) مُذْعِنٍ لَه بِالْعَمَلِ والْقَوْلِ ـ ونُؤْمِنُ بِه إِيمَانَ مَنْ رَجَاه مُوقِناً ـ وأَنَابَ إِلَيْه مُؤْمِناً وخَنَعَ (٢٣٠١) لَه مُذْعِناً ـ وأَخْلَصَ لَه مُوَحِّداً وعَظَّمَه مُمَجِّداً ولَاذَ بِه رَاغِباً مُجْتَهِداً.

اللَّه الواحد

(لَمْ يُولَدْ) سُبْحَانَه فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً ـ و (لَمْ يَلِدْ) فَيَكُونَ مَوْرُوثاً

٢٦٠