نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ـ فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً والْعِقَابُ بَوَاءً (١٧٨٩).

فضل أهل البيت

أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا ـ كَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّه ووَضَعَهُمْ ـ وأَعْطَانَا وحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ ـ بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى ويُسْتَجْلَى الْعَمَى ـ إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ ـ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ ـ ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.

أهل الضلال

منها : ـ آثَرُوا عَاجِلًا وأَخَّرُوا آجِلًا ـ وتَرَكُوا صَافِياً وشَرِبُوا آجِناً (١٧٩٠) ـ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَه ـ وبَسِئَ (١٧٩١) بِه ووَافَقَه حَتَّى شَابَتْ عَلَيْه مَفَارِقُه ـ وصُبِغَتْ بِه خَلَائِقُه (١٧٩٢) ـ ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لَا يُبَالِي مَا غَرَّقَ ـ أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لَا يَحْفِلُ (١٧٩٣) مَا حَرَّقَ!

أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى ـ والأَبْصَارُ اللَّامِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى ـ أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلَّه وعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللَّه ـ ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ (١٧٩٤) وتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ ـ ورُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ

٢٠١

الْجَنَّةِ والنَّارِ ـ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ ـ وأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ ـ ودَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا ووَلَّوْا ـ ودَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وأَقْبَلُوا!

١٤٥ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

فناء الدنيا

أَيُّهَا النَّاسُ ـ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هَذِه الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ (١٧٩٥) فِيه الْمَنَايَا ـ مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ شَرَقٌ وفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ ـ لَا تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى ـ ولَا يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِه ـ إِلَّا بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِه ـ ولَا تُجَدَّدُ لَه زِيَادَةٌ فِي أَكْلِه إِلَّا بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِه ـ ولَا يَحْيَا لَه أَثَرٌ إِلَّا مَاتَ لَه أَثَرٌ ـ ولَا يَتَجَدَّدُ لَه جَدِيدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ (١٧٩٦) لَه جَدِيدٌ ـ ولَا تَقُومُ لَه نَابِتَةٌ إِلَّا وتَسْقُطُ مِنْه مَحْصُودَةٌ ـ وقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا ـ فَمَا بَقَاءُ فَرْعٍ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِه!

ذم البدعة

منها ـ ومَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلَّا تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ ـ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ والْزَمُوا الْمَهْيَعَ (١٧٩٧) ـ إِنَّ عَوَازِمَ الأُمُورِ(١٧٩٨) أَفْضَلُهَا ـ وإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.

٢٠٢

١٤٦ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه

إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُه ـ ولَا خِذْلَانُه بِكَثْرَةٍ ولَا بِقِلَّةٍ ـ وهُوَ دِينُ اللَّه الَّذِي أَظْهَرَه ـ وجُنْدُه الَّذِي أَعَدَّه وأَمَدَّه ـ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ ـ ونَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّه ـ واللَّه مُنْجِزٌ وَعْدَه ونَاصِرٌ جُنْدَه ـ ومَكَانُ الْقَيِّمِ(١٧٩٩) بِالأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ(١٨٠٠) مِنَ الْخَرَزِ ـ يَجْمَعُه ويَضُمُّه ـ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وذَهَبَ ـ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِه (١٨٠١) أَبَداً ـ والْعَرَبُ الْيَوْمَ وإِنْ كَانُوا قَلِيلًا ـ فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالإِسْلَامِ ـ عَزِيزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ ـ فَكُنْ قُطْباً واسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ ـ وأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ ـ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ (١٨٠٢) مِنْ هَذِه الأَرْضِ ـ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وأَقْطَارِهَا ـ حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ ـ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ.

إِنَّ الأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا ـ هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوه اسْتَرَحْتُمْ ـ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وطَمَعِهِمْ فِيكَ ـ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ـ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه هُوَ أَكْرَه لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ ـ وهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَه.

٢٠٣

وأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ ـ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَا مَضَى بِالْكَثْرَةِ ـ وإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ والْمَعُونَةِ!

١٤٧ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

الغاية من البعثة

فَبَعَثَ اللَّه مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بِالْحَقِّ ـ لِيُخْرِجَ عِبَادَه مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِه ـ ومِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِه ـ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَه وأَحْكَمَه ـ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوه ـ ولِيُقِرُّوا بِه بَعْدَ إِذْ جَحَدُوه ـ ولِيُثْبِتُوه بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوه ـ فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَه (١٨٠٣) فِي كِتَابِه ـ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْه بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِه ـ وخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِه ـ وكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلَاتِ (١٨٠٤) ـ واحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!

الزمان المقبل

وإِنَّه سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ ـ لَيْسَ فِيه شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ـ ولَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ـ ولَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّه ورَسُولِه ـ ولَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ ـ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِه ـ ولَا أَنْفَقَ مِنْه (١٨٠٥) إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِه ـ ولَا فِي الْبِلَادِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ ـ ولَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ ـ فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُه وتَنَاسَاه

٢٠٤

حَفَظَتُه ـ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وأَهْلُه طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ ـ وصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ ـ فَالْكِتَابُ وأَهْلُه فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ ولَيْسَا فِيهِمْ ـ ومَعَهُمْ ولَيْسَا مَعَهُمْ ـ لأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وإِنِ اجْتَمَعَا ـ فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ ـ وافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ـ ولَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ـ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْه إِلَّا اسْمُه ـ ولَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّه وزَبْرَه (١٨٠٦) ـ ومِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا (١٨٠٧) بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ ـ وسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللَّه فِرْيَةً (١٨٠٨) وجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ.

وإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ ـ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ (١٨٠٩) الَّذِي تُرَدُّ عَنْه الْمَعْذِرَةُ ـ وتُرْفَعُ عَنْه التَّوْبَةُ وتَحُلُّ مَعَه الْقَارِعَةُ (١٨١٠) والنِّقْمَةُ.

عظة الناس

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّه مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّه وُفِّقَ ـ ومَنِ اتَّخَذَ قَوْلَه دَلِيلًا هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ ـ فَإِنَّ جَارَ اللَّه آمِنٌ وعَدُوَّه خَائِفٌ ـ وإِنَّه لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّه أَنْ يَتَعَظَّمَ ـ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُه أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَه ـ وسَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُه أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَه ـ فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الأَجْرَبِ ـ والْبَارِئِ (١٨١١) مِنْ ذِي السَّقَمِ (١٨١٢) ـ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ ـ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي

٢٠٥

تَرَكَه ـ ولَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَه ـ ولَنْ تَمَسَّكُوا بِه حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَه ـ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِه ـ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ومَوْتُ الْجَهْلِ ـ هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ ـ وصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ ـ لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ ولَا يَخْتَلِفُونَ فِيه ـ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وصَامِتٌ نَاطِقٌ.

١٤٨ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في ذكر أهل البصرة

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الأَمْرَ لَه ـ ويَعْطِفُه عَلَيْه دُونَ صَاحِبِه ـ لَا يَمُتَّانِ (١٨١٣) إِلَى اللَّه بِحَبْلٍ ـ ولَا يَمُدَّانِ إِلَيْه بِسَبَبٍ (١٨١٤) ـ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ (١٨١٥) لِصَاحِبِه ـ وعَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُه بِه ـ واللَّه لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ ـ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا ـ ولَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا ـ قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُونَ (١٨١٦) ـ فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ وقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ ـ ولِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ ولِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ ـ واللَّه لَا أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ (١٨١٧) ـ يَسْمَعُ النَّاعِيَ ويَحْضُرُ الْبَاكِيَ ثُمَّ لَا يَعْتَبِرُ!

٢٠٦

١٤٩ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

قبل موته

أَيُّهَا النَّاسُ ـ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْه فِي فِرَارِه ـ الأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ (١٨١٨) والْهَرَبُ مِنْه مُوَافَاتُه ـ كَمْ أَطْرَدْتُ (١٨١٩) الأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ ـ فَأَبَى اللَّه إِلَّا إِخْفَاءَه هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ ـ أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّه لَا تُشْرِكُوا بِه شَيْئاً ـ ومُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَه ـ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ ـ وأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ ـ وخَلَاكُمْ ذَمٌّ (١٨٢٠) مَا لَمْ تَشْرُدُوا (١٨٢١) ـ حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَه ـ وخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ ـ رَبٌّ رَحِيمٌ ودِينٌ قَوِيمٌ وإِمَامٌ عَلِيمٌ ـ أَنَا بِالأَمْسِ صَاحِبُكُمْ ـ وأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وغَداً مُفَارِقُكُمْ ـ غَفَرَ اللَّه لِي ولَكُمْ!

إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ (١٨٢٢) فِي هَذِه الْمَزَلَّةِ (١٨٢٣) فَذَاكَ ـ وإِنْ تَدْحَضِ (١٨٢٤) الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ (١٨٢٥) أَغْصَانٍ ـ ومَهَابِّ رِيَاحٍ وتَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ ـ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا (١٨٢٦) وعَفَا (١٨٢٧) فِي الأَرْضِ مَخَطُّهَا (١٨٢٨) ـ وإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً ـ وسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً (١٨٢٩) ـ سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ ـ لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وخُفُوتُ (١٨٣٠) إِطْرَاقِي وسُكُونُ أَطْرَافِي (١٨٣١) ـ فَإِنَّه أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ

٢٠٧

الْبَلِيغِ ـ والْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ ـ وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ (١٨٣٢) لِلتَّلَاقِي ـ غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي ويُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي ـ وتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.

١٥٠ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يومي فيها إلى الملاحم ويصف فئة من أهل الضلال

وأَخَذُوا يَمِيناً وشِمَالًا ظَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ ـ وتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ ـ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ ـ ولَا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِه الْغَدُ ـ فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَه وَدَّ أَنَّه لَمْ يُدْرِكْه ـ ومَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ (١٨٣٣) غَدٍ ـ يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ (١٨٣٤) وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ ـ ودُنُوٍّ (١٨٣٥) مِنْ طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرِفُونَ ـ أَلَا وإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ ـ ويَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ ـ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً (١٨٣٦) ـ ويُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً ويَصْدَعَ شَعْباً (١٨٣٧) ـ ويَشْعَبَ صَدْعاً (١٨٣٨) فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ ـ لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ (١٨٣٩) أَثَرَه ولَوْ تَابَعَ نَظَرَه ـ ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ (١٨٤٠) فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ (١٨٤١) ـ تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ ـ ويُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ ـ ويُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ (١٨٤٢)!

٢٠٨

في الضلال

منها ـ وطَالَ الأَمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ ويَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ (١٨٤٣) حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الأَجَلُ (١٨٤٤) ـ واسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ ـ وأَشَالُوا (١٨٤٥) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ ـ لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللَّه بِالصَّبْرِ ـ ولَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ ـ حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلَاءِ ـ حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ (١٨٤٦) ـ ودَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّه رَسُولَه صلى‌الله‌عليه‌وآله رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الأَعْقَابِ ـ وغَالَتْهُمُ السُّبُلُ واتَّكَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ (١٨٤٧) ـ ووَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ ـ وهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِه ـ ونَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِه فَبَنَوْه فِي غَيْرِ مَوْضِعِه ـ مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ (١٨٤٨) ـ قَدْ مَارُوا (١٨٤٩) فِي الْحَيْرَةِ وذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ ـ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ـ مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ ـ أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ.

١٥١ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يحذر من الفتن

اللَّه ورسوله

وأَحْمَدُ اللَّه وأَسْتَعِينُه عَلَى مَدَاحِرِ (١٨٥٠) الشَّيْطَانِ ومَزَاجِرِه ـ والِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِه ومَخَاتِلِه (١٨٥١) وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً

٢٠٩

عَبْدُه ورَسُولُه ونَجِيبُه وصَفْوَتُه ـ لَا يُؤَازَى فَضْلُه ولَا يُجْبَرُ فَقْدُه ـ أَضَاءَتْ بِه الْبِلَادُ بَعْدَ الضَّلَالَةِ الْمُظْلِمَةِ ـ والْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ والْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ ـ والنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ ـ ويَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ ـ يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ (١٨٥٢) ويَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ.!

التحذير من الفتن

ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ ـ فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ واحْذَرُوا بَوَائِقَ (١٨٥٣) النِّقْمَةِ ـ وتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ (١٨٥٤) واعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ ـ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا وظُهُورِ كَمِينِهَا ـ وانْتِصَابِ قُطْبِهَا ومَدَارِ رَحَاهَا ـ تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وتَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ ـ شِبَابُهَا (١٨٥٥) كَشِبَابِ الْغُلَامِ وآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلَامِ (١٨٥٦) ـ يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ ـ وآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ ويَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ (١٨٥٧) ـ وعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ ـ والْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ فَيَتَزَايَلُونَ (١٨٥٨) بِالْبَغْضَاءِ ـ ويَتَلَاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ ـ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ (١٨٥٩) ـ والْقَاصِمَةِ (١٨٦٠) الزَّحُوفِ فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ ـ وتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلَامَةٍ ـ وتَخْتَلِفُ الأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا ـ وتَلْتَبِسُ الآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا (١٨٦١) ـ مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْه ومَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْه ـ يَتَكَادَمُونَ (١٨٦٢) فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ (١٨٦٣) ـ قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ

٢١٠

الْحَبْلِ وعَمِيَ وَجْه الأَمْرِ ـ تَغِيضُ (١٨٦٤) فِيهَا الْحِكْمَةُ وتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ ـ وتَدُقُّ (١٨٦٥) أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا (١٨٦٦) ـ وتَرُضُّهُمْ (١٨٦٧) بِكَلْكَلِهَا (١٨٦٨) يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ (١٨٦٩) ـ ويَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ ـ وتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ (١٨٧٠) وتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ (١٨٧١) ـ وتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ ـ يَهْرُبُ مِنْهَا الأَكْيَاسُ (١٨٧٢) ويُدَبِّرُهَا الأَرْجَاسُ (١٨٧٣) ـ مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ تُقْطَعُ فِيهَا الأَرْحَامُ ـ ويُفَارَقُ عَلَيْهَا الإِسْلَامُ بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وظَاعِنُهَا مُقِيمٌ!

منها ـ بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ (١٨٧٤) وخَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ ـ يَخْتِلُونَ (١٨٧٥) بِعَقْدِ الأَيْمَانِ وبِغُرُورِ الإِيمَانِ ـ فَلَا تَكُونُوا أَنْصَابَ (١٨٧٦) الْفِتَنِ وأَعْلَامَ الْبِدَعِ ـ والْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْه حَبْلُ الْجَمَاعَةِ ـ وبُنِيَتْ عَلَيْه أَرْكَانُ الطَّاعَةِ ـ واقْدَمُوا عَلَى اللَّه مَظْلُومِينَ ولَا تَقْدَمُوا عَلَيْه ظَالِمِينَ ـ واتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ ومَهَابِطَ الْعُدْوَانِ ـ ولَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ (١٨٧٧) الْحَرَامِ ـ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ (١٨٧٨) مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ ـ وسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ.

١٥٢ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في صفات اللَّه جل جلاله ، وصفات أئمة الدين

الْحَمْدُ لِلَّه الدَّالِّ عَلَى وُجُودِه بِخَلْقِه ـ وبِمُحْدَثِ خَلْقِه عَلَى أَزَلِيَّتِه؛

٢١١

وبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَه لَه ـ لَا تَسْتَلِمُه (١٨٧٩) الْمَشَاعِرُ ولَا تَحْجُبُه السَّوَاتِرُ ـ لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ والْمَصْنُوعِ والْحَادِّ والْمَحْدُودِ والرَّبِّ والْمَرْبُوبِ ـ الأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ ـ والْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ ونَصَبٍ (١٨٨٠) ـ والسَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ (١٨٨١) والْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ (١٨٨٢) ـ والشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ والْبَائِنِ (١٨٨٣) لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ ـ والظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ والْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ ـ بَانَ مِنَ الأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا والْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ـ وبَانَتِ الأَشْيَاءُ مِنْه بِالْخُضُوعِ لَه والرُّجُوعِ إِلَيْه ـ مَنْ وَصَفَه فَقَدْ حَدَّه ومَنْ حَدَّه (١٨٨٤) فَقَدْ عَدَّه ـ ومَنْ عَدَّه فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَه ـ ومَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَه ـ ومَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَه ـ عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ ورَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ ـ وقَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ.

أئمة الدين

منها : ـ قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ ولَمَعَ لَامِعٌ ولَاحَ لَائِحٌ (١٨٨٥) ـ واعْتَدَلَ مَائِلٌ واسْتَبْدَلَ اللَّه بِقَوْمٍ قَوْماً وبِيَوْمٍ يَوْماً ـ وانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ (١٨٨٦) انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ ـ وإِنَّمَا الأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّه عَلَى خَلْقِه ـ وعُرَفَاؤُه عَلَى عِبَادِه ـ ولَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وعَرَفُوه ـ ولَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وأَنْكَرُوه ـ إِنَّ اللَّه تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالإِسْلَامِ واسْتَخْلَصَكُمْ لَه ـ وذَلِكَ لأَنَّه اسْمُ سَلَامَةٍ وجِمَاعُ (١٨٨٧) كَرَامَةٍ ـ اصْطَفَى اللَّه تَعَالَى مَنْهَجَه وبَيَّنَ حُجَجَه ـ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وبَاطِنِ حُكْمٍ ـ لَا تَفْنَى غَرَائِبُه،

٢١٢

ولَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه ـ فِيه مَرَابِيعُ النِّعَمِ (١٨٨٨) ومَصَابِيحُ الظُّلَمِ ـ لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِه ـ ولَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِه ـ قَدْ أَحْمَى حِمَاه (١٨٨٩) وأَرْعَى مَرْعَاه ـ فِيه شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي وكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي.

١٥٣ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

صفة الضال

وهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّه يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ ـ ويَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ ولَا إِمَامٍ قَائِدٍ.

صفات الغافلين

منها ـ حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ ـ واسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمُ ـ اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً واسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا ـ فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ ـ ولَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ.

إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ ونَفْسِي هَذِه الْمَنْزِلَةَ ـ فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِه ـ فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ ونَظَرَ فَأَبْصَرَ وانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ـ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيه الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي ـ والضَّلَالَ فِي

٢١٣

الْمَغَاوِي (١٨٩٠) ـ ولَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِه الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ ـ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ.

عظة الناس

فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ ـ واسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ واخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ ـ وأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ ـ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مِمَّا لَا بُدَّ مِنْه ـ ولَا مَحِيصَ عَنْه ـ وخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِه ـ ودَعْه ومَا رَضِيَ لِنَفْسِه وضَعْ فَخْرَكَ ـ واحْطُطْ كِبْرَكَ واذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْه مَمَرَّكَ ـ وكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ ـ ومَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْه غَداً ـ فَامْهَدْ (١٨٩١) لِقَدَمِكَ وقَدِّمْ لِيَوْمِكَ ـ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ والْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ ـ «ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ».

إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّه فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ ـ الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ ويُعَاقِبُ ولَهَا يَرْضَى ويَسْخَطُ ـ أَنَّه لَا يَنْفَعُ عَبْداً ـ وإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَه وأَخْلَصَ فِعْلَه ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا لَاقِياً رَبَّه ـ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِه الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا ـ أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّه فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْه مِنْ عِبَادَتِه ـ أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَه بِهَلَاكِ نَفْسٍ ـ أَوْ يَعُرَّ (١٨٩٢) بِأَمْرٍ فَعَلَه غَيْرُه ـ أَوْ يَسْتَنْجِحَ (١٨٩٣) حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِه ـ أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أَوْ يَمْشِيَ

٢١٤

فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ ـ اعْقِلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِه.

إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا ـ وإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا ـ وإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا والْفَسَادُ فِيهَا ـ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ (١٨٩٤) ـ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ.

١٥٤ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يذكر فيها فضائل أهل البيت

ونَاظِرُ قَلْبِ (١٨٩٥) اللَّبِيبِ بِه يُبْصِرُ أَمَدَه ـ ويَعْرِفُ غَوْرَه (١٨٩٦) ونَجْدَه (١٨٩٧) ـ دَاعٍ دَعَا ورَاعٍ رَعَى ـ فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي واتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.

قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ ـ وأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ ـ وأَرَزَ (١٨٩٨) الْمُؤْمِنُونَ ونَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ـ نَحْنُ الشِّعَارُ (١٨٩٩) والأَصْحَابُ والْخَزَنَةُ والأَبْوَابُ ـ ولَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا ـ فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.

منها : فِيهِمْ كَرَائِمُ (١٩٠٠) الْقُرْآنِ وهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ ـ إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا ـ فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَه ولْيُحْضِرْ عَقْلَه ـ ولْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ـ فَإِنَّه مِنْهَا قَدِمَ وإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ.

٢١٥

فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ ـ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِه أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُه عَلَيْه أَمْ لَه ـ فَإِنْ كَانَ لَه مَضَى فِيه وإِنْ كَانَ عَلَيْه وَقَفَ عَنْه ـ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ ـ فَلَا يَزِيدُه بُعْدُه عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِه ـ والْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ ـ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ.

واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِه ـ فَمَا طَابَ ظَاهِرُه طَابَ بَاطِنُه ـ ومَا خَبُثَ ظَاهِرُه خَبُثَ بَاطِنُه وقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْعَبْدَ ويُبْغِضُ عَمَلَه ـ ويُحِبُّ الْعَمَلَ ويُبْغِضُ بَدَنَه.

واعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً ـ وكُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِه عَنِ الْمَاءِ ـ والْمِيَاه مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُه طَابَ غَرْسُه وحَلَتْ ثَمَرَتُه ـ ومَا خَبُثَ سَقْيُه خَبُثَ غَرْسُه وأَمَرَّتْ ثَمَرَتُه.

١٥٥ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

يذكر فيها بديع خلقة الخفاش

حمد اللَّه وتنزيهه

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي انْحَسَرَتِ (١٩٠١) الأَوْصَافُ عَنْ كُنْه مَعْرِفَتِه ـ ورَدَعَتْ

٢١٦

عَظَمَتُه الْعُقُولَ ـ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِه!

هُوَ اللَّه «الْحَقُّ الْمُبِينُ» ـ أَحَقُّ وأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ ـ لَمْ تَبْلُغْه الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً ـ ولَمْ تَقَعْ عَلَيْه الأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلًا ـ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ ولَا مَشُورَةِ مُشِيرٍ ـ ولَا مَعُونَةِ مُعِينٍ فَتَمَّ خَلْقُه بِأَمْرِه وأَذْعَنَ لِطَاعَتِه ـ فَأَجَابَ ولَمْ يُدَافِعْ وانْقَادَ ولَمْ يُنَازِعْ.

خلقة الخفاش

ومِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِه وعَجَائِبِ خِلْقَتِه ـ مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هَذِه الْخَفَافِيشِ ـ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْءٍ ـ ويَبْسُطُهَا الظَّلَامُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ ـ وكَيْفَ عَشِيَتْ (١٩٠٢) أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ ـ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي بِه فِي مَذَاهِبِهَا ـ وتَتَّصِلُ بِعَلَانِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا ـ ورَدَعَهَا بِتَلأْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ (١٩٠٣) إِشْرَاقِهَا ـ وأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِي بُلَجِ ائْتِلَاقِهَا (١٩٠٤) ـ فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا ـ وجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِه فِي الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا ـ فَلَا يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ (١٩٠٥) ظُلْمَتِه ـ ولَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيه لِغَسَقِ دُجُنَّتِه (١٩٠٦) ـ فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا وبَدَتْ أَوْضَاحُ (١٩٠٧) نَهَارِهَا ـ ودَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا (١٩٠٨) ـ أَطْبَقَتِ الأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا (١٩٠٩)،

٢١٧

وتَبَلَّغَتْ (١٩١٠) بِمَا اكْتَسَبَتْه مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا ـ فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً ومَعَاشاً ـ والنَّهَارَ سَكَناً وقَرَاراً ـ وجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا ـ تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ ـ كَأَنَّهَا شَظَايَا الآذَانِ (١٩١١) غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ ولَا قَصَبٍ (١٩١٢) ـ إِلَّا أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلَاماً (١٩١٣) ـ لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا ولَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا ـ تَطِيرُ ووَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَيْهَا ـ يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ ويَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ ـ لَا يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُه ـ ويَحْمِلَه لِلنُّهُوضِ جَنَاحُه ـ ويَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِه ومَصَالِحَ نَفْسِه ـ فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِه (١٩١٤)!

١٥٦ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ ـ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَه عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَلْيَفْعَلْ ـ فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي ـ فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ ـ وإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ومَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ.

وأَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ ـ وضِغْنٌ غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ (١٩١٥) الْقَيْنِ (١٩١٦) ـ ولَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ ـ ولَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الأُولَى والْحِسَابُ عَلَى اللَّه تَعَالَى.

٢١٨

وصف الإيمان

منه ـ سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ ـ فَبِالإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ ـ وبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الإِيمَانِ وبِالإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ ـ وبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ وبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا ـ وبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الآخِرَةُ ـ وبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ وتُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ـ وإِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ (١٩١٧) لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ ـ مُرْقِلِينَ (١٩١٨) فِي مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى.

حال أهل القبور في القيامة

منه : قَدْ شَخَصُوا (١٩١٩) مِنْ مُسْتَقَرِّ الأَجْدَاثِ (١٩٢٠) ـ وصَارُوا إِلَى مَصَايِرِ الْغَايَاتِ (١٩٢١) لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا ـ لَا يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا ولَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا.

وإِنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ـ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّه سُبْحَانَه ـ وإِنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ـ ولَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ ـ وعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّه ـ فَإِنَّه الْحَبْلُ الْمَتِينُ والنُّورُ الْمُبِينُ ـ والشِّفَاءُ النَّافِعُ والرِّيُّ النَّاقِعُ (١٩٢٢) ـ والْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ والنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ ـ لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ ولَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ (١٩٢٣) ـ ولَا تُخْلِقُه كَثْرَةُ الرَّدِّ (١٩٢٤) ووُلُوجُ السَّمْعِ (١٩٢٥) ـ مَنْ قَالَ بِه صَدَقَ ومَنْ عَمِلَ بِه سَبَقَ».

٢١٩

وقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرنا عن الفتنة ، وهل سألت

رسول اللَّه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عنها فقال عليه‌السلام :

إِنَّه لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه سُبْحَانَه قَوْلَه ـ «ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ـ أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ» ـ عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا ـ ورَسُولُ اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بَيْنَ أَظْهُرِنَا ـ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّه تَعَالَى بِهَا ـ فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي ـ فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّه ـ أَولَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ ـ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ـ وحِيزَتْ (١٩٢٦) عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ ـ فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ ـ فَقَالَ لِي إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً ـ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ ـ ولَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى والشُّكْرِ ـ وقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ ـ ويَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ ـ ويَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَه ويَأْمَنُونَ سَطْوَتَه ـ ويَسْتَحِلُّونَ حَرَامَه بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ ـ والأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ ـ والسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ والرِّبَا بِالْبَيْعِ ـ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه ـ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ـ أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ»

٢٢٠