أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]
المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣
ومنها في ذكر الرسول صلى الله عليه وآله
مُسْتَقَرُّه خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ ـ ومَنْبِتُه أَشْرَفُ مَنْبِتٍ ـ فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ ـ ومَمَاهِدِ (١٢٨٩) السَّلَامَةِ ـ قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَه أَفْئِدَةُ الأَبْرَارِ ـ وثُنِيَتْ إِلَيْه أَزِمَّةُ (١٢٩٠) الأَبْصَارِ ـ دَفَنَ اللَّه بِه الضَّغَائِنَ (١٢٩١) وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ (١٢٩٢) أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً ـ وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً ـ أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ ـ وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ ـ كَلَامُه بَيَانٌ وصَمْتُه لِسَانٌ.
٩٧ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في أصحابه وأصحاب رسول اللَّه
أصحاب علي
ولَئِنْ أَمْهَلَ الظَّالِمَ ـ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُه ـ وهُوَ لَه بِالْمِرْصَادِ (١٢٩٣) عَلَى مَجَازِ طَرِيقِه ـ وبِمَوْضِعِ الشَّجَا (١٢٩٤) مِنْ مَسَاغِ رِيقِه (١٢٩٥) أَمَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِه ـ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ ـ لَيْسَ لأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ـ ولَكِنْ لإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ وإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي ـ ولَقَدْ أَصْبَحَتِ الأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا ـ وأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي ـ اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا ـ وأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا ـ ودَعَوْتُكُمْ سِرّاً وجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا ـ ونَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا ـ أَشُهُودٌ كَغُيَّابٍ (١٢٩٦)وعَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ ـ أَتْلُو عَلَيْكُمْ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ
مِنْهَا ـ وأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ ـ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا ـ وأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ ـ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي ـ حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا (١٢٩٧) تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ ـ وتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ ـ أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً وتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً ـ كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ (١٢٩٨) عَجَزَ الْمُقَوِّمُ وأَعْضَلَ الْمُقَوَّم(١٢٩٩).
أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ ـ الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ ـ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ ـ الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ ـ صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّه وأَنْتُمْ تَعْصُونَه ـ وصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّه ـ وهُمْ يُطِيعُونَه ـ لَوَدِدْتُ واللَّه أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ ـ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ ـ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ ـ وأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ.
يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ ـ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلَاثٍ واثْنَتَيْنِ ـ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ ـ وبُكْمٌ ذَوُو كَلَامٍ ـ وعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ ـ لَا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ ـ ولَا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلَاءِ ـ تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ ـ يَا أَشْبَاه الإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا ـ كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ ـ واللَّه لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ (١٣٠٠) ـ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى (١٣٠١) وحَمِيَ الضِّرَابُ ـ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا (١٣٠٢) وإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ومِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي ـ وإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ ـ أَلْقُطُه لَقْطاً (١٣٠٣).
أصحاب رسول اللَّه
انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ ـ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ (١٣٠٤) واتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ ـ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى ـ ولَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى ـ فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا (١٣٠٥) وإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا ـ ولَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا ـ ولَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا ـ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآله ـ فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ ـ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً (١٣٠٦) وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً ـ يُرَاوِحُونَ (١٣٠٧) بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ ـ ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ ـ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى (١٣٠٨) مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ ـ إِذَا ذُكِرَ اللَّه هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ ـ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ ـ ومَادُوا (١٣٠٩) كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ ـ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ورَجَاءً لِلثَّوَابِ!
٩٨ ـ ومن كلام له عليهالسلام
يشير فيه إلى ظلم بني أمية
واللَّه لَا يَزَالُونَ ـ حَتَّى لَا يَدَعُوا لِلَّه مُحَرَّماً إِلَّا اسْتَحَلُّوه (١٣١٠) ولَا عَقْداً إِلَّا حَلُّوه ـ وحَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ ولَا وَبَرٍ (١٣١١) إِلَّا دَخَلَه ظُلْمُهُمْ ـ ونَبَا بِه (١٣١٢) سُوءُ رَعْيِهِمْ وحَتَّى يَقُومَ الْبَاكِيَانِ يَبْكِيَانِ ـ بَاكٍ يَبْكِي لِدِينِه ـ وبَاكٍ يَبْكِي لِدُنْيَاه ـ وحَتَّى تَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكُمْ
مِنْ أَحَدِهِمْ ـ كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِه ـ إِذَا شَهِدَ أَطَاعَه ـ وإِذَا غَابَ اغْتَابَه ـ وحَتَّى يَكُونَ أَعْظَمَكُمْ فِيهَا عَنَاءً أَحْسَنُكُمْ بِاللَّه ظَنّاً ـ فَإِنْ أَتَاكُمُ اللَّه بِعَافِيَةٍ فَاقْبَلُوا ـ وإِنِ ابْتُلِيتُمْ فَاصْبِرُوا ـ فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
٩٩ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في التزهيد من الدنيا
نَحْمَدُه عَلَى مَا كَانَ ـ ونَسْتَعِينُه مِنْ أَمْرِنَا عَلَى مَا يَكُونُ ـ ونَسْأَلُه الْمُعَافَاةَ فِي الأَدْيَانِ ـ كَمَا نَسْأَلُه الْمُعَافَاةَ فِي الأَبْدَانِ.
عِبَادَ اللَّه أُوصِيكُمْ بِالرَّفْضِ ـ لِهَذِه الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ ـ وإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا ـ والْمُبْلِيَةِ لأَجْسَامِكُمْ وإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا ـ فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ ومَثَلُهَا كَسَفْرٍ (١٣١٣) سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوه ـ وأَمُّوا (١٣١٤) عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوه ـ وكَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ (١٣١٥) أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا ـ ومَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَه يَوْمٌ لَا يَعْدُوه ـ وطَالِبٌ حَثِيثٌ مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوه (١٣١٦) ومُزْعِجٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً ـ فَلَا تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وفَخْرِهَا ـ ولَا تَعْجَبُوا بِزِينَتِهَا ونَعِيمِهَا ـ ولَا تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وبُؤْسِهَا ـ فَإِنَّ عِزَّهَا وفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاعٍ ـ وإِنَّ زِينَتَهَا ونَعِيمَهَا إِلَى زَوَالٍ ـ وضَرَّاءَهَا وبُؤْسَهَا إِلَى
نَفَادٍ (١٣١٧) وكُلُّ مُدَّةٍ فِيهَا إِلَى انْتِهَاءٍ ـ وكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ ـ أَولَيْسَ لَكُمْ فِي آثَارِ الأَوَّلِينَ مُزْدَجَرٌ (١٣١٨) وفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ ومُعْتَبَرٌ ـ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ـ أَولَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُونَ ـ وإِلَى الْخَلَفِ الْبَاقِينَ لَا يَبْقَوْنَ ـ أَولَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا ـ يُصْبِحُونَ ويُمْسُونَ عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى ـ فَمَيِّتٌ يُبْكَى وآخَرُ يُعَزَّى ـ وصَرِيعٌ مُبْتَلًى وعَائِدٌ يَعُودُ ـ وآخَرُ بِنَفْسِه يَجُودُ (١٣١٩) وطَالِبٌ لِلدُّنْيَا والْمَوْتُ يَطْلُبُه ـ وغَافِلٌ ولَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْه ـ وعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي مَا يَمْضِي الْبَاقِي!
أَلَا فَاذْكُرُوا هَاذِمَ اللَّذَّاتِ ـ ومُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ ـ وقَاطِعَ الأُمْنِيَاتِ ـ عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ (١٣٢٠) لِلأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ ـ واسْتَعِينُوا اللَّه عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّه ـ ومَا لَا يُحْصَى مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِه وإِحْسَانِه.
١٠٠ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في رسول اللَّه وأهل بيته
الْحَمْدُ لِلَّه النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَه ـ والْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَه ـ نَحْمَدُه فِي جَمِيعِ أُمُورِه ـ ونَسْتَعِينُه عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِه ـ ونَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه غَيْرُه ـ وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه ـ أَرْسَلَه بِأَمْرِه صَادِعاً (١٣٢١) وبِذِكْرِه
نَاطِقاً ـ فَأَدَّى أَمِيناً ومَضَى رَشِيداً ـ وخَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ ـ مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ (١٣٢٢) ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ (١٣٢٣) ومَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ ـ دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلَامِ (١٣٢٤) بَطِيءُ الْقِيَامِ (١٣٢٥) سَرِيعٌ إِذَا قَامَ ـ فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَه رِقَابَكُمْ ـ وأَشَرْتُمْ إِلَيْه بِأَصَابِعِكُمْ ـ جَاءَه الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِه ـ فَلَبِثْتُمْ بَعْدَه مَا شَاءَ اللَّه ـ حَتَّى يُطْلِعَ اللَّه لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ ويَضُمُّ نَشْرَكُمْ (١٣٢٦) فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ (١٣٢٧) ولَا تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ (١٣٢٨) فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِه إِحْدَى قَائِمَتَيْه (١٣٢٩) وتَثْبُتَ الأُخْرَى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً.
أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ صلىاللهعليهوآله كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ ـ إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ (١٣٣٠) فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّه فِيكُمُ الصَّنَائِعُ ـ وأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ.
١٠١ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
وهي إحدى الخطب المشتملة على الملاحم
الْحَمْدُ لِلَّه الأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوَّلٍ والآخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ ـ وبِأَوَّلِيَّتِه وَجَبَ أَنْ لَا أَوَّلَ لَه ـ وبِآخِرِيَّتِه وَجَبَ أَنْ لَا آخِرَ لَه وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه شَهَادَةً ـ يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الإِعْلَانَ ـ والْقَلْبُ اللِّسَانَ ـ أَيُّهَا النَّاسُ «لا يَجْرِمَنَّكُمْ (١٣٣١) شِقاقِي» (١٣٣٢) ولَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ (١٣٣٣)
عِصْيَانِي ـ ولَا تَتَرَامَوْا بِالأَبْصَارِ (١٣٣٤) عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَه مِنِّي ـ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ (١٣٣٥) وبَرَأَ النَّسَمَةَ (١٣٣٦) إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِه عَنِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ صلىاللهعليهوآله ـ مَا كَذَبَ الْمُبَلِّغُ ولَا جَهِلَ السَّامِعُ ـ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيلٍ (١٣٣٧) قَدْ نَعَقَ (١٣٣٨) بِالشَّامِ ـ وفَحَصَ بِرَايَاتِه (١٣٣٩) فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ (١٣٤٠) فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُه (١٣٤١) واشْتَدَّتْ شَكِيمَتُه (١٣٤٢) وثَقُلَتْ فِي الأَرْضِ وَطْأَتُه ـ عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا ـ ومَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا ـ وبَدَا مِنَ الأَيَّامِ كُلُوحُهَا (١٣٤٣) ومِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا (١٣٤٤) فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُه وقَامَ عَلَى يَنْعِه (١٣٤٥) وهَدَرَتْ شَقَاشِقُه (١٣٤٦) وبَرَقَتْ بَوَارِقُه (١٣٤٧) عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ ـ وأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ والْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ ـ هَذَا وكَمْ يَخْرِقُ الْكُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ (١٣٤٨) ويَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِفٍ (١٣٤٩) وعَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ (١٣٥٠) ويُحْصَدُ الْقَائِمُ (١٣٥١) ويُحْطَمُ الْمَحْصُودُ (١٣٥٢)!
١٠٢ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
تجري هذا المجرى
وفيها ذكر يوم القيامة وأحوال الناس المقبلة
يوم القيامة
وذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّه فِيه الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ ـ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ (١٣٥٣) وجَزَاءِ الأَعْمَالِ ـ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ (١٣٥٤) ورَجَفَتْ
بِهِمُ الأَرْضُ (١٣٥٥) فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْه مَوْضِعاً ـ ولِنَفْسِه مُتَّسَعاً٠
حال مقبلة على الناس
ومنها : فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ (١٣٥٦) لَا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ ولَا تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ ـ تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً (١٣٥٧) يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا (١٣٥٨) ويَجْهَدُهَا (١٣٥٩) رَاكِبُهَا ـ أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ (١٣٦٠) قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ (١٣٦١) يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّه قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ ـ فِي الأَرْضِ مَجْهُولُونَ ـ وفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ ـ فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلِكِ ـ مِنْ جَيْشٍ مِنْ نِقَمِ اللَّه ـ لَا رَهَجَ (١٣٦٢) لَه ولَا حَسَّ (١٣٦٣) وسَيُبْتَلَى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الأَحْمَرِ ـ والْجُوعِ الأَغْبَرِ (١٣٦٤)!
١٠٣ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في التزهيد في الدنيا
أَيُّهَا النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا ـ الصَّادِفِينَ (١٣٦٥) عَنْهَا ـ فَإِنَّهَا واللَّه عَمَّا قَلِيلٍ تُزِيلُ الثَّاوِيَ (١٣٦٦) السَّاكِنَ ـ وتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ (١٣٦٧) الآْمِنَ ـ لَا يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ ـ ولَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ سُرُورُهَا مَشُوبٌ (١٣٦٨) بِالْحُزْنِ ـ وجَلَدُ (١٣٦٩) الرِّجَالِ
فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ والْوَهْنِ (١٣٧٠) فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا ـ لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا.
رَحِمَ اللَّه امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ ـ واعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ ـ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ ـ وكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الآخِرَةِ ـ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ ـ وكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ ـ وكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ ـ وكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ.
صفة العالم
ومنها : الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَه ـ وكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه ـ وإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّه تَعَالَى لَعَبْداً ـ وَكَلَه اللَّه إِلَى نَفْسِه ـ جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ـ سَائِراً بِغَيْرِ دَلِيلٍ ـ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ (١٣٧١) الدُّنْيَا عَمِلَ ـ وإِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الآخِرَةِ كَسِلَ ـ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَه وَاجِبٌ عَلَيْه ـ وكَأَنَّ مَا وَنَى (١٣٧٢) فِيه سَاقِطٌ عَنْه.
آخر الزمان
ومنها : وذَلِكَ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيه إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ (١٣٧٣) إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ ـ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وأَعْلَامُ السُّرَى (١٣٧٤) لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ (١٣٧٥) ولَا الْمَذَايِيعِ (١٣٧٦) الْبُذُرِ (١٣٧٧) أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّه لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِه ـ ويَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِه.
أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ ـ يُكْفَأُ فِيه الإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الإِنَاءُ بِمَا فِيه ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ إِنَّ اللَّه قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ ـ ولَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ (١٣٧٨) وقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ ـ «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ».
قال السيد الشريف الرضي أما قوله عليهالسلام ـ كل مؤمن نومة ـ فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر ـ والمساييح جمع مسياح ـ وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم ـ والمذاييع جمع مذياع ـ وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ـ ونوه بها ـ والبذر جمع بذور ـ وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.
١٠٤ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه بَعَثَ مُحَمَّداً صلىاللهعليهوآله ـ ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً ـ ولَا يَدَّعِي نُبُوَّةً ولَا وَحْياً ـ فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَه مَنْ عَصَاه ـ يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ ـ ويُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ ـ يَحْسِرُ الْحَسِيرُ (١٣٧٩) ويَقِفُ الْكَسِيرُ (١٣٨٠) فَيُقِيمُ عَلَيْه حَتَّى يُلْحِقَه غَايَتَه ـ إِلَّا هَالِكاً لَا خَيْرَ فِيه ـ حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ ـ وبَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ـ فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ (١٣٨١) واسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ (١٣٨٢) وايْمُ اللَّه لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا ـ حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا ـ واسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا ـ مَا ضَعُفْتُ ولَا جَبُنْتُ ـ ولَا خُنْتُ ولَا وَهَنْتُ ـ وايْمُ اللَّه لأَبْقُرَنَّ (١٣٨٣) الْبَاطِلَ ـ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِه!
قال السيد الشريف الرضي ـ وقد تقدم مختار هذه الخطبة ـ إلا أنني وجدتها في هذه الرواية ـ على خلاف ما سبق من زيادة ونقصان ـ فأوجبت الحال إثباتها ثانية.
١٠٥ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس
الرسول الكريم
حَتَّى بَعَثَ اللَّه مُحَمَّداً صلىاللهعليهوآله ـ شَهِيداً وبَشِيراً ونَذِيراً ـ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا ـ وأَنْجَبَهَا كَهْلًا ـ وأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً (١٣٨٤) ـ وأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً (١٣٨٥).
بنو أمية
فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا ـ ولَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا (١٣٨٦) ـ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلًا خِطَامُهَا (١٣٨٧) ـ قَلِقاً وَضِينُهَا (١٣٨٨) ـ قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ ـ بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الْمَخْضُودِ (١٣٨٩) ـ وحَلَالُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ ـ وصَادَفْتُمُوهَا واللَّه ظِلاًّ مَمْدُوداً ـ إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ ـ فَالأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ (١٣٩٠) ـ وأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ ـ وأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ ـ وسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ ـ وسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ ـ أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً ـ ولِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً ـ وإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِه ـ وهُوَ اللَّه الَّذِي لَا يُعْجِزُه مَنْ طَلَبَ ـ ولَا
يَفُوتُه مَنْ هَرَبَ ـ فَأُقْسِمُ بِاللَّه يَا بَنِي أُمَيَّةَ عَمَّا قَلِيلٍ ـ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ ـ وفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ أَلَا إِنَّ أَبْصَرَ الأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُه ـ أَلَا إِنَّ أَسْمَعَ الأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وقَبِلَه.
وعظ الناس
أَيُّهَا النَّاسُ ـ اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ وامْتَاحُوا (١٣٩١) مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ (١٣٩٢) مِنَ الْكَدَرِ.
عِبَادَ اللَّه لَا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ ـ ولَا تَنْقَادُوا لأَهْوَائِكُمْ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ (١٣٩٣) ـ يَنْقُلُ الرَّدَى (١٣٩٤) عَلَى ظَهْرِه مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ ـ لِرَأْيٍ يُحْدِثُه بَعْدَ رَأْيٍ ـ يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لَا يَلْتَصِقُ ـ ويُقَرِّبَ مَا لَا يَتَقَارَبُ ـ فَاللَّه اللَّه أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لَا يُشْكِي (١٣٩٥) شَجْوَكُمْ (١٣٩٦) ـ ولَا يَنْقُضُ بِرَأْيِه مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ ـ إِنَّه لَيْسَ عَلَى الإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه ـ الإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ـ والِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ ـ والإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ ـ وإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا ـ وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ (١٣٩٧) عَلَى أَهْلِهَا ـ فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ (١٣٩٨) نَبْتِه ـ ومِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ ـ عَنْ مُسْتَثَارِ (١٣٩٩) الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِه ـ وانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وتَنَاهَوْا عَنْه ـ فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ بَعْدَ التَّنَاهِي!
١٠٦ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
وفيها يبين فضل الإسلام ويذكر الرسول الكريم ثم يلوم أصحابه
دين الإسلام
الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي شَرَعَ الإِسْلَامَ ـ فَسَهَّلَ شَرَائِعَه لِمَنْ وَرَدَه ـ وأَعَزَّ أَرْكَانَه عَلَى مَنْ غَالَبَه ـ فَجَعَلَه أَمْناً لِمَنْ عَلِقَه (١٤٠٠) ـ وسِلْماً لِمَنْ دَخَلَه ـ وبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه ـ وشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْه ـ ونُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِه وفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ ـ ولُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ ـ وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ ـ وتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ ـ وعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ونَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ وثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ ـ ورَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ وجُنَّةً (١٤٠١) لِمَنْ صَبَرَ ـ فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهِجِ (١٤٠٢) وأَوْضَحُ الْوَلَائِجِ (١٤٠٣) ـ مُشْرَفُ الْمَنَارِ (١٤٠٤) مُشْرِقُ الْجَوَادِّ (١٤٠٥) ـ مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ كَرِيمُ الْمِضْمَارِ (١٤٠٦) ـ رَفِيعُ الْغَايَةِ جَامِعُ الْحَلْبَةِ (١٤٠٧) ـ مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ (١٤٠٨) شَرِيفُ الْفُرْسَانِ ـ التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُه ـ والصَّالِحَاتُ مَنَارُه ـ والْمَوْتُ غَايَتُه والدُّنْيَا مِضْمَارُه ـ والْقِيَامَةُ حَلْبَتُه والْجَنَّةُ سُبْقَتُه.
ومنها في ذكر النبي صلى الله عليه وآله
حَتَّى أَوْرَى (١٤٠٩) قَبَساً لِقَابِسٍ (١٤١٠) ـ وأَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ (١٤١١) ـ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ ـ وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ ـ وبَعِيثُكَ (١٤١٢) نِعْمَةً،
ورَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً ـ اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَه مَقْسَماً (١٤١٣) مِنْ عَدْلِكَ ـ واجْزِه مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ ـ اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَه ـ وأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَه (١٤١٤) ـ وشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَه ـ وآتِه الْوَسِيلَةَ وأَعْطِه السَّنَاءَ (١٤١٥) والْفَضِيلَةَ ـ واحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِه ـ غَيْرَ خَزَايَا (١٤١٦) ولَا نَادِمِينَ ـ ولَا نَاكِبِينَ (١٤١٧) ولَا نَاكِثِينَ (١٤١٨) ـ ولَا ضَالِّينَ ولَا مُضِلِّينَ ولَا مَفْتُونِينَ.
قال الشريف ـ وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم ـ إلا أننا كررناه هاهنا ـ لما في الروايتين من الاختلاف.
ومنها في خطاب أصحابه
وقَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّه تَعَالَى لَكُمْ ـ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ ـ وتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ ـ ويُعَظِّمُكُمْ مَنْ لَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْه ـ ولَا يَدَ لَكُمْ عِنْدَه ـ ويَهَابُكُمْ مَنْ لَا يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً ـ ولَا لَكُمْ عَلَيْه إِمْرَةٌ ـ وقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّه مَنْقُوضَةً فَلَا تَغْضَبُونَ ـ وأَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ ـ وكَانَتْ أُمُورُ اللَّه عَلَيْكُمْ تَرِدُ ـ وعَنْكُمْ تَصْدُرُ وإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ ـ فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ ـ وأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ ـ وأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّه فِي أَيْدِيهِمْ ـ يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ ـ ويَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ ـ وايْمُ اللَّه لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ ـ لَجَمَعَكُمُ اللَّه لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ!
١٠٧ ـ ومن كلام له عليهالسلام
في بعض أيام صفين
وقَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ ـ وانْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ ـ تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ (١٤١٩) ـ وأَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ ـ وأَنْتُمْ لَهَامِيمُ (١٤٢٠) الْعَرَبِ ـ ويَآفِيخُ (١٤٢١) الشَّرَفِ ـ والأَنْفُ الْمُقَدَّمُ ـ والسَّنَامُ الأَعْظَمُ ـ ولَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ (١٤٢٢) صَدْرِي ـ أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ (١٤٢٣) ـ تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ ـ وتُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ ـ حَسّاً بِالنِّصَالِ (١٤٢٤) وشَجْراً بِالرِّمَاحِ (١٤٢٥) ـ تَرْكَبُ أُوْلَاهُمْ ـ أُخْرَاهُمْ كَالإِبِلِ الْهِيمِ (١٤٢٦) الْمَطْرُودَةِ ـ تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا ـ وتُذَادُ (١٤٢٧) عَنْ مَوَارِدِهَا.
١٠٨ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
وهي من خطب الملاحم
اللَّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّه الْمُتَجَلِّي لِخَلْقِه بِخَلْقِه ـ والظَّاهِرِ لِقُلُوبِهِمْ بِحُجَّتِه ـ خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ ـ إِذْ كَانَتِ الرَّوِيَّاتُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِذَوِي الضَّمَائِرِ (١٤٢٨) ـ ولَيْسَ بِذِي ضَمِيرٍ فِي نَفْسِه ـ خَرَقَ عِلْمُه بَاطِنَ غَيْبِ السُّتُرَاتِ (١٤٢٩) ـ وأَحَاطَ بِغُمُوضِ عَقَائِدِ السَّرِيرَاتِ.
ومِنْهَا فِي ذِكْرِ صلىاللهعليهوآله:
النَّبِيِّ عليهالسلام
اخْتَارَه مِنْ شَجَرَةِ الأَنْبِيَاءِ ـ ومِشْكَاةِ الضِّيَاءِ (١٤٣٠) وذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ (١٤٣١) ـ وسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ (١٤٣٢) ومَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ ـ ويَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ.
فتنة بني أمية
ومنها : طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَه ـ وأَحْمَى مَوَاسِمَه (١٤٣٣) يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْه ـ مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وآذَانٍ صُمٍّ ـ وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ ـ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِه مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ ـ ومَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ ـ ولَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ ـ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالأَنْعَامِ السَّائِمَةِ ـ والصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ.
قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ (١٤٣٤) لأَهْلِ الْبَصَائِرِ ـ ووَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا (١٤٣٥) ـ وأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا ـ وظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا ـ مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ ـ وأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ ـ ونُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ ـ وتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ ـ وأَيْقَاظاً نُوَّماً ـ وشُهُوداً غُيَّباً ـ ونَاظِرَةً عَمْيَاءَ ـ وسَامِعَةً صَمَّاءَ ـ ونَاطِقَةً بَكْمَاءَ رَايَةُ ضَلَالٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا (١٤٣٦) ـ وتَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا (١٤٣٧) ـ تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا (١٤٣٨) ـ وتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا (١٤٣٩) ـ قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ ـ قَائِمٌ عَلَى الضِّلَّةِ؛
فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا ثُفَالَةٌ (١٤٤٠) كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ ـ أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ (١٤٤١) ـ تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الأَدِيمِ (١٤٤٢) ـ وتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ (١٤٤٣) ـ وتَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ ـ اسْتِخْلَاصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ (١٤٤٤) ـ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبِّ.
أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ ـ وتَتِيه بِكُمُ الْغَيَاهِبُ ـ وتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ ـ ومِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ ـ وأَنَّى تُؤْفَكُونَ ـ فَ (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ـ ولِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ ـ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ (١٤٤٥) ـ وأَحْضِرُوه قُلُوبَكُمْ ـ واسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ (١٤٤٦) ـ ولْيَصْدُقْ رَائِدٌ (١٤٤٧) أَهْلَه ـ ولْيَجْمَعْ شَمْلَه ـ ولْيُحْضِرْ ذِهْنَه ـ فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ ـ وقَرَفَه قَرْفَ الصَّمْغَةِ (١٤٤٨) فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَه ـ ورَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَه ـ وعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ وقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ ـ وصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ ـ وهَدَرَ فَنِيقُ (١٤٤٩) الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ (١٤٥٠) ـ وتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ ـ وتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ ـ وتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ ـ وتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ ـ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً (١٤٥١) ـ والْمَطَرُ قَيْظاً (١٤٥٢) وتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً (١٤٥٣) ـ وتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً ـ وكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً ـ وسَلَاطِينُه سِبَاعاً وأَوْسَاطُه أُكَّالًا ـ وفُقَرَاؤُه أَمْوَاتاً وغَارَ الصِّدْقُ ـ وفَاضَ الْكَذِبُ ـ واسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ ـ وتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ ـ وصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً ـ والْعَفَافُ عَجَباً ـ ولُبِسَ
الإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.
١٠٩ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
في بيان قدرة اللَّه وانفراده بالعظمة وأمر البعث
قدرة اللَّه
كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَه ـ وكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِه ـ غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ ـ وعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ ـ وقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ ـ ومَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ ـ مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَه ـ ومَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّه ـ ومَنْ عَاشَ فَعَلَيْه رِزْقُه ـ ومَنْ مَاتَ فَإِلَيْه مُنْقَلَبُه ـ لَمْ تَرَكَ الْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ ـ بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفِينَ مِنْ خَلْقِكَ ـ لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ ـ ولَا اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَةٍ ـ ولَا يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ ـ ولَا يُفْلِتُكَ (١٤٥٤) مَنْ أَخَذْتَ ـ ولَا يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ ـ ولَا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ ـ ولَا يَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ ـ ولَا يَسْتَغْنِي عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِكَ ـ كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلَانِيَةٌ ـ وكُلُّ غَيْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ ـ أَنْتَ الأَبَدُ فَلَا أَمَدَ لَكَ ـ وأَنْتَ الْمُنْتَهَى فَلَا مَحِيصَ عَنْكَ ـ وأَنْتَ الْمَوْعِدُ فَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ـ بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ ـ وإِلَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ نَسَمَةٍ ـ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ ـ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ ـ ومَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ ـ ومَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ
مَلَكُوتِكَ ـ ومَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ ـ ومَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا ـ ومَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الآخِرَةِ.
الملائكة الكرام
ومنها : مِنْ مَلَائِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ ـ ورَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ ـ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ـ وأَخْوَفُهُمْ لَكَ وأَقْرَبُهُمْ مِنْكَ ـ لَمْ يَسْكُنُوا الأَصْلَابَ ـ ولَمْ يُضَمَّنُوا الأَرْحَامَ ـ ولَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (١٤٥٥) ـ ولَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ رَيْبُ الْمَنُونِ (١٤٥٦) ـ وإِنَّهُمْ عَلَى مَكَانِهِمْ مِنْكَ ـ ومَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ واسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِيكَ ـ وكَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ وقِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ ـ لَوْ عَايَنُوا كُنْه مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ ـ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ ولَزَرَوْا (١٤٥٧) عَلَى أَنْفُسِهِمْ ـ ولَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ـ ولَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ.
عصيان الخلق
سُبْحَانَكَ خَالِقاً ومَعْبُوداً ـ بِحُسْنِ بَلَائِكَ (١٤٥٨) عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً ـ وجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً (١٤٥٩) ـ مَشْرَباً ومَطْعَماً وأَزْوَاجاً ـ وخَدَماً وقُصُوراً ـ وأَنْهَاراً وزُرُوعاً وثِمَاراً ـ ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا ـ فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا ـ ولَا فِيمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا ـ ولَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْه اشْتَاقُوا ـ أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا ـ واصْطَلَحُوا عَلَى
حُبِّهَا ـ ومَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى (١٤٦٠) بَصَرَه ـ وأَمْرَضَ قَلْبَه ـ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ ـ ويَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ ـ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَه ـ وأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَه ـ ووَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُه ـ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا ـ ولِمَنْ فِي يَدَيْه شَيْءٌ مِنْهَا ـ حَيْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا ـ وحَيْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا ـ لَا يَنْزَجِرُ مِنَ اللَّه بِزَاجِرٍ ـ ولَا يَتَّعِظُ مِنْه بِوَاعِظٍ ـ وهُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ (١٤٦١) ـ حَيْثُ لَا إِقَالَةَ ولَا رَجْعَةَ ـ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ ـ وجَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ ـ وقَدِمُوا مِنَ الآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ـ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ ـ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ـ وحَسْرَةُ الْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ ـ وتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ـ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً (١٤٦٢) ـ فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وبَيْنَ مَنْطِقِه ـ وإِنَّه لَبَيْنَ أَهْلِه يَنْظُرُ بِبَصَرِه ـ ويَسْمَعُ بِأُذُنِه عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِه ـ وبَقَاءٍ مِنْ لُبِّه ـ يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَه ـ وفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَه ـ ويَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ (١٤٥٣) فِي مَطَالِبِهَا ـ وأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا ومُشْتَبِهَاتِهَا ـ قَدْ لَزِمَتْه تَبِعَاتُ (١٤٦٤) جَمْعِهَا ـ وأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا ـ تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَه يَنْعَمُونَ فِيهَا ـ ويَتَمَتَّعُونَ بِهَا ـ فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ (١٤٦٥) لِغَيْرِه والْعِبْءُ (١٤٦٦) عَلَى ظَهْرِه ـ والْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُه (١٤٦٧) بِهَا ـ فَهُوَ يَعَضُّ يَدَه نَدَامَةً ـ عَلَى مَا أَصْحَرَ (١٤٦٨) لَه عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِه ـ ويَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيه أَيَّامَ عُمُرِه ـ ويَتَمَنَّى أَنَّ