نهج البلاغة

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]

نهج البلاغة

المؤلف:

أبو الحسن محمّد الرضي بن الحسن الموسوي [ السيّد الرضيّ ]


المحقق: الدكتور صبحي الصالح
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتاب اللبناني
الطبعة: ٢
الصفحات: ٨٥٣

صفات النبي

اجْعَلْ شَرَائِفَ (٦٤٨) صَلَوَاتِكَ ـ ونَوَامِيَ (٦٤٩) بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ ـ الْخَاتِمِ (٦٥٠) لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ (٦٥١) والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ(٦٥٢) والدَّامِغِ صَوْلَاتِ الأَضَالِيلِ (٦٥٣) كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ (٦٥٤) قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً (٦٥٥) فِي مَرْضَاتِكَ ـ غَيْرَ نَاكِلٍ (٦٥٦) عَنْ قُدُمٍ (٦٥٧) ولَا وَاه (٦٥٨) فِي عَزْمٍ ـ وَاعِياً (٦٥٩) لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ ـ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ (٦٦٠) وأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ (٦٦١) وهُدِيَتْ بِه الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ (٦٦٢) الْفِتَنِ والآثَامِ ـ وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلَامِ (٦٦٣) ونَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ ـ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ (٦٦٤) وشَهِيدُكَ (٦٦٥) يَوْمَ الدِّينِ وبَعِيثُكَ (٦٦٦) بِالْحَقِّ ـ ورَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ.

الدعاء للنبي

اللَّهُمَّ افْسَحْ لَه مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ (٦٦٧) واجْزِه مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ (٦٦٨) مِنْ فَضْلِكَ ـ اللَّهُمَّ وأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَه ـ وأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَه وأَتْمِمْ لَه نُورَه ـ واجْزِه مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَه مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ ـ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وخُطْبَةٍ فَصْلٍ ـ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وبَيْنَه فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وقَرَارِ النِّعْمَةِ (٦٦٩) ومُنَى الشَّهَوَاتِ (٦٧٠) وأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ،

١٠١

ورَخَاءِ الدَّعَةِ (٦٧١) ومُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وتُحَفِ الْكَرَامَةِ (٦٧٢).

٧٣ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

قاله لمروان بن الحكم بالبصرة

قَالُوا : أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَسِيراً يَوْمَ الْجَمَلِ ـ فَاسْتَشْفَعَ (٦٧٣) الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ عليه‌السلام إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌السلام ـ فَكَلَّمَاه فِيه فَخَلَّى سَبِيلَه فَقَالَا لَه ـ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عليه‌السلام:

أَولَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ ـ لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِه إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ (٦٧٤) لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّه لَغَدَرَ بِسَبَّتِه (٦٧٥) أَمَا إِنَّ لَه إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَه ـ وهُوَ أَبُو الأَكْبُشِ الأَرْبَعَةِ (٦٧٦) وسَتَلْقَى الأُمَّةُ مِنْه ومِنْ وَلَدِه يَوْماً أَحْمَرَ.

٧٤ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

لما عزموا على بيعة عثمان

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي ـ ووَ اللَّه لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ ـ ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً ـ الْتِمَاساً لأَجْرِ ذَلِكَ وفَضْلِه ـ وزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوه مِنْ زُخْرُفِه وزِبْرِجِه (٦٧٧).

١٠٢

٧٥ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

لما بلغه اتهام بني أمية له ـ بالمشاركة في دم عثمان

أَولَمْ يَنْه بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي (٦٧٨) أَومَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي ـ ولَمَا وَعَظَهُمُ اللَّه بِه أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي ـ أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ (٦٧٩) وخَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ (٦٨٠) وعَلَى كِتَابِ اللَّه تُعْرَضُ الأَمْثَالُ (٦٨١) وبِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ!

٧٦ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في الحث على العمل الصالح

رَحِمَ اللَّه امْرَأً سَمِعَ حُكْماً (٦٨٢) فَوَعَى(٦٨٣) ودُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا (٦٨٤) وأَخَذَ بِحُجْزَةِ (٦٨٥) هَادٍ فَنَجَا ـ رَاقَبَ رَبَّه وخَافَ ذَنْبَه قَدَّمَ خَالِصاً وعَمِلَ صَالِحاً ـ اكْتَسَبَ مَذْخُوراً (٦٨٦) واجْتَنَبَ مَحْذُوراً ـ ورَمَى غَرَضاً وأَحْرَزَ عِوَضاً كَابَرَ هَوَاه (٦٨٧) وكَذَّبَ مُنَاه ـ جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِه والتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِه ـ رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ (٦٨٨) ولَزِمَ الْمَحَجَّةَ (٦٨٩) الْبَيْضَاءَ ـ اغْتَنَمَ الْمَهَلَ (٦٩٠) وبَادَرَ الأَجَلَ وتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ.

١٠٣

٧٧ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

وذلك حين منعه سعيد بن العاص حقه

إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفَوِّقُونَنِي تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله تَفْوِيقاً ـ واللَّه لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ ـ لأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الْوِذَامَ التَّرِبَةَ!

قال الشريف ـ ويروى التراب الوذمة وهو على القلب (٦٩١).

قال الشريف وقوله عليه‌السلام ليفوقونني ـ أي يعطونني من المال قليلا كفواق الناقة ـ وهو الحلبة الواحدة من لبنها ـ. والوذام جمع وذمة ـ وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.

٧٨ ـ من كلمات كان عليه‌السلام

من كلمات كان عليه‌السلام يدعو بها

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِه مِنِّي ـ فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ ـ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ (٦٩٣) مِنْ نَفْسِي ولَمْ تَجِدْ لَه وَفَاءً عِنْدِي ـ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِه إِلَيْكَ بِلِسَانِي ـ ثُمَّ خَالَفَه قَلْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الأَلْحَاظِ (٦٩٤) وسَقَطَاتِ الأَلْفَاظِ (٦٩٥) وشَهَوَاتِ الْجَنَانِ(٦٩٦) وهَفَوَاتِ اللِّسَانِ(٦٩٧).

١٠٤

٧٩ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

قاله لبعض أصحابه ـ لما عزم على المسير إلى الخوارج ، وقد قال له : إن سرت يا أمير

المؤمنين ، في هذا الوقت ، خشيت ألا تظفر بمرادك ، من طريق علم النجوم

فقال عليه‌السلام :

أَتَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ ـ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْه السُّوءُ ـ وتُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِه الضُّرُّ (٦٩٨) فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ ـ واسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّه ـ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ ودَفْعِ الْمَكْرُوه ـ وتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ ـ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّه ـ لأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَه إِلَى السَّاعَةِ ـ الَّتِي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ وأَمِنَ الضُّرَّ.

ثم أقبل عليه‌السلام على الناس فقال:

أَيُّهَا النَّاسُ ـ إِيَّاكُمْ وتَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِه فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ ـ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ ـ والْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ والْكَاهِنُ(٦٩٩) كَالسَّاحِرِ والسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ ـ والْكَافِرُ فِي النَّارِ سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّه.

٨٠ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء ببيان نقصهن

مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإِيمَانِ ـ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ،

١٠٥

نَوَاقِصُ الْعُقُولِ ـ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ ـ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ والصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ ـ وأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ ـ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ ـ وأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ ـ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ ـ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ ـ ولَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ.

٨١ و ـ من كلام له عليه‌السلام

في الزهد

أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الأَمَلِ ـ والشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ والتَّوَرُّعُ(٧٠٠) عِنْدَ الْمَحَارِمِ ـ فَإِنْ عَزَبَ (٧٠١) ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلَا يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ ـ ولَا تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ ـ فَقَدْ أَعْذَرَ (٧٠٢) اللَّه إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ (٧٠٣) ظَاهِرَةٍ ـ وكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ (٧٠٤) وَاضِحَةٍ.

٨٢ ـ ومن كلام له عليه‌السلام

في ذم صفة الدنيا

مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ(٧٠٥) وآخِرُهَا فَنَاءٌ ـ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ ـ مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ ـ ومَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ ومَنْ سَاعَاهَا (٧٠٦) فَاتَتْه ـ ومَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْه (٧٠٧)ومَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْه ـ ومَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْه.

١٠٦

قال الشريف ـ أقول وإذا تأمل المتأمل قوله عليه‌السلام ومن أبصر بها بصرته ـ وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد ـ ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره ـ لا سيما إذا قرن إليه قوله ومن أبصر إليها أعمته ـ فإنه يجد الفرق بين أبصر بها ـ وأبصر إليها واضحا نيرا وعجيبا باهرا!

٨٣ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وهي الخطبة العجيبة تسمى «الغراء»

وفيها نعوت اللَّه جل شأنه ، ثم الوصية بتقواه ثم التنفير من الدنيا ، ثم ما يلحق من دخول

القيامة ، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض ، ثم فضله عليه‌السلام في التذكير

صفته جل شأنه

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي عَلَا بِحَوْلِه (٧٠٨) ودَنَا بِطَوْلِه (٧٠٩) مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وفَضْلٍ وكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وأَزْلٍ (٧١٠) أَحْمَدُه عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِه وسَوَابِغِ نِعَمِه (٧١١) وأُومِنُ بِه أَوَّلًا بَادِياً (٧١٢) وأَسْتَهْدِيه قَرِيباً هَادِياً ـ وأَسْتَعِينُه قَاهِراً قَادِراً وأَتَوَكَّلُ عَلَيْه كَافِياً نَاصِراً ـ وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عَبْدُه ورَسُولُه ـ أَرْسَلَه لإِنْفَاذِ أَمْرِه وإِنْهَاءِ عُذْرِه (٧١٣) وتَقْدِيمِ نُذُرِه (٧١٤).

الوصية بالتقوى

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّه بِتَقْوَى اللَّه الَّذِي ضَرَبَ الأَمْثَالَ (٧١٥) ووَقَّتَ لَكُمُ الآجَالَ (٧١٦) وأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ (٧١٧) وأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ (٧١٨) وأَحَاطَ بِكُمُ الإِحْصَاءَ (٧١٩) وأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ (٧٢٠) وآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ،

١٠٧

والرِّفَدِ (٧٢١) الرَّوَافِغِ (٧٢٢) وأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ (٧٢٣) فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً ـ ووَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً (٧٢٤) فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ (٧٢٥) ودَارِ عِبْرَةٍ ـ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا ومُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.

التنفير من الدنيا

فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ (٧٢٦) مَشْرَبُهَا رَدِغٌ (٧٢٧) مَشْرَعُهَا ـ يُونِقُ (٧٢٨) مَنْظَرُهَا ويُوبِقُ (٧٢٩) مَخْبَرُهَا ـ غُرُورٌ حَائِلٌ (٧٣٠) وضَوْءٌ آفِلٌ (٧٣١) وظِلٌّ زَائِلٌ وسِنَادٌ مَائِلٌ (٧٣٢) حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا واطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا(٧٣٣) قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا (٧٣٤) وقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا (٧٣٥) وأَقْصَدَتْ (٧٣٦) بِأَسْهُمِهَا وأَعْلَقَتِ (٧٣٧) الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ (٧٣٨) قَائِدَةً لَه إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ (٧٣٩) ووَحْشَةِ الْمَرْجِعِ ـ ومُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ (٧٤٠) وثَوَابِ الْعَمَلِ (٧٤١). وكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ (٧٤٢) لَا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً (٧٤٣) ولَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ (٧٤٤) اجْتِرَاماً (٧٤٥) يَحْتَذُونَ مِثَالًا (٧٤٦) ويَمْضُونَ أَرْسَالًا (٧٤٧) إِلَى غَايَةِ الِانْتِهَاءِ وصَيُّورِ الْفَنَاءِ (٧٤٨).

بعد الموت البعث

حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الأُمُورُ ـ وتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وأَزِفَ النُّشُورُ (٧٤٩) أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ (٧٥٠) الْقُبُورِ وأَوْكَارِ الطُّيُورِ ـ وأَوْجِرَةِ (٧٥١) السِّبَاعِ ومَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِه ـ مُهْطِعِينَ (٧٥٢) إِلَى مَعَادِه رَعِيلًا صُمُوتاً (٧٥٣) قِيَاماً صُفُوفاً ـ يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ (٧٥٤) ويُسْمِعُهُمُ

١٠٨

الدَّاعِي ـ عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ (٧٥٥) وضَرَعُ (٧٥٦) الِاسْتِسْلَامِ والذِّلَّةِ ـ قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وانْقَطَعَ الأَمَلُ وهَوَتِ الأَفْئِدَةُ (٧٥٧) كَاظِمَةً (٧٥٨) وخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً (٧٥٩) وأَلْجَمَ الْعَرَقُ (٧٦٠) وعَظُمَ الشَّفَقُ (٧٦١) وأُرْعِدَتِ (٧٦٢) الأَسْمَاعُ ـ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي (٧٦٣) إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ (٧٦٤) ومُقَايَضَةِ (٧٦٥) الْجَزَاءِ ـ ونَكَالِ (٧٦٦) الْعِقَابِ ونَوَالِ الثَّوَابِ.

تنبيه الخلق

عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً ومَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً (٧٦٧) ومَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً (٧٦٨) ومُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً (٧٦٩) وكَائِنُونَ رُفَاتاً (٧٧٠) ومَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً ومَدِينُونَ جَزَاءً (٧٧١) ومُمَيَّزُونَ حِسَاباً (٧٧٢) قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ (٧٧٣) وعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ (٧٧٤) وكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ(٧٧٥)وخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ (٧٧٦) ورَوِيَّةِ الِارْتِيَادِ(٧٧٧)وأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ (٧٧٨) فِي مُدَّةِ الأَجَلِ ومُضْطَرَبِ الْمَهَلِ (٧٧٩).

فضل التذكير

فَيَا لَهَا أَمْثَالًا صَائِبَةً (٧٨٠) ومَوَاعِظَ شَافِيَةً ـ لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً وأَسْمَاعاً وَاعِيَةً ـ وآرَاءً عَازِمَةً وأَلْبَاباً حَازِمَةً ـ فَاتَّقُوا اللَّه تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ واقْتَرَفَ (٧٨١) فَاعْتَرَفَ ـ ووَجِلَ (٧٨٢) فَعَمِلَ وحَاذَرَ فَبَادَرَ (٧٨٣) وأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ وعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ(٧٨٤)وحُذِّرَ فَحَذِرَ وزُجِرَ فَازْدَجَرَ (٧٨٥) وأَجَابَ فَأَنَابَ (٧٨٦) ورَاجَعَ فَتَابَ واقْتَدَى

١٠٩

فَاحْتَذَى (٧٨٧) وأُرِيَ فَرَأَى فَأَسْرَعَ طَالِباً ونَجَا هَارِباً ـ فَأَفَادَ ذَخِيرَةً (٧٨٨) وأَطَابَ سَرِيرَةً وعَمَّرَ مَعَاداً ـ واسْتَظْهَرَ زَاداً (٧٨٩) لِيَوْمِ رَحِيلِه ووَجْه سَبِيلِه (٧٩٠) وحَالِ حَاجَتِه ـ ومَوْطِنِ فَاقَتِه وقَدَّمَ أَمَامَه لِدَارِ مُقَامِه ـ فَاتَّقُوا اللَّه عِبَادَ اللَّه جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَه ـ واحْذَرُوا مِنْه كُنْه مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِه ـ واسْتَحِقُّوا مِنْه مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ (٧٩١) لِصِدْقِ مِيعَادِه ـ والْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِه.

التذكير بضروب النعم

ومنها : جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا (٧٩٢) وأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ (٧٩٣) عَنْ عَشَاهَا (٧٩٤) وأَشْلَاءً (٧٩٥) جَامِعَةً لأَعْضَائِهَا ـ مُلَائِمَةً لأَحْنَائِهَا (٧٩٦) فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا ومُدَدِ عُمُرِهَا ـ بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا (٧٩٧) وقُلُوبٍ رَائِدَةٍ (٧٩٨) لأَرْزَاقِهَا ـ فِي مُجَلِّلَاتِ (٧٩٩) نِعَمِه ومُوجِبَاتِ مِنَنِه وحَوَاجِزِ (٨٠٠) عَافِيَتِه ـ وقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ ـ وخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ ـ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلَاقِهِمْ (٨٠١) ومُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ (٨٠٢) أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا (٨٠٣) دُونَ الآمَالِ وشَذَّبَهُمْ عَنْهَا (٨٠٤) تَخَرُّمُ (٨٠٥) الآجَالِ ـ لَمْ يَمْهَدُوا (٨٠٦) فِي سَلَامَةِ الأَبْدَانِ ـ ولَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ (٨٠٧) الأَوَانِ فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ (٨٠٨) الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ ـ وأَهْلُ غَضَارَةِ (٨٠٩) الصِّحَّةِ إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ ـ وأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ (٨١٠) وأُزُوفِ (٨١١) الِانْتِقَالِ وعَلَزِ (٨١٢) الْقَلَقِ وأَلَمِ الْمَضَضِ (٨١٣) وغُصَصِ الْجَرَضِ (٨١٤) وتَلَفُّتِ

١١٠

الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ والأَقْرِبَاءِ ـ والأَعِزَّةِ والْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الأَقَارِبُ ـ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ (٨١٥) وقَدْ غُودِرَ (٨١٦) فِي مَحَلَّةِ الأَمْوَاتِ رَهِيناً (٨١٧) وفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ (٨١٨) جِلْدَتَه ـ وأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ (٨١٩) جِدَّتَه وعَفَتِ (٨٢٠) الْعَوَاصِفُ آثَارَه ـ ومَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَه (٨٢١) وصَارَتِ الأَجْسَادُ شَحِبَةً (٨٢٢) بَعْدَ بَضَّتِهَا (٨٢٣) والْعِظَامُ نَخِرَةً (٨٢٤) بَعْدَ قُوَّتِهَا ـ والأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا (٨٢٥) مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا ـ ولَا تُسْتَعْتَبُ (٨٢٦) مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا (٨٢٧) أَولَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ والآبَاءَ وإِخْوَانَهُمْ والأَقْرِبَاءَ ـ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ (٨٢٨) وتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ (٨٢٩) فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا ـ سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا (٨٣٠) وكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا.

التحذير من هول الصراط

واعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ (٨٣١) عَلَى الصِّرَاطِ ومَزَالِقِ دَحْضِه (٨٣٢) وأَهَاوِيلِ زَلَلِه وتَارَاتِ أَهْوَالِه (٨٣٣) فَاتَّقُوا اللَّه عِبَادَ اللَّه ـ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَه ـ وأَنْصَبَ (٨٣٤) الْخَوْفُ بَدَنَه وأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ(٨٣٥) نَوْمِه ـ وأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ (٨٣٦) يَوْمِه وظَلَفَ (٨٣٧) الزُّهْدُ شَهَوَاتِه ـ وأَوْجَفَ (٨٣٨) الذِّكْرُ بِلِسَانِه وقَدَّمَ الْخَوْفَ لأَمَانِه ـ وتَنَكَّبَ (٨٣٩) الْمَخَالِجَ (٨٤٠) عَنْ وَضَحِ (٨٤١) السَّبِيلِ ـ وسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ (٨٤٢) إِلَى

١١١

النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ ـ ولَمْ تَفْتِلْه (٨٤٣) فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ ـ ولَمْ تَعْمَ (٨٤٤) عَلَيْه مُشْتَبِهَاتُ الأُمُورِ ـ ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى ورَاحَةِ النُّعْمَى (٨٤٥) فِي أَنْعَمِ نَوْمِه وآمَنِ يَوْمِه ـ وقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ (٨٤٦) حَمِيداً وقَدَّمَ زَادَ الآجِلَةِ سَعِيداً ـ وبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ (٨٤٧) وأَكْمَشَ (٨٤٨) فِي مَهَلٍ ورَغِبَ فِي طَلَبٍ ـ وذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ ورَاقَبَ فِي يَوْمِه غَدَه ـ ونَظَرَ قُدُماً أَمَامَه (٨٤٩) فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً ونَوَالًا وكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً ووَبَالًا ـ وكَفَى بِاللَّه مُنْتَقِماً ونَصِيراً ـ وكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وخَصِيماً (٨٥٠)!

الوصية بالتقوى

أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ واحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ ـ وحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً ـ ونَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيّاً (٨٥١) فَأَضَلَّ وأَرْدَى ووَعَدَ فَمَنَّى (٨٥٢) وزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ ـ حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَه (٨٥٣) واسْتَغْلَقَ رَهِينَتَه (٨٥٤) أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ (٨٥٥) واسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.

ومنها في صفة خلق الإنسان

أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَه فِي ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ وشُغُفِ الأَسْتَارِ (٨٥٦) نُطْفَةً دِهَاقاً (٨٥٧) وعَلَقَةً مِحَاقاً (٨٥٨) وجَنِيناً (٨٥٩) ورَاضِعاً ووَلِيداً ويَافِعاً (٨٦٠) ثُمَّ مَنَحَه قَلْباً حَافِظاً ولِسَاناً لَافِظاً وبَصَراً لَاحِظاً ـ لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً ويُقَصِّرَ مُزْدَجِراً ـ حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُه واسْتَوَى

١١٢

مِثَالُه (٨٦١) نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وخَبَطَ سَادِراً (٨٦٢) مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاه (٨٦٣) كَادِحاً (٨٦٤) سَعْياً لِدُنْيَاه فِي لَذَّاتِ طَرَبِه وبَدَوَاتِ (٨٦٥) أَرَبِه ـ ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً (٨٦٦) ولَا يَخْشَعُ تَقِيَّةً (٨٦٧) فَمَاتَ فِي فِتْنَتِه غَرِيراً (٨٦٨) وعَاشَ فِي هَفْوَتِه يَسِيراً (٨٦٩) لَمْ يُفِدْ (٨٧٠) عِوَضاً ولَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً ـ دَهِمَتْه (٨٧١) فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِه (٨٧٢) وسَنَنِ (٨٧٣) مِرَاحِه ـ فَظَلَّ سَادِراً (٨٧٤) وبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الآلَامِ ـ وطَوَارِقِ الأَوْجَاعِ والأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ ووَالِدٍ شَفِيقٍ ـ ودَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً ولَادِمَةٍ (٨٧٥) لِلصَّدْرِ قَلَقاً ـ والْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وغَمْرَةٍ (٨٧٦) كَارِثَةٍ ـ وأَنَّةٍ (٨٧٧) مُوجِعَةٍ وجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ (٨٧٨) وسَوْقَةٍ (٨٧٩) مُتْعِبَةٍ ـ ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِه مُبْلِساً (٨٨٠) وجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً (٨٨١) ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ (٨٨٢) ونِضْوَ (٨٨٣) سَقَمٍ ـ تَحْمِلُه حَفَدَةُ (٨٨٤) الْوِلْدَانِ وحَشَدَةُ (٨٨٥) الإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِه ـ ومُنْقَطَعِ زَوْرَتِه (٨٨٦) ومُفْرَدِ وَحْشَتِه ـ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ ورَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ ـ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِه نَجِيّاً لِبَهْتَةِ (٨٨٧) السُّؤَالِ وعَثْرَةِ (٨٨٨) الِامْتِحَانِ ـ وأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ (٨٨٩) وتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ (٨٩٠) وفَوْرَاتُ السَّعِيرِ ـ وسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ (٨٩١) لَا فَتْرَةٌ (٨٩٢) مُرِيحَةٌ ـ ولَا دَعَةٌ (٨٩٣) مُزِيحَةٌ ولَا قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ ولَا مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ (٨٩٤)،

١١٣

ولَا سِنَةٌ (٨٩٥) مُسَلِّيَةٌ ـ بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ(٨٩٦) وعَذَابِ السَّاعَاتِ ـ إِنَّا بِاللَّه عَائِذُونَ!

عِبَادَ اللَّه أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا (٨٩٧) وعُلِّمُوا فَفَهِمُوا ـ وأُنْظِرُوا فَلَهَوْا وسُلِّمُوا فَنَسُوا ـ أُمْهِلُوا طَوِيلًا ومُنِحُوا جَمِيلًا ـ وحُذِّرُوا أَلِيماً ووُعِدُوا جَسِيماً ـ احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ (٨٩٨) والْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ.

أُولِي الأَبْصَارِ والأَسْمَاعِ والْعَافِيَةِ والْمَتَاعِ ـ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ (٨٩٩) أَوْ خَلَاصٍ ـ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلَاذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ (٩٠٠) أَمْ لَا ـ «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» (٩٠١) أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ ـ وإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ والْعَرْضِ ـ قِيدُ قَدِّه (٩٠٢) مُتَعَفِّراً (٩٠٣) عَلَى خَدِّه ـ الآنَ عِبَادَ اللَّه والْخِنَاقُ (٩٠٤) مُهْمَلٌ والرُّوحُ مُرْسَلٌ ـ فِي فَيْنَةِ (٩٠٥) الإِرْشَادِ ورَاحَةِ الأَجْسَادِ وبَاحَةِ الِاحْتِشَادِ (٩٠٦) ومَهَلِ الْبَقِيَّةِ وأُنُفِ الْمَشِيَّةِ (٩٠٧) وإِنْظَارِ التَّوْبَةِ ـ وانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ (٩٠٨) قَبْلَ الضَّنْكِ والْمَضِيقِ (٩٠٩) والرَّوْعِ (٩١٠) والزُّهُوقِ (٩١١) وقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ ـ وإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.

قال الشريف ـ وفي الخبر أنه عليه‌السلام لما خطب بهذه الخطبة ـ اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب ـ ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء.

١١٤

٨٤ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

في ذكر عمرو بن العاص

عَجَباً لِابْنِ النَّابِغَةِ (٩١٣) يَزْعُمُ لأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً (٩١٤) وأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ (٩١٥) أُعَافِسُ وأُمَارِسُ (٩١٦) ـ لَقَدْ قَالَ بَاطِلًا ونَطَقَ آثِماً ـ أَمَا وشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّه لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ ويَعِدُ فَيُخْلِفُ (٩١٧) ويُسْأَلُ فَيَبْخَلُ ويَسْأَلُ فَيُلْحِفُ ويَخُونُ الْعَهْدَ ويَقْطَعُ الإِلَّ (٩١٨) فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وآمِرٍ هُوَ ـ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا ـ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ [أَكْبَرَ] مَكِيدَتِه أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَه (٩١٩) ـ أَمَا واللَّه إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ ـ وإِنَّه لَيَمْنَعُه مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الآخِرَةِ ـ إِنَّه لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَه أَتِيَّةً (٩٢٠) ويَرْضَخَ لَه عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً (٩٢١).

٨٥ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وفيها صفات ثمان من صفات الجلال

وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه ـ الأَوَّلُ لَا شَيْءَ قَبْلَه والآخِرُ لَا غَايَةَ لَه ـ لَا تَقَعُ الأَوْهَامُ لَه عَلَى صِفَةٍ ـ ولَا تُعْقَدُ (٩٢٢) الْقُلُوبُ مِنْه عَلَى كَيْفِيَّةٍ ـ ولَا تَنَالُه التَّجْزِئَةُ والتَّبْعِيضُ ـ ولَا تُحِيطُ بِه الأَبْصَارُ والْقُلُوبُ.

١١٥

ومنها : فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّه بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ ـ واعْتَبِرُوا بِالآيِ السَّوَاطِعِ (٩٢٣) وازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ (٩٢٤) وانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ والْمَوَاعِظِ ـ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ ـ وانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الأُمْنِيَّةِ ـ ودَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الأُمُورِ (٩٢٥) والسِّيَاقَةُ إِلَى (الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٩٢٦) ـ فَ (كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ) ـ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا.

ومنها في صفة الجنة

دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ ومَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ ـ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا ولَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا ـ ولَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا ولَا يَبْأَسُ سَاكِنُهَا (٩٢٧).

٨٦ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وفيها بيان صفات الحق جل جلاله ، ثم عظة الناس بالتقوى والمشورة

قَدْ عَلِمَ السَّرَائِرَ وخَبَرَ الضَّمَائِرَ ـ لَه الإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ والْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ ـ والْقُوَّةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

عظة الناس

فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِه قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِه (٩٢٨) وفِي فَرَاغِه قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِه ـ وفِي مُتَنَفَّسِه قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِه (٩٢٩) ولْيُمَهِّدْ لِنَفْسِه وقَدَمِه ولْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِه لِدَارِ إِقَامَتِه ـ فَاللَّه اللَّه

١١٦

أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِه ـ واسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِه ـ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً ولَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى ـ ولَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ ولَا عَمًى قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ (٩٣٠) وعَلِمَ أَعْمَالَكُمْ وكَتَبَ آجَالَكُمْ ـ وأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ـ وعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّه (٩٣١) أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ لَه ولَكُمْ ـ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِه دِينَه الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِه ـ وأَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِه مَحَابَّه (٩٣٢) مِنَ الأَعْمَالِ ومَكَارِهَه ـ ونَوَاهِيَه وأَوَامِرَه وأَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ ـ واتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ وقَدَّمَ (إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ـ وأَنْذَرَكُمْ (بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ واصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ (٩٣٣) فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ ـ والتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ ولَا تُرَخِّصُوا لأَنْفُسِكُمْ ـ فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الظَّلَمَةِ (٩٣٤) ولَا تُدَاهِنُوا (٩٣٥) فَيَهْجُمَ بِكُمُ الإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ـ عِبَادَ اللَّه إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِه أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّه ـ وإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِه أَعْصَاهُمْ لِرَبِّه ـ والْمَغْبُونُ (٩٣٦) مَنْ غَبَنَ نَفْسَه والْمَغْبُوطُ (٩٣٧) مَنْ سَلِمَ لَه دِينُه ـ والسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِه ـ والشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاه وغُرُورِه ـ واعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ (٩٣٨) شِرْكٌ ـ ومُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ (٩٣٩) ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ (٩٤٠) جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّه مُجَانِبٌ لِلإِيمَانِ ـ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وكَرَامَةٍ ـ والْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ ـ ولَا

١١٧

تَحَاسَدُوا ـ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ـ ولَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ (٩٤١) واعْلَمُوا أَنَّ الأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ ـ ويُنْسِي الذِّكْرَ فَأَكْذِبُوا الأَمَلَ ـ فَإِنَّه غُرُورٌ وصَاحِبُه مَغْرُورٌ.

٨٧ ـ ومن خطبة له عليه‌السلام

وهي في بيان صفات المتقين وصفات الفساق والتنبيه إلى مكان

العترة الطيبة والظن الخاطئ لبعض الناس

عِبَادَ اللَّه إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّه إِلَيْه عَبْداً ـ أَعَانَه اللَّه عَلَى نَفْسِه فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ ـ وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ (٩٤٢) فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى (٩٤٣) فِي قَلْبِه ـ وأَعَدَّ الْقِرَى (٩٤٤) لِيَوْمِه النَّازِلِ بِه ـ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِه الْبَعِيدَ وهَوَّنَ الشَّدِيدَ ـ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ ـ وارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَه مَوَارِدُه ـ فَشَرِبَ نَهَلًا (٩٤٥) وسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً (٩٤٦) قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ وتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ ـ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِه فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى ـ ومُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى وصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى ـ ومَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى ـ قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَه وسَلَكَ سَبِيلَه وعَرَفَ مَنَارَه ـ وقَطَعَ غِمَارَه (٩٤٧) واسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا ـ ومِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ ـ قَدْ نَصَبَ نَفْسَه لِلَّه سُبْحَانَه فِي أَرْفَعِ الأُمُورِ ـ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْه وتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِه ـ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ

١١٨

عَشَوَاتٍ (٩٤٨) مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ ـ دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ دَلِيلُ فَلَوَاتٍ (٩٤٩) يَقُولُ فَيُفْهِمُ ويَسْكُتُ فَيَسْلَمُ ـ قَدْ أَخْلَصَ لِلَّه فَاسْتَخْلَصَه ـ فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِه وأَوْتَادِ أَرْضِه ـ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَه الْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِه نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِه ـ يَصِفُ الْحَقَّ ويَعْمَلُ بِه لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا (٩٥٠) ولَا مَظِنَّةً (٩٥١) إِلَّا قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِه (٩٥٢) فَهُوَ قَائِدُه وإِمَامُه يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُه (٩٥٣) ويَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُه.

صفات الفساق

وآخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً ولَيْسَ بِه ـ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ ـ ونَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وقَوْلِ زُورٍ ـ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِه ـ وعَطَفَ الْحَقَّ (٩٥٤) عَلَى أَهْوَائِه ـ يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ ويُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ ـ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وفِيهَا وَقَعَ ـ ويَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وبَيْنَهَا اضْطَجَعَ ـ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ والْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ ـ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَه ـ ولَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْه وذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ!

عترة النبي

(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) وأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥٥) والأَعْلَامُ (٩٥٦) قَائِمَةٌ والآيَاتُ وَاضِحَةٌ والْمَنَارُ (٩٥٧) مَنْصُوبَةٌ ـ فَأَيْنَ يُتَاه بِكُمْ (٩٥٨) وكَيْفَ تَعْمَهُونَ (٩٥٩)

١١٩

وبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ (٩٦٠) نَبِيِّكُمْ ـ وهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ وأَعْلَامُ الدِّينِ وأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ ـ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ ـ ورِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ (٩٦١).

أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إِنَّه يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا ولَيْسَ بِمَيِّتٍ ـ ويَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا ولَيْسَ بِبَالٍ ـ فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ ـ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ـ واعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْه وهُوَ أَنَا ـ أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الأَكْبَرِ (٩٦٢) وأَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الأَصْغَرَ ـ قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الإِيمَانِ ـ ووَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ والْحَرَامِ ـ وأَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي ـ وفَرَشْتُكُمُ (٩٦٣) الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وفِعْلِي ـ وأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي ـ فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْيَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ قَعْرَه الْبَصَرُ ـ ولَا تَتَغَلْغَلُ إِلَيْه الْفِكَرُ.

ظن خاطئ

ومنها : حَتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّ الدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ (٩٦٤) تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا (٩٦٥) وتُورِدُهُمْ صَفْوَهَا ـ ولَا يُرْفَعُ عَنْ هَذِه الأُمَّةِ سَوْطُهَا ولَا سَيْفُهَا وكَذَبَ الظَّانُّ لِذَلِكَ ـ بَلْ هِيَ مَجَّةٌ (٩٦٦) مِنْ لَذِيذِ الْعَيْشِ يَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ـ ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً!

١٢٠