افحام الأعداء والخصوم

السيد ناصر حسين بن حامد حسين الموسوي الهندي

افحام الأعداء والخصوم

المؤلف:

السيد ناصر حسين بن حامد حسين الموسوي الهندي


المحقق: الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة نينوى الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٨٦

إفحام الأعداء والخصوم :

بتكذيب ما افتروه على سيدتنا أم كلثوم عليها سلام الملك الحي القيوم.

يعتبر هذا السفر القيم من البحوث الهامة التي تناولها المؤلف .. بالدراسة والتحقيق والتمحيص والتدقيق ، ودرس رجال السند والرواية على ضوء الجرح والتعديل ، والكتاب في الوقت نفسه يعرب عن تقدم مؤلفه في الحديث والرجال ، وعن علمه الجم ، وفضله الكثار ، وغيرته وحرصه على السنة النبوية ، وتهذيب الحديث عما يعيبه ويشينه ليبقى طيبا صحيحا مدى الحياة بعيدا عن الأختلاق والدس والتلاعب.

أجل كان المؤلف حريصا على الحديث النبوي ، لأن هناك فئات مبثوثة في الملا كلها لا تأتي مأربهم من زبرج الدنيا إلا بزخرف القول وكذب الحديث ، وتعمية الأميين من الناس وسوقهم إلى معاسف السبل ومعاميها ، ولولا تهديد المولى سبحانه عباده بقوله : ما يلفظ من قول إلا لدية رقيب عتيد (١) ولولا الإنذار النازل في كتاب الله على كل كذاب أفاك أثيم لما كان يسمع لأحد من هؤلاء الكذابين الدجالين إن يكذب أكثر مما كذب ، أو يأتي بأمر لم يأت به ، فكل منهم أكذب من خرافة ومجيبة (٢).

ولعل القارئ يستكثره أو يستعظمه ذاهلا عن أن وضع الحديث والكذب على النبي الأعظم وعلى الثقات من الصحابة الأولين والتابعين لهم بأحسان لا ينافي عند كثير من القوم الزهد والورع وأتصاف الرجل بالتقوى ، بل هو شعار الصالحين ويتقربون به الى المولى سبحانه ، ومن هناك قال يحيى بن سعيد القطان : ما رأيت الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث (٣) ، وعنه : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه في من ينسب الى الخير والزهد (٤)

__________________

(١) سورة ق : ٥٠

(٢) الغدقير ٥ : ٢٠٩.

(٣) تاريخ بغداد ٢ : ٩٨.

(٤) اللئالى المصنوعة ٢ : ٤٧٠.

٤١

ومهما يكن من أمر فقد تناول المؤلف السيد ناصر حسين ، رضي الله عنه .. هذه الفرية والأسطورة بالتمحيص والنقد من شتى الجوانب العلمية والأدبية ، وتوجد منه عدة نسخ خطية في خزائن الكتب العامة في العراق والهند وايران.

ولجلالة الموضوع ، ومتانة البحث ، ورصانة الدراسة ، طلب إلي تفضلا بعض العلماء والأساتذة والعاملين في حقلي التنقيب والتحقيق ، تصحيح الكتاب وتطبيق ومقابلة نصوصه مع المراجع التي أعتمد عليه المؤلف كتابه هذا متنا ولفظا .. ووضع فهارس فنية وعلمية له الى جانب ترجمة الرواة والأعلام لأن الطريقة هذه لاشك تعين القارئ على الوصول الى النتيجة بسهولة .. وتكرر طلبهم الكريم ، وزادت رغبتهم ثقة منهم بحيث لم أتمكن من التخلص .. رغم المعاذير الأدبية وتراكم مشاغلي الفكرية ، وأخيرا بتوفيق من الله العلي القدير .. وتسديد منه سبحانه وتعالى .. أنصرفت الى تحقيق رغباتهم ، وتصحيح الكتاب بالنهج المطلوب ، والشكل المقصود.

هذا مع الأعتراف أنني لم أحرز الكمال في أقامة النص ، وأن في تحقيقي هذا من العثرات والتقصير والهفوات ما لا تخفى على القارئ ، لأن الكمال لله وحده .. غير أنني بذلت طاقتي وصرفت كفايتي ، والذي أعانني في تصحيح الكتاب ، وسهل لي المشاق وقرب لي الطريق أن في الكتاب هذا ، كسائر مؤلفات السيد .. حسنة تذكر لمؤلفه الكريم ، وذلك أنه على عادة المؤلفين القدماء والباحثين ، لا يذكر حديثا ولا نظرية ، ولا قوله ولا جمله إلا عراه وأسنده الى صاحبه ، فكنت أرجع الى نصوص الكتاب وأقابلها مع بقية المراجع ، وإن كان في هذا كثير من الأحايين مهمة صعبة ، لعدم وفور المراجع والمصادر العربية في مكتبات طهران.

ومهما يكن من أمر ، ومع وجود العوائق تمكنت في تطبيق الكثير من نصوص الكتاب ، ووضعت في الهامش مواطن الاقتباس والمراجع التي وقعت لي ، كما رجعت بأبيات الشعر الواردة فيه الى الكتب الأدبية ، وهكذا عملي بالآيات القرانية والأحاديث النبوية ففد عدت إلي مضانها في المصحف وكتب الأحاديث ، وأنهيته

٤٢

بفهارس شتى ليزداد قيمة ويقرب منالا.

ولا أنسى لطف الأخ الوجيه الأستاذ علي نجل الخطيب المبجل الشيخ موسى الدبستاني النجفي صاحب مؤسسة مكتبة ـ نينوى ـ في طهران ـ ، إذ كان له الفضل في ظهور الكتاب الى حيز الوجود والمطالعة ، بالشكل الذي تراه ، فقد بادر الى تلقف الكتاب بأيمان وإخلاص ليدفع به الى المطبعة ، فأسدى بذلك الى السنة النبوية برا عاجلا .. وللعقيدة يدا مشكورة .. فله مني ومن المكتبة العربية ، والتراث الأسلامي بالغ الشكر وعظيم الأمتنان.

هذا وشكري الجزيل وتقديري المتواصل لأدارة مكتبة آية الله العظمى السيد النجفي المرعشي ـ دام الله ظله الوارف .. العامة في قيم سيما العلامة السيد محمود المرعشي النجفي والأستاذ حيدر الواعظي الحائري ، فقد وفروا لي الكثير من المصادر التي رجعت إليها في تحقيق الكتب ، وسمحت لي بالمطالعة والبحث في أي ساعة من غير شرط وقيد.

وأخيرا وفي الوقت الذي أقدم هذا الجهد .. أرجو أن أكون قد أصبت من النجح في تحقيق الكتاب ما يرضي الله ورسوله (ص) والله أسأل أن يرزقني الإخلاص والسداد في القول والفكر والعمل .. وأن يتقبل هذا لوجهه خالصا .. وأن يوفقنا لما فيه الخير .. وسبحانه الموفق الى السراط المستقيم ..

أبو علي

محمد هادي الأميني

عفى الله عنه وعن والديه

٤٣
٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي نصر أوليائه ، وقهر أعدائه ، وأعز أحبائه ، وأخزى خصمائه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، شهادة عبد موقن طيب بها حياته ، وبقائه ، وصفا بها إخلاصه ، ووفائه ، وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد ، الذي أعطاه الله مجده ، وبهائه حتى فاق رسله ، وأنبيائه وعلى آله الطيبين الطاهرين ، الذين جعلهم الله أمنائه ، ونجبائه ، وصيرهم أودائه ، وأصفيائه.

أما بعد .. فقد سألت أيدك الله الجليل ، بلطفه الجميل ، أن أبين لك عوار (١) مالهج به غواة المتشبثين بالأعاليل ، المحتالين بالاضاليل ، في أمر زواج سيدتنا أم كلثوم عليها الآف السلام ، من الحي القيوم ، وأفصل لك بعض ما عندي من الحقائق المذخورة ، في معادن العلوم المبطلة ، لدعاوي الأعداء والخصوم ، وأنا مجيبك فيما سألت مراعيا للإيجاز والاختصار ، معرضا عن الأطناب الممل ، ذوي البصائر والأبصار ، ومن الله أستمد في هذا الباب مستميحا لكرمه وفضله ، إنه هو المنعم الوهاب.

ولنقدم قبل الكلام على روايات المخالفين وأخبارهم ، في هذا الباب ، وتهالكهم على الأفتراء ، والبهة والكذاب.

__________________

(١) العواد : العيب. الخرق والشق في الثوب.

٤٥

مقدمة :

فيها بيان بعض الأدلة الدالة على بطلان دعوى وقوع هذا العقد ، حتى يكون الناظر على بصيرة ويقين ، وينكشف له جلية الحال في هوان كل خبر ويستبين.

فنقول : إن من الأدلة الدالة على عدم وقوع هذا العقد قوله تعالى : ولكم في رسول الله اسوة حسنة (١) وبيان ذلك أن رسول الله (ص) رد أبا بكر ، وعمر ، حين خطب كل واحد منها فاطمة الزهراء (ع) ، فالواجب على علي (ع) أن لا يزوج عمر بنته ، ويرد من رده رسول الله (ص) اقتفاءا لأثره ، واتباعا لسنته.

أما رد رسول الله (ص) أبا بكر ، وعمر ، خطبتهما فلا يخفى على المتتبع الخبير ، ولكن نذكر همسنا طرف من عبارات كتب القوم ، ففي الطبقات لابن سعد البصري (٢) : وأخبرنا مسلم بن ابراهيم ، حدثنا المنذر بن ثعلبة ، عن علباء بن أحمر اليشكري ، أن أبا بكر خطب فاطمة الى النبي (ص) فقال : يا أبا بكر انتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبو بكر ، لعمر فقال له عمر : ردك يا أبا بكر ، ثم إن أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة الى النبي (ص) فخطبها. فقال له مثل ما

__________________

(١) سورة الأعراب : ٢١.

(٢) أبو عبد الله محمد بن سعد الزهري كاتب الواقدي وصاحب الطبقات المتوفى ٢٣٠ ، كان كثير العلم غزير الحديث والروية. الكنى والالقاب ١ : ٣٠٦. معجم المؤلفين ١٠ : ٢١ الوافي بالوفيات ٣ : ٨٨. شذرات الذهب ٢ : ٦٩.

٤٦

قال لأبي بكر ، انتظر بها القضاء فجاء عمر الى أبي بكر فأخبره فقال له : ردك يا عمر ثم إن أهل علي قالوا لعلي إخطب فاطمة الى رسول الله (ص) فقال : بعد أبي بكر وعمر فذكروا له قرابته من رسول الله (ص) ، فخطبها فزوجه النبي (ص) فباع علي بعيرا له وبعض متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانون ، فقال له النبي (ص) اجعل ثلاثين في الطيب ، وثلثا في المتاع (١).

وفي مسند أحمد بن حنبل الشيباني (٢) على ما نقل عنه حدثنا عبد الله بن حنبل ، قال : حدثنا أبو عمر محمد بن محمود الاصفهاني قال : حدثنا خشرم قال : حدثنا الفضل ابن موسى الشيباني عن الحسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن أبا بكر ، وعمر خطبا الى النبي (ص) فاطمة فقال : أنها صغيرة ، فخطبها علي فزوجها منه (٣).

وقال ابن الأثير الجزري (٤) في أسد الغابة ، في ترجمة فاطمة (ع) أخبرنا أبو احمد عبد الوهاب بن علي الصوفي أخبرنا أبو الفضل بن ناصر ، أخبرنا الخطيب ابن أبي الصقر الأنباري ، أخبرنا أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب احمد بن يحيى الصوفي ، أخبرنا إسماعيل بن ابان ، أخبرنا أبو مريم ، عن أبي اسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، قال : خطب أبو بكر وعمر يعني فاطمة الى رسول الله (ص) فأبى رسول الله (ص) عليهما ، فقال عمر أئت لها يا علي فقلت : مالي من شئ إلا درعي أرهنها ، فزوجه رسول الله (ص) فاطمة فلما بلغ ذلك فاطمة بكت ، قال ، فدخل عليها رسول الله (ص) فقال : مالك تبكين يا فاطمة فوالله لقد انكحتك

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٨ : ١٩.

(٢) أبو عبد الله أحمد بن محمد حنبل الشيباني المرزوي البغدادي المتوفي ٢٤١ ، واربع الأئمة الأربعة السنية. معجم المؤلفين ٢ : ٩٦.

(٣) مسنده احمد ٥ : ٣٥٩.

(٤) عز الدين علي بن أبي الكرم محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير المتوفى. ٦٣. البداية ١٣ : ١٣٩. الطبقات الشافعية ٥ : ١٢٧ مرآة الجنان ٤ : ٧٠ هدية هدية العارفين ١ : ٧٠٦. تذكرة الحفاظ ٤ : ١٨٥.

٤٧

اكثرهم علما وأفضلهم حلما ، وأولهم سلما (١).

وقال المحب الطبري (٢) في الرياض النضرة : عن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء أبو بكر الى النبي (ص) فقعد بين يديه فقال يا رسول الله قد علمت منا صحبتي وقدمي في الأسلام ، وأني واني قال وما ذاك قال : تزوجني فاطمة فسكت عنه قال : فرجع أبو بكر الى عمر فقال : هلكت وأهلكت قال : وما ذاك؟ قال : خطبت فاطمة الى النبي (ص) فأعرض عني ، قال ، مكانك حتى أتى النبي (ص) فأطلب مثل الذي طلبت فأتى عمر النبي (ص) فقعد بين يديه ، فقال : يارسول الله (ص) قد علمت منا صحبتي وقدمي في الأسلام وإني وإني .. قال : وما ذاك؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه فرجع الى أبي بكر فقال : إنه ينتظر أمر الله بها ، قم بنا الى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا (٣) الى آخر الحديث.

وقال : بعد سياق الحديث بتمامه ، أخرجه حاتم.

وقال المحب الطبري أيضا في الرياض النضرة : وعن بريدة ـ ٢٤ ـ رضي الله عنه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله (ص) إنها صغيرة ، فخطبها علي فزوجها منه ، أخرجه أبو حاتم والنسائي (٤).

وقال المحب الطبري أيضا ، في الرياض النضرة : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : خطب أبو بكر الى النبي (ص) ابنته فاطمة ، فقال (ص) : يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد ، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول لهم مثل قوله ، لأبي بكر. الى آخر الحديث ، وقال بعد سياق الحديث بتمامه : أخرجه أبو

__________________

(١) أسد الغابة ٥ : ٥٢٠.

(٢) محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري المكي الشافعي المتوفى ٦٤٩. الشذرات ٥ : النجوم الزاهرة ٨ : ٧٤. تذكرة الحفاظ ٤ : ٢٥٥. طبقات الشافعية ٥ : ٨.

(٣) الرياض النضرة ٢ : ١٨٣. ذخائر العقبى : ٢٩. فضائل الخمسة ٢ : ١٣٣.

(٤) الرياض النضرة : ١٨٠.

٤٨

الخير القزويني الحاكمي (١).

وقال المحب الطبري : في ذخائر العقبى ، وعن أنس رضى الله عنه قال : جاء أبو بكر رضي الله عنه ، ثم عمر رضي الله عنه ، يخطبان فاطمة (ع).

فسكت ولم يرجع اليهما شيئا ، فأنطلقا الى علي رضي الله عنه ، يأمرانه بذلك ، الى آخر الحديث ، وقال بعد سياق الحديث بتمامه : أخرجه أبو حاتم (٢).

وقال المحب الطبري أيضا في ذخائر العقبي : عن أنس بن مالك ، قال : خطب أبو بكر رضي الله عنه الى النبي (ص) أبنته فاطمة فقال (ص) : يا أبا بكر لم ينزل القضاء بعد ، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر ، الى آخر الحديث (٣).

وقال محب الدين الخطيب ، في المشكاة : عن بريدة قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله (ص) : أنها صغيرة ثم خطبها علي فزوجها منه ، رواه النسائي (٤).

وقال نور الدين السمهودي (٥) في جواهر النقدين ، في الذكر الثامن من القسم الثاني ، عند ذكر حديث تزويج النبي (ص) عليا بفاطمة (ع) : وأورده أبو داود السجستاني ، بسنده من طريق قتادة ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : أتى أبو بكر رضي الله عنه ، النبي (ص) فجلس بين يديه فقال : يارسول الله (ص) قد علمت نصيحتي وقدومي في الأسلام واني واني .. قال : وما ذاك قال : تزوجني عمر فقال : هلكت وأهلكت قال : وماذاك؟ قال : خطبت فاطمة الى النبي (ص) فأعرض عني قال : فانتظر حتى آتيه ، فأسأل مثل ما

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ :

(٢) ذخائر العقبى : ٢٩.

(٣) ذخائر العقبى : ٣٠

(٤) كفاية الطالب : ٢٩٨.

(٥) نور الدين علي بن عبد الله بن أحمد الحسيني الشافعي القاهري نزيل المدينة والمتوفى ٩١١. كان محمد المدينة ومؤرخها. الضوء اللامع ٥ : ٢٤٥. البدر الطالع ١ : ٤٧٠. هدية العارفين ١ : ٤٧٠ كشف الظنون : ٢١٠ ١٩٤ ، ٦١٤ ، ٧٥٨ ، ١٠٤٦ ، ١١١٩ ، ١١٥١ ، ١٨٩٦ ، ٢٠١٦ ، ٢٠١٧.

٤٩

سألت ، فأتى عمر رضي الله عنه النبي (ص) فقعد بين يديه فقال : يارسول الله (ص) قد علمت مناصحتي وقدمي في الأسلام واني واني ، قال : وماذاك؟ قال : تزوجني فاطمة فسكت عنه ، فرجع الى أبي بكر فقال : أنه ينتظر أمر الله بها ، قم بنا الى علي حتى نأمره يطلب مثل الذي طلبنا ، قال علي (ع) : فأتياني وأنا أعالج فسيلا (١) لي ، فقالا : إنا جئناك من عند أبن عمك بخطبة ، قال علي (ع) : فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي حتى أتيت النبي (ص) فقعدت بين يديه فقلت : يارسول الله (ص) قد علمت قدمي في الأسلام ومناصحتي واني واني .. قال : وماذاك؟ قلت : تزوجني فاطمة ، قال : وما عندك؟ قلت : فرسي وبزتي (٢) قال : أما فرسك فلا بد لك منها ، وأما بزتك فبعها ، قال فبعتها بأربعمائة وثمانين ، قال : فجئت بها حتى وضعتها في حجر رسول الله (ص) فقبض منها قبضة فقال : أي بلال أبغنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها ، فحمل لها سريرا مشرطا بالشرائط ، ووسادة من ادم حشوها ليف ، وقال لعلى (ع) إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم اليمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب ، وجاء رسول الله (ص) فقال : هاهنا أخى؟ قالت أم اليمن أخوك وقد زوجته أبنتك؟ قال : نعم : ودخل رسول الله (ص) البيت فقال لفاطمة : أئتني بماء فقامت الى قعب في البيت فأتت به بماء فأخذه النبي (ص) مج فيه ثم قال : تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لها : أدبري فأدبرت فصب بين كتفيها وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال رسول الله (ص) أئتوني بماء ، قال علي : فعلمت الذي يريد فقمت فملأت القعب ماء وأتيته به فأخذه ومج فيه ، ثم قال لي : تقدم فصب على رأسي وبين ثديي وقال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال : أدبر فأدبرت فصب بين كتفي ، وقال : اللهم أني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال

__________________

(١) الفسيل : النخل الصغير وكل عود يطع من شجرته.

(٢) وفي رواية : ما عندي إلا درعي الحطيمة.

٥٠

لعلي : أدخل بأهلك بسم الله والبركة (١).

وقال إبن حجر أيضا (٢) في الصواعق ، في هذا الباب تحت ذكر الآية الثانية عشر ، وأخرج أبو داود السجستاني ، إن أبا بكر خطبها فأعرض عنه (ص) ثم عمر فأعرض عنه فأتيا عليا فنبهاه الى خطابتها فجاء فخطبها فقال (ص) : ما معك؟ فقال : فرسي وبدني ، قال : أما فرسك فلا بد لك منه ، وأما بدنك فبعها وأئتني بها فباعها بأربعمائة وثمانين ثم وضعها في حجره فقبض منها قبضة وأمر بلالا أن يشتري بها طيبا ثم أمرهم أن يجهزوها ، فعمل لها سرير مشروط ووسادة من أدم حشوها ليف ، وملأ البيت كثيبا يعني رملا ، وأمر ام اليمن أن تنطلق الى أبنته ، وقال لعلي : لا تعجل حتى آتيك ، ثم أتاهم (ص) فقال لأم أيمن : ههنا اخي؟ قالت : اخوك : وتزوجه ابنتك؟ قال : نعم ، فدخل على فاطمة ودعا بها فأتته بقدح فيه ماء فمج فيه ثم نضح على رأسها وبين ثدييها وقال : : اللهم أني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لعلي : أئتني بماء فعلمت ما يريد فملأت القعب فأتيته به فنضح منه علي رأسي وبين كتفي وقال : اللهم أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، ثم قال : أدخل بأهلك على أسم الله تعالى وبركته (٣).

وأخرج احمد وابو حاتم نحوه.

وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي (٤) في أشعة اللمعات : وعن بريدة ، روايت است از بريدة اسلمي قال ، كفت : خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله عنهم ، خطبة كردند ، وخواستكاري نموند أبو بكر وعمر فاطمة را ، فقال

__________________

(١) الرياض النضرة ٢ : ١٨١.

(٢) ذخائر العقبي : ٢٩.

(٣) ذخائر العقبي : ٣٠.

(٤) كفاية الطالب : ٢٩٨.

٥١

رسول الله (ص) : أنها صغيرة ، بس إن حضرة عذر آورده وكفت : وي صغير است ، فخطبها علي فزوجها منه بس خواستكاري اورا علي نمود يس نكاح كرد أورابه علي رضي الله عنه ، رواه النسائي (٥).

وقال علي القارئ (٦) في المرقاة : وعن بريدة قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله (ص) إنها صغيرة ، وفي رواية ، فسكت ولعلها محمولة على مرة أخرى ، ثم خطبها علي فزوجها منه (٧).

وقال علي القارئ في المرقاة أيضا : وأخرج أبو الخير القزويني عن أنس بن مالك ، قال : خطب أبو بكر النبي (ص) أبنته فاطمة فقال (ص) يا أبا بكر لم ينزل القضاء ، ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر ـ الخ ـ (٨).

__________________

(١) أشعة اللمعات ٤ : ٦٧٠ ط الهند ١٢٢٠.

(٢) نور الدين علي بن سلطان محمد الهزوي القاري الحنفي المتوفى ١٠١٤ عالم مشارك في انواع من العلوم.

خلاصة الأثر ٣ : ١٨٥. البدر الطالع ١ : ٤٤٥. معجم المؤلفين ٧ : ١٠٠.

(٣) مرقاة المفاتيح ٥ : ٥٧٤.

(٤) نفس المصدر.

٥٢

فصل

ومما يدل على كذب دعوى هذا العقد الموهوم ، إن عمر بن الحطاب كان ساقط النسب وسافل الحسب جدا ، حتى إن ذكر نسبه المدخول وحسبه المرذول مما تمجه الطباع وتنفر عنه الأسماع ، فكيف يتوهم أحد من ذوي الألباب والعقول إن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (ع) يزوجه أبنته الطاهرة ، وهي بنت الطاهرة البتول سلام الله عليها وعلى ذريتها الطيبين المطهرين بالفروع والأصول.

أما بيان نسب عمر ورذالته فسقوطه وذكر حسبه ونزوله عن درجة الشرف وهبوطه غير محتاج إليه لظهوره على كل صغير وكبير ، لكن نذكرها هنا اضطرارا بعض ما ذكره المخالفون ، وأثبته المؤلفون ليعتبر به المناظر اللبيب أعتبارا.

فأعلم أولا أنه قد ذكر السهيلي (١) في كتابه الروض الأنف (٢) : إن جدة عمر الحيداء بنت خالد الفحمية زوجة جده نفيل قد نكحها عمرو بن نفيل فولدت له زيد ، وزيد هو هذا والد سعيد الذي هو عند السنية من العشرة المبشرة ، وهذا نكاح قال الله تعالى فيه : إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا (٣) ولقد أستوعب الكلام

__________________

(١) أبو القاسم عبد الرحمن بن الخطيب أبي محمد عبد الله بن أحمد السهلي الأندلسي المالقي النحوي المتوفى ٥٨١. للمحدث المفسر اللغوي. أنباه الرواة ٢ : ١٦٢. بغية الوعاة : ٢٩٨. مرآة الجنان ٢ : ٤٢٢. ومنات الحنات ٥ : ٤٤. وفيات الأعيان ٣ : ١٤٣

(٢) المعارف : ٧٨.

(٣) سورة النساء : ٢٢.

٥٣

في هذا المقام ، مصنف كتاب ـ استقصاء الافحام (١) أحلة دار السلام في المجلد الثالث منه.

وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدنيوري في كتابه المسمى ـ بالمعارف ـ تحت ترجمة تسمية من خلف على أمرأة أبيه بعده وهذا لفظه.

أمرأة من فهم : كانت تحت نفيل بن عبد العزي جد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فتزوجها عمرو بن نفيل بعد أبيه فولدت له زيدا فامه أم الخطاب ، وزيد هذا هو أبو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (٢).

وقال ابن قتيبة الدينوري أيضا : في كتابه ـ المعارف ـ تحت ترجمة عمر بن الخطاب ، وكان الخطاب بن نفيل من رجال قريش وامه أمرأة من فهم وكانت تحت نفيل فتزوجها عمرو بن نفيل بعد أبيه فولدت له زيدا وامه أم الخطاب وزيد هو أبو سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل احد العشرة المبشرة الذين بشرهم رسول الله (ص) بالجنة فولد الخطاب ، زيد ابن الخطاب وعمر بن الخطاب (٣).

وقال ابن قتبة الدينوري ، في كتابه ـ المعارف ـ ايضا تحت ترجمة سعيد بن زيد : هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن قرط بن رياح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، وعمر بن الخطاب إبن عم أبيه ، وكان نفيل ولد عمرو بن نفيل والخطاب بن نفيل ، وأم الخطاب أمرأة من فهم فتزوج عمرو بن نفيل أمرأة أبيه بعد أبيه فولد

__________________

(١) أستقصاء الأفحام وإستيفاء الأنتقام في رد منتهى الكلام للسيد مير حامد حسين الكهنوي في عشر مجلدات وقد طبع بعض أجزائه في مطبعة مجمع البحرين في ثلاث مجلدات سنة ١٣١٥ ، واستقصى المؤلف فيه البحث في المسألة المشهورة بتحريف الكتاب ، وفي أثبات وجود الحجة المهدي ـ ع ـ وشرح فيه أحوال كثير من علماء أهل السنة ، وتكلم في كثير من رجاله ، وفي بعض الأصول الدينية والفروع العلمية المختلفه فيها أقوال الفريقين وأثبت ما هو الحق منها في جميع ذلك. الذريعة ٢ : ٣١.

(٢) المعارف : ٥١.

(٣) المعارف : ٧٧.

٥٤

عمرو زيد بن عمرو وأمه أم الخطاب (١).

وقال إبن كثير الدمشقي (٢) في تاريخه : ذكر زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه ..

هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قريط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ، وكان الخطاب والد عمر بن الخطاب عمه وأخاه لأمه ، وذلك لأن عمرو بن نفيل كان قد خلف على أمرأة أبيه بعد أبيه ، وكان لها من نفيل أخوه الخطاب قاله الزبير بن بكار ، ومحمد بن إسحاق (٣) أنتهى.

لقد ذكر علامة علم النسب هشام بن محمد الكلبي (٣) في كتاب المثالب ، على ما نقل عنه في عداد من الولد من سفاح نقلا عن أبيه قال : كان صهاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف فوقع عليها فقتله بن هاشم ، ثم وقع عليها عبد العزى بن رياح ، فجاءت بنفيل جد عمر بن الخطاب. أنتهى.

وقال أبن أبي الحديد (٤) في شرح نهج البلاغة ، في شرح قول علي (ع) في وصف الرسول (ص) : لم يسهم فيه عاهر ، ولا ضرب فيه فاجر ، في الكلام رمز الى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن ، الى أن قال نقلا عن كتاب مفاخرات قريش ، قال أبو عثمان : بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا من رواة الأشعار وحملة الآثار يعيبون الناس ويسلبونهم في أسلافهم فقام على المنبر وقال : إياكم وذكر

__________________

(١) المعارف : ١٠٧.

(٢) عماد الدين السماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري الفقيه الشافعي المتوفي ٧٧٤. الدرر الكامنة ١ : ٣٧٣. الدارسي ١ : ٣٦. البدر الطالع ١ : ١٥٣. مفتاح السعادة ١ : ٢٠٤. الشذرات ٦ : ٢٣١.

(٣) البداية والنهاية ٧ : ١٣٣.

(٤) أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشير الكلبي المتوفى ٢٠٤ / ٢٠٦ كان عالما بأخبار العرب وأيامها ومثالها ووقائعها. وفيات الأعيان ٦ : ٨٢. معجم الأدباء ١٩ : ٢٨٧. رجال النجاشي : ٣٠٥. مصفى المقال ٤٩٣. لسان الميزان ٦ : ١٩٦.

(٥) عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائين المعتزلي المتوفى ٣٥٥. الأديب المؤرخ الحكيم الشاعر فوات الوفيات ١ : ٢٤٨. البداية ١٣ : ١٩٩. السلوك ١ : ٤٠٧. كشف الظنون : ٧٩٩ ، ٩٧٧ ، ١٢٧٣ الغذير ٤ : ١٨٧.

٥٥

العيوب والبحث عن الأصول ، فلو قلت : لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلا من لا وصمة فيه لم يخرج منكم أحد ، فقام رجل من قريش نكره أن نذكره فقال : إذا كنت أنا وأنت يا أمير المؤمنين نخرج فقال : كذبت بل كان يقال لك ياقين بن قين أقعد.

قلت : الرجل الذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي كان عمر يبغضه ببغضه أباه خالدا ، ولأن المهاجر كان علوي الرأي جدا ، وكان أخوه عبد الرحمان بخلافه ، شهد المهاجر صفين مع علي (ع) وشهدها عبد الرحمان مع معاوية ، وكان المهاجر مع علي (ع) في يوم الجمل وفقأت ذلك اليوم عينه ولأن الكلام الذي بلغ عمر بلغه عن المهاجر ، وكان الوليد بن المغيرة مع جلالته في قريش وكونه يسمى ريحانة قريش ، ويسمى العدل ، ويسمى الوحيد حدادا يصنع الدروع وغيرها بيده ، ذكر ذلك عنه عبد الله بن قتيبة في كتاب المعارف.

وروى أبو الحسن المدائني هذا الخبر في كتاب ـ أمهات الخلفاء ـ وقال : إنه روى عند جعفر بن محمد عليه السلام بالمدينة فقال : لا تلمه يا أبن أخي أنه أشفق أن يخدج بقضية نفيل بن عبد العزى ، وصهاك أمة الزبير بن عبد المطلب ، ثم قال : رحم الله عمر فانه لم يعد السنة وتلا : إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنو لهم عذاب أليم (٢).

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام (٣) في كتاب الشهاب على ما نقل عنه في تسمية من قطع من قريش في الجاهلية في السرق ماهذا لفظه : والخطاب بن نفيل بن عبد العزى إبن رياح بن قرط بن عبد الله بن رياح بن عدي بن كعب أبو عمر بن الخطاب ، قطعت يده في سرق قدر وشئ ذكره ومحاه ولاية عمر ورضى الناس عنه أنتهى.

__________________

(٢) إبن أبي الحديد ٣ : ٢٤.

(٣) أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى ٢٢٢ / ٢٢٣ / ٢٢٤ المحدث الفقيه الحافظ المقري. له تصانيف معجم الأدباء ١٩ : ٢٥٤. تاريخ بغداد ١٢ : ٤٠٣. طبقات القراء ٢ : ١٧ الشذرات ٢ : ٥٤. تذكرة الحفاظ ٢ : ٥.

٥٦

وقال مجد الدين الفيروز آبادي (٤) في القاموس : المبرطش ، الدلال أو الساعي بين البائع والمشتري وكان عمر رضي الله عنه في الجاهلية مبرطشا (٥).

وقال الزبيدي (٦) في تاج العروس في شرح القاموس : المبرطش ، أهمله الجوهري والصاغات وصاحب اللسان ، وهو الدلال أو الساعي بين البائع والمشتري ، وفي الحديث كان عمر رضي الله تعالى عنه في الجاهلية مبرطشا ، أي كان يكتزى للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلا (٧) إنتهى.

ومما يدل على مهانة نسب عمرو ودنائة أصل أمه ما جرى بين خالد بن الوليد وبين عمر في قصة قتل خالد ، مالك بن نويرة ، وهذه قصة طريفة تبدي عورات الأصحاب المبجلين بين السنة حيث أن المقام لا يسع ذكرها برمتها فلنقتصر على ذكر بعض ما يتعلق بها.

قال الطبري (١) في تاريخه عند قصة قتل خالد ، مالك بن نويرة وأصحابه ، فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال : عدو الله عدا على أمرئ مسلم فقتله ثم نزى على أمرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما ، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال : اربأ ، قتلت أمرءا مسلما ثم نزوت على أمرأته ، والله لأرجمنك بأحجارك ، ولا يكلمه خالد بن الوليد ، ولا يظن إلا أن رأى أبي بكر على مثل رأي عمر فيه حتى دخل علي فلما دخل عليه أخبره الخبر وأعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه وعن

__________________

(٤) قاضي القضاة أبو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الصديقي الشافعي الشيرازي المتوفى ٨١٩ / ٨١٧. روضات الجنان ٨ : ١٠١ مفتاح السعادة ١ : ١٠٣. المؤلفين ١٢ : ١١٨.

(٥) القاموس.

(٦) أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد الله الأشبيلي القرطبي المتوفى ٣٧٩ كان أوحد عمره في علم النحو وحفظ اللغة ، وأخبر أهل زمانه بالأعراب والمعاني والنوادر له كتب. بغية الوعاة ٣٤ معجم الأدباء ١٨ : ١٧٩. هدية العارفين ٢ : ٥١. وفيات الأعين ٤ : ٣٧٢.

(٧) تارج العروس ٤ : ٢٨١

٥٧

ماكان في حربه تلك.

قال : فخرج خالدا حين رضي عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد فقال : هلم ألي يا أبن أم شملة قال : فعرف عمر أن إبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته ، أنتهى (٢).

فقال أبو المظفر يوسف بن قزا وغلي المعروف بسبط أبن الجوزي (٣) في كتابه المسمى ـ مرآة الزمان في تاريخ الأعيان ـ ، في قصة قتل خالد ، مالك بن نويرة : ولما بلغ عمر بن الخطاب خبر خالد وقتله مالكا وأخذه لأمرأته قال : أي عباد الله قتل عدو الله أمرءا مسلما ثم وثب على أمرأته والله لنرجمنه بالحجارة ، فلما قدم خالد المدينة ودخل المسجد وعليه ثياب عليها سدء الحديد ، معتجرا بعمامة قد غرز فيها ثلاثة أسهم فيها أثر الدم ، فوثب إليه عمر فأخذ السهم من رأسه فحطمها وقال : يا عدو الله عدوت على أمرئ مسلم فقتلته ثم نزوت على أمرأته ، والله لنرجمنك بأحجارك وخالد لا يرجع عليه بلا ولا نعم ، وهو يظن أن رأي أبي بكر فيه كرأي عمر فدخل خالد على أبي بكر وعمر في المسجد فذكر لأبي بكر عذره ببعض الذي ذكر له فتجاوز عنه ، ورأى ، أنها الحرب وفيها فرضي عنه فخرج خالد من عنده وعمر في المسجد فقال له خالد : هلم يا أبن حنتمة الي يريد أن يشاتمه ، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فقام فدخل بيته (٤) أنتهى.

ولا يخفى على المتتبع بأخبار الصحابة إن خالدا لم يكتف على ذكر أم عمر وتوهينه مرة واحدة بل ذكر أمه مرارا عديدة ، بل كان دأبه الأستخفاف به وأطراح جانبه ، وما كان يسميه إلا بأسم أمه وبالا عليسر.

__________________

(١) أبو جعفر محمد بن يزيد الطبري المتوفى ٣١٠ المحدث الفقيه المؤرخ علامة وقته ووحيد زمانه طبقات القراء ٢ : ١٠٦ طبقات المفربي : ٣٠. تنقيح المقال ٢ : ٩٠. الفوائد الرهنوية : ٤٤٦. وحنات الحباث ٧ : ٢٩٢ معجم الأدباء ١٤ : ٩٤. المنتظم ٦ : ١٧٠ ٢ تاريخ الطبري ٣ : ٢٤٣. الغدير ٧ : ١٥٨.

(٣) أبو المضفلأ يوسف بن قزا وغلي البغدادي المتوفى ٩٥٤٦٥٤ عالم فاضل مؤرخ كامل معجم المؤلفين ١٣.

(٤) مرآة الزمان

٥٨

قال الطبري أيضا في تاريخه : في ذكر فتح العراق ، فكتب أبو بكر الى خالد وهو بالحيرة أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة ويخرج فيهم ، ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتى خالد كتاب أبي بكر بذلك قال : هكذا عمل الاعيسر أبن أم شملة ، يعني عمر بن الخطاب ، حسدني أن يكون فتح العراق على يدي فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء الى المدينة ، مدينة رسول الله (ص) وأمر عليهم عمير بن سعد الأنضاري (١).

وقال الطبري في تاريخه في حوادث سنة ثلاث عشر من الهجرة في خبر اليرموك : كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان البناني عن أبيه قال : قال عكرمة بن أبي جميل يوم إذ قاتلت رسول الله (ص) في كل موطن ، وأفر منكم اليوم ، ثم نادى من يبايع على الموت فبايعه الحارث بن هشام ، وضرار بن الأزود في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم ، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جراحا وقتلوا إلا من برأ منهم ضرار بن الأزود ، وقال وأتى خالد بعدما أصبحوا بعكرمة جريحا ، فوضع رأسه على فخذه وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر في حلوقهما الماء ويقول : كلا زعم أبن الحنتمة لا نستشهد (٢).

وقال سبط أبن الجوزي في مرآة الزمان : لم يزل عمر ساخطا على خالد مدة خلافته أبي بكر لكلام كان يبلغه عنه من الأستخفاف به ، واطراح جانبه ، وما كان يسميه إلا بأسم أمه وبالاعسير ، وكان أكبر ذنوبه ـ خالد ـ عنده قتل مالك بن نويرة بعد أسلامه وأخذه لأمرأته ، ودخوله المسجد وعلى رأسه السهام فيها دم ، وكان يحث أبا بكر على عزله ، ويحرضه على قتله بسبب قتله لمالك ، وكان أبو بكر يتوقف فلما مات أبو بكر ، وولي عمر قال : والله لايلي لي خالد عملا أبدا.

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٤٤.

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٣٦

٥٩

وقال إبن سيرين (١) قال عمر بن الخطاب : والله لأعزلن خالدا عن الشام ، ومثنى بن سنان عن العراق حتى علما إن الله ينصر هذا الدين ، ولسنا ناصريه.

قال سيف : فكتب عمر الى أبي عبيدة : سلام عليك أما بعد ..

فإني عزلت خالدا عن جند الشام ووليتك أمرهم فقم به والسلام.

فوصل الكتاب الى أبي عبيدة فكتم الحال حياء من خالد ، وخوفا من اضطراب الأمور ولم يوقفه على الكتاب حتى فتحت دمشق ، وكان خالد على عادته في الأمرة ، وأبو عبيده يصلي خلفه (٢) أنتهى.

وقال سبط أبن الجوزي أيضا في مرآة الزمان ، في وقائع السنة الثالثة عشرة : وكتب عمر الى أبي عبيدة : أما بعد ..

فان أكذب خالد نفسه فهو أبين على من معه ، وإن لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ، ثم أنزع عمامته عن رأسه وقاسمه ما له نصفين.

وبلغ خالدا فقال : فعلها الاعيسر ، إبن حنتمة لا يزال كذا ، ودخل على أخته فاطمة بنت الوليد وكانت عند الحرث بن هشام فقال : ماترين في كذا وكذا فقالت : والله لا يحبك عمر أبدا ، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ، فيعزلك ، فقبل رأسها ، وأرسل الى أبي عبيدة وقال : لاأكذب نفسي أبدا ، فقال : فقاسمني مالى ، فقاسمه حتى أخذ بغلا وأعطاه بغلا ، فتكلم الناس في عمر وقالوا : هذه والله العداوة.

ولم يعجب الصحابة ما فعل بخالد ، وقد روي إن خالدا أمتنع من ذلك

__________________

(١) أبو بكر محمد بن سيرين البصري المتوفى ١١٠. تهذيب الأسماء واللغات ١ : ٨٣. تاريخ الأسلام ٤ : ١٩٢. الأعلام ٧ : ٢٥. ومنات الجنات ٧ : ٢٤٩.

(٢) مرآة الزمان

٦٠