افحام الأعداء والخصوم

السيد ناصر حسين بن حامد حسين الموسوي الهندي

افحام الأعداء والخصوم

المؤلف:

السيد ناصر حسين بن حامد حسين الموسوي الهندي


المحقق: الدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة نينوى الحديثة
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٨٦

واما ما ذكره ابن سعد بقوله : أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن سعد عن عطاء الخراساني ، أن عمر أمهر أم كلثوم بنت علي ، أربعين الفا (١) ، فمردود ، لأن وكيع بن الجراح مقدوح مجروح وسيأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى مفصلا فيما بعد.

وهشام بن سعد ايضا مطعون مرهون قدح فيه أكابر الناقدين من أهل السنة قال الذهبي في الميزان ، في ترجمته : قال أحمد : لم يكن بالحافظ ، وكان يحيى القطان لا يحدث عنه ، وقال أحمد ايضا : لم يكون يحكم الحديث ، وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال : مرة ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه.

ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمر رفعه : من مات يوم الجمعة أو ليلتها غفر له.

أو كما قال ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، جاء رجل أفطر في رمضان فذكره.

وفيه : فأتى بعرق فقال : كله أنت واهلك ، وصم يوما ، واستغفر الله (٢).

وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد : قال أبو حاتم : عن أحمد لم يكن هشام بالحافظ.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ، هشام بن سعد كذا وكذا ، كان يحيى بن سعيد لا يروي عنه ، وقال أبو طالب : عن أحمد ليس هو محكم الحديث ، وقال حرب : لم يرضه أحمد ، وقال الدوري عن أبن معين ، ضعيف وداود بن قيس أحب الي منه.

وقال معاوية بن صالح : عن أبن معين ليس بذاك القوي ، وقال إبن أبي مريم عن إبن معين : ليس بشئ كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه. وقال أبو

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٨ : ٤٦٣.

(٢) (ميزان الأعتدال ٤ : ٢٩٨.

١٤١

حاتم : يكتب حديثه ولا يحجتج به ، هو محمد بن إسحاق عندي واحد. وقال النسائي : ضعيف وقال مرة : ليس بالقوي ، وروى له ابن عدي أحاديث منها حديثه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، جاء رجل الى النبي (ص) وقد أفطر في رمضان ، فقال له : أعتق رقبة ، الحديث وقال مرة : عن الزهري عن أنس قال : والروايتان جميعا خطأ وإنما رواه الثقات عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وهشام خالف فيه الناس وله غير ما ذكرت ومع ضعفه يكتب حديثه.

وقال ابن أبي شيبة عن علي المدني : صالح وليس بالقوي (١).

وذكره ابن عبد البر في باب من نسب الى الضعف ممن يكتب حديثه قال : وقال لي ابن معين : ضعيف حديثه مختلط ، وقال الخليلي : أنكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة.

قالوا وإنما رواه الزهري عن حميد ، قال : ورواه وكيع عن هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة منقطعا ، قال أبو زرعة الرازي أراد وكيع الستر على هشام باسقاط أبي سلمة ، وذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء (٢) انتهى.

ومن العجائب إن ابن سعد نفسه قد طعن في هشام هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد ما لفظه : قال ابن سعد كان كثير الحديث يستضعف وكان متشيعا (٣).

فما أدري أي شئ حمل ابن سعد على إخراج حديثه مع علمه واعترافه كونه مقدوحا مجروحا ، عل هذا إلا حب الباطل والسفساف وقلة الحياء ، وكثرة الأعتداء ، ومجانبة الأنصاف ، وفي مسند هذا الخبر عطاء الخراساني ..

وهو أيضا من المقدوحين المجروحين الذين لا يوثق بخبرهم ولا يعتمد على حديثهم.

قال البخاري في كتاب الضعفاء : عطاء بن عبد الله ، وهو ابن أبي مسلم

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ : ٣٩.

(٢) تهذيب التهذيب ١١ : ٤٠ ـ ٤١.

(٣) تهذيب التهذيب ١١ : ٤٠.

١٤٢

البلخي مولى المهلب بن أبي صفرة سألت عبد الله بن عثمان عن عطاء قال : سكن الشام سمع سعيد بن المسيب روي عنه مالك ومعمر قال الحسن عن ضمرة عن أبن عطاء ، مات سنة خمس وثلاثين ومائة ـ ١٣٥ ـ وولد سنة خمسين ، قال سليمان بن حرب : حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب حدثني القاسم بن عاصم قال : قلت لسعيد بن المسيب ، أن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي (ص) قال له : تصدق أنتهى (١).

وقال الذهبي في ميزان الأعتدال ، في ترجمة عطاء : وذكره العقيلي في الضعفاء متشبثا بهذه الحكاية التي رواها حماد بن زيد عن أيوب : حدثني القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب : أن عطاء الخراساني حدثني عنك إن النبي (ص) أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفارة الظهار ، فقال : كذبت ، ما حدثته ، إنما بلغني أن النبي (ص) قال له : تصدق تصدق.

وقد ذكر البخاري ، عطاء الخراساني في الضعفاء ، فروى له هذا عن سليمان حرب ، عن حماد.

أحمد بن حنبل ، حدثنا عفان ، حدثنا همام أخبرنا قتادة ، إن محمدا دعونا حدثاه إنهما قالا لسعيد : إن عطاء الخراساني حدثنا عنك في الذي وقع بأهله في رمضان ، فأمره النبي (ص) أن يعتق رقبة فقال : كذب عطاء ، أنما قال له : تصدق تصدق.

وقال ابن حبان في الضعفاء : أصله من بلخ وعداده في البصريين ، وأنما قيل له الخراساني لأنه دخل خراسان وأقام بها مدة طويلة ثم رجع الى العراق فنسب إلى خراسان ، وكان من خيار عباد الله غير أنه كان ردئ الحفض كثير الوهم يخطئ ولا يعلم ، فيحمل عنه ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ، فهذا القول من ابن حبان فيه نظر ولا سيما قوله : وإنما قيل له الخراساني ، فيا هذا أي حاجة

__________________

(١) الضعفاء : ٨٩.

١٤٣

بك إلى هذه الدودة ، أليست بلخ من أمهات مدن خراسان بلا خلاف؟.

وقال حجاج بن محمد : حدثنا شعبة ، حدثنا عطاء الخراساني ، وكان نسيا. وقال الترمذي في كتاب العلل : قال محمد يعني النجادي ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني.

قلت : ما شأنه؟ قال : عامة أحاديثه مقلوبة (١).

وقال الذهبي في كتابه المغنى ، في ترجمة عطاء : وذكره العقيلي في الضعفاء ، وقال ابن حبان : ردئ الحفظ مخطئ فبطل الأحتجاج به ، وقال الترمذي في كتاب العلل قال محمد : ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه مالك ، ويستحق أن يترك حديثه عن عطاء الخراساني ، قلت : ما شأنه قال : عامة أحاديثه مقلوبة.

وقال الذهبي أيضا : وقال البيهقي وعطاء الخراساني غير قوي قال في الوصايا (٢).

وقال ابن حجر في التهذيب ، في ترجمة عطاء : وقال حجاج بن محمد عن شعبة حدثنا عطاء الخراساني وكان نسيا.

وقال ابن حجر ايضا : وقال ابن حبان كان ردئ اللحظ يخطئ ولا يعلم فبطل الأحتجاج به ، (٣).

ولا يخفى على أهل النقد والأختبار الماهرين في تمييز الصحيح والسقيم من الأحاديث والآثار أن في سند هذا الخبر المطعون انقطاعا لأن عطاء لم يكن ولد على عهد عمر ولم يقع عقد عمر بمحضر منه فكيف يقبل خبره هذا.

قال البخاري في كتاب الضعفاء كما سمع آنفا : قال الحسن ضمرة عن

__________________

(١) ميزان الأعتدال ٣ : ٧٤.

(٢) ميزان الأعتدال ٣ : ٧٥.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٤.

١٤٤

ابن عطاء مات سنة خمس وثلاثين ومائة ـ ١٣٥ ـ وولد سنة خمسين (١).

وقال الذهبي في ميزان الأعتدال ، في ترجمة عطاء : ولد سنة خمسين ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائة (٢).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال ابنه عثمان بن عطاء : مات سنة خمس وثلاثين ومائة ، وقال أبو نعيم الحافظ كان مولده سنة خمسين (٣) انتهى.

فالعجب كل العجب كيف أقدم ابن سعد على أيراد هذا الخبر المنقطع المقدوح المجروح بوجوه عديدة ، وفي هذا الخبر شئ آخر ، وبيانه أن عمر كان شديد النهي عن المغالاة في المهر حتى أنه نهى الناس عن تلك المغالاة على المنبر وجرى له مع أمرأة حاضرة ما جرى (٤) فكيف أقدم على مغالاة المهر في هذا العقد من قبل نفسه ، أو رضي تلك المغالاة من ولي زوجته ، وكيف خالف سنة رسول الله (ص) في مهور أزواجه وبناته حسب ما تدعيه أهل السنة.

وها هنا شئ آخر يتعجب منه وبيان ذلك أن أولياء عمر قد أعترفوا في بيان زهده وأظهار قلة أصابته من الدنيا بمبالغات وإعترافات معروفة لا تغرب عن أبصار الناظرين فكيف أمكن له مع ذلك أن يمهر أربعين ألفا ولو فرضنا تمكنه من هذا المبلغ الخطير كيف جاز له مع ما يدعيه أهل السنة من شدة عمله بالسنة النبوية ، ومصابرته على التعلل والقناعة في المأكل والمشرب والملبس أن يبذل في المهر أربعين ألفا عند عقده على بنت من هو أوحد الزهاء ومن طلق الدنيا ثلاثا (١) ، اترى عمر قد طلب بسوق هذا المهر الغالي ميل علي (ع) الى الدنيا ، وجوز اقدامه على هذا العقد المحرم طمعا في المال الفاني ، ولعمري أن واضع هذا الخبر الموضوع قد بلغ من الجهل والرقاعة مبلغا يستنكف عنه أهل المجون والخلاعة.

__________________

(١) الضعفاء : ٨٩.

(٢) ميزان الأعتدال ٣ : ٧٤.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ : ٢١٣.

(٤) أشارة الى قوم الأمام أمير المؤمنين (ع) : يادنيا يادنيا اليك عني ، أبي تعرضت أم ألي تشوقت ، لاحان حنيك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لأربعة فيها. نهج البلاغة ٤ : ١٦.

١٤٥

وأما ذكره ابن سعد بقوله : قال : محمد بن عمر وغيره ، لما خطب عمر بن الخطاب الى علي ابنته أم كلثوم قال : يا أمير المؤمنين إنها صبية فقال : أنك والله ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك ، فأمر علي بها فصنعت ثم أمر ببرد فطواه وقال : أنطلقي بهذا الى أمير المؤمنين فقولي : أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول : إن رضيت البرد فامسكه وإن سخطته فرده فلما أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك قد رضينا قال : فرجعت الى أبيها فقالت : ما نشر البرد ولانظر إلا إلي ، فزوجها أياه فولدت له غلاما يقال زيد (١).

فمردود ساقط عن درجة الأعتماد لا يركن إليه أحد من أهل الخبرة والأنتقاد لأن محمد بن عمير صاحب هذه الحكاية الشنيعة هو الواقدي وهي شيخ ابن سعد هذا ، وابن سعد هذا كان تلميذه وكاتبه ولذا يقال له كاتب الواقدي.

والواقدي هذا مقدوح بقوادح عديدة ، ومجروح بمطاعن شديدة ، فما ذكره مع كونه عاريا عن الأسناد ليس له حظ من الأعتماد حتى الماهرين النقاد ، وحيث أن قوادح الواقدي ومطاعنه متجاوزة عن حد الحصر نكتفي هاهنا بذكر نبدة منها ، ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع الى مجلد حديث الغدير من كتاب العبقات (٢).

وقال الخطيب البغدادي في تاريخه في ترجمة الواقدي : وكان الواقدي (٣) مع ما ذكرناه من سعة علمه وكثرة حفظه لا يحفظ القرآن ، أنبأنا الحسين بن محمد بن جعفر الرافعي ، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل ، قال حدثني محمد بن موسى البربري قال : قال المأمون للواقدي : أريد أن تصلي الجمعة غدا بالناس ، قال : فامتنع قال : لابد من ذلك فقال : لا ولله يا أمير المؤمنين ، ما أحفظ سورة الجمعة قال : فأنا أحفظك ، قال فافعل ، فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٨ : ٤٦٤.

(٢) مجلدين طبع في الهند عام ١٢٦٣ ه‍ ، وأعيد طبعها في طهران.

(٣) أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني الواقدي المتوفي ٢٠٧ / ٢٠٩. تاريخ بغداد ٣ : ٣. ابن النديم ١ : ٩٨. معجم الأدباء ١٨ : ٢٧٧ مرآة الجنان ٢ : ٣٦. الشذرات ٢ : ١٨. البداية ١٠ : ٢٦١ وفيات الأعيان ٤ : ٧٣٤٨

١٤٦

النصف منها ، فإذا حفظه ابتدأ في النصغف الثاني ، فإذا حفظ النصف الثاني نسي الأول ، فاتعب المأمون ونعس ، فقال لعلي بن صالح : يا علي حفظه أنت ، قال علي : ففعلت ونام المأمون ، فجعلت أحفظه النصف الأول فيحفظه ، فأذا حفظته النصف الثاني نسي الأول ، وإذا حفظته النصف الأول نسي الثاني ، وإذا حفظته الثاني نسي الأول ، فاستيقظ المأمون فقال لي : ما فعلت؟ فأخبرته فقال : هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل ، اذهب فصلي بهم وأقرأ أي سورة شئت (١).

وقال الخطيب أيضا في تاريخه : أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله الهاشمي ، أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل بن المأمون ، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري ، حدثني محمد بن المرزبان ، حدثنا أبو بكر القريشي حدثنا المفضل بن غسان عن أبيه قال : صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ : أن هذا لفي الصحف الأولى صحف عيسى وموسى (٢).

وقال الخطيب أيضا في تاريخ بغداد : أخبرني عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر المؤدب ، أخبرنا عبد الرحمان بن عمر الخلال ، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، حدثنا جدي قال : سمعت إسحاق بن أبي اسرائيل قال : كنت عند أبن المبارك وعنده أبو بدر فذكروا فوت الصلاتين بعرفة ، فقال أبو بكر : يا أبا عبد الرحمان في هذا حديث عن أبن عباس والمسور بن مخرمة ، فقال : عن فقال : ابن واقد ، قال : فسكت إبن المبارك وطأطأ رأسه ، أو قال نصت ولم يقل شيئا.

وقال جدي حدثني من سأل يحيى بن معين عن الواقدي ، وأبي البختري ، فقال : الواقدي أجودهما حديثا.

وقال جدي : حدثنى عبد الرحمن محمد قال : قال لي علي بن المدني قال لي أحمد بن حنبل : أعطني ما كتب عن أبن أبي يحيى قال : قلت وما تصنع به ، قال : أنظر فيها أعتبرها قال : ففتحها ثم قال : أقرأها علي قال : قلت وما تصنع

__________________

(١) تاريخ بغداد ٣ : ٧.

(٢) تاريخ بغداد ٣ : ٧.

١٤٧

به؟ قال : أنظر فيها قال : قلت له : أنا أحدث عن أبن أبي يحيى قال لي : وما عليك أنا أريد أن أعرفها وأعتبر بها ، قال : فقال لي بعد ذلك أحمد : رأيت عند الواقدي أحاديث قد رواها عن قوم من حديث أبن أبي يحيى قلبها عليهم ، وما كان عند علي شئ يحتج به في الواقدي غير هذا وقد كنت سألت عليا عن الواقدي فما كان عنده شئ أكثر من هذا.

أخبرني أبو القاسم الأزهري ، حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار ، أخبرنا محمد بن عمران ابن موسى الصيرفي ، حدثنا عبد الله بن علي المديني قال : سمعت أبي يقول : محمد بن عمر الواقدي ليس بموضع للرواية ولا يروى عنه ، وضعفه.

حدثنا الأزهري ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو علي الهروي ، قال : سمعت الحسن بن محمد المؤب يقول : سمعت أبا الهيثم يقول : قال يحيى بن معين : أغرب الواقدي على رسول الله (ص) عشرين ألف حديث (١).

أخبرنا أبو نعيم الحافظ حدثنا موسى بن إبراهيم بن النظر العطار ، حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة قال : سمعت عليا يعني ابن المديني يقول : إبراهيم بن أبي يحيى كذاب ، فأخبرني علي بن محمد بن الحسن المالكي أخبرنا عبد الله بن عثمان الصفار ، وأخبرنا محمد بن عمران بن موسى ، حدثنا عبد الله بن علي المديني قال : سمعت أبي يقول : كتب الواقدي عن أبن أبي يحيى كتبه ، قال : وسمعت أبي يقول : فسألني أحمد أن أحدثه عن ابراهيم بن أبي يحيى فلم أحدثه ، قال : وسمعت أبي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الواقدي يركب الأسانيد ، وسمعت يحيى بن معين يقول : الواقدي يحدث عن عاتكة ابنة عبد المطلب ، وعن حمزة بن عبد المطلب من مركب.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي قال : سمعت أبا

__________________

(١) في الغديرة ٥ : ٢٩ ، محمد بن عمر الواقدي روى بما لاأصل له ....٣.

١٤٨

العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول : سمعت العباس بن محمد الدوري يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : والواقدي ليس بشئ ، أخبرنا يوسف بن رباح البصري ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس بمصر ، أخبرنا أبو بشر الدولابي ، حدثنا معاوية بن صالح : أبو عبد الله الواقدي ، ضعيف ، قلت : ليحيى بن معين : لما لم تعلم عليه حيث كان الكتاب عندك قال : أستحي من أبنه وهو صديق لي ، قلت : فما ذا تقول فيه قال : كان يقلب أحاديث يونس فيصيرها عن معمر ليس بثقة ، قال أبو عبد الله وقال لي أحمد بن حنبل : هو كذاب ، قال عبيد الله عن يحيى في موضع آخر : محمد بن عمر بن واقد ليس بشئ.

أخبرني أحمد بن أبي جعفر القطيعي أخبرنا علي بن عبد العزيز البرذعي ، حدثنا عبد الرحمن أبن أبي حاتم عن يونس بن عبد الأعلى قال : قال لي الشافعي : كتب الواقدي كذب ، وقال أبن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي شريح قال : سمعت محمد بن أدريس الشافعي يقول : الواقدي وصل حديثين ـ يعني لا يوصلان ـ.

أخبرنا علي بن أبي علي البصري ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الدوري الوراق حدثنا محمد بن عبد الله المستعين ، حدثنا عبد الله بن علي بن المديني ، حدثني أبي قال : جعل أنسان يحدث أبن المبارك عن الواقدي ، فقال : صرنا الى بحر الواقدي.

حدثنا أبو بكر البرقاني ، أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي ، حدثنا أبو عوانة يعقوب إبن إسحاق الاسفراييني ، حدثنا أبو بكر المروزي قال : سمعته ـ يعني أحمد بن حنبل ـ يسأل عن الواقدي ، فقيل له قال : إبن المبارك دعونا من بحر الواقدي ، فقال : شهدت وكيعا وقد سألوه عن حديث في مسح الخفين فقال : لو كنت عند الواقدي لحدثك ، هكذا قرأت على علي محمد بن علي المعدل عن يوسف بن إبراهيم الجراجني قال : أخبرنا نعيم بن عدي قال : سمعت

١٤٩

إسحاق بن أبي عمران قال : سمعت بندار بن بشار يقول : ما رأيت أكذب شفتين من الواقدي.

أخبرنا علي بن محمد الدقاق قال : قرأنا على الحسين بن هارون عن أبي سعيد قال : حدثني محمد بن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبن نمير ـ وذكر حديثا ـ فقلت له : يا أبا عبد الرحمن تملي هذا؟ قال : هو عن الواقدي ولست أحب أن أحدث عنه ، فقلت : نحن نعرفه ، فقال : أكتبه على جهة المعرفة ثم أملاه علي.

أخبرنا إبن الفضل القطان ، أخبرنا علي بن ابراهيم المستملي ، أخبرنا محمد بن ابراهيم بن شعيب الغازي قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : محمد بن عمر الواقدي قاضي بغداد متروك الحديث.

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، حدثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي ، حدثنا أحمد بن طاهر إبن النجم الميانجي ، حدثنا سعيد بن عمر والبرذعي قال : وسأل أبو ذرعة ـ يعني الرازي ـ عن الواقدي ، فقال : ترك الناس حديثه.

وأخبرنا البرقاني أخبرنا أحمد بن سعيد ـ وكيل دعلج ـ حدثنا عبد الكريم بن أحمد بن شعيب النسائي ، حدثنا أبي قال : محمد بن عمر الواقدي ، متروك الحديث.

حدثنا عبد العزيز بن أحمد بن علي الكتاني لفظا بدمشق ، حدثنا عبد الوهاب بن جعفر الميداني ، حدثنا أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد السلمي ، حدثنا القاسم بن عيسى القصار ، حدثنا ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، قال : جعلت كتبه ظهائر للكتب منذ حين ، أو قال : منذ زمان.

أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي ، أخبرنا محمد بن عدي البصري في كتابه ، حدثنا أبو عبيد محمد بن علي الآجري ، قال : سئل أبو داود سليمان بن الأشعث عن الواقدي ، فقال : لا أكتب حديثه ، ما أشك أنه كان ينقل الحديث ،

١٥٠

ليس ينظر الواقدي في كتاب إلا يبين فيه أمره ، روى في فتح اليمن وخبر العنسي أحاديث عن الزهري ليست من حديث الزهري ، وكان أحمد ابن حنبل لا يذكر عنه كلمة (١).

وقال الخطيب أيضا في تاريخ بغداد : حدثت عن دعلج بن أحمد قال سمعت : أبا محمد عبد الله بن علي الجارود يقول : سمعت إسحاق الكوسج يقول : قال أحمد بن حنبل : كان الواقدي محمد بن عمر يقلب الأحاديث ، كأنه يجعل ما لعمر عن إبن أخي الزهري ، وما لأبن أخي الزهري لمعمر ، قال إسحاق بن راهويه : كان عندي ممن يضع.

أخبرنا العتيقي أخبرنا علي بن عمر الحافظ ، حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا أحمد بن ملاعب ، حدثنا محمد بن علي المديني قال : سمعت أبي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الواقدي يركب الأسانيد.

أخبرني البرقاني حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الأدمي ، عن علي بن أبي داود ، حدثنا زكريا الساجي قال : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قاضي بغداد متهم (٢).

وقال الذهبي في ميزان الأعتدال : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي ، مولاهم الواقدي المدني القاضي صاحب التصانيف ، وأحد أوعية العلم على ضعفه.

قال إبن ماجة : حدثنا أبن أبي شيبة ، حدثنا شيخ لنا ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، فذكر حديثنا في اللباس يوم الجمعة وحسبك إن إبن ماجة لا يجسر أن يسميه وهو الواقدي قاضي بغداد.

قال أحمد بن حنبل : هو كذاب ، يقلب الأحاديث ، يلقي حديث أبن أخي

__________________

(١) تاريخ بغداد ٣ : ١٢ / ١٥.

(٢) تاريخ بغداد ٣ : ١٦.

١٥١

الزهري على معمر ونحوذا.

وقال إبن معين : ليس بثقة وقال مرة : لا يكتب حديثه. وقال البخاري وأبو حاتم : متروك. وقال أبو حاتم أيضا والنسائي : يضع الحديث ، وقال الدارقطني : فيه ضعف ، وقال إبن عدي : أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه.

وقال إبن الجوزي وغيره : هو محمد بن أبي شملة ، ولسه بعضهم ، وأما البخاري فذكر أبن أبي شملة بعد الواقدي.

وقال أبو غالب أبن بنت معاوية بن عمرو : سمعت أبن المديني يقول : الواقدي يضع الحديث.

وقال أبو داود : بلغني أن علي بن المديني قال : كان الواقدي يروي ثلاثين ألف حديث غريب.

وقال المغيرة بن محمد المهلبي : سمعت أبن المديني يقول : الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ، لا أرضاه في الحديث ، ولا في الأنساب ، ولا في شئ.

وقال اسحاق بن الطباع : رأيت الواقدي في طريق مكة يسئ الصلاة.

وقال الذهبي أيضا في الميزان : قال البخاري : سكتوا عنه ، ما عندي له حرف.

وقال إبن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث.

قلت : وقد سقت جملة من أخبار الواقدي وجوده وغير ذلك في تاريخي الكبير ، ومات وهو على القضاء سنة سبع ومائتين في ذي الحجة ، وأستقر الأجماع على وهن الواقدي (١).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة الواقدي ما لفظه : قال

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٦٤٦ ـ ٦٦٦.

١٥٢

البخاري متروك الحديث ، تركه جماعة ، وقال ابن معين : ضعيف وقال مرة : ليس بشئ ، وقال مرة : كان يقلب حديث يونس بغيره عن معمر ليس بثقة ، وقال إبن المديني الهيثم بن عدي أوثق عندي من الواقدي ولا أرضاه في الحديث ، وقال أبو داود السجستاني : أخبرني من سمع علي بن المديني يقول : روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب ، وقال النسائي : ليس بثقة (١).

وقال الذهبي في كتابه المغنى : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي ، صاحب التصانيف مجمع على تركه ، وقال ابن عدي : يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه ، وقال النسائي : كان يضع الحديث ، وقال ابن ماجة : حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، فذكر حديثا في لباس الجمعة بمن لا يجبر ابن ماجة (٢).

وقال الذهبي أيضا في كتابه العبر : في ذكر الواقدي ، منفعة الجماعة (٣).

وقال الذهبي أيضا ، في كتابه الكاشف : في ترجمة الواقدي ما لفظه : قال البخاري وغيره : متروك (٤).

أما نسبة هذه القصة الموضوعة الى غير الواقدي كما قاله ابن سعد لا يطور به أحد فإنه نسبة الى قائل مجهول لم يجترئ إبن سعد على تسميته ، فهو أما مثل الواقدي في كونه مقدوحا مجروحا أو أسوأ حالا منه غير قابل للذكر والتسمية.

أما ما أشتمل عليه هذه القصة المكذوبة فهو أظهر فسارا وأوضح بطلانا من أن يتكلم بنبذ عليه لأنها أولا أشتملت على أجتراء عظيم وأقدام مليم ، وهو تكذيب عمر ، عليا (ع) في أعتذاره وصغر سن أم كلثوم (س) وعدم تصديقه (ع) مع

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ : ٣٦٦.

(٢) المغنى ٢ : ٦١٩.

(٣) العبر ١ : ٣٥٣.

(٤) الكاشف.

١٥٣

إنه (ع) هو الصديق الأكبر بنص النبي (ص) (١) ، وعلى كونه (ع) مع الحق والحق معه ، ودوران الحق معه حيث ما دار ، وهذا مما يخرج عمر عن دائرة الأسلام ويولجه في ذرافة الكفرة اللئام.

ولقد حق في حق إبن سعد ومن تبعه في تصديق هذه الحكاية الفضيعة التى أورثت تخجيلا وتشويرا قوله تعالى : فليضحكوا قليلا ، وليبكوا كثيرة (٢) ، ومن أعجب العجائب إن هذه الحكاية الموضوعة أشتملت على رد أعتذار علي (ع) بكلامه القبيح وأتى فيه في الأقسام الكاذبة واليمين الفاجرة المشتملة على لفظ الجلالة قائلا : إنك والله ما بك ذلك ، وهذه جرأة عظيمة ، وجسارة فخيمة ، وجريرة مزهمة ، وكبيرة موبقة ، وأشد من من ذلك إن عمر بعد تكذيبه لعلي (ع) بهذا القول الشنيع زاد جرأة على جرأة فقال : ولكن علمنا ما بك ، وهذا القول الشنيع عن قبول خطبة عمر ، والباعث على رده خائبا خاسرا كان غير ما أظهر علي (ع) ، وأن عمرا طلع على ما أضمره علي (ع) في نفسه ، وفي هذا القول أيضا تكذيب الأمام المعصوم ، أدعى علم الغيب المحجوب والاطلاع على ما في النفوس والقلوب ، وهو في هذا الخبر المكذوب من أكبر النقائص والعيوب.

ومما يورث العجب عن عمر يخبر عليا (ع) بما أخفاه هو في قلبه خوفا من عمر وعلمه عمر بصفاء ضميره وكشفه ، فليته بين الأمر المخفي في قلب علي عليه حتى يمكن لأوليائه وأعدائه يتميز الحق من الباطل ولا يبقى محل لتعارض الظنون من تعارك الأوهام.

ومن أعجب العجائب إن هذه القصة المكذوبة قد أشتملت على أمر فضيع بالغ من الفضاعة الى أقصى الحدود وهو أمر علي (ع) بتزيين أم كلثوم (س) وأرسالها مع بردها الى عمر ، الى آخر الحكاية الشنيعة التي حاكها الواقدي على هذا منوال النصب والعدوان ، فإن مضمونها مشحون بأنواع الأكاذيب المختلقات ،

__________________

(١) الغدير ٢ : ٣١٢. الصواعق المحرقة : ٧٤. كفاية الطالب : ١٢٣. فضائل الخمسة ٢ : ٨٧ ـ ٩.

(٢) سورة التوبة.

١٥٤

وأصناف الأباطيل والترهات.

وهذه القصة الشنعاء ، والفرية النكراء لو سمعها واحد من عوام الأسلام حتى أهل الحياكة وأمثالهم من الطغام لنفر عنها ومجها مسمعه ، ولو يقبلها لنفسه فضلا عن أمير المؤمنين (ع) ولو كلف رجل من سفلة الناس ورعاعهم أن يزوج ابنته على هذا الأسلوب المنكر الشنيع لأبى ولم يرضى بهذه الدنية.

ولعل واضع هذه القصة القبيحة أراد دفع العار وميط السنار عن إمامه أبي بكر فإنه قد أتى بابنته عائشة الى النبي (ص) بعد وفاة خديجة (س) ليتزوج بها النبي (ص) وجرى له مع النبي (ص) في هذا الباب ما يورث العجب العجاب ، وظهر من قلة حياء هذه التي بنته ما يخجل بذكره أولو الآداب.

قال ولي الله الدهلوي ، في أزالة الخفاء : في مآثر أبي بكر ، إز نحمله أن است كه جون حضرت خديجة رضي الله عنها ، متوفى شد حضرت صديق حضرة عائشة رادر عقل آن حضرت (ص) آورد ودرآن باب أدبي كه بهتر ازآن صورت نه بندد رعايت نود ، حبيب مولى عروة قال : ماتت خديجة حزن عليها النبي (ص) فأتاه أبو بكر بعائشة فقال يارسول الله (ص) هذه تذهب ببعض حزنك ، وأن في هذه خلفا من خديجة ثم ردها ، فكان رسول الله (ص) يختلف الى أبي بكر ، الحديث أخرجه الحاكم.

وعن عائشة : قدمنا المدينة ، فذكرت القصة الى أن قالت : قال أبو بكر ما يمنعك أن تبني بأهلك فقال رسول الله (ص) الصداق ، فأعطاه أبو بكر أثني عشر أوقية ونشا ، فبعث بها رسول الله (ص) الينا وبنى لي رسول الله (ص) في بيتي هذا الذي أنا فيه ، أخرجه الحاكم ، وأبو عمر في الاستيعاب مثله ، إنتهى ما نقلناه عن أزالة الخفاء (١).

وفيه من الشنائع والفضائع ما لا يخفي على أهل الجلف والجفاء.

__________________

(١) أزالة الخفاء :

١٥٥

وأما ما ذكره وضع قصة تزوج عمر بأم كلثوم (س) في آخر كلامه بقوله : فولدت له غلاما يقال له زيد ، فهو فرية بلا مرية ، وقد سبق من الأدلة الواضحة والبراهين الائحة ما يدل على فساده وبطلانه وسيأتي في ما بعد إن شاء الله ، من الحقائق المبينة ، والمعارف الجلية ما يزيد في ظهور كساده وهوانه.

رد كلام الزبير بن بكار الأسدي

باب ، في بيان بطلان ما أورده الزبير بن بكار الأسدي المتوفى ٢٥٦ سنة مائتين وست وخمسين ، في كتاب النسب ، من الأفك والزور على سيدتنا ام كلثوم (س) وقد كفانا مؤنة ردة وأبطاله شيخنا الثقة الجليل وجه العصابة الإمامية ، وعين الفرقة الحقة الشيخ المفيد (١) طاب ثراه ، وجعل الجنة مثواه ، حيث قال في جواب بعض المسائل السردية (٢) : أن الخبر الوارد بتزويج امير المؤمنين علي (ع) ابنته من عمر ، غير ثابت وطريقه من الزبير بن بكار ، ولم يكن موثوقا به في النقل ، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (ع) وغير مأمون فيما يدعيه على بني هاشم.

وإنما الحديث اثبات ذكره أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذكر في كتابه فظن كثير من الناس انه حق لرواية رجل علوي له ، وإنما رواه عن الزبير بن بكار ونفسه مختلفا فتارة يروي أن أمير المؤمنين (ع) تولى العقد له على ابنته ، وتارة يروي عن العباس أنه تولى ذلك عنه ، وتارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد وتهديد لبني هاشم ، وتارة يروي أنه كان عن أختيار وإيثار.

ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولد أسماه زيد ، وبعضهم يقول : أن لزيد بن عمر عقبا ، ومنهم من يقول : أنه وامه قتلا ، ومنهم من يقول : أنه بقيت

__________________

(١) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي المتوفي ٤١٣. شيخ الطائفة ورئيس رؤوساء الملة ، فخر الشيعة ومحيى الشريعة أنتهت إليه الرئاسة وأتفق الكل على علمه وفضله وفقهه وعدالته وثقته وجلالته.

(٢) من تصانيف الشيخ كما جاء في معالم العلماء : ١٠١. هدية العارفين ٢ : ٦٢. تبويب الذريعة ١ : ٢٦٠.

١٥٦

عنده ، ومنهم من يقول : أن عمر أمهر أم كلثوم أربعين إلف درهم ، ومنهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم ، ومنهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم وبدون كثرة هذا الأختلاف يبطل هذا الحديث ولا يكون له تأثير على حال.

انتهى كلام الشيخ المفيد ، وهو بلا شك ولاريب عند أهل التحقيق قول سديد (١).

وها نحن نذكر بعض ما يؤيد كلام هذا الحبر الجليل خصه الله في غرفات الجنان بتحف الأكرام والتبجيل ، فنقول : أن الزبير بن بكار قد قدح فيه الحافظ الكبير ، والناقد النحرير أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن ابراهيم بن يوسف بن عنبر السليماني (٢) وذكره في كتاب الضعفاء كما أعترف به ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ، حيث قال في ترجمة الزبير بن بكار : وقال أحمد ابن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث ، وهذا جرح مردود ولعله أستنكر أكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة ، وعمر بن أبي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة ، انتهى كلام العسقلاني (٣).

ولا يخفى على الناظر اللبيب الناقد الأديب ، إن كلام العسقلاني في حماية الزبير بن بكار ساقط عن درجة الأعتبار لوجهين :

١ ـ إن الحافظ السليماني أقدم عهدا وأجل قدرا من العسقلاني بمرات كثيرة ودرجات رفيعة ، فكيف جاز للعسقلاني أن يرد كلامه من غير دليل ، إن هذا إلا تسويل بين التضليل.

٢ ـ إن العسقلاني قد أقر بسوء صنيع الزبير بين بكار وأجترائه على الرواية عن الضعفاء بالأكثار والأصرار ، وهذا قدح بين قد تبين من كلام العسقلاني بأصرح

__________________

(١) المسائل السروية : ٢٦٦.

(٢) البيكندي البخاري المتوفي ٤٠٤ ، محدث له أكثر من أربعمائة مصنف. طبقات الشافعية ٣ : ١٧. تذكرة الحفاظ ٣ : ٢٢٤. اللباب ١ : ١٦٣ ، ٥٥٧.

(٣) تهذيب التهذيب ٣ : ٣١٣.

١٥٧

الأعتراف والأقرار ولله الحمد حيث إجرى الحق على لسانه ، وأظهر الواقع ببيان.

وها نحن نذكر بعض عبارات كتب القوم التي تكشف عن جلالة قدر الحافظ السليماني ليتبين لك أن قدح السليماني في الزبير بن بكار حقيق بالأذعان والقبول ، ولا يمكن أهل الأنصاف عنه بأنحراف ولا عدول.

قال السمعاني (١) في الأنساب : السليماني بضم السين وفتح اللام وسكون الياء المنقوطة بأثنتين من تحتها وفى آخرها النون ، هذه النسبة الى سليمان وهو اسم لبعض أجداد المنتسب ، منهم أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو بن أحمد بن ابراهيم بن يوسف بن عنبر السليماني الحافظ البيكندي من أهل بيكند ، وإنما قيل له السليماني انتسابا الى جد أبي أمه أبي حامد أحمد بن سليمان البيكندي ، كانت له رحلة الى الآفاق والكثرة والحفظ والأتقان ، ولم يكن له نظير في زمانه إسنادا وحفظا ورواية بالحديث وضبطا وأتقانا ، سمع محمد بن صابر بن كاتب ، وأبا نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ، وأبا الحسين علي بن أسحاق بن البحري المادراني البصري ، وأبا العباس محمد بن يعقوب الأصم ، وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني ، وجماعة كثيرة من هذه الطبقة.

صنف التصانيف الكثيرة الكبيرة والصغيرة ، وكان يصنف كل أسبوع شيئا ويحمله الى جامع بخارا من بيكند (٢) ويحدث به ، روى عنه أبو العباس جعفر بن المعين النسفي ، وأبنه أبو ذر محمد بن جعفر وغيرهما ، ولد سنة أحدى عشرة وثلاثمائة ـ ٣١١ ـ ومات في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة ـ ٤٠٤ (٣).

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : السليماني الحافظ المحدث المعمر أبو الفضل

__________________

(١) أبو سعد عبد الكريم بن الحافظ أبي بكر محمد بن أبي المظفر المنصور بن أبي بكر محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي الشافعي المتوفى ٥٦٢. المنتظم ١٠ : ٢٢٤. تذكرة الحفاظ ٤ : ١٠٧. روضات ٥ : ١٠٠ ، وفيات ٣ : ٢٠٩.

(٢) معجم البلدان ١ : ٥٣٣.

١٥٨

أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري شيخ ما وراء النهر ولد سنة ٤١١ سمع محمد بن حمدويه المروزي ، فكان آخر من روى في الدنيا عنه وعن غيره.

وسمع من علي بن سجنونة ، وعلي بن إبراهيم بن معاوية ، وأبي العباس الأصم النيسابوريين ، ومحمود بن إسحاق الخزاعي ، وصالح بن زهير ، ومحمد بن صابر بن كاتب البخاريين ، وعلي بن إسحاق المادراي البصري ، وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني والكبار ، وصنف وجمع وتقدم في الحديث ، ذكره أبن السمعاني في الأنساب.

قال السليماني نسبة الى جده لأمه أحمد بن سليمان البيكندي ، له التصانيف الكبار ، وكان يصنف في كل جمعة شيئا ثم يدخل من قرية بيكند الى بخارا يحدث بما صنف ، روى عنه الحافظ جعفر بن محمد المستغفري ، وولده أبو ذر محمد بن جعفر ، وجماعة بتلك الديار ، إلى أن قال : وتوفي في ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة ـ ٤٠٤ ـ وله ثلث وتسعون سنة وقفت له على تأليف في أسماء الرجال ، وعلقت منه (١).

وقال الذهبي في كتابه المسمى ـ العبر ـ سنة ٤٠٤ توفي أبو الفضل السليماني الحافظ وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي البخاري ، محدث تلك الديار طوف وسمع الكثير ، وحدث عن علي بن أسحاق الماداري ، والأصم وطبقتهما ، وجمع وصنف ، وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة ، انتهى (٢).

ومن فوادح الزبير بن بكار من أتباع ظلمة بني العباس وقضاتهم ، وعداوتهم وشحناؤهم لبني هاشم أظهر من الشمس ، وأبين من الأمس ، وكون الزبير بن بكار مغمورا بأموالهم وصلاتهم وجوائزهم وعطاياهم أمر معروف مشهور لا ينكره منكر ، ذكر الحديث في تاريخ بغداد في ترجمة ، الزبير بن بكار بالمسند إلى حجظة قال : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر فأستأذن عليه للزبير

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ٣ : ١٠٣٦.

(٢) العبر ٣ : ٨٧.

١٥٩

بن بكار حين قدم من الحجاز ، فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له : لئن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب ، وان أمير المؤمنين ذكرك فاختارك لتأديب ولده ، وأمر بعشرة آلاف درهم ، وعشرة تخوت من الثياب ، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك الى حضرته بسر من رأى ، فشكره على ذلك وقبله (١).

وقال ياقوت الحموي (٢) في معجم الأدباء : في ترجمة الزبير بن بكار ، حدث موسى بن هارون قال : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأستأذن عليه الزبير بين بكار فلما دخل عليه أكرمه وعظمه وقال له : إن باعدت بيننا الأنساب فقد قربت بيننا الآداب ، وأن أمير المؤمنين أمرني أن أدعوك وأقلدك القضاء ، فقال له الزبير بن بكار : أبعد ما بلغت هذه السن ورويت أن من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين أتولى القضاء؟ فقال له : فتلحق بأمير المؤمنين بسر من رأي ، فقال له : أفعل فأمر له بعشرة آلاف درهم ، ، وعشرة تخوت ثياب ، وظهر يحمله ويحمل ثقله الى حضرة سر من رأى ، فلما أراد الأنصراف قال له : إن رأيت يا أبا عبد الله أن تفيدنا شيئا نرويه عنك ونذكرك به ، الى أن قال الحموي : ثم ولي الزبير بن بكار قضاء مكة ومات بها وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ٢٥٦ (٣).

وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة الزبير بن بكار ، قال جحظة : كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فأستأذن الزبير بن بكار حين جاء من الحجاز ، فدخل فأكرمه وعظمه وقال له : إن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب ، وإن أمير المؤمنين أختارك لتأديب ولده وأمر لك بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب ، وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك الى حضرة سر

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ : ٤٦٩.

(٢) ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي مات ٦٢٢. الغدير ١ : ١١٩. مرآة الجنان ٤ : ٥٩. هدية العارفين ٢ : ٥١٣. مقدمة معجم الأدباء ١ : ١٨. النجوم الزاهرة ٨ : ١٨٧. الشذرات ٥ : ١٢١. المؤلفين ١٣. ١٧٨.

(٣) معجم الأدباء ١١ : ١٦٢.

١٦٠