غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

بالثّبوت أيضا إذ لو لا الثّبوت لما كان وفيه نظر بقي الكلام في دعوى ثبوت البقاء بالملازمة بناء على اختصاص الخبر بالقاعدة في صورة تكون البقاء على فرض الثّبوت متيقنا فقد يورد عليه بأنّ مقتضى الخبر إنّما هو جعل المتيقن ثابتا في زمان الشّك ويلزمه جعل الآثار الشّرعيّة دون العقليّة والعادية والبقاء ليس من الآثار الشّرعيّة لينجعل بجعل الثّبوت في الزّمان الأوّل وفيه أنّه قد يكون البقاء من جملة الأحكام الشّرعيّة كبقاء النّجاسة ما لم يصادفها المطهر فإنّه من أحكام نجاسة الشّيء فإذا حكم بانجعال النّجاسة في زمان لزمه انجعال البقاء أيضا ما لم يصادفها المطهر وإلاّ لم يمكن الحكم ببقاء النّجاسة المستصحبة في الزّمان الثّاني من أزمنة الشّك إذ لا يترتب على الاستصحاب أيضا إلاّ الآثار الشّرعيّة إلاّ أن يقال إنّ البقاء في الزّمان الثّاني أيضا هو البقاء بحكم الاستصحاب كبقائها في الزّمان الأوّل من أزمان الشّك لا أنّه بقاء مترتب على استصحاب النّجاسة في الزّمان الأوّل فافهم بل لنا أن نقول هنا كما أنّ نفس النّجاسة قد كانت متيقنة في الزّمان السّابق فكذا بقاءها أيضا قد كان يقينيّا فإذا كان مقتضى قاعدة اليقين الحكم بصحة اليقين السّابق وجب الحكم بالبقاء أيضا لأنّه بنفسه متعلق لليقين السّابق لا لكونه من لوازم النّجاسة المتيقنة وهذا بخلاف موارد الأصل المثبت فإنّ وجود اللازم مقطوع العدم في الزّمان السّابق لأنّه من لوازم وجوده في الزّمان الثّاني فليس اللازم هناك موردا لليقين ليجري فيه الاستصحاب فإذا أريد الحكم بثبوته في الزّمان الثّاني فإنّما هو لمحض استصحاب المتيقن السّابق فيكون أصلا مثبتا لا حجة فيه لأنّ الظّاهر من أدلة الاستصحاب إنّما هو جعل آثار نفس المتيقن وإنّما ينجعل به الآثار القابلة للجعل دون الأمور العقليّة والعادية وأمّا ما نحن فيه فهو نظير ما إذا قام أمارة معتبرة على بقاء شيء في الزّمان الثّاني فيترتب عليه لوازم البقاء أيضا وإن كانت عادية لأنّ الأمارة كما تحكي الملزوم تحكي اللازم أيضا فجريانها في اللّوازم إنّما هو لكونها مؤدى الأمارة ولو تبعا لا لانجعالها بانجعال حكم للملزوم وبهذا ظهر الفرق بين قيام الأمارة على حياة زيد بعد تسعين سنة وبين استصحابها بعده حيث ذكروا أنّ الأوّل يترتب عليه أحكام بياض اللّحية اللازم للبقاء بخلاف الثّاني ونظير ما نحن فيه أيضا ما إذا قامت البينة على نجاسة شيء سابقا وعلم عدم المزيل لها فإنّ الحكم بالبقاء حينئذ ليس للاستصحاب لعدم الشّك في البقاء على فرض الثّبوت بل لأنّه من لوازم النّجاسة فالإخبار بها إخبار به أيضا فيشمله أدلة حجّيّة البينة أيضا فتأمل فإنّ بقاء النّجاسة ما لم ترفع برافع ليس من الموضوعات الّتي يمكن إثباتها بالبيّنة بل هو من أحكام النّجس الواقعي وليس مشكوكا أيضا حتى في الزّمان الثّاني والبيّنة غير نافعة في إثبات الأحكام فلا محالة يكون ترتيبه على البيّنة من جهة الملازمة لا لكونه من جملة ما أخبر به البينة كبياض اللّحية ولكن لما كانت الملازمة شرعيّة لم يقدح فيما نحن فيه بصدده فالحاصل أنّ اللازم إن كان من الآثار الشّرعيّة كان ترتبه على الأمارة كترتبه على الاستصحاب يعني من جهة

٤٤١

الملازمة نعم يفترقان في اللّوازم العادية والعقليّة فترتب على الأمارة إذا وقعت محكيّة لها لشمول دليل حجّيّتها لجميع المداليل المطابقيّة وغيرها ولا تترتب على الاستصحاب كما تقدم فالحق في الجواب هنا هو الجواب الأوّل فتأمل قيل إنّه لو حمل الخبر على قاعدة اليقين لزم مناقضة لنفسه لشموله للاستصحاب جزما فإذا سرى الشّك إلى زمان اليقين لزمه استصحاب الحالة السّابقة على زمان اليقين السّابق لصيرورته مشكوك الزّوال وهو مناقض للحكم بصحة اليقين الّذي سرى إليه الشّك مثاله إذا كان زيد محدثا ثم تيقن بالطّهارة ثم شك فيها ساريا إلى الزّمان الأوّل صدق عليه أنّه متيقن في كونه محدثا في الزّمان السّابق وشاك في ارتفاع حدثه فيجب عليه استصحاب الحدث إلى هذا الزّمان ومقتضى الحكم بصحة يقينه بالطّهارة وعدم انتقاضه بالشّكّ السّاري الحكم بارتفاع الحدث السّابق في زمان الشّك وهما متناقضان ويمكن دفعه بأنّه كشمول الخبر لاستصحاب نجاسة اليد واستصحاب طهارة ملاقيها فكما يقدم الأوّل لكونه مزيلا للشّكّ الّذي هو موضوع الثّاني فليقدم القاعدة هنا لأنّ الحكم بصحة اليقين الثّاني موجب لنقض اليقين الأوّل باليقين دون العكس أو نقول إن الحديث لا يشمل استمرار النّقض المستند إلى اليقين الثّاني وإن صدق عليه أنّه نقض بالشّكّ بل إنّما يمنع من إحداث النّقض بالشّكّ فتأمل لكن الإنصاف اختصاص الخبر بخصوص الشّكّ الطّاري لظهور قوله عليه‌السلام فإنّه على يقين من وضوئه في أنّه كذلك حين الشّك وهذا لا يتحقق في الشّك السّاري فافهم ثم إنّ شمول الخبر للشّكّ في وجود المانع مع استمرار المقتضي مما لا إشكال فيه وإنّما الكلام في أمور منها أنّه هل يشمل صورة الشّك في مانعيّة الموجود أو لا فقيل بعدمه لظهور الخبر في حرمة النّقض المستند إلى الشّك استناد المعلول إلى العلة التّامة أو إلى الجزء الأخير منها والنّقض في المفروض مستندا إلى اليقين بوجود المشكوك فيه لسبق الشّك في المانعيّة على تحققه الّذي هو سبب النّقض وفيه أنّ معنى الشّك في مانعيته قبل تحققه أنّه شيء لو تحقق في الخارج لحصل الشّك في بقاء الممنوع عنه فالشّكّ في البقاء فعلا متأخر عن اليقين والنّقض مستند إليه لا إلى اليقين لعدم المعارضة بين اليقينين وهو ظاهر ومنها أنّه هل يشمل صورة الشّك في بقاء المقتضي أو يختص بالشّكّ في الرّافع فقيل بالثّاني ونسب إلى المحقق الخوانساري ره ولكن عبارته المحكيّة عنه تقتضي مذهبا آخر أعم من ذلك من وجه فإنّ حاصله أنّه إذا ثبت حكم إلى غاية واقعيّة غير مشروطة بالعلم فشكّ في تحققها في الخارج وجب إبقاء الحكم المذكور إلى أن يعلم تحقق الغاية دون غير ذلك وهذا أعم من أن يكون الغاية غاية للمقتضي بالكسر أو مانعا عن تحقق المقتضى بالفتح كما أنّ من يقول بجريانه في الشّك في المانع يعمم الحكم إلى صورة لم يكن هناك دليل يدل على الاستمرار إلى الغاية الواقعيّة الغير المشروطة بالعلم بل يقول بجريانه في كل حكم ثبت أنّه أمر مستمر لو لا القاطع ويكون الشّكّ في انقطاعه بشيء مطلقا وكيف كان فاحتج المحقق الخوانساري رحمه‌الله على مذهبه بوجهين أحدهما قاعدة الاشتغال بعد فرض القطع

٤٤٢

بالحكم والشّكّ في امتثاله الثّاني الأخبار السّابقة ثم اعترض بأنّ تلك الأخبار جارية في غير الصّورة المفروضة أيضا وأجاب عنه بمنع ذلك لأنّ مقتضى تلك الأخبار المنع عن نقض اليقين بالشّكّ والنّقض بالشّكّ لا يتحقق إلاّ في صورة التّعارض ومعنى التّعارض أن يكون هناك شيء يوجب اليقين لو لا الشّك وفيما فرضه القوم ليس كذلك لأنّ قيام الدّليل على ثبوت الحكم في زمان ليس مما يوجب اليقين به في زمان آخر لو لا الشّك انتهى وحاصله أنّ التّعارض إنّما هو بين العمل في زمان الشّكّ بخلاف الحكم السّابق وبين دليل اليقين فإنّ دليل اليقين السّابق إذا كان شاملا لزمان الشّك في الواقع فالعمل بخلافه في زمان الشّكّ نقض احتمالي لذلك الدّليل وهو معنى النّقض بالشّكّ وبعبارة أخرى يعتبر عنده في تحقق النّقض أن يكون الشّك في الزّمان الثّاني في الموضوع بعد معلوميّة الحكم بحيث لو فرض ارتفاع الشّك وعلم اندراجه تحت الموضوع الخاص لكان الدّليل الدّال على حكمه هو الدّليل الأوّل واعترض عليه بعض المحققين بأنّ ظاهر كلامه هو أنّ المقتضي لليقين هو الدّليل السّابق فقط والشّكّ مانع وليس كذلك لأنّ ثبوت الحكم في الزّمان المشكوك لو لا الشّكّ مستند إلى مقدمتين هي أنّ هذا الزّمان نهار والنّهار يجب إمساكه مثلا لا إلى الثّانية فقط فعدم الشّك الّذي هو عبارة عن تشخيص الصّغرى جزء لمقتضى اليقين لا أنّ الشّكّ مانع وحينئذ فليس المقتضي لليقين حال الشّك عين المقتضي له في الزّمان السّابق لاختلاف الصّغرى الموجب لاختلاف المقتضي كما أنّ في ما فرضه القوم أيضا المقتضي مختلف باختلاف الكبرى أو باختلاف المقدمتين وأجيب عنه بأنّ معنى فرض عدم الشّك فيما فرضه المحقق المذكور هو ملاحظة الزّمان المذكور بعنوان أنّه نهار ولا ريب أنّ ثبوت الحكم له بهذا العنوان مستند إلى الكبرى فقط لا إلى المقدمتين المذكورتين فإنّ النّتيجة فيهما هي ثبوت الحكم لذلك الزّمان من حيث هو لا بعنوان أنّه نهار وإن شئت فقل إنّ المتعارف في كلمات العلماء نسبة الحكم إلى الدّليل الّذي هو الكبرى دون مجموع المقدمتين كما يقال إنّ الدّليل على نجاسة الغسالة هو مفهوم قوله إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء مع أنّ الدّليل في الحقيقة هو أنّ الغسالة ماء قليل وكل ماء قليل ينجس بالملاقاة والثّاني هو مؤدى المفهوم المذكور وأمّا ما ذكره من جريان ذلك في استصحاب القوم فيرد عليه أنّ مراد المحقق هو أنّ الدّليل على الحكم على فرض عدم الشّك لا بد أن يكون هو الدّليل المثبت له في الزّمان الأوّل لا مطلقا وهذا لا يتحقق عند الشّك في الكبرى إذ لو فرض عدم الشّك لكان الحكم ثابتا لكن بدليل آخر لا بالدليل الأوّل إذ المفروض اختصاصه بالزّمان الأوّل وقد يورد على المحقق المذكور بأنّه يمكن فرض ما ذكره في صورة ثبوت استمرار الحكم في الجملة أيضا كما في مثاله الّذي ذكره من أنّ وجوب الاجتناب عن محل النّجو ثابت قبل استعمال الحجر الواحد وأمّا بعده فمحل شكّ لا من جهة الشّكّ في حصول الغاية المعلومة بل في كون ذلك غاية أيضا وفي مثله لا يجري الاستصحاب فيقال هنا أيضا قد ثبت وجوب الاجتناب عن النّجاسة قبل

٤٤٣

حصول المطهر الشّرعي إجماعا والشّكّ في زوالها بالحجر الواحد شكّ في حصول المطهر الشّرعي فيكون شكا في تحقق الغاية المعلومة وفيه أنّه ليس هناك خطاب بهذا العنوان في الشّرع حتى يكون الشّكّ في تحققه في الخارج وإنّما هو أمر منتزع من الأمر بالاجتناب عن جملة من الأشياء وزوال هذا الحكم بجملة من الأمور فانتزع عنوان النّجاسة من الأوّل والمطهر من الثّاني فإذا دل الدّليل على ثبوت وجوب الاجتناب إلى زمان خاص فنقول إنّه محكوم بالنّجاسة إلى ذلك الزّمان ولا دليل على النّجاسة بعده فيثبت الطهارة بالقاعدة سواء سمي وصول ذلك الزّمان مطهرا أو لا وهذا نظير ما يقال من أنّه لا يمكن التّمسك بعموم قوله تعالى أوفوا بالعقود على اللّزوم ولا الصّحة في العقد المشكوك للقطع بخروج العقود الجائزة والفاسدة عنها فالشّكّ إنّما هو في صدق المخصص وإجماله يسري إلى العام ودفعه ظاهر إذ لم يرد مخصص بهذا العنوان حتى يوجب إجماله العام بل مقتضى العموم الحكم بصحة جميع أفراد العقود ولزومها فكل ما دل الدّليل على خروجه بالخصوص عن العموم حكم بفساده أو جوازه وما شك فيه فإنّما هو الشّك في خروجه وعدمه وأصالة عدم التّخصيص تقتضي العدم ولو أمكن هذا الكلام لأمكن أن يقال في جميع العمومات إنّها مخصصة عقلا بعنوان الخارج الواقعي فيرجع الشّك في خروج شيء إلى الشّكّ في المخصص لا التّخصيص فيسقط أصالة عدم التّخصيص عن الاعتبار وفساده غني عن البيان وأمّا ما ذكره من إجراء قاعدة الاشتغال في المقام مع إجراء الاستصحاب فتحقيقه موقوف على فهم الفرق بينهما والنّسبة فنقول معنى القاعدة حكم العقل عند اليقين بالتّكليف بوجوب تحصيل اليقين بالإطاعة حذرا من الوقوع في ضرر العقاب المترتب على مخالفة الواقع فليس في مجراها حكم سوى الواقع ولا عقاب إلاّ على مخالفة الواقع وأمّا الاستصحاب فمعناه حكم الشّارع ببقاء المتيقن السّابق في الزّمان الثّاني ليترتب عليه أحكامه الثّابتة له في حال اليقين فالفرق بين المفهومين من وجوه ثلاثة أحدها أنّ الحكم بالاحتياط مترتب على نفس اليقين السّابق من غير حاجة إلى إحراز بقاء المتيقن في الزّمان المتأخر الثّاني أنّ موضوع حكم القاعدة هو محض احتمال بقاء التّكليف لا نفس البقاء بخلاف الاستصحاب الثّالث أنّه لا يترتب على مخالفتها إلاّ الضّرر الواقعي لو فرض ترك الواقع بترك الاحتياط بخلاف الاستصحاب فيترتب على مخالفته العقاب وإن فرض تخلفه عن الواقع وأمّا بحسب المورد فقد يقال بأنّ النّسبة عموم من وجه فيجري القاعدة فقط عند دوران الحكم بين الأقل والأكثر الارتباطي عند ضيق الوقت إذ لا مجرى للاستصحاب بعد إتيان الأقل لخروج الوقت والاستصحاب فقط في مثل حرمة وطي الحائض بعد انقطاع الدّم لعدم ثبوت الاشتغال اليقيني إلاّ بالتحريم قبل الانقطاع ويجريان معا عند الشّك في إتيان صلاة الظّهر مثلا بعد اليقين بتعلق التّكليف فوجوب إتيانها ثابت للاستصحاب ولتحصيل اليقين بالامتثال وقد يناقش في ذلك بأنّه لا وجه لتخصيص الفرض الأوّل بصورة ضيق الوقت بل كل ما فرض دوران الأمر بين شيئين في المكلف به فهو

٤٤٤

مجرى القاعدة دون الاستصحاب إذ لو كان وجوب الاحتياط من لوازم التّكليف المعلوم بالإجمال فهو ثابت بنفس اليقين السّابق فلا معنى لترتبه على استصحاب ذلك التّكليف وإن لم يكن من آثاره فلا ينفع إبقاؤه في الحكم بوجوب تحصيل اليقين بالامتثال وإن أريد الحكم بأنّ الواجب الواقعي هو ما لم يفعل أولا من جهة استصحاب التّكليف بعده فهو أصل مثبت لا اعتبار به وكذا لا وجه لجعل الصّورة الأخيرة من مجرى القاعدتين بل هناك أيضا لا يجري إلاّ قاعدة الاشتغال لكفاية اليقين السّابق في الحكم بوجوب تفريغ الذّمة فلا يترتب على الاستصحاب وقد يقال بل لأنّه لا يترتب على استصحاب التّكليف وجوب الإطاعة لأنّه من الأحكام العقليّة الغير القابلة للجعل بالاستصحاب وفيه أنّ الجعل الاستصحاب إذا تعلق بالموضوع الخارجي كان معناه جعل الأحكام أو الآثار فيختص بالأحكام القابلة بخلاف الاستصحاب الحكمي فإنّ المنجعل فيه هو نفس الحكم الشّرعي في مرحلة أيضا فيترتب عليه وجوب الإطاعة عقلا لثبوت موضوعه واقعا لا لثبوت نفسه بالاستصحاب فافهم وعلى هذا فيكون بين القاعدتين التّباين الكلي وفيه نظر لأنّا وإن سلمنا ثبوت وجوب الامتثال بالقاعدة لكنّه لا يمنع من إثبات بقاء الوجوب الشّرعي بالاستصحاب ويترتب عليه ترتب العقاب على ترك الإتيان وإن فرض كونه إتيانه في الواقع بخلاف الوجوب الثّابت بالقاعدة فإنّه حكم إرشادي عقلي لا يترتب على مخالفته شيء إلاّ الوقوع في مفسدة ترك الواقع وكذا يترتب على الاستصحاب عدم جواز الاشتغال بالتّطوع لثبوت بقاء الخطاب شرعا ولا يترتب ذلك على القاعدة لعدم ثبوت الوجوب الشّرعي وهذه الفائدة تثبت في صورة دوران الأمر بين الأمرين أيضا كما لا يخفى ثم إنّ المحقق المذكور قد ذكر جريان قاعدة الاشتغال عند ثبوت الحكم إلى غاية معينة في الواقع مطلقا في الوضعي والاقتضائي والتّخييري وذكر أنّ الأوّل راجع إلى الثّاني وأنّ الحكم في الثّالث أوضح واعترض عليه بعضهم بأنّ الحكم التّكليفي المستمر إلى غاية إمّا أمر أو نهي ففي الأمر يتم إجراء القاعدة عند الشّكّ في الغاية مطلقا وأمّا النّهي فلا وذلك لأنّ التّحريم المستمر إلى غاية إمّا يفرض متعلقه أمرا مستمرا إلى الغاية أو أمورا متعددة فعلى الثّاني يرجع الشّكّ في الغاية إلى الشّكّ في التّكليف والأصل فيه البراءة وعلى الأوّل إمّا يقال بحرمة التّلبس أو بحرمة المجموع فعلى الأوّل المتيقن هو الأقل فهو الحرام دون الأكثر وعلى الثّاني المتيقن هو الأكثر لأصالة عدم تحقق المعصية بالأقل للشّكّ في صدق المحرم عليه وفيه نظر لأنّه إذا تعلق النّهي بأمر مركب وشكّ في مصداقه وجب اجتناب كل ما يحتمل أن يكون مصداقا له إذا دار بين أمور محصورة لتحصيل الامتثال القطعي وكون الأكثر متيقنا إن أراد أنّه من جملة المصاديق يقينا فممنوع لاحتمال كون المصداق هو الأقل وحينئذ فلا يكون الأكثر مصداقا بل هو مشتمل على المصداق فإنّ الإمساك المستمر إلى نصف اللّيل ليس مصداقا للصّوم بل هو مشتمل على مصداق الصّوم الّذي هو الإمساك

٤٤٥

إلى الغروب وإن أراد أنّه يقيني الحرمة لأنّه إمّا مصداق أو مشتمل عليه ففيه أنّ تركه حينئذ إنّما يوجب انتفاء المخالفة القطعيّة وهو غير كاف بل اللازم هو الامتثال القطعي ولا يحصل إلاّ بتركهما معا فالحائض إذا علمت بحرمة الصّلاة عليها وشكّت في جزئيّة السّورة للصّلاة وقلنا بأنّ اللازم هو ترك مجموع الصّلاة لا ترك التّلبس فحينئذ يجب عليها ترك الصّلاة مع السّورة وبدونها ولا يجوز لها فعلها بلا سورة لاحتمال كونها مصداق الصّلاة المنهي عنها كاحتمال كون المصداق الصّلاة مع السّورة فيجب عليها تركها معا ولا يجوز الرّجوع في الأقل إلى أصالة عدم تحقق المعصية وإلاّ لجرى بالنّسبة إلى ارتكاب بعض أطراف الشّبهة المحصورة مع أنّه لا يجوز ارتكابه فافهم ثم إنّ ما ذكره المحقق من أنّ الأمر في التّخييري أوضح إن أراد به إثباته عند الشّك في الغاية بقاعدة الاشتغال فهو باطل لأنّها لا تجري إلاّ في التّكليف الثّابت لا في الإباحة وتوجيهه بوجوب الاعتقاد بكونه مباحا إلى الغاية الواقعيّة غير نافع لإثبات وجوب اعتقاد كونه مباحا في زمان الشّك لأنّه فرع ثبوت موضوعه والمفروض أنّه مشكوك مع أنّه قد يكون الفعل بعد الغاية حراما أو واجبا فيجب تبديل الاعتقاد في زمان الشّك إلى الحكم المتأخر بقاعدة الاشتغال حسب ما قرره إذ لا مرجح للحكم السّابق ومع التّساوي فالواجب هو التّوقف عن الحكم الشّرعي والإذعان بالحكم الكلي وهو حاصل بعد الغاية أيضا وإن أراد إثباته عند الشّك بحكم العقل ولو بغير قاعدة الاشتغال كأصالة البراءة أو الإباحة فهو متجه لكن قد أورد عليه أنّه قد يكون حكم ما بعد الغاية الحرمة مثلا فيجب في زمان الشّكّ الحكم بالحرمة لقاعدة الاشتغال بالنّسبة إلى ذلك التّكليف كما إذا ثبت إباحة الأكل مستمرا إلى طلوع الفجر الواقعي في رمضان فإذا شك في طلوع الفجر كان أصالة إباحة الأكل معارضة بقاعدة الاشتغال بالصّوم إذ لو أكل حينئذ احتمل وقوعه في الصّبح فلا يحصل الامتثال لخطاب صم من الفجر إلى اللّيل مع تسليم تعلقه بالمكلف في اللّيل والثّاني مقدم لأنّ الإباحة الذّاتيّة تجتمع مع الحرمة المقدميّة هذا مع أنّ أصالة الإباحة لا تجري في الإباحة المستفادة من خطاب الوضع كإباحة التّصرف في مال الغير المستفادة من إذنه في التّصرف إلى غاية واقعيّة فعند الشّك في تحققها لا يجوز إجراء أصالة الإباحة لأنّها لا تثبت إذن المالك في زمان الشّكّ ومتى شك في الإذن حرم التّصرف بالعقل والنّقل فلا ينفع هنا إلاّ استصحاب الإذن إن كان جاريا فافهم ثم إنّ ما ذكره من رجوع الأحكام الوضعيّة إلى الشّرعيّة هو أحد القولين في المسألة ولا بأس بتنقيح القول فيه فنقول إنّ الحكم الوضعي عبارة عن النّسب الشّرعيّة الّتي من شأنها أن تؤخذ من الشّارع ولا يكون طلبا ولا تخييرا كالشّرطيّة والمانعيّة والسّببيّة للأحكام أو للمطلوبات والجزئيّة والصّحة والفساد والطهارة والنّجاسة والحدث والجنابة والضّمان والملكيّة والزّوجيّة والحريّة والرّقيّة ولا نزاع في أنّ مفاهيم هذه

٤٤٦

الأمور غير مفهوم الطلب ولا في أنّ من شأنها أن تؤخذ من الشّارع ولا في أنّ هناك خطابات في الشّرع متعلقة ببيان هذه الأمور بل النّزاع إنّما هو في أنّها منجعلة تبعا لجعل الأحكام التّكليفيّة أو لا بل هي مجعولة أصالة فقيل بالأوّل لوجوب جعل التّكليف عقلا وشرعا وهذه الأمور تنجعل قهرا بجعل التّكاليف الواقع على أنحاء شتى من إطلاق الطلب وتعليقه على حال أو وصف أو زمان وإطلاق المطلوب أو تقييده بوجود شيء أو عدم شيء أو كونه بسيطا أو مركبا فينتزع الشّرطيّة والمانعيّة والسّببيّة للطلب من تعليق الطلب معلقا للمطلوب بتعليق الطلب بأمر مع اعتبار التّقييد بما ذكر والجزئيّة بتعلقه بأمر مركب وإذا انجعلت قهرا فلا وجه لجعلها مستقلا فإنّه تحصيل للحاصل مع أنّا لا نتعقل من إنشاء شرطيّة شيء للطلب إلاّ إنشاء الطّلب عند حصوله وكذا من شرطيّته للمطلوب إلاّ إنشاء طلب وارد على أمر مقيد وكذا البواقي مضافا إلى ملاحظة العرف والعادة فإنّا نراهم لاحظون في خطاباتهم وإنشاءاتهم إلاّ أمورا تكليفيّة ينجعل بها هذه الأمور تبعا نعم بعض تلك الأمور خارجيّة مستأصلة لا مدخل لإنشاء الشّرع فيها لكن لما كان وجودها وأسبابها الواقعيّة ربما يخفى على المكلفين بينها لهم الشّرع كالحدث والطهارة وأسباب الملك والزّوجيّة ونحو ذلك فليس فيها إنشاء من الشّرع أصلا حتى يكون طلبا أو أمرا آخر وقيل بالثّاني نظرا إلى ثبوت الوضعيّات في موارد انتفاء التّكليفي فإنّ الصّغير إذا بال يكون محدثا إذا تلف مال غيره فهو له ضامن وإذا باع له الولي صار مالكا ولا تكليف بالنّسبة إليه وأجيب بأنّها أيضا منتزعة من التّكاليف غاية الأمر عدم تعلقها بالصّبي وهو غير قادح إذ يكفي انجعالها بتعلق التّكليف بالولي بأداء قيمة المال المتلف من أمواله وحفظ الثّمن له أو بتعلقه بالصّبي بعد البلوغ فإنّه لما دل الخطاب التّكليفي على أنّ البالغ الّذي بال قبل بلوغه يجب عليه الوضوء انتزع منه أنّ الصّبي يكون محدثا بالبول وهكذا وأمّا الملكيّة فهي من الأمور الواقعيّة كما سبق ويمكن دعوى ذلك في مثل الحدث والضّمان أيضا على إشكال في الأخير أقول إن أراد القائل بالانتزاع أنّها منتزعة من نفس التّكاليف فباطل جدا لأنّ الشّرطيّة غير الوجوب مفهوما وذاتا وإنّما أمر منتزع من تعليق الوجوب أو تقييد الواجب والأوّل حاصل مع الوجوب والثّاني قبله لاعتباره في متعلقه والتّعليق والتّقييد اعتباران حادثان زائدان على نفس الوجوب فإن أراد القائل بالجعل الأصلي هذا المعنى فهو الحق الّذي لا مناص عنه وإن أراد أنها أمور ملحوظة بمفاهيم مستقلة مجعولة فهو غير لازم قيل ويظهر الثّمرة عند الشّك في الشّرطيّة والجزئيّة فعلى القول بالجعل المستقل يجري أصالة عدمه وعلى القول بالتبعيّة يرجع الشّكّ إلى تعلق الطلب بالمطلق أو بالمقيد وبالبسيط أو المركب ولا يتعين شيء منهما بالأصل أقول ويظهر من ذلك قوة القول بالاستقلال بالوجه الّذي قررناه لأن أصالة عدم التّقييد من الأصول الاتفاقيّة ويلزم على القول

٤٤٧

بالتبعيّة عدم جريانها لأنّها مثل أصالة عدم الشّرطيّة بل هي هي إلاّ أن يقال إنّ ذلك من الأصول اللّفظيّة الّتي مرجعها إلى أصالة عدم ذكر القيد في كلام المطلق فيحمل المطلق على الإطلاق إمّا لأصالة الحقيقة أو لقبح التّكليف بلا بيان فلا دخل له بما نحن فيه لكن يمكن أن يقال إنّه لا شبهة في جريانه في مقام فقد اللّفظ المطلق أيضا غاية الأمر أنّه من الأصول المثبتة لأنّ تعلق التّكليف بالمطلق من اللّوازم العقليّة لعدم ملاحظة القيد وهذا غير أنّه من مسألة الشّكّ في الحادث الّذي لا يجري فيه الأصل أصلا فتأمل جدا وقد يقال تحقق الثّمرة أيضا في نفي الجزئيّة والشّرطيّة في حالة السّهو والنّسيان أو الجهل بحديث الرّفع فإنّ المراد منه رفع الأمر الشّرعي القابل للجعل والرّفع دون الأمور العقليّة والشّرعيّة المترتبة عليها فإن قلنا بأنّ الجزئيّة مجعولة للشارع أمكن دعوى رفعها عن النّاسي وأخويه وإن قلنا بأنّها انتزاعيّة عقليّة فلا معنى لرفعها إلاّ رفع الحكم التّكليفي المتعلق بالمركب في حالة العذر وهو مسلم لقبح تكليف الغافل لكنّه لا يجدي في مطلوبيّة العمل النّاقص بخلافه على الأوّل فتأمل هذا تمام الكلام فيما يتعلق بما ذكره المحقق الخوانساري رحمه‌الله غير أنّه بقي الكلام في النّظر فيما ذكره من معنى النّقض وأنّه مختص بما فرضه دون استصحاب القوم أو لا فنقول إنّ حاصل ما ذكره هو في معنى النّقض هو أنّ المراد بنقض اليقين هو مخالفة اليقين السّابق أي العمل بخلاف مقتضى الدّليل الأوّل ولما كان معنى النّقض هو رفع اليد عن الشّيء الثّابت فعلا وهذا المعنى لا يمكن تحققه في زمان الشّكّ بنحو القطع وجب أن يقال بكونه مستعملا في مطلق رفع اليد عن الشّيء في زمان الشّكّ في بقائه إذا احتمل كونه مخالفة للدليل الأوّل واقعا وذلك لأنّه نقض في كثير من الأحوال فأطلق اسم النّقض عليه باعتبار الغالب فرضا لوجود الوصف في الفاقد أو لتنزيل الفاقد منزلة عدمه وهذا باب شائع في المحاورات وهو السّر في حكمهم بأنّ الوصف الوارد مورد الغالب لا يوجب تخصيص الحكم بواجد الوصف كقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم واعترض عليه بعضهم بأنّ إرادة هذا المعنى من النّقض وهو رفع اليد عن الشّيء المحتمل الثّبوت لا يتصور بالنّسبة إلى نقض اليقين باليقين لعدم احتمال ثبوت المتيقن السّابق حينئذ ولا وجه للتفكيك بين النّقضين فيجب حمل النّقض على معنى يشملهما بحيث يكون قريبا من المعنى الحقيقي وهو ليس إلاّ رفع اليد عن الشّيء الّذي من شأنه الثّبوت ويكون الشّك حينئذ في خصوص الرّافع فإنّ رفع اليد في مثل ذلك لا يجوز بالشّكّ في الرّافع ويجوز باليقين به فيكون مفاد الخبر الاستصحاب في خصوص موارد الشّك في الرّافع دون وهذا أحد الأقوال في مسألة الاستصحاب أقول والتّحقيق أنّ ما ذكره المحقق الخوانساري رحمه‌الله غير صحيح مضافا إلى ذلك من جهة أنّ النّقض ليس معناه مخالفة اليقين بل المراد به هدم البناء الّذي عقده الشّخص بسبب اليقين وهذا البناء أمر يستمر فعلا لو لم ينقضه الشّخص بنفسه ولما كان قيد

٤٤٨

الزّمان غير ملحوظ في مورد اليقين والشّكّ صدق توارد اليقين والشّكّ على موضوع واحد ويكفي ذلك في تحقق معنى النّقض كنقض العهد فهو مستعمل في معناه الحقيقي والمراد باليقين إمّا المتيقن مجازا أو بحذف المضاف أي متعلق اليقين والمراد بالخبر أنّه إذا بنى المكلف على شيء بسبب اليقين فلا يهدم ذلك البناء بالشّكّ في بقائه فلا وجه لحمل النّقض على المخالفة ليختص مورده بصورة شمول الدّليل الأوّل لحال الشّكّ بعنوان كلي كما يقوله الخوانساري ره ولا لحمله على رفع اليد عن الأمر الثّابت استمراره شأنا ليختص بالشّكّ في الرّافع فإنّ جميع ذلك موجب للتّخصيص في لفظي اليقين والشّكّ بلا ضرورة داعية إليه ولو سلم كون ما ذكرنا من معنى النّقض خلاف ظاهره فلا ريب أنّ تخصيص متعلق النّقض أيضا خلاف الظّاهر وإذا دار الأمر بين التّصرف في الفعل أو في المتعلق فمقتضى نظائره تقديم الأوّل كقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم فإن حمل أموالكم على العموم سبب لحمل الأكل على معنى التّصرف ولا يوجبون ظهور الأكل في معناه سببا لتخصيص الأموال بالمأكولات فتأمل جدا ومنها أنّه هل يختص مفاد الخبر بالأحكام أو يجري في الموضوعات أيضا الحق هو الثّاني للعموم وقد يقال باختصاصه بالأوّل لأنّ بيان الموضوعات ليس من شأن الشّارع ويدفعه أوّلا أنّه إن أراد بالموضوعات ما يقابل بالأحكام الكليّة فلا ريب أنّه مستلزم لتخصيص مورد الخبر فإنّه الشّكّ في بقاء الطّهارة الجزئيّة وإن أراد ما يقابل مطلق الأحكام فيرد عليه النّقض بالأحكام الجزئيّة فإنّ بيانها أيضا ليس من وظيفة الشّارع وثانيا أنّ بيان أنّ الحكم في صورة الشّك في بقاء الموضوع هل هو البناء على الحالة السّابقة أو نقضها ليس إلاّ وظيفة للشّارع وهو ظاهر ومنها أنّه هل يختص مفاده بغير الأحكام الكليّة أو لا قد يقال الأوّل إمّا لأنّ الشّكّ في الحكم الكلي إنّما يجري فيه أخبار التّوقف والاحتياط كما يظهر من الأخباريين وإمّا أن الشّك في بقاء الحكم ليس إلاّ من جهة تبدل حالة أو وصف يحتمل مدخليّته في ثبوت الحكم وهو معتبر في الموضوع فيكون الشّكّ راجعا إلى بقاء الموضوع فلا يتحقق نقض اليقين بالشّكّ ولا يكون الحكم بثبوت الحكم للموضوع الثّاني إبقاء للحكم الأوّل حقيقة ودعوى كفاية الوحدة العرفيّة ممنوعة لأنّها وحدة تسامحا وهي إنّما توجب صدق النّقض تسامحا والمنهي عنه إنّما هو النّقض الحقيقي وهو لا يفرض إلاّ في صورة الشّك في الرّافع لأنّه إنّما يرفع الحكم بعد تحققه لموضوع عن ذلك الموضوع بعينه فيكون نقضا وليس عدم الرّافع معتبرا في الموضوع وإلاّ لتبدل الموضوع بوجوده فلا يكون الرّافع رافعا هذا خلف وفي الجميع نظر أمّا الأوّل فلمنع جريان أخبار التّوقف في مجاري الاستصحاب كما قرر في محله وأمّا الثّاني فلمنع مدخليّة الأوصاف والأحوال في الموضوع بل الموضوع ربما يكون ذات الشّيء والحالات والأوصاف إنّما تعتبر علة أو زمانا لثبوت الحكم للموضوع فإذا شك في كونها علة أو ظرفا للحدوث فقط أو له وللبقاء يتحقق الشّكّ بعد زوالها في بقاء

٤٤٩

الحكم لذلك الموضوع بعينه فيصدق النّقض حقيقة لا تسامحا وأمّا أنّ الموضوع ما ذا فالمرجع فيه ظاهر الخطابات الشّرعيّة أو نظر العرف ولا يوجب ذلك كون الوحدة مسامحة عرفيّة حتى يقدح في صدق النّقض حقيقة وبهذا التّقرير يتضح إمكان جريان الاستصحاب في الأحكام العقليّة أيضا كما أشرنا إليه سابقا بل لنا أن نقول بأنّ ظاهر الخبر المنع عن كل ما يكون نقضا عرفا كما هو الشّأن في مداليل الألفاظ ويكفي في صدقه عرفا الوحدة العرفيّة فلا حاجة إلى تحصيل الوحدة الحقيقة بالوجه الّذي قررناه ومن هنا يتجه استصحاب الكريّة في الماء بعد أخذ مقدار منه مع فقد الوحدة الحقيقة هنا قطعا ومنها هل يجري في مطلق الأحكام الشّرعيّة أو يختص بالوضعيّات قد يتوهم الثّاني نظرا إلى عدم تحقق الشّك في البقاء بالنّسبة إلى التّكليفيّات وضعفه ظاهر كما بيناه مفصلا في الرّسالة الاستصحابيّة ومنها أنّه هل يختص بالمنجزات أو يجري في المعلقات أيضا الحق هو الثّاني للعموم فيجري استصحاب كون العصير مما ينجس بالغليان في عصير الزّبيب بعد ثبوت هذا الحكم له حال كونه عنبا فيحكم بنجاسته للاستصحاب ويقدم هذا الاستصحاب على استصحاب طهارته الثّابتة له قبل الغليان كما يقدم استصحاب نجاسة الثّوب على استصحاب طهارة ملاقيه وهو ظاهر وسيأتي تحقيقه فيما بعد إن شاء الله ومنها هل يجري في الوجوديّات والعدميّات أو لا الحق هو الأوّل للعموم وقد يقال بأنّه مختص بالعدميّات والوجوديّات الّتي يكون الشّك في بقائها ناشئا عن الشّك في الواقع والمانع نظرا إلى عدم النّقض إلاّ فيما إذا كان المتيقن مستمرا لو لا الرّافع وهذا هو المتحقق في العدميّات مطلقا وفي القسم المذكور من الوجوديّات مضافا فيه إلى أنّ الشّك في المانع مع تحقق المقتضي لا يعتنى به عند العقلاء وقد قال الرّئيس كل ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان ما لم يذدك عنه قائم البرهان فإنّ وجود المانع موجب لعدم إمكان المقتضي بالفتح فمقتضى قاعدة الإمكان الحكم بعدمه فيؤثر المقتضي أثره وفيه منع توقف صدق النّقض على ذلك والسّند قد تقدم وما ذكره من قاعدة الإمكان ليس المراد به ما ذكره بل المراد به الحكم بالإمكان في مقابل الوجوب والامتناع الذّاتيين دون الإمكان الفعلي في مقابل الامتناع الفعلي كيف وهذا مما لم يقم عليه دليل أصلا وقد حمل كلام الرّئيس على أنّ المراد الحكم بالاحتمال في مقابل الجزم بأحد الطرفين من غير دليل وكيف كان فلا ربط له بمسألة الاستصحاب ولو تم لاقتضى الحكم بوجود المقتضي بالفتح عند الشّكّ في المانع مطلقا وإن لم يكن له حالة سابقة ثم إنّ القول بجريانه في مطلق العدميّات يستلزم القول بجريانه في الوجوديّات أيضا بمعنى أنّه يترتب الأمر الوجودي المتيقن سابقا على استصحاب عدم أضداده فلا فائدة في منعه في الوجودي بعد تسليمه في العدمي سيما على القول باعتباره من باب الظّن نعم على القول بالتعبد قد يثمر فيما إذا لم يكن الوجودي من الآثار الشّرعيّة للعدم السّابق فإنّ استصحابه لا ينفع في ترتيبه على التّحقيق من عدم اعتبار الأصول

٤٥٠

المثبتة وسيأتي زيادة تحقيق لهذه الأمور إن شاء الله الثّاني من الأخبار الواردة في المضمار رواية أخرى لزرارة أيضا صحيحة قال قلت له عليه‌السلام أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني فعلمت أثره إلى أن قال فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال عليه‌السلام تغسله ولا تعيد الصّلاة قلت ولم ذلك قال لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشّكّ الحديث ودلالتها على اعتبار الاستصحاب واضحة والكلام في عموم اليقين والشّكّ وعموم النّقض ما تقدم في الخبر السّابق ولإضمار فيه غير قادح كالسّابق لجلالة شأن الرّاوي وطريقة السّؤال والجواب قيل ويستفاد منها مع حجّيّة الاستصحاب أمران أحدهما أنّ الأمر الظّاهري الناشئ من الاستصحاب مفيد للإجزاء وإلاّ لما كان وجه لترك الإعادة بعد حصول اليقين بسبق النّجاسة الكاشف عن مخالفة العمل للواقع والثّاني صحة عمل الجاهل الدّاخل في العمل مع جهله بأنّه مطلوب منه واعترض على الأوّل بأنّه لو كان المراد ذلك لقال وما كان ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشّكّ حتى يكون ترك الدّخول نقضا إذ ليس الإعادة بعد اليقين يسبق النّجاسة نقضا لليقين إلاّ باليقين لا بالشّكّ كما في الخبر فيكون هذا الكلام شاهدا على أنّ مورد السّؤال هو رؤية النّجاسة بعد الفراغ مع احتمال طروها حينئذ فإنّ الإعادة حينئذ نقض لليقين بالشّكّ ويمكن دفعه بأنّ المراد أنّ الإعادة ملزومة لعدم الإجزاء وهو ملزوم لعدم الأمر الظّاهري لأنّ الأمر يلزمه الإجزاء عدم الإجزاء لا يكون إلاّ لعدم الأمر وعدم الأمر ليس إلاّ بتجويز نقض اليقين بالشّكّ فيكون الإعادة بضميمة تسليم أنّ الأمر الظّاهري يلزمه الإجزاء يكون نقضا لليقين بالشّكّ وحيث إنّ ظاهر السّؤال حصول اليقين بسبق النّجاسة فلا مناص عن التزام التّسليم المذكور ليتجه التّعليل فالأولى في الاعتراض أن يقال إنّ عدم الإعادة يحتمل أن يكون من جهة تحقق الطّهارة الشّرعيّة الّتي هي شرط واقعي للصّلاة ويكون التّعليل من جهة أنّ الإعادة يستلزم منع وجود الطّهارة الشّرعيّة حال الصّلاة وهو معنى نقض اليقين بالشّكّ فلا يتعين حمل الخبر على كون الأمر الظّاهري للإجزاء كما لا يخفى واعترض على الثّاني بأنّه سؤال عن واقعة مفروضة لا محققة حتى يدل على كفاية عمل الجاهل والأولى أن يعترض بأنّه إنّما سئل عن صحة العمل بعد انكشاف وجود النّجاسة حال الصّلاة فلا دلالة في الجواب ولا في السّؤال على أنّه كان جاهلا بجواز الدّخول في العمل باستصحاب الطّهارة اللهم إلاّ مع التّوجيه الّذي ذكرنا من أنّ السّؤال إنّما يرجع إلى أنّه هل كان مأمورا بالدّخول أو متطهرا شرعيّا حتى لا يجب الإعادة لموافقة الأمر الظّاهري أو لوجود الشّرط الواقعي أو لا والجواب راجع إلى إثبات ذلك وإلاّ لزم نقض اليقين بالشّكّ وحينئذ فيكون في السّؤال دلالة على جهله بالأمر في الأوّل وبوجود الشّرط شرعا في الثّاني وعليها فيثبت المطلوب فتأمل وهناك أخبار أخر قد تمسكوا بها في مسألة الاستصحاب وفيما ذكرنا كفاية وهنا فوائد أحدها مقتضى الصّحيحتين وغيرهما من أخبار الباب جريان الاستصحاب في صورة الظّن بالبقاء والشّكّ فيه والظّن بالارتفاع جميعا لوجوه منها أنّ الشّكّ لغة خلاف اليقين

٤٥١

فيشمل الصّور الثّلاث ومنها قوله في الخبر الأوّل فإن حرك إلى جنبه شيء فإنّه من أمارات النّوم ومنها قوله عليه‌السلام لا حتى يستيقن أنّه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بين ومنها قوله عليه‌السلام ولكن ينقضه بيقين آخر ومنها قوله في الخبر الثّاني فإن ظننت أنّه إضافي مضافا إلى عدم ظهور القول بالفصل بين القائلين باعتباره من جهة الأخبار والمراد بالظّنّ بالارتفاع الظّنّ الغير المعتبر وأمّا الظّن الّذي قام الدّليل على حجّيّته فيقدم على الاستصحاب وينقض به اليقين السّابق لحكومة دليله على دليل الاستصحاب وسيأتي بيانه إن شاء الله الثّانية مقتضى إطلاق الأخبار السّابقة حجّيّة الاستصحاب مطلقا في الحكم والموضوع ومعناه في الحكم جعله بنفسه ظاهرا عند الشّكّ ويترتب عليه آثار ثبوت الحكم الشّرعي من وجوب الإطاعة وشبهه بأدلة ثبوته لا بدليل الاستصحاب ومعناه في الموضوع جعل آثاره ولوازمه الشّرعيّة ظاهرا وهذا الفرق هو لازم معنى عدم نقض اليقين بالشّكّ في الموضعين فلا يستلزم استعمال اللّفظ في معنيين وأمّا اللّوازم العقليّة والعادية وآثارهما الشّرعيّة والملزومات مطلقا وكذا الملازمات والأمور المقارنة للمستصحب اتفاقا بحسب خصوصيّة المقام فلا يترتب شيء منها على الاستصحاب كاستصحاب طهارة الإناء المردد بين البول والماء فإنّها لازمة شرعا لكونه ماء رافعا للحدث والخبث ورافعيّته للحدث ملازمة للطّهارة واستصحاب عدم المانع يلزم عادة وصول الماء إلى البشرة بالارتماس واستصحاب طهارة أحد الإناءين يقارنها نجاسة الآخر بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما فإنّ شيئا من ذلك لا يثبت بالاستصحاب على التّعبد وكذا على الظّن إلاّ اللّوازم العقليّة والعادية فإنّها تترتب على استصحاب للملزوم بناء على الظّن لأنّ الظّن بالملزوم يلزمه الظّن باللازم ولا يعارض بالعكس لأنّه من التّوابع كذا قيل وفيه نظر وأمّا في المقارنات فلا يجري مطلقا إلاّ إذا كان نفس المقارن متيقنا في الزّمان السّابق فيستصحب بنفسه مطلقا وكذا لو لم يكن له حالة سابقة أصلا فيمكن ترتيبه بناء على الظّن وكذا في البواقي وكيف كان فلا يثبت بالاستصحاب على المختار من حجّيّة على وجه التّعبد إلاّ الآثار الشّرعيّة الثّابتة للمستصحب بلا واسطة دون اللّوازم العادية والعقليّة وآثارهما وهذا هو المراد بعدم اعتبار الأصل المثبت لأنّ المتبادر من الأخبار تنزيل واحد لا تنزيل في تنزيل وذلك التّنزيل إنّما هو في الآثار الثّابتة أصالة إلاّ بواسطة شيء آخر أعني الواسطة في الثّبوت فلا يقدح الواسطة في العروض كاستصحاب عدم الدّين المترتب عليه وجوب الحج لواجد المال لثبوت الاستطاعة الشّرعيّة الّتي هي واسطة في عروض الحكم لعدم الدّين لأنّه جزء معنى الاستطاعة فهذا ليس بأصل مثبت ولا فرق في الآثار الشّرعيّة الثّابتة للشيء بين المنجزة والمعلقة كما سبق فلا يقدح استصحاب التّنجس بالغليان للعصير بعد صيرورة العنب زبيبا بخلاف استصحاب صحة الغسل بالارتماس الثّابتة عند عدم المانع لأنّها ليست من آثار عدم المانع أصلا بل هي من آثار وصول الماء إلى البشرة وهو موضوع آخر بخلاف استصحاب كون الشّيء منجسا بالملاقاة فإنّه من

٤٥٢

أحكام النّجس لا من أحكام الملاقاة فافهم وقد يقال إنّ مقتضى الأخبار فرض المشكوك متيقنا وترتب الآثار عليه مطلقا من غير فرق بين الآثار اللاحقة له من حيث اليقين السّابق أو من جهة الأمور الخارجة وهو ممنوع ويترتب على ذلك عدم حجّيّة أصالة تأخر الحادث الّتي مرجعها إلى أصالة عدم الحادث في السّابق فلا يترتب عليها أحكام تأخره عن شيء آخر لأنّه موضوع آخر وليس من الآثار الشّرعيّة للمتيقن نعم لو كان لأصل العدم السّابق حكم ترتب على استصحابه كما يترتب الأحكام الوجود اللاحق في الزّمان الثّاني لليقين وأمّا أحكام الحدوث الّذي هو ابتداء الوجود فهل يترتب على الأصل نظرا إلى أنّ الوجود متيقن والعدم قبله مستصحب فيثبت كونه حدوثا ومن أنّ ذلك من اللّوازم العقليّة وجهان والحق أنّ الحدوث عبارة عن الوجود المسبوق بالعدم فهو كالاستطاعة الّتي تحصل بأمرين وجودي وعدمي فإذا ثبت أحد جزأيه بالوجدان والآخر بالأصل ترتب عليه الأحكام ولذا يترتب أحكام أوّل الشّهر على استصحاب عدمه في اليوم الماضي أو على استصحاب الشّهر السّابق في يوم الشّكّ وليس ذلك بأصل مثبت الثّالثة قد يستصحب الصّحة في العبادات عند الشّكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيّته أو ناقضيّته إذا ترك نسيانا أو فعل كذلك ويترتب عليه نفي الجزئيّة والشّرطيّة والمانعيّة والنّاقضيّة واعترض عليه بأنّ الصّحة المستصحبة إن كانت صحة المركب فهي غير متحققة قبل إتمام العمل حتى تستصحب وإن كانت صحة الأجزاء السّابقة فلا يترتب عليها صحة المركب لأنّها من آثار إتيان المركب بجميع ما يعتبر فيه من الأجزاء والشّرائط وهو مشكوك ونفي جزئيّة المشكوك وشرطيّته باستصحاب صحة الأجزاء السّابقة باطل لأنّه ليس من لوازمه الشّرعيّة فالأصل بالنّسبة إليه مثبت كذا قرره بعض الأفاضل وناقش بعضهم في الاستصحاب المذكور بوجه آخر وهو أنّه لا مجرى لاستصحاب صحة الأجزاء السّابقة أصلا لأنّ صحة الجزء ليست إلاّ وقوعه جامعا لما يعتبر فيه بنفسه بحيث لو ضم إليه باقي أجزاء المركب بالشّرائط والآداب لحصل امتثال الكل وهي هنا غير مشكوكة إنّما الشّكّ في انضمام باقي الأجزاء فلا وجه للاستصحاب نعم لو حصل الشّكّ في انقطاع الهيئة الاتصاليّة المعتبر في العمل شرعا ببعض النّواقض أمكن استصحاب تلك الهيئة ويترتب عليه عدم ناقضيّته المشكوك وليس ذلك بأصل مثبت أقول ليس المراد بالهيئة الاتصاليّة الهيئة القائمة بأجزاء المركب لأنّها أمر ربطي لا تحقق لها إلاّ بتحقق الجزء السّابق واللاحق فقبل تحقق الجزء اللاحق لم يتحقق بينه وبين السّابق اتصال حتى يشك في انقطاعه بل المراد الهيئة الّتي اعتبرها الطّالب بين الأجزاء في ذهنه بالكيفيّة المخصوصة وإذا شرع المكلف في ذلك العمل فقد دخل في العمل وصدق عليه أنّه متلبس بالعمل إلى أن يخرج منه فإذا شك في أنّه هل خرج منه بالفراغ أو بأمر مناف لما اعتبره الآمر استصحب التّلبس المذكور الّذي هو أمر واحد مستمر موجود من المبدإ إلى المنتهى لو لا القاطع ثم إنّ غرضه من الفرق بين الشّكّ في القاطع والمانع مع اشتراكهما في الشّكّ

٤٥٣

في الانقطاع أنّه في الأوّل ليس الشّكّ في جامعيّة العمل للأجزاء والشّرائط فإنّ الجميع متحقق إنّما الشّكّ في بقاء التّلبس وعدمه فلا مانع من استصحابه بخلاف الثّاني لأنّ الشّكّ في التّلبس وعدمه ناش من الشّكّ في الإتيان بما يعتبر في العمل جزءا أو شرطا فاستصحاب التّلبس غير نافع بعد عدم إمكان نفي الجزئيّة أو الشّرطيّة وعدم إحراز كون العمل جامعا للأجزاء والشّرائط ولكن لقائل أن يقول بإمكان نفي الشّرطيّة باستصحاب الصّحة لكن بتقرير آخر بأن يقال إذا دخل في العمل على وجه الصّحة يقينا ثم فقد المشكوك الشّرطيّة أمكن أن يقال إنّ الأجزاء السّابقة قد كانت قبل فقد المشكوك متصفا بصفة وهي أنّها لو اتصلت بها الأجزاء اللاحقة لحصل المركب وسقط الأمر وبعد فقده يشكّ في بقاء هذه الصّفة لها فتستصحب لها هذه الحالة وبعبارة أخرى يجعل حال وجود الأمر المشكوك ظرفا لثبوت الحكم لا قيدا للمحكوم به حتى يقدح الشّكّ فيه في الاستصحاب بأن يقال قد كانت الأجزاء السّابقة بحيث لو ضم إليها الأجزاء الباقية حال وجود ذلك المشكوك لكان العمل مجزيا فإذا فقد ذلك الشّيء لم ينفع الاستصحاب في شيء ولكن ذلك الكلام لا يجري في الجزء المشكوك كما لا يخفى فتأمل الرّابعة الاستصحاب العرضي ليس بحجّة والمراد به كون الحكم المتيقن السّابق ثابتا من جهة غير الجهة المشكوكة البقاء كالحيوان المشكوك كونه نجس العين فإنّ نجاسته حال ولادته متيقنة لتلطّخه بالدم فإذا زال العين بمطهر أو مطلقا شك في بقاء النّجاسة لاحتمال كونه نجس العين ولا يجوز استصحاب النّجاسة لأنّ العرضيّة قد زالت والذّاتيّة غير ثابتة في السّابق والجهتان هنا تقييديتان يختلف بهما الموضوع وأمّا مع اتحاد الحكم وتعدد الجهة التّعليليّة فليس الاستصحاب فيه عرضيا نعم قد لا يجري من جهة أخرى كما إذا كان الجهة السّابقة علة للحدوث والبقاء معا فإنّه مع العلم بزوالها لا يمكن استصحاب الحكم إلاّ مع فرض احتمال قيام علة أخرى مقام العلة الزّائلة ولكن أصالة عدم تلك العلة حينئذ واردة على استصحاب المعلول إلاّ إذا فرض كون ترتب ذلك المعلول على عدم علته عقليّا أو عاديا فلا ينفع أصالة عدم العلة في ترتيب عدم المعلول شرعا وحينئذ فيبقى الشّكّ في بقاء المعلول فيمكن استصحابه ومما ذكرنا علم عدم جريان استصحاب الوجوب العيني لتقليد شخص كان المجتهد منحصرا فيه ثم وجد مجتهد آخر مفضول بالنّسبة إلى الأوّل فيقال مقتضى الاستصحاب المذكور وجوب تقليد الأعلم وذلك لأنّ علة العينيّة هي الانحصار وقد زالت والجهة الأخرى أعني الأعلميّة غير معلوم العليّة ابتداء وكذا في صورة تساوي المجتهدين ثم عروض الأعلميّة لأحدهما لا يمكن استصحاب التّخيير وبه يدفع وجوب تقليد الأعلم لأنّ علته التّساوي وقد زالت فافهم وكذا لا يمكن استصحاب النّجاسة في الجاري الّذي تغير لونه مع الشّكّ في تغير طعمه إذا زال تغير لونه مع الشّكّ في بقاء نجاسته لاحتمال بقاء تغير طعمه وذلك لأنّ الأصل عدم تغير طعمه ابتداء والمفروض زوال تغير لونه فلا يكون ماء متغيرا فيكون طاهرا شرعا وهذا الأصل

٤٥٤

مقدم على الاستصحاب وارد عليه الخامسة قد عرفت أنّ الاستصحاب ليس حجّة عند سراية الشّكّ إلى اليقين السّابق وأمّا حكم المسألة فقد يقع الكلام فيه تارة من حيث العمل السّابق وتارة من حيث الأعمال اللاحقة ومتعلق اليقين قد يكون حكما وقد يكون موضوعا وليعلم أنّه لا إشكال في صحة الأعمال السّابقة الّتي موضوع الصّحة فيها الاعتقاد واقعا نعم لو كان الموضوع الاعتقاد المستمر وجب الحكم بالبطلان وأمّا لو كان الموضوع هو الواقع أو الواقع المعتقد فمقتضى الأصل الأوّلي عند زوال الاعتقاد الحكم بفساد كل عمل ترتب على ذلك الاعتقاد سابقا ولاحقا للأصول المتعددة إنّما الكلام في المخرج عن هذا الأصل فنقول قد يقع الكلام في الحكم بصحة الأعمال السّابقة وقد يقع في الحكم بصحة الاعتقاد وموافقته للواقع ليحكم بثبوت المعتقد واقعا حتى بالنّسبة إلى الأعمال اللاحقة أمّا الأوّل فقد يقال إنّ مقتضى أدلّة الشّكّ بعد التّجاوز والفراغ الحكم بصحة ما مضى من الأفعال والحق فيه التّفصيل لأنّ المعتقد إمّا حكم أو موضوع وعلى التّقديرين إمّا يكون صورة العمل معلوما أو لا والمتيقن من مجاري الشّكّ بعد الفراغ هو الشّبهة الموضوعيّة مع عدم كون صورة العمل معلوما كما إذا لم يعلم أنّه هل قرأ السّورة في العمل أو لا مع علمه بأن كان معتقدا لقراءتها في محلها ليدخل في محل الكلام وإلاّ فهذا العلم غير شرط في جريان القاعدة فحينئذ لا يعتنى بهذا الشّكّ بعد التّجاوز لأنّه حين الفعل أذكر وأمّا مع علمه بأنّه ترك السّورة معتقدا عدم وجوبها ثم شك في الوجوب فلا مجرى لأدلة الشّكّ بعد الفراغ وكذا في الشّبهة الموضوعيّة مع العلم بصورة العمل كما لو علم أنّه لم يحرك الخاتم حال الغسل ثم شك أنّه هل تخلله الماء بنفسه أو لا وقد يدعى شمول العمومات لجميع أقسام الشّبهة الموضوعيّة ولا يخصصها التّعليل بالأذكريّة في بعض الأخبار وأمّا الشّبهة الحكميّة فلا وكذا الكلام لو تمسك بقاعدة حمل فعل المسلم على الصّحة بناء على جريانها في أعمال نفس الحامل وأمّا الثّاني فقد يقال بأنّ مقتضى أصالة الصّحة في أفعال المسلمين هو الحكم بصحّة الاعتقاد أيضا لأنّه عمل القلب ويلزمه الحكم بثبوت المعتقد في الواقع لأنّه معنى صحة الاعتقاد مع إمكان الحكم بثبوته من جهة الحكم بصحة الأعمال السّابقة المبتنية على وجود ذلك المعتقد فإنّ الحكم بصحتها مع عدم ثبوت المعتقد الّذي هو شرط للصّحّة غير ممكن ومن هنا ادعي الشّهرة بل نفي الخلاف على عدم وجوب تجديد النّظر على المجتهد إذ ليس له مبنى إلاّ الحكم بصحة الاعتقاد السّابق وثبوت المعتقد مع زوال الاعتقاد في الزّمان الثّاني لنسيان المدرك والشّكّ في صحته وقد يجري أصالة الصّحة في الاستناد إلى المدرك وذلك مخصوص بصورة نسيان المدرك بخلاف أصالة الصّحة في الاعتقاد فإنّها جارية حتى مع القطع بفساد المدرك والتّحقيق أن يقال إنّ قاعدة الحمل على الصّحة لا تنفع في تصحيح الاعتقاد الّذي فرضنا كونه طريقا إلى إثبات المعتقد لأنّ الحكم بثبوت المعتقد دائر مدار وجوده فمتى زال الاعتقاد كيف يحكم بثبوت المعتقد من غير طريق ولا فرق في ذلك بين العلم والظّنّ المطلق نعم لو

٤٥٥

كان المدرك هو الدّليل التّعبدي ونسيه في الزّمان الثّاني ثم شك في صحة الاستنباط منه والرّكون إليه أمكن التّمسك بالقاعدة وأمّا مع تذكره والشّكّ في اعتباره فلا تنفع فيه القاعدة أيضا كما عرفت وأمّا الحكم بثبوت المعتقد من جهة الملازمة مع صحة العمل فباطل جدا لأنّ الحكم بصحّة العمل من حيث وقوعه من المسلم أو مضى محله حكم ظاهري وما يلزمه ثبوت المعتقد هو الصّحة الواقعيّة وهي غير معلومة حتى يترتب عليها ثبوته وتوافق الحكم الظّاهري مع الواقعي في كل شيء حتى في اللّوازم العقليّة والعادية ممنوع وأمّا حكمهم بعدم وجوب تجديد النّظر على المجتهد ففيه تفصيل وذلك لأنّ المجتهد إذا التفت ثانيا إلى المسألة فإمّا أن يتذكر المدرك أو لا وعلى الأوّل فإمّا يقطع بفساده أو يشك فيه والحكم مع القطع بفساد المدرك هو تجديد النّظر بلا إشكال ومع الشّكّ فيه هو محل الكلام في المقام وقد عرفته نعم لو نسي المدرك أو ذكره واحتمل أنّه لو جدد النّظر فيه لحصل له رأي آخر لزيادة القوة في الاستنباط فهذا هو الّذي يظهر منهم القول بعدم اللّزوم لا لأصالة الصّحة بل للزوم العسر والحرج لعدم وقوعه على حد مخصوص لأنّه في ازدياد القوة كل يوم مع عدم الدّليل على وجوب الاجتهاد في كل مسألة أكثر من مرة لمحض ازدياد القوة فتأمل هذا آخر ما تيسر من تحرير ما أفاده الأستاذ العماد والعلم السّناد شيخ الإسلام وفقيه أهل البيت عليهم‌السلام العالم الرّباني المولى محمد حسين الأردكاني أعلى الله مقامه في غرف الجنان وأنزل عليه سحائب الغفران الأحقر العبد الجاني الفاني محمد حسين بن محمد علي الحسيني الشّهرستاني عفا الله عنهما ووقع الفراغ من هذه النّسخة في يوم الخميس ثالث عشر من رجب المرجب سنة ألف وثلاثمائة وثمان من الهجرة الشّريفة والحمد لله.

٤٥٦