غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

تدوينها ونشرها وحفظها لتكون مرجعا لمن يأتي بعدهم حذرا من تضييع من في الأصلاب هذا مع أنّ جملة من تلك الأصول قد عرضت على الأئمة عليهم‌السلام فصححوها فما ورد من الكذب والوضع والدّسيسة لا يقدح في القطعيّة لأنّها إنّما كانت قبل النّقد والانتخاب كيف وقد كان الأصحاب شكر الله تعالى سعيهم من زمان الصّادقين عليه‌السلام إلى زمان أرباب الكتب مما يقرب من ثلاثمائة سنة في غاية الاهتمام في تنقيح الأخبار وتهذيبها وحفظها حتى حكي أنّ محمد بن مسلم حفظ ثلاثين ألف حديثا عن الباقر عليه‌السلام وستة عشر ألفا عن الصّادق عليه‌السلام ويونس بن عبد الرّحمن ألف مائة كتاب في رد العامة وجابر بن يزيد حفظ سبعين ألفا مما أمر بنشره وروايته وسبعين ألفا مما أمر بكتمانه ونقل عن الحسن بن علي الوشاء أنّه قال إنّي أدركت في هذا المسجد مائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد حكي أنّ الرّواة عن الصّادق عليه‌السلام تبلغ إلى أربعة آلاف وأيضا من المعلوم أنّ الأصول الأربعمائة تشترك في أحاديث كثيرة ولا ريب في أنّ الخبر إذا كان مرويّا بأربعمائة طريق يكون قطعيّا ولهذا حكي عن بعضهم أنّ التّدوين في الكتب الأربعة أوجب خروج تلك الأخبار عن التّواتر لإسقاط الطّرق والاقتصار على طريق واحد للاختصار ويؤيد ذلك تصريح السّيد المرتضى وابن إدريس ومن عاصرهما بأنّ جل الفقه يستفاد من الأخبار المتواترة فكان تواتر الأخبار من المسلمات عندهم وكيف يخفى مثل هذا الأمر على السّيد ونظرائه وغير ذلك من القرائن والأمارات الّتي يحصلها المتتبع في الآثار والمنتقد للأخبار هذا مع أنّ أصحاب الكتب الأربعة على وثاقتهم وعلو شأنهم شهدوا بقطعيّة أخبار كتبهم مع الإذعان بكونها مأخوذة من كتب الأصول وهذا هو شهادة بقطعيّة الأصول ألا ترى إلى الفقيه حيث قال في أوّل كتابه ما هذا حاصله أنّي لم أجر في كتابي هذا على طريقة المصنفين في ذكر كل ما رووه من الأخبار بل اقتصر على ذكر ما أقطع على صحته وأفتى به وجميعها مذكورة في الكتب المشهورة الّتي إليها المرجع وعليها المعول فإنّ الصّحة عند القدماء يطلق على معان ثلاثة أحدها ما يقطع على صدوره والثّاني ما يقطع على صدوره ووجوب العمل به لعدم معارض أقوى والثّالث ما يقطع بصحة مطابقته للواقع والضّعيف مقابلها وكيف كان يثبت قطعيّة الأخبار بإحدى المعاني وهو كاف في المقام واعترض عليه بأن تصريح الصّدوق بأنّه ليس بناؤه على طريقة سائر المصنفين يدل على أنّ بناء المصنفين ذكر ما لا يعتمد عليه من الأخبار أيضا ولا ريب في دخول أصحاب الأصول في المصنفين فيدل على عدم قطعيّة أخبار الأصول ولما صرح أن أخبار كتابه مأخوذة منها دل على عدم قطعيّتها أيضا وأجيب أوّلا بأن المراد غير أصحاب الأصول لتصريحه بالتعويل على الأصول والاعتماد عليها وثانيا بأنّ مراده من طريقة المصنفين هو ذكر ما يعمل به لا لعدم صدوره قطعا بل لوجود المعارض الأقوى فهو لا يذكر إلاّ ما يعمل به لقوله وأفتى به وثالثا

٤٠١

سلمنا أنّ طريقة أصحاب الأصول ذكر الأخبار الصّحيحة والضّعيفة لكن لا على وجه يشتبه الأمر بل إنّما ذكروا الضّعيفة مع التّصريح بضعفها لئلا يختلط الأمر فالصدوق ترك ذلك واقتصر على الصّحيحة ولا يقدح ذكر الضّعيفة ممتازة في قطعيّة الصّحاح وانظر إلى ما ذكره الشّيخ في التّهذيب بعد أن بين وجه التّصنيف حيث قال ما لفظه وسألني أي بعض الأصدقاء أن أقصد إلى رسالة شيخنا أبي عبد الله أي المفيد ره المسماة بالمقنعة إلى أن قال وأذكر مسألة مسألة فأستدل عليها إمّا من ظاهر القرآن عن صريحه أو فحواه أو دليله أو معناه وإمّا من السّنة المقطوعة بها من الأخبار المتواترة أو الأخبار الّتي تقترن إليها القرائن الّتي تدل على صحتها وإمّا من إجماع المسلمين إن كان فيها أو إجماع الفرقة المحقة ثم أذكر من بعد ذلك ما ورد فيه من أحاديث أصحابنا المشهورة في ذلك وأنظر ما ورد بعد ذلك مما ينافيها ويضادها وأبين الوجه فيها إمّا بتأويل أجمع بينها وبينها أو أذكر وجه الفساد فيها إمّا من ضعف في أسنادها أو عمل العصابة بخلاف متضمنها إلى آخر ما قال فإنّه صريح في أنّ الأخبار الّتي عمل بها الشّيخ كلها مقطوع بها من تواتر أو احتفاف بقرائن القطع وقال أيضا في الإستبصار والعدة ما حكي عنهما من أنّ الأخبار عندهم على وجوه أربعة منها المتواتر ومنها المحفوف بقرائن القطع ومنها ما أجمع الأصحاب على روايته ومنها ما أجمعوا على صحته والعمل به وهذا أيضا صريح فيما قلناه وأنظر إلى ما ذكره الشّيخ الجليل الكليني رحمه‌الله في ديباجة الكافي فإنّه كاف في المطلوب حيث قال والشّرط من الله جل ذكره فيما استعبد به خلقه أن يؤدوا جميع فرائضه وبعلم ويقين وبصيرة ليكون المؤدى بها محمودا عند ربه إلى أن قال وذكرت أن أمورا قد أشكلت عليك لا تعرف حقائقها لاختلاف الرّواية فيها وإنّك تعلم أن اختلاف الرّواية فيها لاختلاف عللها وأسبابها إلى أن قال وقلت إنّك تحب أن يكون عندك كتاب كاف بجميع فنون علم الدّين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل به بالآثار الصّحيحة عن الصّادقين عليهم‌السلام والسّنن القائمة الّتي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله عز وجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن قال وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سئلت وأرجو أن يكون بحيث توخيت انتهى فقد ذكر أولا أن الشّرط من الله على العباد أن يؤدوا جميع فرائضه بعلم ويقين ثم ذكر أنّك سألت تأليف ما يأخذ منه من يريد علم الدّين والعمل به من الآثار الصّحيحة الّتي يؤدى بها فرض الله ولازم ذلك أن يكون العامل بتلك الآثار عاملا بالعلم واليقين بحسب الشّرط المتقدم ثم ذكر أنّ الله يسر تأليف ما سئلت ولازمه أن يكون الأخبار المجموعة في كتابه كلها قطعيّة من الآثار الصّحيحة الّتي يؤدى بها فرض الله تعالى وهو المطلوب مضافا إلى ما مر من أنّ معنى

٤٠٢

الصّحيح عند القدماء هو المقطوع به بأحد المعاني المتقدمة هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا القول وكله يرجع إلى مقدمتين إحداهما أنّ بناء القدماء إنّما هو على الاقتصار على الأخبار القطعيّة دون غيرها والثّانية أنّ حصول القطع لهم يستلزم حصوله لنا أيضا أمّا المقدمة الأولى فممنوعة بل الّذي يظهر من مراجعة كلماتهم أنّ بناءهم على العمل بالأخبار الّتي يعتمد صدورها وإن لم تكن مقطوعة الصّدور فما يدل على ذلك ما ذكره الشّيخ رحمه‌الله في العدة حيث قال وأمّا ما اخترته من المذهب فهو أنّ الخبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة وكان ذلك مرويا عن النّبي أو عن أحد الأئمة عليهم‌السلام ولا يكون ممن يطعن في روايته ويكون سديدا في نقله ولم يكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر جاز العمل به والّذي يدل على ذلك إجماع الفرقة المحقة فإنّي وجدتها مجمعة على العمل بهذه الأخبار الّتي دونوها في أصولهم إلى أن قال فإن قيل يحتمل أنّ عملهم إنّما كان لأجل احتفافها بقرائن الصّحة قلنا القرائن منحصرة في أمور مخصوصة كالكتاب والسّنة والإجماع والتّواتر ونحن نعلم أنّه ليس في جميع المسائل الّتي استعملوا فيها أخبار الآحاد ذلك لأنّها أكثر من أن تحصى ولا يوجد تلك القرائن إلاّ في نادر منها ومن قال عند ذلك إنّي متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشّرع به وهذا أحد يرغب أهل العلم عنه ومن صار إليه لا يحسن مكالمته لأنّه يكون معولا على ما يعلم ضرورة من الشّرع خلافه انتهى ملخصا فانظر إليه حيث ادعى إجماع الإماميّة قديما وحديثا على العمل بخبر الواحد المعرى عن قرائن الصّحة وادعى خلو أكثر الأخبار عن قرائن الصّحة إذ لو كانت الأخبار الغير القطعيّة نادرة لم يلزم من طرحها خلو أكثر الأحكام عن الدّليل ليلزم من طرحها والرّجوع إلى حكم العقل مخالفة الضّرورة ومما يدل على ذلك أيضا ما ذكره الصّدوق في كتبه مما يدل على اعتماده على أمور لا توجب القطع لمن كان من أهل الفطانة منها ما حكي عن عيون الأخبار أنّه روي فيه رواية عن محمد بن عبد الله المسمعي ثم قال كان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد سيئ الرّأي في محمد بن عبد الله راوي هذا الحديث وأنا أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنّه كان في كتاب الرّحمة لسعد بن عبد الله الأشعري وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي انتهى فإنّه اعتمد على الخبر بمحض عدم إنكار الشّيخ ومنها ما ذكره في الفقيه في باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثّياب حيث قال سمعت مشايخنا يقولون لا يجوز الصّلاة في العمامة الطّابقيّة إلى آخره فإنّ ظاهره عدم القطع بكون هذا الحكم صادرا عن المعصوم عليه‌السلام ومنها ما ذكره في باب الزّراعة والإجارة وسألت شيخنا محمد بن الحسن رحمه‌الله عن رجل آجر ضيعته هل له أن يبيعها قال ليس له بيعها قبل انقضاء مدة الإجارة إلاّ أن يشترط على المشتري الصّبر إلى انقضائها وظهوره في عدم

٤٠٣

القطع ظاهر لاستناد فتواه إلى فتوى شيخه ومعلوم أنّه لا يفيد القطع غاية الأمر إيراث الاطمئنان لكثرة الوثوق ومنها ما ذكره في باب الوصي يمنع الوارث ماله فيزني الوارث بعد بلوغه فذكر فيه رواية على أنّ ثلثي الإثم على الوصي ثم قال ما وجدت هذا الخبر إلاّ في كتاب محمد بن يعقوب وما رويته إلاّ من طريقه فكيف يدعي العاقل تواتر مثل هذا الحديث الّذي لم يكن في شيء من الأصول إلاّ أن يقال لم يكن عند الصّدوق من تلك الأصول ما كان فيه هذا الحديث وهو كما ترى ومنها الرّوايات الّتي يذكرها ثم يقدح في سندها بالإرسال والقطع ومع ذلك يفتي بها منها ما ذكره في باب مقدار الماء للوضوء فإنّه روى حديثا ظاهره استحباب تثنية الغسل فطعن فيه بانقطاع الإسناد ومع ذلك أفتى به بناء على أنّ المراد منه تجديد الوضوء فإنّ ملاحظة ترجيح السّند لا يكون في القطعيّات ومنها ما ذكره في باب الصّلاة في شهر رمضان وممن روى الزّيادة في التّطوع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان قال سألته عن شهر رمضان إلى أن قال وإنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم النّاظر في كتابه هذا كيف يروي ومن رواه وليعلم من اعتقادي أني لا أرى بأسا باستعماله ومنها ما ذكره في باب ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثّياب وأمّا الحديث الّذي روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال لا بأس أن يصلي الرّجل والنّار والسّراج والصّورة بين يديه إلى أن قال فهذا حديث يروى عن ثلاثة من المجهولين بإسناد منقطع يرويه الحسن بن علي الكوفي وهو معروف عن الحسين بن عمرو عن أبيه عن عمر بن إبراهيم الهمداني وهم مجهولون يرفع الحديث قال قال أبو عبد الله ذلك ولكنّها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع فمن أخذ بها لم يكن مخطأ بعد أن يعلم أنّ الأصل هو النّهي وأنّ الإطلاق رخصة والرّخصة رحمة إلى آخره فلو كان هذا الحديث قطعي الصّدور لما كان يطعن في سنده بالنّحو المذكور ثم يقبلها من جهة القرائن المذكورة ثم إنّ ذيل عبارة الصّدوق لا يخلو عن إشكال فقد نقل في معناه وجوه أحدها أنّ المراد نفي البأس في الخبر رخصة اقترنت بها علة أي الاضطرار في أصل المبدإ وكانت تلك العلة صادرة عن الثّقات ثم لما اتصلت بالمجهولين والانقطاع حذفوا العلة المذكورة فالعمل بالخبر في صورة الاضطرار رخصة والأصل هو النّهي نسب هذا المعنى إلى المجلسي رحمه‌الله الثّاني أنّ المراد أنّها رخصة اقترنت بها علة وهي التّعليل المذكور في الخبر وهذه الرّوايات صدرت عن الثّقات وهم الوسائط بين الصّدوق وبين الحسن بن علي الكوفي ثم اتصلت بالمجهولين إلى آخره وهذا المعنى لا يناسب ذيل الكلام الثّالث وهو الّذي ظهر في النّظر القاصر وحكي عن المحقق القمي رحمه‌الله أنّ المراد أنّها رخصة اقترنت بها علة وهي العلة المذكورة في الخبر صدرت تلك العلة عن الثّقات في غير مورد الخبر وهو الخبر الوارد في الصّلاة

٤٠٤

مع مرور النّاس بين يدي المصلي فقد روى نفس البأس فيه معللا بأنّ الّذي يصلى له أقرب إليه من حبل الوريد ثم اتصلت هذه العلة بالمجهولين والانقطاع فمن عمل بها نظرا إلى عموم العلة في تلك الأخبار الّتي هي قرينة صدق هذا الخبر لم يكن مخطأ لكن يجب عليه أن يعتقد أنّ الأصل الّذي ينبغي البناء عليه هو النّهي للأخبار المتضمنة له وأنّ الإذن رخصة وحاصله حمل أخبار النّهي على الكراهة والحاصل أنّه يظهر من كلمات هذه الشّيوخ الأجلة أنّهم كانوا يعتمدون في قبول الأخبار على ما لا يحصل منه العلم عادة ويقدحون في بعضها بما لا يكون انتفاؤه موجبا لحصول العلم ككون الراوي مجهولا مثلا فإنّ معنى كونه قادحا أنّه لو لم يكن مجهولا كان مقبولا ومن المعلوم أنّ معلوميّة الراوي لا يوجب حصول العلم من قوله هذا مع أنّ المشايخ كثيرا ما يطعن بعضهم على ما عمل به الآخر فلا يمكن كونه مقطوعا به عندهما معا ألا ترى أنّ الصّدوق رحمه‌الله أورد في كتاب الصّوم في باب النّوادر الأحاديث الدّالة على أنّ شهر رمضان لا ينقص أبدا مثل رواية حذيفة بن منصور بطريقين ورواية محمد بن إسماعيل عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه ثم قال من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة اتقى كما يتقى من العامة مع أنّ الشّيخ بالغ في الطّعن على حديث حذيفة بأنّه لا يصح العمل به من وجوه أحدها أنّ متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة وإنّما هو موجود في شواذ من الأخبار ومنها أنّ كتاب حذيفة عرى عنه والكتاب مشهور معروف ولو كان هذا الحديث صحيحا لضمنه كتابه ومنها أنّ هذا الخبر مختلف الألفاظ مضطرب المعاني ألا ترى أنّ حذيفة تارة يرويه عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام وتارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة وتارة يفتي به من قبل نفسه وهذا الضّرب من الاختلاف مما يضعف الاعتراض به والتّعلق بمثله ومنها أنّه لو سلم من جميع ما ذكرناه لكان خبرا واحدا لا يوجب علما ولا عملا إلى آخره والشّيخ المفيد طعن على رواية حذيفة بالشذوذ وعلى رواية محمد بن إسماعيل عن محمد بن يعقوب بالشذوذ أيضا بأنّ محمد بن يعقوب لم يرو عن أبيه حديثا غير الحديث وبأنّ ليعقوب هذا أصلا قد جمع فيه جميع ما رواه عن الصّادق عليه‌السلام ليس هذا الحديث منه وعلى رواية محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه الّتي فيها أنّه لا يكون فريضة ناقصة إنّ الله يقول ولتكملوا العدة ولتكبروا الله بأنّها شاذة مجهول الأسناد مع أنّها مخالفة للكتاب والسّنة وإجماع الأمّة ولا يصح على حساب ملي أو ذمي ولا مسلم أو منجم ومن عول على مثل هذا الحديث في فرائض الله تعالى فقد ضل ضلالا بعيدا وبعده فالكلام الّذي فيه بعد ليس من كلام العلماء فضلا عن أئمة الهدى عليهم‌السلام لأنّه قال فيه لا يكون فريضة ناقصة وهذا مما لا معنى له لأنّ الفريضة بحسب ما أديت على التّثقيل والتّخفيف لم تكن ناقصة انتهى ملخصا وما ذكره الشّيخ في آخر كلامه من أنّه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يجوز أن يعارض

٤٠٥

بها الكتاب والأخبار المتواترة لا ينافي ما ذكرنا أمّا أوّلا فلأنّ اعتبار خبر الواحد له شرائط ولعلها كانت مفقودة في ذلك الخبر فلهذا كان مما لا يوجب العمل وأمّا ثانيا فلأنّ الخبر الواحد لا يعارض القرآن بالتباين بل يجب طرحه حينئذ وكذا لو عارضه بالعموم والخصوص عند الشّيخ فلهذا لم يوجب عملا عنده لا أنّ كل أخبار الآحاد هكذا ثم إنّ ما ذكره الشّيخ رحمه‌الله من أنّ حذيفة هو الّذي يفتي به من قبل نفسه خطأ لأنّه إنّما نقل الفتوى عن المعاذ بن كثير وليس حذيفة في الخبر إلاّ راويا وهذا أيضا يؤيد ما ذكرنا من عدم القطعيّة لأنّه إذا وقع مثل هذا الخطأ في النّقل من مثل الشّيخ على جلالة شأنه فمن غيره بالأولويّة وأيضا قد أورد الصّدوق رحمه‌الله حديث سهو النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكم بصحته وجواز صدور السّهو عنه في غير مقام التّبليغ وأنّ أوّل مراتب الغلو نفي السّهو عنه ووعد أنّه إن وفق الله له بالبقاء أن يكتب في ذلك رسالة ومع ذلك طعن فيه الشّيخ والمرتضى والمفيد في رسالته وأنّه مما لم يعمل به سوى الحشويّة أو النّاصبة ونسب العامل به إلى التّقليد فلو كان قطعيا لم يكن لهذا الطّعن وجه وأيضا قد أورد الكليني رحمه‌الله في باب الرّجلين يوصى إليهما فينفرد كل منهما بنصف التّركة حديثا بأن الراوي سأل الإمام عليه‌السلام عن رجل أوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه لي نصف التّركة ولك الباقي فأبى الآخر قال الإمام عليه‌السلام لا بأس به وقال الصّدوق وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ونقل الحديث إلى آخره ثم قال لست أفتي بهذا الحديث بل أفتى بما عندي بخط الحسن بن علي عليه‌السلام من أنّهما لا يخالفان الموصي ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بالقول الأخير فإنّ ظاهره نفي صحة ما أورده الكليني رحمه‌الله واعترض الشّيخ على الصّدوق بأنّه لا منافاة بين الخبرين حتى يؤخذ بالأخير أو يطرح الأوّل بعدم الصّحة لجواز كون نفي البأس في الخبر الأوّل راجعا إلى قوله فأبى الآخر فيطابق مضمونه مضمون الخبر الثّاني كما لا يخفى فهذه الوجوه وغيرها مما يظهر للمتتبع تدل على أنّ مرادهم في الحكم بصحة الأخبار ليس قطعيّة الصّدور بل المراد الاعتماد عليه بحسب القرائن والأسباب وكان الخبر المعتمد الصّدور حجّة عندهم بالدليل كما نثبت نحن أيضا حجّيّة فيما بعد إن شاء الله وأين هذا من قطعيّة الصّدور فافهم فتبين مما ذكرنا عدم قطعيّة تلك الأخبار عند أصحاب الكتب الأربعة وظهر أيضا فساد ما ذكروه في المقدمات الثّلاث المتقدمة من تواتر الكتب الأربعة عن مصنفيها وأنّ تلك الكتب مأخوذة عن الأصول الأربعمائة وأنّ تلك الأصول متواترة أمّا الأوّل فلمنع تواتر تلك الكتب بتفاصيلها لاختلاف النّسخ غالبا وأمّا الثّاني فلتصريح المصنفين بأنّ بعض ما يشتمل عليها تلك الكتب غير موجودة في شيء من الأصول كما عرفت من رواية حذيفة بن منصور وأمّا الثّالث فلما عرفت من تصريح أصحاب الكتب الأربعة بما يظهر منه عدم قطعيّة أخبار كتبهم مع تصريحهم بأن كتبهم مأخوذة من الأصول المشهورة ويلزمه عدم

٤٠٦

قطعيّة الأصول عندهم فكيف يكون قطعيّا عندنا مع أنّ ظاهر لفظ الصّدوق حيث قال من كتب مشهورة عدم تواتر تلك الكتب عن مصنفيها أيضا بل هي مشهورة عنهم فإنّ شهرة انتساب الأصل إلى رجل لا يدل على تواتر أخباره عنه وكونه مرجعا ومعولا لا يدل إلاّ على وثاقة صاحب الأصل حيث يعتنى بأصله ويرجع إليه في النّقد والانتخاب ولا يدل على قطعيّة أخباره طرا بحيث لا يحتاج إلى ملاحظة السّند كما ادعاه الأخباريّة فإنّ أصحاب الأصول منهم من لا يوثق به لكونه كذوبا غير معتمد القول كما ذكروه في يونس بن ظبيان ومحمد بن سنان ووهب بن وهب القرشي ومحمد بن موسى الهمداني وعبد الله بن محمد البلوي ومحمد بن علي الصّيرفي ونظرائهم حيث نسبوهم إلى الكذب ووضع الأحاديث ولهذا كان أصولهم من الأصول الغير المشهورة وغير ما يعول عليه بخلاف أرباب الأصول من الثّقات فإنّ أصولهم معتمد عليها في الرّجوع إليها في انتخاب الأخبار كما هو الحال في هذا الزّمان بالنّسبة إلى الكتب الأربعة وهذا لا يقتضي قطعيّة تلك الأخبار ولو كان القطعيّة لكون صاحب الأصل نفسه لم يختص ذلك بالأصول بل لكان اللازم حينئذ الحكم بقطعيّة كل خبر رواه ثقة وهو كما ترى فتحقق مما سطرنا أنّ مراد القدماء من صحة الأخبار ليس ما توهمه الأخباريّون من قطعيّة الصّدور لما عرفت من شواهد ظنيتها عندهم فيكون مرادهم بها كونها معتمد الصّدور بحيث يجوز التّعويل عليها ومرجعه إلى قطعيّة الاعتبار لا قطعيّة الصّدور وبينهما بون بعيد وأمّا المقدمة الثّانية أعني استلزام القطعيّة لهم القطعيّة لنا ففساده أظهر من أن يبين لأنّ قطعهم بذلك لو كان مستندا إلى الحس لم يكن مستلزما لحصوله لنا لعدم اجتماع التّواتر كيف وليس مستندا إلى الحسن بل إلى الحدس ومقدمات ظنيّة يغلب عليها الخطأ كما يظهر من تصحيح الصّدوق بسبب تصحيح شيخه ابن الوليد ونحو ذلك ومما ذكرنا تبين فساد ما يقال إنّا لا نحتاج في دعوى انفتاح باب العلم إلى إثبات قطعيّة صدور الأخبار بل يكفينا قطعيّة اعتبارها بالخصوص وهي ثابتة بشهادة أصحاب تلك الكتب وجه الفساد أنّ شهادتهم على قطعيّة الاعتبار لا تفيد قطعيّتها عندنا لعدم استناده إلى الحس بل إلى الاجتهاد والحدس ومثل هذه الشّهادة ليست بحجة تعبدا أيضا فضلا عن استلزامه القطع لا يقال إنّها لا تقصر عن شهادة علماء الرّجال بعدالة الرّواة أو بتصحيح السّند بل هي في الحقيقة شهادة على صحة سند جميع تلك الأخبار إجمالا فكما أنّك تعتمد على ذلك فاعتمد على هذا أيضا لأنّا نقول إنّ الرّجوع إلى هذه الطّريقة فرع بطلان طريقة الأخباريين لأنّه بعد ما ثبت عدم القطعيّة وجب الرّجوع إلى الدّليل الدّال على

٤٠٧

حجّيّة الخبر الواحد الظّني فإذا اقتضى حجّيّة الخبر المظنون الصّدور أو المعتمد الصّدور مثلا فبالرّجوع إلى قول علماء الرّجال يحصل الاعتماد أو الظّن ولهذا يعمل به وحينئذ فلا بأس بالأخذ بقول أرباب الكتب في الحكم بصحتها إذا استلزم الاعتماد أو الظّن بالصّدور ولا كلام في ذلك إنّما الكلام في جعل نفس شهادتهم دليل على قطعيّة الخبر صدورا واعتبارا وقد عرفت فساده بما لا مزيّة عليه هذا تمام الكلام على ما ادعته الأخباريّة من قطعيّة الأخبار سندا وأمّا ما ادعوه من قطعيّتها دلالة فيدل على فساده أنّ المقصود من أهل هذا الزّمان هو العمل بما كان ظاهرا في العصر الأوّل لا ما هو الظّاهر عندهم وإن قلنا بشمول الخطاب لغير المشافهين وذلك لأنّ المقصود من الخطاب لا يمكن أن يكون بالنّسبة إلى كل شخص ما هو الظّاهر عنده لعدم جواز استعمال اللّفظ في أكثر من معنى واحد ولأدلة اشتراك الكل في التّكاليف ولا يجوز أن يكون المراد من الحاضرين ما هو الظّاهر عند المعدومين وهو بديهي فتعين أن يكون المراد من الجميع ما هو الظّاهر عند الحاضرين ولا ريب في أنّ تشخيصه بالنّسبة إلى هذا الزّمان يحتاج إلى إعمال ظنون شيء كالتبادر والرّجوع إلى اللّغويين في إثبات أصل الظّاهر ثم إثبات إرادته من الحاضرين بأصالة عدم القرينة وليس شيء من ذلك مما يفيد القطع ولا ينفع المقدمة المتقدمة من قبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه من غير قرينة في إثبات قطعيّة إرادة ما هو الظّاهر عندنا لما بينا من أنّ المراد منا ما هو الظّاهر عند المشافهين ولا يمكن تشخيصه إلاّ بالظّنّ فثبت أن مدعي انفتاح باب العلم في هذا الزّمان مكابر في دعواه بل يقول كلاما من غير قصد إلى معناه فلنعطف عنان القلم نحو إثبات حجّيّة الخبر بناء على عدم قطعيّة الصّدور فإنّه ميدان المسابقة والمصارعة ومضمار المبارزة والمقارعة فنقول وبالله التّوفيق إنّ بعض الأخباريين لما تفطن لفساد دعوى قطعيّة الأخبار حاول تأويل كلماتهم بما يدفع الطّعن عنهم فقال إنّ مرادنا يكون الأخبار معلوم الصّدور العلم العادي الّذي هو المعتبر في الشّرعيات وهو ما كان احتمال الخلاف فيه في غاية الضّعف بحيث لا يوجب تزلزل النّفس واضطرابه ويقابله العلم العقلي الّذي لا يحتمل فيه الخلاف أصلا ووافقه بعض الأصوليين في دعوى القطعيّة بهذا المعنى إلاّ أنّه فسر العلم العادي بما يجوز فيه الخلاف لا ما يحتمل فيه الخلاف وفرق بعضهم بين الوجهين بأنّ تجويز الخلاف معناه الإمكان بمعنى أنّه لا يلزم من فرض خلافه محال بخلاف العلم العقلي البرهاني فإنّه ما يلزم من فرض خلافه المحال وكلاهما مشترك في اعتبار الجزم وعدم احتمال الخلاف وهذا بخلاف ما لو فسر بما يحتمل فيه الخلاف ضعيفا والتّحقيق أنّ العلم عبارة عن الجزم الّذي لا يحتمل فيه الخلاف أصلا و

٤٠٨

دعوى أنّ العلم الشّرعي أعم من هذا فاسده لأنّ المراد بالعلم الشّرعي ما علم تنزيله شرعا منزلة العلم كالشّهادة واليد ونحوهما ولا ريب أنّه ليس الملحوظ فيها جهة المرآتيّة ليحتمل فيها الخلاف أو لا بل لو لم يحصل الظّن الضّعيف أيضا من الشّهادة لم يقدح ذلك في كونها علما شرعيّا فجعل العلم الشّرعي عبارة عن الظّن المتاخم للعلم فاسد جدا ثم إنّ العلم العادي الّذي يجامعه احتمال الخلاف ليس مما يكون حجّة بنفسه كالقطع بل يحتاج إثبات حجّيّته إلى الدّليل فدعوى علميّة الأخبار بهذا المعنى لا يغني عن إقامة الدّليل على حجّيّتها بيان ذلك أنّ العلم العقلي الّذي لا يحتمل فيه النّقيض حجّة بنفسه بمعنى أنّه لا يحتاج في ترتيب آثار معلومة إلى دليل زائد على الدّليل الدّال على ثبوت ذلك الأثر لذلك المعلوم فإنّه إذا علم خمريّة شيء ثبت له الحرمة بنفس دليل حرمة الخمر فيقال هذا خمر وكل خمر حرام فهذا حرام أمّا الصّغرى فثابتة علما وأمّا الكبرى فثابتة بالدليل فلو قال الشّارع لا تعمل بهذا العلم كان مناقضا لحكمه بحرمة كل خمر والحاصل أنّ العلم إذا أخذ طريقا إلى متعلقه فترتب حكم متعلقه لا يحتاج إلى قيام الدّليل على اعتبار العلم وما يقال من وقوع الخلاف في حجّيّة العلم شرعا فليس معناه الخلاف في هذه الجهة بل الاختلاف إنّما هو في أنّ القطع هل هو حجّة شرعيّة في إثبات متعلقة واقعا ليترتب عليه آثار الواقع وإن كان مخالفا للواقع أو لا بل إنّما يترتب عليه ما يترتب على الواقع إن طابقه وإلاّ فلا ويظهر الثّمرة فيما لو قطع بخمريّة ماء مثلا فشربه فعلى الأوّل يستحق العقاب المترتب على شرب الخمر الواقعي وعلى الثّاني فلا عقاب وهذا هو المسألة المشهورة بين القوم بمسألة التّجري وأنّه يترتب عليه أثر في صورة انكشاف الخلاف أو لا ولا دخل له بمسألة اعتبار العلم من حيث كونه طريقا إلى الواقع الّذي هو المتعلق له فإنّه ليس قابلا للجعل الشّرعي حسب ما بيناه ولا قابلا للفرق بين أقسامه المختلفة بحسب أسباب الانكشاف وهذا بخلاف الظّن وإن فرض كونه متاخّما للعلم فإنّ ثبوت آثار الواقع للمظنون يفتقر إلى دليل آخر غير دليل ثبوته للواقع فإنّ دليل حرمة الخمر لا يدل على ثبوت الحرمة لما هو مظنون الخمريّة إذ لا يجوز أن يقال هذا خمر وكل خمر حرام لعدم ثبوت الصّغرى إلاّ ظنا فلا ينتج إلاّ الظّن ولا يمكن معه الحكم الجزمي بثبوت ذلك الحكم لهذا الشّيء بل يحتاج إلى إثبات ذلك إلى دليل علمي يكون مؤداه أنّ مظنون الخمريّة أيضا حرام فحينئذ بالظّنّ يثبت الصّغرى جزما ويتصل بهذه الكبرى فينتج القطع وبما ذكرنا علم فساد ما ذكره بعضهم من الفرق بين أقسام القطع في الاعتبار وأنّه لا عبرة بقطع القطاع وكذا ما ذكره بعضهم من الفرق بين ما يزول بالالتفات كالتّقليد للآباء في العقائد فليس حجّة وبين ما لا يزول به فهو حجّة ووجه الفساد ما عرفت من أنّ القطع حيث يعتبر طريقا للحكم

٤٠٩

لا يمكن عقلا الفرق بين أقسامه وأمّا ما ورد من ذم الكفار على تقليدهم فلا نسلم أوّلا كونهم قاطعين بل صريح الآيات أنّهم ما لهم به من علم إن هم إلاّ يظنون وثانيا أنّ الذم راجع إلى تقصيرهم في الاعتماد على التّقليد وتحصيل الجزم منه وهو في تنبيه لهم ليزول عنهم القطع الفاسد فلنرجع إلى ما كنا فيه نقول قد عرفت بما ذكرنا أنّ الظّن في أي مرتبة كان يحتاج إثبات حجّيّته إلى دليل قطعي ولا ينفع دعوى كون الأخبار معلومة الصّدر بالعلم العادي بالمعنى الرّاجع إلى الظّن في سقوط البحث عن حجّيّته فالشأن إنّما هو في بيان الدّليل على حجّيّته الظّن فنقول إنّ من الظّنون ما لا نزاع في حجّيّته كظواهر الكتاب والأخبار المتواترة ومنها ما لا نزاع في عدم حجّيّته كالقياس والرّمل والجفر والنّجوم ونحوها ومنها ما هو محل النّزاع كخبر الواحد والإجماع المنقول والشّهرة والاستقراء وأمثالها والنّزاع في هذا القسم تارة يقع باعتبار الظّان بمعنى أنّ الظّن حجّة إذا كان للمجتهد المطلق أو للمتجزي أيضا أو للمقلد أيضا والمتكفل لبيان هذا المرام مبحث الاجتهاد والتّقليد وتارة يقع من حيث السّبب من أنّه الحاصل بخبر الواحد فقط أو بالشهرة أيضا ونحوها وأخرى يقع من حيث المتعلق من أنّه حجّة في الأحكام فقط أو في الموضوعات أيضا وعلى الأوّل فهل يختص بالأحكام الفرعيّة أو الأصوليّة العمليّة أو يجري في الأصول العقائد أيضا وعلى الثّاني فهل يختص بالموضوعات المستنبطة أو يجري في الموضوعات الصّرفة أيضا وأخرى يقع من حيث المرتبة من أنّه حجّة بأدنى مراتبه أو يعتبر المرتبة الأعلى من الظّن من حيث يعتبر وهو الظّن الاطمئناني فهذه مقامات ثلاثة يجب التّكلم فيها تحقيقا للحق الحقيق بالتحقيق وقبل الخوض في المطلب ينبغي تأسيس الأصل في أنّ الظّن حجّة أو لا فنقول وبالله التّوفيق إنّ العمل بالظّنّ تارة يتصور بالعمل على طبق الظّنّ من غير أن ينسب المظنون إلى الشّارع ويتدين به ويحكم بثبوته شرعا وأخرى بالتدين به وجعله حجّة مثبته للحكم ونسبته المظنون إلى الشّارع أمّا الأوّل فالأصل فيه الجواز لأنّه في الحقيقة ليس عملا به بل إنّما هو عمل على طبقه وهو جائز إذا لم يلزم منه مخالفة لدليل معتبر بل القائلون بعدم حجّيّته الظّنّ أصلا ربما يعملون بالظّنّ بهذا المعنى كما لو شكّ في حرمة شيء وإباحته فظن الحرمة فإنّ الأخباريين يبنون عملهم على الحرمة فيطابق الظّنّ لكن ليس عملهم من كونه مظنونا بل إنّما هو من جهة الاحتياط في محتمل الحرمة وهذا مراد من استدل على حجّيته الظّنّ بأنّ دفع الضّرر المظنون لازم فإنّ اللازم منه إنّما هو محض تطبيق العمل عليه لا جعله حجّة شرعيّة في إثبات الحكم نعم لو كان مخالفا لدليل معتبر لم يجز العمل عليه بهذا المعنى أيضا كما لو ظن إباحة وطي الحائض بعد انقطاع الدّم قبل الغسل فإنّه لا يجوز تطبيق العمل عليه للزوم

٤١٠

طرح الاستصحاب المعتبر شرعا بناء على حجّيّته في المقام وأمّا الثّاني فهو محل الكلام في المقام إذ الأوّل ليس من جهة حجّيّة الظّن في شيء فنقول قد يقال إنّ الأصل الأوّلي في الظّن الحجّيّة بمعنى جواز نسبته المظنون إلى الشّارع والتّدين به لأصالة الإباحة وأصالة الحل وهذا نظير تمسكهم في حليّة المتعة بأصالة الإباحة وفي أنّ الأصل في العقود الصّحة بأصالة الحل والإباحة ورد بأنّ أصالة الإباحة إنّما تجري في ما يشك في حرمته والتّدين بالظّنّ ليس مشكوك الحرمة بل هو مما يحكم العقل جزما بقبحه فلا يبقى مورد للأصل واعترض عليه بأنّ أصل تطبيق العمل على الظّنّ يحكم بإباحته من جهة أصالة الإباحة وإذا ثبت إباحته شرعا لزم التّدين به كما لو أباح الشّارع صريحا العمل بظن خاص وكذا نقول في البيع المشكوك صحته إنّ ذات البيع مباح بالأصل فثبت صحته كما لو ثبت الإباحة بقوله تعالى أحل الله البيع وأجيب عن هذا بأنّ البيع لا يكون مباحا إلاّ إذا ثبت القدرة عليه ولا يثبت القدرة إلاّ بعد ثبوت الصّحة فإثبات الصّحة بالإباحة دور ظاهر وفيه نظر لأنّ البيع عبارة عن الأمر العرفي الثّابت عندهم وصحته عبارة عن إمضاء الشّارع له فكل نقل وانتقال أمضاه الشّارع صح وإلاّ فلا وليس البيع عبارة عن النّقل الشّرعي ليتوقف القدرة عليه على الصّحة والتّحقيق في الجواب عن الإشكال في المقامين أن يقال إنّه قد ذكرنا أنّ للعمل بالظّنّ معنين أحدهما محض تطبيق العمل عليه بإتيان مظنون الوجوب وترك مظنون الحرمة والثّاني التّعبد به بمعنى إتيان مظنون الوجوب على أنّه واجب شرعا وترتيب آثار الواجب عليه أمّا المعنى الأوّل فقد عرفت أنّ الأصل فيه الجواز بمعنى أنّه إذا ظن وجوب الفعل جاز شرعا إتيان ذلك الفعل لا لأنّه مظنون الوجوب بل لأنّه لم يثبت فيه التّكليف شرعا وكل ما كان كذلك كان مباحا في الظّاهر فالإباحة إنّما تعلقت بإتيان ذات العمل حين كونه مشكوك الوجوب وليس هذا من حجّيّة الظّن في شيء وأمّا المعنى الثّاني فالأصل فيه الحرمة لحكم العقل بأنّه متى لم يثبت حجّيّة الظّن فالتّدين بمؤده على أنّه من الشّارع بدعة وقبيح فإذا ظن بوجوب شيء فالإتيان به على أنّه واجب وترتيب آثار الواجب عليه قبيح ما لم يثبت حجّيّة ذلك الظّن شرعا فموضوع أصالة الإباحة هو ذات العمل المشكوك وجوبه من حيث إنّه مشكوك وموضوع الحكم بالحرمة فهو إتيان العمل المشكوك وجوبه على أنّه واجب شرعا فجريان أصالة الإباحة في موضوعها لإثبات إباحة ذات العمل المشكوك وجوبه لا يوجب ثبوت الوجوب الذّات العمل شرعا ليرتفع موضوع حكم العقل بالحرمة البدعيّة بل يوجب تأكد حكم العقل بالحرمة البدعيّة لأنّه قبل إجراء أصالة الإباحة كان الإتيان به إدخالا لما يشك في وجوبه في الواجب الشّرعي وبعد إجراء الأصل يكون إدخالا لما يقطع بكونه مباحا في الظّاهر في الواجب الشّرعي والثّاني أقبح من الأوّل فإن قلت نحن لا نجري أصالة

٤١١

الإباحة في ذات العمل ليكون إثباته بوصف الوجوب بدعة بل لما شككنا في أنّ التّدين بالظّنّ حرام أو لا حكمنا بإباحته للأصل قلت ليس لنا شك في حرمة التّدين بالظّنّ ما لم يرد فيه الإذن فلا مجرى لأصالة الإباحة وبهذا علم الفرق بين إثبات الإذن في العمل بالظّنّ بالدليل الخاص وبين إثباته بأصالة الإباحة فإنّ الإذن المستفاد من الدّليل إنّما يرد على التّدين بالظّنّ الفلاني من حيث هو وبعد ورود الإذن يرتفع موضوع حكم العقل بالحرمة وأمّا الإذن المستفاد من الأصل فإنّما يرد على التّدين بالظّنّ إذا كان مشكوك الجواز فيجب أو لا إحراز الشّكّ في الجواز حتى يجري الأصل ونحن نعلم بالعقل المستقل أنّ التّدين بالظّنّ حرام ما لم يرد فيه الإذن الخاص فيرتفع الشّك الّذي هو موضوع الأصل فلا يجري أصل الإباحة حتى يستفاد منه الإذن ليرتفع موضوع البدعة ولو لا ما ذكرنا لجاز التّعبد بالشّكّ والوهم أيضا بل لم يتحقق للبدعة موضوع أصلا إلاّ في ما قطع بعدمه وليس كذلك وكذا نقول في مثال البيع الفرق ظاهر بين إثبات الحل بقول الله تعالى أحل الله البيع وبين إثباته بأصالة الإباحة فإنّ الأوّل إنّما يرد على ذات البيع فيقتضي إمضاءه ويرتفع الشّك رأسا ويترتب عليه الصّحة وأمّا الثّاني فإنّما يرد على البيع من حيث إنّه مشكوك الصّحة فلا يوجب ارتفاع الشّك في الصّحة فيبقى أصالة عدم ترتب الأثر بحالها والحاصل أنّ أصالة الإباحة وأصالة عدم ترتب الأثر كلاهما واردان على موضوع واحد هو البيع المشكوك الصّحة فلا يرتفع موضوع أحدهما بالآخر واللازم كون الأصل رافعا لموضوع نفسه وهو محال وكذا الكلام في إثبات حليّة المتعة بالأصل فإنّه إنّما يثبت حليته المتعة من حيث إنّها مشكوكة الصّحة فلا توجب ارتفاع الشّك في الصّحة فتجري أصالة عدم ترتب الأثر لأنّ مجراها الشّك في الصّحة وهو موجود لم يرتفع بأصالة الإباحة بخلاف ما لو قال الشّارع المتعة حلال فإنّه يرد على ذات المتعة لا من حيث إنّها مشكوكة الصّحة وإذا ثبت الحليّة لذات المعاملة ترتب عليها الآثار فكانت صحيحة ولا يجري حينئذ أصالة عدم ترتب الأثر لارتفاع موضوعها وهو الشّك فافهم وقد يتمسك لإثبات أصالة حرمة العمل بالظّنّ بأصالة عدم الحجّيّة واعترض عليه الفاضل الأنصاري رحمه‌الله بأنّ الحكم بالحرمة لا يتوقف على ثبوت عدم الحجّيّة ليتمسك في إحرازه بالأصل بل محض الشّكّ في الحجّيّة كاف في حكم العقل بحرمة العمل من غير حاجة إلى إحراز عدم الحجّيّة وحاصله أنّ أصالة عدم الحجّيّة لا يترتب عليها حكم في المقام لأنّ الحكم بالحرمة وارد على نفس

٤١٢

الشّكّ في الحجّيّة وهو يقيني الثّبوت مع قطع النّظر عن الأصل فلا فائدة في الأصل المذكور ونظير ذلك ما قيل من أنّ الاستصحاب إنّما يجري فيما لو أريد إثبات الحكم لموضوع متيقن في السّابق مشكوك في اللاحق فيحكم بثبوت ذلك الموضوع في اللاحق ليترتب عليه حكمه وحينئذ فلو كان هناك حكم وارد على نفس الشّكّ في ثبوت ذلك الموضوع لم ينفع الاستصحاب في إجرائه لتحقق موضوعه مع قطع النّظر عن الاستصحاب فنقول في المقام إنّه لو قطع النّظر عن كون عدم الحجّيّة متيقنا في السّابق فالعقل قاطع بالحرمة لوجود موضوعها وهو الشّك في الحجّيّة ونظير ذلك الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينيّة بعد اليقين بالاشتغال وعدم الاكتفاء بالشّكّ في البراءة فإنّه لا فائدة في استصحاب الاشتغال في الحكم بوجوب تحصيل القطع بالبراءة لكن بين المقامين فرق وهو أنّ الحكم في مسألة الاشتغال إنّما هو وارد على نفس اليقين السّابق فإنّ من أحكامه العقليّة وجوب تحصيل القطع بالبراءة فمتى تحقق موضوعه ترتب عليه الحكم من غير حاجة إلى استصحاب الاشتغال في حال الشّكّ في البراءة بل لا فائدة في استصحابه وفي هذه المسألة إنّما يرد الحكم على نفس الشّكّ في الحجّيّة مع قطع النّظر عن كونها متيقن العدم في السّابق والحاصل أنّه متى كان الحكم واردا على نفس اليقين السّابق أو على نفس الشّكّ اللاحق فلا مسرح فيه للاستصحاب للقطع بالحكم بعد القطع بموضوعه ومسألة الاشتغال من قبيل الأوّل وهذه المسألة من قبيل الثّاني وما ذكره الفاضل المذكور من أنّ مسألة الاشتغال أيضا من قبيل الثّاني لأنّ نفس الشّك في البراءة كاف في الحكم بوجوب تحصيل القطع بها غير صحيح إذ لو صح ذلك لوجب الاحتياط عند الشّك في التّكليف أيضا لوجود الشّك في البراءة فالتحقيق ما عرفت من أنّ جريان استصحاب الاشتغال إنّما هو لكون وجوب تحصيل القطع بالبراءة إنّما هو من أحكام نفس اليقين السّابق وهو متيقن الثّبوت فيكون حكمه ثابتا من غير حاجة إلى إحراز الاشتغال في الزّمان الثّاني ونظير ذلك ما لو نذر أنّي متى تيقنت وجود زيد في يوم الجمعة أتصدق على الفقراء بدرهم ثم حصل اليقين بوجوده في يوم الجمعة ثم شك في وجوده يوم السّبت فالحكم بوجوب الصّدقة لا يتوقف على استصحاب وجوده إلى يوم السّبت بل لا فائدة في الاستصحاب المذكور في ذلك الحكم أصلا فتأمّل وهل الحكم في المعاملات أيضا كذلك فلا يحتاج إثبات الفساد إلى أصالة عدم الصّحة بل نفس الشّك في الصّحة كاف في الحكم بالفساد أو لا بل يحتاج إليها ربما يتوهم الأوّل نظرا إلى أنّ الشّك في الحرمة لما كان كافيا في الحكم بالحرمة كان كافيا في الحكم بالفساد أيضا وليس كذلك لأنّ الشّكّ في الحرمة كاف في الحكم بالحرمة التّشريعيّة ولا يثبت الحرمة الذّاتيّة بل لو ثبت الحرمة الذّاتيّة أيضا لم يدل على الفساد لعدم التّلازم بين الحرمة والفساد وحينئذ فلا بد من إثبات الفساد بالأصل ويثبت

٤١٣

بقوله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقد يتمسك لعدم الحجّيّة بقاعدة الاشتغال من وجهين أحدهما أنّ التّكليف بتحصيل الاعتقاد في الأحكام متيقن والأمر دائر بين مطلق الاعتقاد وخصوص الاعتقاد العملي ومتى دار الأمر بين المطلق والمقيد كان مقتضى قاعدة الاشتغال عدم الاكتفاء في الامتثال بالمطلق والثّاني أنّ العلم الإجمالي بوجود التّكاليف الواقعيّة حاصل ومقتضى ذلك وجوب الإتيان بكل ما يحتمل الوجوب دون الحرمة وترك ما يحتمل الحرمة دون الوجوب والتّخيير لو دار الأمر بين الاحتمالين وحينئذ فربما يكون العمل مطابقا للظّنّ كما لو ظن الوجوب وقد يكون مخالفا كما لو ظن الإباحة واحتمل الوجوب فيجب الإتيان للاحتياط فلو كان الظّن حجّة لوجوب الاقتصار في الامتثال على الظّن وهو ينافي قاعدة الاشتغال الحاكمة بعدم جواز الاقتصار في الامتثال على الظّنّ ومما ذكرنا يظهر فساد ما توهم من أنّ قاعدة الاشتغال تثبت حجّيّة الظّنّ لعسر الاحتياط بالإتيان بجميع المحتملات فيقتصر على الظّن لقبح ترجيح الوهم عليه وجه فساده أنّ الاقتصار على الاحتمال الظّنّي من جهة العسر ليس من حجّيّة الظّنّ في شيء وإنّما هو تبعيض في الاحتياط لعسر الاحتياط الكلي واعترض على الوجه الأوّل بأنّ الحاكم لا يجوز له الجهل بموضوع حكمه والحاكم بلزوم تحصيل الاعتقاد هو العقل فلا يجوز دوران الأمر عنده بين المطلق والمقيد ليجب الأخذ بالمقيد من باب قاعدة الاشتغال وفيه نظر لأنّ مبنى هذا الوجه إنّما هو على كون لزوم تحصيل الاعتقاد شرعيّا لا عقليّا والحاكم بالاشتغال هو العقل ويجوز جهل العقل بموضوع الحكم الشّرعي كما في سائر مجاري القاعدة المذكورة فافهم وقد يتمسك لأصالة عدم الحجّيّة بالآيات النّاهية مثل قوله تعالى وما يتبع أكثرهم إلاّ ظنا إنّ الظّن لا يغني عن الحق شيئا سبحانه على متابعة مطلق الظّن فيكون الأصل فيه عدم الحجّيّة واعترض عليه بوجوه منها أنّه يلزم من العمل بها عدم العمل بها لأن مدلولها ظني أيضا فيشمل نفسه وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال وأجيب عنه بوجهين أحدهما أنّ مدلولها عدم حجّيّة الظّنون المشكوكة الاعتبار والظّن الكتاب مقطوع الاعتبار وفيه أنّ ظاهر الآية العموم لكل ظن وحينئذ فيقع الإشكال في صيرورتها قطعيّة الاعتبار مع أنّ مضمونها عدم حجّيّة نفسها إذ قطعيّة الاعتبار ولا يخرجها عن ظنّيّة الدّلالة نعم لو استفيد منها القطع بالحكم لم يلزم المحذور والثّاني أنّها غير منصرفة إلى نفسها وفيه أنّه أنّما هو لضيق العبارة عن شموله وإلاّ فيعلم أنّ المناط هو الظّن من غير خصوصيّة وذلك نظير قول السّيد بعدم حجّيّة خبر الواحد ونقله الإجماع عليه فإنّه لا يشمل نفسه لكن لو سئل السّيد إن نقل لنا إجماعك لخبر الواحد فهل هو حجّة لنا فليس له بد من أن يقول لا فيلزم من حجّيّة قوله عدمه ومنها أنّ الآية موردها أصول الدّين

٤١٤

فلا تشمل مطلق الظّن فإنّ العموم المستفاد من المطلق بدليل الحكمة مشروط بعدم كون بعض الأفراد متيقن الإرادة وإلاّ لم يجر دليل الحكمة كما هنا للقطع بإرادة الظّن في أصول الدّين لأنّه مورد الآية فلا داعي للحمل على غيره سيما في المسبوق بالمنكر فإنّه قرينة على حمل اللام على العهد الذّكري وإن قلنا بمجازيّته هذا مع أنّه أولى من التّخصيص اللازم من الحمل على العموم لخروج كثير من الظّنون عن تحت الآية وما يقال من أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص المورد إنّما هو في العموم الوضعي لا في الإطلاقي والجواب أنّ المناط في استفادة العموم حكمة إنّما هو كون اللّفظ بحيث لو عرض على العرف لم يكن هناك عندهم قرينة معيّنة لبعض الأفراد فحينئذ يحمل على العموم حكمة ونحن إذا عرضنا هذه الآية على العرف نراهم لا يفهمون التّخصيص بخصوص المورد بل إنّما يفهم عندهم أنّ المناط في الذّم على متابعة الظّنّ في الأصول إنّما هو كونه اتباع الظّنّ مذموم فيكون نظير قول الطبيب لمن يأكل الرّمان هذا يأكل حامضا وأكل الحامض مضر فلا يفهم منه اختصاص المضرة بحموضة الرّمان وهذا ظاهر جدا والجواب عن الاعتراض الأوّل أنّه إمّا يسلم قيام الدّليل القطعي على حجّيّة الظّن الكتابي أو لا فعلى الثّاني لا يصح الاستدلال من رأس لأنّه استدلال على عدم حجّيّة الظّنّ بالظّنّ وعلى الأوّل يجب تخصيص مضمون الآية بذلك الدّليل القطعي ووجهه ظاهر وقد يقال إنّه ليس تخصيصا بل هو من باب التّخصيص نظرا إلى أنّ العمل بالظن الكتابي ليس عملا بالظّنّ بل هو عمل بذلك الدّليل القطعي الموجب لحجّيّة ظاهر الكتاب أو من جهة أنّ قيام ظاهر الكتاب على شيء سبب شرعا لثبوته على المكلف واقعا وإن لم يفد الظّن كسائر الأسباب الشّرعيّة من اليد والفراش ونحوهما فليس فيه عمل بالظّنّ لكنّه فاسد جدا لأنّ قيام الدّليل القطعي على حجّيّة الظّن لا يوجب خروج الموضوع عن كونه عملا بالظّنّ بل هو عمل بالظّنّ غاية الأمر جوازه بالدليل القطعي فيلزم تخصيص ما دل على حجّيّة الظّن كليّة وحجّيّة الأمارات في الأحكام ليست من جهة السّببيّة على التّحقيق بل من جهة الكشف عن الواقع فحينئذ يكون عملا بالظّنّ فالتحقيق أنّه من باب التّخصيص كما عرفت فثبت مما ذكرنا أنّ الأصل الأوّلي هو عدم حجّيّة الظّنّ ويكفي في ذلك حكم العقل ولا حاجة إلى سائر الوجوه فحينئذ يجب بيان ما ادعي خروجه عن هذا الأصل بالخصوص أعني خبر الواحد فإنّ المعروف حجّيّته بالخصوص في الجملة والمراد به أنّه هل يثبت السّنة بنقل الواحد أو لا فنقول قد استدلوا على حجّيّته بوجوه من العقل والنّقل أمّا العقل فمن وجوه أحدها أنّ قيام الخبر على التّكليف موجب للظّنّ بترتب الفرد على تركه ودفع الضّرر المظنون واجب وفيه أوّلا أنّه لا يختص بالخبر بل يشمل مطلق الظّنّ وثانيا أنّه إن فرض عند التّمكن من العلم ففيه أنّ الضّرر حينئذ في الاقتصار على الظّن لاحتمال مخالفة الواقع

٤١٥

وإن فرض عند عدم التّمكن منه ففيه أنّه إن أراد من الضّرر العقاب فالصغرى ممنوعة لقبح العقاب بلا بيان فلا ملازمة بين الحكم الواقعي وبين العقاب ليلزم من النّص بالحكم الظّن بالعقاب بل قبح العقاب بلا بيان يوجب القطع بعدم العقاب ما لم يثبت الحكم بالعلم أو بالعلمي والقول بأنّ قاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل كاف في البيان فلا يقبح العقاب فاسد جدا لأنّ تلك القاعدة فرع احتمال العقاب في المقام فلا تكون هي بنفسها بيانا ومصححة للعقاب وبعبارة أخرى قبل البيان لا يحتمل الضّرر بحكم العقل فلا يجري للقاعدة حتى يحصل البيان نعم هي تجري عند الشّك في المكلف به مع العلم الإجمالي فإنّه كاف في البيان فيحتمل الضّرر في كل من طرفي الشّك فيجب دفعه وأمّا عند الشّكّ في التّكليف فلا لا أن يقال بعدم قبح التّكليف بلا بيان وإنّما يسلم قبح تكليف الغافل لعدم تمكنه من الاشتغال وأمّا الشّاك فلا يقبح تكليفه وعقابه وحينئذ فيكون الأصل عند الشّكّ هو الاحتياط إلاّ أن يقوم الدّليل النّقلي على عدم التّكليف عند الشّكّ فيه لكن هذا فاسد جدا لتقبيح العقلاء للمولى إذا عاقب عبده بأنّك جوزت أن أكون طالبا منك كذا وكنت قادرا على إتيانه فلم لم تفعل وعدوا ذلك ظلما وعدوانا وليس هذا إلاّ لاشتراط البيان في صحة العقاب هذا وإن أريد من الضّرر الضّرر الدّنيوي فالصغرى مسلمة بناء على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد فالظّنّ بالحرمة ظن بتحقق المفسدة في الفعل لكن نقول إنّ حكم العقل بوجوب دفع الضّرر الدّنيوي معلق على عدم انجبار ذلك الضّرر والكاشف عن الانجبار هو خطاب الشّرع الشّامل بعمومه أو إطلاقه لأحوال الضّرر فلا يمكن تخصيصه أو تقييده بحكم العقل وذلك لكشف الخطاب عن انجبار الضّرر فلا يبقى للعقل حكم بلزوم الدّفع وما يرى من حكم الفقهاء بسقوط التّكليف عند ظن الضّرر فليس لحكم العقل بل إنّما هو لقوله عليه‌السلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام فإنّه حاكم على العمومات ومخصص لها بصورة انتفاء الضّرر فإن قلت مقتضى الخبر خروج ما فيه ضرر في الواقع عن تحت الخطابات فيكون العام منقسما إلى قسمين ما فيه ضرر فهو خارج عنه وما ليس فيه ضرر فهو داخل فيه فإذا لم يعلم فرد أنّه مما فيه ضرر أو لا هو صورة الشّك في الضّرر فينبغي أن لا يتمسك فيه بالعام لعدم العلم بدخول هذا الفرد فيه مع حكمهم في صورة الشّك بثبوت التّكليف قلت قد أجيب عن هذا الإشكال بأنّ الضّرر إن كان منجبرا فليس ضررا أصلا إنّما الضّرر هو ما لم ينجبر وحينئذ فلا تعارض بين قوله لا ضرر وبين العمومات لكشفها عن الانجبار واعترض عليه بأنّه يلزم على هذا أن لا يسقط التّكليف عند القطع بالضرر أيضا لثبوت الانجبار بالتّكليف وأيضا يلزم كون الخبر لغوا لا يترتب عليه ثمرة في الفقه وإنّما يكون إخبارا بأنّ الأحكام ليس فيها ضرر بلا عوض فإن كان ضرر الخبر بالعوض وهو خلاف ما يفهم منه عرفا بل خلاف ما فهم منه العلماء قديما

٤١٦

وحديثا وأجيب بأنّ التّكاليف إنّما نكشف عن انجبار الضّرر المترتب على نوع التّكليف دون المترتب عليه في خصوصيات الموارد وحينئذ فيتمسك في نفي التّكليف في الخصوصيات بالخبر لعدم ثبوت الانجبار وفيه أنّه إذا لم يثبت الانجبار حينئذ فلم لا يتمسك في نفيه بحكم العقل والحق أنّ الضّرر لا يخرج بالانجبار عن عنوان الضّرر والتّكاليف إنّما نكشف عن انجبار الضّرر في ولو في الآخرة وهو كاف في رفع حكم العقل بالدفع لكن لا يرتفع بالانجبار الأخروي صدق الضّرر الدّنيوي وإن سلم ارتفاع صدقه بالانجبار الدّنيوي وحينئذ فإذا تحقق الضّرر الدّنيوي حكم برفع التّكليف فيه بمقتضى الخبر لأنّه حاكم بأنّ التّكاليف ليست بحيث يترتب عليها ضرر في الدّنيا فإذا ترتب الضّرر على شيء فلا تكليف فيه بخلاف حكم العقل فإنّه يرتفع بكشف الخطاب عن الانجبار الأخروي أيضا وذلك نظير الإكراه فإنّه لا يصدق بالإيعاد على العذاب الأخروي وإلاّ لكان إتيان العبادات إكراها ولا إكراه في الدّين والتّحقيق أن يقال إنّ الخطابات لا تكشف عن الانجبار وخبر نفي الضّرر حاكم بنفي الضّرر الواقعي وموجب لانحلال العام إلى قسمين كما ذكرناه أوّلا والضّرر المنجبر أيضا ضرر وحينئذ فنقول إن علم تحقق الضّرر في شيء علم عدم التّكليف فيه بمقتضى الخبر وإلاّ كان مقتضى حكم العقل بوجوب دفع الضّرر وجوب دفعه عند الشّك أيضا لكن نقول إنّ مقتضى أدلة الأصول العمليّة من البراءة والاستصحاب ونحوهما انجبار الضّرر المحتمل الّذي لم يقم الدّليل الشّرعي على التّكليف فيه فإنّ الشّك فيه من جهتين إحداهما من جهة التّكليف الشّرعي والثّانية من جهة الشّكّ في ثبوت الضّرر أمّا الجهة الأولى فهي من مسائل الشّكّ في التّكليف في الشّبهات الموضوعيّة والأصل فيه البراءة اتفاقا وأمّا الجهة الثّانية فيعمل فيها بأصالة عدم الضّرر وحينئذ فيثبت التّكليف الثّابت لما ليس فيه ضرر في الواقع لهذا الموضوع الّذي ثبت عدم الضّرر فيه بالأصل ولو كان فيه ضرر في الواقع كان منجبرا بمقتضى أدلة حجّيّة الأصل ومقتضى هذا الوجه الاقتصار في تخصيص العمومات على صورة القطع بالضرر لكن قد قام الإجماع على حجّيّة الظّن في مسألة الضّرر إثباتا ونفيا فلا ينظر فيه إلى مقتضى الأصل نعم في حالة الشّك يجب النّظر إلى مقتضى الأصل فإن كان الحالة السّابقة هي وجود الضّرر كان الضّرر مستصحبا فيكون مثل صورة الظّن بالضرر وإن كانت عدم الضّرر كان مستصحبا فكان كالظن بعدمه فلا يجوز الحكم بثبوت التّكاليف عند الشّكّ في الضّرر مطلقا ولا بنفيها كذلك لكن يرد على هذا الوجه أنّه إذا كان إثبات التّكليف في موارد الظّن بعدم الضّرر واستصحاب عدمه بسبب الأصل وكان المناط في حجّيّة الظّن هنا هو كونه طريقا إلى الواقع وكذا الأصل إنّما يجري عند الجهل بالواقع فيكون ثبوت التّكليف في المورد من الأحكام الظّاهريّة مع أنّهم حكموا فيمن يتيمم بظن الضّرر ثم ظهر عدم

٤١٧

الضّرر لم يجب عليه إعادة الصّلاة وهذا هو الإجزاء الّذي منعوا ثبوته في الأحكام الظّاهريّة وهذا يعطي أنّ الحكم في موارد الضّرر حكم واقعي لا ظاهري فكيف يجتمع هذا مع هذا الوجه الّذي عرفت أنّ مقتضاه كونه حكما ظاهريّا ويمكن الجواب عنه بأنّ رفع الشّارع للحكم في موارد الضّرر ليس لمنقصة في ذات الحكم مانعة عن جعله بل المانع منه إنّما هو محض التّفضل على العباد كما يظهر من سياق قوله عليه‌السلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وحينئذ فإذا اعتقد المكلف انتفاء الضّرر علما أو بالأصل الشّرعي فهو لا محالة يأتي بذلك الفعل ويوقع نفسه في الضّرر وحينئذ فلا ريب أنّ مقتضى التّفضل حينئذ جعل الحكم ليتدارك به ذلك الضّرر لا رفعه كما لا يخفى أو نقول إنّ دليل حجّيّة الأصل كاشف عن وجود مصلحة يتدارك بها مفسدة الوقوع في الضّرر فلا يبقى مانع عن جعل الحكم في الواقع إذ المانع عنه إنّما هو مفسدة الضّرر فإذا ارتفعت بالتدارك لم يبق مانع بعد فرض وجود المصلحة فيه وعدم حدوث منقصة فيه إلاّ مزاحمة المفسدة فتحقق مما ذكرنا فرق آخر بين قاعدة نفي الضّرر المستفادة من العقل وبين حديث نفي الضّرر والضّرار وهو أنّ القاعدة أنّما أثبتت حكما شرعيّا كوجوب العمل بالظّنّ في المقام أو حرمة ارتكاب ما يحتمل الضّرر بخلاف الحديث فإنّه إنّما ينفي جعل حكم متضمن للضرر وليس بنفسه جاعلا للحكم الشّرعي ولهذا لم يتمسك به أحد في مقامنا هذا أعني مقام حجّيّة الظّن وكيف كان فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول إنّ وجوب دفع الضّرر الدّنيوي موقوف على عدم وجود الكاشف عن الانجبار وهو موجود أعني أدلة الأصول الدّالة على انتفاء التّكليف عند الجهل به لكن لا يخفى أنّ هذا إنّما يتم لو ثبت حجّيّة الأصل بالسمع القطعي دون ما لو ثبت بالظّنّي أو بالعقل أمّا الأوّل فلأنّ غاية الأمر حصول الظّنّ بالتدارك وهو لا يوجب رفع احتمال الضّرر الّذي هو موضوع حكم العقل إلاّ أن يمنع من وجوب دفع غير المظنون وأمّا الثّاني فلأنّ حكم العقل بالبراءة إنّما يثمر دفع احتمال العقاب بلا بيان وهو لا ينفع في المقام لأنّ العقل إذا حكم بوجوب دفع الضّرر الدّنيوي المحتمل حكم به الشّرع أيضا لأنّ العقل من أدلة الشّرع فحصل البيان في ذلك فجاز العقاب وارتفع موضوع الأصل أعني عدم البيان فافهم وعلى هذا فيكون الأصل الأوّلي في الأشياء هو الخطر لاحتمال الضّرر الدّنيوي المترتب على احتمال التّكليف وأمّا استدلالهم على أصالة الإباحة ببناء العقلاء ففيه أنّ بناء العقلاء إنّما هو على الإباحة قبل ورود الشّرع وذلك لدوران الأمر حينئذ بين الضّررين في كل من الفعل والتّرك ولهذا يحكم بالإباحة أو من جهة عدم إدراك العقل للمفاسد الخفيّة الّتي يكشف عنها التّكاليف الشّرعيّة ولا نسلم أنّ العقل بعد ملاحظة وجود الشّرع يحكم بالإباحة نعم قد ثبت ذلك بالسمع القطعي ولا كلام فيه وهو كاف في بطلان الدّليل المذكور مع أنّه لو تم فلا يدل على حجّيّة الظّن أيضا وإنّما يدل على لزوم تطبيق العمل على الظّن بالتكليف احتياطا وهذا غير حجّيّة الخبر والظّن

٤١٨

كما لا يخفى الثّاني أنّه إذا دل خبر الواحد على وجوب شيء حصل الظّن به فكان راجحا وخلافه مرجوحا وترجيح الرّاجح على المرجوح قبيح عقلا وحاصله أنّه لما كان المقصود هو الوصول إلى الأحكام الواقعيّة فكل ما ترجح في النّظر أنّه الواقع فهو أقرب إلى المقصود فترجيح الموهوم عليه نقض للغرض وهو الوصول إلى الواقع فيكون قبيحا والجواب أنّ تماميّة هذا الدّليل موقوف على ثبوت التّكليف بالنّسبة إلى الواقع وعدم وجود العلم وعدم التّمكن من الاحتياط وإلاّ فإن قلنا بانصراف التّكليف من الواقع إلى مؤدى الطرق الشّرعيّة كان اللازم هو العمل بالظن في الطريق لا في الواقع لأنّه أقرب إلى المقصود وإن قلنا بوجود الطريق العلمي أو التّمكن من الاحتياط لم يجز اختيار الرّاجح وترك المرجوح بل كان اللازم أوّلا الاقتصار على العلم وثانيا العمل بالراجح والمرجوح معا لأنّه أقرب إلى الواقع من اختيار الرّاجح فقط مثلا لو ظن الإباحة وتوهم الوجوب فلا ريب في أنّ الإتيان به أقرب إلى الواقع لأنّه إدراك له على جميع الاحتمالات بخلاف ما لو طرح الوهم ولم يأت بالفعل فيحتمل كونه تاركا للواجب حينئذ وقد يقرر الدّليل المذكور بوجه آخر وهو أنّ العمل بالظن راجح أي حسن عقلا يثاب فاعله والعمل بالوهم مرجوح وقبيح عقلا يذم فاعله ويعاقب لأنّ الوهم كذب حقيقة وفيه أنّ الظّن أيضا إن لم يقم دليل على حجّيّته كان العمل به والتّدين به قبيحا كالوهم من غير فرق وإن قام الدّليل على حجّيّته كان المتبع هو الدّليل وإن فرض قيامه على الوهم وجب اتباعه فلا فرق بين الظّنّ والوهم من هذه الجهة ثم إنّ هذا الدّليل أيضا كسابقه لا يدل على فرض تسليمه إلاّ على لزوم تطبيق العمل بالظن من باب الاحتياط وإدراك الواقع لا حجّيّة الظّنّ ووجوب التّديّن به فضلا عن حجّيّة الخبر كما لا يخفى الثّالث أنّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوث إلى كافة الأنام بلا كلام فيجب عليه تبليغ الأحكام ومقتضى هذين المطلبين صدور التّبليغ من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فنقول إنّ التّبليغ الصّادر منه إمّا أن يكون بنفسه وهو منتف فرضا بل غير ممكن عادة وإمّا أن يكون بعدد التّواتر وهو أيضا كذلك أو بالآحاد المقرونة بقرائن القطع وهو كسابقيه فلم يبق من طرق التّبليغ إلاّ الواحد فيكون تبليغه الصّادر منه إنّما هو بخبر الواحد ثم نقول إنّه لو لم يجعل خبر الواحد حجّة تعبديّة لم يمكن التّبليغ به إذ يجب في التّبليغ أن يكون بحيث لا يبقى عذر للمكلفين والخبر لما كان غير مفيد للعلم لم يكن قاطعا للعذر إلاّ إذا جعله الشّارع حجّة تعبديّة فإذا دل الدّليل المذكور على ثبوت التّبليغ بالخبر دل على أنّ الخبر حجّة تعبديّة شرعيّة وهو المطلوب وفيه أنّ غاية ما يستفاد من هذا الوجه هو وجود طريق تعبدي وأمّا أنّه الخبر مطلقا أو بعض أقسامه أو شيء آخر معه فلا يستفاد منه فلا فائدة في نتيجة بل لا يتم هذه النّتيجة المحتملة أيضا إلاّ بعد إثبات عدم وجوب الاحتياط لأنّ تبليغ الأحكام المجعولة بنحو العلم ممكن غالبا فلم لا يجوز أن يكون هذا كافيا في التّبليغ لتمكن المكلفين من الامتثال بالاحتياط فيكون هذا الدّليل مفتقرا إلى مقدمات دليل الانسداد بل راجعا إليه في الحقيقة كما يظهر عند التّأمل وأمّا النّقل فأمور منها

٤١٩

قوله تعالى يا أيها الّذينءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا وجه الاستدلال أمران أحدهما أنّه تعالى علق وجوب التّبين على مجيء الفاسق بالخبر فينتفي عند انتفائه وإذا لم يجب التّبين عند مجيء غير الفاسق فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب أو الرّد فيلزم أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق أو نقول إنّ المراد ليس وجوب التّبين بنفسه بل عند إرادة العمل بقوله فإذا انتفى وجوب التّبين بهذا المعنى في خبر العادل كان مقتضاه جواز العمل من غير تبين وهذا معنى الحجّيّة الثّاني أنّه علق وجوب التّبين على فسق المخبر فينتفي بانتفائه ومفهوم الوصف وإن لم يكن حجّة مطلقا لكنّه حجّة قد يكون حجّة بالقرائن كما هنا لأنّ وصف كونه خبر الواحد ذاتي ووصف كونه خبر الفاسق عرضي وتعليق الحكم على الوصف العرضي مع كون المناط فيه هو الوصف الذّاتي قبيح فيكون المناط هو الوصف العرضي واعترض عليه بأمور أحدها أنّ مفهوم الشّرط في الآية هو أنّه إذا انتفى مجيء الفاسق بالخبر ينتفي وجوب التّبيّن عن خبر الفاسق لأنّه الثّابت في المنطوق وإنّما ينتفي في المفهوم عين الحكم الثّابت في المنطوق لا شيء آخر غير وفيه أنّ تقييد النّبإ بالفاسق إنّما استفيد من الشّرطيّة ومثل هذا القيد لا يعتبر في الموضوع وإلاّ لكان مفهوم قولنا إن جاء زيد فأكرمه إن لم يجئ زيد فلا تكرم زيد الجائي لأنّه الموضوع في المنطوق فلا ينافي وجوب إكرام زيد الغير الجائي وهذا يوجب انسداد باب المفاهيم الثّاني أنّ مورد الآية هو إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق وخبر العادل الواحد ليس حجّة في الارتداد اتفاقا فليس للآية مفهوم بالنّسبة إلى موردها والقول بإرادة المفهوم بالنّسبة إلى غير المورد موجب لتخصيص المورد وهو مستهجن واعترض عليه بأنّ هذا ليس تخصيصا للمورد أمّا أوّلا فلأنّ المورد هو المنطوق ولم يتصرف فيه بشيء وأمّا ثانيا فلأنّه تقييد للمورد لا تخصيص لأنّ الخبر العدل الواحد في الارتداد أيضا حجّة كما هو مفهوم الآية لكن بشرط انضمامه إلى عدل آخر فلم يلزم إخراج العدل الواحد رأسا في مورد الآية ليلزم التّخصيص وأجيب عن الثّاني بأنّ الحجّة في الارتداد هو مجموع الشّاهدين لا كل واحد وحينئذ فلو شمل الآية للارتداد لكان المراد بمفهومها إثبات حجّيّة كل واحد في غير الارتداد وكل اثنين في الارتداد وهذا جمع بين المعنيين فإمّا تحمل على إرادة كل اثنين فلا تدل على حجّيّة خبر الواحد وتحمل على إرادة كل واحد وخروج الارتداد عن المفهوم وهو تخصيص للمورد لا تقييد والتّحقيق في وجه الإيراد أن يقال إنّ إرادة الشّرط موضوعة للتعليق وظاهر الكلام تعليق وجوب التّبين في النّبإ على الفسق مطلقا سواء كان في الموضوعات أم في أحكام أو غيرها مع أنّه ليس كذلك لأنّ التّبين في الارتداد ليس معلقا على الفسق بل إمّا على الفسق أو على وحدة العدل وحينئذ يجب عدم إرادة التّعليق بالنّسبة إلى المورد فإن أريد بالنّسبة إلى غيره لزم استعمال الأداة في المعنيين ولا فرق في هذا بين أن يكون الحجّة كل واحد من العدلين بشرط الانضمام أو المجموع من حيث المجموع وإذا لم يجز الجمع بين المعنيين وجب عدم إرادة التّعليق رأسا أو إرادة تعليق إطلاق

٤٢٠