غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

سببا لا من حيث الخصوص بل من حيث كونه فردا للقدر المشترك الذي هو سبب الوجوب فيكون التّصرف في الشّرط أيضا وعلى هذه الوجوه الثّلاثة لا يلزم تجوز في المنطوق وإن قلنا بوضع الأداة للتّعليق في الوجود والعدم الرّابع أن يجعل كل منهما شرطا أصوليّا لوجب القصر بحيث يلزم من عدمه العدم فلا يستفاد منهما كفاية الوجود في الوجود حتى حال اجتماع الخفاءين أيضا فإن قلنا إنّ أداة التّعليق موضوعة لإفادة التّلازم مع إفادة التّوقف لزم التّجوز حينئذ حيث لم تستعمل في التّلازم بل استعملت في التّوقيف فقط وإن قلنا إنّها موضوعة للتّوقيف فقط وإنّ استفادة السّببيّة إنّما هي من إطلاق الشّرط لم يلزم التّجوز الخامس أن يقيد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فيكون مفهوم الأوّل إذا لم يخف الأذان لم يجب القصر إلاّ إذا خفي الجدران فيجب القصر وإن لم يخف الأذان وهذا منطوق الثّاني ويكون مفهوم الثّاني إذا لم يخف الجدران لم يجب القصر إلاّ إذا خفي الأذان فيجب القصر وإن لم يخف الجدران وهو منطوق الأوّل فيكون مقتضاهما وجوب القصر بوجود أحدهما وانتفاؤه بانتفاء المجموع ولا يخفى أنّ تقييد المفهوم لا يمكن إلاّ بالتّصرف في المنطوق إذ لو كان مقتضى منطوق الأوّل توقف وجوب القصر على خصوص خفاء الأذان كما هو معنى التّعليق وأبقي على ظاهره اقتضى انتفاء الوجوب عند عدم الخفاء مطلقا وإلاّ لم يصدق التّوقف على الخصوص وحينئذ فيجب أمّا القول بأن ليس مقتضى المنطوق التّوقف على الشّرط بالخصوص بل التّوقف عليه إنّما هو من حيث كونه أحد أفراد القدر المشترك حتى يرجع إلى الوجه الثّالث والقول بعدم المفهوم فيهما رأسا لأنّ المفهوم لا يقاوم المنطوق إذا تعارضا بل يقدم المنطوق فيكون كل منهما سببا على التّخيير وعلى الأوّل لا تجوز كما عرفت في الوجه الثّالث وعلى الثّاني أعني طرح المفهوم يلزم التّجوز على التّحقيق من كون التّعليق ثابتا لأداته بحسب الوضع إلاّ أن يكون مستفادا من الإطلاق إذا عرفت الوجوه المذكورة وما يترتب عليها من التّقييد والتّجوز فاعلم أنّه وإن كان مقتضى القواعد ترجيح التّقييد على المجاز ولكن نحن مستغن عن إجراء القاعدة في المقام لنحتاج إلى ترجيح ملاحظة ترجيح آخر بين الوجوه المستلزمة للتّقييد بل نقول الظّاهر من القضيتين المذكورتين في العرف كون القدر المشترك سببا وانتفاء الجزاء بانتفاء الجميع وثبوته بثبوت أحدهما والمرجع في دلالة الألفاظ إلى الظّهور العرفي وإذا فالأظهر هو الوجه الثّالث وأمّا ما ذكره بعضهم من تقييد القضيّة الأولى منطوقا ومفهوما بمنطوق الثّانية ومفهومها دون العكس فيكون خفاء الأذان سببا عند خفاء الجدران وعدمه مستلزما للعدم عند عدم خفاء الجدران دون العكس فهو في الحقيقة طرح للقضيّة الأولى لا جمع بل يكون خفاء الأذان بالنّسبة إلى وجوب القصر كالحجر الموضوع في جنب الكاتب بالنّسبة إلى الكتابة فافهم الثّالثة يجري النّزاع المذكور في كل ما استفيد منه معنى إن الشّرطيّة مثل من الشّرطيّة وسائر ما يشعر بالتّعليق ولو مجازا ولذا استدل بقوله تعالى فمن لم يستطع منكم طولا إلى قوله

٣٤١

فما ملكت أيمانكم على أنّ من استطاع على مهر الحرّة لا يجوز له تزويج الأمة وكذا الفعل الواقع للطّلب نحو ادعوني أستجب لكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ونحو ذلك الرّابعة إذا كان الجزاء في المنطوق مجملا كان المفهوم أيضا مثله كما لو قال إذا توضأت فصلّ وفرض اشتراك الأمر بين الوجوب والإباحة كان المفهوم مردّدا بين انتفاء الوجوب وانتفاء الإباحة ثم إذا تعقب الجملة المذكورة جملة أخرى محتملة لأن تكون مذكورة للتّصريح بذلك المفهوم المجمل وأن تكون مستقلة بالإفادة وكانت مع فرض الاستقلال ظاهرة في معنى فهل تحمل على ظاهرها أو لا كما قال بعد المثال المذكور إن لم يكن وضوء فلا صلاة فإن مثل هذه العبارة إن ذكرت مستقلة كانت ظاهرة في نفي المشروعيّة عند عدم الوضوء أمّا على قول الصّحيحيّة فلإفادتها نفي الذّات وأمّا على قول الأعمّيّة فلأنّ نفي المشروعيّة أقرب إلى الذّات من نفي الوجوب ولكنّها لما وقعت عقيب قوله إن توضّأت فصّل احتمل كونها تصريحا بذلك المفهوم فتكون مجملة كالمفهوم إذ ليس الظّهور فيها على حدّ يوجب بيان المفهوم كما في العام إذا تعقبه ما يحتمل كونه مخصّصا وغير مخصّص فإن ظهور العام يوجب حمله على غير المخصص وأمّا فيما نحن فيه فليس الظّهور بهذا النّحو ولاحتمال كونها مستقلة فيزاد منها ظاهرها وهو نفي المشروعيّة وهذا لا يوجب بيان المفهوم لأنّ المفهوم لو كان نفي الوجوب لم يناف نفي المشروعيّة حتى يتعارض مع القضيّة الثّانية لتحمل على كونها بيانا والمرجع في استفادة كونها تصريحا بالمفهوم وعدمه هو فهم العرف ولا يبعد دعوى حملها على الاستقلال واستدل بعضهم عليه بأنّ التّأسيس أولى من التّأكيد إذ لو كانت تصريحا بالمفهوم لزم التّأكيد وفيه نظر إذ لو جعلت مستقلة لم ينتف احتمال التّأكيد أيضا ولم يتعيّن التّأسيس لاحتمال كون المفهوم في الواقع هو ما اقتضاه ظاهر القضيّة الثّانية أعني نفي المشروعيّة نعم لو ثبت حملها على ظاهرها أمكن دعوى كون المراد من المفهوم غير ما اقتضاه ظاهرها حذرا من التّأكيد لكنّه أوّل الكلام مع أنّه غير مراد المستدل فتأمّل

المبحث الثّاني في مفهوم الوصف

وتحقيق الكلام فيه يظهر ببيان أمور الأوّل المراد من الوصف ليس خصوص الوصف النّحوي وهو التّابع الدّال على معنى في متبوعه ولا خصوص المشتقات بل المراد به ما إذا اعتبر في الحكم ذات باعتبار بعض صفاته سواء صرّح بالقيد نحو أكرم الرّجل العالم أو لا بل ذكره في ضمن إيراده مشتقا نحو إن جاءكم فاسق أو ذكره كناية والتزاما نحو لأن يمتلأ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلأ شعرا فإنّه كناية عن قبح الشّعر الكثير بل لا يبعد دعوى عدم الاختصاص باعتبار الصّفة مع الذّات بل يعم الكلام ما إذا اعتبر الذّات مقيدا سواء كان التّقييد بالصفة أو غيرها فيدخل في مفهوم الوصف مفهوم العدد والزّمان وأمّا إذا قيد الحكم بالمفعول والحال فهما وإن خرجا عن تقييد الذّات لأنّ التّقييد فيهما وارد على الفعل لا الموضوع لكن مناط البحث في الجميع واحد كما سيظهر بل التّقييد فيها راجع إلى الموضوع أيضا والقول بخروج التّقييد بالمفعول له

٣٤٢

عن محلّ النّزاع كقوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق من جهة أنّه علّة للحكم فاسد إذ لو أريد أنّه علّة للّنهي فممنوع كما لا يخفى وإن أريد أنّه علّة للقتل فهو لا يوجب عدم كونه قيدا فالحق دخوله في محلّ النّزاع الثّاني الوصف إمّا مساو للموصوف في العموم والخصوص ولا ريب في انتفاء المفهوم حينئذ بل يكون الوصف حينئذ موضحا أو مؤكدا أو غيرهما وإمّا يكون أخصّ منه مطلقا وهو داخل في النّزاع جزما أو يكون أخصّ منه من وجه نحو في الغنم السّائمة زكاة ولا ريب في دخوله في محلّ النّزاع بالنّسبة إلى الغنم الغير السّائمة أعني مورد الافتراق من طرف الغنم وأمّا بالنسبة إلى السّائمة من غير الغنم فهل يدل على انتفاء الحكم بانتفاء السوم قيل إنّه داخل في النّزاع من جهة أنّ بعض العامة حكم بثبوت المفهوم فيه وفيه نظر إذ يعتبر في المفهوم والمنطوق أن لا يكون بينهما فرق إلاّ من جهة النّفي والإثبات ووجود الشّرط والوصف وعدمه فيشترط اتحاد الموضوع فيهما والموضوع في المثال هو الغنم فالمفهوم هو انتفاء الحكم عن الغنم المعلوفة لا عن الإبل بل الانتفاء عن الإبل المعلوفة يتوقّف على ثبوت كون السوم علة منحصرة للزّكاة في مطلق الحيوان ولو ثبت ذلك فليس لمفهوم قولنا في الغنم السّائمة زكاة بل لدليل خارجي كما هو ظاهر ثم إنّ بعض أقسام الوصف خارج عن محل النّزاع قطعا منها الوصف العدمي كما لو قال أكرم الرّجل الّذي ليس بجاهل إذا الظاهر منه عرفا كون الجهل مانعا عن وجوب الإكرام ومنها الأوصاف المذكورة في الحدود نحو الكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد لا لظهور الوصف في الاحتراز لأنّه غير المراد من المفهوم فإنّ الاحتراز إنّما يستلزم انتفاء الحكم الخاص بانتفاء الوصف لا مطلق الحكم كما هو معنى المفهوم بل لأنّ ظاهر من يذكر الحد إيراد الحد المساوي للمحدود أعني الجامع المانع فلو كان يصدق المحدود على غير المتّصف بتلك الأوصاف لما كان الحد مانعا وهو خلاف ظاهر المحدد الثّالث قيل النّزاع في ثبوت مفهوم الوصف ليس بحسب الوضع اللّغوي لأنّ الوضع للتّلازم والتّوقيف على الوصف كما هو معنى المفهوم إمّا يدعى ثبوته للوصف فقط وهو ظاهر البطلان أو لهيئة تركيبه مع الموصوف وهو أيضا فاسد لأنّها لا تقتضي إلاّ اتصاف الموصوف بتلك الصفة ولذا عرف النّعت بأنّه التّابع الّذي يدل على معنى في متبوعه أو يقول إنّ هيئة تعليق الحكم على الوصف موضوعة للتّوقيف المذكور وهو خلاف ظاهرهم إذ لم يقيموا في المسألة دليلا يقتضي ذلك والأصل عدم الوضع بل الظاهر أنّ النّزاع إنّما هو في ظهور الهيئة المذكورة في التّوقيف عرفا إمّا بدعوى انصرافها عرفا إلى معنى التّلازم والتّوقيف أو من جهة أنّه إذا لم يكن للوصف فائدة سوى المفهوم وجب إرادته لئلا يلزم كونه لغوا والحق أنّ النّزاع إنّما هو في أصل الدّلالة أعمّ من الوضع والانصراف العرفي لأنّ استدلالهم في المسألة بأنّ الوصف تارة يراد منه المفهوم وتارة لا يراد فيجب كونه قدر المشترك حذرا من المجاز والاشتراك إنّما هو في مقابل القول بالوضع لا بالانصراف واستدلالهم بلزوم اللّغو لو لم يكن هناك فائدة سوى المفهوم إنّما هو في مقابل

٣٤٣

من يدعي نفي الانصراف فيعلم أنّ النّزاع إنّما هو في أصل الدّلالة وإن اختلفوا في كيفيّتها أيضا ويظهر الثّمرة بين القول بالانصرافي وبين القول بالوضع مع لزوم المجاز على الثّاني عند عدم إرادة المفهوم دون الأوّل في الوصف المؤكدة والموضحة نحو نفخة واحدة فإنّ تعليق الحكم على مثل ذلك يفيد المفهوم على القول بالوضع دون الانصراف لأنّ الانصراف أنّما هو فيما إذا لم يكن فائدة سوى المفهوم وهذا غير جار فيه لأنّ التّأكيد من أظهر الفوائد في مثله فإذا تمهدت هذه المقدمات فنقول استدلوا على ثبوت المفهوم بوجوه منها اتفاق العلماء على وجوب حمل المطلق على المقيد إذا كانا إثباتين ولو لم يكن قوله أعتق رقبة مؤمنة مفيدا لانتفاء الوجوب عن عتق غير المؤمنة لم يكن بينه وبين قوله أعتق رقبة تعارض ومنافاة حتى يلزم الحمل ومن هنا نشأ الإشكال حيث اتفقوا هناك على الحمل المذكور واختلفوا في ثبوت المفهوم بل المشهور على عدمه وهذا تناقض بيّن وفيه نظر لأنّ حكمهم بالحمل هناك ليس من جهة المفهوم بل لأنّ كلامهم هناك إنّما هو فيما إذا اتحد سبب الحكم في المطلق والمقيد واتحاده يكشف عن وحدة التّكليف ومع وحدته يقع التّعارض بين منطوق المطلق والمقيد من جهة ظهور الأوّل في الوجوب التّخييري في الأفراد وظهور الثّاني في الوجوب العيني للمقيّد فإن قلنا إنّ المطلق لا يصير مجازا بالتّقييد لأنّ الإطلاق أنّما هو من جهة حكم العقل بإرادة الطبيعة اللابشرط عند عدم بيان القيد كان حمل المطلق على المقيد من جهة ارتفاع موضوع حكم العقل بواسطة الخطاب بالمقيد إذ بعد بيان القيد لا يبقى للعقل حكم بإرادة الإطلاق والحمل حينئذ ليس من جهة التّعارض وإن قلنا إنّ التّقييد يوجب التّجوز في المطلق لكونه موضوعا للطّبيعة المعراة عن القيود دار الأمر حينئذ بين التّقييد في المطلق وحمل الأمر على الوجوب التّخييري أو الاستحباب ولا ريب أنّ ظهور الأمر في الوجوب العيني أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق فيقدم عليه وبالجملة ليس الحمل من جهة المفهوم كيف ولو قطع النّظر عن وحدة التّكليف لم يكن للحمل المذكور وجه وإن قلنا بثبوت المفهوم للوصف وذلك لأنّا إن قلنا إنّ الحكم المرتفع في المفهوم هو الثّابت في المنطوق كان المرتفع في المثال المذكور الوجوب العيني عن غير المؤمنة وهو لا ينافي ثبوت الوجوب التّخييري له كما هو مقتضى المطلق وإن قلنا إنّ المرتفع هو الحكم كليّة فإن قلنا بأنّ التّقييد مجاز لزم تعارض الظاهرين ظهور المطلق في الإطلاق وظهور الوصف في المفهوم والتّرجيح الأوّل لأنّ ظهور المنطوق مقدم على المفهوم نعم لو قلنا إنّ التّقييد لا يوجب التّجوز وجب تقديمه على ترك المفهوم ولكن المسألة خلافيّة أعني كون التّقييد موجبا للتّجوز وعدمه مع أنّهم اتفقوا على الحمل المذكور فيعلم أنّه ليس من جهة المفهوم لابتناء صحّته حينئذ على أمور غير متفق عليها كما عرفت ولذا تراهم لا يحكمون بوجوب حمل العام على الخاص المثبتين نحو أكرم البصريين وأكرم علماءهم مع أنّه لو كان للوصف مفهوم كان الخاص معارضا للعام فعدم الحكم بذلك إنّما هو من جهة أنّ مقتضى العام هو الوجوب

٣٤٤

العيني بالنسبة إلى كل فرد فلا ينافي مدلول الخاص وهو الوجوب العيني بالنّسبة إلى الفرد بخلاف المطلق والمقيّد لأنّ مقتضى المطلق وجوب الأفراد تخييرا فينافي عينيّة الفرد كما يقتضيه المقيد فلذا يحكمون بحمله عليه وبهذا علم دفع الإشكال أيضا ومنها اتفاقهم على أنّ الوصف يوجب التّخصيص وقد علمت جوابه وهو أنّ التّخصيص أنّما هو في الحكم الخاص لا مطلق الحكم ومنها أنّ الوصف إذا كان له المفهوم كان أفيد إذ يستفاد منه حكمان مفهوما ومنطوقا وهو إثبات اللّغة بالاستحسان ومنها فهم أهل اللّسان كما نقل أنّ أبا عبيدة فهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه أنّ لي غير الواجد ليس كذلك واعترض عليه بأنّه لعله كان ذلك عن اجتهاده لا عن نقله واجتهاده لا عبرة به وأيضا هو معارض بقول الأخفش حيث نفى المفهوم وأجيب عن الأوّل بأنّ اجتهاده حجة إذا حصل منه الظّنّ وليس هذا تقليدا له بل هو مدرك للظّنّ كما أنّ اجتهاد علماء الرّجال في التّعديل والجرح معتبر لاستفادة الظّنّ منه وعن الثّاني بأنّ الأخفش ناف والمثبت مقدم على النّافي في اللّغات لاستناد دعوته إلى مشاهدة الاستعمال والنّافي يدعي عدم المشاهدة ولا حجة له على مدعاها وفيهما نظر أمّا الثّاني فلأنّ تقديم المثبت غير مسلم كليّة بل فيه تفصيل سبق في ابتداء الكتاب وهنا نقول إنّه إن كان المثبت يدعي الوضع والنّافي ينفيه قدم النّافي لاستناد المثبت إلى مشاهدة الاستعمال وعدم العلم بالقرينة والنّافي يدعي وجود القرينة نعم لو كان الكلام في الانصراف العرفي قدم المثبت لاستناده إلى وجود القرينة الموجبة للانصراف والنّافي إلى عدمها وأمّا الأوّل فلأنّ اجتهاد المجتهد إنّما يكون حجة إذا انحصر مدرك الحكم فيه وإذا علم مدركه وجب النّظر فيه ولا يجوز العمل باجتهاده وقول علماء الرّجال إنّما يعتبر إذا لم يعلم مستندهم مثل الكشي وأمثاله من المتقدمين الّذين لا يعلم مستندهم وأمّا العلاّمة وأمثاله من المتأخّرين فيعلم أنّ مستندهم هو قول الكشي وأمثاله فلا يجوز العمل باجتهاده في تصحيح الخبر بل يجب النّظر في مدركه وهنا أيضا كذلك لأنّ العرف مدرك في أمثال ذلك فيجب الرّجوع إليهم وكل ما ثبت عرفا ثبت لغة بضميمة أصالة عدم النّقل فإن عارضه قول اللّغوي كان المعتبر أقوى الظّنّين أعني الظّنّ الحاصل من العرف بضميمة الأصل والظّنّ الحاصل من قول اللّغوي بل من نقله أيضا والعرف لا يحكمون باستفادة العليّة من الوصف أصلا ولو سلم انفهام العليّة فلا ريب في عدم انفهام العليّة المنحصرة قطعا ولذا لا يحكمون بالتّنافر لو قال أكرم العالم والجاهل ولو استفيد المفهوم من العالم لكان ذكر الجاهل موجبا للتنافر مع أنّ المشهور عدم حجّيّته بين القوم والقول بها نادر جدا ولذا تراهم يقولون تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعليّة والإشعار غير الدّلالة تنبيهات أحدها المعروف أنّ الوصف أو الشّرط إذا كان واردا مورد الغالب لم يدل على انتفاء الحكم نحو قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق لأنّ القتل غالبا إنّما يتحقق خشية

٣٤٥

الإملاق وقوله تعالى وربائبكم اللاّتي في حجوركم واختلف في وجه عدم المفهوم في ذلك فقال بعض المحققين إنّ وجه ذلك هو أنّ الفرد النّادر هو الّذي يحتاج بيان حكمه إلى التّنبيه لانصراف المطلق إلى غيره والفرد الشّائع لا يحتاج بيان إرادته إلى التّنبيه فالمطلق في نفسه ينصرف إلى الفرد الشّائع ولا يشمل النّادر فتقييده بالفرد الشّائع لا يمكن أن يكون للتّنبيه على عدم إرادة النّادر إذ مع عدم التّقييد بذلك أيضا لم يشمله المطلق فليس الوصف في ذلك مخصّصا بل يجب أن يكون له فائدة أخرى غير التّخصيص ثم ذكر بعض الفوائد واعترض عليه بعضهم بأنّ عدم انصراف المطلق إلى النّادر لا يوجب عدم إرادة المفهوم من الوصف الشّائع للفرق بين عدم إرادة النّادر من المطلق حتى يكون مسكوتا عنه وبين نفي ثبوت الحكم فيه كما هو مقتضى المفهوم قال فالأولى في الوجه أن يقال إنّه لمّا لم يكن المطلق شاملا بحسب العرف للفرد النّادر كان الوصف الشّائع وصفا موضحا لتساويه مع الموصوف في الأفراد والوصف الموضح لا يفيد المفهوم واعترض عليه بعض الأفاضل أوّلا بأن يكون الوصف موضحا إنّما هو في صورة كون الانصراف على نحو يقطع بعدم إرادة النّادر منه وأمّا لو كان موجبا للإجمال وكان الحمل على الشّائع لكونه متيقّنا فلا يتم ذلك لجواز كون الوصف حينئذ موجبا لرفع الإجمال بنفي الحكم عن النّادر من جهة المفهوم وثانيا بمنع كون الوصف الموضح في مثل المقام غير مقيد للمفهوم بل هو أولى بالإفادة من الوصف المخصّص لوجود فائدة التخصيص في الوصف المخصّص بخلاف الموضح فلو لم يكن له مفهوم لكان ذكره لغوا فحينئذ الأولى التّفصيل بين الشّرط والوصف وأنّ الثّاني لا فرق فيه بين الورود في مورد الغالب وعدمه بناء على القول بثبوت المفهوم للوصف فيفيد المفهوم في كليهما على القول بإفادته بل يجب الحكم بإفادته حينئذ في مثل الآية يعني وربائبكم إلى آخره لتعقبه بقوله تعالى من نسائكم اللاّئي دخلتم بهن فإنّه يفيد المفهوم قطعا وإذا ترتب وصفان واستفيد من أحدهما المفهوم استفيد من الآخر أيضا عرفا فالحكم بعدم المفهوم في الآية بخصوصها باطل وإن سلّمنا أنّ الوصف لا يفيد المفهوم لو ورد مورد الغالب وأمّا الشّرط فالتّحقيق فيه عدم المفهوم لو ورد مورد الغالب نحو إن جاء زيد فأكرمه إن كان الغالب من أحواله المجيء لفهم العرف حيث لا يفهمون من ذلك إلاّ وجوب الإكرام كليّة لا عند خصوص المجيء وكذا الوصف على القول بنفي المفهوم بل يفهم من الشّرط والوصف كليّة الحكم أيضا لا كون النّادر مسكوتا عنه وحكمة التّعليق إنّما هي بيان كون الملاقاة في المثال المذكور شرطا في الوجوب فلا يجب تحصيله من باب المقدمة فالشرط حقيقة هو الملاقاة وأمّا ذكر المجيء فإنّما هو لكونه غالب أفراد الملاقاة الّذي هو شرط جعل كناية عن اشتراط الملاقاة نحو قوله تعالى إذا نودي للصّلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله لوجوب الجمعة لو ترك النّداء أيضا لكن التّعليق إنّما يفيد كون دخول الوقت شرطا وكذا النّداء كناية عن دخول الوقت وذكر ذلك لكونه ملازما لدخوله غالبا هذا حاصل ما ذكره في المقام وأقول أمّا التّمثيل بقوله تعالى وربائبكم فظاهر الفساد لأنّه جمع مضاف يفيد

٣٤٦

العموم من المقرر عندهم عدم انصراف العام إلى الفرد الشّائع فجعل الوصف موضحا فاسد وأمّا دعوى الانصراف إلى الشّائع فلا يتم كليّة إذ لو أريد من الفرد الشّائع الفرد الشّائع في الوجود دون الاستعمال فهو لا يوجب الانصراف كما مر وإن أريد الشّائع في الاستعمال فلا ريب أنّه يختلف بحسب الأحكام فإنّ الماء يستعمل في الماء الحلو غالبا عند الأمر بالشرب وفي الماء المالح غالبا في أمثال هذه الأماكن المتبركة عند الأمر بالاستعمال وبالجملة يختلف شيوع الاستعمال في الفرد بحسب الموارد والأحكام والأماكن فالحكم بالانصراف كليّة عند شيوع الاستعمال لا وجه له وغلبة استعمال ربائب في مقام تحريم النّكاح في الرّبائب الّتي في الحجور ممنوعة ثم إنّ الانصراف إلى الغالب في الشّرط غير معقول المراد خصوصا في مثل إذا جاء زيد فأكرمه حيث يكون الموضوع مشخصا معيّنا إذ لو أريد انصراف زيد إلى الغالب لشيوع استعماله في زيد الجائي فلا يخفى سخافته وإن أريد أنّ المجيء منصرف إلى الغالب فلا ريب أنّه ليس له فردان غالب وغيره وبالجملة فلا يتعقل الانصراف إلاّ في الحكم الّذي تعلق بالمطلق الّذي شاع استعماله في فرد خاص في سياق ذلك الحكم ففي مثل هذا الموضع لو تعقبه الوصف الشّائع كان موضحا وأمّا غير ذلك فلا نعلم جهة الانصراف بل لا يتعقل في بعض الموارد كالشرط على ما بيّنا ثم إنّ الظاهر من المحقق القمي رحمة الله عليه أنّ الوصف إذا ورد مورد الغالب لم يفد المفهوم لكن الحكم يختص بالفرد الشّائع لنفس الانصراف فإنّه مثل الأمر بالتيمّم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج فإنّ الغالب عدم وجدانه الماء في المسجد فلا يجري الحكم بالنسبة إلى واجد الماء وظاهر الفاضل الشّريف رحمة الله عليه أنّ الوصف الوارد مورد الغالب يوجب تعميم الحكم إلى الفرد النّادر أيضا وكذا الشّرط نحو إذا نودي للصّلوة من يوم الجمعة والتّحقيق أنّه إذا كان للمطلق أفراد شائعة فقد يعبرون في العرف عن الحكم الثّابت للمطلق بالأفراد الشّائعة فيقال أكرم المتلبس بالعمامة ويراد منه إكرام الطلاب وإن خلوا عن الوصف وقد يعبرون عن الحكم الثّابت للأفراد الشّائعة بلفظ المطلق فيقال اسقني الماء ويقصد الماء الحلو وهذا شائع في العرف جدّا ثم إنّ الوصف إمّا من المشتقّات كما يقال أكرم العالم أو لا بل هو وصف نحوي وبعبارة أخرى إمّا أن يكون الموضوع في الحكم هو الوصف المشتق من دون ذكر الموصوف أو يكون الموضوع هو المطلق ويذكر بعده النّعت النّحوي والمناط في عدم تعميم الحكم الصورة انتفاء الوصف كون الغرض منه التّخصيص وكونه موضوعا للحكم الثّابت في الكلام والمناط في استفادة المفهوم كون الغرض من ذكره تعليق الحكم عليه وإناطته به والمناط في استفادة العموم كون الموضوع هو المطلق إذا لم يكن له فرد شائع الاستعمال ويكون ذكر الوصف لغير التّخصيص والإناطة إذا عرفت هذا فنقول إنّ الوصف الوارد مورد الغالب ليس الغرض منه الموضوعيّة في الحكم ولا التّعليق والإناطة بل وجوده بالنّسبة إلى الحكم كالعدم عرفا وإنّما يذكر لفائدة أخرى ويكون الموضوع هو الموصوف فإذا كان الوصف

٣٤٧

من المشتقات كان الموضوع هو الذّات فيعم صورة انتفاء الوصف أيضا وإن كان نعتا نحويّا فالموضوع هو ذات الموصوف فإن كان عاما عم الحكم صورة انتفاء الحكم للوصف أيضا نحو ربائبكم وإن كان مطلقا فإن كان شائع الاستعمال في ذلك الوصف اختص الحكم به لا من جهة الوصف المذكور بل من جهة انصراف المطلق إليه عرفا وكونه من قبيل التّعبير عن حكم الفرد الشّائع بالمطلق وإن لم يكن شائع الاستعمال بل كان محض الشّيوع الوجودي عم الحكم صورة انتفاء الوصف أيضا ويكون علة ذكر الوصف كونه موضع الحاجة وكذا الكلام في الشّرط نحو وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة إذ ليس الغرض من الشّرط التّعليق ولا بيان الموضوع بل الموضوع هو الشّخص والتّقييد إنّما هو لكون الغالب في موارد الحاجة إلى الارتهان حالة السفر وعدم الكاتب والآية للإرشاد إلى كيفيّة العمل في موضع الحاجة ولكن الحكم عام لعموم موضوعه وبما ذكرنا علم أنّ كلام المحقق القمي رحمه‌الله معناه اختصاص الحكم بالمتصف بالوصف من جهة كون الموضوع هو المطلق وهو منصرف إلى الشّائع لا من جهة استفادة التّخصيص من الوصف ولكنه لا يتم في العام مثل ربائبكم ولا في المطلق الّذي ليس شائع الاستعمال في الفرد نعم يتم في المطلق الّذي شاع استعماله في الفرد كما عرفت وكذا كلام الفاضل الشّريف من دعوى العموم مطلقا فإنّه لا يتم فيما شاع استعماله في الفرد نعم يتم في غير ذلك وما ذكرنا لا شبهة فيه إنّما الإشكال في تميز الوصف الّذي يكون الغرض منه التّخصيص والموضوعيّة والإناطة عما لا يراد منه شيء منهما وكذا الشّرط والظّاهر أنّه إذا وردا مورد الغالب لم يفهم منهما إناطة الحكم عرفا وأمّا فهم الموضوعيّة فيختلف بحسب الموارد ولا ضابط كليّا في المقام نعم متى شكّ في الموضوعيّة وعدمها وجب الاقتصار على المتصف بالوصف الثّاني إذا كان تحقق الحكم في صورة انتفاء الوصف أولى لم يفد المفهوم وكذا الشّرط نحو لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق لأنّ الحكم بحرمة القتل في صورة انتفاء الخشية أولى والظاهر أنّ هذا أيضا داخل في انصراف المطلق إلى الشّائع لأنّ الغالب من القتل إنّما هو في صورة خشية الفقر فالموضوع هو ذات القتل وذكر القيد لنكتة أخرى غير التّخصيص ولذا مثلنا بالآية في التّنبيه السابق أيضا الثّالث قد اشترطوا في استفادة المفهوم من الشّرط أو الوصف عدم ذكره في السؤال وإلاّ لم يكن الجواب مفيدا للمفهوم كما لو قيل هل في السّائمة زكاة فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس في السائمة زكاة إذ لعل التّقييد إنّما هو لمطابقة السؤال وأيضا اشترطوا كونه في كلام من لا يحتمل فيه الجهل وإلاّ لم يجز الحكم بإرادة المفهوم لاحتمال أنّ تخصيص المتصف بالشرط أو التّقييد من جهة جهله بحكم صورة انتفائه ولهذا لو ذكر التّقييد المذكور في كلام الفقيه لم يمكن الحكم بإرادة المفهوم لاحتمال أنّه أنّما اجتهد في حكم من يوجد فيه القيد فعلمه دون فاقده ومرجع هذه الوجوه المذكورة هو أنّ الضّابط في استفادة المفهوم كونه ظاهرا فيه من جهة الوضع أو الانصراف ولا يكون في المقام ما يوجب ظهوره في عدمه كالغلبة والأولويّة وغيرها من الوجوه

٣٤٨

المذكورة أو غيرها وأمّا على القول باستفادة المفهوم من الوصف من جهة خلوه عن الفائدة فمتى احتمل أحد هذه الوجوه كفى في الخروج عن اللّغويّة ولم يمكن معه إثبات المفهوم وإن لم يكن على حد الظّهور العرفي

المبحث الثّالث في مفهوم الغاية

وتحقيق المطلب فيه يظهر في طي أمور الأوّل النّزاع في هذا الأصل إنّما هو في أنّ تحديد الحكم بغاية هل يدل على انتفائه عما بعد الغاية بحيث لو دل دليل آخر على ثبوته في ما بعدها لعارضه أو لا وأمّا انتفاء نفس الحكم الخاص عن ما بعد الغاية فلا نزاع فيه وللغاية إطلاقات منها النّهاية ومنه العلل الغائيّة لأنّ غاية العمل نهاية له في الجملة ومنها المسافة كقولهم من لابتداء الغاية إذ ليس للنّهاية بداية وإنّما النّهاية والبداية كلاهما للمسافة وهي حقيقة في المعنى الأوّل وإطلاقها على الثّاني مجاز بعلاقة الجزء والكل لأنّ النّهاية جزء المسافة كما قيل واعترض عليه بأنّ نهاية الشّيء ضد له لأنّها حده والحد خارج عن المحدود فالأولى أن يقال إنّه تجوز بها عن الجزء الأخير من المسافة لمجاورته مع النّهاية ثم تجوز به عن المسافة بعلاقة الكل والجزء فيكون من قبيل سبك مجاز عن مجاز وفيه نظر إذ لا نسلم كون نهاية الشّيء ضدا للشّيء بل البداية والنّهاية أمران منتزعان من الشّيء باعتبار انقطاعه من أحد الجانبين فهما صفتان عارضتان للشّيء منتزعتان منه فيمكن التّجوز بهما عن الشّيء بحيث لا يلزم سبك المجاز عن المجاز ومنها مدخول الأدوات الدّالة على التّحديد مثل إلى وحتى وهو المراد في قولهم هل الغاية داخلة في المغيّا أو لا إذ ليس المراد هو النّهاية إذ النّهاية إمّا عبارة عن الحد فهو خارج عن المحدود جزما أو عن الجزء الأخير وهو داخل قطعا بل النّزاع إنّما هو في أنّ مدخول حتى مثلا داخل في المغيّا حتى يثبت حكمه من المنطوق أو لا حتى يخرج وإذا حكم بخروجه جرى النّزاع في ثبوت المفهوم بالنّسبة إليه وعدمه وكذا بالنّسبة إلى ما بعده سواء قيل بدخوله في المغيّا أو خروجه وقيل إنّه إذا قيل بخروج المدخول عن المغيّا فخروج ما بعده عنه أولى فلا معنى للنّزاع في ثبوت المفهوم حينئذ فاسد لأنّ الخروج عن المنطوق إنّما يوجب كونه مسكوتا عنه وأمّا نفي الحكم عنه فيتوقف على استفادة المفهوم ثم إنّ المراد بالغاية في محل النّزاع إمّا مدخول الأدوات فيكون حاصل النّزاع أنّ الحكم المذكور هل يدل على انتفاء الحكم عن ما بعد مدخول الأدوات وإمّا نفس المدخول فإن قيل بدخوله في المنطوق فهو وإن قيل بخروجه لم يدخل في هذا النّزاع بل يحتاج إلى نزاع آخر أو المراد بالغاية هنا هو النّهاية فيكون النّزاع في أنّ تحديد الحكم بنهاية هل يدل على انتفاء الحكم عما بعد تلك النّهاية أو لا ويكون النّزاع في تلك المسألة في أنّ مدخول الأدوات هل هو نهاية للحكم بنهايته حتى يدخل في المنطوق لأنّ نهايته حينئذ حد للحكم أو بابتدائه فيدخل في المفهوم لكونه ما بعد النّهاية حينئذ وهذا هو الصّواب في محل النّزاع لئلا نحتاج في صورة الحكم بخروج المدخول عن المنطوق إلى نزاع مستقل والحاصل أنّ النّزاع هنا في حكم ما بعد النّهاية من حيث المفهوم وهناك في تحديد النّهاية وأنّها ابتداء المدخول أو انتهاؤه فافهم الثّاني اختلفوا في أنّ الغاية أعني مدخول الأدوات كحتى

٣٤٩

وإلى داخلة في المغيّا أو لا عند عدم القرينة على أقوال ثالثها التّفصيل بين إلى وحتى فيدخل في الثّاني ويخرج في الأوّل أو بالعكس ورابعها التّفصيل بين كون المدخول من جنس المغيّا فيدخل وبين غير ذلك فيخرج وقيل إنّ الأداة إنّما وضعت للدّلالة على كون مدخولها جزءا حقيقيّا لما قبلها ويكون المدخول مما ينتهي به الشّيء نحو أكلت السّمك حتى رأسها فإنّ الرّأس جزء حقيقي للسّمك وينتهي به السّمك فإذا استعملت فيما ليس جزءا أخيرا حقيقة بل هو مما يلي الجزء الأخير كانت مجازا نحو سلام هي حتى مطلع الفجر فإنّ طلوع الفجر ليس جزءا للّيل بل هو مما يلي الجزء الأخير وحينئذ فإذا استعملت في الجزء الأخير كان داخلا في الحكم لدخوله في ما قبلها إجمالا فإنّ قوله أكلت السّمك يشمل الرّأس إجمالا فذكر حتى رأسها يكون تفصيلا للإجمال ولأنّ المتبادر من هذا القسم كون المدخول مما ينتهي به الحكم لا ما ينتهي عنده وأمّا إذا استعملت فيما يلي الجزء الأخير كالآية فالمتبادر عرفا عدم الدّخول ولم يكن داخلا في ما قبلها إجمالا حتى يكون الأداة للتفصيل وحينئذ فإذا علم أنّه جزء أخير حقيقة حكم بالدخول وإن علم عدمه حكم بالخروج وإن شكّ في أنّه جزء أخير أو لا حكم بالدخول حملا لأداة على المعنى الحقيقي وهو أن يكون مستعملا في الجزء الأخير الحقيقي والتّحقيق عدم الفرق بين القسمين والعرف حاكم في الجميع بعدم الدّخول في الحكم حيث يتبادر عندهم تحديد الحكم بمدخول الأدوات وخروج الحد عن المحدود ووضع الأدوات لما كان جزءا أخيرا حقيقيّا ممنوع بل إنّما وضعت لتحديد شيء بشيء ودعوى تبادر الدّخول من حتى رأسها إنّما هو لا شيئا حتى العاطفة بالجارة فالحكم في الأوّل كذلك بخلاف الثّاني ولهذا لو أبدلت بإلى تبادر عدم الدّخول ولو سلم الوضع لذلك فدعوى الدّخول في الحكم إجمالا ممنوعة لجواز نسبة الحكم إلى الكل باعتبار ثبوته للبعض ولو سلم فتحديده بالحد الخاص يخرجه عن الحكم كالاستثناء للتّبادر عرفا نعم فيما إذا قوبلت بمن في مقام إفادة عموم الحكم شمل الحكم للمدخول أيضا نحو قرأت القرآن من أوله إلى آخره فيشمل الآخر أيضا والظّاهر في أدوات الابتداء أيضا هو عدم الدّخول فيكون المبدأ هو منتهى المدخول نحو سرت من البصرة إلى الكوفة إذ لا يجب كون المبدإ أوّل البصرة كما أنّه ليس النّهاية منتهى الكوفة بل مبدؤها فتأمّل الثّالث قد عرفت خروج الغاية عن الحكم الثّابت للمغيّا لتبادر التّحديد من الأدوات عرفا وبذلك علم ثبوت المفهوم للغاية بمعنى أنّ مقتضى التّحديد انتفاء مطلق الحكم عما بعد الغاية لا انتفاء الحكم الخاص لأنّه ليس معنى المفهوم كما عرفت مرارا ووجهه ظاهر وحاصله أنّ المتبادر من تحديد الحكم بغاية نفيه عما بعدها وقال بعض الأفاضل إن كان المراد بمفهوم الغاية انتفاء الحكم الخاص عما بعد الغاية فهو مسلم وإن كان المراد انتفاء مطلق الحكم فلا أمّا الثّاني فلأنّ الغاية في الحقيقة غاية للمطلوب لا للطلب سيما على التّحقيق في وضع هيئة الأمر فإنّها موضوعة للطلب الكلي الذي يلزمه التّشخص في الاستعمال والهيئة معنى حرفي لا يقبل التّحديد فالتّحديد إنّما هو للمادة فالصوم يقيد أوّلا

٣٥٠

بكونه مغيّا بالغاية الكذائيّة وهي اللّيل ثم يرد عليه الأمر فيكون الغاية بمنزلة صفة من صفات المطلوب فطلب شيء موصوف بوصف خاص لا ينافي طلب غيره بخطاب آخر أعني الصّوم في اللّيل مثلا وأمّا الأوّل فلأنّه إذا قال صم اللّيل فظاهر الأمر كون متعلقه واجبا نفسيّا وكون اللّيل بتمامه غاية لا بجزئه الأخير ليدخل بنفسه في المنطوق وحينئذ فإن كان الصّوم في الليل أيضا مطلوبا بهذا الطّلب لزم أمّا كون الأمر مستعملا في الطّلب الغيري لأنّ جزء المطلوب مطلوب بالطلب الغيري وأمّا كون اللّيل بجزئه الأخير غاية وكلاهما خلاف ظاهر الخطاب فإن قيل فما الفرق بين الغاية والصّفة بعد اشتراكهما في ارتفاع الحكم الخاص عن ما انتفى فيه الغاية أو الوصف وعدم الدّلالة على ارتفاع مطلق الحكم ولم نفيت المفهوم في الوصف وفصلت في الغاية قلنا بينهما فرق وذلك لأنّ التّكليف ربما يكون واحدا فحينئذ لو قال صم إلى الغروب وصم إلى المغرب تعارض الخطابان لأنّ ظاهر الأوّل أنّ المكلف به بالتّكليف النّفسي هو الصّوم المحدد بالغروب ومقتضى الثّاني أنّه المحدد بالمغرب بخلاف الوصف فإن ورد الحكم على موصوف لا ينافي وروده على غيره أيضا هذا حاصل كلامه وفيه نظر من وجوه أحدها أنّ جعل الغاية غاية للمادة لا يتم في مثل ولا تقربوهن حتى يطهرن إذ ليس المنهي عنه القرب الممتد المحدود بالطهر وكذا في مثل كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط إذ ليس المأمور به الأكل الممتد المحدود بطلوع الفجر فالتّحقيق أنّ الغاية أنّما هي للفعل من حيث كونه متعلقا للطّلب لا للفعل مع قطع النّظر عن الطّلب حتى يكون الطّلب واردا على الفعل المقيد والقول بأنّ الطّلب من المعاني الحرفيّة ولا يمكن تحديده مدفوع بأنّ التّحديد حقيقة للفعل باعتبار الطّلب لا للطلب نفسه والتّحديد بهذا النّحو يصدق بكون المطلوب الفعل الواحد المستوعب للوقت ويكون المطلوب الفعل المستوعب له بطريق التّكرر وبكون المطلوب الفعل مخيرا في أجزاء الوقت المحدود فمثل قوله تعالى أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل يدل على طلب فعل محدود باعتبار الطّلب بالوقت الخاص وذلك بالتّخيير في إيقاعه في أي جزء أراد وأمّا لو كان تحديدا للفعل المطلوب لكان المطلوب الصّلاة الممتدة المستوعبة لذلك الوقت ولا يخفى فساده مع أنّ الوجه المذكور لا يجري في الإخبار المقابل للإنشاء وهو ظاهر والثّاني أنّ مقتضى كلامه أنّه لو لا ظهور الأمر في الواجب النّفسي لما صح القول بانتفاء الحكم الخاص أيضا وهو فاسد لأنّ الحكم الخاص نفسيّا كان أو غيريّا إنّما تعلق بالموضوع الخاص فبانتفائه ينتفي جزما حتى لو قلنا بظهور الأمر في الواجب الغيري لكان الوجوب الغيري حينئذ منتفيا عن الموضوع الخاص نعم يجوز إثبات وجوب آخر بخطاب آخر نفسيّا أو غيريّا للموضوع الآخر كما لا يخفى والثّالث أنّ اتحاد التّكليف لا يختص فرضه بالغاية بل يمكن فرضه في الصّفة أيضا ولا ربط له بإثبات المفهوم بل هو موجب لحصول التّعارض بين المنطوقين كما عرفت سابقا فإنّا لو علمنا أنّ في الغنم ليس إلاّ تكليف واحد فورد أنّ في السّائمة زكاة وفي مطلق الغنم زكاة وقع التّعارض بين المنطوقين لاستفادة الوجوب العيني

٣٥١

من الأوّل والتّخييري من الثّاني كما مر فإن قلت سلمنا أنّ التّحديد أنّما هو للحكم لا للمادة لكن لا يتم ذلك إلاّ في الزّمان وأمّا المكان فلا يمكن كونه غاية للحكم إذ لا يمكن وقوعه في المكان ففي مثل سر إلى الكوفة يكون التّحديد للسير لا للطلب فيتم المطلوب قلت لا فرق بين الزّمان والمكان فيما ذكرنا فإنّ المحدود هنا أيضا هو السّير باعتبار كونه مطلوبا كما أنّ المحدود باللّيل هو الصّوم باعتبار كونه مطلوبا والحاصل أنّ النّوع السّير الواجب هو السّير المحدود بالحد الخاص فينتفي نوع المطلوب عند انتفاء الغاية لا أنّ شخص السّير المطلوب هذا الخطاب محدود حتى ينتفي الشّخص دون النّوع فتأمّل

تذنيب

اختلفوا في أنّ التّحديد بكلمة إلى أو من أو هما معا هل يدل على التّرتيب أو لا وثمرة الاختلاف يظهر في وجوب النّكس في غسل اليد إلى المرفق وعدمه لقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ومنشأ النّزاع هو أنّ التّحديد تحديد لكيفيّة الغسل أو لكميّة المغسول فعلى الأوّل يدل على التّرتيب دون الثّاني قيل الظّاهر كونه حقيقة في تحديد الكيفيّة للتبادر وغلبة الاستعمال وهما علامتان للحقيقة ولأنّه لو كان لتحديد الكميّة وجب تقدير متعلق له في الآية مثل الماهيّة إلى المرافق ونحوها إذ لو تعلق بالغسل لكان لتحديد الكيفيّة وفيه نظر إذ يمكن تعليقه باغسلوا مع كونه لتحديد الكميّة لأنّ للغسل أيضا باعتبار المحل كمّا مخصوصا فهو بمنزلة أن يقال أوجد غسلا محدودا بالحد الفلاني وظاهر أنّه لا يقتضي التّرتيب وأمّا التّبادر والغلبة فممنوعان ولو سلم جميع ذلك فالنّص عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام أوجب حمل الآية على تحديد المغسول وإن كان مجازا فافهم

المبحث الرّابع في مفهوم الحصر

وتحقيق الكلام فيه يظهر في طي أمور الأوّل الحصر قد يكون بالمادة كالحصر بالاستثناء وبإنّما وبل ولا وقد يكون بالهيئة كالحصر بتقديم ما هو حقه التّأخير أمّا الاستثناء فاستفادة الحصر منه مبني على المشهور من أنّ الاستثناء من النّفي إثبات وبالعكس وأنكره أبو حنيفة وقال بأنّ المستثنى مسكوت عنه ويمكن اشتراكه مع المستثنى منه في الحكم واستدل بمثل لا صلاة إلاّ بطهور إذ لو كان الاستثناء موجبا لإثبات الحكم هنا لزم الحكم بتحقيق الصّلاة بمحض الطّهور مع أنّها تتوقف على أمور أخر وأجيب بأنّ الحصر هنا إضافي بالنسبة إلى صورة كونها جامعة لجميع الشّرائط والأجزاء سوى الطّهور بحيث لو وجد الطّهور لكانت صحيحة أو أنّ المراد لا صلاة ممكنة الصّحة إلاّ بطهور فيثبت إمكان صحتها عند وجود الطّهور بضم سائر الشّرائط أيضا واستدل المشهور بالتّبادر عرفا فإنّ الظّاهر عرفا منه مخالفة المستثنى للمستثنى منه وأيضا لولاه لم يكن لا إله إلاّ الله كلمة التّوحيد لأنّ معنى التّوحيد نفي الغير وإثبات الواحد واعترض على المشهور بأنّه لا يفيده على مذهبهم أيضا لاحتياج لا إلى الخبر فإن قدر موجود لم يثبت الامتناع للشريك وإن قدر ممكن ثبت الإمكان للواحد لا الوجود والتّوحيد مركب من إثبات الوجود للواحد وإثبات امتناعه لغيره وأجيب بأنّ لا لا يحتاج إلى الخبر لأنّه كما أنّ الوجود قسمان وجود هو المحمول كما في قولك زيد موجود ووجود

٣٥٢

هو الرّابطة كقولك زيد موجود قائما فكذلك العدم نحو زيد معدوم وزيد ليس بقائم والمقصود في كلمة التّوحيد من نفي الإله هو العدم المحمول فهو كقولك الإله معدوم إلاّ الله فيثبت العدم للشريك والوجود للواجب وفيه مع أنّه موجب لتركيب الكلام من الحرف والاسم يرد عليه أنّ إثبات العدم للإله إن كان بالفعل لم يثبت الامتناع وإن كان بالإمكان لم يثبت نفي الوجود أيضا وإن كان بالضرورة يرتفع ضرورة العدم عن الله ولا يثبت الوجود فضلا عن الوجوب والأولى أن يقدر الخبر موجود فيقتضي نفي وجود الشّريك فعلا ولازمه إثبات الامتناع إن كان المراد بالإله واجب الوجوب لأنّه إن لم يكن موجودا فهو ممتنع بالضرورة وإن كان المراد المعبود بالحق لم يلزمه عقلا الامتناع ولكنه لازم أذهان العرف فإنّ كل من اعتقد نفي وجود المعبود فعلا غير الله لا يخطر بباله إمكان وجوده فيما بعد أو كونه فيما سبق بل يعتقد أنّ من كان مستحقا للعبادة يجب كونه مخالفا للممكنات ويكون قديما أزليّا دائما أبديّا كما لا يخفى فتأمّل وكيف كان فلا ريب في أنّ الاستثناء يفيد الحصر وأمّا كلمة بل فاستفادة الحصر منها وعدمه إنّما يظهر ببيان معناها فنقول إنّها إمّا تقع بعد الإثبات إخبارا كان أو إنشاء وإمّا تقع بعد النّفي والنّهي أمّا الأوّل فلا شبهة في أنّه يثبت الحكم السّابق لمدخوله نحو قام زيد بل عمرو فيثبت القيام لعمرو وهل يدل على انتفائه عن زيد حتى يفيد حصره في عمرو بالإضافة إلى زيد أو لا بل يجعله مسكوتا عنه فيه خلاف وأمّا الثّاني في نحو ما قام زيد بل عمرو ففي إثبات القيام لعمرو مع بقاء النّفي عن زيد ليفيد الحصر الإضافي أو نفيه عن عمرو مع بقائه عن زيد ليتفقا في الحكم أو جعل زيد مسكوتا عنه مع إثبات القيام لعمرو أو نفيه عنه أقوال ولا يستفاد الحصر إلاّ على القول الأوّل وهو الحق لأنّ المتبادر عرفا من قولنا ما قام زيد بل عمرو هو نفي القيام عن زيد وإثباته لعمرو يتأكد النّفي لو أدخل عليها لا نحو ما ضرب زيد لا بل عمرو فلا إشكال في استفادة الحصر منه حينئذ وأمّا الإثبات فمع دخول لا يفيد الحصر قطعا نحو جاءني زيد لا بل عمرو وأمّا بدون لا ففيه إشكال إذ قد يستعمل تارة في نفي الحكم عن ما قبله ويكون لتدارك الغلط ادعاء أو حقيقة نحو حبيبتي قمر بل شمس ورأيت زيدا بل حمارا وقد يستعمل في إثباته لهما نحو تحير فيك العلماء بل الأنبياء ويدرك الزّكي ذلك بل البليد ولكن يمكن إرجاع هذا أيضا إلى نفي الحكم عن السّابق بوجه اعتبار ونكتة وهي دعوى إثبات الحكم له بالأولويّة لا بالنحو الثّابت في الكلام فتأمل وأمّا كلمة إنّما فاختلف في إفادتها الحصر وعدمها فقيل نعم لوجوه منها اتفاق المفسرين على أنّ معنى قوله تعالى إنّما حرم عليكم الميتة ما حرم عليكم إلاّ الميتة ومنها فهم الفقهاء من قوله عليه‌السلام إنّما الأعمال بالنّيّات توقف كل عمل على النّيّة وليس إلاّ لاستفادة الحصر وكذا من قوله عليه‌السلام إنّما الولاء لمن أعتق أنّه لا ولاء لغير المعتق ومنها نقل أهل اللّغة ومنها التّبادر عرفا ومنها فصل الضّمير بعدها في قوله وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ولا موجب له سوى الحصر وأجيب عن الأوّل بأنّ

٣٥٣

اتفاقهم إنّما هو عن اجتهادهم ولا دليل على اعتباره وبه يجاب عن الثّاني والثّالث مع عدم الاتفاق عليه لذهاب جماعة إلى الخلاف مع أنّ فهم الحصر من الحديثين إنّما هو من تعريف المسند إليه باللام وعمومه لدلالته على أنّ صحة كل عمل مسببة عن النّيّة فلا يمكن صحة البعض بدونها وإلاّ لم يصدق الكليّة وكذا في إنّما الولاء لمن أعتق مع أنّ الحصر إنّما هو بالنسبة إلى الولاء المغايرة لولاء المعتق ولا ينافي اشتراك الولاء الواحد بينه وبين غيره إلاّ من جهة ظهور الكلام في استقلال المعتق بالولاء كما لو كان الدّار مشتركة بين زيد وعمرو صح أن يقال ملك جميع الدّار لزيد ولعمرو إلاّ أنّه ينافي ظهور الكلام في الاستقلال لا من جهة استفادة الحصر وعن الرّابع بأنّه إنّما ينفع لو كان في عرف العرب إذ لا مرادف له في عرف العجم بحيث يستفاد منه الحصر بل إنّما يستفاد منه تأكيد الكلام وأنّه صادق لا كاذب كما لا يخفى والتّبادر في عرف العرب غير معلوم وعن الخامس بأنّ غاية ما يدل عليه الفصل كون المراد بها الحصر لا وضعها له لاحتمال كون الفصل قرينة ودفعه بالأصل غير ممكن وظاهر وقد استعملت في غير الحصر أيضا نحو إنّما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم لعدم الانحصار فيهم واعترض عليه بأنّ المراد حصر المؤمنين الكاملين لا مطلقا والتّحقيق أنّ المناط في أمثال ذلك على الظّن المطلق كما مر في صدر الكتاب فإن حصل الظّن بإفادة الحصر من جهة نقل النّقلة أو اتفاق المفسرين أو نحو ذلك فهو وإلاّ فمشكل بل يجب التّوقف والرّجوع في مقام العمل إلى الأصول فتأمّل الثّاني هل الحصر في المذكورات مفهوم أو منطوق والتّحقيق أنّه إن كان المراد بالحصر إثبات الواحد ونفي ما عداه كان منطوقا وإن كان المراد الانحصار الذي هو لازم النّفي والإثبات أمكن جعله مفهوما لأنّه مدلول التزامي يجري فيه المفهوم والمنطوق بخلاف الأوّل فإنّه حينئذ مدلول مطابقي أو تضمني وكلاهما من المنطوق كما مر الثّالث مما جعلوه مفيدا للحصر تعريف المسند إليه وربما عبر عنه بتقديم الوصف على الموصوف الخاص خبرا له وربما قيل إنّ مطلق تقديم ما من حقه التّأخير يفيد الحصر ويظهر من الأوّل أنّ نفس تعريف المسند إليه يفيد الحصر ويظهر من بعض أدلّتهم في المقام أنّ كون الموضوع هو الأمر المخصوص يقتضي الحصر كما ذكر ولأنّ جعل الموضوع جنسا لما كان يقتضي اتحاده مع الفرد لزمه إفادة الحصر ويظهر من الأخير أنّ محض خلاف التّرتيب يوجب الحصر ويمكن الجمع بينهما بأنّه لما قدم النّكرة وجب تعريفها لئلا يلزم الابتداء بالنكرة فلما عرف صار الموضوع هو الأمر المخصوص المفيد للحصر وبهذا الاعتبار جاز نسبة الحصر إلى التّقديم وإلى التّعريف وإلى جعل الموضوع هو الأمر المخصوص ثم إنّ مقتضى العبارة الثّانية اختصاص الكلام بصورة كون الموضوع وصفا والمحمول أخص منه مطلقا ولكن أكثر أمثلتهم يقتضي كون الكلام أعم من كون المسند إليه وصفا وكونه اسم جنس وكون المحمول أخص مطلقا أو من وجه نحو المنطلق زيد والكرم في العرب والأئمة من قريش بل يجري الكلام فيما إذا كان المحمول أعم مطلقا مثل الإنسان

٣٥٤

حيوان والأولى ذكره في لواحق المسألة لاختصاصها بما لو كان المحمول أخص ولو من وجه ولنجعل الكلام في بعض الأمثلة ليقاس عليه الباقي فنقول ما مثلوا به للمسألة هو مثل المنطلق زيد واستفادة الحصر منه بأنّ اللام إمّا للاستغراق فيقتضي اتحاد جميع الأفراد مع زيد فيجب أن لا يكون هناك فرد غيره وإلاّ لزم الكذب وإمّا للجنس فيقتضي اتحاد الطّبيعة مع زيد فيجب أن لا يكون لها فرد آخر غيره واعترض عليه بأنّ هذا الكلام جار في صورة تعريف السّند أيضا نحو زيد المنطلق حرفا بحرف فلا دخل للتقديم في ذلك بل لا مدخليّة للتعريف أيضا لجريانه في الخبر المنكر مثل زيد منطلق إذ المراد من الحمل هو الاتحاد فإن أريد اتحاد الجنس مع الفرد ذاتا أو أريد اتحاد جميع الأفراد معه أفاد الحصر وإن أريد بيان اتحاد الجنس معه في الوجود فلا حصر وهذا الكلام لا فرق فيه بين المسند المعرفة والنّكرة والمقدّم والمؤخّر وما يقال من أنّ المسند إذا كان نكرة فالمراد به الفرد لا الجنس فاسد ضرورة أنّ المراد بالمحمول هو المفهوم لا المصداق بل الفرديّة لازمة للحمل فإنّ معنى قولنا زيد قائم ليس أنّه فرد للقائم لأنّه أيضا كلي فيكون المعنى أنّه فرد لفرد القائم وهكذا فيلزم التّسلسل والقول بأنّه في صورة التّعريف يكون للمقصود الحمل الذّاتي وفي صورة التّنكير الحمل المتعارفي يحتاج إلى دليل ولا دليل في المسألة إلاّ أمور إن تم بعضها ثبت المطلوب وإلاّ فلا منها أنّه لو كان المستفاد في صورة التّعريف والتّنكير أمرا واحدا لضاع التّعريف لكونه لغوا أو فيه أنّه لا ينحصر فائدته في ذلك فلعلها شيء آخر ومنها أنّ اللام في مثل المنطلق زيد يتعين للاستغراق لأنّ مقتضى الحمل صدق المحمول على الموضوع ويمتنع صدق زيد على الجنس إلاّ ادعاء وإرادته خلاف الأصل فيجب إرادة الأفراد من الموضوع ليمكن صدق زيد عليها بعد فرض الانحصار وأمّا مع عدم الانحصار فيكون الكلام كذبا فصرف الكلام عن الادعاء والكذب يوجب الحمل على إرادة الحصر وفيه أوّلا أنّ المعتبر في الحمل صدق واحد من الموضوع أو المحمول على الآخر لا صدق المحمول على الموضوع إذ لا دليل عليه وثانيا أنّ إرادة بعض الأفراد ممكن معينا أو غير معين فلا يتعيّن الاستغراق ومنها أنّ اللام ليس للاستغراق لقبح قولنا زيد كل فرد من أفراد الإنسان بل هي للجنس لكن بالنظر إلى تحصله في الخارج عموما وكمالا فمعنى الصّديق زيد أنّه كل هذه الطّبيعة وتمامها فلو كان هناك صديق غيره لما كان هو تمام الطّبيعة وفيه أوّلا أنّه لا دليل على كون المراد هو جميع التّحصلات بل هو أوّل الدّعوى بل لا دليل على كون المراد الجنس باعتبار الوجود واللام لا يقتضي إلاّ تعريف المدخول ويكفي فيه كون الجنس معهودا بنفسه ولا يلزم أن يلاحظ فيه الوجود حتى يحتاج التّعيين إلى إرادة جميع الأفراد وثانيا أنا لا نرى فرقا بين ما ذكره وبين الاستغراق الذي جعله قبيحا إذ ليس الاستغراق إلاّ عبارة عن الجنس باعتبار وجوده في ضمن جميع الأفراد فالتعبير بالتحصيل دون الوجود لا يوجب المغايرة كما لا يخفى فتأمل والأولى أن يحال فهم الحصر إلى العرف فإنّه متبادر قطعا من قولك المنطلق زيد بل من العكس أيضا وإن لم يعلم وجهه وقيل إنّ تعريف المسند إليه لا يفيد الحصر وإلاّ لا فائدة تعريف المسند أيضا وهو

٣٥٥

فاسد وجه الملازمة اشتراك الدّليل وهو أنّ إرادة الجنس فاسدة كما مر فيجب إرادة جميع الأفراد وحملها على الفرد لحمل الفرد عليها من غير فرق فعدم الاستفادة في العكس شاهد على فساد الدّليل المذكور وأيضا الفرق بينهما يوجب القول باختلاف معنى المفردات بالتقديم والتّأخير وهو غير معهود وأجيب تارة بالقول بالموجب وعدم الفرق بين الصّورتين كما صرح به علماء المعاني وأنّ تعريف المسند أيضا يفيد الحصر وأخرى بإبداء الفارق وحاصله أنّ المراد بالمعرف في صورة التّقديم هو الذّات المتصفة بالوصف العنواني وفي صورة التّأخير المراد به ذات متصفة بالوصف العنواني كما في النّكرة وهذا من عوارض الذّات المتصف بالوصف العنواني فالأوّل يقتضي اتحاد الذّات المتصفة مع زيد فيفيد الحصر والثّاني لا يفيد إلاّ اتحاد زيد مع ذات متصفه الذي هو عارض من عوارض الذّات المتصفة واتحاده مع عارض من عوارض الذّات لا ينافي اتحاد غيره معه أيضا واعترض عليه بأنّ المراد بالمعرف مطلقا هو الذّات المتصف بالوصف العنواني سواء أخر أو قدم فيفيد الحصر في الصّورتين نعم المراد من المنكر ذات متصف به ولذا لا يفيد الحصر ورد بأنّ المحمول يجب أن يراد به المفهوم مطلقا معرفا كان أو منكرا ولا يمكن أن يراد به الذّات بل المراد من الموضوع هو الذّات فالفرق بين صورتي التّقديم والتّأخير ظاهر نعم لو كان المحمول معرفا باللام الموصولة كان المراد به الذّات المتصف بالوصف العنواني وأفاد الحصر دون المعرف بلام التّعريف والظّاهر أنّ المورد المذكور توهم أنّ المراد بالذات في كلام المجيب والمعترض هو ما يقابل المفهوم وليس كذلك بل المراد من الذّات في كلام المجيب هو الطّبيعة ومن ذات ما هو الفرد فإنّه عارض للطّبيعة باعتبار عروض الفرديّة فحاصل مراد المجيب أنّ المعرف باللام في صورة التّقديم يراد به الطّبيعة باعتبار جميع أفرادها لفساد إرادة الجنس كما مر وأمّا في صورة التّأخير فيراد به الفرد لأنّ حمل الطّبيعة على الشخص معناه صدقها عليه وكون الموضوع من أفرادها ولا ينافي ذلك وجود فرد آخر فيجب حمل كلام المعترض على إرادة أنّ المعرف سواء قدم أو أخر فالمراد به الذّات والطّبيعة لا الفرد نعم المراد في المنكر هو الفرد إذ لو حمل على إرادة الذّات المقابل للمفهوم لكان مع فساده في نفسه كما ذكره المورد غير مربوط بكلام المجيب إذ كون المحمول ذاتا بهذا المعنى لا ينافي كون المراد به الفرد كما هو مراد المجيب وأنت بعد ما قررنا كلام المجيب تعلم عدم ورود الاعتراض عليه وذلك لأنّ غرضه هو أن ما يدل على إفادة الحصر في صورة التّقديم هو أنّ اللام لا يمكن كونها للجنس وإلاّ لزم صدق المحمول عليه مع استحالة صدق الشخص على الجنس فيجب حملها على الاستغراق فيفيد الحصر وهذا الوجه غير جار في صورة التّأخير لجواز كون المراد هو الجنس لإمكان صدقه على الموضوع ولا يوجب ذلك إلاّ كون الموضوع من أفراد ذلك المحمول ولا ريب أنّ هذا لا يفيد الحصر نعم يرد عليه منع لزوم صدق المحمول على الموضوع بل الحمل إنّما يقتضي صدق أحدهما على الآخر فإذا كان الموضوع جنسا والمحمول شخصا جاز وكفى صدق الموضوع على المحمول لكونه من أفراده وحينئذ فيكون

٣٥٦

صورة التّقديم كصورة التّأخير من غير فرق والتّحقيق استفادة الحصر في الصّورتين للتّبادر عرفا كما مر وإن لم يمكن إثباته بالدّليل بل يمكن الإثبات في صورة تقديم المعرف من جهة ظهور الحمل في كون الموضوع بحيث متى وجد وجد المحمول فإنّ قولك زيد قائم معناه وجود القائم كلما وجد زيد فقولك المنطلق زيد معناه وجود زيد كلما وجد المنطلق وهذا معنى الحصر وكيف كان ففي صورة تقديم المعرف يستفاد حصر الموضوع في المحمول وفي صورة التّأخير حصر المحمول في الموضوع وإذا كان كل منهما معرفا نحو الكرم التّقوى والعلماء الخاشعون فقيل يستفاد منه حصر اللام في الأخص لما مر في مثل المنطلق زيد وعكسه فينحصر الكرم في التّقوى هذا إذا كان أحدهما أعم مطلقا وإلاّ نحو العلماء الخاشعون ففي حصر كل منهما في الآخر أو التّوقف لعدم التّرجيح وجهان وفيه إشكال ومقتضى ما ذكرناه في مثل المنطلق زيد أن يكون مفاد المثالين حصر المبتدإ في الخبر فتأمل ثم إنّ طريقة استفادة الحصر لا تنحصر في التّبادر بل يلزم بإلاّ أمّا وفي مثل الماء طاهر مما جعل فيه الموضوع للحكم مفردا معرفا من جهة أنّ الحكم إمّا يتعلق بالطبيعة باعتبار الأفراد فإن كان المراد الفرد المعيّن وجب بيانه والفرد الغير المعيّن خلاف الامتنان فيكون المراد جميع الأفراد وإمّا يتعلق بالطّبيعة ومقتضى إطلاقها عدم اعتبار بعض الخصوصيّات فيقتضي وجود الحكم في جميع الأفراد وإلاّ لكان لبعض الخصوصيّات مدخليّة في الحكم وهو خلاف الإطلاق ثم إنّ الحصر الذي يستفاد من الهيئة مفهوم قطعا لا منطوقا وإن كان من جهة التّبادر وإمّا إن كان من جهة دليل الحكمة فيحتمل كونه مفهوما من اللّفظ بقرينة العقل ويحتمل كونه لازما عقليّا غير المفهوم والمنطوق كوجوب المقدمة مثلا

المبحث الخامس في مفهوم اللّقب

والمراد باللّقب هو ما يجعل ركنا من أركان الكلام مسندا أو مسندا إليه أو غيرهما مما يكون مقصودا مستقلا سواء كان علما أو غيره والنّزاع إنّما هو في أنّ محض جعل ذلك شيئا خاصا هل يقتضي انتفاء الحكم عن غيره أو لا والحق عدمه لانتفاء الدّلالة عرفا ولا ينافي ذلك استفادة الحصر من كونه موصوفا بوصف أو نحو ذلك في بعض الموارد إذ الكلام إنّما هو من جهة جعله ركنا في الكلام لا في جهة أخرى فقولنا السّائمة فيه الرّبوة لا يقتضي نفيها عن غير السّائمة من جهة كونها موضوعا وإن قلنا باقتضائها ذلك من جهة كونها صفة ويثمر في مثل زيد جاء فلا يقتضي عدم مجيء غيره وتخصيصه بالذكر لأنّه محل الحاجة دون غيره وأيضا لو أفاد الحصر لكان قولك زيد موجود ومحمد نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستلزما لنفي الصّانع ونبوّة سائر الأنبياء

المبحث السّادس فمفهوم العدد

والمراد أنّ إثبات حكم لعدد هل يدل على انتفائه عن الزّائد والنّاقص أو لا فيه أقوال الدّلالة مطلقا وعدمها كذلك والتّفصيل بين إثبات الحكم ونفيه فيقتضي في الأوّل دون الثّاني فلو قال أكرم عشرين عالما دل على عدم وجوب إكرام الزّائد ولذا يخصص به لو قال سابقا أكرم العلماء بخلاف ما لو قال لا يجب إكرام العلماء ثم قال لا يجب

٣٥٧

إكرام عشرين عالما والحق أنّ إثبات الحكم لعدد أو نفيه بنفسه لا يقتضي انتفاءه عن الزّائد والنّاقص لعدم مساعدة العرف على فهم ذلك نعم ربما يدل على ذلك بقرائن الحال أو المقال كأن يكون في مقام البيان لكونه محل الحاجة ولذا يستفاد المنافاة بين أخبار المنزوحات وكأن يقول أكثر الحيض عشرة وأقله ثلاثة فإنّه في مقام التّحديد وذكر الأكثر والأقل يقتضي انتفاء الحكم عن الزّائد والنّاقص هذا وأمّا حكم الزّائد والنّاقص فالضّابط فيه أنّ جعل العدد متعلق الحكم إمّا يعلم كونه لا بشرط الزّيادة والنّقيصة أو يعلم كونه بشرط عدم الزّيادة والنّقيصة أو يعلم كونه بشرط عدم الزّيادة لا بشرط عدم النّقيصة أو بالعكس أو لا يعلم الاشتراط وعدمه وهذا في حكم العلم بعدم الاشتراط لما ذكرنا من أنّ اللّفظ لا يقتضي إلاّ ثبوت الحكم لذلك العدد فما لم يعلم الاشتراط يحكم بعدمه وحينئذ فنقول إن علم عدم الاشتراط فهو قسمان لأنّ الحكم إمّا وجوب واستحباب أو تحريم وكراهة وبعبارة أخرى إمّا نفي أو إثبات فإن كان وجوبا مثلا نحو صم ثلاثين يوما فلا ريب أنّ الزّيادة لا تتصف بالوجوب ولو صام أزيد من ثلاثين حصل الامتثال بثلاثين لكونه لا بشرط وأمّا وجوب الأقل فإن كان اللّفظ ظاهرا في وجوب المجموع كان الأقل مقدمة للواجب وحينئذ ففي وجوبه تبعا مطلقا أو إذا قصد به التّوصل مطلقا وإذا حصل به التّوصل مطلقا وجوه يتفرع على الأقوال في وجوب المقدمة وإن كان اللّفظ ظاهرا في وجوب الجميع كان كل واحد مطلوبا وواجبا بالاستقلال وإن كان الحكم تحريما مثلا كأن يقول لا تضربه عشرين سوطا فحرمة الأقل تتوقف على استفادة الاستقلال لكل واحد أو حرمة مقدمة الحرام بالتفصيل إن كان المقصود المجموع من حيث المجموع وأمّا الزّائدة فقيل يثبت فيه الحكم بطريق أولى لكن إذا كان ذلك العدد علة للحكم كأن يقول قلتان من الماء لا يحمل خبثا فإذا بلغ ثلاث قلل فبطريق أولى وهو حسن إذا علم كونه علة لا بشرط لكن ثبوت الحكم في الزّائد حينئذ إنّما هو لثبوت العلة لا للأولويّة وقيل إنّه حينئذ يقتضي نفي الحكم عن الأقل لانتفاء المعلول بانتفاء العلة وفيه أنّ كونه علة لا ينفي علّيّة غيره إلاّ إذا ثبت كونه علة منحصرة لا مطلقا واللّفظ لا يدل على شيء نعم إن ثبت من الخارج الانحصار انتفى وإلاّ فلا يقتضي الانتفاء وأمّا إن علم اشتراط عدم الزّيادة والنّقيصة فهو أيضا قسمان كالسابق فإن كان وجوبا كالمثال السّابق لم يحصل الامتثال أصلا لو زاد على ذلك العدد وكذا لو نقص وإن كان تحريما نحو لا تضربه عشرين سوطا وعلم أنّ المحرم ضرب عشرين خاصة لم يحرم الأقل قطعا ولا الأكثر فلو زاد لم يعص أصلا إذا فعل الجميع دفعة وأمّا إذا فعل تدريجا فإن قصد من أوّل الفعل إتيان الزّائد وفعل فلا إشكال في عدم العصيان وإن قصد خصوص العشرين لكن بعد ما وصل إليه تجاوز فالعمل لم يقع محرما نعم يمكن القول بحرمة قصده الأوّل إن قلنا بحرمة التّجري وإن قصد الجميع مع الزّائد أوّلا ثم بعد ما وصل إلى عشرين توقف لم يلزم حرمة ما فعله لأنّه لم يفعله بقصد المحرم وإن كان توقفه موجبا

٣٥٨

لتحقيق الحرام الواقعي فهو نظير من شرب الخمر الواقعي باعتقاد كونه ماء ففعله لم يقع محرما عليه ولا يستحق العقاب عليه وفي حرمة توقفه توقف فتوقف وكذا الكلام في صورة الوجوب فإن قصد الزّائد من أوّل الأمر وتجاوز لم يمتثل وإن لم يتجاوز حصل الامتثال في غير العبادات وإن قصد خصوص العشرين فإن لم يتجاوز حصل الامتثال وإلاّ فلا مطلقا وإن علم كونه بشرط عدم الزّيادة لا بشرط عدم النّقيصة فالكلام فيه هو الكلام في صورة كونه بشرط عدمهما وإن علم كونه بشرط عدم النّقيصة لا بشرط عدم الزّيادة فالكلام فيه هو الكلام في صورة كونه لا بشرط فيهما فإنّ كونه بشرط عدم النّقيصة أو لا بشرط لا فرق بينهما بعد كون المتعلق هو العدد المعيّن فإنّ مقتضى المنطوق هو عدم الاكتفاء بالأنقص فلا فرق بين اعتبار عدم النّقيصة وعدم اعتباره فتأمّل جدا

أصل في العموم والخصوص

العام على ما عرّفه البهائي هو اللّفظ للموضوع للدلالة على استغراق أجزائه أو جزئيّاته واحترز بالقيد عن المثنى والجمع المنكر والجمع المعهود والعدد لأنّها دالة على المستغرق لا الاستغراق كذا وزيادة قيد الأجزاء ليشمل الجمع المعرف بالنّسبة إلى الأفراد على القول بكونه موضوعا لاستغراق الجماعات لأنّ الأفراد حينئذ من أجزائه لا من جزئيّاته ولم يكتف به عن الجزئيّات ليشمله بالنّسبة إلى دلالته على استغراق الجماعات وكذا على القول الجمع بكونه موضوعا لاستغراق الأفراد واعترض عليه بأنّ قيد الوضع للدلالة مستدرك بل محل لخروج ما يدل عليه من غير وضع كالنّكرة المنفيّة لأنّ دلالتها على العموم إنّما هي من جهة ورود النّفي على الجنس وهو يقتضي بحكم العقل انتفاء جميع الأفراد وكذا الجمع المعرف على القول بأنّ استفادة العموم منه إنّما هي من جهة أنّ اللام إنّما وضعت للإشارة إلى شيء معين فردا كان أو جنسا فلما دخلت على الجمع انتفى احتمال إرادة الجنس فوجب الحمل على عموم الأفراد حيث لا يتعين لبعضها فالأولى أن يعرّف بأنّه اللّفظ المستغرق لأجزائه أو جزئيّاته فيخرج المثنى لأنّه ليس مستغرقا لأفراد مفهوم المثنى إذ لا يشمل رجلان كل رجلين رجلين ولا لأجزائه إذ لا أجزاء للمثنى بل له جزءان ويخرج الجمع المنكر لعدم شموله للأفراد ولا للأجزاء إذ ليس أجزاء الجمع إلاّ الأفراد المعتبرة بهيئة الانضمام فكل فرد من أفراد الرّجل يصلح لكونه معتبرا من أجزاء رجال كما يصلح لكونه من أفراده وبالجملة كلما يصلح لكونه مرادا من الجمع المنكر لا يدل اللّفظ على إرادته كما هو معنى الاستغراق وكذا يخرج الجمع المعهود إذ لا يراد منه كل ما يصلح إرادته منه وأمّا العدد نحو عشرة مثلا فهو وإن دل على استغراق الأجزاء ولكن الملحوظ فيه هو المجموع من غير نظر إلى الأفراد بخلاف العام إذ يجب فيه ملاحظة الأفراد ولو إجمالا ويرد عليه أنّه إن أراد أن الأفراد لا يلاحظ في العدد أصلا ولو إجمالا في ضمن ملاحظة هيئة الاجتماع بخلاف العام فهو ظاهر الفساد إذ العشرة ليست إلاّ الآحاد المنضمة وإن أراد أنّها ليست ملحوظة استقلالا بل في ضمن الهيئة بخلاف العام فإنّ الأفراد فيه ملحوظة استقلالا ولو بملاحظة واحدة لا في ضمن الهيئة ففيه أنّه لا يتأتى ذلك في الجمع المعرف باعتبار

٣٥٩

العموم المجموعي بل الأفرادي أيضا إذ الملحوظ فيه جميع الأفراد بملاحظة واحدة إلاّ أن يقال إنّ الانضمام في العدد معتبر في اللّحاظ فيعتبر آحاد المنضمة ويضع اللّفظ لها بوصف الانضمام بخلاف العام فإنّ الملحوظ فيه هو نفس الآحاد لكن لما كان ذلك بلحاظ واحد لزمه الانضمام في التّصور كما في المشترك عند إرادة المعنيين بإرادة واحدة كما هو محل النّزاع فإنّه غير إرادتهما بوصف الانضمام وإن لزمه الانضمام لاتحاد الإرادة وذلك نظير قول الصّحيحيين والأعميين فيما سبق فإنّ المطلوب عند كل منهما هو الصّحيح لكن الصّحة معتبرة في المطلوب عند الأولين ولذا يكون اللّفظ مجملا ومترتبة على الطّلب عند الآخرين ولذا يكون جميع الأفراد صحيحا ولا إجمال حينئذ وبالجملة يلاحظ الأفراد في العام بلحاظ واحد لا بهيئة الانضمام وإن ترتب الانضمام على وحدة اللّحاظ عقلا في العموم فإنّ الانضمام ملحوظ فيه هذا في العموم الأفرادي ظاهر وكذا المجموعي سواء كان مثل لفظ جميع وكافة وقاطبة أو مثل الجمع المعرف بناء على كون عمومه مجموعيّا أمّا الأولى فلأنّها موضوعة لإفادة الشمول في شيء آخر كما في قولك جميع القوم فيلزم فيه ملاحظة استغراق الآحاد ولازم الاستغراق ثبوت الانضمام في التّصور وأمّا الثّاني فلأنّ الجمع المعرف إنّما يستعمل في مقام شمول أفراد غير منحصرة إذ ليس لها جامع يضبطها سوى أمر يفيد الشمول نحو العلماء إذ ليس أفراده منحصرة في العشرة والعشرين ونحو ذلك فليس شيء يجمعها في التّصور إلاّ العنوان العام وهو الجمع المعرف فالملحوظ فيه ابتداء هو الآحاد ولازمها الانضمام هذا غاية ما يمكن من توجيه الكلام المذكور ولكنه بعد محل نظر مع أنّه لا يوجب صحة التّعريف بالوجه المذكور كما لا يخفى وقيل الأولى في التّعريف أن يقال إنّه اللّفظ المستغرق لجزئيّات مفهومه وضعا والمراد بمفهوم ليس مفهوم مجموع ذلك اللّفظ بل مفهوم ما يشتمل عليه اللّفظ ولو في الجملة فدخل الجمع المعرف باعتبار العموم الجمعي لأنّه دال على استغراق جزئيّات مفهوم الرّجل المشتمل عليه الرّجال وإن كانت تلك الجزئيّات أجزاء بالنّسبة إلى مفهوم الجمع وخرج المثنى إذ لا يشمل أيضا جميع جزئيّات المفرد ولا المثنى وهو ظاهر وكذا العدد فإن عشرة ليست مشتملة على مفهوم حتى يستغرق اللّفظ جزئيّاته ولو تكلف بالقول بشموله على مفهوم واحد قلنا إنّه لا يستغرق جميع جزئيّات الواحد وأمّا الجمع المعهود فهو داخل في العام لأن المفهوم الذي يعتبر استغراق اللّفظ لجزئيّاته لا يشترط كونه مطلقا بل هم أعم من كونه مطلقا ومقيدا فقوله جاءني العلماء مريدا منهم العدول يعتبر فيه أوّلا تقييد العالم بالعادل فيريد بالجمع استغراق أفراد العالم العادل فالوصف من قبيل المقيدات لا المخصصات ألا ترى أنّهم حكموا بأنّ الجمع المضاف من ألفاظ العموم نحو علماء البلد وهو إنّما يتم على ما ذكرنا وإلاّ فلا وجه له فإنّه لا يشمل جميع أفراد العالم وهو ظاهر ومنه يظهر أنّ الاستغراق العرفي ليس مغايرا للاستغراق الحقيقي بل هو هو إلاّ أنّ العرف شاهد على إرادة التّقييد فقولك جمع الأمير الصّاغة بمنزلة قولك جمع جميع صاغة البلد فكما أنّه يفيد الاستغراق الحقيقي لأنّ

٣٦٠