غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

أَطيعُوا اللهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ بتقريب أنّ الإطاعة هو الإتيان بداعي الأمر والأمر في الآية للوجوب فتدل على وجوب قصد القربة وكل من قال بوجوبه شرعا قال بأنّه شرط الصّحة وما نقل عن السّيّد المرتضى ره من القول بوجوبه استقلالا لم يثبت وثبت لم يضر بالإجماع لأنّ مبناه على الكشف واعترض عليه بوجوه منها أنّ الإطاعة هو إتيان المأمور به ولو سلم أنّه يجب كون الأمر داعيا في صدقها فنقول يجب حملها في الآية على ما ذكرنا لئلا يلزم التّخصيص بل تخصيص الأكثر لكثرة الأوامر التّوصليّة مع خروج مطلق النّواهي أيضا لعدم وجوب قصد القربة في التّرك قطعا أو نقول نحمل الطّاعة على ما ذكرت لكن نمنع كون الأمر للوجوب بل الأمر قد استعمل في مطلق الرّجحان ورجحان نيّة القربة مسلم في كل الواجبات التّوصليّة أيضا فلا تدل على التّعبديّة أو نقول إنّ الطّاعة هو إتيان الفعل على وجهه إن كان تعبديا فبقصد القربة وإلاّ فلا فلا تدل على المطلوب ومنها أنّ الأمر بالإطاعة إرشادي لا تشريعي والفرق بينهما أن الأوّل لا يترتب على مخالفته أثر إلاّ الآثار المترتبة على الأوامر المتعلقة بنفس الأفعال مخالفة قوله أطيعوا الرّسول لا يترتب عليه عقاب زائد على العقاب المترتب على قول الرّسول أقيموا الصّلاة فالعقاب إنّما يترتب على ترك الصّلاة لأنّه إذا قال أقيموا الصّلاة فمقتضاه بحكم العقل ترتب العقاب على تركها وإذا قال أطعني فيما أمرتك لا يترتب عليه عقاب زائد على ذلك العقاب إذ لا عقاب إلاّ عقاب واحد على ترك الصّلاة والأمر المتعلق بها كاف في استحقاقه بحكم العقل والثّاني هو الّذي يترتب الآثار على مخالفته كالأمر بالصلاة وحينئذ فالأمر بالإطاعة إرشاد إلى ما ثبت في العقل من الحكم بلزوم الإطاعة في جميع الأوامر ولا يثبت الوجوب الشّرعي حتى يتم شرطيتها بالإجماع المركب وأورد عليه بأنّه على هذا ليس قابلا للحكم الشّرعي لأنّ الحكم الشّرعي حينئذ حكم بتحصيل الحاصل وحينئذ فلا يمكن القول بالاشتراط في شيء من الواجبات إذ ليس معنى الاشتراط أنّا مأمورون بالعمل المقرون بقصد الامتثال فيلزم أن يدخل تحت حكم الشّرع وقد ثبت أنّه غير قابل للحكم الشّرعي وربما قيل في رد الجواب المذكور إنّ الإطاعة لها معنيان أحدهما إتيان المأمور به والثّاني إتيانه لأجل أنّه مأمور به والأوّل هو الحكم العقلي الّذي لا يقبل الحكم الشّرعي لأنّ نفس الأمر كاف في لزوم ذلك بحكم العقل فلو أمر ثانيا لزمه الحكم بتحصيل الحاصل بخلاف الثّاني لأنّه غير لازم من الأمر فهو قابل للحكم الشّرعي واستشكل ذلك بأنّ العقل أيضا بحكم بلزوم أن يكون الدّاعي للمكلف على الفعل أمر المولى وحينئذ فيحكم به الشّرع أيضا قضيته للتّطابق وحينئذ يلزم وجوب قصد القربة في جميع الواجبات شرعا وعقلا ولا معنى حينئذ لدعوى عدم القول بالفصل بين الوجوب والاشتراط وأيضا يجب أن يتحقق على ترك كل واجب عقابان وكذا على

٢٠١

فعله بدون القربة عقاب واحد على ترك قصد القربة وليس كذلك خصوصا في التّوصليات وأجيب عن الأوّل بأنّا لا نثبت الاشتراط بالإجماع المركب حتى يرد ما ذكرت بل نثبته بإطلاق الآية في الحكم بوجوب الإطاعة فمتى لم يحصل قصد القربة لم يتمثل مضمون الآية فيجب الإعادة وهذا بمعنى الاشتراط وعن الثّاني بأنّا نسلم أنّه يلزم عقابان على تركه وأمّا لزوم العقاب على فعله بدون القصد فمدفوع بما ذكروا في مقدمة الواجب من أن الواجب منها لا يكون حراما لكن يجوز أن يكون الحرام مسقطا عنها فعند إتيانها في ضمن الحرام ليس إلاّ عقاب واحد على فعل الحرام على ترك المباح فنقول هنا إنّ إتيان الفعل بلا قربة مسقط عن القربة وفيهما نظر أمّا الأوّل فلأنّ الإطلاق إنّما يحكم بوجوب إطاعة الأمر فإذا صلى المكلف بلا قصد القربة فمقتضى إطلاق الأمر المتعلق بها حصول الامتثال وارتفاع الأمر ومعه يرتفع موضوع الإطاعة فلا معنى لوجوبها غاية الأمر أنّه خالف الأمر وفعل حراما كما لو أحرق الميت قبل أن يصلي عليه فارتفع موضوع وجوب الصّلاة وهو الميت وأمّا الثّاني فلأنّ عدم ترتب العقاب على ترك المقدمة ليس لحصول الغرض بفعل الحرام بل لأنّ ترك المقدمة لا يترتب عليه شيء مطلقا حتى لو فرض ترك جميع المقدمات بحيث استلزم ترك المطلوب بل العقاب إنّما هو على ترك المطلوب بخلاف ما نحن فيه ولو سلم أنّ السّقوط هناك إنّما هو لحصول الغرض فلا يجري هنا لأنّ الأمر بالإطاعة ليس الغرض منه معلوما حتى يقال إنّه يحصل بدون القصد فيسقط بل هو حينئذ واجب مستقل يجب ويترتب العقاب على تركه فيلزم المحذور والتّحقيق أن المراد بالإطاعة الّتي يحكم العقل بحسنها صفة نفسانيّة توجب كون الشّخص منقادا للمولى وموطنا نفسه على الطّاعة وإن لم يكن هناك أمر كما يحكم بحسن العدالة أي الملكة الرّاسخة ولا يحكم بوجوب إتيان الأفعال لأجل أنّها مأمور بها إذ لو قلنا بذلك لزم إمّا عدم وجود أمر توصلي بأن يكون القربة شرطا في الجميع حتى لا تنفك عن الوجوب وإمّا بطلان الإجماع المركب بأن تكون واجبة ولا تكون شرطا ومع ذلك لا يثبت المطلوب وهو أصالة الاشتراط ثم إنّ ما ذكرنا من معنى الإطاعة ليس حكما إلزاميّا للعقل بحيث يترتب العقاب على تركه بل هو يحكم بحسنه كما يحكم بحسن العدالة وإنّما يترتب على تركه العتاب لا العقاب وهذا هو المراد بالإطاعة في الآية بقرينة عطف وأطيعوا الرّسول إذ لم يقل أحد بوجوب قصد القربة إلى الرّسول في أوامر الرّسول فالمراد الإرشاد على أمر ثابت في العقول وهو حسن الإطاعة بالمعنى الّذي ذكرنا الّذي هو قابل لحكم الشّارع لكن قرينة العطف تعين أنها ليست في مقام التّشريع أو المراد الإرشاد إلى وجوب الإطاعة العقليّة بمعنى عدم المخالفة الّذي

٢٠٢

ليس هو قابلا لجعل الشّارع وكيف كان فالتّمسك بها على الاشتراط فاسد ومما تمسكوا به على على ذلك الأخبار الدّالة بعضها صريحا على اعتبار القربة كقوله لا عمل إلاّ ما أريد به وجه الله وبعضها على اعتبار النّيّة كقوله لا عمل إلاّ بالنّيّة وإنّما الأعمال بالنيات ووجه التّمسك بالأول ظاهر وبالأخيرين هو أنّ النّيّة في لسان الشّرع يراد بها قصد القربة وليس المراد نفي الذّات لأنّه كذب فالمراد نفي الصّحة لأنّه أقرب إلى الحقيقة وأورد على الأوّل بأنّ حمله على المطلوب مستلزم لتخصيص الأكثر لخروج أكثر الأعمال عنه ولا يدفع ذلك بحمل العمل فيه على الواجبات لأنّ الواجبات التّوصليّة أيضا أكثر من غيرها فلا بد إمّا من حمله على الأعمال المعهودة أي العبادات أو الحمل على نفي الكمال وفيه أن عموم النّكرة في سياق النّفي ليس عموما وضعيا حتى يلزم التّخصيص بل هو عموم عقلي بالنظر إلى عدم ذكر القيد فيكون خروج ما ذكر تقييدا وهو جائز إلى الواحد وربما يجاب بأنّ العموم فيه إنّما هو بالنظر إلى الأصناف والصّنف الخارج أقل من الأصناف الباقية من حيث الصّنفيّة وإن كان أكثر أفراد من مجموعها وهو لا يوجب تخصيص الأكثر وفيه أنّ حمله على ذلك خلاف الظّاهر فحمله عليه دون حمله على العهد أو على نفي الكمال يحتاج إلى مرجح نعم هو يتم فيما إذا كان الظّاهر إرادة الأصناف كما لو قال أكرم النّاس إلاّ الجهال ونحو ذلك أو ثبت بالدليل إرادة الصّنف كما لو استدل الفقهاء بالعام في مورد وكان بحيث لو حمل على عموم الأفراد لزم تخصيص الأكثر فيعلم أنّهم فهموا منه العموم الصّنفي كاستدلالهم بقوله تعالى أوفوا بالعقود على أصالة الصّحة في العقود مع خروج أكثر أفراد العقود عنه فيعلم أنهم فهموا العموم الصّنفي وما نحن فيه ليس كذلك والتّحقيق في رد الاستدلال هو أن المتبادر من الحديث نفي ترتب الثّواب على العمل بدون القربة لا نفي الصّحة وكذا قوله لا عمل إلاّ بالنيّة ونظائره وأورد على الثّاني بأنّ النّيّة هو القصد فيدل على اشتراط القصد لا القربة وأجيب بأنّ كل من قال باشتراط القصد في غير الأمور المحتاجة إلى الإنشاء اللّفظي كالجماع وغسل الثّوب ونحوهما قال بأنّه قصد القربة والتّحقيق أنّ المراد بالنّيّة ليس هو قصد ذلك العمل بل المراد الغاية المترتبة عليه وحاصل المعنى أنّ العمل إنّما هو بحسب النّيّة في الثّواب والجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر وكذا قوله إنّما الأعمال بالنيات ولكل أمر ما نوى ثم إنّه لو فرض دلالة الأدلّة المذكورة على اشتراط القربة فنقول يشكل الأمر من جهة أنّ ذلك غير معقول حيث إن اشتراط سقوط التّكليف بالقربة لا يمكن إلاّ بجعل الأمر بالقربة مقيدا للأمر بالعمل وقد مر أنّ جعل القربة قيدا للمأمور به غير ممكن لترتبها على الأمر ولهذا الإشكال ذهب بعضهم إلى أنّ الأحكام تابعة لحسن التّشريع لا لحسن الفعل لأنّ أصل الفعل في العبادات لا حسن فيه

٢٠٣

بدون القربة وهي ليست داخلة في المأمور به فالحسن إنّما هو في الأمر والتّشريع وربما يجاب عن الإشكال بأنّ المأمور به هو إتيان الفعل بالعنوان الّذي هو متعلق الأمر فلو قال اضرب للتّأديب فضرب لا له لم يسقط عنه الأمر ثم إن العنوان المطلوب قد يكون معلوما للمكلف فيقصده كالمثال المذكور وقد لا يكون معلوما فقصده إنّما يمكن بقصد ما يكشف عنه وهو الأمر لأنّه يكشف عن وجود العنوان المطلوب قطعا كما أن الشّخص إذا علم باشتغال ذمته بفائت لم يدر أنّه ظهر أو عصر مثلا فطريق تعيينه قصد ما هو مطلوب منه شرعا والعنوان في التّوصليات معلوم فلذا لا يحتاج إلى قصد القربة بخلاف العبادات فلذا تحتاج إليه وفيه نظر لأنّ قصد المطلوبية بعنوان الكاشفيّة غير قصد القربة لإمكان أن يقصد الصّلاة بالعنوان المطلوب شرعا لكن للرياء مثلا مع أن العنوان إنّما هو الّذي تعلق به الأمر فلو قال صل فالعنوان هو الصّلاة فيلزم أن يكفي قصدها في سقوط الأمر ثم إن الإشكال المذكور يجري في مواضع آخر أيضا فإنّ الدّعاء والشّفاعة إن تعلقا بفعل حسن لم يخبر لأنّه يجب عليه تعالى فلا يحتاج إليها وإن تعلقا بالقبيح لم يجز طلب القبيح منه مع أنّه محال في الحكمة والتّحقيق في الجواب أن متعلق الطّلب هو ذات الفعل والغرض هو أن يكون الأمر داعيا للمكلف على الفعل ومعنى ذلك إتيانه بقصد الامتثال والغرض من هذا الغرض هو إيصال المنفعة إلى المكلف ولا ريب أن التّكليف إنّما يسقط بحصول الغرض فمتى أتى بالفعل لأجل أنّه مطلوب سقط عنه الأمر فبقي الفرق بين العبادات وغيرها فنقول الدّاعي إلى الغرض المذكور وهو الإيصال إلى النّفع والنّفع قد يكون في ذات الفعل فإذا أتى به الشّخص لا لأجل أنّه مطلوب فقد وصل إلى النّفع وحصل غرض الغرض فسقط التّكليف وإن لم يحصل الامتثال وهذا في التّوصليات وقد لا يكون النّفع في ذات الفعل مطلقا بل النّفع فيه إذا فعل بقصد الإطاعة فإذا أراد الشّارع إيصال هذه المنفعة إلى المكلف أمره بنفس الفعل ليمكن تحصيل تلك المنفعة الّتي هي الغرض فمتى لم تحصل لم يسقط التّكليف لعدم حصول الغرض وبهذا إيجاب في مسألة الدّعاء والشّفاعة فإن نفس الفعل لا حسن فيه بل فيه القبح لكن إذا صار معنويا بعنوان الإجابة كان حسنا فالشخص بطلبه ليوجد فيه عنوان الإجابة حتى يحسن من الله تعالى فيجيب فتأمّل وافهم ونظير الإشكال المذكور ما ذكروه في كيفيّة اشتراط قصد القربة في الواجب المقدمي كالوضوء فإنّه واجب توصلي ومعنى الواجب التّوصلي أنّه واجب للتّوصل إلى الغير فلا معنى لقصد القربة فيه فإن قيل إنّه إنّما يرد إذا لم يكن المقدمة عبادة وأمّا إن كانت بنفسها عبادة فلا إشكال في ذلك قلت كون الوضوء عبادة إنّما هو للأمر المتعلق به استحبابا فإن قلنا بعدم بعدم استحبابه بعد دخول الوقت لم ينفع الجواب المذكور لانحصار أمره في التّوصليّة وإن قلنا ببقاء الاستحباب فمقتضى الجواب المذكور اشتراط نيّة الوضوء استحبابا لأنّه العبادة الّتي حكم بكونها مقدمة

٢٠٤

فلو نوى الواجب للصلاة لوجوبه كان باطلا ولم يقل به أحد ومحل الجواب عن هذا الإشكال بحيث مقدمة الواجب

فائدة

في تحقيق مسائل وقعت في كلمات القوم مختلطة بعضها ببعض الأولى إذا تعدد الأمر المتعلّق بمفهوم واحد فهل يقتضي تعدد التّكليف أو لا وعلى الأوّل هل يقتضي تعدد المكلّف به أو لا الثّانية إذا تعدد الأمر المتعلّق بمفهوم واحد باعتبار أسباب مختلفة فهل يقتضي تعدد التّكليف والمكلّف به أو التّكليف فقط أو لا والفرق بين هذه والسّابقة أن القائل بعدم اقتضاء التّعدد هناك يقول بأنّ الثّاني تأكيد للأوّل لكن القائل بعدمه هنا لا يمكنه ذلك لتعدد السّبب وهذه المسألة هي المعبرة عندهم بتداخل الأسباب الثّالثة إذا تعدد الأوامر المتعلقة بمفهومات مختلفة متصادقة في فرد واحد باعتبار أسباب مختلفة فهل يكفي إتيان ذلك الفرد في امتثالها أو لا وهذه معبرة بتداخل المسببات والفرق بينها وسابقتها أنّه لا شبهة هنا في تعدد التّكليف والمكلّف به بخلاف السّابقة وأيضا لا يمكن للقائل بتعدد المكلّف به في السّابقة القول بالتّداخل لأنّ مقتضى تعدده وجوب الفردين من المفهوم الواحد ولا يمكن التّداخل في الفردين بخلاف التّداخل في الكليّين المتصادقين في فرد أمّا المسألة الأولى فيتصور فيها ثمانية صور لأنّ الأمر الثّاني إمّا معطوف على الأوّل أو لا وكيف كان إمّا أن يكون متعلقهما منكرا أو معرفا إمّا الأوّل معرفا والثّاني منكرا أو بالعكس أمّا صور العطف فقيل إنّه لا إشكال في اقتضاء التّعدد لظهور العطف في المغايرة ولأولويّة التّأسيس من التّأكيد إلاّ في صورة كون الأوّل نكرة والثّاني معرفة ففيه خلاف فقيل بالتّعدد لما سبق وقيل بالاتحاد لظهور اللاّم في العهد وقيل بالتّوقف لتعارض الظّهورين فيرجع إلى أصالة البراءة عن التّعدد وأمّا صور الخلو عن العطف فقيل أيضا بعدم الإشكال في التّعدد لأولويّة التّأسيس من التّأكيد إلاّ في الصّورة المذكورة ففيها قولان التّعدد لما مر والاتحاد لظهور اللام في العهد ولا قول بالوقف هنا كذا قيل وتحقيق المطلب يتوقف على تنقيح مطالب الأوّل اختلفوا في اقتضاء العطف المغايرة وعدمه ذهب بعضهم إلى الأوّل وبعضهم إلى الثّاني ومن الأوّلين من جعله من جهة الوضع ومنهم من جعله من جهة الظّهور ونظر من قال بنفي الظّهور أيضا إلى كثرة عطف المترادفات نحو لا تَرى فيها عِوَجًا وَلا أَمْتًا وألفى قولها كذبا ومينا وغيرهما مما لا يخفى ويظهر من ابن الحاجب القول بوضعه للمغايرة فإنّه عرف المعطوف بأنّه تابع مقصود بالنسبة مع متبوعه وذكر الشّارح الرّضي ره أنّه خرج التّأكيد من قوله مقصود بالنسبة وأيضا ذكر أن إدخال الواو على التّأكيد غير صحيح في الكلام لأنّه للجمع ولازمه المغايرة نعم يجوز في مثل الفاء وثم لدلالتهما على التّرتيب وهو يحصل في التّأكيد بالنسبة إلى زيادة التّقرير في التّكرار وهذا هو الحق فليس معنى حروف العطف المغايرة لكنها لازمة

٢٠٥

لمعانيها وأمّا كثرة عطف المترادفات فممنوع لأنّ المترادف في نفسه قليل لأنّه عبارة عن اتحاد اللّفظين في المفهوم وأمّا الاتحاد في المصداق فليس ترادفا وما يتراءى مترادفا أكثرها متغايرة مفهوما وإن كان في الجملة والحاصل أن مقتضى العطف هو المغايرة سيما في العطف بالواو الثّاني ذكروا في أولويّة التّأسيس على التّأكيد وجهين أحدهما أن التّأكيد مناف لغرض الواضع لأنّ الغرض إظهار ما في الضّمير لا تقرير أمر قد ظهر والثّاني أن التّأكيد مجاز لأنّ اللّفظ لم يستعمل في معناه بل استعمل في تقرير معنى اللّفظ السّابق وفيهما نظر لأن ذلك هو الغرض من وضع المفردات ولكن الهيئات أيضا موضوعة بإزاء معان زائدة على معان المفردات ربما يحتاج الشّخص إليها والتّأكيد من هذا القبيل فإنّه يحصل من هيئة التّكرير لا من اللّفظ المفرد فاللّفظة لم تستعمل إلاّ في الموضوع له فالأولى الرّجوع إلى المرجحات الخارجيّة وملاحظة الأغلب والغالب عند وحدة المتكرر التّأكيد كقولك جاءني زيد زيد اضرب اضرب ونحوهما فتأمل هذا لكن الإشكال في إمكان تحقق التّأكيد بالنسبة إلى الطّلب إذ ربما يتوهم أنّه غير معقول لأنّ الأمر إنشاء يوجد مدلوله فالأمر الثّاني إن أوجد مدلول الأمر الأوّل كان تحصيلا للحاصل أو غيره لم يكن تأكيدا له فإن الطّلب ليس حكاية عن نسبة خارجيّة حتى يعقل تكراره والجواب أنّه قد سبق أنّ الطّلب غير الإرادة فالإرادة حاصلة في النّفس قبل الطّلب وهي سبب للطلب والطّلب عبارة عن التّعرض لتحصيل المراد وهو قد يكون بإعمال الجوارح وقد يكون بتحريض الغير عليه وإلزامه إيّاه فالأمر موضوع لجعل مبدئه على المخاطب وإلزامه إيّاه به وهذا شيء قابل للتّكرار فإن كان المراد في الأمرين واحدا كان تأكيدا وإلاّ تأسيسا وربما استشكل أيضا بأنّ الإيجادين متغايران في الزّمان فليس الثّاني تأكيدا وفيه أنّه لا ينافي التّأكيديّة مع فرض اتحاد المراد كما لا ينافي تأكيديّة الأخبار عند وحدة المخبر به ثبوت التّغاير بالزمان الثّالث هل المعرف باللام المسبوق بالنكرة ظاهر في العهد أو لا ذهب بعضهم إلى الأوّل وبعضهم إلى أنّ وجود الفكرة في السّابق موجب لصحة حمله عليه بقرينة لا لتعين حمله عليه والتّحقيق أنّ اللام لها معنى واحد فإنها وضعت للإشارة إلى مدلول مدخولها باعتبار معهوديته وهو قد يعتبر جنسا وقد يعتبر فردا معينا أو غير معين أو جميع الأفراد ولا يختلف أصل معنى اللام لكن إذا كان هناك أمر أعرف انصرف إليه لأنّ الأعرفيّة أنسب بالإشارة الّتي هي مدلول اللام لكن ربما يكون له معارض في خصوص المقام يوجب عدم حمله على ذلك الأمر الأعرف كما في قوله عليه‌السلام ولا ينقض اليقين بالشّك بعد قوله فإنّه على يقين من وضوئه فإنّه لسبق اليقين ظاهر في العهد لكن العرف في مثل المقام يفهم منه أنّه كبرى كليّة فيحمله على الجنس أو الاستغراق ثم إنّه ربما يتوهم أن هذه الكلمات لا تثمر في المقام لأنّ متعلّق الأمر

٢٠٦

الثّاني إن كان معرفة والأوّل نكرة جاز القول بوحدة التّكليف وتعدده سواء حمل اللام على العهد أو الجنس أمّا على الثّاني فظاهر وأمّا على الأوّل فلأنّ متعلّق الأمر الأوّل هو البليغة فالمراد بالأمر الثّاني أيضا الطّبيعة لكن يجوز إرادتها باعتبار وجودها في فرد آخر غير الفرد المأتي به في الأوّل فحينئذ يتعدد التّكليف وفيه نظر لأنّ متعلّق الأمر الأوّل هو الطّبيعة لا بشرط فلو كان الثّاني للعهد أكان المطلوب به أيضا الطّبيعة لا بشرط الّتي هي المطلوبة بالطلب السّابق فلا يتعدد لكن على الجنس يحتمل الوجهان لإمكان إرادة فرد آخر من الجنس بقرينة أولويّة التّأسيس ونحو ذلك فتأمل إذا علم هذه الأمور فنقول لا ريب في وجوب الحمل على التّعدد في الصّور الثّلاث الأوّل لظهور العطف في المغايرة وكذا في الصّورة الرّابعة وإن كان الظّاهر من اللام العهد لكن العطف أظهر منه وأمّا الصّور الأخيرة فالحمل على الاتحاد لما ظهر من عدم الدّليل على أرجحيّة التّأسيس مضافا إلى ظهور التّكرار في التّأكيد عند عدم العطف سيما في الصّورة الأخيرة لظهور اللام في العهد بلا معارض ومع التّنزل لا أقل من الشّك فالأصل البراءة من تعدد التّكليف ثم إنّ ظاهر الأكثر إن تعدد الأمر حيث يفيد التّعدد ظاهر في تعدد المكلّف به عرفا ويظهر من بعضهم أنّه يفيد تعدد التّكليف ولعله اكتفى به للملازمة بين تعدده وتعدد المكلّف به لكن ذهب بعضهم إلى أنّه يقتضي تعدد التّكليف فقط ويجوز اجتماع الطّلبين على مطلوب واحد والحق هو القول الأوّل ومع التّنزل فالثاني وسيتضح فيما سيأتي بطلان الثّالث وأمّا المسألة الثّانية فالكلام فيها في مطالب الأوّل في بيان الأسباب العقليّة والشّرعيّة ومقتضاها فنقول من الواضح أن تعدد السّبب المستقل يقتضي تعدد المسبب لأنّ اجتماع الأسباب المستقلة على مسبب واحد موجب للتّناقض لأنّ اجتماعها عليه كاشف عن احتياجه إليها واستقلال كل منها معناه استغناؤه عن الباقين ولا فرق في ذلك بين أسباب الموجودات الخارجيّة والأمور الذّهنيّة كالعلم وفرق بعضهم بين أسباب الأمور الخارجيّة فلم يجوز تعددها بالنسبة إلى سبب واحد وبين أسباب الأمور الذّهنيّة كالعلم والمعرفة نظرا إلى أنّ كل سبب يقتضي مسببا فإذا تعدد السّبب تعدد المسبب وفي الأمور الخارجيّة لا يمكن الاتحاد بين شيئين بخلاف الأمور الذّهنيّة فيجوز اتحاد الشّيئين فيه ولذا نرى أن الكلي ينتزع من كل واحد من الأفراد بتجريده عن المشخصات ومع ذلك هو أمر واحد وأيضا يقوم أدلة متعددة على مطلب واحد وكل منها يفيد العلم وإذا زال أحدها بقي العلم بحاله والعلم شيء واحد اجتمع له أسباب مختلفة وفيه نظر لأنّ علة عدم جواز الاتحاد في الخارج موجودة في الأمور الذّهنية أيضا لأنّ الاثنين حال الاتحاد إن بقيا على الاثنينيّة فلا اتحاد وإن زالا إلى شيء ثالث فلا اتحاد وإن زال أحدهما وبقي

٢٠٧

الآخر فلا اتحاد وما ذكره من تجريد الفرد وإقامة الأدلة فلا يدل على مطلبه لأنّ صورة الكلي إنّما تحصل في الذّهن بتجريد أحد الأفراد فإذا جرد الفرد الآخر لم يكن سببا مؤثرا لحصول الصّورة لأنّ شرط تأثير السّبب بقاء القابليّة كجزّ رقبة الميت فإنّه سبب للقتل لكن لا تأثير له بعد الموت غاية الأمر أنّه سبب ثاني بمعنى أنّه يؤثر لو فرض قابليّة المحل وكذا الكلام في الأدلة فصدق أنّ اجتماع الأسباب المؤثرة المستقلة على مسبب واحد محال وبما ذكرنا ظهر عدم جواز تعدد العلل الشّرعيّة أيضا على معلول واحد إذ غاية الأمر أنها معرفات وقد عرفت أنّه لا فرق بين علة العلم وغيره الثّاني هل العلل الشّرعيّة معرفات أو علل واقعيّة المعروف هو الأوّل وذهب بعضهم إلى أن العلل الشّرعيّة نوعان الأوّل ما اعتبره الشّارع سببا للحكم من دون أن يكون سببا في الواقع بل هو معرف وكاشف عن العلة الواقعيّة كالبول لوجوب الوضوء وهذا النّوع مما يجوز اجتماع فردين منه على معلول واحد وليس المنصوص العلة منه حجة والثّاني ما هو سبب واقعي وعلة للحكم كالإسكار لحرمة الخمر وهذا لا يجوز الاجتماع فيه والمنصوص العلة منه حجة واستدل على أنّ القسم الأوّل معرفات بأنّ العلة أقسام أربعة وليس القسم الأوّل داخلا في شيء منها المادّيّة والصّوريّة والفاعليّة والغائية لأنّ العلة إمّا أن تكون داخلة في القوام أو لا وعلى الأوّل إمّا أن يكون ما به الشّيء بالقوة وهو المادة أو بالفعل وهو الصّورة وعلى الثّاني إمّا أن يكون ما به الشّيء وهو الفاعليّة أو ما لأجله الشّيء وهو الغائيّة وظاهر أن البول للوضوء ليس داخلا في شيء من الأقسام بخلاف الإسكار فإنّه علة غائية لحرمة الخمر ثم إن القسم الثّاني إن وجد متحدا فلا إشكال وإن تعدد وتعاقب فإن كان الحكم مما يقبل الشّدة والضّعف كالوجوب انقلب المعلول الموجود بالعلة الأولى إلى المرتبة الشّديدة عند وجود العلة الثّانية وإلاّ كان العلة الثّانية كاشفة عن تحقق المعلول بالعلة الأولى هذا خلاصة كلامه وفيه نظر من وجوه أحدها أن اجتماع المعرفين على معلول واحد إن أريد به المعرف الفعلي فظاهر البطلان لما سبق أو المعرف الثّاني فهو جائز في الأسباب الواقعيّة أيضا فالفرق بينهما لا وجه له والثّاني أنّ المعرف إذا كان كاشفا عن تحقق العلة فأينما وجد كشف عن ذلك لا وجه عدم حجيّة المنصوص العلة منه والثّالث أنّ الاستدلال على معرفيّة المذكورات باطل لأنّهم عرفوا العلة بما يحتاج إليه الشّيء في الوجود وهو شامل لآلات العمل وشرائط الفعل فلا بد من إدخالها في العلة الفاعليّة وتعميمها بحيث تشمل الآلات والشّرائط أيضا أو القول ببطلان الحصر المذكور بزيادة العلة الآليّة وهي ما يتوقف عليه الشّيء وحينئذ فتحقق البول مثل الشّرط للحكم بوجوب الطّهارة والرّابع أنّ جعل الإسكار

٢٠٨

علة غائيّة فاسد بل العلة الغائيّة هي حفظ المكلّف عن السّكر مع أن العلة المذكورة في الأخبار هي الإسكار ولا فرق بينه وبين البول فكما أنّ البول موجب لحصول الحدث الباعث على إيجاب التّطهير لرفعه فكذا الإسكار موجب لحصول السّكر الموجب لتحريم الخمر لدفعه وكون المطلوب في أحدهما الرّفع وفي الآخر الدّفع لا يوجب ما ذكره من الفرق والخامس أن جعل العلة المتأخرة في صورة التّعاقب وعدم قابليّة الحكم للاشتداد كاشفة موجب لتخصيص الأدلّة الدّالة على أنّ العلة يجب أن تؤثر في المعلول فإنّ نسبته إلى كل من العلتين على السّويّة فتخصصه بالعلة الأولى وتخرج العلة الثّانية عن العلية وتجعلها كاشفة فالأولى جعل الثّانية لغوا محضا ولا يلزم حينئذ تخصيص لأنّ تأثير العلة مشروط بقابليّة المحل فهي علة غير مؤثرة بخلاف من يجعلها كاشفة إذ تخرج حينئذ عن العليّة رأسا وهو التّخصيص فتأمّل الثّالث إذا ثبت أنّ تعدد الأمر المترتب على تعدد السّبب مستلزم لتعدد الطّلب فهل هو مستلزم لتعدد الفعل أو لتعدد الحكم وهو مبني على أن الأمر هل هو سبب للفعل أو للحكم وعلى الثّاني فهل هو مستلزم لتعدد المأمور به أو لا ذهب بعضهم إلى أنّ تعدد الأمر مستلزم لتعدد الحكم لا لتعدد الفعل إذ لا يلزم من وجود الأمر وجود الفعل كما هو شأن السّبب بخلاف الحكم فإنّه يتعدد بتعدد الأمر ولكن لا يلزم من تعدده تعدد المطلوب لجواز اجتماع الطّلبين على مطلوب واحد من جهات عديدة كما أنّ الإفطار في رمضان بالمسكر النّجس المغصوب حرام ومعصية لخطابات متعددة فكما يمكن عصيان خطابات متعددة بفعل واحد فكذا يحصل به الإطاعة لخطابات عديدة وقد وقع ذلك في الشّرع كالغسل الواحد للجنابة والحيض وضوء واحد مع تعدد السّبب كالنّوم والبول وإذا جاز تعدد الطّلب مع وحدة المطلوب كان الأصل هو التّداخل ومع التّنزل لا أقلّ من التّعارض فيرجع إلى أصالة عدم تعدد المكلّف به هذا كلامه وفيه أوّلا أنّ الأمر سبب الفعل بمعنى أنّه مقتض له وداع للمكلّف إليه وثانيا أن تعدد الحكم مستلزم لتعدد المتعلّق ضرورة امتناع اجتماع الضّدين أو المثلين في محل واحد من حيث إنّه واحد وإن كان واحدا وما يرى من الأمر بالسّجود والنّهي عنه بالنسبة إلى الله تعالى والشّمس فإنّما هو من حيث ملاحظة الخصوصيتين فيتحقق الكثرة وحينئذ فلا معنى لتعلّق الطّلبين بماهيّة بدون ملاحظة تعدد الفرد لأنّه حينئذ يلزم اجتماع المثلين في محل واحد من حيث إنّه واحد وهو محال وحينئذ فالأصل هو عدم التّداخل لا يقال لم تجعل تعدد الأمر موجبا لتعدد الطّلب فعلا ونجعل تعدده موجب لتعدد الماهيّة باعتبار الفرد ولا تجعل وحدة الماهيّة قرينة على وحدة الطّلب بحمل أحد السّببين على السّبب الثّاني وحينئذ فيثبت أصالة التّداخل

٢٠٩

لأنّا نقول الماهيّة من حيث هي لا وحدة فيها ولا كثرة لكن الإطلاق إنّما يثبت لما يحكم العقل حيث لم يكن ما يصلح للتّقييد وإذا كان الظّاهر من السّبب السّبب الفعلي فهذا الظّهور صالح لتقييد الماهيّة وحينئذ فينتفي حكم العقل بعدم القيد لأنّه مشروط بعدم ما يصلح للتّقييد وبما ذكرنا علم أنّه لا فرق بين ما إذا تعدد الأمر ابتداء أو تعدد السّبب بل هو في الثّاني أقوى لاحتمال التّأكيد في القسم الأوّل بخلاف الثّاني كما سبق والحاصل أن محض تعدد الأمر لا يوجب تعدد الحكم والفعل إلاّ بملاحظة أمر خارج مثل العطف الظّاهر في المغايرة ومثل تعدد السّبب الّذي يمتنع معه التّأكيد وبهذا ظهر ضعف ما ذهب إليه بعض المحققين من إن تعدد الأمر بنفسه يقتضي تعدد المكلّف به سواء تعدد السّبب أو لا فتأمل وأمّا الموارد الواردة في الشّرع مثل الإفطار في رمضان بالمحرم فلا دخل له بما نحن فيه لأنّ التّكليف فيه غير قابل التّمكن أو فيكون اجتماع الأسباب فيه سببا لمرتبة أشد من المرتبة على السّبب الواحد وأمّا مثل الغسل فيقول إن تجويز التّداخل فيه دليل على السّبب هو القدر المشترك أو السّببيّة الثّانية أو نحوهما وقد تمسك لأصالة التّداخل بأنّه لو كان المطلوب من الأمر المتعلّق بالطبيعة بواسطة الأسباب هو الأمور المتعددة لزم إرادة أكثر من معنى واحد من اللّفظ فإنّه أو قال إذا جاءك زيد فأكرمه وكان المراد أنّ كل فرد من المجيء سبب لفرد من الإكرام كان المطلوب في ابتداء المجيء طبيعة الإكرام وفي الثّاني الفرد المغاير لما أوجده أولا فاستعمل الأمر في إرادة الطّبيعة والفرد وفيه أن المطلوب هو الطّبيعة عند وجود كل سبب لكن العقل يحكم بأنّه لما وجد فرد منها سابقا كان الفرد الثّاني مغايرا للسابق جزما لا أنّ المطلوب هو الفرد بالنّسبة إلى الثّاني إذا تحقق هذه المطالب فنقول إنّ الأقوال في المسألة أربعة اقتضاؤه تعدد التّكليف والمكلّف به مطلقا وعدمهما كذلك واقتضاؤه تعدد التّكليف فقط مطلقا والتّفصيل بين ما لو كان الأسباب من طبيعة واحدة كأفراد البول ولم يتخلل فعل المسبب بينها فلا يقتضي التّعدد وبين ما لو كانا من نوعين مختلفين كالنوم والبول أو متفقين ولكن تخلل فعل السّبب بينهما فالأصل حينئذ عدم التّداخل وبما حققنا لك في طي المطالب ظهر لك أن الأصل عدم التّداخل مطلقا لأنّ ما يمكن الاستدلال به للتّداخل وجوه منها أن السّبب أعم من الثّاني والفعلي وقد عرفت أنّه ظاهر في الفعلي ومنها أنّه سبب لتعدد الحكم لا المكلّف به وقد عرفت التّلازم بينهما لأنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يكون محلا للمثلين ومنها أن وحدة الطّبيعة قرينة على أنّ الأسباب أسباب إنّيّة وقد عرفت أنّه لا يعارض ظهور السّبب في الفعلي ثم إن ما قررنا من الوجه لا فرق فيه

٢١٠

بين ما لو كانت الأسباب من ماهيّة واحدة أو لا حيث إنّ السّبب ظاهر في الفعلي ويمتنع اجتماع المثلين في محل واحد ومستند التّفصيل أنّ الأسباب لو كانت من ماهيّة واحدة كان السّبب هو الماهيّة من حيث هي فمتى لم يوجد المسبب لم يوجب تعدد أفرادها شيئا لوجود الموجب وهو القدر المشترك أمّا إذا وجد المسبب ثم وجد فرد آخر من السّبب أثر لوجوده حين عدم وجود موجب آخر وكذا لو كانت الأسباب مختلفة في الماهيّة فإنّ الظّاهر حينئذ مدخليّة الخصوصيّة في السّببيّة لا القدر المشترك وضعفه ظاهر فإنّ الظّاهر عند اتحاد الحقيقة أيضا كون الخصوصيات أسبابا لا القدر المشترك فتأمل وأمّا المسألة الثّالثة فقد ظهر حكمها مما سبق لأنّه إذا تعدد التّكليف والمكلّف به لم يجز امتثالهما في مورد الاجتماع إذ يلزم اجتماع المثلين في محل واحد شخصي وهو غير جائز فيجب أن يكون الامتثال لأحدهما بغير ما يمتثل للآخر كما في المتضادين وخالف في ذلك بعضهم فجوز اجتماع الوجوبين والاستحبابين ولم يجوز اجتماع الوجوب والاستحباب وكذا الكراهة والحرمة وبعضهم فجوز الثّاني ولازمه تجويز الأوّل أيضا واستدل بأنّ الوجوب والاستحباب نظير الوجوب بالغير والإمكان بالذات فكما أنّ الإمكان هو عدم اقتضاء الوجود بالذات فلا ينافي اقتضاء الغير له فكذا الاستحباب رجحان لا يقتضي المنع عن التّرك فلا ينافي وجود رجحان آخر يقتضي المنع عن التّرك إذ لا تنافي بين عدم اقتضاء شيء واقتضاء شيء آخر ومن هذا القبيل حصول غسل الجمعة والجنابة بغسل واحد والحاصل أنّ الاستحباب ليس مقتضيا للإذن في التّرك حتى ينافي اقتضاء الوجوب المنع عنه وفيه أنّ امتناع الاجتماع ليس لامتناع الإذن في التّرك والمنع عنه بل لامتناع اجتماع طلبين متضادين أو متماثلين في محل واحد ولا ريب أنّ الاستحباب رجحان ضعيف والوجوب قوي فيمتنع اجتماعهما نعم لو قيل بجواز اجتماع المصلحة المقتضية للاستحباب والمصلحة المقتضية للوجوب ويكون التّأثير للثاني لأنّه أقوى لم يكن بعيدا لكنه حينئذ واجب صرف لا أنّه قد اجتمع هناك وجوب واستحباب كما هو مقتضى هذا القول وأمّا الموارد الواردة في الشّرع فيجب حملها إمّا على أنّ السّبب هو القدر المشترك أو المجموع حال الاجتماع سبب لمرتبة أقوى كما سبق وربما يجاب بوجوه غير وجيهة منها أنّه لم يجتمع في مثل الأغسال المتداخلة واجب ومستحب بل الغسل الواحد إمّا واجب يسقط المستحب أو بالعكس فلم يجتمع الحكمان ونظيره سقوط صلاة تحيّة المسجد بالصلاة الواجبة وسقوط الصّوم المستحب بالصوم القضاء وفيه أنّ من المبرهن عليه أنّه إن كان هناك أمران يحصل بكل منهما مصلحة الآخر كانا واجبين تخييرا أو مستحبين ولا معنى لكون أحدهما واجبا عينيا

٢١١

والآخر مستحبا كذلك فإذا كان غسل الجنابة يوم الجمعة مسقطا لغسل الجمعة وبالعكس لم يكن معنى لاستحباب غسل الجمعة ووجوب الجنابة وصلاة التّحيّة ليست مسقطة للصلاة الواجبة بل الأمر بالعكس ولا ضير فيه لحصول المصلحة الضّعيفة في ضمن القويّة دون العكس فلا ربط له بالمدعى ومنها أنا لا نسلم استحباب الغسل يوم الجمعة مطلقا بل هو إذا لم يكن عنوان يقتضي الوجوب وفيه أنّه إن أراد منع استحبابه لمن عليه واجب فهو تقييد للأدلة بلا دليل وإن أراد منع استحبابه إذا كان هناك عنوان يقتضي وجوب غسل الجمعة من نذر وشبهة فلا ربط له بالمقام وإن أراد منع استحبابه إذا اتحد مع مصداق الواجب فلا دليل عليه كالأوّل ومنها أنّ الغسل الواحد الّذي يجزي عنهما في يوم الجمعة ليس واجبا ولا مستحبا وإنّما هو أمر ثالث وفيه أنّه إذا حصل به مصلحة الواجب والمستحب وجب اجتماعهما فيه لما عرفت فإنّه من حيث حصول مصلحة الواجب به يكون واجبا تخييرا ومن حيث حصول مصلحة المستحب يكون مستحبا تخييرا فعاد المحذور فالتّحقيق ما ذكرنا ومقتضاه أنّ الوضوء بعد دخول الواجب واجب محض وليس مستحبا نفسيا حينئذ لما عرفت من عدم جواز اجتماعهما فلو أتى به بقصد الاستحباب كان باطلا إلاّ أن يقال إنّ وجود مقتضي الاستحباب يكفي في جواز قصده وإن لم يكن هناك طلب استحبابي وهو مشكل

تنبيهات

الأوّل

قد عرفت أنّ مقتضى الأصل اللّفظي هو عدم التّداخل في الأسباب والمسببات ولكن إذا قطعنا النّظر عن الأصل اللّفظي فمقتضى الأصل العملي في مسألة تعدد الأسباب المتعلّق بعنوان واحد هو البراءة عن وجوب المتعدد لأنّ الشّك راجع إلى وحدة التّكليف وتعدده وفي مسألة تعددها بالنسبة إلى مفهومين هو الاشتغال للقطع بتعدد التّكليف والشّك إنّما هو حصول الامتثال بفرد واحد وهو مورد الاجتماع والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة الّتي لا تحصل إلاّ بتعدد الفعل والعجب من بعضهم حيث حكم في القسم الثّاني بأنّ مقتضى الأصل العملي فيه هو البراءة أنّ قطع النّظر عن الظّهور اللّفظي وذلك لأنّ الكلام ليس فيما إذا قام قرينة من الخارج فليس مراده من الظّاهر اللّفظي القرائن الخارجيّة إذ ليس الكلام في ذلك وإن كان مراده من الظّهور اللّفظي كون تعدد التّكليف موجبا لتعدد الفعل ففاسد لأنّ ذلك إن ثبت دل فليس لظهور اللّفظ بل لحكم العقل مع أنّه لا معنى لقطع النّظر عنه إذ لو قطع النّظر عن ذلك لم يبق شيء ينظر فيه لأنّه الموضوع في المسألة فتأمل

الثّاني

إذا ثبت التّداخل في مورد فإن كان العنوان واحدا فلا ريب في حصول الامتثال بالفعل الواحد قهرا ولا وجه للتّكرار بل يكون بدعة كالوضوء وإن تعدد العنوان وكان اختلاف العنوانان تابعا للقصد فإن

٢١٢

قصد بالفعل الواحد جميع العنوانات رفع الجميع ولا يجوز التّكرار وإن قصد به البعض وقع خاصة دون البواقي هذا بحسب العنوان وأمّا بحسب الأمر فإن كان الأوامر توصّليّة فيكفي وقوع العمل مرة ولو بدون قصد الامتثال وإن كانت تعبديّة فإن قصد بالفعل الواحد امتثال الجميع فلا إشكال في وقوع الجميع وإن لم يقصد الامتثال أصلا فلا يقع شيء وإن قصد الامتثال مطلقا أو قصد امتثال بعض الأوامر بخصوصه ففي تحقق أداء البواقي إشكال ويظهر من بعض المحققين دعوى سقوط التّكليف وإن لم يصدق الامتثال بالنسبة إلى ما لم يقصد نظرا إلى أن الواجب في العبادة وقوعها بقصد الامتثال في الجملة وهو يصدق بالإتيان بها بقصد أنّها مأمور بها مطلقا فيصدق على غسل الجنب يوم الجمعة بقصد الجنابة أنّه اغتسل غسل الجمعة قربتا إلى الله وامتثالا لأمره المتعلّق به من حيث إنّه غسل جنابة فيسقط عنه غسل الجمعة بناء على اتحادهما في العنوان أو قصد العنوانين معا لكن امتثالا لأحد الأمرين فتأمّل وكذا إذا أتى به بقصد الامتثال مطلقا وهكذا فيما إذا كان عليه واجبان في صورة واحدة أو واجب ومستحب كنافلة الصّبح وفريضته فإنّه يكفي إتيان صلاتين بقصد القربة المطلقة نظير ما لو قال له المولى صل مرتين فكما لا يجب فيه التّعيين فكذا هنا هذا كلامه ويشكل بأنّه إذا تعلّق الأمران بعملين في غير مسألة التّداخل فأتى المكلّف بواحد من دون تعيين فإن حصل بذلك امتثال الجميع فهو خلاف المفروض أو البعض المعين فهو ترجيح بلا مرجح أو غير معين فهو غير معقول إذ لا معنى لامتثال الأمر المجمل الواقعي خصوصا فيما إذا اختلف الفعلان نوعا وقد يقال إنّ الأمر الوجوبي لما تعلّق بالطبيعة وهي تحصل في ضمن الفرد الّذي أوجده أوّلا انصرف إلى الواجب واعترض عليه بأنّ النّدب أيضا تعلّق بالطبيعة وأجيب بأنّه إذا اجتمع الوجوب والنّدب رجح الوجوب ورد بأنّ ذلك في المتعلّق الواحد لا المتعدد وأجيب بأنّ الأمر إنّما ورد على الطّبيعة وهي منصرفة في أوّل أفرادها إلى الواجب وفيه مما فيه ثم إنّ القول بسقوط الواحد المبهم مع أنّه لا معنى له لا يجري فيما إذا اختلف الحكم وإن اتحد نوعا ككفّارة الإفطار واليمين فإنّه في الأوّل مخير بين العتق وغيره وفي الثّاني يجب العتق عينا وإن لم يمكن فالباقي على التّرتيب فلو كان عليه كفارتان للإفطار واليمين فأعتق متقربا لم يكن القول بسقوط واحد مبهم إذ لا يعلم حينئذ أن تكليفه العتق للثاني معينا أو التّخيير وقد أوردوا هذا على الشّيخ الطّوسي قدِّس سرُّه حيث يظهر منه القول بسقوط واحد مبهم ولكن يظهر من الشّهيد أنّ السّاقط واحد معين في الواقع حيث حكم بوجوب العتق ثانيا للاحتياط إذ لا معنى للاحتياط إلاّ ثبوت حكم معين

٢١٣

في الواقع والتّحقيق أن يقال إنّه إن اتحد النّوع والحكم حكم بسقوط واحد مبهم لأنّ الطّلبين حينئذ لا تميز بينهما إلاّ بتعدد المتعلّق فإذا فعل أحدهما بقصد أنّه مطلوب سقط الأمر المتعلّق به فيجب عليه فعل الآخر بخلاف ما إذا اختلف نوع الحكم كالوجوب والاستحباب فإن اختلافه كاشف عن اختلاف المصلحة في تلك الأفراد وحينئذ فإذا أتى بفرد متقربا فالحكم بسقوط أحدهما معينا ترجيح بلا مرجح ومبهما لا معنى له وكذا إذا اتحد النّوع واختلف الحكم كالكفّارة فإنّه أيضا كاشف عن اختلاف المصلحة ويمكن أن يقال في صورة اختلاف النّوع إنّه إذا تعلّق الأمر الوجوبي بالطبيعة كان معناه النّهي عن ترك الجميع وحينئذ فلا معنى لورود الاستحباب عليها لأنّ معناه الإذن في ترك الجميع وهو مناقض لمقتضى الوجوب فيجب أن يرد الاستحباب على القدر الزّائد على مقدار الواجب الّذي يصدق على الواحد وعلى هذا فلو أتى بفرد صدق عليه أنّه لا يجوز تركه إلاّ إلى بدل وهو معنى الوجوب وهذا هو المرجح لسقوط الأمر الوجوبي ويشكل الأمر لو أتى بالفردين دفعة إذ لا أوّليّة حينئذ إلاّ أن يقال إنّ المجموع حينئذ موجب لسقوط المجموع والمسألة في غاية الإشكال فتأمّل فيها جدا وقد تلخص مما ذكرنا أنّه إذا كان التّكليفان من نوع واحد أمكن الحكم بسقوط أحدهما عند قصد القربة المطلقة حيث لا تميز في المتعلّق إلاّ من حيث كونه متعلقا للطلب الخاص وأمّا إذا كانا نوعين فإن لم يكن الملحوظ في المتعلّقين خصوصيّة سوى الطلب للطبيعة المطلقة فكذلك إلاّ أنّه يقع الأوّل واجبا قهرا لأنّ اختلاف الحكمين كاشف عن اختلاف المصلحة في الأفراد وحيث لا تميز من حيث كونه فردا تعين أن يكون المميز الأوّليّة والثّانويّة لما علم أنّه يكفي في نيّة الوجه قصد القربة المطلقة والفرد الأوّل يصلح لوقوعه واجبا فيبرأ الذّمة بإتيانه وعلى هذا فقصد الاستحباب بالفرد الأوّل مشكل بل قيل في أذكار الرّكوع والسّجود أنّه لو قصد الاستحباب بالأوّل فإن كان عن سهو فلا بأس وإن كان عمدا كان تشريعا ربما أوجب بطلان الصّلاة وإن كان الملحوظ فيها خصوصيّة زيادة على كونه فردا وإن لم نعلمها تفصيلا بأن ثبت من دليل خارج أنّ قصد الاستحباب بالأوّل جائز فإنّه لا يمكن إلاّ بأن يكون هناك خصوصيّة ملحوظة لما عرفت من أنّ اختلاف الحكم تابع لاختلاف المصلحة الموجب لثبوت اعتبار الخصوصيّة وإن كانت بحسب القصد وحينئذ فلو أوقع العمل بقصد المطلق لم يقع لأنّ وقوعهما خلاف الفرض ووقوع أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح ولا يكفي احتمال ثبوت الخصوصيّة واقعا فيقع الامتثال بمقتضاها لاحتمال اعتبار الخصوصيّة بالقصد فتأمّل

٢١٤

جدا بقي الكلام فيما إذا ترتب على أحدهما حكم أو على كل منهما كإعطاء الدّرهم المردد بين أداء النّذر وأداء الدّين فإنّه لو كان أداء للنّذر لم يوجب منع الثّاني كفّارة بخلاف ما لو حسب للدين فإن منع الآخر موجب لكفّارة خلف النّذر واختلفوا في ذلك على أقوال فذهب بعضهم إلى أنّه ينصرف إلى ما فيه الخصوصيّة فينصرف في المثال المذكور إلى أداء النّذر وفيما إذا أدّى دينا ولم يعين أنّه الّذي عليه الرّهن أو غيره انصرف إلى الأوّل وقيل إنّه يتعين بتعينه وله الخيار في تعيين أيّهما شاء استصحابا لخياره الثّابت قبل الأداء وقيل يلغو الاشتراط التّعيين فتأمّل حتى تقف على الحق المستقيم وهذا كله في غير مسألة التّداخل وفيها على قول من يجوز اجتماع الأوامر وأمّا على ما حققناه سابقا من اتحاد الأمر وكونها تأكيدا وسببا لمرتبة أقوى فلا إشكال في كفاية قصد القربة المطلقة نعم يشترط قصد العنوانات إذا كان تحققها فرعا للقصد وكذا لا إشكال في سقوط الجميع بقصد بعض الأوامر لكفاية نيّة القربة المطلقة وقد حصلت والأمر واحد والأمر المنوي لم ينتف كليّة حتى يلغو قصده بل قد أكد بالأمر الثّاني وصار المجموع سببا لمرتبة أقوى فلا ينافي في قصده خاصة حصول المأمور به لعدم انتفائه رأسا ولعلك تسمع لذلك تحقيقا في المباحث الآتية إن شاء الله

الثّالث

قد مر الكلام في اجتماع الأسباب على الفعل وقد يجتمع الأسباب على غيره كما إذا عقدها وكيلان في آن واحد على رجلين أو أوصى زيد بماله لعمرو ثم لبكر أو باع أحد الوكيلين المال بشخص والآخر بآخر متقارنا فقد اختلفوا في هذه الموارد ففي بعضها حكموا بالتّساقط كالنكاح والبيع وفي بعضها بالتّشريك كالوصيّة وقيل في وجهه إنّ مقتضى السّببيّة التّأثير فكلّما أمكن إعمال السّبب كان أولى من إهماله وإعمالهما في باب الوصيّة إنّما هو بالتّشريك ولا يمكن ذلك في باب النّكاح فحكم بالتّساقط وهذا الوجه لا يجري في البيع لإمكان التّشريك فيه والتّحقيق أنّه إذا اختلف مقتضى العقدين فالأصل هو التّساقط لأنّ كل واحد إمّا سبب مستقل أو السّبب هو القدر المشترك فعلى الأوّل وجه التّساقط ظاهر وعلى الثّاني أيضا كذلك لوجوده في ضمن كل منهما فتأثيره في أحدهما دون الآخر لا وجه له وأمّا إذا اتحد موجبهما كما إذا أوقع الوكيلان العقد على رجل واحد فحينئذ السّبب هو القدر المشترك وهو مؤثر أثرا واحدا وأمّا الفرق بين الوصيّة والبيع فهو أن الوصيّة إن كانت في الثّاني أيضا بجميع الأوّل فالظّاهر منه الرّجوع لا التّشريك وأمّا إذا أوصى لزيد بنصف المال ولعمرو بربعه ولبكر بثلثه فالظّاهر منه قصد التّشريك والظّهور يكفي في باب الوصية بخلاف البيع لاشتراط الصّراحة في عقوده فتأمل

أصل قد سبق أنّ الأمر حقيقة في الوجوب

٢١٥

فاعلم أنّه إنّما يحمل عليه إذا لم يكن قرينة على الخلاف ومن جملة القرائن وقوع الأمر عقيب الحظر فإن الظّاهر منه عرفا محض رفع الحظر لا رفعه وإثبات الوجوب لكن بشرط أن يكون الأمر في مقام رفع الحظر وإلاّ فيحمل على الوجوب لفهم العرف وكذا حال النّهي الوارد عقيب الأمر فإنّه يحمل على محض رفع الأمر وكذا الكلام في النّهي التّنزيهي بعد الأمر الاستحبابي وبالعكس ثم المراد بالحظر فيما ذكرنا هو الحظر الشّرعي لا الأعم منه ومن العقلي كما توهمه بعضهم فحكم بأنّ الأمر الواقع عقيب الحظر يحمل على الوجوب وإلاّ لم يكن شيء من العبادات واجبا لحرمتها عقلا قبل ورود الأمر لكونها بدعة فيكون الأمر رافعا للحظر وذلك لأنّ الأمر فيما ذكر لا يرفع الحظر لأنّ الحظر إنّما تعلّق بعنوان البدعة وهو لا يرتفع بالأمر بالصّلاة وإنّما الأمر يرفع صدق البدعة على الصّلاة فهذا ليس داخلا في محل البحث ثم إنّه إن تعلّق بعين ما تعلّق به النّهي فهو داخل في البحث قطعا وأمّا لو كان بينهما فرق بالإطلاق والتّقييد كما لو قال لا تخرج من المجلس ثم قال له اذهب إلى المكتب فقيل إنّه يحمل على الوجوب والحق أنّه داخل في البحث للفهم العرفي وكذا إذا تعلّق النّهي بالكلي والأمر بالفرد وأمّا إذا تعلّق النّهي بعنوان والأمر بعنوان آخر متحدين مصداقا فالظّاهر خروجه لأنّ النّهي المتعلّق بذلك العنوان لا يوجب صرف الأمر المتعلّق بعنوان آخر عن إفادة الوجوب الّذي هو الموضوع له ثم إنّك قد عرفت أنّ محض الوقوع عقيب الحظر لا يكفي قرينة بل يجب كون المتكلم في مقام رفع الحظر حتى نقول الظّاهر عرفا أن غرضه محض رفع الحظر لا هو مع إفادة الوجوب وهذا الضّابط يشمل الحظر المحقق والمظنون والمتوهم فمتى علم أن المتكلم في مقام رفع الحظر مطلقا لم يحمل أمره على الوجوب لما عرفت نعم لو قلنا بأنّ محض الوقوع عقيب الحظر قرينة اختص بالحظر المحقق وللحق ما ذكرنا وفي المسألة أقوال لا جدوى في التّعرض لها

أصل اختلفوا في أنّ المطلوب بالأمر هو الماهيّة أو المرة أو التّكرار على أقوال

والفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الآتية أعني أن المطلوب هو الطّبيعة أو الفرد ظاهر لأن القائل بالطبيعة يمكنه هنا القول بكل من الأقوال فقد يقول بأنّ المطلوب إيجاد الطّبيعة المطلقة وقد يقول إنّ المطلوب إيجاد الطّبيعة دفعة واحدة أو في ضمن فرد واحد أو إيجادها دفعات كثيرة أو في ضمن أفراد متعددة إذ المراد بالمرة إمّا الدّفعة أو الفرد الواحد من حيث وحدته لا من حيث ذاته فالقول بالطبيعة لا تنافي إرادة الفرد الواحد من حيث إنّه إيجاد للطبيعة مرة واحدة وكذا القائل بمطلوبيّة الأفراد يمكنه هنا القول بالكل فقد يقول إنّ المطلوب هو الفرد الغير المعتبر فيه وحدة ولا كثرة وقد يقول إنّه الفرد الواحد أو المتعدد وأمّا التّفرقة بأنّ الكلام هنا في الوضع اللّغوي

٢١٦

وهناك في مقتضى العقل فلا ينطبق على أدلّتهم في المقامين لأنّهم استدلوا هناك أيضا بالأمور اللّغويّة وكيف كان فقد عرفت أنّ المرة قد يقال بمعنى الدّفعة وقد يقال بمعنى الفرد الواحد فالقائل بأنّها المطلوب قد يقول بأنّها مأخوذة لا بشرط بمعنى أنّ المطلوب هو الفرد الواحد والزّائد مسكوت عنه وقد يقول بأنّها تنفي الزّائد وحينئذ قد يكون عدم الزّيادة تكليفا مستقلا بحيث لا يوجب فعل الزّائد عدم حصول الامتثال بالمرة وقد يكون شرطا في حصول الامتثال بها ويظهر من صاحب المعالم أن مراد القائلين بالمرة هو الأخير حيث استدل على كونه للماهيّة بحصول الامتثال لو أتى بالفعل مكررا فإنّ مراده حصول الامتثال بالفرد والأوّل إذ لا معنى للامتثال عقيب الامتثال فمقصوده أنّه إن كان للمرة لم يحصل الامتثال أصلا عند التّكرار وهذا إنّما يصح على الوجه الأخير فافهم والمراد بالتّكرار إمّا الدّوام كما يظهر من البعض والمعتبر حينئذ وحدة العمل واستمراره وإمّا التّعدد والمعتبر حينئذ تعدد العمل وإن استلزم دوام الفرد النّوعي والحق في المسألة هو القول الأوّل إذ لا دلالة للأمر عرفا على مرة ولا تكرار والمتبادر هو الماهيّة وحينئذ فلا جدوى للبحث عن المرة هي بشرط لا أو لا بشرط وعن التّكرار أنّه الدّوام أو غيره فنصرف الكلام إلى بيان ثمرة النّزاع فنقول إنّ الثّمرة بين القول بالمرة والتّكرار ظاهر لأنّ الفرد الثّاني امتثال على الثّاني دون الأوّل وكذا بين الماهيّة والتّكرار فإنّ الفرد الثّاني امتثال ثان على الثّاني بخلاف الأوّل بل هو إمّا لغوا أو الامتثال يحصل بالجميع وكذا بين الماهيّة والمرة بشرط لا بناء على جعل الشّرط قيدا فإنّه إن أتى بالثاني لم يمتثل أصلا على الثّاني بخلاف الأوّل وكذا بين القول بالماهيّة والمرة بشرط لا بناء على عدم جعله قيدا فإنّ الإتيان بالفرد الثّاني حرام لدلالة الأمر بناء على الثّاني وجائز على الأوّل أو حرام من باب البدعة فلو قام الدّليل على الجواز انتفى البدعة والحرمة إنّما الإشكال في الثّمرة بين القول بالماهيّة والمرة لا بشرط فقد يقال إنّه إذا أتى بأفراد متعددة فعلى الأوّل يحصل الامتثال بالمجموع وعلى الثّاني بالفرد الأوّل واعترض عليه بعضهم بأنّ الماهيّة إذا وجدت حصل الامتثال وهي موجودة في ضمن الفرد الأوّل فلا معنى لعدم حصول الامتثال به وحصوله بالمجموع نعم لو أتى بالأفراد دفعة واحدة كأن قال المأمور بالعتق لعبيده أنتم أحرار لوجه الله فعلى الأوّل يحصل الامتثال بالجميع وعلى الثّاني بأحد الأفراد مبهما ويعين بالقرعة إن احتيج إليه وفيه نظر إذ لو كان المراد بالمرة الدّفعة فلا ريب في أن الأفراد حينئذ قد حصلت دفعة واحدة فيحصل الامتثال بالمجموع كالماهيّة وإن كان المراد الفرد الواحد فنقول على القول بالماهيّة أيضا يحصل الامتثال بأحد الأفراد

٢١٧

مبهما لكفاية حصول الماهيّة في ضمن فرد واحد في الامتثال فيحكم العقل بحصوله بأحدها مبهما إن جاز الامتثال بفرد مبهم وإلاّ لم يحصل أصلا ولا وجه لحصول الامتثال بالمجموع وبالجملة العقل يحكم بحصول الامتثال بفرد واحد ولا وجه للتّخيير عقلا بين الزّائد والنّاقص سواء حصل الزّائد دفعة أو بالتّدريج نعم يجوز التّخيير بينهما شرعا وهو كاشف عن اعتبار المباينة بينهما إمّا بجعل الأقل معتبرا بشرط لا فإنّه حينئذ ليس داخلا في الأكثر وإمّا بجعل القصد مميزا ولا يحتاج إلى القول بمنع التّخيير الشّرعي أيضا بجعل الزّائد مستحبا كما فعله بعضهم لكن هذه الوجوه لا يجري في التّخيير العقلي لأنّه إذا نظر إلى الأمر المتعلّق بالماهيّة حكم بحصول الامتثال بفرد واحد وليس هناك أمر كاشف عن اعتبار المباينة وتحقيق المقام في بيان الثّمرة يتوقف على بيان مطالب أحدها الحق أن المطلوب بالأمر هما الفرد لا الطّبيعة لأنّ الطّبيعة من حيث هي لا يمكن طلبها إلاّ بمعنى محبوبيتها وهي لا تقتضي وجوب إتيان المكلّف بها فالواجب هو تحصيل الطّبيعة وبعبارة أخرى وجود الطّبيعة مطلوب ووجودها هو عين الفرد لما تحقق أن الفرد هو الكلي الموجود لأن التّشخص إنّما يحصل بالوجود لأنّه المتشخص بالذات وضم الماهيّة إلى مثلها لا يوجب التّشخص لأنّه حينئذ ضم كلي إلى كلي فالمطلوب هو الفرد وإن كان المأمور به هو الكلي فإن اضرب معناه أوجد طبيعة الضّرب فالأمر بالإيجاد إنّما ورد على الطّبيعة لكن المطلوب هو الإيجاد الّذي هو عبارة أخرى عن وجود الفرد لأنّ الفعل إذا نسب إلى الفاعل كان إيجادا وإذا نسب إلى المفعول كان وجودا الثّاني لا يجوز التّخيير بين الأقلّ والأكثر لما عرفت من أنّه يلزم تحقق الامتثالين لأمر واحد عند إتيان الأكثر وهو غير معقول وبهذين المطلبين يظهر أنّ القول بتعلّق الأحكام بالأفراد هو القول باقتضاء المرة لا بشرط لأنّه إذا تعلّق الحكم بالفرد لكن لا لخصوصيّة بل لحصول المصلحة فيه الّتي هي ثابتة في كل فرد ولم يجز التّخيير بين الأقل والأكثر كان المطلوب الواحد لا بشرط وتخير المكلّف في الأفراد كما يقول به القائل بالمرة ولا ينافي هذا ما ذكرنا سابقا من أن القائل بالفرد يمكنه القول بالماهيّة هنا لأنّ ما ذكرنا هنا إنّما هو بناء على ما هو التّحقيق من عدم جواز التّخيير بين الأقل والأكثر وأمّا بناء على جوازه فيمكن دعوى مطلوبيّة الفرد بماهيّة بمعنى عدم لحاظ المرة والتّكرار فيه فيكون مخيرا بين الواحد والأكثر ولكن التّحقيق ما عرفت الثّالث إذا أتى بالأفراد مجتمعة فلا يصح الحكم بكونها أحد أفراد المخير لما عرفت من عدم جواز التّخيير بين الزّائد والنّاقص وهل يمكن القول بحصول الامتثال حينئذ إشكال ويأتي هذا الكلام في خصال التّخيير إذا أتى في المكلّف بمجموع الأفراد دفعة فنقول قالوا

٢١٨

في ذلك على أقوال أحدها أن الامتثال يحصل بالمجموع والثّاني أنّه يحصل بالفرد المبهم والثّالث أنّه يحصل بالفرد الأفضل إن وجد وإلاّ فأحد الأقوال الباقية والرّابع عدم حصول الامتثال أصلا احتج الأوّل بأنّه لو لم يمتثل بالمجموع فإمّا يقال بعدم حصول الامتثال أصلا وهو باطل لصدق الإتيان بالمأمور به وإمّا يقال بحصوله بواحد مبهم وهو فاسد لأنّ الامتثال يجب أن يكون بعمل موجود والواجد المبهم الواقعي ليس موجودا وإمّا يقال بحصول الامتثال بالأفضل وهو باطل لفساد دليله كما سيأتي فانحصر الأمر في القول بحصول الامتثال بالجميع لا يقال إنّا لا نسلم أنّه قد أتى بالمأمور به لأنّ المأمور به هو كل واحد بلا بدل فإذا أتى بالجميع له يصدق على شيء منها أنّه المأتي به بلا بدل لأنّا نقول بلا بدل قيد للتّرك المبغوض للفعل المحبوب فجميع التّروك مبغوض والتّخلص منه كما يحصل بفعل البعض يحصل بفعل الجميع أيضا فإنّه إذا فعل الجميع صدق أنّه لم يترك الجميع واحتج الثّاني بأنّ المطلوب في الواجب التّخييري هو أحد الأفراد أمّا على مذهب الأشاعرة فظاهر وأمّا على مذهب غيرهم فلأنّ الطّلب وإن ورد على كل فرد لكن الخصوصيّة ليست مطلوبة بل الفرد مطلوب من حيث إنّه أحد الأفراد وحينئذ فالامتثال بالجميع لا معنى له إذ لا يصدق عليه عنوان المأمور به أعني أحد الأفراد فبطل القول الأول بقي الإشكال في كيفيّة الامتثال بالمبهم فنقول لا دليل على فساده وما الضّرر في حصول الامتثال بالمبهم إذا كان مأمورا به واحتج الثّالث بأنّ مقتضى الأفضليّة أنّه متى فعله المكلّف كتب له الأجر الزّائد سواء فعل معه غيره أو لا وإذا ثبت الأجر له بفعله فقد حصل به الامتثال إذ لا أجر إلاّ معه واحتج الأخير بفساد الجميع أمّا الأوّل فلأنّ الجميع إمّا امتثال واحد أو امتثالات والأوّل إنّما يتم إذا كان أحد فردي الواجب وقد ثبت أن التّخيير بين الأقل والأكثر فاسد والثّاني فرع تعدد الأمر والمفروض وحدته وأمّا الثّاني فلأنّ المطلوب ليس أحد الأفراد بطريق الكليّة فإنّه حينئذ لا إبهام فيه بل المطلوب هو المصاديق بنحو التّرديد وذكر أحد الأفراد إنّما هو للعنوان والمراد الواحد الجزئي المردد بين المصاديق والجزئي المردد لا وجود له في الخارج حتى يحصل به الامتثال وأمّا الثّالث فلأنّا لا نسلم ثبوت الثّواب الزّائد حال الاجتماع لأنّ الثّواب فرع الامتثال وهو أول الكلام ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لا ريب أن معنى الامتثال هو حصول المطلوب في الخارج بداعي الأمر والمطلوب قد يكون أمرا واحدا معينا وقد يكون أمورا متعددة منضمة بعضها إلى بعض وقد يكون أمورا متعددة على سبيل منع الخلو كما فيما نحن فيه وفي هذا القسم إن أتى بواحد حصل الامتثال به وإن أتى بالجميع حصل الامتثال بالجميع لأنّه مطلوب بذلك الطّلب لا من حيث المجموع حتى يقال إنّه تخيير بين الأقل والأكثر بل لأنّ نفسه

٢١٩

متعلّق للطلب بنحو منع الخلو فإن الطّلب قد تعلّق بالجميع غاية الأمر الرّخصة في ترك البعض لا وجوب التّرك حتى ينافي المطلوبيّة نعم لو كان كل واحد مطلوبا بطريق المنفصلة الحقيقيّة لم يكن لحصول الامتثال حال الاجتماع معنى وعن الثّاني بجواز حصول الامتثال بالفرد المبهم فإنّه إذا تعلّق الطّلب بشيئين تخييرا كان كل واحد منهما محصلا للغرض فإن أتى به منفردا نسب حصول الغرض إليه وإن أتى بالجميع فكل واحد منها صالح لنسبة حصول الغرض إليه ولا ريب في أنّ الغرض قد حصل في الخارج وإذا كان الغرض حاصلا والمفروض إمكان إسناد حصوله إلى كل منهما صح القول بأنّ الامتثال إنّما حصل بالواحد المبهم إذ لا نعني به إلاّ أن يكون الامتثال حاصلا في الخارج ولا يكون محله أمرا معينا بحيث ينسب حصوله فعلا إليه فتأمّل في المقام جدا فإنّه من مناظر الأعلام وأمّا الكلام في المقام بناء على القول بالمرة بشرط لا بأن لا يكون الشّرط قيدا بل يكون تكليفا صرفا وأنّه هل يحصل الامتثال إذا أتى بالأفراد مجتمعة على هذا القول أو لا فنقول إنّه إمّا يقصد الامتثال بالواحد المعين أو المبهم أو بالجميع فعلى الأوّل لا إشكال في حصول الامتثال به ويكون الزّائد حراما وعلى الثّاني يبتني الامتثال على جواز اجتماع الأمر والنّهي لأن كل واحد منها يصدق عليه عنوان الواحد المطلوب والزّائد المبغوض وعلى الثّالث يتصور أقساما ثمانية لأنّه إمّا ينوي الامتثال بالمجموع من حيث المجموع أو بكل واحد وعلى التّقديرين إمّا نقول بحرمة الزّائد بعنوان البدعة أو بدلالة الأمر وعلى التّقادير ذلك في المعاملات أو في العبادات فإن كان في المعاملات وقصد الامتثال بالمجموع فإن قلنا بأنّ الحرمة إنّما هي من حيث كونه بدعة وقلنا بأنّ البدعة الحرام هو قصد الامتثال بغير المأمور به لا الفعل المقصود فلا ريب في عدم ابتناء الامتثال حينئذ على جواز اجتماع الأمر والنّهي إذ لا بدعة في الأفراد حينئذ نعم إن قلنا بأنّ الحرام في البدعة هو الفعل المقصود ابتنى الامتثال على جواز اجتماع الأمر والنّهي لأنّ قصد المجموع قصد لكل واحد ضمنا وإن قلنا إنّ الحرمة إنّما هي من جهة دلالة الأمر فكذلك لأنّه حينئذ يتعلّق الحرمة بالأفراد الزّائدة وإن قصد الامتثال بالجميع وقلنا بالحرمة البدعيّة بالوجه الأوّل لم يلزم اجتماعهما في الأفراد نعم يلزم ذلك في القصد سواء أكان القصد واحدا مضافا إلى كل واحد أو منحلا إلى قصود متعددة لأنّ قصد كل واحد منها راجح من حيث إنّه قصد للمأمور به حرام من حيث إنّه قصد للزائد وهو بدعة وإن قلنا بالبدعيّة بالوجه الثّاني لزم الاجتماع في الأفراد وكذا إن قلنا بالحرمة المدلول بها فإنّها تتعلّق بالأفعال ويلزم الاجتماع وإن كان في العبادات وقصد الامتثال بالمجموع لم يتمثل مطلقا لعدم تعلّق القصد بالمأمور به المستقل فلو اخترنا اجتماع الأمر والنّهي أيضا لم نحكم هنا بحصول الامتثال

٢٢٠