غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

فلو لم يتكرر وضع الألفاظ لبقي بعض المعاني ولم يوضع له لفظ وهو خلاف الحكمة وفيه أوّلا أن ذلك يستلزم حصول الأوضاع الغير المتناهية للمعاني الغير المتناهية وقد برهن أن حصول غير المتناهي في الخارج محال قالوا ما ضبطه الوجود كان متناهيا وثانيا أنّه إن أريد الوضع للجزئيات فلا نسلم الاحتياج إليها بل المحتاج إليه هو الوضع للكليات وهي متناهية والجزئيات قد استغني عنها بوضع الأعلام ولا نحتاج فيها إلى وضع الواضع وإن أريد أن المعاني الكليّة غير متناهية ففساده ظاهر احتج القائلون بالامتناع بأن حكمة الوضع هو التّفهيم على الوجه الأسهل والمشترك إن استعمل بلا قرينة فإن التّفهيم وإن استعمل مع القرينة لم يكن على الوجه الأسهل فهو مناف للحكمة ولو سلم فلا أقلّ من أن لا يقع في القرآن إذ لو استعمل بلا قرينة فات التّفهيم أو مع القرينة كان تطويلا منافيا للفصاحة والجواب عنه ظاهر لكثرة الفوائد في المشترك إذ ربما كان المقصود تفهيم المعنى إجمالا لا تفصيلا فيذكر المشترك بلا قرينة وقد يكون الغرض الإطناب في الكلام لفوائد يظهر للمتتبع الثّالثة الجواز قد يطلق على مقابل الامتناع العقلي وقد يطلق على مقابل القبيح وهو الجواز بالنّظر إلى الحكمة وقد يطلق على الأعم من الأحكام الأربعة أعني الوجوب والكراهة والاستحباب والإباحة وقد يطلق على الإباحة وقد يطلق ويراد به الصّحة والمراد به في المقام هو الصّحة لغة كما سيظهر لك في طي المبحث الرّابعة إرادة الأكثر من معنى من المشترك يتصور بوجوه أحدها أن يراد به المعنيان والمعاني بطريق المجموع بحيث يكون كل واحد منها جزءا من المراد نظير قولك أكرم العشرة والثّاني أن يراد به المعنيان أو المعاني في ضمن القدر المشترك وهذا بناء على تعلق الأحكام بالأفراد بإرادة الطبيعة من اللّفظ والخصوصيّة من القرينة يكون من قبيل إطلاق الكلي على الفرد وهو خارج عن محل النّزاع إذ ليس استعمالا في المعينين بل لم يستعمل إلاّ في الكلي وهذا على ضربين لأن القدر المشترك إمّا يؤخذ فيه التّرديد كمفهوم أحد المعنيين أولا كمفهوم المسمى والثّالث هذا إلى أن يراد به كلا المعنيين بطريق الاستقلال والانفراد من غير أخذ التّرديد وهذا هو محل النّزاع في المسألة والرّابع أن يراد به المعنيان بطريق التّرديد بدون النّظر إلى القدر المشترك كأن يريد بالعين الذّهب أو الفضة وبالقرء الطهر أو الحيض ثم إن ما ذكرنا من الاستقلال إنّما هو بالنظر إلى الإرادة لا الحكم ولا ملازمة بين الاستقلال في الإرادة والحكم بل بينهما عموم من وجه فالاستقلال في الحكم دون الإرادة كقولك أكرم العشرة فإن كل واحد مستقل في حكم وجوب الإكرام ولذا لو أكرم بعضا دون بعض امتثل في إكرامه للبعض وإن عصي بالنسبة إلى الباقي لكن ليس مستقلا

١٤١

في الإرادة دون الحكم كقولك زيد وعمرو يرفعان هذا الحجر إذا لم يقدر كل منهما منفردا على رفعه وقد اجتمعا في قولك أكرم زيدا وعمراً فافهم فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول قد توهم بعضهم أن مذهب السكاكي هو جواز استعمال المشترك في أكثر من المعنى بالطريق الرّابع بل أنّه مقتضى وضع المشترك فإنه قال المشترك كالقرء مثلا مفهومه أن لا يتجاوز الطّهر والحيض غير مجموع بينهما ما دام منتسبا إلى الوضعين فزعم التّفتازاني أن مراده أن المشترك لما وضع لكل واحد من المعنيين بوضع مستقل حصل من مجموع الوضعين وضع ضمني يحمل عليه اللّفظ عند عدم القرينة وهو المعنيان بطريق التّرديد فيكون المخاطب مخيرا في الامتثال بأيّهما شاء وهذا كلام ظاهر الفساد إذ لا وجه لحدوث الوضع الضّمني كما لا يخفى وليس ذلك مراد السّكاكي بل مراده بيان إجمال المشترك عند عدم القرينة فلا يجوز للمخاطب التّجاوز عن المعنيين ولا الجمع بينهما فالترديد إنّما هو للمخاطب لا أنّه ثابت واقعا وبالجملة لا ينبغي الإشكال في عدم جواز ذلك بطريق الحقيقة وهل يجوز مجازا أو لا محل كلام ومقتضى ظاهر النّظر عدم الجواز لأن المدار في التّجوز على العلاقة والتّرديد المأخوذ بين المعنيين معنى حرفي لا يجوز إرادته من الاسم إذ لا مناسبة بين المعنى الاسمي والحرفي ولا علاقة بينهما بوجه ولذا رد الأشاعرة في قولهم بأن المأمور به في الواجب التّخييري هو أحدهما الكلي بأن قولنا افعل هذا أو ذاك ليس فيه شيء صالح لأن يراد به الكلي المذكور فإن لفظ هذا أو ذاك لا ترديد فيهما وكلمة أو حرف لا يجوز أن يراد بها المعنى الاسمي وزعم بعض الأفاضل أن هذا غير معقول نظرا إلى أن التّرديد بين المعنيين ترديد بين الجزئيّين لأن كلا منهما نكرة والنّكرة جزئي مردد بمعنى أن لفظها موضوع للطبيعة وقد اعتبر معها الخصوصيّة المرددة والتّرديد بين الجزئيّين لا يمكن إلاّ بالنظر إلى القدر المشترك كما في النكرة فإن لوحظ القدر المشترك في المقام خرج عن محل الكلام وإلاّ لم يكن متعقلا وفيه نظر لأن التّرديد بين الجزئيّين يمكن بالنظر إلى الحكم الثّابت في الكلام كقولك ليكن ثوبك إمّا أسود أو أبيض وما الفرق بين هذا وقولك ليكن ثوبك إذا أريد به المعنيان بالترديد ولا يلزم من عدم النّظر إلى القدر المشترك تحقق التّرديد بين الجزئيّين حتى يكون غير معقول هذا وأمّا الاستعمال بالطريق الأوّل فلا يجوز حقيقة فإن مجموع المعنيين من حيث إنّه مجموع المعنيين غير موضوع له للّفظ قطعا نعم قد يفرض الوضع المستقل للمجموع فيكون حقيقة لكنه حينئذ يكون معنا ثالثا لا كلام فيه في المقام وأما الاستعمال مجازا فيظهر من بعضهم للمنع منه مطلقا ومن الآخر الجواز مطلقا وذكر بعضهم أنّه جائز إن وجدت العلاقة وهذا ظاهر إنّما الشّأن في تحقق العلاقة فنقول الّذي يظهر في المقام عدم تحقق العلاقة لأنها في المقام إمّا علاقة الكل

١٤٢

والجزء بأن استعمل اللّفظ الموضوع للكل في الجزء بناء على اعتبار قيد لوحدة في المعنى وإمّا علاقة الجزء والكل بناء على عدم اعتبار قيد الوحدة فإن اللّفظ حينئذ موضوع لمعنى لا بشرط وقد استعمل في المعنيين الّذي هو كل بالنسبة إلى الموضوع له وكلاهما فاسد أما الأوّل فلأن مجموع المعنيين ليس جزءا لشيء بل هو مركب من جزأي المعنيين وأمّا الثّاني فلاشتراط كون ذلك الجزء مما ينتفي الكل بانتفائه وأن يكون المركب حقيقيا لا اعتباريا نعم قد يقال لا ينحصر العلاقة فيما ذكر ويمكن أن يكون العلاقة هنا شيء آخر فإنه قد يطلق اللّفظ الموضوع للواحد على الجماعة لتنزيلهم منزلة شخص واحد كما يطلق اللّفظ الموضوع للجماعة على الواحد تعظيما له بتنزيله منزلة الجماعة وقد ذكر المفسرون أن المراد بقوله تعالى مثلهم كمثل الّذي استوقد نارا الجماعة الّذين استوقدوا وكذا قوله تعالى وخضتم كالذي خاضوا فأطلق اللّفظ الموضوع للواحد على الجماعة فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل ويمكن الخدشة فيه بأن الآية الأولى تشبيه للمثل بالمثل وهما مثلان مع أن التّشبيه غير المجاز والآية الثّانية لا شاهد فيها بل كلمة الّذي فيه لغة في الذين وليس من باب التّنزيل غاية الأمر تحقق الاحتمال وهو كاف في دفع الاستدلال الخامسة قال في المعالم إن استعمال المشترك في الأكثر من معنى واحد مجاز لاعتبار قيد الوحدة في الموضوع له فاستعماله في الأكثر استعمال في جزء الموضوع له وهذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن يكون الوحدة داخلة في الموضوع له وجزءا منه والثّاني أن يكون الوحدة شرطا بأن يكون خارجا ويكون الجزء هو التّقييد بالوحدة وبعبارة أخرى أن يكون القيد خارجا والتّقييد داخلا والأول أظهر ويظهر من الفاضل القمي رحمه‌الله قول آخر يحتمل وجهين وذلك أنّه يقول إنا لا نحكم صريحا بأن الموضوع له هو المعنى لا بشرط شيء ولا أنّه المعنى بشرط الوحدة إذ لا نعلم شيئا منهما لكن نعلم تحقق الوضع في حال الوحدة فهو المتيقن ولا بد من التّوقف في غيره لأن الوضع توقيفي حقيقة ومجازا فالاحتمال الأوّل أن يقرر كلامه بأنا لا نعلم أن الوحدة داخلة في الموضوع له أولا وأصالة عدم التّقييد بالوحدة معارض بأصالة عدم التّقييد بالإطلاق فإن الإطلاق في المقام أمر توقيفي لا بد أن يكون ملحوظا للواضع فيجري فيه الأصل وحينئذ فالمتيقن هو حال الوحدة ويجب التّوقّف في غيره والثّاني أن يقال إنا نعلم عدم تقيد الموضوع له بالوحدة حيث نرجع إلى أنفسنا في تسمية الأولاد لكن يحتمل أن الواضع خصص الوضع بحال الوحدة وعدمه والمتيقّن تحققه حال الوحدة ويتوقف في غيره والفرق بين هذا والأول أنّه لا يلزم الالتفات إلى قيد الوحدة عند الاستعمال على هذا ويلزم ذلك على الأول لو كان الوحدة جزءا للموضوع له

١٤٣

ونظير ذلك الواجب المطلق بالنسبة إلى شروطه والمشروط بالنسبة إلى شروطه فإن الصّلاة لوحظت مقيدة بوصف الطّهارة فتعلق بها الأمر فالمأمور به مقيد والأمر مطلق بخلاف الحج فإنه لم يلاحظ مقيدا بالاستطاعة بل لوحظ مطلقا لكن الأمر إنّما يتعلق به في خصوص حالة الاستطاعة وإن كان وجود الحج في الخارج مقارنا مع الاستطاعة على أي تقدير ويظهر الثّمرة في وجوب تحصيل المقدمة فيجب في الأول دون الثّاني هذا الكلام في تقرير مرام الفاضل المذكور قدس‌سره والظّاهر فساد كلا الاحتمالين أمّا الأول فلما عرفت سابقا أن الوضع إذا دار الأمر فيه بين أمرين لم يكن هناك قدر متيقن إذ لو كان المعنى مع الوحدة موضوعا له لم يكن المعنى موضوعا له بل يكون جزءا له حينئذ مضافا إلى أنّا نقطع بعدم اعتبار الوحدة في الموضوع له وإلاّ لوجب أن يلتفت إليه المتكلّم عند الاستعمال ويلاحظه لأنّه حينئذ جزء المعنى مع القطع بخلاف ذلك وقد صرح هو بأنه خلاف الوجدان حيث نرجع إلى أنفسنا عند التّسمية وأمّا الثّاني فهو وإن وجد فيه القدر المتيقن لكن نعلم أن الواضع لم يلاحظ التّخصيص بحالة الوحدة مع أن أصالة عدم التّقييد يكفي في المقام ولا تعارض بأصالة عدم الإطلاق لأن الإطلاق يكفي في تحققه عدم اعتبار التّقييد ولا يلزم فيه اعتبار زائد فإن قيل هب إنّه لم يلاحظ التّقييد وحصل القطع بذلك لكنا نقول إن المعنى حين الوضع كان متصفا بالوحدة وهذا يكفي في اختصاص الوضع بتلك الحالة قلنا هذا غير كاف بل لا يوجب الاختصاص إلاّ إذا اعتبر قيدا كما لا يوجب صغر جسم الولد الحاصل حين التّسمية اختصاص التّسمية بتلك الحالة فافهم ثم إنّه استدل على اعتبار الوحدة بأن الحكمة في الوضع هو أن يفهم المعنى من اللّفظ بلا حاجة إلى نعم قرينة مفهمة ولو كان الموضوع له هو المعنى لا بشرط لكان له فردان المعنى الواحد والمعنى مع الغير فلا بد من نصب قرينة يفهم أن أيهما المراد وهو خلاف الحكمة وفيه أن اللازم من هذا هو أن الواضع قد لاحظ المعنى ووضع له اللّفظ بحيث لا يراد من اللّفظ غيره من سائر المعاني بالإرادة المتعلقة بذلك المعنى وأمّا عدم جواز إرادة سائر المعاني بإرادة تلك الإرادة كما هو المتنازع فيه فغير معتبر في نظر الواضع ولا يضر جوازه بالحكمة فإن اللّفظ قد وضع لكل واحد من المعاني بمعنى أن يجوز إرادة ذلك المعنى منه بإرادة مستقلة وأن يدل اللّفظ على ذلك المعنى بنفسه وأمّا تعيين المراد وأنّه هذا المعنى أو ذلك المعنى أو هما معا بإرادتين فيحتاج إلى قرينة معينة ولا يضر الاحتياج إليها بالحكمة فافهم ثم إنّه يرد على القائلين باعتبار الوحدة إيراد آخر وهو أن الوحدة المعتبرة عندهم

١٤٤

معناها انفراد المعنى في الإرادة من اللّفظ وليس المراد مفهوم الانفراد المذكور بل المراد فعليته فالموضوع له هو المعنى الّذي استعمل فيه اللّفظ ولم يكن له شريك وحينئذ فيكون الوضع متفرعا على الإرادة لاعتبار الإرادة في تحققه والدّلالة فرع الوضع فيلزمهم القول بأن الدّلالة تابعة للإرادة مع أنهم لا يقولون بذلك وهو تناقض وارد عليهم نعم القائلون بالتبعيّة قالوا بجواز كون الوضع متفرعا على الإرادة فإن قلت تبعيّة الوضع للإرادة غير معقول لأن الإرادة فرع الاستعمال والاستعمال فرع الوضع الحقيقي أو المجازي فلو كان الوضع فرع الإرادة لزم الدّور مضافا إلى ما ذكروا من أنّ الحقيقة استعمال اللّفظ فيما وضع له ولازمه تحقق الوضع قبل الاستعمال فما مراد المجوزين قلت ليس مرادهم بالإرادة الإرادة من اللّفظ بل المراد منها القصد الذّهني واللّفظ موضوع للكشف عنه فالوضع متفرع على هذه الإرادة وهذه الإرادة ليست متفرعة على الاستعمال حتى يلزم الدّور بل هي سابقة على الاستعمال فافهم واستدل أيضا على اعتبار الوحدة في الموضوع له بالتبادر فإن المتبادر من المشترك معنى واحد وهذا ثابت في غير المشترك أيضا لكن تبادر الواحد في غير المشترك إنّما هو لعدم المقتضي للغير وأمّا في المشترك فالمتقضي وهو الوضع موجود فتبادر الواحد فيه إنّما هو لاعتباره في الموضوع له وأورد عليه بأن التّبادر عبارة عن خطور المعنى بالبال وهو حاصل في المشترك بالنسبة إلى جميع المعاني ورد بأن التّبادر ليس مطلق الخطور ولانتقض بأجزاء المركب لخطورها بالبال عند سماع اللّفظ الموضوع للمركب بل التّبادر هو الخطور بعنوان كونه مرادا وهو ليس في المشترك إلاّ بالنسبة إلى معنى واحد أقول مع الغض عن أن التّبادر هو الخطور المطلق وتسليم كونه عبارة عن الخطور بعنوان كونه مرادا أن هذا الدليل لا يثبت كون الوحدة جزءا للموضوع له لأن تبادر الوحدة يتصور بوجهين أحدهما تبادر وإرادة ذات المعنى المتصف بالوحدة في نفس الأمر من دون أن يكون الوحدة ملحوظة في نظر المتكلّم بل الوحدة حينئذ وصف اعتباري منتزع من إرادة المعنى وعدم إرادة غيره معه والثّاني تبادر إرادة المعنى الواحد أعني المعنى مع الوحدة بحيث يكون الوحدة جزءا للمراد فإن أراد من تبادر الواحد التّبادر بالوجه الثّاني فممنوع إذ ليس المتكلم ملتفتا إلى الوحدة غالبا وإن أراد التّبادر بالوجه الأول فغاية ما يثبت به أن الموضوع له هو ذات المعنى المتصف بالوحدة الغير الملحوظة في نظر المتكلم كالصغر الّذي يتصف به المولود المسمى بزيد مثلا فإن الاتصاف بوصف لا يوجب كونه معتبرا في الوضع إلاّ أن يكون ملحوظا في النظر وقد منعنا كون الوحدة ملحوظة ونظير ذلك أنّهم استدلوا على كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة

١٤٥

دون المعاني النّفس الأمريّة بأن الاستعمال ليس محققا إلاّ في الأمور المعلومة لعدم براز الحكم بالنّسبة إلى غير المعلوم فرد بأنّ الاستعمال وإن لم يتحقق إلاّ في المعلوم لكن فرق بين كون المعنى متصفا بالمعلوميّة وبين كون المعلوميّة ملحوظا في الموضوع له فعلى الأول لا يجب الالتفات إلى وصف المعلوميّة في الاستعمال بخلافه على الثّاني والمدعى هو الثّاني وهو لا يثبت بالدليل المذكور وحينئذ فنقول لم يثبت تبادر الوحدة في الموضوع له إلاّ بالوجه الثّاني وهو مسلم ويثبت به أن الموضوع له هو ذات المعنى الّذي يجتمع مع إرادة الوحدة ومع إرادة الكثرة فلو اتصف اللّفظ أو المعنى بضد الوحدة لا يلزم محذور لأنّه لم يعتبر فيه الوحدة ولا الكثرة وهذا مراد المحقق الشيرواني حيث قال ما لفظه أراد بالوحدة أن يكون منفردا عن مشاركة المعنى الآخر له في كونه مرادا وأنت خبير بأن معنى اللّفظ هو ما يكون مدلولا بالدلالة اللّفظيّة ومتعلقا للحكم بحيث لو اتصف اللّفظ بضد ما أريد منه لم يلزم منه محذور وكذا لو اتصف به المعنى أو جزؤه فينبغي أن لا يضاد كون الوحدة مرادا من اللّفظ مشاركة معناه للمعنى الآخر في الاستعمال فيه ووجوب تجريده عن قيد الوحدة إنّما يلزم على تقدير المضادة والمنافاة فهذا أول دليل على أن الحق أن الوحدة والانفراد من عوارض الاستعمال انتهى والمراد بقوله بضد ما أريد منه بضد الوحدة الّتي أريدت منه في الاستعمال يعني لو اتصف بالاشتراك ولم يرد الوحدة لا يلزم محذور لأنّ المعنى لم يعتبر فيه الوحدة وإنما انتزع الوحدة من عدم اعتبار المشارك فلا ينافيه اعتباره في مورد آخر بخلاف ما إذا كان قيد الوحدة جزء للمعنى فإن إرادة المعنى حينئذ لا يجتمع مع إرادة الشّركة وحينئذ فإذا أريد الشّركة وجب تجريده عن قيد الوحدة فافهم وذهب الشّريف رحمه‌الله إلى أن المشترك وضع تارة بالوضع الشخصي لذات المعنى لا بشرط شيء وتارة بالوضع النّوعي للمعنى مع الوحدة وكلامه هذا يحتمل وجوها أحدها أن الواضع وضع الألفاظ أوّلا لذات المعنى ثم بدا له فنسخ ذلك الوضع وقال وضعت كل تلك الألفاظ للمعاني مع قيد الوحدة حتى يكون كالنقل والثّاني أن لا ينسخ الوضع الأوّل لكن يزيد عليه الوضع النّوعي للمعنى مع الوحدة حتى يكون اللّفظ مشتركا بين ذات المعنى وبين المعنى مع الوحدة والثالث أن يكون المراد بالوضع النّوعي إذن الواضع في كيفيّة الاستعمال بمعنى أنّه وضع الألفاظ لمعانيها ثم قال إني لا آذن في استعمالها إلاّ في المعنى المتصف بالوحدة من غير أن يكون الوحدة قيدا للمعنى والاحتمالان الأولان فاسدان أمّا الأول فلأنه موجب للسفه بالنسبة إلى الواضع مع أنّه لا قائل به وأمّا الثّاني فلأنّه حينئذ لا يمنع من جواز استعمال المشترك في

١٤٦

الأكثر من معنى لجوازه حينئذ في حقيقة بالنسبة إلى الوضع الشّخصي والشّريف أراد بإثبات الوضعين منع جواز الاستعمال وأمّا الثّالث فالقول به وإن كان صحيحا قد ذهب إليه الفحول لكن تسمية الإذن في كيفيّة الاستعمال وضعا نوعيا لا وجه له السّادسة اختلفوا في جواز استعمال المشترك في أكثر من المعنى في التّثنية والجمع كاختلافهم في المفرد وليس الخلاف في إرادة المعنيين من العلامة لأنها ليست مشتركة ومحل النّزاع هو استعمال المشترك فالنزاع في التّثنية والجمع أيضا إنّما هو في إرادة المعنيين أو المعاني من ملحوق العلامة فإن لفظ المشترك قد يكون ملحوقا وقد لا يكون والنّزاع جار في كلا الحالتين ومعنى النّزاع في ذلك مع الاتفاق على دلالة العلامتين على التعدد أنّه هل يشترط في التّثنية أن يكون المفرد شاملا لكلا المعنيين بأن يكون له معنى كلي يشمل كليهما أو لا بل يكفي كونه موضوعا لهما وبعبارة أخرى هل وضع العلامة للدلالة على فردين من معنى واحد أو تدل على المعنيين أيضا وهذا معنى قولهم يكفي في التّثنية اتحاد اللّفظ أولا ولكن لو لم يكن المفرد شاملا لهما بالتكرير لا بالوضع ولا معنى كما في التّغليب فهو مجاز اتفاقا فإن قلت ما المراد بقولهم اتحاد اللّفظين وما وجه مجازيّة التّغليب مع أن المفرد فيه شامل لهما فإن القمرين في تثنية الشّمس والقمر قد جعل فيه القمر أولا عبارة عن المسمى بالقمر ثم أدخل الشّمس تحت هذا الكلي ادعاء ولو أريد شمول معنى المفرد لهما بالوضع لزم كون الأداة في نحو الأسدين للرجلين الشّجاعين مجازا لأن المفرد لا يشملهما بالوضع قلت قد اتفقوا على وجوب اتفاق اللّفظين والخلاف إنّما هو في أن اتفاق اللّفظين هل يجب أن يكون ناشئا عن الاتحاد في المعنى الكلي أو لا بل يكفي محض الاتفاق اللّفظي لكن على الأوّل يجب أن يكون ذلك الكلي شاملا لهما حقيقة الادعاء فإن لم يكن الاتفاق اللّفظي ولا المعنوي بهذا المعنى كما في التّغليب كان مجازا فإن الشّمس ليس داخلا في المسمى بقمر واقعا وإن كان الاتفاق اللّفظي والمعنوي كلاهما كان حقيقة كأسدين للرجلين إذا أريد من الأسد الشّجاع فإن صدق الشجاع على الرّجلين واقعي لا ادعائي ولا ينافي حقيقيّة العلامة كون المفرد مجازا وإذا كان الاتفاق لفظيا فقط دون المعنوي فهو محل النّزاع في هذه المسألة وبما ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لما ذكره بعضهم من أنّ محل النّزاع في التّثنية والجمع هو إرادة المتعدد من جنس التّثنية والجمع كأن يراد من المعنيين العينان مرتين أو ثلاث مرات وكذا الجمع وحينئذ جعل ذلك محتملا لإرادة الفردين من كل معنى بأن يراد من العينين فردان من الذّهب وفردان من الفضة وهكذا حتى يكون إرادة المعنيين من الملحوق ومحتملا

١٤٧

لإرادة تعدد المعنيين كأن يراد منه أربعة معان أو أزيد حتى يكون إرادة المعنيين من كل من الملحوق واللاحق وجعل ذلك منوطا باشتراط الاتحاد المعنوي في التّثنية وعدمه فعلى الاشتراط يراد به الفردان من كل من المعاني وعلى عدمه يجوز إرادة أربعة معان أيضا بناء على القول بالجواز ووجه عدم صحة هذا الكلام هو ما قلنا إن محل النزاع هو استعمال المشترك والعلامة ليست مشتركة فافهم لكن يشكل ما ذكرنا بأن محل النّزاع إنّما هو في إرادة الأكثر من المعنى بأن يكون كل واحد من المعنيين مرادا بالاستقلال ولا يجري هذا في التّثنية والجمع إذ لو أريد من العينين الذّهب والفضة لم يكن كل منهما مستقلا بالإرادة فما ذكره البعض من أن محل النزاع هو إرادة المتعدد من جنس التّثنية والجمع أوفق بمحل النّزاع لكن بناء على الوجه الأول أعني أن يكون المراد بالتثنية فردان من كل معنى حتى يكون كل معنى من المعاني ملحوظا بالاستقلال وإن لم يكن كل فرد من فرديه ملحوظا بالاستقلال بخلاف الوجه الثاني أعني أن يكون المراد من المعنيين العين المكررة مرتين ويراد من كل منهما المعنيان حتى يكون المراد من العينين الذّهب والفضة والباصرة والنّابعة مثلا فجعل الأوّلان بمنزلة فرد واحد والأخيران كذلك فاستعمل التّثنية فيها لأن كل واحد من تلك المعاني ليس حينئذ ملحوظا بالاستقلال بل الملحوظ بالاستقلال هو اثنان اثنان والاثنان ليس معنى المشترك حتى يكفي استقلاله في الدّخول في محل النّزاع هذا ويشكل أيضا دخول التّثنية والجمع في محل النّزاع بوجه آخر وذلك لما ذكرنا أن محل النزاع هو إرادة كل واحد من المعنيين بقصد مستقل ولا يراد المجموع من حيث المجموع فإنه غير جائز لعدم العلاقة وإرادة المعنيين والمعاني في التثنية والجمع إنّما هو من حيث المجموع وإن فرض الاستقلال في الحكم إذ لا تلازم بين الاستقلال في الحكم والاستقلال في الإرادة ويمكن الجواب على كلا الإشكالين بأن يقال إن إرادة المتعدد من التّثنية والجمع ليس بطريق المجموع من حيث المجموع بل هو كإرادة المتعدد من كلمة جميع والفرق بينهما أن الجميع معناه الأفراد بأسرها بملاحظة واحدة من غير ملاحظة الهيئة الانضماميّة والمجموع معناه الأفراد مع ملاحظة الهيئة الانضماميّة ومعنى التّثنية هو الأول فمعنى النّزاع فيه أنّه هل يجوز إرادة المعنيين من التّثنية بأن يكون المراد جميعهما بإرادة واحدة والمراد بقولهم إن محل النّزاع في المفرد هو إرادة كل من المعنيين استقلالا أن يكون كل منهما ملحوظا بدون ملاحظة الانضمام قبالا لإرادة المجموع من حيث المجموع لا أن يكون كل منهما مرادا بإرادة مستقلة وحينئذ فيتحد محل النّزاع في التثنية والمفرد وهو

١٤٨

أنّه هل يجوز إرادة المعنيين من اللّفظ بدون ملاحظة الانضمام ولو بإرادة واحدة أو لا هذا ويرد عليه أن اعتبار الانضمام بين المعنيين ليس معناه إلاّ إرادتهما بقصد واحد وإلاّ فهما ليسا كمركب خارجي ذي مادة وهيئة كالسّرير مثلا وليس المراد الانضمام في الحكم لما عرفت أنّه خارج عن محل الكلام إذ الكلام في الإرادة وحينئذ فنقول الاستقلال في الإرادة معناه إرادته منفردا والانضمام معناه إرادة الشيئين بإرادة واحدة ولا يظهر الفرق بين الجميع والمجموع في الإرادة وإن ظهر الفرق بحسب الاستقلال في الحكم وعدمه وهو ناش من فهم العرف والحاصل أن ما ذكروا من أن إرادة المعنيين من حيث المجموع من المفرد غلط معناه إرادة المعنيين بقصد واحد فليس ذلك محل النّزاع بل محل النزاع هو إرادة كل منهما بطريق الاستقلال وبالجملة لا يمكن تطبيق محل النزاع على المفرد والتّثنية والجمع إلاّ بأحد وجهين أحدهما أن يجعل النزاع في المفرد في إرادة المعنيين بإرادة واحدة وقد عرفت أنهم حكموا بكونه غلطا والثّاني أن يجعل محل النّزاع في التّثنية والجمع في إرادة كل واحد من المعنيين بإرادة مستقلة ولم يقل بجواز ذلك أحد فالأولى أن يقال إن محل النّزاع في المفرد غيره في التّثنية والجميع وذلك لأن النّزاع في المفرد إنّما هو في جواز إرادة كل من المعنيين بإرادة مستقلة وفي التّثنية والجمع في أنّه هل يكفي الاتحاد في اللّفظ أو يجب الاتحاد في المعنى وعلم مما ذكرنا ضمنا لزوم الاتحاد المعنوي وذلك لما علمت أن إرادة المتعدد من التّثنية والجمع إرادة واحدة وقد ذكروا أن إرادة المعنيين من المفرد بإرادة واحدة غلط فكيف جوز هذا الغلط في التثنية والجمع فإن علامتهما إنّما وضعت لتكون قرينة إرادة المتعدد على وجه يكون جائزا وأمّا ما كان غلطا فلا يجوزه وضع العلامتين فإرادة الفرسين من الزّيدين غلط قطعا لعدم جواز استعمال زيد في الفرس ولا يجوزه وضع العلامة والمفروض أن الموضوع في التّثنية والجمع هو العلامة لا المجموع المركب وحينئذ فيجب أن يقصد من المفرد معنى كلي حقيقة كما في الرّجلين أو مجازا كما في زيدين حيث أريد من مفرده المسمى وتجعل العلامة قرينة على أن الكلي مراد في ضمن فردين أو أفراد من دون أن يلزم مجاز في إرادة الفرد من الكلي إذ الخصوصيّة مقصودة لا من لفظ المفرد بل هي مرادة من الخارج والقرينة الدّالة عليها هي العلامة كالتنوين في رجل وداخل في داخل السّوق ومما يشهد على اعتبار مفهوم المسمى في تثنية الأعلام وجمعها معاملتهم معهما معاملة النّكرات فلا يقال زيدان قائمان بل يقال للزيدان ثم إن الاكتفاء بالاتحاد اللّفظي لا يجامع القول باعتبار الوحدة في معنى المفرد إذ الوحدة تزول بإرادة المعنيين في التّثنية فينبغي أن يكون وضع العلامتين منافيا مع وضع ملحوقها مع أنّه ليس كذلك قطعا فلا بد لمعتبر الوحدة في المفرد أن يشترط الاتحاد المعنوي في التثنية والجمع

١٤٩

لئلا يلزم إلغاء قيد الوحدة لأن المفرد حينئذ يؤول بالمسمى وهو كلي لا ينافي وضعه إرادة الفردين منه بسبب القرينة فافهم ثم لا يخفى أن ما جعل محلا للنزاع في المفرد غير معقول أعني إرادة كل من المعنيين بإرادة مستقلة في استعمال واحد وذلك لأن إرادة المعنى مستقلا معناه توجه النّفس إليه بانفراده وذكر اللّفظ لإظهاره وحينئذ فإذا توجه إلى أحد المعنيين وجعل ذكر اللّفظ لإفادته كيف يعقل إرادة الآخر أيضا إذ لم يستعمل لفظا آخر حتى يريد منه المعنى الآخر بإرادة منفردة وبالجملة النّفس لا تتوجه توجهين في زمان واحد فعند ذكر اللّفظ ليست متوجهة إلاّ بتوجه واحد والمفروض أنّ التّوجه الواحد ليس متعلقا إلاّ بأحدهما فيكون هو المراد باللّفظ ويحتاج إظهار التّوجه الآخر إلى لفظ آخر فتأمل السّابعة إذا شك في المركب أنّه موضوع بوضع مغاير لأوضاع أجزائه بحيث يوجب إرادة معنى مغاير لمعانيها الثّابتة عند الأفراد فالأصل عدمه إلاّ إذا قام الدّليل على الوضع الجديد فمقتضى الأصل في المركب أن لا يكون معنى أجزائه إلاّ ما كان قبل التّركيب غاية الأمر أنّ الهيئة موضوعة لربط بعضها ببعض ولذا قيل إنّ الجمع المحلى إنّما يفيد استغراق الجماعات لا الأفراد لأن الملحوق موضوع الكلي ما فوق الاثنين واللام موضوعة للدلالة على استغراق مدخولها فتدل على استغراق أفراد ما فوق الاثنين وكذا إرادة النفي موضوعة لنفي المعنى المراد من مدخولها فإن أريد من مدخولها معنى واحد كان النّفي دالا على انتفائه غاية الأمر أن لازم النّفي الوارد على الطّبيعة اللابشرط شموله لجميع أفرادها والحاصل أنّه لا فرق بين المثبت والمنفي إلاّ في النّفي والإثبات ولازم النفي إفادة الشّمول بالنسبة إلى جميع الأفراد بخلاف الإثبات وعلى هذا فلا يتفاوت حال المشترك في سياق الإثبات والنّفي فإذا لم يخبر إرادة المتعدد من المثبت لم يجز في المنفي أيضا فالنفي إنّما يدل على انتفاء المعنى الواحد بجميع أفراده وأمّا إرادة نفي جميع المعاني فلا يجوز فما قيل من أن إرادة المتعدد لا يجوز في المثبت ويجوز في المنفي لدلالة النفي على الاستغراق فاسد وبالجملة يجب اتحاد المثبت والمنفي من جميع الوجوه عدا النّفي والإثبات وأمّا الاختلاف بالشمول وعدمه فإنّما هو من لوازم الاختلاف في النّفي والإثبات كما ذكروا أنّه يجب اتحاد المنطوق والمفهوم من جميع الوجوه عدا النّفي والإثبات ومع ذلك قد يختلفان بالعموم والخصوص فإنه إذا قيل إن جاء زيد وجب عليك إكرامه كان المراد بالوجوب العيني مع أنّ مفهومه نفي الوجوب مطلقا العيني والتّخييري وهذا ليس اختلافا يضر بما ذكروه من اشتراط عدم الاختلاف لأنّه إنّما نشأ من الاختلاف في النفي والإثبات ويؤيد عدم الفرق في المشترك بين المثبت والمنفي أنّه لو كان الاستغراق مجوزا لإرادة المتعدد لجاز في المثبت عند إدخال إرادة العموم عليه كما إذا قال كل عين عندي مع أن القائل لا يجوزه

١٥٠

فافهم إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول قد تحقق مما سطر أنّ النّزاع في المفرد غير معقول فإن إرادة المعنيين بإرادة واحدة قد نصوا على فساده وأمّا بإرادتين فقد ذكرنا أنّه غير متصور نعم لو كان متصورا لكان على وجه الحقيقة لما عرفت من عدم اعتبار قيد الوحدة لكنه مخالف لقانون الاستعمال فلا يجوز بهذا الوجه أيضا ومما يؤيد عدم الجواز أنّه لو جاز ذلك لاستغنى عن وضع التّثنية والجمع في المشترك خصوصا على قول من يجعل المشترك المجرد عن القرينة ظاهرا في الجميع وكذا الكلام في التّثنية والجمع لما عرفت أن وضعهما ليس بحيث يخالف وضع المفرد فإذا لم يتصور ذلك في المفرد لم يتصور فيهما أيضا وهذا في أسماء الأجناس ظاهر وأمّا في الأعلام فلأنّه يلزم فيها ارتكاب تجوز لا محالة لكن التّجوز بإرادة مفهوم المسمى من المفرد قطعي الجواز وإرادة المعنيين لم يعلم جوازه ورخصة الواضع فيه وكيفيّة الاستعمال توقيفيّة وقد عرفت أنّه لا يجوز بطريق الحقيقة إذ ما يتعقل هو إرادة المعنيين بإرادة واحدة وهو غير الموضوع له وليس بينه وبين الموضوع له علاقة مصححة كما صرحوا به في المفرد فافهم وقد عرفت أنّه لا فرق بين المثبت والمنفي ومما يؤيد عدم الجواز في المفرد الاتفاق على عدم جواز الإشارة بهذا إلى شخصين ولو جاز ذلك في المشترك لجاز هذا أيضا وإلاّ فما وجه الفرق وبالجملة الحق عدم الجواز مطلقا بقي أمور لا بأس بالإشارة إليها الأوّل اختلفوا في أن المشترك عند تجرده عن القرينة هل هو مجمل أو ظاهر في جميع المعاني وبما ذكرنا من عدم جواز استعماله في المتعدد يعلم أنّه مجمل ولا يجوز حمله على جميع المعاني إلاّ بإرادة مفهوم المسمى وهو مجاز لا يحمل عليه بدون القرينة وإن كان هو أيضا من جملة المعاني فلا يحمل عليه أيضا بدون القرينة المعيّنة لكن مع القرينة يكون حقيقة وأمّا بناء على القول بجواز استعماله في المتعدد فلا يحمل أيضا على الجميع لأنّ الشّائع استعماله في الواحد دون المتعدد احتجوا بوجوه منها قوله تعالى إِنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّماواتِ وَمَنْ في الأَرْضِ إلى آخره وقوله تعالى إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ إلى آخره فإنّ السّجود من النّاس وضع الجبهة على الأرض ومن غيرهم تبعيّته لإرادة الله تعالى والصّلاة من الله الرّحمة ومن غيره طلبها وفيه بعد تسليم أن ليس المراد القدر المشترك وأنّه لا حذف في الآيتين أن غاية ما يثبت بهما الاستعمال في المتعدد بقرينة والمدعى هو الظّهور في الجميع عند عدم القرينة ومنها أنّ الاحتياط يقتضي حمله على الجميع لاحتمال كونه مرادا وفيه أن غاية ذلك أن يجب الإتيان بالجميع لاحتمال المطلوبيّة ولا يثبت ظهور الإرادة ومنها دليل الحكمة وهو أنّه إن لم يحمل على شيء لزم اللّغو في كلام الحكيم وإن حمل على البعض المعين كان ترجيحا بلا مرجح وإن حمل على البعض الغير المعين لزم الإجمال في كلام الحكيم فيجب الحمل على الجميع نظير ما استدلوا به

١٥١

في دلالة المفرد المحلى على العموم مضافا إلى أن الحمل على الجميع مؤيد بأصالة الحقيقة لأنّ كل واحد من المعاني موضوع له ولم يقم قرينة صارفة عنه فيجب إرادته وفيه أنّه لا بأس بتحقق الإجمال في كلام الحكيم إذا كان له فائدة ونفيه في المفرد المعرف إنّما هو لغلبة البيان في كلام الشّارع وهي وإن أمكن ادعاؤها في المقام لكن نقول إنّها معارضة بغلبة استعمال المشترك في معنى واحد والعرف يساعد في مثل المقام على الإجمال وهو متبع في مثل ذلك وأصالة الحقيقة لا تقتضي إلاّ إرادة الحقيقة وأمّا جميع الحقائق فلا يساعده العرف وهو المناط في حجيّة الأصل على ما سبق تحقيقه الثّاني من جملة القرائن المعيّنة لإرادة أحد المعاني غلبة استعماله فيه فإنها موجبة للظّنّ بإرادته والظّنّ معتبر في المقام وذلك أعم من المشتركات في الأجناس والأعلام المذكورة في سند الرّواية وفي كتب الرّجال لكن يشترط في حمله على المعنى الغالب أمران العلم بتحقق الغلبة في زمان التّكلّم والعلم بأن المتكلّم عالم بالغلبة حتى يمكن له الاعتماد عليها وإذا شك في كل منهما فالأصل عدمه وهو ظاهر الثّالث قيل يظهر الثّمرة بين القول بجواز استعمال المشترك في المتعدد وعدمه في قوله تعالى وَأُمُّهاتُ نِسائِكُم وَرَبائِبُكم اللاّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُم اللاّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فإن كلمة من إن تعلقت بربائبكم كانت نشوية وابتدائيّة وإن تعلقت بنسائكم كانت بيانيّة ولا يقيد تحريم أمهات النّساء بصورة الدّخول بالنّساء وعلى الثّاني تقيد لكن لا يقيد تحريم الرّبائب بصورة الدّخول بأمهاتهن وإن علقت بالجملتين فقد استعلمت في المعنيين وقيد التّحريم في الموضعين وحينئذ فعلى القول بجواز الاستعمال في المتعدد يحمل كلمة من على معنييها ويقيد الجملتان وعلى القول بعدم الجواز يجب حملها على أحدهما والأولى أن يقرر الثّمرة بوجه آخر بأن يقال القيد الواقع عقيب الجمل إن كان ظاهرا في التّعلق بالجميع ظهر الثّمرة بين القولين في الآية إذ على القول بالجواز يجب الحمل على الجميع وتقييد الحرمة في الموضعين بالدّخول وعلى القول بعدمه فلا يجوز ذلك لأن القيد وإن كان ظاهرا إلاّ أنّ المانع موجود فيدور الأمر بين حمله على الجميع بإرادة القدر المشترك مجازا وبين تعليقه بالأخير فقط والقدر المتيقن من التّقييد هو الأخيرة وفي غيره مشكوك فيرجع إلى الأصل وإن كان القيد ظاهرا في التّعلق بالأخيرة فلا يظهر ثمرة بين القولين إذ على القول بالجواز أيضا يجب تعليقه بالأخيرة لظهور القيد هذا وقالوا ويظهر الثّمرة بين القولين فيما إذا وردت رواية ظاهرة في إرادة المتعدد من المشترك أو رواية كان ظاهرها غير مراد وكان تأويلها منحصرا في حملها على إرادة المتعدد من المشترك فعلى القول بالجواز لا إشكال وعلى القول بالعدم ففيه تفصيل لأنّ تلك الرّواية إن كانت

١٥٢

مقطوعة الصّدور وحصل القطع بإرادة المتعدد منه كانت دليلا على الجواز ولا تجامع القول بالعدم وكذا إن كان تأويلها منحصرا في ذلك وإن كانت ظاهرة في ذلك فإن كان عدم الجواز مستندا إلى الأصل التّوقيفيّة الاستعمال فحينئذ تكون الرّواية دليلا فيلغو الأصل وإن كان مستندا إلى الدّليل وجب التّأويل في تلك الرّواية وإن كانت مظنونة الصّدور وكانت ظاهرة في ذلك فعلى الاستناد إلى الأصل تكون ظهور الرّواية دليلا فيلغو الأصل وعلى الاستناد إلى الدّليل يجب التّأويل وإن كان ظاهرها غير مراد وانحصر تأويلها فيما يوجب الاستعمال في المتعدد فعلى الاستناد إلى الدّليل لا إشكال في طرحها وأمّا على الاستناد إلى الأصل فهل يوجب الرّواية إلغاء الأصل الحق عدمه لأنّ الرّواية الغير المقطوعة إذا كان لها معارض أقوى جاز طرحها وأمّا التّأويل فيها فلا وجوب فيه لأنّ وجود المعارض الأقوى كاشف عن فساد سند تلك الرّواية وإنّما التّأويل تبرع لئلا يطرح ما نسب إلى المعصوم وليس التّأويل فيها واجبا حتى يكون دليلا على جواز الاستعمال في المتعدد بحيث يلزم إلغاء الأصل فتأمل

تذنيب

ربما يتوهم التّناقض في كلام الفاضل القمي رحمه‌الله حيث ادعى أولا أنّ التّثنية حقيقة في الفردين من ماهيّة واحدة لا في المعنيين من لفظ للتّبادر ثم ذكر ثانيا أنّه لا يجوز الاستعمال في المعنيين في التّثنية مجازا لأنّ هذا التّجوز لا يرجع إلى وضع العلامة لأنّها موضوعة للإشارة إلى متعدد أيا ما كان إنّما التّجوز يرجع إلى المفرد حيث أريد منه المعنيان ولا دليل على جواز هذا النّوع من التّجوز فادعى أولا التّبادر في الفردين من ماهيّة واحدة وذكر ثانيا أنها موضوعة لمطلق الاثنين وهذا تناقض بين والجواب أن المراد من ادعاء التّبادر إنّما هو تبادر الفردين بالنّظر إلى مجموع المفرد والعلامة فإنّ المفرد موضوع للمعنى في حال الوحدة بمذهبه والعلامة موضوعة للإشارة إلى المتعدد فيكون المجموع دالا على الفردين من معنى واحد وما ذكره ثانيا إنّما هو بالنّظر إلى العلامة فقط فلا تناقض فافهم

أصل اختلفوا في جواز استعمال اللّفظ في معنييه الحقيقي والمجازي

على نحو اختلافهم في المسألة السّابقة فيكون محل النّزاع هو إرادتهما مستقلا بإرادتين لا إرادتهما في ضمن القدر المشترك ويعبر عنه بعموم المجاز ولا إرادة المجموع من حيث المجموع على ما سبق فذهب جماعة إلى الجواز وأخرى إلى المنع واختلف المجوزون فذهب بعضهم إلى أنّه مجاز وآخر إلى أنّه حقيقة ومجاز بالاعتبارين وتحقيق المطلب يستدعي رسم مقدمتين الأولى قالوا المجاز هو استعمال اللّفظ في غير ما وضع له مع وجود القرينة المعاندة لإرادة الموضوع له والكناية هي الاستعمال في غير ما وضع له مع جواز إرادة الموضوع له واختلفوا في أن المراد بالقرينة المعاندة الّتي يشترط تحققها في المجاز

١٥٣

ماذا فالمشهور على أن المراد بها أن تكون معاندة لإرادة الحقيقة مطلقا ولذا استدل به على عدم جواز الاستعمال في المعنيين الحقيقي والمجازي ويظهر من بعضهم في رد الاستدلال المذكور أن المراد بها أن تكون معاندة لإرادة الحقيقة وحدها فلو أريد الحقيقة والمجاز معا لم يكن القرينة مانعة وجعل الشّاهد على ذلك جواز استعمال الجزء في الكل كالرّقبة في الإنسان مع أن المعنى الحقيقي أيضا مراد مع المجازي لاشتمال الإنسان على القربة أيضا ويظهر من بعض المحققين في رد الاستدلال المذكور أيضا أن المراد بها أن تكون معاندة لإرادة الحقيقة بالإرادة المتعلقة بالمجاز بأن يرادا معا بإرادة واحدة ولا تمنع من إرادتهما بإرادتين مستقلتين كما هو محل النّزاع ولكن لا يخفى ما في الوجهين الآخرين من الفساد لأنّ ما ذكراه تقييد لكلمات القوم بلا دليل واستشهاد الأوّل بمثل الرّقبة واضح الفساد إذ لم تستعمل إلاّ في المعنى المجازي وهو الكل وليس المراد بها المعنى الحقيقي أصلا نعم تدل عليه بدلالة الإشارة الغير المقصودة وذلك لا دخل له بالمقام مضافا إلى أنه يرد عليه أنّه لو كان مرادهم ما ذكره هذا لم يكن للفرق بذلك بين المجاز والكناية وجه لوجود القرينة المعاندة بهذا المعنى في أكثر الكنايات فإنّ القرينة المفيدة لإرادة اللازم هي بعينها مانعة عن إرادة الملزوم منفردا فلا وجه لتخصيص ذلك بالمجاز على ما صرحوا به ثم إنّه قد ذكر بعض المدققين أن النّزاع في المقام لفظي لأنّ المجاز باصطلاح الأصوليّين أعم من الكناية لأنه عبارة عن الاستعمال في غير ما وضع له سواء كان هناك قرينة معاندة أولا وباصطلاح البيانيين قسيم للكناية لاشتراط وجود القرينة المعاندة فيه دونها وحينئذ فمن قال بعدم جواز الاستعمال في الحقيقي والمجازي نظر إلى المجاز باصطلاح البيانيين ومن قال بالجواز أراد بالمجازي الكنائي لإطلاق المجاز عليه عند الأصوليّين ولا ريب أن عدم الجواز بالنّسبة إلى الحقيقي والمجاز البيانيين وكذا الجواز بالنّسبة إلى الحقيقي والكنائي وإنّما نشأ النّزاع حيث أطلقوا المجاز على الكناية فتوهم المانع أن المراد هو المجاز البياني فقال إنه لاشتراط القرينة المعاندة وفيه أمّا في المعنى فلا نزاع بينهما أقول لا بد من بيان الفرق بين الحقيقة والمجاز والكناية ليظهر الحال فنقول الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له بحيث يكون هو المراد استقلالا وهو المستعمل فيه والمجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له بحيث يكون هو المراد والمستعمل فيه والكناية هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له لكن لينتقل إلى غير الموضوع له فالمراد مستقلا هو غير الموضوع له لكن اللّفظ قد استعمل فيما وضع له وربما يكون هو أيضا مرادا لكن لا بد من ملاحظة كونه واسطة للانتقال أيضا وبهذا علم أن طريقة الاستعمال في كل منها مغاير للآخر

١٥٤

ثم إن كلا من المجاز والكناية محتاج إلى نصب قرينة دالة على إرادة غير الموضوع له لكن فرق بين القرينتين من وجهين أحدهما أن القرينة في المجاز إنّما هي لإرادة غير ما وضع له والاستعمال فيه أيضا بخلاف الكناية فإنّ القرينة فيها إنّما هي لمحض إرادة غير ما وضع له لا للاستعمال فيه ولما كان عدم جواز الاستعمال في المعنيين الحقيقي والمجازي مجردا عندهم قالوا إنّ القرينة في المجاز معاندة لإرادة الحقيقة فإنّ المجاز قد استعمل في غير ما وضع له فلا يجوز استعمال فيما وضع له أيضا فيكون القرينة فيه معاندة لإرادة الموضوع له لدلالتها على الاستعمال في غير الموضوع له ولا يجوز الاستعمال في المعنيين بخلاف الكناية فإنّ القرينة فيها إنّما تدل على إرادة غير الموضوع له لا على الاستعمال فيه فلهذا قالوا إنّها غير معاندة وبالجملة قولهم إن القرينة في المجاز معاندة لإرادة الحقيقة إنّما هو لما تحقق عندهم من عدم جواز الاستعمال في المعنيين فالتّمسك لعدم الجواز بكون القرينة معاندة كالدّور والثّاني أنّ القرينة في المجاز غالبا موجبة لكون اللّفظ نصا في غير الموضوع له بحيث لو أراد المتكلّم إنكاره لم يمكنه بخلاف الكناية ولهذا سمي كناية لبنائه على التّستر وإخفاء الأمر وبالجملة الكناية غير المجاز قطعا وليست مستعملة إلا في المعنى الحقيقي وبما ذكرنا ظهر أن الاستدلال لعدم الجواز باحتياج المجاز إلى القرينة المعاندة فاسد وكذا الاستدلال للجواز بالكناية وكذا القول بأن النّزاع لفظي ونظر المجوز إلى الكناية لما عرفت أن الكناية ليس فيها جمع بين المعنيين أصلا بل النّزاع معنوي وهو أنه هل يجوز استعمال اللّفظ فيما وضع له وفي غير ما وضع له أو لا وأمّا الكناية فلا دخل لها بمحل الكلام أصلا فافهم الثّانية ربما يتوهم أن الاستعمال في المعنيين الحقيقي والمجازي موجود في كلماتهم ومثلوا له بأمور منها الكناية وقد مر فساده ومنها التّضمين كقوله تعالى فَليَحْذَر الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ فإن يخالفون قد استعمل في معناه الحقيقي وفي معنى يعرضون وهو غير الموضوع له ومنها التّغليب فإنّ المراد من ملحوق العلامة القمر وهو الموضوع له والشّمس وهو غيره ومنها الأواني المعلقة لشيء على شيء كما لو قال إن جامعت في نهار رمضان فكفّر وقد قيل إن الأصل في مثل ذلك عدم تكرر الجزاء بتكرر السّبب وإلا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لأنّ الكفارة مثلا بالنّسبة إلى السّبب الأوّل طبيعتها فإن كان المراد تكرارها بسبب تكرار الجماع وجب أن يكون المراد بها بالنّسبة إلى السّبب الثّاني غير ما حصل أوّلا وهو الفرد الآخر غير الفرد الّذي أوجده أوّلا فيكون المراد بها بالنّسبة إلى السّبب الأوّل الطّبيعة وهي الموضوع له وبالنّسبة إلى الثّاني الفرد وهو غير الموضوع له ومنها الأوامر المتعلقة بالشّخص المختلف حاله بالقدرة والعجز فقوله صل يراد به الصّلاة قائما بالنّسبة إلى القادر على القيام

١٥٥

والصّلاة المطلقة اللابشرط بالنّسبة إلى العاجز ومنها الاستخدام حيث يراد من المرجع عند ذكره المعنى الحقيقي وعند ذكر الضّمير المعنى المجازي ومنها القرآن بالنّسبة إلى ظهره وبطنه والتّحقيق أن شيئا من ذلك ليس مقطوعا به بحيث يستدل به على الجواز أمّا التّضمين فلوجود احتمالات عديدة فيه الأوّل أن يكون من قبيل الجمع بين المعنيين والثّاني أن يكون معنى الفعل الّذي يراد تضمينه محذوفا في الكلام والثّالث أن يكون من قبيل الكناية حيث أطلق المخالفة لينتقل إلى لازمها الّذي هو الإعراض وفيه بعد لأنّ الانتقال في الكناية إنّما هو بعد تمام الكلام وفي الآية لا يتم الكلام بذكر يخالفون حتى ينتقل إلى لازمه ويوجب صحة تعلق الجار به بل الانتقال فيها لو كان فإنما هو بعد ذكر الجار وهو لا يوجب تصحيح تعلق الجار كما لا يخفى والرّابع وهو التّحقيق ما سبق إليه الإشارة من أن المخالفة ملازمة في الخارج مع عنوان آخر وهو الإعراض فجاز إجراء أحكام الإعراض عليه نظرا إلى تلازم العنوانين فلم يستعمل اللّفظ إلا فيما وضع له وأمّا التّغليب فلما عرفت أن المفرد قد استعمل في مفهوم المسمى مجازا وأشير بالنّون إلى فردين منه أحدهما فرده الحقيقي والثّاني فرده الادعائي وأمّا الأوامر فلأن المراد فيها هو الطّبيعة وأمّا تكررها بتكرر السّبب فهو غير مراد من اللّفظ بل هو حكم العقل بأن السّبب إذا تكرر تكرر المسبب مضافا إلى أنّ ذلك وارد على القول بأصالة التّداخل أيضا لوجود الموارد الّتي قد أجمع فيها على عدم التّداخل والحد ما ذكرنا وكذا الخطابات المتعلقة بالمكلف فإنّ المراد بها الطّبيعة غاية الأمر تقيدها بقيد بحسب بعض الحالات وهو لا يوجب إرادة المقيد من اللّفظ حتى يكون مجازا وأمّا الاستخدام فلما عرفت مفصلا أن المراد بالمرجع ليس إلا معنى واحد والضّمير إنّما يرجع إلى شيء تقدم ذكره التزاما لدلالة المرجع عليه في الجملة وهذا كاف في صدق تقدم مرجع الضّمير وأمّا البطون فلعدم استعمال اللّفظ فيها بل هي إمّا من قبيل الكناية أو من قبيل إفهام المطلب بذكر أشباهه ونظائره فافهم إذا تمهد هذا فنقول استدل المانعون بتوقيفيّة الاستعمال ولم يثبت جواز ذلك في لسانهم وبأن المجاز ملزوم للقرينة المعاندة لإرادة الحقيقة والثّاني فاسد لما أشرنا إليه أن القرينة في المجاز إنّما هي ذكر شيء من لوازم المعنى المجازي ليدل على إرادته وهذا لا يوجب عدم جواز إرادة الحقيقة لكن لما ثبت عندهم عدم الجواز قالوا إنّه إذا قامت قرينة على المجاز لم يمكن إرادة الحقيقة فكان القرينة معاندة لإرادة الحقيقة وبالجملة كون قرينة المجاز معاندة فرع عدم جواز الاستعمال فلا يمكن الاستدلال به على عدم الجواز وفصل صاحب المعالم فقال إن أريد الجمع بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي بتمامه فالمانع مستظهر لوجهين أحدهما أن الوحدة معتبرة في الموضوع له فلا يمكن إرادة غيره معه والثّاني

١٥٦

أنّ المجاز ملزوم للقرينة المعاندة لإرادة الحقيقة وإن أريد الجمع بين المعنى المجازي وذات المعنى الحقيقي فنقول إنّه جائز مجازا لإلغاء قيد الوحدة فيكون مجازا فالقرينة اللازمة للمجاز لا تعانده هذا حاصل كلامه وهو بإطلاقه يشمل التّثنية والجمع أيضا ويرد عليه أوّلا ما عرفت من عدم اعتبار الوحدة وثانيا أن مرادهم بالقرينة المعاندة أن تكون معاندة لإرادة ذات المعنى الحقيقي لا لإرادة الحقيقة وحدها وإلا لم يكن بذلك فرق بين المجاز في الكناية لأن القرينة في الكناية معاندة أيضا لإرادة الحقيقة وحدها وبالجملة ما ذكره من لزوم المجاز للقرينة المعاندة مأخوذ من كلمات البيانيّين وظاهر كلامه تسليم ما ذكروه وهم إنّما يذكرون ذلك في مقام الفرق بين المجاز والكناية وهو لا يمكن إلا بأن يراد أن القرينة في المجاز معاندة لإرادة الموضوع له مطلقا بخلاف الكناية وحينئذ فمقتضى ذلك عدم جواز إرادة الحقيقة ولو مع إلغاء الوحدة عند إرادة المجاز وثالثا أن إطلاق كلامه يدل على الجواز مجازا بالنّسبة إلى التّثنية والجمع مع أنّه غير مناسب لمذهبه لأنّه كما يظهر من كلامه في المشترك حيث جوز استعماله في المعنيين في التّثنية والجمع حقيقة أنّه قائل بعدم اعتبار الوحدة في الموضوع له بالنّسبة إلى ملحوق العلامة وإلا لم يكن حقيقة وحينئذ فيكون مذهبه أن الملحوق موضوع للمعنى اللابشرط وعلى هذا فلا يوجب إرادة المجاز معه إلغاء الوحدة حتى يكون مجازا أو لا تعانده القرينة بل هو باق على حقيقته فتعانده القرينة وحينئذ فلا بد أن لا يجوزه في التّثنية والجمع أصلا وربما اعتذر عن ذلك بأن إطلاق كلامه ناظر إلى المفرد لأنّه الّذي يجري فيه التّرديد المذكور دون التّثنية والجمع لعدم احتمال إرادة المعنى مع الوحدة فيهما لكن مذهبه في التّثنية والجمع هو الجواز مجازا لأنّه قال باعتبار الوحدة في الموضوع له للمفرد وقال بجواز استعمال تثنية المشترك وجمعه في المعنيين حقيقة ومقتضى الجمع بين الكلامين إمّا أن يقال إنّه قائل بأنّ المفرد حين تجرده عن العلامة موضوع للمعنى مع الوحدة وعند اللحوق موضوع للمعنى لا بشرط حتى يكون إرادة المعنيين منه في المشترك حقيقة أو يقال إنّه قائل بأن التّثنية والجمع كل منهما موضوع بوضع مستقل لإرادة المعنيين الحقيقيّين أو المعاني كذلك وحمل كلامه على الأوّل بعيد جدا بأن يلتزم تعدد الوضع بالنّسبة إلى المفرد فيجب حمله على الثّاني وحينئذ فيتم ما ذكر في التّثنية والجمع بالنّسبة إلى المعنى الحقيقي والمجازي لما عرفت أنهما حينئذ موضوعان لإرادة المعنيين الحقيقيّين أو المعاني كذلك فاستعمالهما في الحقيقي والمجازي استعمال في غير الموضوع له فيكون مجازا أقول ويمكن الجمع بين الكلامين بوجه آخر وهو أن يقال إن المفرد حين تجرده عن العلامة موضوع للمعنى مع الوحدة وحين اللحوق موضوع للمعنى الحقيقي بشرط انضمامه لمعنى حقيقي آخر ويكون العلامة قرينة على إرادة هذا المعنى وحينئذ فلو أريد المعنيان الحقيقيان من التّثنية كان حقيقة كما في المشترك وإن

١٥٧

أريد المعنى الحقيقي مع المجازي كان كل منهما مجازا لعدم وجود الشّرط وهو الانضمام بالمعنى الحقيقي الآخر فيكون حينئذ مستعملا في مجازين كما في المفرد ولا يبعد أن يكون مذهب صاحب المعالم في وضع التّثنية والجمع ما ذكر واستدل المجوز مجازا على كونه مجازا بأنّه قد دخل في المستعمل فيه ما هو خارج عن الموضوع له فيكون مجازا وأورد عليه بأنّه إن أريد بدخول المعنى المجازي في المستعمل فيه دخوله فيه كدخول الأجزاء في الكل بأن يكون المراد مجموع المعنيين من حيث المجموع أو كدخول الأفراد في الكلي بأن يكون المراد معنى عام يشمل المعنيين ففيه أن هذا خارج عن محل النّزاع لما عرفت أن النّزاع إنّما هو في إرادة كل من المعنيين بإرادة مستقلة وإن أريد بدخوله فيه أن المراد والمستعمل فيه شيئان فيكون كل منهما داخلا في مفهوم المستعمل فيه وإن كان مستقلا في الإرادة ويكون ذلك مجازا لأنّ الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له فقط فالوحدة معتبرة في الحقيقة وإن لم تكن معتبرة في الوضع ففيه أن الوحدة إن اعتبرت في الحقيقة اعتبرت في المجاز أيضا وإلا لزم التّفكيك بينهما وحينئذ فيكون هذا الاستعمال خارجا عن الحقيقة والمجاز وإن لم تعتبر الوحدة أصلا كما هو الحق لعدم دلالة ما ذكروه في التّعريف على اعتبارها يكون الاستعمال المذكور على فرض جوازه حقيقة ومجازا لا يقال إن الاستعمال واحد ويلزم كونه حقيقة ومجازا بالنّسبة إلى مجموع المعنيين وهو تناقض لأنّا نقول الحيثيّة معتبرة في التّعاريف فالكلمة المذكورة من حيث إنها مستعملة في الموضوع له حقيقة ولا ينافيه استعماله في غيره أيضا ومن حيث إنها مستعملة في غيره مجاز هذا لكن قد عرفت أن هذا الاستعمال غير جائز لتوقيفيّته أو أنّه غير معقول كما سبق إليه الإشارة في المشترك

أصل اختلفوا في أنّ ألفاظ المقادير كالمثقال والمن والفرسخ والكر وأمثالها حقيقة في خصوص الكامل ومجاز في النّاقص ولو بيسير أو حقيقة في الأعم من الكامل وما نقص منه بيسير

ذهب بعضهم إلى الثّاني مستدلا بإطلاقها على النّاقص يسيرا في العرف وعدم صحة سلبها عنه وأورد عليه بأنّه لو كانت حقيقة في الأعم لزم التّسلسل لأنّ النّاقص بيسير إذا كان من أفراد الموضوع له كان النّاقص عنه بيسير أيضا من أفراده وهكذا مع أنّه يلزم كون المن حقيقة في المثقال وفيه أن المراد أنّه حقيقة فيما نقص بيسير عن الفرد الكامل لا عما كان موضوعا له والحق في الجواب أن يقال إنّه يصح سلبها عن النّاقص في العرف وإطلاقها عليه مسامحة من باب تنزيل المعدوم منزلة الموجود ومما يدل على ذلك ملاحظة أحوالهم فيما يعتنى بشأنه كميزان الذّهب فإنّه لو نقص عن المثقال بحبّة يقولون إنّه ليس بمثقال ولا شبهة أنّه لا يتفاوت معنى المثقال بالنّسبة إلى الذّهب وغيره بل له معنى واحد لكنهم يتسامحون في بعض الأشياء دون بعض والمعتبر صحة السّلب

١٥٨

وعدمها في غير مقامات المسامحة فإن قلت لا ريب في كثرة استعمالها في الأعم عرفا وشيوعه بحيث صار من المجازات الرّاجحة فلا بد من حمل اللّفظ عليه لقرينة الشّهرة إذا ورد في كلام الشّارع قلنا بعد التّسليم أن الاشتهار إنّما يسلم في الأمور الحقيرة الّتي لا يعتنى بها دون الأمور الخطيرة وما يتعلق به الأحكام أمور خطيرة أو غير معلوم الحال فيؤخذ بالقدر المتيقّن وهو الحد التّام وبالجملة يجب حمل المذكورات في الشّريعة على الحد التّام الّذي لا مسامحة فيه لكن يغتفر التّسامح في طريق تحصيله فإنّ الأشبار المقدرة في تحصيل الكر وكذا الأرطال مختلفة غالبا فلا يجب التّدقيق في ذلك ولذا قيل إن ذلك تحقيق في تقريب مسائل الأولى إذا علق الحكم على مقدار وعلمنا أن الحكمة شيء يتخلف عن ذلك المقدار من دليل آخر فهل يجب التّعبد بذلك المقدار أو لا بد من ملاحظة وجود الحكمة مثلا علق وجوب القصر على قصد ثمانية فراسخ وعلمنا أن الحكمة فيه لزوم الحرج لتعليله به في بعض الأخبار والحرج قد يتحقق في أقل من ثمانية فراسخ وقد لا يتحقق في الثّمانية وأزيد فنقول إن الواجب هو ملاحظة الحد المذكور دون العلة لأن الأحكام الشّرعيّة لا بد أن تعلق على أمور منضبطة وأمّا الأمور الغير المنضبطة فلا يجوز تعليق الحكم عليها لأنّه يوجب الهرج والمرج وملاحظة الحرج في مثل ذلك أمر غير منضبط والشّارع إنّما يلاحظ في الحكم أمرا منضبطا يغلب وجود الحكمة فيه فيعلق عليه الحكم ولزوم انتفاء الحكم في بعض موارد وجود الحكمة ووجوده في بعض موارد عدمها غير مضر لأنّه كارتكاب شر قليل الخير كثير فإن الحكمة في تشريع العدة هي عدم اختلاط الأنساب وهذه منتفية في العقيمة لكن أوجب عليها العدة لئلا يلزم الهرج لأنّ العقم أمر غير منضبط ولذا قيل إن التّغير التّقديري لا يوجب نجاسة الكر لأنّ الحكم لا بد أن يعلق على أمور منضبطة محسوسة والتّقدير غير منضبط هذا لكن إذا استفيد من الأخبار الّتي ذكر فيها حكمة الحكم أن تعليق الحكم على الحد المذكور إنّما هو من جهة المثال أو جهة أخرى وكان الحكمة المذكورة فيها أمرا مضبوطا جاز أن يحكم بأن المناط هو وجود العلة وإلى هذا ينظر بعضهم حيث حكم بطهارة الماء القليل بالملاقاة مستندا بأن حكمة قوله إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء هي أنّ الكرّيّة كاشفة عن عدم تغيّر الماء بالملاقاة غالبا والمناط هو التّغير فيه ويستظهر ذلك من الأخبار

تنبيهات

الأول

قد ذكروا أن حكم الكر يجري فيما إذا كان الماء بنفسه أنقص من الكر ولكن قد اختلط بأمر خارج كالطّين بحيث صار معه كرا ولم يخرج عن إطلاقه وكذا إذا بلغ الحنطة المختلطة بالتّراب المعتاد حد النّصاب وجب الزّكاة وإن لم يكن الحنطة المحضة بالغة حده وربما يظن أن ذلك من باب إطلاق الكر على ذلك والنّصاب على هذا مسامحة وقد أجري عليه الحكم للدليل لكن التّحقيق

١٥٩

أنّه ليس من باب المسامحة بل هو كر من الماء حقيقة وكذا الحنطة نصاب حقيقة وذلك لأنّ الطّين المخلوط بالماء ماء عرفا حقيقة وكذا التّراب المخلوط بالحنطة ويظهر الثّمرة في الماء فإنّه إذا أراد تطهير لباسه للصلاة ولم يتمكن من غسله بالقليل وكان عنده مقدار من الماء أقل من الكر قليلا بحيث لو مزج به شيئا من التّراب لبلغ الكر فإن قلنا إنّه كر حقيقة وجب عليه إلقاء التّراب فيه تحصيلا للغسل الواجب وإن قلنا إنّه مسامحة لم يجب عليه لعدم الدّليل فإنّه يصدق عليه أنّه غير متمكن من تحصيل الكر بخلافه على الأول لتمكنه منه بناء عليه وهذا الثّمر لا يجري في الزّكاة لعدم وجوب تحصيل النّصاب فلا يجب إلقاء التّراب قليلا في الحنطة النّاقصة من النّصاب وإن قلنا إنّه بعد الإلقاء يصير الحنطة نصابا حقيقة

الثّاني

ما ذكرنا من وجوب حمل المقدار على التّام إنّما هو فيما إذا كان المقدار موضوعا للحكم الشّرعي كالكر فإنّه موضوع لعدم نجاسة الماء وكالنّصاب فإنّه موضوع لوجوب الزّكاة وأمّا إذا كان المقدار قيدا للعمل الّذي هو موضوع الحكم كوجوب التّراوح يوما فهو قسمان لأنّ الحكم المتعلق على الموضوع المذكور إمّا حكم بدوي وجعله الشّارع كالوجوب للتّراوح وأمّا حكم يجعله المكلف على نفسه كالأخير لخياطة يوم مثلا وقد فرقوا بين القسمين فحكموا بوجوب الاستيعاب في الأول وكفاية اليوم العرفي في الثّاني فيكفي شروعه في الخياطة بعد طلوع الشّمس ولعل وجه الفرق هو أن المقصود في المعاملات العرفيّة من اليوم نحوه هو ما يصدق على ما بعد طلوع الشّمس أيضا وكلمات العرف ينزل على مقاصدهم ولكن قصد هذا في العرف لا في المعاملات لا يوجب صرف لفظ الشّارع إليه في مقام بيان الأحكام وهاهنا بحث وهو أنهم قد ذكروا في مسألة المجمل والمبين أن اليد في آية السّرقة لا إجمال فيها وردوا على السّيد حيث ادعى إجمالها تمسكا باستعمالها في كل من الأشاجع والكف وإلى المرفق وإلى الزّند وفي تمامها فتكون مجملة بأن اليد حقيقة في تمام العضو ولكن يكفي في نسبة الحكم إلى المجموع تعلقه بالبعض وحينئذ فنقول مقتضى هذا الكلام أن يصدق تراوح اليوم حقيقة بالتّراوح في بعض اليوم وإلا فما الفرق والجواب أن القيد الّذي يقيد به العمل قد يكون المقصود به تحديد العمل بمقدار ذلك القيد كما في التّراوح فإنّ المقصود تحديد التّراوح بمقدار اليوم فيلزم الاستيعاب قد يكون المقصود محض تعلق العمل بذلك القيد في الجملة لا تحديده به كقطع اليد فإن المقصود وقوع القطع على اليد في الجملة وهو يصدق بقطع البعض أيضا لا يقال إن مثل الخياطة أيضا محدودة بالزّمان فلم لا يلزمه الاستيعاب لأنّا نقول قد ذكرنا الفرق بينهما بوجود القرينة على عدم إرادة الاستيعاب في العرف دون الشّرع

الثّالث

اختلفوا في تحديد بعض

١٦٠