غاية المسؤول في علم الأصول

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني

غاية المسؤول في علم الأصول

المؤلف:

السيّد محمّد حسين بن محمّد علي الشهرستاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٦

إلى حد الاشتهار الثاني استصحاب ظهور اللّفظ في المعنى الحقيقي والثالث استصحاب عدم وجود القرينة لا عدم كون الشّهرة قرينة إذ ليس لها حالة سابقة حتى يستصحب الرّابع استصحاب عدم التفات المتكلّم إلى الشّهرة إذ في إرادة المجاز يجب الالتفات إلى القرينة لعدم إمكان إرادة المجاز بدون الالتفات إلى القرينة وهو مشكوك فيستصحب عدمه وتحقيق المرام يحتاج إلى تطويل الكلام فنقول يتصور النّزاع في مقامات ثلاثة أحدها في أن الشّهرة هل تكون قرينة للمجاز أو لا والثاني في أنه إذا لم يمكن تعيين كونها قرينة ولا عدمه بأن شك في ذلك فالمرجع ما ذا والثالث أنه إذا علم أن المرتبة الفلانية من الشّهرة تكون قرينة وشك في بلوغ الاستعمال الخاص إلى تلك المرتبة فالعمل على أي شيء ويظهر من أدلة النّافين وبعض أدلة المثبتين كالاستقراء والنّقض بالعام وهو الظّاهر من كلامهم أن النّزاع في المقام الأول وحينئذ فلا وجه للتمسّك بالاستصحاب لأنه مرجع عند الشّك ويرجع الكلام فيه إلى المقام الثاني فلنقدم الكلام فيه ونقول الحق فيه وجوب التّوقّف لما مر مرارا أن المدار في دلالة الألفاظ وتعيين المراد على الظّهور بمعنى كون الكلام مع ما يكتنفه من اللّواحق والأحوال ظاهرا في المعنى وهو مفقود في المقام فلا مجرى لأصالة الحقيقة فيه لما عرفت أنّ المدار على الظّهور وبهذا أظهر الجواب عن وجوه الاستصحاب المدعى في المقام لعدم إفادتها الظّنّ مضافا إلى أن الاستصحاب بين الأولين لا معنى لهما أصلا أعني استصحاب وجوب الحمل على الحقيقة واستصحاب الظّهور لأن الموضوع فيهما هو اللّفظ المستعمل المجرد عن القرينة ومع الشّك في كون الشّهرة قرينة لا يعلم باتحاد الموضوع الذي هو شرط في الاستصحاب وأما المقام الأوّل فالحق فيه التّفصيل وذلك أن المجاز يحتاج في بدو الاستعمال إلى قرينتين صارفة ومعيّنة ثم قد يكثر الاستعمال فيه إلى أن ينتقل الذّهن إلى المعنى المجازي في الجملة لكن انتقالا ضعيفا لا يصلح صارفا عن الحقيقة فيحتاج أيضا إلى القرينتين ثم قد يبلغ الكثرة إلى حد لو وجد القرينة الصّارفة عن الحقيقة لتعين ذلك المجاز من بين المجازات فيحتاج إلى القرينة الصّارفة دون المعيّنة وقد تبلغ إلى حد يتردد الذّهن بينه وبين الحقيقة فيصير اللّفظ مجملا كالمشترك فيحتاج إلى إرادة كل منهما إلى القرينة المعيّنة وقد يقوى الكثرة إلى حد يترجح المجاز وتكون الشّهرة بنفسها صارفة معيّنة والحكم في هذه المراتب ظاهر وليس هناك مثال واقع في الخارج للمجاز المشهور حتى ينظر فيه أنه في أي مرتبة من المراتب هذا هو الذي يقتضيه التّحقيق ويجب تنزيل الخلاف في المقام والجمع بينها يجعل اختلافهم ناظرا إلى المراتب المذكورة وأما ما استدل به القائلون بترجيح الحقيقة من رد الاستقراء بأن المشكوك ليس من جنس المستقرإ فيه فقد ظهر فساده لأنّ الشّهرة أمر مفيد للظّنّ بالإرادة فتكون قرينة فيكون من جنس المستقرإ فيه

١٠١

إذ لا يجب وجود شخص القرينة الموجودة في أفراد المستقرإ فيه لاختلافها بالنسبة إلى كل واحد ففي بعضها حالية وفي بعضها مقالية ونحو ذلك وكذا النّقض بعدم حمل الألفاظ على المجاز مع قولهم إن أغلب لغة العرب مجازات إذ لا نسلم أن الاستعمال في المجاز أغلب بل المراد من تلك العبارة أن المعاني المجازية أكثر من المعاني الحقيقيّة ذاتا لا استعمالا وكذا النّقض بعدم حمل العام على الخصوص مع قولهم ما من عام إلاّ وقد خص إذ هو أي عدم حملهم على الخصوص ممنوع في العمومات الواردة في الشّرع الذي ورد العبارة المذكورة فيها وذلك أنه لم يوجد في الشّرع عام مشكوك التّخصيص حتى يتمسك بأنهم حملوه على العموم نعم هو مسلم في العمومات العرفية ولكن العبارة المذكورة لم يرد فيها فإن أكثر العمومات العرفية غير مخصصة مثل كل إنسان حيوان وأشباهه وربما يجاب أيضا بأن الحمل على العموم إنّما هو لأن التّخصيص الغالب هو نوع التّخصيص لا مرتبة معينة منه فلذا لم يعبئوا بهذه الغلبة وهو فاسد إذ لا فرق بين الغلبة النّوعية والشّخصية في وجوب الأخذ بها فيقال بأن اللّفظ قد استعمل في الخصوص ويكون كالمخصّص بالمجمل بالنسبة إلى مراتب التّخصيص حينئذ ومما بينا ظهر الحكم في المقام الثالث إذ يمكن فيه إجراء الاستصحاب إن أفاد الظّنّ ولا فائدة في البحث فيه لما ذكر من عدم وجود مثال مخصوص في المقام

المطلب الثاني قد ذكروا أنه إذا تعلق الحكم بمطلق انصرف إلى الفرد الشّائع منه

وأنه إجماعي ولا خلاف فيه نعم قد نسب إلى السّيّد المخالفة فيه وليس كذلك لما سيتضح لك إن شاء الله في مقامه أنه مقام آخر وأن السّيّد يقول إذا قام الإجماع على اتحاد حكم الفرد النّادر مع الشّائع كان ذلك قرينة على إرادة الطّبيعة اللابشرط من المطلق وقال غيره إنه إنّما يثبت به اتحادهما في الحكم لا في الإرادة ويظهر الثمرة في إلحاق الفرد النّادر الذي لم يقم عليه الإجماع بما قام عليه الإجماع عند السّيد لإرادة الطّبيعة اللابشرط الشّاملة للجميع وعدم الإلحاق عند غيره لعدم إرادة غير الفرد الشّائع وبنى السّيّد على ذلك جواز التّطهير بالمضاف تمسكا بإطلاق الغسل الذي أقيم الإجماع على جوازه بماء النّفط والكبريت الذي هو فرد نادر كالغسل بالمضاف ثم إنه ربما يدعى التّناقض بين الإجماع المدعى في المقام والخلاف في المجاز المشهورة نظرا إلى أن المناط هو صيرورة الشّهرة معينة للمراد وعدمه فإن كانت معينة فلا تفاوت في المقامين وإلاّ فلا فيهما فما وجه الفرق وليس الفرق كون المطلق حقيقة في الفرد لما ذكرنا أن المناط واحد وهو كون الشّهرة قرينة ولا بد لتحقيق المقام من ذكر وجه الانصراف المذكور حتى يظهر المرام فنقول قد ذكر في وجهه وجوه منها ما ذكره الشّريف ره وهو أن المطلق موضوع للطبيعة وسراية الحكم إلى جميع الأفراد متوقّف على التفات المتكلّم إلى الجميع فإذا كان بعض الأفراد نادرا فإما يعلم عدم التفات المتكلم إليه أو يشك فيه فيحمل على القدر

١٠٢

المتيقّن يعني الأفراد الشّائعة وعلى أي تقدير يتعلّق بالأفراد الشّائعة دون النّادرة لعدم التفاته إليه أو للشّكّ فيه أخذا بالمتيقّن والحاصل أنّ المراد معلوم وهو الطّبيعة والسّراية إلى الأفراد مرددة بين الجميع والأفراد الشّائعة فتحمل على المتيقّن عند الشّكّ قال ويدل على أنّ المراد منه معلوم لا مجمل أنّه لو كان مجملا بأن كان الشّكّ في أنّ المراد هو الطّبيعة أو الأفراد الشّائعة وكان الحمل على الأفراد لكونه قدرا متيقّنا لكان في كلامهم التّناقض حيث اختلفوا في جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة واتفقوا على عدم وجود البيان في المطلق الّذي كان له فرد شائع فلو كان مجملا لناقض الخلاف في ذلك الإجماع هنا لا يقال إنّ الخلاف في وجوب البيان إنّما هو في المجمل الّذي لم يكن له قدر متيقّن لأنّا نقول إن أريد القدر المتيقّن من حيث الإرادة فهو في المقام مفقود إذ الطّبيعة غير الأفراد المخصوصة وإن أريد المتيقّن في العمل فهو موجود في جميع المقامات كالمشترك مثلا فإنه يقطع فيه بالامتثال بإتيان جميع المحتملات وباب الاحتياط واسع ومنها ما ذكره الشّريف أيضا وهو أنّ الشّيوع إما استعمالي أو وجودي وعلى الأول فشيوع الاستعمال إمّا يجعل الفرد ظاهرا فينصرف إليه إذ المدار في مباحث الألفاظ على الظّهور وإمّا يكون مجملا فيؤخذ بالشائع أخذا بالمتيقّن وعلى الثّاني فشيوع وجود فرد سبب لحضوره في الذّهن فينصرف إليه فيكون الفرد النّادر نازلا منزلة المعدوم في عدم سراية الحكم إليه والمطلق إنّما يسري حكمه إلى أفراده لا إلى غير فرده فإذا نزل النّادر منزلة غير الفرد لم يكن للسّريان إليه معنى هذا حاصل ما أفاده رحمه‌الله وكلا الوجهين محل نظر وذلك لأنّ الطّبيعة الّتي هي المقسم لا يتصوّر جعلها موضوع الحكم لأنّها أعم من اللابشرط والمشروط بل لا يكون الموضوع إلاّ الطّبيعة اللابشرط أو المشروط ومتى لم تقيد وجب كونها مطلقة وهي موجودة في جميع الأفراد فيسري إلى الجميع كما اعترف به في مبحث العام والخاص والحاصل أن الالتفات لا مدخل له في السّراية وأمّا ما ذكره من أنّ الفرد النّادر بمنزلة المعدوم ففاسد من وجهين أحدهما أنّ الفرد المعدوم أيضا يكون متعلّق الحكم قطعا لعدم اختصاص الأحكام بالأفراد الموجودة غاية الأمر أنها محكومة بالأحكام الثّانية والثّاني وجود الفرق بين النّادر والمعدوم لوجوده وصحة تعلّق الحكم به فعلا فالتحقيق أن وجه الانصراف منحصر في أن يكون هناك قرينة مقيدة إمّا صارفة إن كان استعمال الكلي في الفرد بطريق التّجوز أو مفهمة إن كان بطريق الحقيقة لما ذكرنا من أنّها ما لم تقيّد لم يكن لاختصاصها ببعض الأفراد معنى فالشّأن إنّما هو في إثبات أنّ شيوع الاستعمال في فرد هل يصلح للتّقييد بالنّسبة الغير المقرونة بالقرينة أو لا وأن شيوع وجود فرد هل يكون قرينة لإرادته من اللّفظ أو لا فيقع الكلام في مقامين أحدهما أنّ الشّيوع الوجودي هل يكون قرينة ولا فنقول إنّه لا تلازم

١٠٣

بين شيوع الوجود وكونه قرينة إذ غاية ما يقال في وجهه إنّ الفرد الشّائع لحضوره في الذّهن ينصرف الذّهن إليه وهذا لا يكفي في إرادة الفرد بخصوصه لما نرى في العرف غالبا من إرادة الطّبيعة المطلقة مع وجود الفرد الشّائع وإنما يقصد الفرد الشّائع لا لخصوصية فيه بل لاتحاده مع الطّبيعة ويكون المقصود هو الطّبيعة نعم يمكن أن يقال إن هذا إنما يتم إذا قلنا إنّ العموم المستفاد من المطلق المتواطي إنّما هو للسّراية فإنّه حينئذ لا بد من السّراية إلى جميع الأفراد وليس كذلك بل هو ثابت بدليل الحكمة وبيانه أنّ الطّبيعة لا تكون موضوعا للأحكام الشّرعيّة التّابعة للمصالح والمفاسد لأنّ وجود المصلحة في الطّبيعة ليس ملازما لوجودها في فرد من الأفراد فضلا عن جميع الأفراد غاية الأمر أنّ الطّبيعة تكون مقتضية لتلك المصلحة وفعليّتها في الأفراد متوقّف على عدم وجود المعارض والمانع ولذا قيل إنّ نحو الرّجل خير من المرأة لا ينافي مع خيرية كل فرد من أفراد المرأة من كل فرد من الرّجل ومن المذكور في الكتب أنّ القضايا الطّبيعيّة لا يبحث عنها في العلوم لأنها لا فعليّة لها وإنّما يبحث في العلم عما كان له فعلية مضافا إلى أنّ الأحكام الشّرعيّة لم تتعلّق بالطبائع قطعا وإلاّ لم تنفك عنها في الوجود الذّهني أيضا فيجب أن يكون تصوّر الزّنا حراما وتصوّر الصّلاة واجبا مثلا وليس كذلك وإنّما الأحكام متعلّقة بالوجودات الخارجية وحينئذ فإما يكون المتعلّق الجميع فهو المراد أو البعض الغير المعيّن وهو موجب للإجمال الغير الواقع في كلام الحكيم أو البعض المعيّن وهو موجب للتّرجيح بلا مرجح ومقتضى هذا الدّليل أنّه متى كان لبعض الأفراد مرجح لم يكن وجه للحمل على العموم والشّيوع الوجودي يصلح مرجحا لإرادة الشّائع لكونه محل الحاجة غالبا وأنّه قدر متيقّن مثلا لكن مقتضى التّحقيق أن يقال إن المطلوب وإن كان هو الوجودات الخارجيّة لا الطّبيعيّة وتلك الوجودات متشخصة بذاتها لكن لما كان لا يمكن تعقل تلك الوجودات بنفسها لأنها خارجة لا يمكن مجيئها في الذّهن فما يتعقل منها في الذّهن هو مفهوم الوجود الّذي هو عام بالنّسبة إلى الجميع وبالجملة لا بدّ في الحكم على تلك الوجودات من ملاحظة عنوان منتزع منها فإن كان الحكم متعلّقا بجميع الوجودات وجب جعل العنوان أمرا شاملا للجميع أو البعض فالبعض وحينئذ فإذا جعل الطّبيعة متعلّقا للطّلب وعنوانا للحكم على أفرادها تعلّق الحكم بالأفراد الّتي يشملها عنوان الطّبيعة قضية وجوب مطابقة العنوان أو المعنون فإذا أريد تخصص الحكم ببعض تلك الوجودات وجب انضمام لازم من لوازم ذلك البعض إلى الطّبيعة حتى لا تشمل فاقده مثل قولك أعتق رقبة مؤمنة ولا يكفي محض تباين تلك الوجودات في الخارج حتى يقال إنّ المحكوم به هو الوجودات وهي متباينة فيدور الأمر بين إرادة الجميع ولبعض الخاص فيؤخذ بالقدر المتيقّن وذلك لما عرفت من عدم إمكان

١٠٤

تعقلها بدون الإحساس إلاّ بعنوان عام متى لم ينظم إليه لوازم بعض تلك الوجودات لم يكن لاختصاص الحكم به معنى بل هو مستلزم للإغراء بالجهل وحينئذ فنقول إن جعل الطّبيعة عنوانا ظاهر عرفا في العموم بضميمة المقدمة العقلية وشيوع وجود فرد فرد منها لا يصلح مقيدا للعنوان لما مر من أنّ الحضور الذّهني لا يوجب إرادة الفرد بخصوصه بل قد يجعله مرادا من حيث اتحاده مع الطّبيعة هذا مضافا إلى أنّ الشّيوع الوجودي لو صلح للتّقييد لزم وجوب تقديمه على شيوع الاستعمال في الفرد النّادر مع أنّه خلاف الاتّفاق بيان الملازمة أنّه ربما يكون اللّفظ قبل شيوع وجود الفرد شائع الاستعمال في الطّبيعة وحينئذ يكون ظاهرا في إرادة الطّبيعة فإذا قدم عليه الشّيوع الوجودي وجب تقديمه على شيوع الاستعمال في الفرد النّادر أيضا لعدم مزية له على شيوعه في الطّبيعة لأنّ مدار الحمل في الجميع على الظّهور العرفي فالحق أنّ الشّيوع الوجودي لا يوجب حمل المطلق على الفرد الشّائع المقام الثّاني في الشّيوع الاستعمالي ولا شبهة في أنّه سبب للحمل على الشّائع لأنه موجب لظهور اللّفظ فيه والمدار في الحمل في باب الألفاظ على الظّهور لكن يجب الاقتصار في الحمل على الشّائع على المقام الّذي تحقق الشّيوع فيه فإنه يختلف حال اللّفظ بالنسبة إلى المقامات كما أن العبد في باب البيع مثلا يحمل على العبد الصّحيح السّليم فلو قال اشتر لي عبدا حمل على السّليم لشيوع استعماله فيه في مقام البيع بخلاف ما لو قال لله علي أن أعتق عبدا فإنه يحمل على الطّبيعة المطلقة فلا تغفل ثم إنّ الشّيوع في ذلك له مراتب كما عرفت تفصيله في المجاز المشهور طبق النّعل بالنّعل إذا المناط في الجميع واحد وهو إمكان تعيين المراد بالشّهرة وعدمه ولا فرق في ذلك بين كون المطلق مجازا في الفرد شائعا أو حقيقة فالحق عدم الفرق بين المقامين والقائلون بالفرق قد غفلوا عن التّحقيق في المقام وربما يذكر للفرق وجوه منها أن وجه حمل المطلق على العموم هو عدم ترجيح بعض الأفراد فلو كان هناك مرجح لم يكن مقتضي للحمل على العموم وبالجملة ليس اللّفظ مقتضيا للعموم حتى يكون الشّهرة معارضا له بخلاف المسألة السّابقة لمعارضة الشّهرة مع أصالة الحقيقة وفيه أوّلا مع عدم المقتضي لما عرفت أنّ المقتضي هو جعل العنوان للطّبيعة ووجوب مطابقته للمعنون وثانيا منع معارضة الشّهرة لأصالة الحقيقة لأنّ مقتضى أصالة الحقيقة الحمل عليها إذا لم يكن قرينة وإذا كان الشّهرة قرينة لم يبق موضوع لأصالة الحقيقة ومنها أنّ الحمل على الفرد الشّائع إنّما هو لكونه قدرا متيقّنا فالحمل عليه مقتضى الفقاهة لا الاجتهاد وليس في المسألة السّابقة قدر متيقّن وفيه أنّه مخالف لظاهر كلماتهم لظهورها في كون الشّيوع هنا قرينة فيكون الحمل عليه مقتضى الاجتهاد ومنها أنّ الحمل على الفرد الشّائع إنما هو لكونه منقولا عرفيا إليه أو مشتركا والفرد هو القدر المتيقّن وفيه أنّ القول بذلك نادر ودون إثباته

١٠٥

خرط القتاد فكيف اتفقوا على لازمه ومنها أن الشّهرة في المجاز لو كانت قرينة لكانت صارفة لمخالفتها لأصالة الحقيقة بخلاف المطلق فإنها فيه قرينة مفهمة لا معارض لها وهذا يرجع إلى الأوّل والجواب ما عرفت والتّحقيق ما ذكرنا من عدم الفرق فتأمّل

المطلب الثّالث المشترك إذا اشتهر وغلب استعماله في بعض المعاني أو غلب وجود بعض معانيه فحكمه حكم المجاز المشهور

من أنّ الغلبة المفيدة للظّنّ معتبرة فيه للاعتبار في باب الدّلالات

أصل في الحقيقة الشّرعيّة

عرف الحقيقة بالكلمة المستعملة فيما وضعت له من حيث إنّه موضوع له واعتبار الحيثيّة إنّما هو عوض عن قولهم في اصطلاح به التّخاطب وأحسن منه لشموله للمشترك المستعمل في بعض معانيه بمناسبة الآخر أن يصدق عليه الاستعمال فيما وضع له في الاصطلاح الّذي به وقع التّخاطب لفرض اللّفظ موضوعا للمعنيين في اصطلاح واحد مع أنه مجاز فلا يكون مانعا لكن ليس استعماله في المعنى من حيث إنه موضوع له بل من حيث إنّه مناسب للموضوع له وبعضهم أبدل الكلمة باللّفظ ليشمل المركبات وهو باطل لأنّ وضع المركب يتصور بوجهين أحدهما أن يكون المفردات موضوعة لمعانيها والمجموع موضوعا للمعنى المجموعي بالوضع النّوعي بمعنى أنّ الواضع لاحظ هيئة الجملة الخبريّة مثلا مع نوع المادة ووضعها لمعنى الإخبار عن المعاني المخصوصة فالموضوع هو كل واحد من المواد المنضمة إلى الهيئة وإن لوحظ إجمالا والثّاني أن يكون المفردات موضوعة لمعانيها والهيئة التّركيبيّة موضوعة لمعناها وهو النّسبة والرّبط وقد قيل بكلا الوجهين في المشتقّات والثّاني هو الحق في المقام إذ يرد على الأول أوّلا أنّه مستلزم لتكرار فهم المعنى من اللّفظ مرة تفصيلا لكونه موضوعا له بالاستقلال ومرة إجمالا لكونه موضوعا له في ضمن التّركيب وثانيا أنّه مستلزم لإرادة المعنيين من اللّفظ المعنى التّفصيلي والمعنى الإجمالي والفرق بين هذا والسّابق اعتباري وثالثا أنّه يستلزم كون المركب من حيث الوضع التّركيبي مفردا إذ لا يقصد دلالة جزء لفظه على جزء معناه بهذا الوضع التّركيبي بل إنّما يقصد دلالة المجموع على المجموع فيكون كلمة لكونه لفظا مفردا وحينئذ فنقول أمّا على القول بالوضع بالطريق الأوّل فقد عرفت أنّ المركب لا يكون مركبا بناء عليه فيصدق عليه الكلمة فلا يحتاج إلى إبدالها باللّفظ وأمّا على القول بالوضع بالنّحو الثّاني فلا شكّ أنّ الموضوع في المركب هو الهيئة وهي ليست بكلام فإن كانت لفظا كانت كلمة وإلاّ فلا فائدة في الإبدال وأمّا كون الهيئة لفظا فيتوقّف على أمرين أحدهما كونها عبارة عن الحركات والسّكنات لا عن الكيفية الحاصلة للّفظ بواسطتها والثّانية كون السّكون أمرا وجوديّا يستلزم الأمر العدمي لا أن يكون أمرا عدميا إذ لا يكون حينئذ لفظا ولا إذا كانت عبارة عن الكيفية ولا ينافي

١٠٦

ذلك كونها جزءا من اللّفظ كما أنّ الواحد جزء العدد وليس من العدد فتأمّل فإن قلت قد ذكر البيانيّون أنّ التّمثيل عبارة عن المجاز في المركب كقولهم في الصّيف ضيّعت اللّبن وقولهم للمتحير أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى وذكروا أنّ التّجوز في المذكورات ليس في المفردات ولا في الهيئة بل إنما هو في المجموع المركب حيث شبه تردد القلب في شيء بتقدم رجل وتأخر أخرى واستعمل المركب في ذلك المعنى وعلى هذا يكون استعارة أو أن تقدم رجل وتأخر أخرى لازم لتردد القلب غالبا فاستعمل اللازم وأريد به الملزوم وعلى هذا يكون مجازا مرسلا وكيف كان إذا لم يكن لمجموع المركب معنى موضوع له فكيف يوصف بالمجاز وليس المجاز إلاّ الكلمة المستعملة في غير الموضوع له لمناسبة الموضوع له قلت الظّاهر أنّهم تسامحوا في تعريف المجاز وأنّه يجب تعريفه بحيث يشمل ما اصطلحوا عليه من المجاز في المركب وهو استعمال المركب في معنى يناسب مجموع معاني مفرداته على التّطبيق وهذا اصطلاح لا يستلزم كون المركب بمجموعه موضوعا للمجموع لما عرفت من فساده جدا ثم الحقيقة بحسب اختلاف الواضعين تنقسم إلى لغوية وعرفية وشرعية فاللّغوية ما كان واضعه واضع اللّغة والعرفية ما كان واضعه أهل العرف عموما فعام أو خصوصا فخاص والشّرعية ما كان واضعه الشّارع كذا قيل ويشكل بأن الوضع الشّرعي إن كان تعيينيا فقد دخل الشّرعية في اللّغوية بناء على أن واضع اللّغات هو الله سبحانه كما أنه هو الشّارع وإن كان تعيّنيّا فقد دخل في العرفية إذ صار حقيقة بسبب كثرة الاستعمال في العرف ويمكن الجواب بأن اللّغوية ليست عبارة عما كان واضعه واضع اللّغات بل هذا مع زيادة حصوله في الصّدر الأول والعرفية العامة عبارة عما لم يكن وضعه مختصا بطائفة مخصوصة أو صناعة خاصة وإلاّ فعرفية خاصة وحينئذ فإن قلنا بأنّ الوضع في الحقائق الشّرعية تعييني كانت قسيما برأسها لعدم دخولها في اللّغوية وإن قلنا بأنه تعيني صارت قسما من العرفية الخاصة وتخصيصها بالذكر لمزية شرفها والظّاهر الأول لأنّ ثمرة النّزاع إنما يظهر بناء عليه إذا الوضع التّعيني لا يثمر في الحمل عليه بلا قرينة مع جهل تاريخ الاشتهار بخلاف التّعييني فإنه يحمل عليه وسيجيء تحقيقه إن شاء الله ثم إنّه هل يشترط في اللّغوية الأولية وعدم المهجورية الأظهر لا فالمنقول منه والمنقول كلاهما حقيقة لغوية وكذا المشترك اللّغوي وإن ترتب وضعه للمعاني فالمتأخر أيضا حقيقة لغوية لأن غالب الألفاظ اللّغوية مشتركة فلو لم يكن الحقيقة إلاّ الأولى لم يكن جميع المعاني حقيقة لثبوت التّرتّب غالبا وليس كذلك بل المشترك حقيقة في جميع معانيه وهل يشترط في العرفية تحقق اللّفظ في اللّغة وحدوث الوضع عرفا أو لا يضر حدوث اللّفظ أيضا في العرف والظّاهر أنّه ليس في الألفاظ

١٠٧

الّتي لها حقائق عرفية لفظ حادث ومحل النّزاع هو هذه الألفاظ الموجودة لا ما يفرض وجودها وقد يطلق العرفيّة ويراد بها ما كان مستعملا في المعنى عند العرف بطريق الحقيقة وإن كان في اللّغة أيضا كذلك فيقال إنّ اللّفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني لغة للتّبادر عرفا فيثبت الحقيقيّة عرفا وبضميمة أصالة عدم النّقل يثبت لغة ثم الحقيقة الشّرعيّة لها مصداق ومفهوم أمّا المصداق فهو عبارة عن الألفاظ المخصوصة الّتي علم لها معنى في اللّغة وعلم لها معنى في اصطلاح المتشرعة مباين مع المعنى اللّغوي أو كان الفرق بينها بالإطلاق والتّقييد والكلية والفردية والنّزاع إنما هو في صيرورتها حقيقة في ذلك المعنى الجديد في زمان الشّارع إمّا بالوضع التّعيني أو التّعيني أو في زمان الصّادقين عليه‌السلام وعدمه وأمّا المفهوم فهو أمر ينزع من هذه المصاديق ولا يجوز تعريف مفهوم الحقيقة الشّرعيّة إذ ليس النّزاع في أنّ ذلك المفهوم يصدق على أي لفظ إنّما النّزاع في أن الألفاظ المخصوصة الموجودة هل هي حقائق في زمان الشّارع أو الصّادقين أولا لا في مفهوم الحقيقة الشّرعية لكن القوم قد تعرضوا لتعريف مفهومها ولا بأس بذكر ما ذكروه والنّظر فيه فمنها ما ذكره الشّريف ره وهو أنها كل لفظ استعمله الشّارع في معنى شرعي بطريق الحقيقة تعيينا أو تعيّنا ويرد عليه أمور الأوّل أنّ التّعريف للماهية فذكر لفظ كل مستدرك والثّاني أنّه يشمل ما لو استعمل الشّارع في لفظ الرّكن الّذي هو من مصطلح المتشرّعة في معناه الشّرعي أي الجزء المخصوص من العمل مع أنّه ليس بحقيقة شرعية والثّالث أنّه يخرج عنه ما وضعه الشّارع للمعنى الشّرعي ولم يستعمله فيه بل استعمله فيه غيره من متابعيه مع أنّه حقيقة شرعية لكفاية الوضع في الاستناد إليه كما يقال اللّغوية لما وضعه الواضع اللّغة وإن لم يستعمله فيه والرّابع أنّ الظّاهر منه أنّ اللّفظ المستعمل للشّارع حين استعمال الشّارع له حقيقة شرعيّة فلو استعمله غيره لم يكن حقيقة شرعية وهو باطل وهذا مما يفهمه الذّوق السّليم من هذه العبارة الخامس أنّ التّقييد بالوضع أولى من الحقيقة لأنّ الحقيقة بعد ذكر الاستعمال كالتكرار لأنّها مشتملة على الاستعمال ومنها ما ذكره بعضهم وهو أنها الكلمة المستعملة في المعنى الشّرعي بوضع شرعي قال وقيل المعنى بالشرعي ليخرج المعنى الغير الشّرعي وإن كان الوضع شرعيا كإبراهيم لولده صلى‌الله‌عليه‌وآله والقيد الأخير لإخراج المستعملة في المعنى الشّرعي بالوضع الغير الشّرعي كلفظ الرّكن مثلا قال والحيثية ملحوظة في التّعريف ليخرج مثل لفظ الحسن والحسين فإن الوضع فيهما شرعي والمعنى أيضا شرعي لأنّ له تعلّقا بالشرع لوجوب إطاعتها شرعا لكن الاستعمال لهما ليس من حيث إنّه شرعي وفيه أوّلا أنّه لا فرق بين إبراهيم والحسن والحسين إذ لو أريد من المعنى الشّرعي ما له تعلّق بالشرع بأن كان موضوعا

١٠٨

لحكم من الأحكام فلا ريب أن إبراهيم أيضا يحرم قتله وإيذاؤه وأكل ماله وغير ذلك وعلى هذا لا يوجد معنى غير شرعي أو كاد أن لا يوجد وإن أريد منه ما كان من مخترعات الشّارع تشريعا لا تكوينا فكلاهما خارجان وثانيا أنّ قيد الحيثيّة يغني عن المعنى الشّرعي إذ الكلمة المستعملة في أي معنى كان بوضع شرعي من حيث إنّه شرعي حقيقة شرعية كالصراط والميزان والجنّة والحساب ونحو ذلك وكيف كان قد علمت أنّه لا فائدة في التّعرض للمفهوم إذ النّزاع إنّما هو في المصاديق المخصوصة وإنها هل صارت حقيقة في زمان الشّارع تعيينا أو تعيّنا أو إلى زمان الصّادقين عليه‌السلام أو لا وتسميتها بالشرعية بناء على الوضع التّعييني ظاهر وأمّا على الوضع التّعيني فقيل في وجهه إنّه وإن حصل النّقل بسبب استعمال الشّارع فهي في الحقيقة منتسبة إلى الشّارع لكون استعماله سببا له في الحقيقة وفيه أن ذلك يقتضي كون الألفاظ الّتي صارت حقائق في معانيها المجعولة شرعا في زماننا هذا حقائق شرعية لأن الاستعمال فيها تابع لاستعمال الشّارع وليس كذلك قطعا فالأولى في وجه التّسمية أن يقال إنّ المراد بالحقيقة الشّرعية الحقيقة المنسوبة إلى الشّرع من حيث هو شرع فيجب حدوثها في زمان صاحب الشّرع كالأحكام الشّرعية وأمّا ما صارت حقيقة في زمان الصّادقين عليه‌السلام وما بعدهما فهي حقيقة متشرعة أو شارعية ويكفي في نسبتها إلى الشّارع كونه سببا للنّقل كما ذكره ثم إنّ مقتضى ما ذكرنا من محل النّزاع أنّه لا بد من كون اللّفظ مستعملا شرعا في المعاني الجديدة ومن صيرورته حقيقة فيها في زماننا وكان الشّكّ في بدء حدوث الوضع وفيه أقوال فقيل بالثبوت وقيل بالنفي واختلف القائلون بالثبوت فقال بعضهم بالوضع التّعييني وظاهره الإطلاق وقال بعضهم بالتعيّني وظاهره التّفصيل بين الألفاظ ونسب إلى القاضي الباقلاني القول بنفي الاستعمال رأسا فهنا مقامات أحدها في بيان الاستعمال شرعا في المعاني المتجددة والثّاني في ثبوت الوضع التّعييني ونفيه والثّالث بعد عدم ثبوت الوضع التّعييني في أنّه تعيّني أو لا أما المقام الأوّل فنقول فيه قد يتوهّم في بادي النّظر عدم معقولية ما قاله القاضي إذ لا شبهة في إرادة الماهية الخاصية من لفظ الصّلاة مثلا إذ هو أيضا قائل بأنه لم يرد محض الدّعاء بل زاد عليه القيود واللّواحق وقد ذكرنا أنّه قد يكون بين المعنى اللّغوي والشّرعي الفرق بالإطلاق والتّقييد فقد سلم القاضي الاستعمال في المعاني المستحدثة لكن بعد إمعان النّظر يعلم أن مراد القاضي أن لفظ الصّلاة مستعمل في الدّعاء بعنوان أنّه دعاء والقيود خارجة فالخاص وإن كان مرادا من اللّفظ إلاّ أنّه مراد بعنوان كونه فردا من الكلي لا بعنوان الخصوصية وإنّما يكون مستعملا في معنى جديد إذا أريد منه الخاص بعنوان الخصوصية وهو المراد مما ذكرنا سابقا وبما ذكرنا ظهر الثّمرة بين قوله

١٠٩

وقول المشهور فإنّه يقول عنوان المطلوب هو الدّعاء فكل ما علم تقيده به من الخارج فهو وإلا فالأصل عدمه والمشهور لا يقدرون على إجراء الأصل كلية كما سيظهر لك إن شاء الله ثم إنّ قول القاضي باطل من وجوه أحدها أنه مستلزم لعدم جواز نية مجموع العمل المعين امتثالا للأمر بالصّلاة بل يجب نية الدّعاء امتثالا للأمر بها ونية البواقي امتثالا للأوامر المتعلقة بها فإن التّكليف المتعلّق بالصّلاة إن أريد بها الدّعاء لا يجوز نية امتثالها بمجموع الدّعاء وغيره كما لا يجوز نية الامتثال للأمر بالصّلاة بمجموع الصّلاة والوضوء مع أن صحة النّية المذكورة مما لا خلاف فيه والثّاني أنّه مستلزم لعدم اشتراط السّتر مثلا في الرّكوع ونحوه لأنه من شرائط الصّلاة والرّكوع ليس صلاة ولا من أجزائه والثّالث أنّه مستلزم لخروج الأخرس المنفرد المصلي عن كونه مصليا لأنّ الصّلاة في اللّغة إمّا بمعنى الدّعاء أو المتابعة وكلاهما مفقود في الأخرس المنفرد وتعميم الدّعاء بحيث يشمل الطّلب القلبي أو المتابعة بحيث يشمل متابعة صاحب الشّرع فإن المصلي تابع لأمر الشّارع وإن كان منفردا خلاف الظّاهر المتبادر فالحق تحقق الاستعمال في المعاني الجديدة ويدلّ عليه مضافا إلى ما ذكر نقل الإجماعات المنقولة والأخبار المذكورة في بيان الماهيات كقوله الوضوء غسلتان ومسحتان وتكبيرها تحريمها وتسليمها تحليلها ونحوه مما هو ظاهر في عدم إرادة المعنى اللّغوي ويعلم أيضا بالرجوع إلى العرف والحكم باتحاده مع زمان الشّارع في المستعمل فيه وبالجملة هذا مما لا يعتريه شبهة ولا ريب وأمّا المقام الثّاني فنقول فيه الحق هو الثّبوت لوجوه أحدها أن الوضع تخصيص شيء بشيء بحيث متى أطلق أو أحس الشّيء الأوّل فهم الشّيء الثّاني ولا يلزم طريق خاص بأن يقال وضعت اللّفظ الفلاني للمعنى الفلاني بل يكفي فيه جعل اللّفظ لفظا للمعنى الخاص وعلامة له ولا شبهة في أنّ الشّارع لم يستعمل لفظ الصّلاة مثلا في الماهية الخاصة لأجل إفادتها مرة واحدة أو مرتين مثلا لأجل المناسبة بينها وبين المعنى اللّغوي بل أراد جعل هذه اللّفظ لفظا لما اخترعه وعلامة بحيث إذا أطلقه يفهم منه المراد ولذا لم يستعمل لفظ آخر في الشّرع بحيث يعبر به عن ماهية الصّلاة ولو كانت الصّلاة مجازا في المعنى المستحدث لوقع هناك إطلاق لفظ آخر أيضا كما يعلم ذلك من التّعبير عن معنى واحد في المجازات بألفاظ مختلفة فقد يقال هو أسد وقد يقال لقيني منه أسد وقد يقال شاكي السّلاح ويعبرون عن الجواد بكثير الرّماد ومهزول الفصيل وجبان الكلب وذلك لأنّ الغرض من الأمور المذكورة يحصل باستعمال واحد لأنّه قلّما يحتاج إليه وأمّا ما كان محتاجا إليه في كل يوم وليلة ويريد الشّارع بيان ماهية لهم فلا ريب أن الظّاهر أنّه يجعل اللّفظ علامة له في لسانه وهو معنى الوضع والثّاني أنه مقتضى اللّطف لأنّ الغرض المقصود وهو بيان الماهية حصوله بالوضع أقرب فيجب في الحكمة وضع

١١٠

لفظ وقد مر أنّ دليل الحكمة قد يعتبر في الأوضاع لأجل كون العلة شيئا يعتبره الواضع في الأوضاع ولا ريب في أن الاحتياج إلى الاستعمال منها والثّالث حمل الماهية على اللّفظ وقد ذكرنا أنّ صحة الحمل من علامات الوضع كقوله عليه‌السلام الوضوء غسلتان ومسحتان ونحوه والرّابع الاستقراء بالرجوع إلى أرباب الصّنائع فإنه يعلم به أن من كان له اصطلاحات خاصة فقد وضع في إفادتها ألفاظا مخصوصة فيظنّ من ذلك أنّ الشّارع أيضا قد وضع الألفاظ للمعاني المستحدثة والظّنّ الحاصل بالاستقراء حجة في باب الأوضاع لغوية كانت أو شرعية والخامس الإجماعات المنقولة في المقام فقد نقل السّيّد المرتضى الإجماع على وجوب حمل الألفاظ المستعملة في كلام الشّارع على المعاني المستحدثة سواء كانت مقترنة بالقرائن أو لا فإنه يدلّ على الوضع التّعييني إذ لولاه لم يمكن الحمل أما على القول بالوضع التّعيّني فلأن الحمل عليه فرع العلم بالتّاريخ وقد حكموا بوجوب الحمل كلية وأمّا على القول بالمجازية فلأنّ غاية الأمر أن يكون مجازا مشهورا وتقديم المجاز المشهور على الحقيقة محل الكلام فكيف يدعي الإجماع عليه في المقام والعجب من الفاضل الشّريف حيث سلم وجوب الحمل على المعاني المستحدثة للإجماع المذكور دون الوضع وذكر في وجهه أنّه إذا نظرت في كتاب ورأيت لفظا مستعملا في مواضع منه في معنى مخصوص تحمله في سائر مواضعه أيضا على ذلك المعنى بدون القرينة وإن لم يكن هناك وضع وبهذا أبطل الثّمرة الّتي ذكروها بين القول بثبوت الحقيقة الشّرعية ونفيها وأنّه يجب الحمل على المعنى الجديد بناء على الأوّل عند عدم القرينة والحمل على المعنى اللّغوي بناء على الثّاني وحاصل الرّد أنّه يجب الحمل على المعنى الشرعي إجماعا وفيه أنّ مشاهدة استعماله في موارد عديدة من الكتاب توجب حصول الظّنّ بأنّ بناء مصنفه في ذلك الكتاب على جعل ذلك اللّفظ علامة لذلك المعنى وهذا هو الوضع مع أنّ الشّريف رحمه‌الله يقول بتقديم المجاز المشهور على الحقيقة فيقال له إنّ غاية الأمر كون اللّفظ مجازا مشهورا إن لم يكن حقيقة فلم يفرق فيه بين الثّابت في الكتاب وبين المنطوق به حيث يحمل على المجاز في الأوّل دون الثّاني فتأمّل وأمّا المقام الثّالث فنقول مع الغضّ عن ثبوت الوضع التّعييني فلا شك في ثبوت الوضع التّعيّني للألفاظ الكثيرة الدّوران على ألسنة الشّارع وتابعية والشّكّ في ذلك كالشّكّ في البديهيات الأولية وقد ذكروا لإثبات الحقيقة الشّرعية بالوضع التّعييني يعني ثبوت الوضع في بدء الشّرع وجوها أخر لا بأس بالإشارة إليها منها ما ذكره في الفصول وحاصله أن بعض الألفاظ المتداولة كلفظ الصّلاة والزّكاة والحج قد كانت حقائق في معانيها قبل زمان الشّرع كقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه‌السلام وَأَوْصاني بالصَّلوةِ وَالزكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وأَذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ فمفهوم اللّفظ كان ثابتا في الزّمان السّابق والنّسخ إنّما تعلّق بالمصاديق فإن مفهوم الصّلاة عبارة عن العمل الصّحيح المركب من الأجزاء المعهودة في الجملة

١١١

مثلا هذا المفهوم لا يتغير بتغير كيفية العمل فإنّ الكيفيّة قد تكون صحيحة فتدخل في مصداق المفهوم وقد تكون فاسدة فتخرج عن المصداق ولا يتغير المفهوم كما لا يتغير المفهوم نسخ كيفية العمل في شرعنا كما وقع في نسخ القبلة كالنّحاس يصير ذهبا ولا يوجب تغيير مفهوم النّحاس فهذه المفاهيم قد كانت ثابتة قبل الشّرع بمقتضى الآيات وحينئذ فإمّا أن يكون هذه الألفاظ أيضا ثابتة في السّابق أو لا وعلى الأول فثبوت المدعى وهو ثبوت الوضع في بدء الشّرع ظاهر وعلى الثّاني فنقول إنّ مقتضاه كون الآيات من قبيل النّقل بالمعنى فلا بد أن يكون بلفظ دال على ذلك المعنى فيعلم أنّ لفظ الصّلاة مثلا في الشّرع مما يدل على الماهية المخصوصة وذكر للدّلالة عليها والقرينة منتفية فثبت الوضع مضافا إلى أنّ مقتضى الفصاحة في النّقل بالمعنى نقل المعنى الحقيقي بالحقيقي والمجازي بالمجازي فنقل الماهية الّتي هي معنى حقيقي للّفظ الثّابت في الشّرع السّابق بلفظ الصّلاة يدل على أنها معنى حقيقي لها في شرعنا أيضا وهو المطلوب فتأمّل مضافا إلى أنّ اللّفظ الموضوع في الشّرائع السّابقة لو كان غير لفظ الصّلاة لنقل ولا أقل من نقل اللّفظ الموضوع لها في زمان الجاهلية أو في زمان عيسى عليه‌السلام في لسان العرب ولم ينقل فيعلم أنّ لفظ الصّلاة هو الموضوع لها في السّابق أيضا وهذا وجه وجيه ومنها التّبادر وليس المراد به التّبادر في عرف زماننا هذا لأنّه إمّا يراد به إثبات الوضع في زمان الشّارع بدون ضميمة أصالة عدم النّقل فباطل إذ التّبادر عند عرف علامة الوضع عند ذلك العرف دون غيره وإمّا يتمسك بأصالة عدم النّقل وهي لا تجري فيما تحقق النّقل فيه كغير لفظ الصّلاة والزّكاة والحج لإمكان القول بثبوت المذكورات في اللّغة أيضا أعني قبل زمان الشّارع كما ذكرنا أمّا غيرها فالنقل فيه محرز والشّكّ إنّما هو في ابتدائه فهو مجرى أصالة تأخر الحادث بل المراد التّبادر في عرف الشّارع ومن تبعه ويعلم ذلك من مراجعة الأخبار وغيرها مما يعلم منه سبق الخاصة من لفظ الصّلاة مثلا إلى أذهان المتشرعة الموجودين في زمن الشّارع وما بعده فافهم احتج النّافون بالأصل يعني أصالة عدم النّقل ويعلم جوابه بعد التّأمّل فيما ذكرنا بقي الكلام في بيان ما يترتّب على هذا النّزاع من الثّمرات فنقول ذكر الشّريف ره في بيان الثّمرة أنّه قيل بالوضع التّعييني وجب حمل الألفاظ المستعملة في لسان الشّرع خالية عن القرينة على المعاني الشّرعية وإن قيل بنفي الوضع رأسا تجب وجب حملها على المعنى اللّغوي وإن قيل بالوضع التّعييني فإن كان التّاريخ معلوما في الوضع والاستعمال فلا إشكال إذ يحمل على اللّغوي عند تقدم تاريخ الاستعمال وعلى الشّرعي عند تأخره وإن جهل أحدهما وعلم الآخر حكم بتأخر

١١٢

المجهول عن المعلوم لأصالة تأخر الحادث فيحمل على اللّغوي إن علم تاريخ الاستعمال دون الوضع وعلى الشّرعي إن عكس الأمر وإن جهلا معا فمقتضى القاعدة الحكم بالتقارن عملا بأصالة عدم تقدم أحدهما على الآخر فيحمل على المعنى الشّرعي لأنه الموضوع له حين الاستعمال إلاّ أنّ الأصل هنا لا يفيد الظّن إذ ليس الاستعمال المقارن للوضع إلاّ استعمالا واحدا وسائر الاستعمالات إما مقدم أو مؤخر فالمظنون خلاف التّقارن للغلبة فيرفع حجية الأصل وإن قلنا بحجيته تعبدا لأن الظّنّ المذكور معتبر في تشخيص المرادات والأوضاع فيقدم على الأصل ويصير المقام كمقام علم فيه بعدم التّقارن مع جهل التّاريخ فيجب التّوقّف والرّجوع إلى الأصول العملية واعترض عليه بوجوه منها أنّه لا يجوز الحمل على المعنى الشّرعي بناء على الوضع التّعييني إذ اللّفظ الّذي كان في اللّغة موضوعا لمعنى لا يهجر معناه بمجرد الوضع لمعنى آخر بل يصير مشتركا بينهما وبعد تكثير الاستعمال يتحقق الهجر فقبله لا يجوز الحمل على المعنى الشّرعي بلا قرينة ومنها أن الفرق بين التّعييني والتّعيّني في ملاحظة التّاريخ لا وجه له إذ التّعيين يحتمل أن يكون بعد استعمالات عديدة ولا يلزم أن يكون في بدء الاستعمال إذ لا دليل عليه ومنها أنّ الحمل على المعنى الشّرعي عند العلم بتأخر الاستعمال أو عند العلم بتاريخ الوضع دون الاستعمال لا وجه له لأنه يكون عند الوضع التّعيّني أيضا مشتركا فلا يجوز حمله على أحد معانيه بلا قرينة ومنها أن حمله على اللّغوي عند العلم بتأخر الوضع أو عند العلم بتاريخ الاستعمال دون الوضع باطل إذ اللّفظ قبل الوضع التّعيّني وصل إلى حد المجاز المشهور وتقديم الحقيقة عليه محل كلام هذا وذكر بعضهم أنّه لا ثمرة لهذا النّزاع أصلا لوجوب الحمل على المعاني الشّرعية عند عدم القرينة مطلقا سواء قلنا بالوضع بأحد الوجهين أو لا وصاحب الفصول واستدلّ على ذلك بوجوه أحدها أن استعمال تلك الألفاظ في المعاني الشّرعيّة أغلب فإذا شككنا في مورد يحمله على الأغلب والقول بأن المشكوك فيه ليس من جنس الأغلب لأنه لا قرينة فيه قد عرفت فساده في محله من أنّه إن أريد بالقرينة أشخاص القرائن الثّابتة للأغلب فهو غير لازم وإن أريد نوع القرينة فهو موجود وهو غلبة الاستعمال فإنها تصلح قرينة في العرف الثّاني أنّه لا نزاع في ثبوت اشتهار الألفاظ في المعاني الجديدة في زمان الشّارع وإن لم نقل بوصوله إلى حد الوضع والمجاز المشهور مقدم على الحقيقة فالاستعمالات الثّابتة بعد الاشتهار يحمل على المعاني الشّرعيّة وكذا المشكوكة إذ لا يعلم أنها بعد الاشتهار أو قبله فيعمل بأصالة التّأخر الثّالث أن استعمال تلك الألفاظ في المعاني الشّرعية والمعاني اللّغوية ثابت لكن نعلم إجمالا أن هناك استعمالات

١١٣

لتلك الألفاظ في المعاني الشّرعية في غير ما عثرنا عليه من الموارد لأن شأن الشّارع كان بيانه آنا فآنا لأفراد الأشخاص والآحاد ولكن لا نعلم أنها مستعملة في الشّرع في غير ما نعلمه من موارد استعمالها في المعاني اللّغوية فإذا رأينا استعمالا وشككنا فيه لحمله على أنّه من الموارد المعلومة ثبوتها إجمالا وهو الاستعمال في المعاني الشّرعيّة لا على أنّه من الموارد المشكوكة الثّبوت لأصالة عدم زيادة الاستعمال في المعاني اللّغوية على ما نعلمه من الموارد فلو حملناه على المعنى الشّرعي دخل في الموارد المعلومة ثبوتها إجمالا وإن حمل على اللّغوي لزم زيادة الاستعمال في المعنى اللّغوي على ما كنا نعلمه والأصل عدمه فإن قلت إنّا نعلم إجمالا أن الشّارع قد استعمل ألفاظا في معانيها اللّغوية فلعل هذا منها فلو حملناه على الاستعمال في المعنى اللّغوي لا يخرج عن المعلوم بالإجمال لدخوله في الألفاظ الّتي علمنا إجمالا باستعمالها في المعاني اللّغوية قلت العلم الإجمالي إذا لم يوجب ارتفاع الظّنّ من الأصل لا يوجب طرح الأصل كالشبهة الغير المحصورة حيث لا يوجب العلم الإجمالي بنجاسة جزء من كرة الأرض ارتفاع الظّنّ بالطهارة في الأمكنة الّتي يحتاج الشّخص إليها مثلا وبهذا رد ما ذكره بعضهم من أن الحمل على المعنى الشّرعي في صورة الجهل بتاريخ الاستعمال عملا بأصالة التّأخر فاسد للعلم الإجمالي بتقدم بعض الاستعمالات وحاصل الرّد أن هذا العلم لا يوجب ارتفاع الظّن بالأصل هذا ما ذكروه في المقام أقول كلما ذكره الشّريف من الاعتراضات فمردود أمّا الأول فإن المشترك إن كان شاملا لما كان موضوعا لمعنيين في اصطلاحين نسلم كون هذه الألفاظ مشتركة لكن نمنع إجمال جميع المشتركات بل إذا استعمل فيما يتعلّق بأحد الاصطلاحين لا يراد منه إلاّ الموضوع له في ذلك الاصطلاح فالشّارع إذا استعمل تلك الألفاظ في مقام بيان الشّرع يريد منها المعنى الشّرعي كالنحوي إذا استعمل لفظ الفعل في كتابه الموضوع لبيان النّحو فالوضع الشّرعي بالنسبة إلى بيان الأحكام نسخ للوضع اللّغوي وإن صدق المشترك عليه من حيث إنّه موضوع لمعنيين في اصطلاحين وإن شك في أن الشّارع كان في مقام بيان الأحكام أو لا حكم بالأوّل إذ هو الغالب كما ذكروا أنّه إذا قال الفقاع خمر وشك في أنّه أراد بذلك بيان أفراد الخمر أو بيان أنّه في حكم الخمر حكم بالثاني فالأصل في كلمات الشّارع بيان الأحكام وهذا إجماعي وإن قلنا إن المشترك لا يطلق إلاّ على لفظ كان موضوعا لمعنيين في اصطلاح واحد فلا إشكال إذ ليس الألفاظ المذكورة مشتركة حينئذ وأمّا الثّاني قبل الدّليل على بدء الوضع وجهان أحدهما استقراء أرباب الصّنائع فإن شأنهم في مصطلحاتهم وضعهم الألفاظ

١١٤

قبل الاستعمال والثّاني أنّ الحكمة المقتضية للوضع وهو اللّطف موجود في بدء الاستعمال والشّارع ملتفت إليها فيجب تحقق الوضع حينئذ وإلاّ لزم ارتكاب خلاف اللّطف وهو باطل وأمّا الثّالث فبأنّا لا نسلم أنّ الوضع التّعيّني مسبوق بالاشتراك لم لا يجوز أن يكون وصول الثّاني إلى حد الوضع وخروج الأوّل متقارنين فلا يتحقق الاشتراك ولو سلم فنقول غلبة الاستعمال في المعنى الجديد قرينة معيّنة لأحد معنى المشترك وأمّا الرّابع فبأنّ قولهم بالحمل على المعنى اللّغوي إنّما هو بالنظر إلى الوضع من حيث هو لا فيما إذا قامت القرينة على عدمه أيضا فليس كلامهم ناظرا إلى جهة صيرورته مجازا مشهورا فإنّ كلامهم إنّما هو مع قطع النّظر عن الأمورات الخارجية وهم قد ذكروا أنّه إذا فرضنا عدم الوضع للمعنى الشّرعي فهل هو أقرب المجازات إلى المعنى اللّغوي حتى يحمل عليه عند القرينة الصّارفة أو لا وهل هو مجاز مشهور حتى يحمل عليه اللّفظ مجردا عن القرينة بناء على ترجيح المجاز المشهور أو لا فافهم ثم إن ما ذكره الشّريف رحمه‌الله من أن مقتضى القاعدة عند الجهل بالتّاريخ الحكم بالتّقارن والحمل على المعنى الشّرعي كصورة العلم بالتقارن باطل فإن الحمل على المعنى الشّرعي في صورة العلم بالتقارن أيضا لا وجه له فإن الاستعمال في المعنى لا بد له من مصحح مقدم على الاستعمال فإن كان هو الوضع فقد تقدم الوضع على الاستعمال وإن كان القرينة فقد تأخر كما ذكروا أن الماء إذا صار كرا ووقع النّجاسة فيه حال صيرورته كرا أنّه نجس إذ المعتبر في عدم التّنجس هو سبق الكريّة على وقوع النّجاسة مضافا إلى أن التّقارن غير متصوّر لأنّ الوضع التّعيّني يحصل بالاستعمال فإن كان الوضع حاصلا بغير الاستعمال الّذي فرضته مقارنا ارتفع التّقارن وتقدم الوضع وإن كان حاصلا بنفس ذلك الاستعمال فقد تقدم الاستعمال فالتقارن غير معقول وأمّا ذكره البعض من نفي الثّمرة وأن العلم الإجمالي لا يوجب رفع الظّن ففاسد أمّا قوله بعدم إيجاب العلم الإجمالي ارتفاع الظّنّ في كلامه الأخير فلأنّ معنى العلم الإجمالي هو العلم بحكم مردد بين شيئين على سبيل الانفصال الحقيقي ومعه لا يمكن إجراء أصالة العدم في شيء منهما لأن إجراءه في الجميع مخالف للعلم وفي أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح نعم لو كان الحكم في أحدهما مظنونا وفي الآخر موهوما أمكن ترجيح الموهوم لكنه ليس لمحض مقتضى الأصل بل هو لأمور خارجة والكلام إنّما هو مع قطع النّظر عن الخارج نعم هذا الكلام إنّما يصح إذا كان العلم به علما في الجملة كالعلم بثبوت القضاء المردد بين فريضتين وثلاثة فرائض فإنه ينحل إلى العلم التّفصيلي بوجوب الفريضتين والشّكّ التّفصيلي في الثّالثة فيجري فيها الأصل ومن ذلك ما قاله في الدّليل الثّالث إفاضة

١١٥

على نفي الثّمرة حيث قال العلم الإجمالي باستعمال ألفاظ في المعنى اللّغوي لا يوجب رفع الظّنّ من أصالة عدم زيادة الاستعمال فإنّه أيضا على في جملة لأنّه ينحل إلى العلم التّفصيلي باستعمال غير الألفاظ المتنازع فيها والشّكّ التّفصيلي فيها وأمّا أدلته الثّلاثة فلأنّ الأوّل منهما يرجع إلى الثّاني وذلك لأنّ محض غلبة استعمال اللّفظ في المعنى الشّرعي بلا قرينة إنّما يصح إذا أمكن جعل الغلبة قرينة عليه والغلبة المتأخّرة لا يمكن فيها ذلك فالشّكّ في التّأخر والتّقدم شك في إمكان كون الغلبة قرينة وعدمه وضع الشّكّ في ذلك لا يمكن حمل اللّفظ على المعنى الشّرعي إلاّ إذا أثبت تأخّر الاستعمال بأصالة التّأخّر فيكون الغلبة قرينة فرجع إلى الدّليل الثّاني وهو أيضا لا ينفي الثّمرة فإن كلام القوم ناظر إلى نفس الوضع مع قطع النّظر عن الخارج فلا يرد عليهم شيء كما أشرنا إليه فإنهم أيضا ذكروا هذه المسألة وأنّه على فرض عدم الوضع فهل تحقق المجاز المشهور أو لا ومع التّحقق هل يحمل عليه أو على الحقيقة أو فيه تفصيل وغير ذلك مما هو مذكور في كتبهم وأشرنا إلى جملة منها فيما سبق وأمّا الثّالث فلأنا لا نسلم أن العلم الإجمالي حاصل بالاستعمال في المعنى الشّرعي بل العلم الإجمالي حاصل بثبوت استعمالات أخر غير ما بأيدينا أمّا في المعنى الشّرعي أو في اللّغوي فلو حمل على اللّغوي أيضا لا يلزم زيادة الحادث فتأمل

تتميم

إذا قطع النّظر عن الوضع للمعنى الشّرعي وقيل بعدم ثبوته فيقع الكلام حينئذ في وجهين أحدهما أن المعنى الشّرعي هل بلغ في الاشتهار إلى حد يقدم على المعنى اللّغوي عند التّجرد عن القرينة بأن يكون الشّهرة فيه قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي أو لا والثّاني أنّه على فرض عدم وصوله إلى هذا الحد هل وصل إلى حد يحمل عليه اللّفظ عند قيام قرينة صارفة عن المعنى اللّغوي بأن يكون أقرب المجازات أو لا والتّرجيح في المقامين تابع لحدس المجتهد ولا يبعد ترجيح جانب الثّبوت فيهما نظر إلى الاستقراء فإن الألفاظ المتداولة في اصطلاح المعنى المصطلح فيها يبلغ في الاشتهار في أدنى زمان إلى حد يقدم على الموضوع له ومع التّنزل نقول يحمل عليه إذا قام القرينة الصّارفة عن الموضوع له ويمكن التّمسك بملاحظة أن المعنى لا شبهة في أنّه قد نقل إليه بعد زمان الشّارع وأمّا تعيين كونه في بدء الشّرع أو وسطه أواخره فمتوقّف على النّقل والحدس ومع الشّكّ يعمل بمقتضاه ويمكن التّمسك للثّبوت في الوجه الثّاني بأنّا بعد التّتبّع في مستعملات الشّارع علمنا أنّه لا يستعمل تلك الألفاظ إلاّ في المعنى اللّغوي أو الشّرعي ولا ثالث لهما فإذا قامت القرينة الصّارفة عن اللّغوي حمل على الشّرعي إذ لا ثالث في البين وبالجملة لا يكون اللّفظ مجملا على ما توهمه بعض الأفاضل ثم إنّه إذا تحقق الوضع للمعنى

١١٦

الشّرعي وقام القرينة الصّارفة عنه فهل يحمل على المعنى اللّغوي أو لا والأوجه نعم لما بينا أنّه لا ثالث لهما في استعمالات الشّارع فهو أقرب المجازات وقد يتمسك لذلك بوجهين آخرين أحدهما أن اللّفظ لم يهجر وضعه اللّغوي وإنّما حدث الوضع الجديد ليستعمل فيه اللّفظ المجرد عن القرينة في الاصطلاح الخاص وبعد قيام القرينة الصّارفة عن المعنى الجديد يحمل على اللّغوي لأصالة الحقيقة وفيه أوّلا أنّه لا يتم بناء على الوضع التّعيّني لتحقق الهجر بالنسبة إلى المعنى اللّغوي وثانيا أن ثمرة الوضع للمعنى الجديد ليست محض الحمل عليه عند التّجرد عن القرائن بل ثمرته هو الثّمرة في سائر الأوضاع وهو أن يحمل عليه اللّفظ عند التّجرد ويحمل على مناسبه عند قيام القرينة وبعد اعتبار المناسبة يكون مجازا لا حقيقة والثّاني أنّ اللّفظ قبل الوضع للمعنى الجديد كان ظاهرا في المعنى اللّغوي وبعد الوضع الجديد إذا قامت القرينة الصّارفة عنه نشك في ارتفاع ذلك الظّهور فيستصحب وفيه أنّ ذلك الظّهور كان مستندا إلى الوضع وبعد نسخ ذلك الوضع في الاصطلاح الخاص لا معنى لاستصحاب الظّهور المستند إلى الوضع وهو ظاهر

أصل اختلفوا في أن ألفاظ العبادات مستعملة في الصّحيح أو الأعم

وقبل الخوض في المطلب لا بد من تمهيد مقدمة وهي أنهم ذكروا أنّ هذا النّزاع مختص بالقائلين بالمعاني المستحدثة فلا يدخل القاضي في هذا النّزاع ولكن بعد القول بالمعاني المستحدثة لا يختص النّزاع بالقائلين بالحقيقة الشّرعية وهذا بحسب الظّاهر غير تمام وبيان ذلك أن الصّحة عبارة عن كون العمل جامعا للأجزاء والشّرائط بحيث يترتّب عليه الدّاعي إلى الأمر ويلزمها بهذا المعنى امتثال الأمر وليس معنى الصّحة امتثال الأمر فإنّ المأمور به هو الصّحيح فلو كان امتثال الأمر مأخوذا في معنى الصّحة لكان المأمور به الصّلاة الّتي يحصل بها امتثال الأمر فيجب تحقق أمر آخر غير هذا الأمر المتعلّق بالصحيح وإلاّ لزم الدّور وحينئذ فتفسير بعضهم للصّحة بما يوافق الأمر تفسير باللازم ثم إنّ المعنى الّذي يتعلّق به الأمر إمّا بسيط أو مركب انضمامي له أجزاء في الخارج أو مركب تقييدي له شروط والأوّل لا يتصف بالصحة والفساد إذ لا جزء له ولا شرط فصحته وجوده وعدم صحته عدمه من رأس بخلاف الآخرين والألفاظ المستعملة في الشّريعة على أقسام قسم استعمل فيما لا يغاير المعنى اللّغوي بالتّباين وقسم فيما يغايره بالكلية والجزئية وقسم فيما يغايره بالإطلاق والتّقييد ومن القسم الثّاني الصّلاة ونحوها على القول بأنها مستعملة في المعاني المستحدثة المركبة من الأجزاء والشّرائط ومن الثّالث ألفاظ المعاملات فإن الملحوظ فيها هو المعنى اللّغوي والزّائد شروط ولواحق وألفاظ العبادات عند القاضي من هذا القبيل وقد عرفت أن هذا المعنى يصح اتصافه بالصّحة والفساد فيجري هذا النّزاع على مذهب

١١٧

القاضي أيضا كما أجروها في المعاملات ولا فرق بين الألفاظ العبادات على مذهب القاضي وبين ألفاظ المعاملات عندهم في أن المعنى الشّرعي مغاير مع اللّغوي بالإطلاق والتّقييد فالقاضي أعمي لقوله بالبقاء على المعنى اللّغوي الّذي هو أعم من الصّحيح والفاسد فالأولى تعميم العنوان بحيث يشمل القاضي أيضا ويمكن الجواب بأن هذا النّزاع في المعاني المتغايرة مع المعنى اللّغوي بالتباين أو الكلية والجزئية يمكن من كل واحد من القائل بثبوت الحقيقة الشّرعية وعدمه بخلاف المعاني المتغايرة معه بالإطلاق والتّقييد فإن القائل بالصحة فيها يلزمه القول بالوضع وبالعكس والقائل بالأعم يلزمه القول بنفي الوضع وبالعكس فالقول بالصحة متلازم مع القول بالحقيقة الشّرعية والقول بالأعم متلازم مع نفيها فالنّزاع في ثبوت الحقيقة الشّرعيّة فيها وعدمه نعني عن النّزاع هنا وأمّا ذكر النّزاع في المعاملات فإنّما هو من باب المناسبة والمساهلة أمّا التّلازم المدعى في المقامين فبيانه أن بعد القول بالبقاء على المعنى اللّغوي لا معنى للقول بالصحة إذ هو أعم من الصّحيح والفاسد ولو كان إرادة المقيد من المطلق حقيقة أو مجازا موجبا للإجمال كما هو مقتضى قول الصّحيحين كما سيأتي إن شاء الله لزم خروج جميع الخطابات عن الحجية وصارت مجملة لا يمكن التّمسك لا يمكن التّمسك بإطلاقها حتى في لفظ الماء مثلا ومن قال بالوضع قال بالوضع للصّحيح إذ لا معنى لاعتبار اشتراط بعض الشّرائط في المسمى دون بعض فثبتت الملازمة في المقامين ومع الغض عن ذلك نقول على القول بالوضع والنّقل يدخل في القسم الثّاني وهو المركب الانضمامي الّذي يمكن فيه القول بالصحة والفساد ولكن لا يمكن للقاضي ذلك لأنّه قائل بالتركيب التّقييدي فلا يمكن له القول بالصحة والحاصل أنه على القول بعدم النّقل كما هو قول القاضي لا يمكن إلاّ القول بالأعم لكونه من القسم الثّالث وهو المركب التّقييدي لما عرفت أن القول بالصحة بناء عليه فاسد لا قائل به وعلى القول بالنّقل يدخل في القسم الثّاني وهو المركب الانضمامي الّذي يجري فيه النّزاع بكلا القولين وكيف كان فالقاضي خارج عن النّزاع في هذه المسألة فإنّ محل النّزاع لا بد أن يكون معنى قابلا لكلا القولين وهو لا بد أن يكون مغايرا للمعنى اللّغوي بغير الإطلاق والتّقييد ولو كان مغايرا له بالإطلاق والتّقييد فلا يجري النّزاع فيه إلاّ على القول بالحقيقة الشّرعية والقاضي لا يقول بها ثم إنّ إدخال النّافين للحقيقة الشّرعيّة في هذا النّزاع بحسب الظّاهر فاسد لوجوه منها أنّ النّزاع إمّا يكون في الوضع أو في الاستعمال والأوّل لا يتصوّر من النّافين والثّاني ليس محل النّزاع إذ الاستعمال في كلا المعنيين واقع في الشّرع وليس قابلا للإنكار ومنها أنّهم ذكروا أن الاستعمال

١١٨

في الأعمّ من باب سبك المجاز عن المجاز إذ المعنى الصّحيح عندهم أيضا مجاز ومنها منافاة عنواناتهم لذلك وهو أن الألفاظ الّتي لها معان جديدة هل هي أسام للصّحيحة أو للأعمّ فإنّ الاسم لغة وعرفا يطلق على اللّفظ الموضوع للمعنى لا للمجاز مضافا إلى استدلالهم في المبحث بعلائم الوضع كالتّبادر وعدم صحّة السّلب ونحو ذلك مما يدلّ على أن النّزاع إنّما هو في الوضع فلا يشمل النّافين ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ النّزاع إنّما هو على قول النّافين إنّما هو في أقرب المجازات في زمان الشّارع ليحمل عليه اللّفظ عند قيام القرينة الصّارفة على المعنى اللّغوي والميزان لذلك هو الحقيقة المتشرعة فكل معنى نقل إليه اللّفظ في عرف المتشرعة إلى زمان الصّادقين عليه‌السلام فهو أقرب المجازات وأشهرها في زمان الشّارع لكشف النّقل عن كثرة الاستعمال السّابق فالصحيحيّة يقولون إنّ الصّحيح هو الموضوع له في عرف المتشرعة فهو أقرب المجازات في زمان الشّارع والأعميّة يقولون هو الأعم وعن الثّالث بأن العنوان المذكور إنّما ابتدأ به القدماء المثبتون للوضع وتبعهم النّافون فلم يغيروا جريا على مذاهبهم وكذا الأدلة المذكورة أو نقول أن المقصود من العنوان والأدلة هو تعيين الموضوع له في عرف المتشرعة ليتفرع عليه تعيين الموضوع له في كلام الشّارع على مذهب المثبتين وتعيين أقرب المجازات على مذهب النّافين وكذا الأدلّة المذكورة ناظرة إلى عرف المتشرعة الّذي هو الميزان لعرف الشّارع وعن الثّاني بالتسليم وضع فساد سبك المجاز عن المجاز لشيوعه فإنّ استعمال أسد في زيد مثلا من هذا القبيل حيث شبه الرّجل الشّجاع بالحيوان المفترس فاستعمل فيه لفظه فهذا مجاز ثم أريد من ذلك المجاز الّذي هو كلي فرده وهو زيد وهذا أيضا مجاز لاستعمال الكلي في الفرد بعلاقة العموم والخصوص وكذا في نظائره وكذا إذا جعل المراد بالعلم في تعريف الفقه ملكة الظّن فإنه مجاز عن إرادة الظّن مجازا من العلم بمعناه الحقيقي بمعناه الحقيقي وهو الجزم إذ لا يمكن إرادة ملكة الظّن من العلم بمعنى الجزم إذ ليس بينهما علاقة بخلاف ملكة الظّن مع الظّن فإنه مناسب معها بالسّببية والمسبّبيّة وكذا الظّن بالنّسبة إلى الجزم لتشابههما في كشف الواقع كذا قيل وفيه نظر لأن إرادة زيد من الأسد ليس من قبيل استعمال الكلي في الفرد بل هو من باب إطلاق الكلي على الفرد بإرادة الخصوصية من الخارج فليس مجازا ولا نسلم أن ملكة الظّن ليست مجازا عن المعنى الحقيقي وهو الجزم لوجود المناسبة بينهما في كون كل منهما سببا لظهور الواقع فالأولى في الجواب أن يقال إنّا لا نسلم لزوم سبك المجاز عن المجاز عند إرادة الفاسد بمشاكلته للصّحيح وذلك لأنّه من قبيل تنزيل المعدوم منزلة الموجود ادعاء فإنه شائع في العرف ولا يلزم منه مجاز في الكلمة كما يطلق الحقة في العرف على مقدار نقص عن الحقة بمثقال فيطلقون

١١٩

الصّلاة على الفاسد بادعاء كونه صحيحا لمشاكلته له في الصّورة والحاصل أن اللّفظ قد أطلق على الصّحيح الّذي هو الموضوع له لكن بتنزيل الفاسد منزلة الصّحيح بالمشاكلة وهذا غير قول السّكاكي في الاستعارة حيث يقول إنّ التّصرف إنّما هو في أمر عقلي فإنّ مراده أنّ أسد يراد منه الرّجل الشّجاع لكن تنزيله منزلة الحيوان المفترس وهذا يرد عليه أن التّنزيل المذكور لا يخرج الرّجل الشّجاع عن كونه غير ما وضع له فاللّفظ مجاز فيه ونحن نقول إنّ اللّفظ يراد به المعنى الموضوع له حقيقة كإطلاق الحقة فيما ذكر لكنه بادعاء كونه تماما وبالجملة الفرق بين الكلامين يظهر بالتأمّل وإن أبيت عن ذلك فقل في الجواب إن القول بأن إرادة الأعم إنّما هي للمشاكلة في الصّورة إنّما هو من بعض الصّحيحيّة لا من جميعهم ولعله كان قائلا بالوضع وهو لا يوجب اختصاص النّزاع بالقائلين بالوضع وهذا ظاهر ثم إنّك بعد ما عرفت من أنّ النّزاع المذكور إنّما يجري على القول بالمعاني المستحدثة أو النّقل تعلم أن إجراءه في المعاملات وعدمه مبني على القول بكونها ماهيات مجعولة أو منقولة وعدمه فمن أدخلها في النّزاع قال بكونها ماهيات مستحدثة أو بالنقل ومن أخرجها جعلها مبقاة على المعاني اللّغوية ولا يخفى أن أكثر المعاملات باقية على معانيها اللّغوية ولم يتحقق فيها نقل كالبيع ونحوه وإنّما زيد لصحتها شروط في الشّريعة لكن بعضها قد حدث له معنى جديد في الشّرع كالطلاق فإنه ليس الملحوظ في إطلاقه معناه اللّغوي أصلا فهو داخل في محل النّزاع وهذا عكس العبادات فإنّ أكثرها معاني مستحدثة في الشّرع وبعضها باق على معناه اللّغوي كالسّجود والرّكوع ونحوهما وبالجملة فدعوى الكلية في كل من المقامين لا وجه له بل لا بد من التّفصيل والرّجوع في كل لفظ إلى ما يقتضيه الدّليل ولا بأس بالإشارة إلى بعض كلماتهم في المقام ليتّضح المرام فنقول قال الشّهيد في القواعد الماهيات الجعلية كالصّلاة والصّوم وسائر العقود لا تطلق على الفاسد إلاّ الحج لوجوب المضي فيه وظاهر هذا الكلام تحقق الماهيات الجعلية في المعاملات أيضا بناء على أن يعطف سائر العقود على الصّلاة والصّوم قال بعض المحققين إن مراده أنها لا تطلق على الفاسد بعد الأوامر الشّرعية إلاّ الحج حيث أمر بإتمام فاسده أيضا وليس مراده الإطلاق مطلقا إذ لا مجال لإنكاره واعترض عليه في الفصول وذكر أن مراد الشّهيد من عدم الإطلاق على الفاسد الإطلاق بطريقة الحقيقة إذ الاستعمال المطلق في الفاسد لا مجال لإنكاره وليس مراده الإطلاق بعد الأوامر وإلاّ لورد عليه أن الفاسد الّذي هو المأمور به في الحج إن أريد به الفاسد خصوص الفرضي بمعنى أنّه فاسد إن لم يتعلّق الأمر بإتمامه إذ مع ملاحظة الأمر يكون صحيحا لكونه موافقا

١٢٠