مصابيح الظلام - ج ٤

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٤

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-4-3
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٣٣

ويظهر من ابن إدريس أيضا ادّعاؤه الإجماع على ذلك (١). وهو المعتمد.

لنا عليه وجوه من الأدلّة :

الأوّل : الإجماع المنقول ، بل لعلّه الواقع أيضا ، لعموم البلوى (٢) أي عدم ندرة وقوعه ، بل كثرة وقوعه بين الناس ، ولما يظهر من ملاحظة الأخبار من كثرة وقوعه في ذلك الزمان ، إلى أن عدّ المعصوم عليه‌السلام الدبر من النساء من الموضع المأتي للرجال ، بل قال عليه‌السلام : «هو أحد المأتيّين» (٣) الظاهر في مساواتهما في محلية إتيان الرجال ، وجعل ذلك علّة للغسل. إلى غير ذلك ممّا ورد في الأخبار ، وظهر من التأمّل فيها.

فمثل هذا ربّما اشتدّ الحاجة إلى معرفة حاله ، وربّما لا يتيسّر للنساء الغسل ، فلو كان جائزا لشاع وذاع واشتهر الفرق.

مع أنّ الأمر صار بالعكس عملا في الأعصار والأمصار وفتوى ، حتّى أنّ الشيخ الذي نقل عنه الخلاف في «النهاية» و «الاستبصار» (٤) رجع عنه في باقي كتبه كـ «المبسوط» ، فإنّه قال في كتاب النكاح : الوطء في الدبر يتعلّق به أحكام الوطء في الفرج ، من ذلك إفساد الصوم ، ووجوب الكفّارة ، ووجوب الغسل (٥).

بل ربّما يظهر من كتاب الصوم منه موافقته مع السيّد في دعوى الإجماع ،

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٠٧ و ١٠٨.

(٢) في (د ٢) : وشدّة الحاجة ، وكمال الرغبة بالنسبة إلى الثبات ، بدل قوله : أي عدم. إلى قوله : معرفة حاله.

(٣) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤١٤ الحديث ١٦٥٨ ، ٤٦١ الحديث ١٨٤٧ ، الاستبصار : ٣ / ٢٤٣ الحديث ٨٦٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢١.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٤ ، لاحظ! النهاية للشيخ الطوسي : ١٩ ، الاستبصار : ١ / ١١٢ ذيل الحديث ٣٧٣.

(٥) المبسوط : ٤ / ٢٤٣.

٦١

واعتماده عليه بعنوان الظهور حيث قال : والجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل ، سواء كان قبلا أو دبرا ، فرج امرأة أو فرج غلام ، أو ميتة أو بهيمة ، وعلى كلّ حال على الظاهر من المذهب (١).

وأمّا سلّار وإن نقل عن ظاهره الخلاف (٢) ، إلّا أنّه غير معلوم ، مع أنّه معلوم النسب خروجه غير مضرّ ، كما حقّق في الاصول.

وما قيل من أنّ الصدوق روى في بعض كتبه ما يدلّ على العدم (٣) لا يلزم منه فتواه بمضمونه ، كما لا يخفى.

الثاني : مرسلة حفص بن سوقة عمّن أخبره قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها؟ قال : «هو أحد المأتيّين فيه الغسل» (٤) ، وهي وإن كانت مرسلة إلّا أنّها منجبرة بالشهرة والإجماع المنقول.

مع أنّه صحيح إلى ابن أبي عمير ، وهو ممّن أجمعت العصابة وممّن لا يروي إلّا عن الثقة (٥) ، ومراسيله كالمسانيد (٦) باتّفاق أهل الرجال ، ومؤيّدة بالآية ، قال الله تبارك وتعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (٧).

وبصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته متى يجب الغسل

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٢٧٠.

(٢) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٤ ، لاحظ! المراسم : ٤١.

(٣) قاله السبزواري في ذخيرة المعاد : ٤٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٧ / ٤١٤ الحديث ١٦٥٨ ، ٤٦١ الحديث ١٨٤٧ ، الاستبصار : ٣ / ٢٤٣ الحديث ٨٦٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢١.

(٥) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٦) في (ف) و (ز ١) و (ط) : في حكم المسانيد.

(٧) النساء (٤) : ٤٣.

٦٢

على الرجل والمرأة؟ فقال : «إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (١) لصدق اللمس والإدخال على الجماع في الدبر.

وإنّما جعلناهما مؤيّدين لا دليلين ، كما فعله العلّامة رحمه‌الله في «المختلف» (٢) ، لعدم عموم فيهما يشمل المقام ، بل اللمس والإدخال مطلقان ، والإطلاق ينصرف إلى الفرد المتبادر منه ، وهو في المقام الجماع في القبل ، كما لا يخفى.

لكن الأصحاب فهموا العموم بالنسبة إلى المهر والرجم ، كما هو الظاهر ، وفهمهم معتبر ، فتدبّر.

الثالث : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام في قضيّة اختلاف الصحابة في الجماع في القبل من غير إنزال ، وإنكار علي عليه‌السلام على الأنصار حيث لم يوجبوا الغسل فيه ، بقوله : «أتوجبون عليه الرجم والحدّ ولا توجبون عليه صاعا من ماء» (٣).

وجه الاستدلال : أنّه عليه‌السلام أنكر عليهم إيجاب الحدّ دون الغسل ، وهو يدلّ على متابعته له في الوجوب ، والحدّ يجب هنا ، فيجب الغسل أيضا.

احتجّ المخالف بوجوه :

الأوّل : أصالة براءة الذمّة.

الثاني : قوله عليه‌السلام : «إذا التقى الختانان وجب الغسل» (٤) ، إذ هو بمفهومه يدلّ على عدم إيجاب الغسل عند عدم الالتقاء ، وهو ثابت في صورة النزاع.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٨ الحديث ٣١٠ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٨ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٢ الحديث ١٨٧٥.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٩ الحديث ٣١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٨ الحديث ٣١١ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٣ الحديث ١٨٧٦.

٦٣

الثالث : صحيحة الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصيب المرأة فيما دون الفرج ، أعليها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هي؟ قال : «ليس عليها غسل ، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل» (١).

الرابع : رواية أحمد بن محمّد ، عن البرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها» (٢).

والجواب : أمّا عن الأوّل ، فبعدم مقاومتها الدليل ، وقد قدّمناه.

وأمّا عن الثاني ، فبأنّ المراد من التقاء الختانين ، يمكن أن يكون هو غيبوبة الحشفة مطلقا ولو في الدبر ، على ما فسّره بعض الأخبار كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» ، فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : «نعم» (٣).

وهي مع صحّتها ودلالتها على ذلك تدلّ على المذهب المشهور ، فتأمّل!

وفي معناها رواية اخرى كالصريحة في الدلالة على المطلبين (٤).

مع أنّ المتبادر اشتراط التقاء الختانين لوجوب الغسل وغيره في الجماع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٧ الحديث ١٨٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٤ الحديث ٣٣٥ ، الاستبصار : ١ / ١١١ الحديث ٣٧٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩٩ الحديث ١٩٢٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٥ الحديث ٣٣٦ ، الاستبصار : ١ / ١١٢ الحديث ٣٧١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢٢.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٨ الحديث ٣١١ ، الاستبصار : ١ / ١٠٨ الحديث ٣٥٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٣ الحديث ١٨٧٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٦ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٨ الحديث ٣١٢ ، الاستبصار : ١ / ١٠٩ الحديث ٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٣ الحديث ١٨٧٧.

٦٤

المتعارف الشائع المتبادر من المطلق لا مطلق الجماع وما يوجب الغسل. مع أنّ الشرط إذا ورد مورد الغالب ، فلا عبرة بمفهومه (١).

وما ذكرنا ظاهر على المتأمّل المنصف ، بل لا يخطر بالخاطر بمجرّد سماع أمثال هذه الأخبار سوى ما ذكر ، ولذا لم يفهم الأصحاب سوى ما ذكر ، وهم أئمّة الفن وأرباب الأذهان السليمة والأفهام المستقيمة ، أصحاب القوى القدسيّة.

وأمّا عن الثالث ، فبأنّ الفرج أعم من الدبر لغة وعرفا وشرعا ، بحيث لم يكن بينهما تفاوت ، كما يظهر من تتبّع الاستعمالات (٢) والأخبار (٣).

وأمّا عن الرابع ، فبأنّ الإتيان في الدبر أعم من غيبوبة الحشفة وعدمها ، ولا دلالة للعام على الخاص ، فيحمل على عدم الغيبوبة ، لصحّة تناول اللفظ له ، جمعا بين الأدلّة ، كذا أجاب عنه العلّامة رحمه‌الله في «المختلف» (٤) ، ومراده رحمه‌الله أنّه وإن كان ظاهرا في غيبوبة الحشفة ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الكامل ، أو أنّه وإن كان شاملا لغيبوبة الحشفة أيضا من جهة ترك الاستفصال في مقام السؤال ، إلّا أنّه يمكن حمله على عدم الغيبوبة من جهة قابليّة اللفظ له ، وإن كان خلاف الظاهر من الجهة التي ذكرناها ، إلّا أنّ هذا الحمل لأجل الجمع بين الأدلّة ، كما هو المتعارف.

والحقّ في الجواب عنها بأنّها مع ضعفها وشذوذها لا تقاوم الأدلّة المتقدّمة ، لاعتضادها بالشهرة العظيمة والإجماع المنقول ، بل الواقع على ما عرفت ، وتأيّدها بالآية والرواية وموافقتها لمقتضى الاحتياط ، بخلاف هذه فيجب طرحها ، أو حملها على التقيّة ، لنقل السيّد مقتضاها عن بعض العامّة (٥).

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) : لا يكون مفهومه حجّة بدلا من : فلا عبرة بمفهومه.

(٢) لاحظ! لسان العرب : ٢ / ٣٤٢.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٢٠٠ الحديث ١٩٢١.

(٤) مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٧.

(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٨.

٦٥

قوله : (وكذا الخلاف في دبر الغلام).

أقول : المختار فيه المختار سابقا ، للإجماع المركّب الذي نقله جماعة من أصحابنا ، منهم المرتضى رحمه‌الله حيث قال : إنّ كلّ من أوجب الغسل بالغيبوبة في دبر المرأة أوجبه في دبر الذكر (١).

وأيضا نقل العلّامة في «المختلف» (٢) ، وصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في قضيّة اختلاف الصحابة (٣) شاهدة بذلك.

وما قال في «الشرائع» من أنّه لم يثبت الإجماع المنقول (٤) ، فيه ما فيه ، لأنّ مراده إن كان عدم ثبوت نقله من واحد ففساده واضح ، بل هو صرّح بنقل المرتضى إيّاه ، ثمّ قال : لم يثبت.

وإن أراد أنّه وإن كان إجماعا منقولا بخبر الواحد ، إلّا أنّه لم يعلم كونه حقّا ، ففساده أيضا واضح ، لأنّ خبر الواحد حجّة بالأدلّة التي هي مسلّمة عنده ، وبناء فقهه على حجيّته.

وإن أراد عدم شمول تلك الأدلّة للإجماع المنقول ، ففساده أيضا واضح ، بل بناؤه رحمه‌الله على الشمول والحجّية في غير هذا الموضع ، كما لا يخفى ، فتأمّل جدّا!

فظهر فساد ما قيل من أنّ وجهه ليس ذلك ، بل استبعاد تحقّق الإجماع في مثل ذلك ، لما صرّحوا به من أنّ الإجماع إنّما يكون حجّة مع العلم القطعي بدخول قول المعصوم عليه‌السلام في أقول العلماء ، وأنّه لو خلا المائة من أصحابنا لم يعتد

__________________

(١) نقل عنه المحقّق في المعتبر : ١ / ١٨١.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٩ الحديث ٣١٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ٢٦.

٦٦

بأقوالهم (١). وهذا ممّا لا سبيل إليه في زماننا وما شابهه.

هذا ، مضافا إلى أنّه وغيره من محقّقي المتأخّرين يدّعون الإجماع في كثير من المسائل على وجه الاعتداد والاعتماد ، فإذا كان في زمانهم يحصل العلم ، ففي زمان الناقلين بطريق أولى ، كما لا يخفى.

هذا ، مع أنّ ما ذكره شبهة في مقابل البديهة ، كما حقّق ، كيف لا؟ وضروريّات الدين والمذهب لا يحصل العلم بهما من حيث الفطرة ، كما هو ظاهر ، بل بالحدس الحاصل من ملاحظة المسلمين والمؤمنين بلا شبهة ، مع أنّ الوجه وارد فيهما أيضا.

وبالجملة ، إذا كان المنشأ لحصول العلم الحدس ، فكما أنّه يحصل في الضروريات من دون شبهة فكذا يحصل في النظريات ، بل بطريق أولى.

سلّمنا ، ولكن يجوز نقله عن الغير إلى أن يتّصل بزمان يمكن فيه ذلك.

وما اجيب عنه بأنّ ذلك يخرج الخبر من الإسناد إلى الإرسال ، وهو ممّا يمنع العمل به ، كما حقّق في محلّه (٢) ، فيه ما فيه ، إذ الوسائط في نقل الإجماع إنّما هم الفقهاء الفحول والأجلّة ، إذ ليس ذلك شأن غيرهم بلا شبهة ، فالخبر في حكم المسند الصحيح.

هذا ، وما ذكرناه بعد التسليم من جواز النقل عن الغير. إلى آخره في المقام ، إنّما هو مماشاة مع الخصم ، وإلّا فلا ريب أنّ الناقلين للإجماع في المقام عباراتهم صريحة في دعواهم الاطّلاع بأنفسهم على الإجماع ، من دون كون ذلك بوساطة أحد من الوسائط ، كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم ، ولو كان اطّلاعهم بمعونة الواسطة لما كان لهم الإتيان بأمثال هذه العبارات ، بل عليهم نسبة النقل إلى

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٧٥.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٧٥.

٦٧

الواسطة كيلا يتحقّق التدليس والتلبيس ، كما حقّق في الاصول ، فعباراتهم مع عدالتهم تنادي بما ذكرناه ، واستبعاد حصول العلم لهم في مثل زمانهم مدفوع بما قدّمناه.

ومن أراد المزيد على ذلك ، فعليه بملاحظة حاشيتنا على «المدارك» (١).

هذا ، والاحتياط بفعل الوضوء في أمثال المقام لا ينبغي أن يترك.

فروع :

الأوّل : يجب الغسل على المجامع في فرج البهيمة أو الحيوان مع الإنزال بلا خلاف ، ومع عدمه خلاف ، الأكثر على العدم ، للأصل وعدم الدليل.

وقيل بالوجوب ، وهو الشيخ في «المبسوط» على ما نقل عنه (٢) ، والعلّامة في «المختلف» و «القواعد» (٣).

ونقل عن السيّد رحمه‌الله دعوى الوفاق من الأصحاب على ذلك ، كاتّفاقهم في دبر المرأة (٤) ، وهو المعتمد ، للإجماع المنقول ، وصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في قضيّة الأنصار واختلاف الصحابة (٥) وبهما يظهر الجواب عن دليل المانع.

هذا ، مع موافقة الوجوب للاحتياط بأن يغتسل ولا يكتفي بهذا الغسل لمثل الصلاة ، كما قلنا.

الثاني : لا فرق في الجماع قبلا أو دبرا بين كونهما نائمين أو مستيقظين ، أو كون

__________________

(١) الحاشية على مدارك الأحكام للوحيد رحمه‌الله : ١ / ٣٢٥ و ٣٢٦.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٣ / ٣٨٩ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٧٠.

(٣) مختلف الشيعة : ٣ / ٣٨٩ ، قواعد الأحكام : ١ / ٦٤.

(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٠.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩.

٦٨

أحدهما نائما والآخر مستيقظا ، ومثل النوم الإغماء والسكر والغفلة ، فإذا علموا بالجماع وجب عليهم الغسل بعد العلم والثبوت شرعا ، وأمّا مجرّد الظن فالاحتياط لا يترك فيه.

الثالث : الكافر يجب عليه الغسل لكونه محدثا ، ولا يسقط بالإسلام لذلك ولو اغتسل مسلم ثمّ ارتدّ ، لا يبطل غسله لرفع حدثه.

الرابع : وطء غير البالغ يوجب الغسل ، كما ظهر من الإجماع الذي ادّعاه المرتضى (١) وغيره (٢) ، فإنّ الذكر الموطوء أعم من البالغ ، بل أظهر في غير البالغ ، فإذا كان وطء غير البالغ من الغلام يوجب الغسل ، فوطئ غير البالغة بطريق أولى.

وأمّا وطء غير البالغ البالغة ، فظاهر الأصحاب أنّه موجب للغسل على البالغة وأمّا وطؤه البالغ فلعلّه مثل وطء البالغة بملاحظة الإجماع الذي ادّعاه المرتضى وغيره ، والاحتياط في أمثاله لا يترك.

وأمّا وجوب الغسل على غير البالغ كالنائم والمغمى عليه وأمثالهما فمحتمل بمعنى أنّه إذا بلغ يكون محدثا بالحدث الأكبر لا يصلّي مثلا حتّى يغتسل.

وقيل بالمنع من قراءة العزائم وأمثالها (٣).

والظاهر أنّه يرتفع بغسله في حال التميّز ، لكون عباداته شرعيّة على الأصحّ ، فالظاهر أنّه يكفي هذا الغسل لرفع حدثه ، ولا يحتاج إلى غسل لرفعه بعد البلوغ.

الخامس : الجماع بالذكر الملفوف كغيره ـ بظاهر الفقهاء ـ وإن غلظت اللفافة ، لعموم الأدلّة ، مثل قولهم عليهم‌السلام : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة (٤) ، وأمثال ذلك.

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٨.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٢٩ ، السرائر : ١ / ١٠٧ و ١٠٨.

(٣) قاله العلّامة في تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٢٨ و ٢٢٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٣ الحديث ١٨٧٦.

٦٩

وكذا الحال لو كان الذكر مكشوفا ، لكن في الفرج خرقة ، والاحتياط أولى.

السادس : وطء الميّت أيضا يوجب الغسل بحسب الظاهر من الفقهاء (١) ، بل مرّ ما يظهر من كلام الشيخ ادّعاء الإجماع عليه (٢) ، وعلى وطء ميتة البهيمة.

بل وربّما يظهر من بعض الأخبار ـ على ما هو ببالي ـ أنّ الميّت قالت للنبّاش الذي جامعها : تركتني جنبا (٣).

وربّما يظهر من فحوى كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام للأنصار (٤) ، والاحتياط لا يترك في أمثاله وليس على الميّت غسل ، لعدم التكليف.

قوله : (والاستحاضة المثقبة). إلى آخره.

قد تقدّم الكلام في ذلك مستوفى في بحث الاستحاضة (٥) ، وأنّ الحقّ ما هو المشهور : من أنّ المتوسطة توجب غسلا واحدا ، والكثيرة توجب ثلاثة أغسال ، خلافا للقديمين (٦) ومن وافقهما (٧) ، فلاحظ!

قوله : (وفي الصحيح). إلى آخره.

هو صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٢٦ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٣٠ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٥٧.

(٢) راجع! الصفحة : ٦١ و ٦٢ من هذا الكتاب.

(٣) أمالي الصدوق : ٤٥ الحديث ٣ ، بحار الأنوار : ٦ / ٢٥ الحديث ٢٦ مع اختلاف.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ١٨٤ الحديث ١٨٧٩.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٢٤ ـ ٢٣٢ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٦) نقل عنهما العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٢.

(٧) المعتبر : ١ / ٢٤٥ ، منتهى المطلب : ٢ / ٤١٢ مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ١٥٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣١.

(٨) الكافي : ٣ / ٨٨ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٦ الحديث ٢٧٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الحديث ٢٣٩٠.

٧٠

٥٩ ـ مفتاح

[الأغسال المسنونة]

يستحب الغسل للمحدث بالأكبر مع عدم الوجوب ، وطهر ذات الدمين مطلقا ، كما أشرنا إليه من قبل ، وخصوصا إذا أراد صلاة مندوبة أو طوافا مندوبا ، إلى آخر ما قلناه في استحباب الوضوء للمحدث بالأصغر.

ويستحب للمتطهر يوم الجمعة ، كما مرّ ، وأوجبه الصدوق (١) ، ويومي العيدين ، وليلة الفطر ، ويوم عرفة ، والتروية (٢) ، والغدير ، والمباهلة ، وأوّل ليلة من رمضان ، وليلة سبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين منه ، بل مرّتين في الأخير في طرفيها ، وليلة النصف من شعبان ، ويوم النيروز.

وإذا أراد الإحرام ـ وأوجبه العمّاني (٣) ـ أو دخول مكّة ، أو المدينة ، أو مسجديهما ، والأفضل أن يقدمه على دخول الحرمين ، أو دخول الكعبة ، أو زيارتها ، أو النحر ، أو الذبح ، أو الحلق ، أو زيارة أحد المعصومين عليهم‌السلام ، أو

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ ذيل الحديث ٢٢٦.

(٢) وهي ثامن ذي الحجّة ، وتسميته بيوم التروية ، لأنّهم كانوا يتروون فيه من الماء ويحملونه معهم إلى عرفة ، لأنّه لم يكن بها ماء في ذلك الزمان. «منه رحمه‌الله».

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣١٥.

٧١

الاستسقاء ، كما مرّ ، أو الاستخارة ، أو صلاة الكسوف مع الاستيعاب أداء كانت أو قضاء مع تعمّد الترك. وخصّ بعضهم بالثاني (١) ، ومنهم من أوجبه فيه (٢) ، ومنهم من لم يقيّد بالاستيعاب (٣) ، والأصحّ ما قلناه.

وإذا أحدث بعد غسل الإحرام أو الزيارة ولما يأت بهما ، وإذا تاب عن الذنوب ، وقيّدها المفيد بالكبائر (٤) ، أو مسّ ميّتا بعد غسله ، أو سعى إلى مصلوب فرآه عامدا ، وأوجبه الحلبي فيه (٥) ، أو قتل وزغة ، وغسل المولود ، كلّ ذلك للنص (٦).

وزاد جماعة سائر ليالي الأفراد من رمضان ، وليلة النصف من رجب ، ويوم المبعث منه ، ويوم الدحو (٧) (٨) ، وإذا شكّ في الحدث الموجب وتيقّن الطهارة احتياطا. وزاد المفيد ما إذا اهرق عليه ماء غالب النجاسة (٩) ، والإسكافي كلّ مشهد أو مكان شريف أو يوم وليلة شريفين ، وعند ظهور الآثار في السماء ، وعند كلّ فعل يتقرّب به إلى الله ويلجأ فيه إليه (١٠).

__________________

(١) الرسائل العشر : ١٦٨ ، المعتبر : ١ / ٣٥٨.

(٢) المراسم : ٨١.

(٣) المقنعة : ٥١ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ٣٥٨.

(٤) المقنعة : ٥١.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣١ و ٣٣٢ الباب ١٨ و ١٩ ، ٣٣٦ و ٣٣٧ الباب ٢٦ و ٢٧ ، ٣٣٨ الباب ٢٩ من أبواب الأغسال المسنونة.

(٧) قواعد الأحكام : ١ / ٣ ، كشف اللثام : ١ / ١٤١ ـ ١٤٧ ، الألفية والنفلية : ٩٥.

(٨) وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام منه رحمه‌الله.

(٩) الإشراف : ١٨ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ١ / ٢٠٠.

(١٠) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ١ / ١٩٩.

٧٢

قوله : (يستحب الغسل). إلى آخره.

قد مرّ أنّ الطهارة مطلقا واجبة لغيرها لا لنفسها ، ولأنّه لا مانع من أن تكون واجبة بوجوب موسّع بمجرّد صدور موجبها ، ووجوبها يكون لأجل المشروط بها ، ويتضيّق وجوبها بتضيّق المشروط ، كما اختاره بعض المحقّقين (١) واخترناه في غسل مثل الجنابة للصوم.

ولكنّها ليست واجبة للصلاة إلّا بعد دخول وقتها ، لأجل النص من الشارع ، مثل قوله عليه‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٢) فقبل دخول وقتها لا تكون واجبة ، بل تكون مستحبة ، لما عرفت من أنّها وإن كانت واجبة لغيرها ، إلّا أنّها مستحبة لنفسها بالإجماع والنصوص ، سيّما الغسل من الجنابة ، بل البقاء على الجنابة مكروه.

بل وربّما يشتدّ كراهته ، سيّما بالنسبة إلى بعض الامور مثل الأكل وغيره ممّا لا ينبغي صدوره عن الجنب شرعا.

ويزيد استحبابها ممّا ذكره المصنّف من الصلاة والطواف المندوبين وغيرهما ، ويصحّ الدخول بها في الفريضة ، وإن لم تكن بنيّة رفع الحدث ولاستباحة الصلاة لكن في الوضوء ربّما يكون الأحوط كونه لاستباحة الصلاة إذا اريد الدخول به في الفريضة ، خروجا عن الخلاف الذي مرّ ذكره.

وأمّا الغسل ، فيصحّ الدخول به في الفريضة ، إذا كان لرفع الحدث مثل

__________________

(١) روض الجنان : ٥٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٦ وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١ ، ٢ / ٢٠٣ الحديث ١٩٢٩.

٧٣

الجنابة ونظائرها وإن كان قبل دخول وقت الفريضة وفعل بنيّة الاستحباب أو القربة من دون رفع الحدث أو الاستباحة ، كما عرفت.

ولا يجب كون الوضوء أو الغسل لمثل الجنابة أن يكون بنيّة الوجوب حتّى يصح الدخول به في الفريضة ، إذ ظاهر الأصحاب اتّفاقهم على صحّة الدخول في الفريضة بالوضوء المندوب والغسل المندوب إذا كان لرفع مثل الجنابة ، إلّا أنّه في الوضوء المندوب اعتبر بعضهم كونه لأجل الصلاة وإن كانت مندوبة (١).

فما اشتهر من المحتاطين من أنّهم ينذرون صلاة أو شيئا مع الطهارة إذا كانت طهارتهم قبل دخول وقت الفريضة من الصلاة كي تجب تلك الطهارة وتفعل بقصد الوجوب لأجل الدخول بها في الفريضة بعد دخول وقتها ممّا لا وجه له أصلا ، ولا منشأ له مطلقا ، لما عرفت من وفاق الأصحاب.

وعرفت أيضا سابقا من وضوح دلالة الأدلّة على صحّة الدخول في الفريضة بالوضوء المستحب لأجل الصلاة المستحبّة وغسل مثل الجنابة ، بل تصحّ الطهارة الواقعة لأجل التأهّب للفريضة قبل دخول وقتها بلا تأمّل ولا شبهة.

بل ورد : «ما وقّر الصلاة من أخّر طهارتها حتّى دخل الوقت» (٢) ، بل ربّما لم يتمكّن المكلّف من الطهارة بعد دخول وقت الفريضة أو يظن عدم التمكّن أو يخاف منه ، وهو متمكّن منها قبل الدخول ، فحينئذ يجب عليه الطهارة قبل دخول وقت الفريضة من باب المقدّمة ، ولو لم يفعل يكون مؤاخذا معاقبا بحسب الظاهر.

والمراد من الوجوب في قولهم عليهم‌السلام : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٣) الوجوب الشرعي لا من باب المقدّمة ، مع أنّ الإطلاق منصرف إلى

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٩ ، السرائر : ١ / ١٠٥ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٠٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٤ الحديث ٩٨٥.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢ الحديث ٦٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٦ ، وسائل الشيعة :

٧٤

الأفراد الشائعة والفروض المتعارفة ، إذ كلمة (إذا) ليست من أداة العموم ، كما حقّق في محلّه ، على أنّ الاحتياط في النذر خلاف الاحتياط ، إذا لم يظهر بعد وثوق في خروجهم عن عهدة التكاليف الواقعة عليهم فكيف يزيدونها؟

وبالجملة ، مرّ الكلام في مبحث الوضوء مبسوطا (١).

قوله : (ويستحب للمتطهر). إلى آخره.

قد مرّ الكلام في حكم غسل الجمعة وأحكامه المتعلّقة به مستوفى (٢).

قوله : (ويومي العيدين). إلى آخره.

استحباب الغسل في هذين اليومين على ما قيل مذهب العلماء كافّة (٣) والأخبار به مستفيضة.

منها : صحيحة علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : «سنّة وليس بفريضة» (٤).

وما رواه الشيخ رحمه‌الله عن علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال : «هو سنّة» (٥) ، الحديث.

__________________

١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

(١) راجع! الصفحة : ٦٠ ـ ٦٩ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٩١ ـ ١٠٧ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٣) قاله المحقّق في المعتبر : ١ / ٣٥٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٥ ، الاستبصار : ١ / ١٠٢ الحديث ٣٣٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٢ الحديث ٢٩٧ ، الاستبصار : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣١٤ الحديث ٣٧٣٩.

٧٥

وفي «العيون» أيضا في ما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون التصريح بكونه سنّة (١). إلى غير ذلك.

وأمّا ما دلّ على الرجحان والمطلوبيّة ، فكثير غاية الكثرة.

قال الشهيد رحمه‌الله في «الذكرى» : الظاهر أنّ وقت غسل العيدين ممتدّ بامتداد اليوم عملا بإطلاق اللفظ ، ويتخرج من تعليل الجمعة أنّه إلى الصلاة ، أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيدين ، وهو ظاهر الأصحاب (٢).

ويدلّ عليه موثّقة عمّار الساباطي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتّى يصلّي؟ قال : «إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته» (٣).

وابتداء وقته بعد طلوع الفجر بلا خلاف ، لكونه غسل يوم العيد ، ولرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : سألته هل يجزيه أن يغتسل بعد طلوع الفجر؟ هل يجزيه ذلك من غسل العيدين؟ قال : «إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزه ، وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه» (٤).

قوله : (وليلة الفطر).

يدلّ على استحباب الغسل فيها رواية الحسن بن راشد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٣٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٥ الحديث ٣٧١٣.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٠٢ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٨٥ الحديث ٨٥٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٥١ الحديث ١٧٤٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٠ الحديث ٣٧٩١.

(٤) قرب الإسناد : ١٨١ الحديث ٦٦٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٣٠ الحديث ٣٧٩٤.

٧٦

القدر ، فقال : «يا حسن! إنّ القاريجار (١) إنّما يعطى أجره عند فراغه ، ذلك ليلة العيد» ، قلت [جعلت فداك] : فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال : «إذا غربت الشمس فاغتسل» (٢). إلى آخر الحديث.

قوله : (ويوم عرفة).

استحباب الغسل في هذا اليوم بعد كونه مجمعا عليه بين الأصحاب ، دلّت عليه الأخبار الكثيرة المعتبرة.

منها : صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم عرفة عند زوال الشمس» (٣).

قوله : (والتروية).

يدلّ على استحبابه فيه صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الغسل في سبعة عشر موطنا : ليلة سبع عشرة من شهر رمضان». إلى أن قال : «ويوم التروية» (٤).

قوله : (والغدير).

قال الشيخ رحمه‌الله في «التهذيب» : والغسل في هذا اليوم مستحب ومندوب

__________________

(١) القاريجار فارسيّ معرّب معناه : العامل والأجير ، (وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٨ ذيل الحديث ٣٧٨٥).

(٢) الكافي : ٤ / ١٦٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٥ الحديث ٣٠٣ ، علل الشرائع : ٣٨٨ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٨ الحديث ٣٧٨٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ١١٠ الحديث ٢٩٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٣٧١٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ الحديث ٣٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٧١٨.

٧٧

وعليه إجماع الفرقة (١).

ويدلّ عليه بعد الإجماع المنقول ما في «الفقه الرضوي» : «وغسل يوم غدير خمّ» (٢).

ورواية أبي الحسن الليثي المرويّة في كتاب «الإقبال» لابن طاوس عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر نهاره» (٣) ، الحديث.

ورواية علي بن الحسين العبدي في «التهذيب» قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «صيام يوم غدير خمّ يعدل صيام عمر الدنيا ـ إلى أن قال ـ ومن صلّى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة» (٤) ، الحديث.

قوله : (والمباهلة).

يدلّ عليه موثّقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجمعة؟ فقال : «واجب في السفر والحضر ـ إلى أن قال ـ وغسل الجنابة واجب» ، وقال بعد ذكر أغسال كثيرة : «وغسل المباهلة واجب» (٥).

تنبيه : الظاهر من كلام الأصحاب أنّ المراد هو الغسل يوم المباهلة ، وهو اليوم الرابع والعشرون ، أو الخامس والعشرون من شهر ذي الحجّة الحرام على

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١١٤ ذيل الحديث ٣٠١.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٢٥٥١.

(٣) إقبال الأعمال : ٤٧٤ ، بحار الأنوار : ٧٨ / ٢٢ الحديث ٢٨ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٢٠ الحديث ٢٦١٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٣ الحديث ٣١٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٨٩ الحديث ١٠١٥٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

٧٨

الاختلاف الواقع فيه.

ونقل عن بعض المتأخّرين في حواشيه على الحديث المشار إليه : أنّه ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور ، بل المراد به الاغتسال لإيقاع المباهلة مع الخصوم في كلّ حين كما في الاستخارة (١). وقد وردت به رواية صحيحة في «الكافي» (٢) ، وكان ذلك مشهورا بين القدماء.

أقول : ما ذكره رحمه‌الله هو الظاهر من الموثّقة المذكورة ، لعدم ذكر لفظة «يوم» فيها ، واحتياج ما فهمه الأصحاب على ارتكاب تقدير مخالف للأصل ، لكن لا بأس به بعد أن فهم الأصحاب ذلك منها ، لكون فهمهم من أقوى وأعلى أمارات على ارتكاب التقدير.

وكان مراده من الصحيحة المرويّة في «الكافي» صحيحة أبي مسروق عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ ثمّ ساق الخبر. إلى أن قال ـ : فقال لي : «إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة» ، قلت : وكيف أصنع؟ قال : «أصلح نفسك ثلاثا» وأظنّه قال : «وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبانة فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه» (٣) الحديث.

قوله : (وأوّل ليلة من رمضان).

يدلّ عليه رواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام قال : «وغسل أوّل ليلة من شهر رمضان مستحبّ» (٤).

__________________

(١) نقل عن الحواشي المنسوبة إلى المولى محمد تقي المجلسي في الحدائق الناضرة : ٤ / ١٩٠.

(٢) الكافي : ٢ / ٥١٣ الحديث ١.

(٣) الكافي : ٢ / ٥١٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ١٣٤ الحديث ٨٩٣٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤

٧٩

ورواية أبي قرة مرويّة في «الإقبال» عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يستحب الغسل في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه» (١).

وفي رواية : «من اغتسل أوّل ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصبّ على رأسه ثلاثين كفا من ماء يكون على طهر إلى شهر رمضان من قابل» (٢).

وفي اخرى أيضا : «من أحبّ أن لا يكون به الحكّة فليغتسل أوّل ليلة من شهر رمضان» (٣).

أقول : ويظهر من الرواية المرويّة في كتاب «الإقبال» استحباب الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان أيضا (٤).

ويظهر من كلام العلّامة في «النهاية» أيضا أنّ به رواية (٥).

وقال الشيخ في «المصباح» : وإن اغتسل في ليالي الإفراد كلّها خاصّة ليلة النصف كان فيه فضل كثير (٦) ، انتهى.

وابن طاوس روى في كتاب «الإقبال» رواية في استحباب الغسل في ليالي الإفراد أيضا (٧). ولم يذكر هما المصنّف ، وكأنّه لعدم وقوفه على مستندهما.

وقال بعدم الوقوف على النص في ليلة النصف السيّد في «المدارك» ، والمحقّق

__________________

الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(١) إقبال الأعمال : ١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٥ الحديث ٣٧٧٠.

(٢) إقبال الأعمال : ١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٥ الحديث ٣٧٧٣ مع اختلاف يسير.

(٣) إقبال الأعمال : ١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٥ الحديث ٣٧٧٤.

(٤) إقبال الأعمال : ١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٢٥ الحديث ٣٧٧٠.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ١٧٧.

(٦) مصباح المتهجّد : ٦٣٦.

(٧) إقبال الأعمال : ١٢١.

٨٠