موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد تقي الخوئي

كتاب المضاربة

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب المضاربة

وتسمّى قراضاً عند أهل الحجاز. والأوّل من الضرب ، لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح ، والمفاعلة باعتبار كون المالك مسبّباً له والعامل مباشراً (١).

______________________________________________________

(١) ما أفاده (قدس سره) إنما هو لتوجيه صدق المفاعلة في المضاربة ، حيث إنّ باب المفاعلة يقتضي صدور الفعل من اثنين ، وهو غير متحقّق في المقام ، فإن القرض إنّما يكون من المالك خاصّة ، والضرب من العامل فقط.

غير إنّنا ذكرنا في مباحث المكاسب ، أنّ هيئة المفاعلة وإن اشتهر وضعها للدلالة على صدور المادّة من اثنين ، إلّا أنه لا أساس له. فإنها لا تدلّ إلّا على قيام الفاعل وتصدّيه نحو تحقيق المادة في الخارج ، سواء أتحقّق ذلك أم لم يتحقق ، فيقال : خادعته فلم ينخدع. والشواهد على ذلك كثيرة ، حيث تستعمل هذه الهيئة ولا يراد منها سوى تصدي الفاعل ولوحدة للفعل ، فيقال : سايرته ودافعته ولو كان الطرف الآخر واقفاً لا يتحرك وطالعت وناولته إلى غير ذلك.

نعم ، قد تقتضي المادّة في بعض الموارد القيام في اثنين ، كالمساواة والمقابلة والمحاذاة والمشاركة وغيرها ، حيث إنها لا تتحقّق إلّا بطرفين ، غير أنّ ذلك أجنبي عن الهيئة وإنما هو من خصوصيات المادّة.

والذي يدلّنا على ما ندّعيه قوله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (١). فإنها تدلّنا على عدم اتحاد مفهوم (خادع)

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٩.

٣

والثاني من القرض ، بمعنى : القطع ، لقطع المالك حصّة من ماله ودفعه إلى العامل ليتَّجر به. وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول ، وعلى الأوّل مضارب بالبناء للفاعل.

وكيف كان ، عبارة عن دفع (١) الإنسان مالاً إلى غيره ليتَّجر به ، على أن يكون الربح بينهما ، لا أن يكون تمام الربح للمالك ، ولا أن يكون تمامه للعامل.

وتوضيح ذلك : أنّ من دفع مالاً إلى غيره للتجارة :

تارة على أن يكون الربح بينهما ، وهي مضاربة.

وتارة على أن يكون تمامه للعامل ، وهذا داخل في عنوان القرض إن كان بقصده (٢).

وتارة على أن يكون تمامه للمالك ، ويسمّى عندهم باسم البضاعة.

______________________________________________________

مع مفهوم (خدع) حيث إنّ الثاني ظاهر في تحقّق المادة في الخارج ، في حين إن الأوّل لا يدلّ إلّا على تصدّي الفاعل وإرادته لذلك ، من غير اعتبار لتحقّقه في الخارج.

وعلى هذا الأساس فلا حاجة لتحمل عناء ما ذكر من التأويلات لتصحيح صدق المفاعلة على المضاربة ، فإنها صادقة عليها حقيقة ومن غير حاجة إلى التأويل ، نظراً لقيام المالك مقام الضرب وتصدّيه للقرض.

(١) بل هو عقد بين المالك والعامل.

(٢) وإلّا فيبقى المال في ملك المالك ، ومقتضى قانون تبعية الربح لرأس المال كونه بأكمله للمالك.

وبعبارة اخرى : إنّ القرض يتوقف على القصد. فإن قصدا ذلك كان المال ملكاً للعامل ، وحينئذٍ فتكون الأرباح وبمقتضى القاعدة ملكاً له أيضاً. وإلّا ، بأنْ قصد المالك إبقاء المال على ملكه ، كانت المعاملة من المضاربة الفاسدة ، فتجري عليها أحكامها. وذلك لأن كون تمام الربح للعامل غير ممضى شرعاً ، لعدم الدليل عليه ومقتضى القاعدة تبعية الربح للمال.

٤

وتارة لا يشترطان شيئاً ، وعلى هذا أيضاً يكون تمام الربح للمالك (١) فهو داخل في عنوان البضاعة.

وعليهما يستحقّ العامل اجرة المثل لعمله (٢) إلّا أن يشترطا عدمه ، أو يكون العامل قاصداً للتبرّع. ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرع أيضاً ، له أن يطلب الأُجرة ، إلّا أن يكون الظاهر (١) منهما في مثله عدم أخذ الأُجرة ، وإلّا فعمل المسلم محترم ما لم يقصد التبرع.

______________________________________________________

(١) بموجب القاعدة ، حيث إنّ كون بعضه أو كلِّه للعامل يحتاج إلى جعل من المالك وإمضاء من الشارع ، وهما معاً مفقودان.

(٢) ما أفاده (قدس سره) بالنسبة إلى القسم الثالث البضاعة ينافي ما التزم به في المسألة الرابعة عشرة من كتاب المساقاة ، حيث صرح بعدم استحقاق العامل للأُجرة فيما إذا اشترط المالك انفراده بالثمر ، لكونه حينئذٍ متبرِّعاً ، فإنّ المسألتين من وادٍ واحد.

والظاهر أنّ ما ذكره (قدس سره) في باب المساقاة هو الصحيح. فإنّ لهذا الكلام اعني طلب العمل على أن لا يكون له من الربح شي‌ء ظهوراً عرفياً في التبرّع والعمل المجّاني. وعليه فلا يكون له بإزاء عمله شي‌ء ، لا من الربح للتصريح بعدمه ، ولا اجرة المثل للتبرع بالعمل.

وأما ما أفاده بالنسبة إلى القسم الأخير ، فهو تامّ ومتين. وذلك لأن أمر الغير بعمل له قيمة ومالية لدى العرف ، تارة يكون ظاهراً في المجانية ، فحينئذٍ لا اجرة للعامل ، نظراً لكون الأمر متعلقاً بحصة معينة هي العمل المجّاني ، فكأنّ العامل قد فعل هذا الفعل من غير أمر.

وأُخرى لا يكون له ظهور في المجّانية. وفي هذا الفرض إنْ قصد العامل التبرّع

__________________

(١) كما هو كذلك في البضاعة ، وقد التزم (قدس سره) في باب المساقاة بعدم استحقاق العامل الأُجرة فيما إذا اشترط المالك انفراده بالثمر.

٥

ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول (١). ويكفي فيهما كل دالٍّ ، قولاً ، أو فعلاً (٢). والإيجاب القوليّ كأن يقول : ضاربتك على كذا ، وما يفيد هذا المعنى فيقول : قبلت.

ويشترط فيها أيضاً بعد البلوغ ، والعقل ، والاختيار (٣) وعدم الحجر لفلس (٤) (*)

______________________________________________________

والمجانيّة ، فلا يستحقّ الأُجرة عليه أيضاً ، لأنه متبرع به ، وبذلك فقد فوّت على نفسه ما كان يستحقّه من الأُجرة. وإن أتى به بقصد الأُجرة كما هو الغالب في أكثر المعاملات الخارجية ، فيؤمر الحمال بحمل المتاع من غير تحديد للأُجرة فحينئذٍ وبطبيعة الحال وبمقتضى السيرة العقلائية القطعية يستحقّ العامل عليه الأُجرة ، فيكون الآمر ضامناً لها.

بل وكذا الحال فيما لو كان لمتعلق الأمر مالية ، كأمر الخباز بإعطاء الخبز للفقير فإنّه لو لم يكن للأمر ظهور في المجّانية وقصَد الدافع أخذ الثمن ، كان الآمر مطالباً به.

وعلى هذا ففيما نحن فيه ، إذا فرض أنه لم يكن أمر المالك للعامل بالتجارة ظاهراً في المجّانية ، كما هو الغالب في أكثر الأوامر المتعلقة بالأعمال ، فللعامل المطالبة بأُجرة مثل عمله فيما لم يقصد التبرع ، سواء أتحقق الربح أم لم يتحقق ، على ما تقتضيه القاعدة.

(١) ليتحقق بهما مفهوم العقد والمعاملة ، كما هو الحال في سائر العقود.

(٢) لما عرفت غير مرّة من أنه مقتضى القاعدة في العقود ، حيث لا يعتبر فيها إلّا الاعتبار النفساني وإبرازه بمبرز في الخارج ، وهو متحقق في المقام.

نعم ، لا بدّ من رفع اليد عن القاعدة فيما دلّ الدليل على اعتبار لفظ خاصّ فيه كالطلاق ، أو مطلق اللفظ كالنكاح.

(٣) بلا خلاف فيها ، فإنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد.

(٤) مقتضى إطلاق العبارة أنّ المفلس لا تصحّ منه المضاربة ، سواء أكان مالكاً أم عاملاً. إلّا أنّ الإطلاق غير مراد جزماً ، فإنّه لا محذور في كونه عاملاً ، وسيجي‌ء منه (قدس سره) التصريح بصحّتها حينئذ.

__________________

(*) هذا في المالك ، وسيأتي منه (قدس سره) عدم اعتباره في العامل.

٦

أو جنون (*) (١) أُمور :

الأوّل : أن يكون رأس المال عيناً (٢) فلا تصحّ بالمنفعة (**) ، ولا بالدين. فلو كان له دين على أحد ، لم يجز أن يجعله مضاربة إلّا بعد قبضه. ولو أذن للعامل في قبضه ، ما لم يجدّد العقد بعد القبض.

______________________________________________________

(١) لا يبعد أن يكون مراده (قدس سره) منه السفه ، لأن حمله على معناه الحقيقي أي ما يقابل العقل ، يوجب كونه مستدركاً ، لأنه (قدس سره) قد اعتبر فيها العقل صريحاً.

ثمّ بناءً على الأوّل ، مقتضى إطلاق كلامه (قدس سره) اعتبار عدمه في كلا طرفي المضاربة ، وقد صرّح بذلك بعضهم ، غير أن أكثر الفقهاء لم يتعرّضوا لذلك في كتاب المضاربة ، وإنما اقتصروا على ما ذكروه في باب الحجر ، من أنّ السفيه محجور عليه في ماله.

وكيف كان ، فاعتباره بالنسبة إلى المالك مما لا خلاف فيه ، فإنه ليس للسفيه أن يعقد المضاربة مع العامل ، لكونه محجوراً عن التصرّف في أمواله.

وأما اعتباره بالنسبة إلى العامل فلا وجه له ، إذ لا يعتبر قبول ذلك منه تصرّفاً في أمواله كما هو واضح ، بل ولا عمله الذي هو بحكم المال ، وذلك لأن العامل لا يملك المالك عمله ، وإنما المضاربة عقد شبيه بالوكالة كما عن المحقق (قدس سره) (١) أو الجعالة.

وعليه فلا وجه لاعتبار عدم السفه فيه ، فإنه غير ممنوع منهما ، بل ذكر غير واحد منهم أن له أخذ عوض الخلع ، لكونه من تحصيل المال لا التصرّف في أمواله.

(٢) اعتبره غير واحد من الفقهاء ، نظراً لاختصاص أدلّتها الخاصة بالعين ، فلا

__________________

(*) لعلّه يريد به السفه ، وإلّا فهو من سهو القلم ، وعلى الأوّل فإنّما يعتبر عدمه في المالك دون العامل.

(**) على الأحوط.

(١) الشرائع ٢ : ١٦١.

٧

نعم ، لو وكَّلَه على القبض والإيجاب من طرف المالك والقبول منه ، بأن يكون موجباً قابلاً ، صحّ.

______________________________________________________

يمكن الحكم بالصحة في المنفعة والدين ، لعدم الدليل عليها.

وخالف فيه بعضٌ فالتزم بالصحة ، تمسُّكاً بالأدلّة العامة وعمومات التجارة بدعوى أنّ مقتضاها نفي اشتراط ما يحتمل اعتباره في العقد.

وقد أشكل عليه في بعض الكلمات ، بأنّه لا مجال للتمسك بهذه العمومات في نفي اعتبار ما يحتمل اعتباره بالنسبة إلى العقد.

والذي ينبغي أن يقال : أن العقد الواقع في الخارج قد يكون من قبيل البيع والإجارة ونحوهما ، مما يكون التمليك من كل من الطرفين للآخر تمليكاً لما يملكه. وفيه لا مانع من التمسك بعمومات التجارة ، وقد تمسّكنا بها لإثبات صحة المعاملة المعاطاتية.

وقد لا يكون كذلك ، بأن لا يكون فيه تمليك من أحد الطرفين ماله للآخر كالمضاربة والمزارعة والمساقاة ، حيث لا يملّك المالك العامل إلّا حصّة من الربح ، وهي غير متحققة بالفعل ، لأنه لا يملك إلّا أصل ماله ، فكيف يصحّ تمليكها لغيره؟ وفيه فالقاعدة تقتضي البطلان ، ولا عموم يقتضي صحته. وعليه فيكون تمام الربح للمالك نظراً لتبعية المنافع للأصل.

وكون بعضه للعامل رأساً وابتداءً على خلاف القاعدة في العقود ، إذ مقتضاها كون العوض لمن له المعوض فمن يبذل المثمن له الثمن ، والعكس بالعكس ، فلا وجه لكون بعضه للعامل.

وانتقاله آناً ما إلى ملك المالك ومن ثمّ إلى العامل وإن كان معقولاً ، إلّا أنه على خلاف قانون المضاربة والمزارعة والمساقاة. على أنه من تمليك ما لا يملك فعلاً ، إذ ليس له الآن السلطنة عليه. ولذا لم يستشكل أحد في بطلان العقد إذا لم تكن حصّة العامل من ربح ما يتَّجر به ، بأن يقول له المالك : اتّجر بهذا المال ولك الربع من أرباح تجارتي الخاصة ، أو من ثمر بستاني في العام القادم.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل أنّ الصحة في هذه الموارد التي ليس فيها شي‌ء مملوك للمملك بالفعل يملكه لغيره ، تحتاج إلى دليل خاص ، فإن كان فهو ، وإلّا فالقاعدة تقتضي البطلان. نظير ما تقدّم في إجارة الأرض بحاصلها ، أو بيع ما سيرثه من مورثه ، فإنها غير مشمولة لأدلّة التجارة عن تراضٍ ، وصحّتها على خلاف القاعدة ، فلا بدّ لإثباتها من دليل خاصّ ، وإلّا فهي محكومة بالفساد.

على أن المضاربة تزيد على غيرها في الإشكال ، بأنها لا تنحصر غالباً بالتجارة مرّة واحدة ، بل تكون من التجارة المستمرة والمتعددة.

وعلى هذا فلو فرض أنّ رأس المال مائة دينار وكان للعامل نصف الربح ، فاتجر العامل به واشترى سلعة بمائة دينار ثمّ باعها بمائتي دينار ، كان مقتضى العقد اختصاص المالك بمائة وخمسين ديناراً واختصاص العامل بخمسين ديناراً فقط.

فلو اشترى بعد ذلك شيئاً بمائتي دينار ثمّ باعه بأربعمائة دينار ، فمقتضى العقد ان يكون للعامل مائة وخمسون ديناراً وللمالك مائتان وخمسون ديناراً. وهو مخالف للقاعدة من حيث أن المائتين ديناراً الحاصلة من التجارة الثانية ، إنما هي ربح لمجموع خمسين ديناراً حصّة العامل ، ومائة وخمسين ديناراً حصّة المالك. ومقتضى القاعدة أن يكون ربع هذا المبلغ له ، والثلاثة أرباع الباقية بينه وبين المالك.

وهذا يعني أن يكون للعامل من مجموع الأربعمائة مائة وخمسة وسبعون ديناراً وللمالك منه مائتان وخمسة وعشرون ديناراً فقط ، والحال أنه لا يأخذ إلّا مائة وخمسين ديناراً. ولازمه أن يكون ربح العامل أيضاً مناصفة بينه وبين المالك ، وهو على خلاف القاعدة ، حيث إنّ المالك لم يعمل فيه شيئاً ، بل ذلك المال حصّة العامل بتمامه والعمل فيه من العامل ، فلا وجه لأن يكون للمالك نصف ربحه.

ومن هنا فلو كنا نحن والقاعدة ، ولم يكن هناك دليل على الصحة ، لالتزمنا بفساد عقد المضاربة بقول مطلق ، وإنما قلنا بالصحة فيها للنصوص الخاصّة. وعليه فلا بدّ في تحديد ما يعتبر في الحكم بالصحة من اتّباع دلالتها ، فبمقدار تلك الدلالة يحكم بالصحة ، والباقي بما في ذلك المشكوك يبقى على أصل الفساد.

وعليه فنقول : أما بالنسبة إلى الدَّين ، فيكفي في الحكم بفساد المضاربة به معتبرة

٩

وكذا لو كان له على العامل دين ، لم يصحّ جعله قراضاً (١) إلّا أن يوكله في تعيينه ، ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولّي الطرفين.

______________________________________________________

السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده ، فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتى تقبضه منه» (١).

على أنّ المذكور في أدلّة المضاربة عنوان (إعطاء المال) وهو ظاهر في دفع العين فلا تشمل الأدلّة الدَّين. ويكفينا في ذلك الشكّ ، حيث عرفت أن مقتضى الأصل البطلان.

وأما بالنسبة إلى المنفعة ، فالمعروف والمشهور بينهم هو عدم الجواز. لكن يمكن أن يقال : إنّ التعبير في أدلّة المضاربة بالمال ، لا سيما ما ورد في الوصية بالمضاربة بمال أولاده ، شامل للمنفعة أيضاً ، حيث لا دليل على بطلان المضاربة بها ، خلافاً للدَّين.

إلّا أنه مردود بأنّ الظاهر من نصوص المضاربة ، أنّ موضوعها إعطاء المالك ماله للعامل كي يعمل به على أن يكون رأس المال محفوظاً والربح بينهما على حسب ما يتفقان عليه ، وهو لا ينطبق على المنفعة حيث إنها غير قابلة للبقاء نظراً إلى أنها تتلف بنفسها ، ومن هنا فكل ما يكون في قبالها يكون بأجمعه ربحاً. ولذا قالوا في باب الخمس إنّ كل ما يقع بإزاء المنافع سواءً الأعيان وغيرها يكون متعلقاً للخمس وليس ذلك إلّا لكونه بأجمعه ربحاً ، لا أن الأصل محفوظ والباقي هو الربح.

إذن فما ذكره المشهور من عدم صحة المضاربة بالمنفعة ، إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

هذا بناءً على جواز المضاربة بمطلق المال وإن لم يكن من الأثمان. وأما بناءً على عدم جوازه ، فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز المضاربة بالمنفعة.

(١) للقاعدة ومعتبرة السكوني ، على ما تقدّم.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ٥ ح ١.

١٠

الثاني : أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة ، بأن يكون درهماً أو ديناراً. فلا تصحّ بالفلوس ، ولا بالعروض ، بلا خلاف بينهم ، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع. نعم ، تأمَّل فيه بعضهم ، وهو في محلِّه لشمول العمومات ، إلّا أن يتحقَّق الإجماع ، وليس ببعيد (*) (١) فلا يترك الاحتياط.

______________________________________________________

(١) الظاهر أنّ الإجماع المدعى من الإجماع المنقول ، فلا يمكن الاعتماد عليه ، لا سيما بعد خلوّ كلمات غير واحد من الأصحاب من التعرض إليه.

وكيف كان ، فالأصل في هذه الدعوى كلام القاضي في الجواهر ، إلّا أنّ عبارته صريحة في دعوى الإجماع على صحّة المضاربة بالدراهم والدنانير (١) وأين هذا من دعوى الإجماع على بطلانها في غيرهما؟ فإن بينهما بوناً بعيداً.

ومنه يظهر أن الإجماع ، بمعنى الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) غير متحقّق في المقام.

ومعه فلا موجب لرفع اليد عن إطلاقات الأدلّة المعتبرة للمال في المضاربة ، حيث لم يثبت تقييد بكونه من الدراهم أو الدنانير ، فإنّ هذا العنوان كما يصدق عليهما ، يصدق على غيرهما من الأثمان والأموال المتمحضة في المالية.

نعم ، الحكم لا يعمّ العروض ، باعتبار أنّ الربح والخسران إنما يلاحظان بالنسبة إلى ما هو متمحض في المالية ، وهو الأثمان التي يتحفظ بها أوّلاً ، ثمّ يلاحظ ربحها وخسارتها.

إذن فما اختاره صاحب الحدائق (قدس سره) من عدم اعتبار هذا الشرط (٢) هو الصحيح.

__________________

(*) الظاهر أنّ الإجماع لم يثبت ، وعبارة القاضي في الجواهر تدلّ على تحقّق الإجماع على صحّة المضاربة بالدراهم والدنانير ، لا على عدم صحّتها في غيرهما ، فالظاهر جواز المضاربة بما يكون في حكم النقدين من الأوراق النقديّة وغيرها.

(١) الجواهر ٢٦ : ٣٥٦ ٣٥٧.

(٢) الحدائق ٢١ : ٢٠٤.

١١

ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل به (١) مثل الشاميات والقمري ونحوها. نعم ، لو كان مغشوشاً يجب كسره ، بأن كان قلباً ، لم يصحّ (٢) وإن كان له قيمة ، فهو مثل الفلوس.

ولو قال للعامل : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً ، لم يصحَّ (*) (٣) إلّا أن يوكله في

______________________________________________________

(١) إذ العبرة بناءً على اعتبار كونه من الذهب والفضّة المسكوكين بصدق الدرهم والدينار ، وهو صادق على المغشوش على حد صدقه على الخالص ، بل الخالص منهما إما لا يكون أو يكون نادراً جدّاً ، وقد تقدّم الكلام فيه مفصّلاً في باب الزكاة.

نعم ، لو كان الغش بحدّ يمنع صدق الاسم عليه ، منع من صحة المضاربة به ، بناءً على القول باعتبار كون مال المضاربة درهماً وديناراً.

(٢) بأن كان الغش في الهيئة لا المادة ، بأن صب الذهب والفضة بشكل الدراهم والدنانير ، فإنه لا يكون حينئذ من الأثمان ، وتقدّم اعتبار كون مال المضاربة منها. وبذلك يظهر الفرق بينه وبين الفلوس.

(٣) وكأنه لأن الذي يعطيه المالك للعامل ليس بالفعل درهماً أو ديناراً ، وقد اعتبر كون مال المضاربة منهما. وثمنه وإن كان منهما ، إلّا أنه حين إعطائه له لم يكن مالكاً لذلك ، وإنما يملكه بعد البيع.

وفيه ما لا يخفى. فإنا وإن سلّمنا عدم صحة المضاربة بالعروض ، إلّا أنه إذا قصد المعطي المضاربة بالبدل والثمن كما هو صريح عبارته ، كان ذلك في الحقيقة توكيلاً للعامل في جعل الثمن قراضاً ، كما هو الحال في سائر موارد الأمر بالأُمور المترتبة ، كأن يقول : بع داري واصرف ثمنه على الفقراء ، فإنّه توكيل في الصرف عليهم لا محالة.

ومن هنا فإذا نفّذ العامل ذلك فباع المتاع ، ثمّ تصدى للتجارة بالثمن ، كان فعله هذا إيجاباً للمضاربة بالوكالة من المالك ، وقبولاً منه هو.

__________________

(*) فيه إشكال ، بل لا تبعد الصحّة.

١٢

تجديد العقد عليه بعد أن نض الثمن.

الثالث : أن يكون معلوماً قدراً ووصفاً (١) (*).

______________________________________________________

ومحذور كونها مضاربة معاطاتية ، مدفوع بأنه لا إشكال فيها ، حيث عرفت أنّ مقتضى العمومات عدم اعتبار اللفظ في صحة العقد إلّا ما خرج بالدليل.

(١) ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) في وجهه : أنّ الجهالة تمنع من تحقق الربح الذي ينبغي أن يكون مشتركاً بين المالك والعامل ، وحيث إنه روح هذه المعاملة فيحكم ببطلانها (١).

وفيه : إنا لو سلّمنا عموم النهي عن الغرر للمضاربة أيضاً ، فالمقام خارج عنه تخصصاً ، إذ لا غرر في هذه المعاملة من ناحية المضاربة. فإنه لو أعطى المالك العامل كيساً مملوءاً بالدنانير وأمره بالمضاربة بها من دون أن يعلما مقدارها أو وصفها ، لم يكن ذلك غررياً ، من جهة تمكن العامل من عدّها بعد ذلك وإخبار المالك به فيرتفع جهلهما ، لكونه أميناً عنده.

على أن لو لم يتمكن من عدّها ، فيكفي في رفع الغرر أن المعاملة بذلك المال يستلزم علمه ولو تدريجاً بمقداره ، فإنه كلما يشتري شيئاً ليتّجر به يعرف ما أخرج بإزائه من الكيس إلى ان ينتهي كلّ ما فيه ، وحينئذ يرتفع غرره ويعلم بما كان في الكيس حين قبضه.

ثمّ لو فرضنا عدم ذلك أيضاً ، فالربح يكون مشتركاً بين العامل والمالك ، وحينئذٍ فيمكن حلّ المشكلة بالرجوع إلى التصالح إن أمكن ، وإلّا فيحلّها الحاكم ولو بالقرعة.

وليس في شي‌ء من ذلك أي غرر ، حيث إنه عبارة عن الخطر المالي أو العرضي أو النفسي ، وكلها مفقود في المقام ، فإنّ الربح لكلٍّ منهما مضمون.

إذن فالظاهر عدم اعتبار هذا الشرط في عقد المضاربة ، نظراً لعدم الدليل عليه.

__________________

(*) على الأحوط الأولى.

(١) الجواهر.

١٣

ولا تكفي المشاهدة وإن زال به معظم الغرر (١).

الرابع : أن يكون معيّناً (*) (٢). فلو أحضر مالين وقال : قارضتك بأحدهما ، أو بأيِّهما شئت ، لم ينعقد إلّا أن يعيِّن ثمّ يوقعان العقد عليه.

نعم ، لا فرق بين أن يكون مشاعاً أو مفروزاً (٣) بعد العلم بمقداره ووصْفه. فلو كان المال مشتركاً بين شخصين ، فقال أحدهما للعامل : قارضتك بحصتي في هذا المال ، صحّ مع العلم بحصته من ثلث أو ربع. وكذا لو كان للمالك مائة دينار مثلاً ، فقال : قارضتك بنصف هذا المال صحَّ.

______________________________________________________

(١) خلافاً لما حكي عن الشيخ (قدس سره) من الاكتفاء بها ، لما ذكره (١). وقد ظهر الحال فيه مما تقدّم.

(٢) لم يظهر لنا وجهه.

فإنّ دعوى أن أحدهما والفرد المبهم لا وجود له في الخارج ، إذ الموجود في الخارج إنما هو الفرد المعيَّن المشخَّص ، فلا تصحّ المضاربة به.

مدفوعةٌ بما ذكرناه في مبحث الواجب التخييري من المباحث الأُصولية ، من أنّ الفرد المردَّد وإن لم يكن له وجود في الخارج ، إلّا أنّ الجامع الذي هو عبارة عن عنوان أحدهما موجود في الخارج لا محالة ، فإنه موجود بوجود الفردين. ولذا يقال : إنه يعلم بنجاسة أحد الإناءين ، والحال أنّ الذي لا وجود له كيف يعلم بنجاسته؟.

إذن فلا مانع من إيقاع المضاربة على أحدهما ، فإنه مشمول للعنوان الوارد في النصوص ، أعني دفع المال للتجارة. وحينئذٍ فيكون التخيير للعامل أو المالك على حسب ما يتَّفقان عليه.

(٣) لصدق المال المذكور في النصوص عليهما على حدٍّ سواء.

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد عدم اعتباره.

(١) المبسوط ٣ : ١٦٨.

١٤

الخامس : أن يكون الربح مشاعاً بينهما (١). فلو جعل لأحدهما مقداراً معيناً والبقية للآخر ، أو البقية مشتركة بينهما ، لم يصحّ (*) (٢).

______________________________________________________

(١) لتقوّم مفهوم المضاربة به ، وإلّا فيكون داخلاً في مفهوم الإجارة أو الجعالة. وعلى كلا التقديرين يحكم ببطلان العقد ، لأن غير المملوك بالفعل لا يصلح أن يكون اجرة أو جعلاً بإزاء عمل العامل.

(٢) ما أفاده (قدس سره) إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن وثوق بزيادة الربح عن المقدار الذي جعل لأحدهما تعييناً ، فإنه حينئذٍ تخرج المعاملة عن المضاربة ، حيث إن معه لا يبقى للآخر شي‌ء من الربح.

وأما إذا كان هناك وثوق بزيادة الربح عن المقدار المعيَّن ، فقد استدلّ للبطلان فيه بأنّ ظاهر كون الربح مشتركاً بين المالك والعامل على ما دلّت عليه النصوص ، هو اشتراكهما في كلّ جزء منه على نحو الإشاعة. ومن هنا فاختصاص أحدهما بجزء منه دون الآخر يكون على خلاف مفهوم المضاربة ، فلا يشمله دليلها ، والقاعدة تقتضي البطلان.

وفيه : أنه لا يستفاد من أدلّة المضاربة كون كل جزء من الربح مشتركاً بينهما كما قيل ، وإنما المستفاد منها أنّ مجموع الربح يكون بينهما في قبال اختصاص أحدهما به وهو صادق في المقام أيضاً. فإنه إذا استثنى المالك لنفسه عشرة دنانير مثلاً على أن يكون باقي الربح بينهما مناصفة ، كان مرجع ذلك إلى المضاربة بالمال على أن يكون للعامل نصف الربح إلّا خمسة دنانير ، وهو لا محذور فيه مع الوثوق بزيادة الربح على عشرة دنانير ، لصدق كون الربح بينهما مشتركاً ومشاعاً.

وقد التزم الماتن (قدس سره) بجواز ذلك في المساقاة ، مع أنّ المضاربة والمزارعة والمساقاة من هذه الجهة من وادٍ واحد ولا فرق بينهما.

إذن فالحكم بالبطلان في هذه الصورة لا يخلو عن إشكال ، بل منع.

__________________

(*) لا يخلو من الإشكال فيما إذا علم أنّ الربح يزيد على المقدار المعيّن ، وقد التزم (قدس سره) في باب المساقاة بالصحّة في نظير المقام.

١٥

السادس : تعيين حصّة كلّ منهما (١) من نصف أو ثلث أو نحو ذلك ، إلّا أن يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق (٢).

السابع : ان يكون الربح بين المالك والعامل. فلو شرطا جزءاً منه للأجنبي عنهما ، لم يصحّ (٣) إلّا أن يشترط عليه عمل متعلّق بالتجارة (٤).

______________________________________________________

(١) فإنّ الملك لا بدّ وأن يتعلق بأمر معيَّن ، فإنّ الشي‌ء الذي لا واقع له لا يصلح أن يكون مملوكاً لأحدهما. وحيث إن النسبة المجهولة لا واقع لها ، فلا يصلح تمليكها للعامل.

هذا إذا كانت النسبة مجهولة ومردَّدة في الواقع. وأما إذا كان لها واقع لكنهما لم يكونا يعلمان بها ، كما لو ضاربه بالنسبة التي اتفقا عليها في السنة الماضية مع نسيانهما لها ، فهل يحكم بصحتها أم لا؟ قيل بالثاني ، من جهة استلزامه للغرر.

إلّا أنّك قد عرفت ما فيه ، حيث لا خطر على العامل في الربح ، وإنما الشك في زيادته ونقصانه. على أنه لم يثبت نهيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن مطلق الغرر.

إذن فلا مانع من الالتزام بصحتها ، إذ يصدق معه أنّ المالك أعطى ماله للعامل ليتَّجر به ، على أن يكون الربح مشتركاً بينهما بنحو الإشاعة على النسبة المعينة في الواقع.

لكن لا يخفى أنّ ظاهر عبارة الماتن (قدس سره) هو القسم الأوّل ، فإنه (قدس سره) غير ناظر إلى فرض كون النسبة معلومة في الواقع.

(٢) حيث به يحصل العلم بالمقدار.

(٣) وذلك لأن مقتضى القاعدة وكما عرفت هو تبعية المنافع بأكملها لرأس المال في الملكيّة ، وإنما خرجنا عنها في المضاربة حيث يكون بعض الربح للعامل بالدليل الخاصّ. وحيث لا دليل على جواز الجعل للأجنبي يكون باطلاً لا محالة ، بعد أن لم يكن له شي‌ء من رأس المال أو العمل.

(٤) لأنها في الحقيقة ترجع إلى المضاربة مع اثنين.

١٦

نعم ، ذكروا أنّه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صحّ. ولا بأس به ، خصوصاً على القول (*) بأنّ العبد لا يملك ، لأنه يرجع إلى مولاه. وعلى القول الآخر يشكل. إلّا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحّة الشرط حتى للأجنبي (١) والقدر المتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن غلاماً لأحدهما ، فالأقوى الصحة مطلقاً. بل لا يبعد القول به في الأجنبي أيضاً وإن لم يكن عاملاً ، لعموم الأدلّة (٢).

الثامن : ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل ، فلو اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح. لكن لا دليل عليه (٣) فلا مانع أن يتصدّى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك ، كما عن التذكرة.

التاسع : أن يكون الاسترباح بالتجارة. وأما إذا كان بغيرها ، كأن يدفع إليه

______________________________________________________

(١) مراده (قدس سره) من القاعدة هي العمومات والإطلاقات. غير انك قد عرفت منا غير مرّة إنكار ذلك ، حيث ليس لدينا أي عموم أو إطلاق يشمل تمليك ما لا يملك. ولذا لو اشترط شيئاً من الربح للأجنبي في غير عقد المضاربة ، لم يصح جزماً ، لأنه من تمليك المعدوم.

إذن فالصحيح أنّ الجعل للأجنبي غير جائز ، سواء أكان الأجنبي عبداً لأحدهما بناءً على ملكيّة العبد كما هو الصحيح ، أم لم يكن.

(٢) ظهر الحال فيه مما تقدّم.

(٣) إذ المضاربة إنما تكون باعتبار صدور العمل من العامل ، ورجوع الربح إليه وإلى المالك مشتركاً على النسبة المتفق عليها. وأما كون المال بيد العامل فلم يدلّ عليه دليل ، بل ربّما لا يكون في العامل وثوق فيُبقي المالك ماله في يده تحفظاً عليه.

نعم ، بعض النصوص تضمن التعبير بـ (يعطي مالاً) (١) وهو ظاهر في الدفع إليه

__________________

(*) لا يبعد ابتناء صحّة الاشتراط على هذا القول إذا كان الشرط من شرط النتيجة كما هو المفروض ، وأمّا الاشتراط للأجنبي فالظاهر عدم صحّته.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١ ح ١ ، ٢.

١٧

ليصرفه في الزراعة مثلاً ويكون الربح بينهما ، تشكل صحته (١) إذ القدر المعلوم من الأدلّة هو التجارة. ولو فرض صحة غيرها للعمومات ، كما لا يبعد (*) (٢) لا يكون داخلاً في عنوان المضاربة.

العاشر : أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به ، مع اشتراط المباشرة من دون الاستعانة بالغير ، أو كان عاجزاً حتى مع الاستعانة بالغير ، وإلّا فلا يصحّ (**) (٣) لاشتراط كون العامل قادراً على العمل. كما أن الأمر كذلك في الإجارة للعمل ، فإنه إذا كان عاجزاً تكون باطلة.

وحينئذٍ فيكون تمام الربح للمالك ، وللعامل اجرة عمله

______________________________________________________

وجعله في يده ، إلّا أن التقييد وارد في كلام السائل دون جوابه (عليه السلام) ، فلا يدلّ على اعتبار كونه في يد العامل ، وعدم صحتها عند الخلاف.

على أنّ بعض النصوص مطلقة. ففي بعضها : (الرجل يقول للرجل : ابتاع لك متاعاً والربح بيني وبينك) (١). وفي بعضها : (الرجل يعمل بالمال مضاربة) (٢) وغيرها. فإنّ هذه التعابير إن لم تكن ظاهرة في كون المال في يد المالك ، فلا أقلّ من كونها عامة لكلا الطرفين.

(١) لاختصاص المضاربة ، على ما يستفاد من نصوصها ، بالاسترباح بالتجارة.

(٢) بل هو بعيد ، لما عرفت من عدم تمامية العمومات ، واحتياج الحكم بالصحة في هذه المعاملات إلى الدليل الخاص ، وحيث انه مفقود ، فالقاعدة تقتضي البطلان.

(٣) فيه إشكال ، بل منع. فإنّ المضاربة كغيرها من العقود تنحل إلى عقود متعددة على أجزاء رأس المال ، وإن كانت بحسب الإنشاء واحدة حالها في ذلك حال سائر العقود.

__________________

(*) بل هو بعيد.

(**) لا تبعد الصحّة في المقدار الذي يقدر العامل على الاتجار به.

(١) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ١٩ كتاب المضاربة ، ب ١ ح ٣.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا فحيث إنّ المفروض أن العامل ليس بعاجز عن التجارة بجميع أجزاء ذلك المال وإن كان عاجزاً عن الاتجار بمجموعه ، فلا موجب للحكم بالبطلان من رأس وفي جميع المال ، بل يتعين الحكم بالصحة فيما يقدر عليه ، والبطلان فيما يعجز عنه. فإنه لا محذور فيه سوى توهم أنّ الجهالة بالمقدار المقدور يستتبع الغرر الموجب لبطلان العقد ، إلّا أنك قد عرفت ما في هذا التوهم ، حيث لا غرر فلا موجب للحكم بالفساد.

نعم ، لو كانت اجرة المثل في الخارج أقلّ من الربح المجعول للعامل ، وكان المالك حين العقد جاهلاً بعجز العامل عن الاتجار ببعض المال ، كان له الخيار في فسخ العقد من رأس ، لتخلف الشرط ، وهو انضمام المضاربة بكل جزء بالمضاربة بالجزء الآخر كما هو الحال في سائر موارد تبعض الصفقة. فيثبت للعامل اجرة مثل عمله حينئذٍ ، أو إمضاء العقد في ذلك الجزء ، فيكون له ما اتفقا عليه من النسبة. وأما الحكم بالبطلان من رأس كما أفاده الماتن (قدس سره) ، فلا وجه له ولا يمكن المساعدة عليه.

وبعبارة اخرى نقول : إن المقدار المقدور ، تارة يكون متميزاً عن غير المقدور وأُخرى لا يكون كذلك.

ففي الأوّل : لا ينبغي الشك في صحة المعاملة بالنسبة إلى المقدار المقدور ، فإنه من ضم المعاملة الصحيحة إلى المعاملة الفاسدة. نظير بيع الخنزير والشاة جملة ، أو بيع ماله ومال غيره كذلك ، فإنها تتبعض لا محالة ، فتبطل في الخنزير ومال الغير ، وتصحّ في الشاة وماله.

وهذا جارٍ في الإجارة أيضاً ، فإنه لو آجره لعملين أحدهما مقدور والآخر غير مقدور دفعة ، صحّت بالنسبة إلى المقدور ، وبطلت بالنسبة إلى غيره.

والحاصل إنَّ ضمَّ معاملة صحيحة إلى أُخرى فاسدة ، لا يوجب البطلان بالنسبة إلى الصحيحة ، بل تنحلّ المعاملة الواحدة إلى معاملتين ، فتصحّ بالنسبة إلى الواجدة للشرائط ، وتبطل بالنسبة إلى غيرها.

ومنه يتّضح فساد ما ذكره (قدس سره) من عدم استحقاق العامل شيئاً من الربح فإنّ له النسبةَ المتَّفقَ عليها من ربح ما اتّجر به ، لانكشاف كونه مقدوراً وصحيحاً.

١٩

مع جهله بالبطلان (١) ويكون ضامناً

______________________________________________________

وفي الثاني : فيحكم بالصحة في المقام أيضاً ، وإن كنا نحكم بالفساد في الإجارة باعتبار أنه يعتبر فيها معلومية العمل بخلاف المضاربة ، حيث قد عرفت أنه لا يعتبر فيها معرفة مقدار المال ، لعدم الغرر في الجهل به. وعلى تقديره ، فلا دليل على نفيه بقول مطلق.

إذن فلا موجب للحكم فيه بالبطلان فيما ظهر مقدوريته بعد ذلك من رأس ، بعد أنْ كانت المضاربة عقداً جائزاً ولم يتضمّن التمليك من الابتداء ، ولا مجال لقياسها بالإجارة التي هي من العقود اللازمة المتضمنة للتمليك من الطرفين. بل المتعين هو الحكم بثبوت النسبة المعينة من الربح للعامل ، فيما إذا لم يكن المالك جاهلاً بعجزه عن المضاربة بالجميع من أوّل الأمر. وإلّا فهو بالخيار ، إن شاء أبقى المعاملة كما كانت فيأخذ العامل نصيبه من الربح. أو فسخ ، لتبعض الصفقة ، فيكون للعامل اجرة مثل عمله.

(١) ما أفاده (قدس سره) متفرع على اختياره لبطلان المضاربة في المقام ، فلا تثبت له الحصّة المعينة من الربح. وأما بناءً على ما اخترناه من صحّتها بالنسبة إلى المقدور ، فلا موضوع لهذا الكلام كما عرفت.

وكيف كان ، فكأنّ الوجه فيما أفاده (قدس سره) من استحقاق العامل لُاجرة مثل عمله عند جهله بالبطلان خاصّة ، هو عدم إقدام العامل حينئذٍ على التبرع بعمله والمجانية ، بخلاف ما لو كان عالماً بالفساد وعدم استحقاقه للنصيب المعيَّن ، فإنه وبإقدامه بعد ذلك على العمل يكون مقدماً على التبرع بالعمل والمجانية.

إلّا أنك عرفت في مبحث الإجارة ، أنّ العلم بالفساد لا يعني إقدام العامل على العمل مجّاناً ، بل غاية ما يقتضيه هو العلم بعدم إمضاء الشارع المقدس للعقد وعدم استحقاقه للنصيب المعين ، وهو لا يعني التبرع بعمله والإقدام على المجّانية. ولذا يضمن كلٌّ من المتبايعين ما قبضاه بالعقد الفاسد ، حتى مع علمهما بالفساد.

٢٠