موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

وجوب الحجّ

يجب الحجّ على كلّ مكلّف جامع للشرائط الآتية ووجوبه ثابت بالكتاب والسنّة القطعيّة.

والحجّ ركن من أركان الدِّين ووجوبه من الضروريّات (١)

______________________________________________________

(١) لا ينبغي الرّيب والإشكال في أنّ الحجّ من أوضح الواجبات الإلهيّة ، ومن أعظم الشعائر الإسلاميّة ، وهو ركن من أركان الدِّين ، ووجوبه من الضروريّات عند المسلمين ، بل هو المعروف لدى بعض الأُمم السابقة ، أقرّه الإسلام ولكن جعل له أحكاماً خاصّة تختلف عمّا سبق ، وهو من أفضل الطاعات والقربات إلى الله تعالى وأهمّ العبادات ، وقد صرّح الكتاب العزيز بوجوبه فقال عزّ من قائل :

(... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١).

كما وأنّ الأخبار المتواترة صرّحت بذلك (٢) وفي روايات كثيرة مذكورة في كتب الفريقين أنّ الإسلام بني على خمس وعدّ منها الحجّ.

ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «بُني الإسلام على خمسة

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ١ ، ٣ ، ٦.

١

وتركه مع الاعتراف بثبوته معصية كبيرة (١) كما أنّ إنكار أصل الفريضة إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة كفر (٢)

______________________________________________________

أشياء : على الصّلاة والزّكاة والحجّ والصّوم والولاية» (١).

وفي صحيح البخاري قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «بُني الإسلام على خمس : شهادة أنّ لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة والحجّ وصوم رمضان» (٢) ونحوه في صحيح مسلم.

(١) بل من أعظم الكبائر لأنّه من أهمّ الواجبات الإسلاميّة ، وكما قدّمنا من الدعائم الخمس الّتي بني عليها الإسلام ، فحكم تارك الحجّ عمداً حكم تارك الصّلاة والزّكاة في الإثم واستحقاق العقاب. ويستفاد ذلك أيضاً من بعض النصوص الواردة في عدّ الكبائر (٣). كما وقد صرّحت بعض الأخبار الواردة في تسويف الحجّ «أنّه من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً» (٤).

(٢) لأنّه يستلزم حينئذ إنكار النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) وتكذيبه ، وأمّا إذا كان إنكاره مستنداً إلى شبهة بحيث لا يوجب إنكار النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلا يوجب الكفر ، لما ذكرنا في كتاب الطّهارة أنّ إنكار الضروري بنفسه ما لم يرجع إنكاره إلى إنكار النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) لا يوجب الكفر ، وقد قلنا هناك إنّ الإسلام متقوم بأُمور ثلاثة بها يمتاز المسلم عن الكافر ، وهي الشهادة بالوحدانيّة والشهادة بالرسالة والاعتقاد بالمعاد ، وليس إنكار الضروري منها (٥).

وقد يستدل على كفر منكر الحجّ بوجهين :

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١ ح ٢.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٨ / كتاب الإيمان ، صحيح مسلم ١ : ٧٢ / كتاب الإيمان ب ٥ ح ١٩.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣١٨ / أبواب جهاد النفس ب ٤٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٧ ح ١.

(٥) راجع شرح العروة ٣ : ٥٣.

٢

قال الله تعالى في كتابه المجيد (... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ).

______________________________________________________

الوجه الأوّل : التمسّك بذيل آية الحجّ في قوله تعالى (... وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١) فإنّ التعبير عن الترك بالكفر كاشف من أنّ منكره كافر.

والجواب عنه أوّلاً : أنّ الآية الشريفة غير دالّة على أنّ منشأ الكفر هو إنكار الحجّ بل الظاهر من الآية الكريمة أن من كفر بسبب من أسبابه فيكون كفره منشأً لترك الحجّ طبعاً ، ونظير ذلك قوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٢) فإنّ الآيات لا تدلّ على أنّ تارك الصّلاة أو مانع الزّكاة كافر ، بل تدلّ على أنّ الكفر الحاصل بتكذيب يوم القيامة يكون منشأ لترك الصّلاة وترك الزّكاة.

وثانياً : أنّ الكفر في الآية فسّر بالترك في صحيح معاوية بن عمار «وعن قول الله عزّ وجلّ (وَمَنْ كَفَرَ) يعني من ترك» (٣).

وثالثاً : لا يبعد أن يكون المراد بالكفر في المقام الكفر المقابل للشكر لا الكفر المقابل للإيمان ، فيكون المعنى حينئذ من كفر بالنعمة ولم يشكر ما رزقه الله من نعمة الهداية ولم يعمل بوظيفته ولم يأت بالحج فإنّ الله غني عن العالمين.

الوجه الثّاني : صحيح علي بن جعفر على طريق الشيخ عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «إنّ الله عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام وذلك قوله عزّ وجلّ (... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) قال : قلت : فمن لم يحجّ منّا فقد كفر؟ قال : لا ، ولكن من قال

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٢) المدثر ٧٤ : ٤٢ ٤٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٣١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٧ ح ٢.

٣

وروى الشيخ الكليني بطريق معتبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً» وهناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحجّ والاهتمام به لم نتعرّض لها طلباً للاختصار ، وفي ما ذكرناه من الآية الكريمة والرّواية كفاية للمراد.

واعلم أنّ الحجّ الواجب على المكلّف في أصل الشرع إنّما هو لمرّة واحدة ويسمّى ذلك بحجّة الإسلام (١).

______________________________________________________

ليس هذا هكذا فقد كفر» (١) بدعوى : أنّ قوله : «ليس هذا هكذا» راجع إلى إنكار الحجّ.

وفيه : أنّ الظاهر رجوع ذلك إلى إنكار القرآن ، يعني من قال : إنّ هذه الآية ليست من القرآن وإنّ القرآن ليس هكذا فقد كفر ، فإنّه (عليه السلام) استشهد أوّلاً بالآية ثمّ بعد ذلك سأل السائل فمن لم يحجّ فقد كفر فقال (عليه السلام) : لا ، ولكن من قال : إنّ هذا ليس من القرآن فقد كفر لرجوع ذلك إلى تكذيب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله).

(١) بلا خلاف بين المسلمين ، بل الحكم بذلك يكاد أن يكون من الضروريّات. مضافاً إلى ذلك قيام السيرة القطعيّة على أنّه لو كان واجباً على أهل الثروة أكثر من مرّة واحدة لظهر وبان ولم يكن خفياً على المسلمين. وتدل على ذلك أيضاً النصوص فيها الصحيح وغيره ، منها معتبرة البرقي في حديث «وكلّفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك» (٢).

وبإزائها ما يدلّ على وجوب الحجّ في كلّ عام على أهل الجدة والثروة وقد أفتى على طبقها الصدوق (٣) ، منها : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : «إنّ الله عزّ وجلّ فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام ، وذلك قوله عزّ وجلّ :

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢ ح ١ ، التهذيب ٥ : ١٦ / ٤٨.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣ ح ١ ، المحاسن : ٢٩٦ / ٤٦٥.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٤٠٥.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١). ومن ثمّ وقع الكلام في التوفيق بين الطائفتين المتعارضتين.

ويمكن الجمع بينهما بوجوه :

الأوّل : حمل الطائفة الثّانية على الاستحباب كما عن الشيخ (٢) (قدس سره).

وفيه : أنّه ينافيه قوله : «فرض الحجّ على أهل الجدة في كلّ عام» خصوصاً مع استشهاده (عليه السلام) بالآية الكريمة.

الوجه الثّاني : حملها على الوجوب البدلي ، بمعنى وجوب الحجّ عليه في العام الأوّل فإن تركه يجب عليه في العام الثّاني وهكذا.

وفيه : أنّ الوجوب البدلي بهذا المعنى ممّا يقتضيه طبع كلّ واجب ولا يحتاج إلى أن يبيّنه الإمام (عليه السلام) فإنّ الواجب يجب الإتيان به متى أمكن ، فإن عصى ولم يأت به في الآن الأوّل يجب امتثاله في الآن الثّاني وهكذا ، والعصيان في الزمان الأوّل لا يوجب سقوط الوجوب ولزوم الإتيان به في الزمان الثّاني.

الوجه الثّالث : ما ذكره صاحب الوسائل من حمل الوجوب على الوجوب الكفائي بمعنى أنّه يجب الحجّ على كلّ أحد في كلّ عام على نحو الوجوب الكفائي (٣).

والجواب عنه : أنّه لا يجتمع ذلك مع ظهور الروايات في الوجوب العيني ، مضافاً إلى أنّ الالتزام بالوجوب الكفائي يتوقف على تعطيل الكعبة ، وأمّا إذا فرض عدم تعطيلها ولا أقل من أداء أهل مكّة الحجّ فلا موجب للوجوب الكفائي على سائر المكلّفين.

فالصحيح أن يقال في وجه الجمع : إنّ هذه الطائفة من الروايات ناظرة إلى ما كان يصنعه أهل الجاهليّة ، فإنّهم كانوا لا يحجّون في بعض السنين القمريّة ، وكانوا يعدّون الأشهر بالحساب الشمسي ويؤخِّرون الأشهر عمّا رتّبها الله تعالى ، وإلى ذلك يشير

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢ ح ١.

(٢) الإستبصار ٢ : ١٤٩.

(٣) الوسائل ١١ : ١٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢.

٥

مسألة ١ : وجوب الحجّ بعد تحقّق شرائطه فوري فتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة (١)

______________________________________________________

قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) ... (١) فربّما يمرّ عام قمري ولا يحجّون فيه فأنزل الله تعالى آية الحجّ ردّاً عليهم بأنّ الحجّ يجب الإتيان به في كلّ عام قمري ولا يجوز خلوّه من الحجّ ، وأنّه لا بدّ من الإتيان به في كلّ شهر ذي الحجّة ، فالمنظور في الآية والرّوايات أنّ كلّ سنة قمريّة لها حج يجب الإتيان به ، لا أنّه يجب الحجّ على كلّ أحد في كلّ عام.

(١) ويدل عليه أمران :

الأوّل : حكم العقل بذلك ، فإنّ الواجب بعد ما تحققت شرائطه وكان المكلّف واجداً لشرائط التكليف فلا بدّ للمكلّف من تفريغ ذمّته بالإتيان بما أُمر به ليأمن العقوبة من مغبّة العصيان ، ولا عذر له في التأخير مع احتمال الفوت. نعم ، لو اطمأنّ بالبقاء وبالتمكّن من إتيان الواجب ولو في آخر الوقت لا تجب المبادرة حينئذ ، ولذا جاز تأخير بعض الواجبات المؤقتة كالصلاة عن أوّل وقتها ، لأجل حصول الاطمئنان والوثوق ببقائه والتمكّن من الإتيان بالمأمور به ولو في آخر الوقت ، لكون الوقت قصيراً لا يحتمل التلف والفوت في هذه المدّة غالباً ، وهذا الاطمئنان والوثوق غير حاصل في الحجّ لأنّ الفصل طويل والطوارئ والموانع كثيرة.

وبالجملة الميزان في جواز التأخير ووجوب المبادرة حصول الاطمئنان بالبقاء وعدمه ، وعليه فربّما نلتزم بالفوريّة حتّى في الصلاة فيما إذا لم يطمئن المكلّف بالبقاء إلى آخر الوقت.

الثّاني : الأخبار الدالّة على المنع عن التسويف وعدم المبادرة.

منها : معتبرة أبي بصير قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من مات

__________________

(١) التّوبة ٩ : ٣٧.

٦

وإن تركه فيها عصياناً ، أو لعذر وجب في السنة الثّانية وهكذا (١) ، ولا يبعد أن يكون التأخير من دون عذر من الكبائر (٢).

______________________________________________________

وهو صحيح موسر لم يحجّ فهو ممّن قال الله عزّ وجلّ (... وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) قال : قلت : سبحان الله أعمى؟ قال : نعم ، إنّ الله عزّ وجلّ أعماه عن طريق الحق» (١). ولو كان التأخير جائزاً لم يكن مستحقاً للعقاب.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قال الله تعالى (... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ... قال : هذه لمن كان عنده مال وصحّة ، وإن كان سوقة للتجارة فلا يسعه وإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحجّ به» (٢) ونحوهما غيرهما.

(١) لعدم سقوط وجوب الواجب بالعصيان ، أو بالترك عن عذر مع بقاء الموضوع ، والعقل الحاكم بوجوب المبادرة في السنة الأُولى يحكم به في السنين الآتية أيضاً.

(٢) كما صرّح به جماعة منهم المحقق في الشرائع ، فإنّه ذكر فيها أنّ التأخير مع الشرائط كبيرة موبقة (٣) ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك ، ولكن استفادته من النصوص مشكلة ، فإنّ المستفاد منها أن ترك الحجّ كلية كبيرة مهلكة ، وأمّا تأخير الحجّ وترك المبادرة إليه وإن كان حراماً لأنّه ترك ما وجب عليه من الفوريّة إلّا أنّه لم يثبت كونه كبيرة.

نعم ، لا يبعد دعوى صدق الاستخفاف والتهاون بأمر الحجّ على تأخيره وعدم المبادرة إليه ، فإنّ الاستخفاف به نظير الاستخفاف بالصلاة كما في قوله تعالى : (فَوَيْلٌ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦ ح ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦ ح ١.

(٣) الشرائع ١ : ٢٥٠.

٧

مسألة ٢ : إذا حصلت الاستطاعة وتوقّف الإتيان بالحج على مقدّمات وتهيئة الوسائل وجبت المبادرة إلى تحصيلها (١) ولو تعددت الرفقة ، فإن وثق بالإدراك مع التأخير جاز له ذلك ، وإلّا وجب الخروج من دون تأخير (٢).

______________________________________________________

لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (١) بناءً على أنّ المراد بالسهو الاستخفاف بها والتأخير عن أوقاتها ، والحجّ مثل الصلاة لأنّه من دعائم الإسلام وممّا بُني عليه فتأمّل. والعمدة دعوى الإجماع.

(١) لوضوح وجوب تحصيل مقدّمات الواجب لأجل إدراك الواجب في وقته بحكم العقل.

(٢) لو تعدّدت الرفقة واختلف زمان الخروج ، فهل يجب الخروج مع الاولى مطلقاً ، أو يجوز التأخير إلى الأُخرى بمجرّد احتمال الإدراك أو لا يجوز إلّا مع الوثوق بالإدراك؟ أقوال ثلاثة.

فعن الشهيد الثّاني وجوب الخروج مع الاولى مطلقاً ، وإن وثق بأنّه يدرك الحجّ مع الثّانية (٢) ، وعن السيِّد في المدارك جواز التأخير إلى الأُخرى بمجرّد احتمال الإدراك معها وإن لم يثق به (٣) ، وعن الشهيد الأوّل عدم جواز التأخير إلّا مع الوثوق (٤) ، وهذا هو الصحيح ، فإنّ القولين الأوّلين لا دليل عليهما ، إذ الميزان هو الوثوق بالوصول وإدراك الحجّ ولا موجب للخروج مع الأُولى إذا كان واثقاً بالوصول مع الثّانية ، كما أنّه لا وجه للتأخير إلى الثّانية مع عدم الوثوق بالوصول معها.

__________________

(١) الماعون ١٠٧ : ٥.

(٢) الروضة ٢ : ١٦١.

(٣) المدارك ٧ : ١٨.

(٤) الدروس ١ : ٣١٤.

٨

مسألة ٣ : إذا أمكنه الخروج مع الرفقة الاولى ولم يخرج معهم لوثوقه بالإدراك مع التأخير ولكن اتّفق أنّه لم يتمكّن من المسير ، أو أنّه لم يدرك الحجّ بسبب التأخير ، استقرّ عليه الحجّ وإن كان معذوراً في تأخيره (١).

______________________________________________________

(١) لأنّ موضوع استقرار وجوب الحجّ عليه هو مجرّد التمكّن من السير مع القافلة الأُولى ، وإن جاز له التأخير مع الرفقة الثّانية. ولكن الظاهر أنّه لا موجب للاستقرار مع جواز التأخير كما ذكر سيِّدنا الأُستاذ (دام ظله) في تعليقته على العروة (١) ، إذ لا عبرة بمجرّد التمكّن من الخروج والسير مع القافلة الأُولى ، وإلّا فلازمه أنّه لو سافر مع القافلة الأُولى وكان متمكّناً من التأخير مع الثّانية واتّفق عدم الإدراك مع الأُولى لأسباب طارئة بينما أدرك الثّانية ، أنّ الحجّ يستقر عليه في هذا الفرض ، ولا أظن أن أحداً يلتزم بذلك ، والسبب فيه أنّه قد عمل على طبق وظيفته الشرعيّة ولم يهمل في الامتثال ، وإنّما قدّم أو أخّر بمسوغ شرعي ، والعبرة في استقرار الحجّ بالإهمال والتفويت العمدي كما صرّح بذلك المحقّق حيث أخذ عنوان الإهمال موضوعاً للاستقرار (٢) والمفروض عدم صدق الإهمال على من عمل بوظيفته الشرعيّة وقدّم أو أخّر السير بعذر شرعي.

وما استدلّ به للاستقرار من أخبار التسويف (٣) والأخبار الدالّة على خروج الحجّ من أصل المال (٤) لا يعمّ المقام ، وهو من قد عمل بوظيفته الشرعيّة وكان التسويف والتأخير مستنداً إلى عذر شرعي ، فالحكم المذكور في المتن مبني على الاحتياط.

__________________

(١) العروة الوثقى ٢ : ٢٢١ / ٢٩٨١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٥٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦.

(٤) الوسائل ١١ : ٦٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥.

٩

شرائط وجوب حجّة الإسلام

الشرط الأوّل : البلوغ

فلا يجب على غير البالغ وإن كان مراهقاً (١). ولو حجّ الصبي لم يجز عن حجّة الإسلام (٢). وإن كان حجّه صحيحاً على الأظهر (٣).

______________________________________________________

شرائط وجوب حجّة الإسلام

(١) لا إشكال ولا خلاف في اعتبار البلوغ في جميع التكاليف الإلهيّة ، وتدل عليه مضافاً إلى حديث جري القلم (١) جملة من الرّوايات الدالّة على أنّ حج الصبي لا يجزي عن حجّة الإسلام ، منها : معتبرة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين يحجّ؟ قال : عليه حجّة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحجّ إذا طمثت» (٢) فإنّ المستفاد منها أنّ حجّة الإسلام باقية عليه إلى أن يبلغ وإن حجّ قبل ذلك.

(٢) كما صرّح بذلك في المعتبرة السابقة.

(٣) تدل على صحّة حجّه نفس الرّوايات الّتي وقع السؤال فيها عن إجزاء حجّ الصبي عن حجّة الإسلام ، إذ لو كان حجّه باطلاً لا معنى للسؤال عن إجزاء الحجّ الباطل عن حجّة الإسلام.

هذا مضافاً إلى ما دلّ على مشروعيّة مطلق عباداته ، لما ذكرنا أنّ الأمر بأن يؤمر الصبي بالصّلاة والصّيام يدل على مشروعيّة ذلك في حقّهم ، لما ثبت في محلّه (٣) أنّ

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٤٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٢ ح ١.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٧٦.

١٠

مسألة ٤ : إذا خرج الصبي إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً ، فلا إشكال في أنّ حجّة حجّة الإسلام (١). وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه لم يجز له إتمام حجّه ندباً ، ولا عدوله إلى حجّة الإسلام ، بل يجب عليه الرّجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه لحجّة الإسلام فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليه ففي محل إحرامه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى في حكم من تجاوز الميقات جهلاً أو نسياناً ولم يتمكّن من الرّجوع إليه في المسألة ١٦٩ (٢).

مسألة ٥ : إذا حجّ ندباً معتقداً بأنّه غير بالغ فبان بعد أداء الحجّ أنّه كان بالغاً أجزأه عن حجّة الإسلام (٣).

______________________________________________________

الأمر بالأمر بشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء.

(١) هذا ممّا لا ريب فيه ويشمله إطلاق أدلّة وجوب الحجّ من الآية والرّوايات والإتيان بالمقدّمات حال الصغر غير ضائر في احتساب حجّه عن حجّة الإسلام.

(٢) لو بلغ الصبي بعد الإحرام وقبل الشروع في بقيّة الأعمال فهل يتم حجّه ندباً أو ينقلب حجّه إلى حجّة الإسلام ، أو يبدأ في إحرام جديد ، فيجب عليه الرّجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه لحجّة الإسلام؟ وجوه :

أمّا الوجه الأوّل وهو إتمامه ندباً ، فلا وجه له إلّا ما يتوهّم من أنّ المفروض أنّه محرم وليس للمحرم أن يحرم ثانياً ، فلا بدّ له من إتمام ما نواه بالإحرام الأوّل.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ البلوغ اللّاحق يكشف عن فساد الإحرام السابق ، لأنّه لو بلغ بعد الإحرام يشمله عموم أدلّة وجوب الحجّ ، فيكون الوجوب في ظرفه كاشفاً عن بطلان ما تقدّم منه من الإحرام.

وأمّا الوجه الثّاني وهو الانقلاب إلى حجّة الإسلام ، فلا دليل عليه فيتعيّن الوجه الثّالث وهو لزوم الرّجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه من جديد ، لما قلناه من بطلان إحرامه الأوّل فيشمله عموم ما دلّ على وجوب الحجّ والإحرام من الميقات.

(٣) ما ذكره (دام ظله الشريف) إنّما يتم فيما إذا قصد الصبي الأمر الواقعي الفعلي

١١

مسألة ٦ : يستحب للصبي المميِّز أن يحجّ (١) ، ولا يشترط في صحّته إذن الولي (٢).

______________________________________________________

المتوجه إليه ، ولكن من باب الاشتباه والخطأ في التطبيق كما هو الغالب تخيّل أنّه الندبي ، توضيح ذلك : أنّ الواجب على المكلّف قد يكون أمرين لا يمتاز أحدهما عن الآخر إلّا بالقصد كصلاتي الظهر والعصر أو الأداء والقضاء أو النافلة والفريضة ، فإن امتثال كلّ واحد منهما في فرض ثبوت كليهما عليه لا يتحقق إلّا بقصد عنوانه الخاص ، فلو أتى بأربع ركعات وكان عليه الظهر والعصر ، ولم يقصد عنوان الظهر ولا العصر لا يقع ما أتى به لا عن الظهر ولا عن العصر.

وقد يكون الواجب عليه أمراً واحداً ، ولكن في مقام الامتثال تخيّل أنّ عليه الظهر فبان خلافه وأنّه العصر ، فإن كان قصد العنوان بنحو التقييد بطل عمله ، لأنّ الواقع لم يقصد وما كان مقصوداً لا واقع له ، وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق فلا بأس بالحكم بالصحّة ، لأنّه في الحقيقة قصد الأمر الفعلي المتوجه إليه وقصد ماله واقع ، غاية الأمر تخيّل أنّ الواقع هو الّذي قصده وذلك غير ضائر في تحقق الامتثال ، ومقامنا من هذا القبيل.

(١) يكفينا في الحكم بذلك مضافاً إلى شمول عمومات استحباب الحجّ للصبي نفس الرّوايات (١) الدالّة على عدم إجزاء حجّه عن حجّة الإسلام ، إذ لا بدّ من فرض صحّته حتّى يقال بالإجزاء أو عدمه ، وإلّا لو كان باطلاً فلا مجال لإجزائه عن حجّة الإسلام ، ولا موقع للسؤال عن ذلك. وبالجملة لا ينبغي الريب في استحباب الحجّ للصبي المميز ، وقد ادّعي عليه الإجماع أيضاً.

(٢) وقع الكلام في اعتبار إذن الولي في صحّة حجّ الصبي ، المشهور اعتبار إذنه فلو حجّ الصبي بدون إذن وليه بطل حجّه واستدلّ لهم بوجهين :

أحدهما : أنّ الحجّ عبادة توقيفيّة يجب أن تتلقى من الشارع ، ومخالف للأصل

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٢.

١٢

مسألة ٧ : يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز (١) ، ذكراً كان أم أُنثى (٢)

______________________________________________________

فيجب الاقتصار فيه على المتيقن وهو مورد إذن الولي.

والجواب عنه : أنّ إطلاق الأدلّة والعمومات كافية في صحّته ورجحانه.

ثانيهما : أنّ الحجّ يتوقف في بعض الأحوال على صرف المال كما في الهدي والكفّارات ، ومعلوم أنّ جواز التصرّف في المال يحتاج إلى إذن الولي.

وفيه أوّلاً : أنّه يمكن أن يقال بعدم ثبوت الكفّارة في حقّه نظراً إلى أن عمد الصبي وخطأه واحد.

وثانياً : لو سلمنا ثبوت الكفّارة فيمكنه الاستئذان من الولي في إعطاء الكفّارة وشراء الهدي ، فإن أذن فهو وإلّا كان عاجزاً عن أداء الكفّارة ويأتي بها بعد البلوغ وكذلك الهدي إن أذن فهو وإلّا صار عاجزاً عن الهدي ومجرّد ذلك لا يوجب سقوط الحجّ عنه. فالصحيح ما ذهب إليه جماعة أُخرى من صحّة حجّه وعدم اعتبار إذن الولي في صحّته.

(١) لجملة من الأخبار ، منها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم يطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه» (١) وغيرها من الرّوايات الدالّة على استحباب إحجاج الأطفال ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كونهم مميزين أو غير مميزين ، بل مورد بعضها غير المميز غاية الأمر تختلف كيفيّة حجّ المميز عن غيره ، والظاهر أنّه لم يستشكل أحد من الفقهاء في ذلك.

(٢) لا يخفى أنّ الأصحاب لم يفرّقوا في استحباب إحجاج الأطفال بين الصبي والصبية ولكن صاحب المستند (قدس سره) استشكل في الصبية ، لاختصاص النصوص بالصبيان

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٣.

١٣

وذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام ويأمره بالتلبية ويلقنه إيّاها إن كان قابلاً للتلقين وإلّا لبى عنه ، ويجنّبه عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه (١) ويجوز أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخ (٢) إذا كان سائراً من ذلك الطريق ، ويأمره بالإتيان بكلّ ما يتمكّن منه من أفعال الحجّ وينوب عنه فيما لا يتمكّن ويطوف به ويسعى

______________________________________________________

وإلحاق الصبية بهم يحتاج إلى دليل (١).

ويردّه : أنّ المذكور في الرّوايات وإن كان الصبيان ، ولكن يظهر منها حسب المتفاهم العرفي أنّ المراد بالصبي أو الصبيان ما يقابل البالغين لا الذكور خاصّة ، كما هو الظاهر من صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «قلت له : إنّ معنا صبياً مولوداً كيف نصنع به؟ فقال : مر امّه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها ، فأتتها فسألتها كيف تصنع ، فقالت : إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه ، وجرّدوه وغسلوه كما يجرّد المحرم وقفوا به المواقف ... الحديث» (٢) فإنّ المستفاد من السؤال والإرجاع إلى أُمّ حميدة ليس هو خصوص حجّ الذكور من الأطفال دون الإناث ، بل المنظور في الأسئلة والأجوبة في هذه الرّواية وغيرها من الرّوايات هو الصغير مقابل الكبير ، وأنّه لو كان مميّزاً تصدّى الأعمال بنفسه ، وإن كان غير مميّز أناب عنه وليّه ، ولا نظر لها إلى الذّكورة والأُنوثة ، وبما ذكرنا يظهر حال بقيّة الرّوايات. والظّاهر أنّ أحداً من الفقهاء لم يستشكل ولم يتوقّف في تعميم الحكم للصبية ، فما ذكره صاحب المستند غير تام.

(١) ورد ذلك كلّه في نصوص الباب كصحيحة زرارة وصحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج (٣) وغيرهما.

(٢) لما رواه الشيخ بإسناد صحيح عن أيّوب بن الحر ، قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) من أين تجرّد الصبيان؟ قال : كان أبي يجرّدهم من فخ» ونحوه صحيح

__________________

(١) مستند الشيعة ١١ : ١٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥ ، ١.

١٤

بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات والمشعر ، ويأمره بالرمي إن قدر عليه وإلّا رمى عنه ، وكذلك صلاة الطّواف ، ويحلق رأسه وكذلك بقيّة الأعمال.

مسألة ٨ : نفقة حجّ الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي ، نعم إذا كان حفظ الصبي متوقفاً على السفر به ، أو كان السفر مصلحة له جاز الإنفاق عليه من ماله (١).

مسألة ٩ : ثمن هدي الصبي على الولي (٢).

______________________________________________________

علي بن جعفر (١) وأمّا بقيّة الآداب والأعمال المسطورة في المتن فهي مذكورة في النصوص الواردة في المقام (٢).

(١) لا ريب في أنّ نفقة الصبي ممّا تتوقّف عليه حياته ومصالحه تكون من مال الصبي ، سواء كان في السفر أو الحضر ، وأمّا النفقة الزائدة على الحضر الّتي تصرف في السفر فلا مجوّز لتصرّف الولي في المال الزائد ، إلّا إذا كان في السفر بالطفل مصلحة عائدة إليه فلا بأس بأخذ الزائد من ماله.

(٢) لا إشكال في أنّ التصرّف في مال الطفل في نفسه غير جائز إلّا إذا عاد إلى مصلحة ينتفع بها الطفل ، ولا ريب أنّ صرف مال الصبي في الهدي ليس من مصالحه إذ بإمكان الولي أن يأخذه معه ولا يحجّ به ، والمستفاد من الرّوايات إنّما هو مجرّد استحباب إحجاج الصبي ، وأمّا صرف ماله في الحجّ فيحتاج إلى دليل ، ولذا ذكرنا في المسألة السابقة أنّ نفقة الحجّ فيما يزيد على الحضر على الولي إلّا إذا كان السفر مصلحة للصبي ، فما يصرف في الحجّ وشؤونه لا وجه لأخذه من مال الطفل.

ويدلُّ على ذلك أيضاً صحيح زرارة «إذا حجّ الرّجل بابنه وهو صغير إلى أن قال يذبح عن الصغار ويصوم الكبار» (٣) ومورد الرّواية وإن كان إحجاج الأب ابنه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٦ / أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ / ١٤٢٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

١٥

وكذلك كفارة صيده (١) وأمّا الكفّارات الّتي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فالظاهر أنّها لا تجب بفعل الصبي لا على الولي ولا في مال الصبي (٢).

______________________________________________________

ولكن بقرينة قوله : «لبّوا عنه» يظهر أنّ الطفل كان في جماعة حجّوا به ، فالهدي على من حجّ به أباً كان أم غيره ، كما يدل على ذلك أيضاً موثقة إسحاق بن عمار «عن غلمان دخلوا مكّة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام ، قال قل لهم : يغتسلون ثمّ يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم» (١) والمأمور بالذبح إنّما هو الّذي حجّ بالصبي.

(١) كما هو المشهور ، وعن ابن إدريس عدم وجوب الكفّارة أصلاً لا على الولي ولا في مال الصبي (٢) ، وعن العلّامة في التذكرة أنّها تجب في مال الصبي (٣) ، وما ذهب إليه المشهور هو الصحيح ، لصحيح زرارة «وإن قتل صيداً فعلى أبيه» وقد عرفت فيما سبق أنّ الأب لا خصوصيّة له ، وإنّما وجب عليه لكونه من مصاديق الولي ، فلا وجه لما عن العلّامة بعد تصريح الرّواية ، كما لا وجه لما عن ابن إدريس فإنّ ذلك اجتهاد في مقابل النص.

(٢) أمّا عدم وجوبها على الولي فواضح ، لعدم الموجب له والنص المتقدّم إنّما دلّ على أنّ كفارة الصيد على أبيه ، فلا يقاس غير الصيد به ، كما لا تجب على الصبي أيضاً لأنّ وجوب الكفّارة ليس من قبيل باب الضمان والإتلاف ، بل هو حكم تكليفي ثابت في مورده ومرفوع عن الطفل ، لحديث رفع القلم وعدم جريه عليه.

وقد يستدل لذلك بأن عمد الصبي وخطأه واحد كما في صحيحة محمّد بن مسلم وأن عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة كما في معتبرة إسحاق بن عمّار (٤).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٢.

(٢) السرائر ١ : ٦٣٧.

(٣) التذكرة ٧ : ٣٢.

(٤) الوسائل ٢٩ : ٤٠٠ / أبواب العاقلة ب ١١ ح ٢ ، ٣.

١٦

الشرط الثّاني : العقل

فلا يجب الحج على المجنون وإن كان أدواريّاً (١) نعم ، إذا أفاق المجنون في أشهر الحجّ وكان مستطيعاً ومتمكّناً من الإتيان بأعمال الحجّ وجب عليه ، وإن كان مجنوناً في بقيّة الأوقات (٢).

الشرط الثّالث : الحرّيّة

فلا يجب الحجّ على المملوك وإن كان مستطيعاً ومأذوناً من قبل المولى (٣)

______________________________________________________

والجواب عنه : أنّ هذه الجملة بقرينة قوله : «يحمل على العاقلة» ناظرة إلى باب الديات والجنايات الّتي لعمدها حكم ولخطئها حكم آخر ، فإذا قتل الصبي عمداً يترتب على فعله حكم قتل الخطأ الصادر من البالغين ولا يقتص منه ، وأمّا المورد الّذي ليس له إلّا حكم واحد في حال العمد فغير مشمول لهذه الجملة ، ولذا لم يستشكل أحد في بطلان صلاة الصبي إذا تكلّم عمداً أو بطلان صومه إذا أفطر عمداً.

(١) لا ريب ولا خلاف بين العلماء كافة في اعتبار العقل في جميع التكاليف الإلهيّة وأنّ الأحكام الشرعيّة غير متوجّهة إلى المجنون فإنّه كالبهائم من هذه الجهة.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى ما تقدّم ، ما ورد من أنّ أوّل ما خلق الله العقل استنطقه ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل ، ثمّ قال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال : وعزّتي وجلالي إلى أن يقول وإيّاك أُعاقب ، وإيّاك أُثيب (١) فإنّه صريح في أنّ الثواب والعقاب يدوران مدار وجود العقل وعدمه.

(٢) لوجود المقتضي وعدم المانع ، ومجرّد حصول الجنون في بقيّة الأوقات السابقة أو اللّاحقة لا يمنع عن توجه التكليف إليه حال إفاقته.

(٣) قد تسالم الأصحاب على اعتبار الحرّيّة في وجوب الحجّ ، فلا يجب على

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٩ / أبواب مقدّمات العبادات ب ٣ ح ١.

١٧

ولو حجّ بإذن مولاه صحّ ولكن لا يجزئه عن حجّة الإسلام ، فتجب عليه الإعادة إذا كان واجداً للشرائط بعد العتق (١).

مسألة ١٠ : إذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحجّ بما يوجب الكفّارة فكفّارته على مولاه في غير الصيد ، وعلى نفسه فيه (٢).

______________________________________________________

المملوك وإن أذن له مولاه وكان مستطيعاً ، وقد تضافرت النصوص في ذلك ، منها : صحيح الفضل بن يونس «فليس على المملوك حج ولا عمرة حتّى يعتق» (١) نعم ، إنّ هناك رواية واحدة معارضة للروايات المتقدّمة وقد أُطلق فيها حجّة الإسلام على حجّ العبد ، وهي رواية أبان (٢) «أيّما عبد حج به مواليه فقد قضى حجّة الإسلام» (٣) ولكن لشذوذها ومخالفتها للروايات المشهورة لا بدّ من طرحها أو حملها على إدراك ثواب حجّة الإسلام كما في الجواهر (٤) أو حملها على حجّة الإسلام من العبد حال عبوديّته ، فلا ينافي ذلك ثبوت حجّة الإسلام المطلوبة من الأحرار عليه إذا أُعتق.

ويؤكّد ما ذكرناه إطلاق حجّة الإسلام على حجّه مع إيجابها عليه إذا أعتق في رواية أُخرى لأبان «والعبد إذا حجّ به فقد قضى حجّة الإسلام حتّى يعتق» (٥).

(١) أمّا الصحّة للنصوص الكثيرة ، منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ المملوك إن حجّ وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق وإن أُعتق فعليه الحجّ» (٦) وأمّا الإعادة فلارتفاع المانع والمفروض وجود المقتضي وللنصوص الكثيرة المتقدّمة.

(٢) لأنّ ذلك مقتضى الجمع بين صحيحة عبد الرّحمن بن أبي نجران قال : «سألت

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٤٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٥ ح ١.

(٢) عن حكم بن حكيم الصّيرفي ....

(٣) الوسائل ١١ : ٥٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ٧.

(٤) الجواهر ١٧ : ٢٤٢.

(٥) الوسائل ١١ : ٤٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ٢.

(٦) الوسائل ١١ : ٤٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ١.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أبا الحسن (عليه السلام) عن عبد أصاب صيداً وهو محرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : لا شي‌ء على مولاه» (١) المصرحة بأن ما أصاب العبد من صيد فليس على مولاه شي‌ء ، وبين صحيحة حريز المرويّة في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «كلّما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيِّد إذا أذن له في الإحرام» (٢) الدالّة على أنّ كلّ ما أصاب العبد صيداً كان أو غيره فهو على السيِّد فإن النسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، فتخصص الصحيحة الثّانية العامّة بالصحيحة الأُولى فتكون النتيجة هي التفصيل المذكور في المتن.

نعم ، ذكر في الإستبصار رواية حريز بعين السند المذكور في التهذيب لكن على نحو يختلف عمّا رواه في التهذيب ، فإنّ المذكور في الإستبصار «المملوك كلّما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه فهو على السيِّد إذا أذن له في الإحرام» (٣) فتكون منافية لصحيحة عبد الرّحمن بن أبي نجران ، لأن مقتضى صحيحة عبد الرّحمن ثبوت الكفّارة على العبد نفسه لا على مولاه إذا أصاب الصيد ، ومقتضى صحيحة حريز المرويّة في الإستبصار ثبوت كفارة الصيد على مولاه ، ولكن الظاهر أنّه لا موضوع للتعارض لأنّ رواية الإستبصار غلط ، لأنّ الشيخ روى هذه الرّواية بعين السند في التهذيب وذكر «كلّما أصاب العبد» ولا نحتمل أن يروي حريز بسند واحد مرّتين مختلفتين مرّة يروي لحماد «كلّما أصاب العبد» ومرّة اخرى يروي لحماد أيضاً «المملوك كلّما أصاب الصيد» فيدور الأمر بين صحّة ما في التهذيب وبين صحّة ما في الإستبصار والصحيح ما في التهذيب ، لأنّ الإستبصار ليس كتاباً مستقلا وإنّما يذكر فيه الرّوايات المتعارضة المذكورة في التهذيب ، وكلّ ما في الإستبصار موجود في التهذيب ولا عكس فالإستبصار جزء ومتمم لكتاب التهذيب فهو الأصل والمرجع ، فما في التهذيب هو المتعيّن. مضافاً إلى شهادة الكليني والصدوق (٤) بصحّة ما في التهذيب لأنّهما رويا مثل

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٠٥ / أبواب كفّارات الصيد ب ٥٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٠٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٥٦ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ / ١٣٣٤.

(٣) الإستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٤ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٦٤ / ١٢٨٤.

١٩

مسألة ١١ : إذا حجّ المملوك بإذن مولاه وانعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام (١) بل الظاهر كفاية إدراكه الوقوف بعرفات معتقاً وإن لم يدرك المشعر (٢) ويعتبر في الاجزاء الاستطاعة حين الانعتاق ، فإن لم يكن مستطيعاً لم يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام (٣)

______________________________________________________

ما جاء في التهذيب ، فلم يبق في البين إلّا رواية حريز المذكورة في التهذيب ورواية ابن أبي نجران ، وقد عرفت ما يقتضيه الجمع بينهما.

(١) بلا خلاف بين الأصحاب للنصوص الدالّة على ذلك ، منها : صحيحة معاوية ابن عمار «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : مملوك أُعتق يوم عرفة ، قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ» (١) فتكون هذه الطائفة من الأخبار الدالّة على الاكتفاء بإدراك أحد الموقفين معتقاً تخصيصاً للأخبار المتقدّمة الّتي صرّحت بأنّه لا حج ولا عمرة على العبد حتّى يعتق ، فيعلم من ذلك أنّ الحرّيّة غير معتبرة من البداية إلى النهاية بل يكتفى بالحرّيّة قبل أحد الموقفين أيضاً.

(٢) لإطلاق قوله (عليه السلام) : في صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ».

ولكن لا يخفى أنّه لا بدّ من ضم وقوف المشعر الاضطراري إليه ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى أن درك الوقوف الاختياري لعرفة فقط غير مجزئ ، ومن المعلوم أنّ العبد المعتق حاله حال بقيّة الأحرار ولا يزيد حكمه عن حكمهم ، وليس للعبد المعتق حكم جديد يختلف عن غيره ، والرّوايات الدالّة على الاكتفاء بإدراك أحد الموقفين معتقاً إنّما تتكفّل بإلغاء اعتبار الحرّيّة بهذا المقدار ، وأنّه لا يلزم درك الموقفين حرّا ، ولا تتكفّل إثبات الصحّة حتّى لو اقتصر على الوقوف بعرفة.

(٣) لأنّ ذلك مقتضى الأدلّة الأوّليّة الدالّة على اعتبار الاستطاعة ، وأمّا الرّوايات الدالّة على الإجزاء إذا أدرك أحد الموقفين معتقاً فغير ناظرة إلى إلغاء جميع الشروط

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٧ ح ٢.

٢٠