موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل

في الشكوك التي لا اعتبار بها ولا يلتفت إليها

وهي في مواضع :

الأوّل : الشكّ بعد تجاوز المحل (١) ، وقد مرّ تفصيله (٢).

الثاني : الشكّ بعد الوقت سواء كان في الشروط أو الأفعال أو الركعات أو في أصل الإتيان (٣) وقد مرّ الكلام فيه أيضاً.

______________________________________________________

(١) لقاعدة التجاوز الحاكمة على الاستصحاب.

(٢) في المسألة العاشرة من فصل الشك (١) وفي مطاوي الأبحاث السابقة.

(٣) أي من غير فرق بين تعلّقه بأصل الصلاة أم بخصوصيّاتها من الشرائط والأفعال والركعات ، لقاعدة الحيلولة التي لا قصور في شمول دليلها للكل المطابقة لما تقتضيه القاعدة الأوّلية مع قطع النظر عمّا دلّ على أنّ الوقت حائل (٢) من أصالة البراءة عن القضاء ، الّذي هو بأمر جديد حادث بعد خروج الوقت وسقوط الأمر الأوّل بانتهاء أجله ، للشك في تعلّقه من أجل

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ١٣٠ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

١

الثالث : الشكّ بعد السلام الواجب (١) وهو إحدى الصيغتين الأخيرتين سواء كان في الشرائط أو الأفعال أو الركعات ، في الرباعية أو غيرها بشرط أن يكون أحد طرفي الشك الصحّة ، فلو شكّ في أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً بنى على أنّه صلّى أربعاً ، وأمّا لو شكّ بين الاثنتين والخمس والثلاث والخمس بطلت ، لأنّها إمّا ناقصة ركعة أو زائدة ، نعم لو شكّ في المغرب بين الثلاث والخمس أو في الصبح بين الاثنتين والخمس يبني على الثلاث في الأُولى والاثنتين في الثانية ، ولو شكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث ، ولا تسقط عنه صلاة الاحتياط لأنّه يعدّ في الأثناء ، حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه ، فلا يتوهّم أنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط لأنّه مقتضى عدم الاعتبار بالشكّ بعد السلام.

______________________________________________________

الشك في تحقّق موضوعه وهو الفوت بعد أن لم يمكن إثباته بأصالة عدم الإتيان في الوقت ، وقد مرّ البحث حول ذلك مستقصى في مطاوي مسائل حكم الشك (١).

(١) لكونه من الشكّ بعد الفراغ ، ومنه تعرف أنّ السلام لا خصوصية له ، بل المدار على صدق الفراغ والخروج والمضي عن الصلاة الأعم من الصحيحة والفاسدة مضياً حقيقياً واقعياً لا اعتقادياً بنائياً الّذي ربما يتحقّق بغير ذلك كما لو عرض الشكّ المزبور بعد ارتكاب المنافي وإن كان شاكّاً في أصل السلام.

وكيف ما كان ، فيشترط في عدم الاعتناء أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة كالشك بين الثلاث والأربع والخمس مثلاً بحيث يحتمل معه وقوع السلام على

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ١١٢.

٢

الرابع : شكّ كثير الشك (١) وإن لم يصل إلى حدّ الوسواس ، سواء كان في

______________________________________________________

التمام ، دون مثل الشكّ بين الثلاث والخمس ، الّذي يعلم معه بالزيادة أو النقصان ووقوع السلام في غير محلّه جزماً ، فهو بمثابة الشكّ بينهما العارض قبل التسليم بل هو بعينه حقيقة ، لكون السلام الواقع في غير محلّه في حكم العدم.

ومعلوم أنّ مثله محكوم بالبطلان ، لا لأجل النقص أو الزيادة ليقال بإمكان تتميم النقص بركعة ودفع الزيادة المحتملة بالأصل ، بل لأجل نفس الشكّ بين الثلاث والخمس غير المنصوص على صحّته ، فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة صفوان : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة» (١) كما مرّ التعرّض له في محلّه (٢).

وممّا ذكرنا تعرف أنّه لو شكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث وأتى بركعة الاحتياط ، إذ بعد الجزم بعدم وقوع السلام في محلّه فهو بعدُ في الأثناء ، فيلحقه حكم الشكّ بينهما من البناء على الثلاث والإتيان بالرابعة ثمّ بركعة مفصولة.

فدعوى عدم الحاجة إلى الأخيرة لكونه مقتضى عدم الاعتناء بالشكّ بعد السلام ساقطة كما نبّه عليه في المتن ، لما عرفت من كونه من الشك في الأثناء بعد زيادة السلام ووقوعه في غير محلّه ، وعليه فاللّازم الإتيان بسجدتي السهو بعد ركعة الاحتياط من أجل السلام الزائد كما هو ظاهر.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، للنصوص الدالّة عليه كما ستعرف ، التي مفادها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) [أُشير إليه في شرح العروة ١٨ : ١٧٥ ١٧٦ وغيره].

٣

الركعات أو الأفعال أو الشرائط ، فيبني على وقوع ما شكّ فيه وإن كان في محلّه إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدم وقوعه ، فلو شكّ بين الثلاث والأربع يبني على الأربع ، ولو شكّ بين الأربع والخمس يبني على الأربع أيضاً ، وإن شكّ أنّه ركع أم لا يبني على أنّه ركع ، وإن شكّ أنّه ركع ركوعين أم واحداً بنى على عدم الزيادة (١) ، ولو شكّ أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثاً ، بنى على أنّه صلّى ركعتين وهكذا.

______________________________________________________

المضي في الصّلاة وعدم الاعتناء بالشكّ ، ومرجع ذلك إلى إلغاء الكلفة الناشئة من قبل الشكّ التي تختلف حسب اختلاف الموارد. فقد تكون الكلفة هي الإعادة كما في الشكوك الباطلة ، وقد تكون هي الإتيان أمّا بالجزء المشكوك فيه كما في الشكّ العارض في المحلّ ، أو بغيره من ركعة الاحتياط أو سجدة السهو كما في الشكوك الصحيحة ونحوها. فهذه الأحكام الثابتة للشكّ بالإضافة إلى الأشخاص العاديين مُلغاة عن كثير الشكّ ، وتلك الكلفة مرتفعة.

ونتيجة ذلك أنّه يبني على وقوع المشكوك فيه ما لم يكن مُفسداً ، وإلّا فعلى عدمه. فهو دائماً مأمور بالأخذ بالاحتمال المصحّح وما لا كلفة فيه من أحد طرفي الشكّ.

فلو شكّ في الركوع بنى على الإتيان وإن كان في المحل ، ولو شكّ بين الثنتين والثلاث بنى على الثنتين في الثنائية ، وعلى الثلاث في الرّباعية من غير حاجة إلى ركعة الاحتياط ، ولو شكّ بين الأربع والخمس بنى على الأربع من غير حاجة إلى سجدة السّهو ، ولو شكّ بين الأربع والست بنى على الأربع وهكذا.

__________________

(١) لا يختصّ البناء على ذلك بكثير الشكّ.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فمن جملة تلك النصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك ، فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان» (١).

فإنّها كالصريح في المطلوب بعد وضوح أنّ المراد بالسهو هو الشكّ ، الّذي يطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار (٢).

ومنها : صحيحة زرارة وأبي بصير جميعاً قالا «قلنا له : الرّجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : يعيد ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك ، كلّما أعاد شكّ ، قال : يمضي في شكّه. ثمّ قال : لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فانّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك. قال زرارة : ثمّ قال : إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فاذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (٣).

وقد وقع الكلام في فقه الحديث من حيث الجمع بين الصدر والذيل ، حيث حكم (عليه السلام) أوّلاً على من يشكّ كثيراً بالإعادة ، وحكم أخيراً على من يكثر عليه بعدمها والمضي على الشك.

ولا ينبغي الشك في أنّ المراد بالموضوع في أحد الحكمين غير ما هو المراد في الحكم الآخر. ولا يبعد أن يراد في الأوّل من يكثر عدد شكّه بالإضافة إلى الأفراد العاديين وإن لم يبلغ مرتبة كثير الشكّ بالمعنى المصطلح المحكوم عليه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ١ ، ٢٤٣ / ب ٢٥ ح ١ ، وغيره.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٢.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعدم الاعتناء.

وتوضيحه : أنّ الكثرة والقلّة كالكبر والصغر ليست من الأُمور الواقعية التي لها تقرّر في حدّ ذاتها ، وإنّما يتّصف الشي‌ء بهما عند ملاحظته مع شي‌ء آخر ولدي المقايسة بينهما ، فهي من الصفات الإضافية كالفوقيّة والتحتيّة.

فالجسم الواحد كبير بالإضافة إلى ما هو أصغر منه حجماً ، وهو بنفسه صغير بالنسبة إلى الأكبر منه ، كما أنّ كمِّيّة خاصّة من المال مثلاً كثيرة بالقياس إلى ما دونها وقليلة بالإضافة إلى ما فوقها ، ولا يصحّ توصيف شي‌ء بالكثرة والقلّة أو الكبر والصغر بقول مطلق من غير ملاحظته مع شي‌ء آخر.

وعليه فاذا فرضنا أنّ أحداً يشكّ في الشهر عشر مرّات مثلاً أو عشرين فهو كثير الشك بالإضافة إلى الأفراد العاديين الّذين لا يشكّون كما هو الغالب أو في الشهر مرّة أو مرّتين ، وإن لم يكن هذا بالغاً درجة كثير الشك بالمعنى الاصطلاحي المفسّر بمن لا تمرّ عليه ثلاث صلوات إلّا ويشكّ في إحداها ، فهو بالإضافة إليه من قليل الشك ، ووظيفته الإعادة كما حكم (عليه السلام) أوّلاً إذ الشكّ في عدد الركعات بحيث لم يدر كم صلّى موجب للبطلان كما مرّ سابقاً (١).

فلا منافاة بينه وبين نفي الإعادة في الجواب عن السؤال الثاني المفروض فيه كثرة الشك ، بحيث كلّما أعاد شكّ ، الّذي هو من كثير الشك بالمعنى المصطلح. فالمراد بالكثرة في أحد السؤالين غير ما هو المراد بها في السؤال الثاني.

واستظهر صاحب الحدائق (قدس سره) (٢) أن يكون المراد بالكثرة في السؤال الأوّل كثرة أطراف الشكّ ومحتملاته ، بأن تردّدت بين الواحدة والثنتين

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ١٧٧.

(٢) الحدائق ٩ : ٢٨٩.

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والثلاث والأربع وهكذا ، وإن كان في نفسه شكّاً واحداً. فالتكثّر باعتبار متعلّق الشك لا أفراده ، بقرينة قوله : «حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه» ثمّ لمّا راجعه السائل بقوله : «فإنّه يكثر عليه ذلك» أمره بما هو الحكم في كثير الشك من المضي وعدم الالتفات ، لدخوله بكثرة ذاك الشكّ وتكرّر أفراده تحت عنوان كثير الشك ، فيشمله حكمه.

لكنّ الأظهر ما ذكرناه ، فانّ المتبادر من قولهما «قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته ...» إلخ أنّ الكثرة وصف لنفس الشك لا لمتعلّقه ، فيكون ظاهراً في كثرة الأفراد لا كثرة الأطراف كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فمورد الصحيحة كثرة الشكّ في عدد الركعات لا في غيرها من الأجزاء ونحوها ، كما أنّ موردها خصوص الشكّ المبطل ، ولا يعمّ الشكوك الصحيحة المتعلّقة بالركعات. فهي أخص من المدّعى.

بل يمكن أن يقال بخروجها عمّا نحن فيه ، إذ المفروض فيها بلوغ الكثرة حدّا لا يتمكّن معها من الإتيان بصلاة خالية عن الشكّ ، لقوله : «كلّما أعاد شكّ». ومعلوم أنّ مثله محكوم بعدم الاعتناء عقلاً ، لمكان العجز ، من غير حاجة إلى التماس دليل شرعي. فالكثرة بهذا المعنى غير كثير الشكّ بالمعنى الاصطلاحي المفسّر بما عرفت. فالصحيحة أجنبية عن محلّ الكلام ، إذ موردها دائم الشكّ وهو غير كثير الشكّ.

ومنها : صحيحة ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» (١).

والظاهر أنّ المراد به عبد الله بن سنان ، بقرينة رواية فضالة عنه ، فهي صحيحة السند. ومع التشكيك فيه فتكفينا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٣.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المشتملة على عين هذا المتن بإضافة التعليل بقوله : «فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان».

وهذه الصحيحة كما ترى عامّة لمطلق الشكّ المبطل وغيره ، المتعلّق بالركعات أو الأفعال من الأجزاء والشرائط ، من حيث الزيادة أو النقص.

ويدلُّ على خصوص النقص الأعم من المبطل وغيره في الأفعال مضافاً إلى الإطلاق المزبور موثّقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا ، فقال : لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً» (١).

والمتحصّل من هذه الروايات البناء على وقوع ما شكّ فيه وإن كان في محلّه إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدمه. والضابط الأخذ بما لا كلفة فيه من طرفي الشك كما ذكرناه.

ويترتّب على ذلك أنّه لو شكّ في المحل في السجود أو الركوع بنى على الوقوع ولو شكّ في الركعة أو الثنتين بنى على الركعتين ، وكذا لو شكّ بينهما وبين الثلاث في صلاة الفجر ، أمّا لو كان في الصلاة الرباعية فيبني على الثلاث ، ولو شكّ فيها بين الثلاث والأربع بنى على الأربع من غير حاجة إلى ركعة الاحتياط ، وهكذا.

وأمّا لو شكّ بين الأربع والخمس ، فقد ذكر في المتن أنّه يبني على الأربع أيضاً.

أقول : لهذا الشك صور ثلاث. الاولى : أن يشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين. الثانية : أن يكون الشك قبل الإكمال كما في حال الركوع. الثالثة : أن يكون في حال القيام.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٥.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والوظيفة الأوّلية في الصورة الأُولى سجود السهو بعد البناء على الأربع ، وفي الثانية إعادة الصلاة وبطلانها ، وكلتا الوظيفتين كلفة ، فهي مرفوعة عن كثير الشك ، فيبني ولا شي‌ء عليه. فالبناء على الأربع متّجه في هاتين الصورتين.

بخلاف الصورة الثالثة ، إذ لازم البناء المزبور فيها تتميم الركعة التي بيده والإتيان بالركوع والسجدتين ، وهذا كما ترى كلفة محمولة على كثير الشك نشأت من الاعتناء بالشك ، فلا يناسب المضي في الصلاة وعدم الاعتناء المأمور بهما.

بل المناسب أن يرفع عنه ما هو الموضوع في حقّ الشاك العادي في هذه الصورة ، فإنّ وظيفته في هذه الصورة بعد هدم القيام وعود الشك إلى ما بين الثلاث والأربع البناء على الأربع والإتيان بركعة الاحتياط ، ثمّ سجود السهو للقيام الزائد ولكلّ ما تلفّظ به من تسبيح ونحوه ، بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة. فهذه الأحكام مرفوعة عن كثير الشك ، فيبني بعد الهدم على الأربع من غير حاجة إلى ركعة الاحتياط ولا إلى سجدة السهو.

فإن أراد (قدس سره) من البناء على الأربع ما يعمّ الصورة الأخيرة ، ففيه ما عرفت ، ولا يمكن المساعدة عليه بوجه.

وإن أراد خصوص الأُوليين دون الأخيرة التي هي في الحقيقة من الشك بين الثلاث والأربع ، لرجوعه إلى الشك في أنّه هل أكمل الثلاث وقد قام إلى الرابعة أم الأربع وهذا قيام زائد نحو الخامسة ، فنعم الوفاق ، فإنّه لدى التحليل من البناء على الأربع في الشكّ بين الثلاث والأربع ، لا في الشك بين الأربع والخمس كما لا يخفى.

٩

ولو كان كثرة شكّه في فعل خاص يختص الحكم به (١) فلو شكّ اتّفاقاً في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشك ، وكذا لو كان كثير الشك بين الواحدة والاثنتين لم يلتفت في هذا الشك ويبني على الاثنتين ، وإذا اتّفق أنّه شكّ بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع وجب عليه عمل الشك من البناء والإتيان بصلاة الاحتياط ، ولو كان كثير الشك بعد تجاوز المحل ممّا لا حكم له دون غيره فلو اتّفق أنّه شكّ في المحل وجب عليه الاعتناء ، ولو كان كثرة شكّه في صلاة خاصّة أو الصلاة في مكان خاصّ ونحو ذلك اختصّ الحكم به ولا يتعدّى إلى غيره.

______________________________________________________

(١) لو كان من كثير الشك في فعل خاص كالركوع أو السجود ، أو ركعة خاصّة كالشكّ بين الواحدة والثنتين ، أو فريضة خاصّة كصلاة الفجر ، أو مكان خاص كالصلاة في الدار ، أو زمان كذلك كأوّل الوقت ، أو كيفيّة خاصّة كالصلاة فرادى ، والجامع أن تكون كثرة الشك في جهة مخصوصة ، أمّا في غيرها فشكّه من الشكوك المتعارفة. فلو اتّفق له عروض الشك في جهة أُخرى فهل يلحقه حكم كثير الشك من عدم الاعتناء ، أو يختصّ الحكم بتلك الجهة نفسها ولا يتعدّى إلى غيرها ، بل يجب حينئذ العمل بوظيفة الشك؟

نسب الأوّل إلى غير واحد ، بل نسب إلى إطلاق الأصحاب الحكم بخروج كثير الشك عن أدلّة الشكوك الشامل للشكّ الاتّفاقي في غير مورد الكثرة استناداً إلى إطلاق النصوص.

ولكن الظاهر كما صرّح به في الجواهر (١) انصراف النصوص ولو بمناسبة

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٤٢٠.

١٠

[٢١١٦] مسألة ١ : المرجع في كثرة الشك العرف ، ولا يبعد تحقّقه إذا شكّ (*) في صلاة واحدة ثلاث مرّات أو في كلّ من الصلوات الثلاث مرّة واحدة (١).

______________________________________________________

الحكم والموضوع إلى إلغاء الشك في خصوص مورد الكثرة ، ولا يتبادر منها عدم الالتفات في غير موردها ، كما قد يعضده التعليل الوارد فيها بأنّ ذلك من الشيطان ، فإنّ الّذي يستند إليه هو الشكّ الكثير غير المتعارف الّذي هو قريب من الوسوسة ، وأمّا العارض الاتّفاقي في غير مورد الكثرة فهو من الشكوك المتعارفة الحاصلة لكلّ أحد ، ولا يكون منشؤه الشيطان ، فلا تكاد تشمله الأخبار بوجه ، فيبقى مشمولاً لإطلاق أدلّة الشكوك.

ومع التنزّل والتشكيك فيما ذكرناه فغايته الإجمال في تلك الأخبار ، التي هي بمثابة التخصيص للإطلاق المزبور. ومن المعلوم أنّ المخصّص المجمل يقتصر فيه على المقدار المتيقّن ، وهو في المقام مورد الكثرة ، فيرجع فيما عداه إلى الإطلاق.

وأوضح حالاً ما إذا كانت الكثرة في مورد لا حكم له كما لو كان كثير الشك بعد تجاوز المحلّ ، المحكوم بعدم الاعتناء حتّى مع عدم الكثرة ، فاتّفق أنّه شكّ في المحل بشكّ عادي متعارف ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في لزوم الاعتناء بشكّه كما هو ظاهر.

(١) نقل المحقّق (قدس سره) في الشرائع (١) في مقام تحديد كثرة الشك قولاً بأنّ حدّه أن يسهو ثلاثاً في فريضة ، ونقل قولاً آخر بأنّه أن يسهو مرّة في

__________________

(*) بل هو بعيد ، نعم يتحقّق ذلك بكون المصلّي على حالةٍ لا تمضي عليه ثلاث صلوات إلّا ويشكّ في واحدة منها.

(١) الشرائع ١ : ١٤١.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاث فرائض.

وصرّح المحقّق الهمداني (١) وغيره بعدم العثور على قائل هذين القولين ، ثمّ حكى عن بعضهم حدّا يقرب ممّا ذكره المحقّق ، واحتمل أن يكون التحديد المزبور إشارة إليه وأنّه من باب المسامحة في التعبير.

وكيف ما كان ، فالمعروف والمشهور إناطة الحد بصدق الكثرة عرفاً بعد عدم ورود تحديد خاص من ناحية الشرع ، كما هو الشأن في تعيين مداليل الألفاظ وتشخيص موضوعات الأحكام العارية عن التحديد الشرعي من الإحالة إلى الفهم العرفي ، فكلّ ما يراه العرف مصداقاً لكثرة الشك شمله الحكم ودار مداره وجوداً وعدماً.

نعم ، ربما يتوهّم استفادة التحديد من صحيحة محمّد بن أبي حمزة : «إنّ الصادق (عليه السلام) قال : إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» (٢).

فيقال بأنّها تدلّ بمقتضى مفهوم القضيّة الشرطية على أنّ المناط في الحد عدم خلوّ كلّ ثلاث من صلواته عن الشك ، المطابق لأحد القولين المحكيين في الشرائع ، فإنّ الظاهر أنّ المراد من «كل ثلاث» المذكور فيها كلّ ثلاث صلوات لا كلّ ثلاث ركعات ، إذ لا صلاة أكثر من الرباعية ، فمفهومها أنّ من لم يكن كذلك فهو ليس من كثير الشك.

ولكنّه بمراحل عن الواقع ، لشهادة سياق المنطوق على عدم إرادة الحصر لقوله (عليه السلام) في الجزاء : «فهو ممّن ...» إلخ ، الّذي هو كالصريح في وجود فرد آخر له.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٨٦ السطر ٢٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٦ ح ٧.

١٢

ويعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو غضب أو همّ أو نحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواس (١).

______________________________________________________

نعم ، لو كانت العبارة هكذا : فهو كثير السهو. لتمّ ما أُفيد وانعقد له المفهوم المزبور ، ولكنّها مقرونة بكلمة «من» التبعيضية ، فلا تدل على أكثر من أنّ الشاكّ في كلّ ثلاث من بعض أفراد كثير السهو. وهذا لا ريب في صحّته من غير حاجة إلى ورود النص ، لكونه من أفراده الواضحة الظاهرة ، إذ الشاك المزبور خارج عن حدّ المتعارف جزماً ، فانّ غالب الناس لا يكاد يصدر منهم السهو في كلّ ثلاث ولا في كلّ خمس ، بل ولا في كل عشر أو أزيد كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالشاك في كلّ ثلاث تمرّ عليه كمن يشك في صلاة الفجر ثمّ في العشاء ثمّ في صلاة العصر من اليوم الثاني وهكذا ، فهو ممّن يتحقّق معه مسمّى الكثرة عرفاً بلا ريب ، سواء اتّحد محلّ سهوه ومتعلّق شكّه أم اختلف.

لكن الصدق العرفي لا ينحصر في هذه الصورة المفروض فيها عدم سلامته عن السهو في كلّ ثلاث صلوات متتاليات ، بحيث لو سها في ضمن كلّ أربع أو خمس لم يكن من كثير الشك ، بل يتحقّق الصدق بهذا أيضاً وبغيره كمن يسهو في جميع صلواته يوماً ، ويوماً لا ، ونحو ذلك من الفروض.

والحاصل : أنّ العبرة بصدق الكثرة عرفاً ، وهو الضابط في تشخيص هذا الموضوع ، والصحيحة غير منافية لذلك.

(١) لخروج هذا الفرض عن منصرف النصوص ، الظاهرة بمقتضى التعليل في اختصاص الحكم بالشكّ المستند إلى الشيطان ، الموجب ترك الاعتناء به لزواله كما في صحيحتي محمّد بن مسلم وزرارة (١) الّذي هو مرتبة ضعيفة من الوسوسة.

__________________

(١) المتقدّمتين في ص ٥.

١٣

[٢١١٧] مسألة ٢ : لو شكّ في أنّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لا بنى على عدمه ، كما أنّه لو كان كثير الشك وشكّ في زوال هذه الحالة بنى على بقائها (١).

______________________________________________________

فإنّ الشك المسبّب عن الجهات الخارجية والعوارض الاتّفاقية من خوف أو غضب أو همّ ونحو ذلك ممّا يوجب تشتّت الفكر واغتشاش الحواس ربما يحصل لغالب الناس ، ولا مساس له بالوسواس الخنّاس بوجه ، فلا يستند إلى الشيطان كما لا يزول بترك الاعتناء ، فلا يشمله النص.

ومع التشكيك فيما ذكرناه بدعوى أنّ هذه العلل من قبيل الحِكَم التي لا يجب فيها الاطّراد ، ولا تمنع عن التمسّك بالإطلاق ، فلا أقل من احتمال ذلك والتردّد في أنّها علّة أو حكمة ، فتصبح الروايات التي هي بمثابة التخصيص في أدلّة الشكوك مجملة من هذه الجهة.

وقد تقرّر في الأُصول (١) أنّ اللّازم في المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر الاقتصار على المقدار المتيقّن ، الّذي هو في المقام الشك المستند إلى الشيطان ، فيرجع فيما عداه إلى إطلاقات تلك الأدلّة كما مرّ نظير هذا البيان قريباً ، فلاحظ (٢).

(١) لا ريب في أنّ المرجع حينئذ استصحاب الحالة السابقة من الكثرة أو عدمها ، فيبني على بقاء ما كان كما كان من عدم حدوث تلك الحالة أو بقائها وعدم زوالها ، لكنّه خاصّ بما إذا كانت الشبهة موضوعية.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٨٠.

(٢) ص ١١.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا لو كانت مفهومية كأن يشكّ في مفهوم الكثرة عرفاً وما به يتحقّق حدّها ومسمّاها بناءً على إناطة التحديد بذلك فلا سبيل حينئذ للتمسّك بالاستصحاب ، لما هو المقرّر في محلّه (١) من عدم جريانه في الشبهات المفهومية حتّى بناءً على القول بجريانه في الشبهات الحكمية ، كما التزم شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٢) بالتفكيك فأجراه في الشبهة الحكمية دون المفهومية ، ولذا منع عن استصحاب النهار لدى الترديد في مفهوم الغروب الّذي هو غاية للظهرين ومبدأ للعشاءين بين استتار القرص وزوال الحمرة المشرقية ، كما هو موضح في الأُصول.

وعليه فلا مناص من الاقتصار في المفهوم المجمل الدائر بين الأقل والأكثر كما في المقام على المقدار المتيقّن ، والرجوع فيما عداه إلى إطلاقات أدلّة الشكوك ، السليمة عمّا يصلح للتقييد. ولكن عبارة المتن غير ناظرة إلى الشبهة المفهومية قطعاً.

ثمّ إنّ في الشبهة الموضوعية لو لم يعلم بالحالة السابقة بأن تردّدت بين الكثرة وعدمها كما في تعاقب الحالتين والشك في المتقدّم منهما والمتأخّر لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب ، إمّا لقصور المقتضي وعدم جريانه في نفسه من أجل عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين كما يراه صاحب الكفاية (٣) ، أو لوجود المانع وسقوطه بالمعارضة كما هو الصحيح ، وعلى التقديرين فلا مسرح له في المقام.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٣٤.

(٢) فرائد الأُصول ٢ : ٦٠٥.

(٣) كفاية الأُصول : ٤٢٠.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لا مجال للرجوع إلى إطلاق أدلّة الشكوك ، لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية كما لا يخفى. إذن ما هو المرجع حينئذ؟ وما ذا تقتضيه الوظيفة؟

توضيح المقام يستدعي بسطاً في الكلام فنقول :

قد يفرض تعلّق الشك بالقيود الوجودية كالأجزاء والشرائط ، فيشك في تحقّق السجود مثلاً وهو في المحل ، وفي عين الحال يشكّ في أنّه من كثير الشك كي لا يعتني أم من قليله كي يعتني. وأُخرى بالقيود العدمية كالموانع مثل الشك في زيادة الركوع. وثالثة بالركعات من الشكوك الباطلة أو الصحيحة.

أمّا الصورة الأُولى : فالقيود الوجودية على ضربين :

أحدهما : ما لا تقدح زيادته العمدية إذا لم تقصد بها الجزئية ، مثل القراءة وذكري الركوع والسجود ونحوها من سائر الأذكار التي لا مانع من الإتيان بها بقصد القرآن أو الذكر المطلق.

ثانيهما : ما تقدح زيادتها الصورية وإن لم يقصد بها الجزئية كالركوع والسجود ولذا لا يجوز الإتيان بسجود الشكر أو التلاوة أثناء الصلاة.

أمّا في القسم الأوّل أعني الأذكار : فقد يقال بوجوب الإتيان عملاً بقاعدة الاشتغال ، للشك في كونه من كثير الشك كي لا يعتني ، فلا مناص من الاعتناء خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم.

وفيه : أنّ القاعدة لا مسرح لها في المقام ، لكونه من الدوران بين المحذورين إذ كما يجب عليه الاعتناء بالشك لو لم يكن كثير الشك كذلك لا يجوز له الاعتناء لو كان متّصفاً بالكثرة ، وإلّا بطلت صلاته ، للزوم الزيادة العمدية كما سيجي‌ء (١).

__________________

(١) في ص ٢٤.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فالشاك في صفة الكثرة أمره دائر بين الوجود والعدم ، إذ لا يجوز الإتيان بالقراءة مثلاً بقصد الجزئية إلّا مرّة واحدة لا أكثر ، فان لم يكن من كثير الشك وجب الإتيان بعد كون الشك في المحلّ كما هو المفروض ، وإن كان من كثيره لم يجز للزوم الزيادة كما مرّ. فلا موقع للتمسّك حينئذ بقاعدة الاشتغال.

بل الصحيح أن يقال : إذا بنينا على جواز قطع الفريضة فله رفع اليد والإتيان بصلاة اخرى ، وإلّا فلا مناص من الإتيان بالذكر بقصد الأمر الفعلي الجامع بين الجزئية وبين الذكر المطلق ، فينوي به امتثال الأمر الواقعي على ما هو عليه ، القابل للانطباق على الجزء وعلى مطلق الذكر. فليس له قصد الجزئية بخصوصها لاحتمال الزيادة القادحة.

ودعوى نفي هذا الاحتمال بأصالة عدم الزيادة ، مدفوعة بأنّ دليل الاستصحاب أيضاً مقيّد بعدم كثرة الشك ، فهو لا يجري في حقّ كثير الشك في الصلاة ، والمفروض الشكّ وعدم إحراز عدم الكثرة. فالتمسّك به والحال هذه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في القسم الثاني ، أعني ما عدا الأذكار من الأجزاء ممّا تقدح زيادته العمدية ولو بغير قصد الجزئية كالركوع والسجود ، فإنّ قاعدة الاشتغال غير جارية هنا أيضاً وإن قيل بها ، لما عرفت من الدوران بين المحذورين ، واستصحاب عدم الزيادة غير جارٍ لكونه من الشبهة المصداقية كما مرّ.

وحيث إنّ الاحتياط بالإتيان بقصد الأمر الواقعي الجامع بين الجزئية وغيرها غير ممكن هنا ، لفرض قدح الزيادة العمدية ولو لم يقصد بها الجزئية فلا مناص من رفع اليد وإعادة الصلاة ، وبذلك يفترق هذا القسم عن القسم السابق.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى وجوب الجمع بين الإتمام والإعادة ، للعلم الإجمالي بأحدهما ، إذ لدى ترك المشكوك فيه يجب الإتمام إن كان كثير الشك وإلّا فالإعادة ، وينعكس لدى الإتيان به كما لا يخفى ، مدفوعة بأنّ وجوب الإتمام على القول به مختصّ بما إذا أمكن إتمام الصلاة صحيحة والاكتفاء بها في مقام الامتثال ، وإلّا فلا يجب ولا يحرم قطع الفريضة حينئذ جزماً ، لانصراف الدليل على فرض وجوده عن مثل ذلك ، وحيث لا يتيسّر الإتمام على صفة الصحّة في المقام فلا مانع من رفع اليد والاقتصار على الإعادة كما عرفت.

فتحصّل : أنّ في هذه الصورة بقسميها لا مجال للتشبّث بقاعدة الاشتغال والإتيان بالمشكوك فيه بعنوان الجزئية ، بل لا بدّ من الاحتياط فيما أمكن والإعادة فيما لا يمكن حسبما فصّلناه.

وأمّا الصورة الثانية : أعني الشك في وجود المانع كزيادة الركوع أو السجدتين فلا يترتّب أثر على كثرة الشك وعدمها حينئذ ، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الحكم كي نحتاج إلى تأسيس الأصل لدى التردّد بينهما لأصالة عدم تحقّق الزيادة ، سواء أكان من كثير الشك أم قليله ، كان الشك في المحل أم في خارجه.

فهذا الشك محكوم بعدم الاعتناء على كلّ تقدير ، ولا يختصّ ذلك بكثير الشك ليمتاز عن غيره في هذا الحكم فيبحث عن تعيين المرجع لدى الشك في الكثرة.

وأمّا الصورة الثالثة : أعني الشك المتعلّق بالركعات فهو على قسمين ، إذ قد يكون من الشكوك الباطلة وأُخرى من الصحيحة.

أمّا في القسم الأوّل : كما لو شكّ بين الواحدة والثنتين ولم يدر أنّه من كثير

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك ليمضي في صلاته أو من غيره لتبطل ، فقد عرفت أنّه لا مجال للرجوع حينئذ إلى إطلاقات أدلّة الشكوك ليحكم هنا بالبطلان ، إذ قد خصّصت بغير كثير الشك. فالشبهة بالإضافة إليها مصداقية.

كما لا مجال أيضاً للرجوع إلى الإطلاق في دليل كثرة الشك ليحكم بالصحّة لعدم إحراز الموضوع حسب الفرض ، فالشبهة مصداقية بالإضافة إليه أيضاً. فلا سبيل للتمسّك بالإطلاقات اللّفظية والأدلّة الشرعية. فلا جرم تنتهي النوبة إلى مراجعة حكم العقل القاضي بالإعادة ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، من غير حاجة إلى الإتمام بعد عدم إمكان تصحيحها بوجه ، وقد عرفت أنّ دليل حرمة القطع لو تمّ منصرف عن مثل ذلك.

ومنه يظهر الجواب عن دعوى العلم الإجمالي بوجوب الإتمام أو الإعادة كما مرّ آنفاً. فيرفع اليد عنها ويعيدها.

وأمّا القسم الثاني : أعني الشكوك الصحيحة فهي على نوعين ، إذ الشك قد يكون مستتبعاً لركعة الاحتياط كما في الشك بين الثلاث والأربع ، وأُخرى لسجود السهو كالشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين.

أمّا في النوع الأوّل : فلا ريب في لزوم البناء على الأكثر ، لوجوبه على كلّ من تقديري كثرة الشك وعدمها ، فهو ثابت على كلّ حال ، ولا أثر للشك من هذه الجهة ، وإنّما يختلفان في الحاجة إلى ركعة الاحتياط وعدمها.

والظاهر وجوب الإتيان بها بناءً على ما هو الصحيح كما مرّ في محلّه (١) من كون الركعة جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، وأنّه يؤتي بها بالعنوان الجامع بين الجزئية على هذا التقدير والنفل على التقدير الآخر كما هو معنى الاحتياط

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٢٧٧ ٢٧٨.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وليست بصلاة مستقلّة ، وعليه فلا مناص من الإتيان بها ، عملاً بقاعدة الاشتغال بعد احتمال الحاجة إليها واقعاً وعدم كونه من كثير الشك من غير مؤمّن يدفع الاحتمال المزبور.

وبعبارة اخرى : لم يتعلّق التكليف بشخص هذه الصلاة المقرونة بالشك ، وإنّما متعلّقه الطبيعي الجامع القابل للانطباق على ما بين الحدّين من الأفراد. فمتعلّق التكليف معلوم لا إجمال فيه ، وإنّما التردّد في انطباقه على هذا الفرد المقترن بالشك ، ولا يكاد يحرز الانطباق إلّا بعد انضمام ركعة الاحتياط الجابرة للنقص المحتمل بتعبّد من الشرع وحكمه باغتفار التسليم والتكبير المتخلّلين في البين كما نطقت به موثّقة عمار : «إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ...» إلخ (١).

فخروجاً عن عهدة التكليف المعلوم وقضاءً لقاعدة الشغل المقتضية للفراغ المقطوع لا مناص من الإتيان بركعة الاحتياط ، ومعه لا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة كما هو ظاهر ، وأمّا في النوع الثاني : فمن حيث البناء على الأربع لا تردّد فيه ، لثبوته على التقديرين كما مرّ.

وأمّا من حيث سجود السهو فبما أنّه تكليف مستقل غير مرتبط بأصل الصلاة وإن نشأ عن خلل واقع في الأثناء ، ولذا لا يضرّ تركه العمدي بصحّتها وإن استتبع الإثم فضلاً عن السهوي ، والمفروض الشكّ في تعلّق هذا التكليف وحدوثه بعد الصلاة لاحتمال كونه من كثير الشك ، فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [الظاهر كونها ضعيفة السند فلاحظ].

٢٠