رسالة الحقوق

رسالة الحقوق

المؤلف:


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مكتبة الإمام حسن (ع) العامّة
المطبعة: مطبعة المعارف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ».

«صدق الله العلي العظيم»

٣
٤

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي محمد وآله الطاهرين

* * *

لم تجد البشرية منذ ميلادها حتي اليوم نظاماً محكماً رائعاً في مقاصده وأهدافه ، ومراميه وأغراضه ؛ كالدين الاسلامي القويم.

ولا غرابة في ذلك ولا عجب ، فهو النظام الذي وضعه خالق الخلق لاسعاد الناس وخيرهم ، وتنظيم شؤونهم العامة علي اختلافها تنظيماً دقيقاً يدفع بسفينة البشرية نحو شاطئها المأمول ، شاطئ العدالة والرفاه والسلام والحرية.

وإذا كان لدينا ما نأسف له كلَّ الأسف فهو جهلنا بحقيقة هذا النظام السامي ، ومفاهيمه البنّاءة ، ومقابيسه العادلة ، وركائزه القوية التي تهدف إلي الخلق المجتمع الحر الفاضل ، المنطلق نحو الرقي والتقدم والتكامل والازدهار.

ونعتقد أن السبب الأول لهذا الجهل أو الفهم السئ ناشئ من تلك المناهج الفاسدة والأساليب الشاذة والأطماع الدخيلة والأهواء الضالة التي وشَّحها الأجانب المغرضون ومقلدوهم الجهلة والمتجاهلون باسم «المنهجية!» و «النقد الفني!» و «التحرر الفكري!» وما شابه ذلك من الألفاظ البراقة التي خدعوا بها النشئ الجديد لابعاده عن فهم حقائق دينه القويم ؛ ونظامه الذي «لا ريب فيه هدي للمتقين».

٧

لقد نسب أعداؤنا لديننا كلَّ ما اشتهت أنفسهم أن ينسب اليه ، فجعله بعضهم نظام الرق والاقطاع والطبقات والصدقات والكبت والرجعية والطائفية والرأسمالية ، وفرضه آخرون نظاماً سائراً علي هديً من الاشتراكية والماركسية والغاء الملكية الفردية واذابة الفرد في المجتمع وفرض النظام علي الناس بطريق الدكتاتورية.

وجاء الشباب المسلم فأخذ من هذه النعوت ما شاء له هواه أخذ مصدّقٍ مطمئن ؛ كما يأخذ الطفل بيده جمرة النار ظناً منه بأنها لعبة ومتعة ، من دون التفاتٍ الي حقيقة هذه الجمرة وواقع ما تنطوي عليه من أخطار.

والحقيقة ان الاسلام بعيد عن هذا وذاك كل البعد ، لأنه نظام خاص قائم بنفسه ، واذا التقي هذا النظام ـ مصادفة ـ بشئ مما يدعو اليه نظامٌ ما من نظم العالم اليوم فليس معناه ان الاسلام مثله في كل خطوطه ، أو انه مشتق منه أو متشا كل معه أو منسوب اليه.

فالاسلام إذ يحارب احتكار الرأسمالية يؤيد الملكية الفردية.

وهو إذ يدعم المجتمع كل التدعيم لا يرضي باذابة الفرد في المجتمع.

وهو إذ يحرم القسر والكبت لا يسمح بالحرية المطلقة.

وهو إذ يمنع الاقطاع لا يأذن بتسليم الأرض للدولة وحرمان الفلاح من تملكها.

وهكذا نجد للاسلام في هذه الشؤون وغيرها رأياً خاصاً به لا يتصل بغيره أبداً.

ونظراً لما يترتب علي البحث في هذه المواضيع وأمثالها من توجيه الشباب

٨

وارشاده ، وازالة تلك الأوهام عن ذهنه ، وإفهامه الحقائق الاسلامية بلا لبس ولا غموض ، رأيناً لزاماً أن نصدر مجموعة من الرسائل الاسلامية الموجهة ، مكتوبةً بأقلام نظمئن اليها كل الاطمئنان ؛ وباسلوب واضح مفهوم للجميع ، أداءاً لحق ديننا القويم ، وتثبيتاً لجيلنا الحائر المشك ، ليري في حقائق عقيدته السماوية المحكمة ما يرفع عنه الحيرة ، وبمزق حجب الشك ، ويحدد له طريق الصواب اللاحب ، وصراط الحق المستقيم الذي اختاره الله تعالي لاصلاح العالم وإسعاده ، ومنه ـ سبحانه ـ نستمد العون والتوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ويسرنا أن تكون رسالة «الحقوق» للامام السجاد عليه السلام أول رسالة تنشر في هذه السلسلة الجديدة ، لتكون فاتحة يمن وتوفيق لهذا المشروع الاسلامي الكبير ، والله تعالي من وراء القصد.

لجنة التوجيه الديني

٩
١٠

تقديم

بقلم

الشيخ محمد حسن آل ياسين

١١
١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لله علي نعمائه ، وصلاة وسلاماً علي خاتم أنبيائه ، والطيبين الطاهرين من خلفائه.

* * *

لم يكن الاسلام دين ترهُّبٍ وتبتُّل ـ فقط ـ ، كما يحلو لبعض أن يسميه.

ولم يكن ديناً مقتصراً علي أعمالٍ عباديّةٍ ـ فحسب ـ كما يرغب بعض الخوارج عليه أن يفسره.

انه دين ودولة.

دين بكل ما للدين من عبادة وخشوع ، وشعائر واصول.

ودولة بكل ما للدولة من نظم وقوانين ، ومبادئ ودستور.

وهكذا شاء الله تعالي لدينه القيّم أن ينظم المجتمع الجديد «مجتمع الاسلام السعيد» ، ليكون بذلك أرقي مجتمع عرفه التاريخ في مداء البعيد.

وهكذا أراد ـ سبحانه ـ أن يأخذ بيد البشرية نحو مدارج السمو والكمال ، والمجد والرفعة ، والعزة والرفاه ، صعوداً نحو القمة التي لا تصل اليها مدارك الانسان وتفكيره الضيق المحدود ـ مهما اتسعت به الحدود _.

وهذه اسس الدين والدولة مسجلة ـ بكل وضوح ـ في كتاب الله

١٣

الخالد ، ومشروحة ـ بكل تفصيل ـ في سنة النبي (ص) وأحاديث أئمة المسلمين (ع).

* * *

ورسالة «الحقوق» التي أتشرف بتقديمها الي القراء الكرام جزءٌ من قوانين الاسلام ونظامه الاجتماعي الرائع ، وبعضٌ من تلك المبادئ السماوية العليا التي أنزلها الله عز وجل رحمة للعالمين.

وهل هناك ما يستطيع مثلي أن يقوله في وصف هذه الرسالة ، وقد كتبها الامام علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ لتكون نبراساً لماعاً يمزق أستار الظلام الخيم علي مجتمعه الذي عاش فيه ، بل أستار كل ظلام يخيم علي المجتمع الاسلامي علي طول تاريخه المديد.

لقد كتبها ـ سلام الله عليه ـ بقلمه الشريف ، واستوحاها من منابع الوحي والرسالة والامامة ، وصاغها صياغة القانوني الماهر والمشرّع الحكيم ، فأبدعها أيما إبداع ، وأخرجها أيما إخراج ، فكانت ـ ولا زالت ـ آية ـ لا يشق لها غبار ـ في تنظيم سعادة المجتمع وهنائه وخيره.

وها نحن نقرأها اليوم ـ في منتصف القرن العشرين ـ فنجدها وكأنها بنت الساعة في تفكيرها وتسلسلها وتنظيمها لحقوق كل فرد مع ربه ونفسه ، ومع غيره من بني الانسان ، بل نجد في بعض تلك الحقوق ما لم تعمل به الي اليوم أكبر دول الحضارة والتقدم في العالم.

ولا اريد الدخول في سرد التفاصيل والبحث القانوني المقارن في كل

١٤

فصل من فصولها ، ومادة من موادها ، فلكل ذلك مجاله الخاص ، ومكانه المناسب.

بل حسبي أن أقول فيها :

إنها رسالة «الحقوق» للامام علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ.

وكفي ...

* * *

واذا كان لي ما أود بيانه ـ في الختام _ فهو شكري الجزيل لاخواني أعضاء «لجنة التوجيه الديني» علي نشاطهم وحماسهم وجهودهم في سبيل عقيدتهم ومبدأهم. حفظهم الله ورعاهم ، وسدد خطاهم ، وأجزل لهم ثوابهم ، انه لا يضيع «عمل عامل منكم من ذكر أو انثي».

الكاظمية :

محمد حسن آل ياسين

١٥
١٦

١٧
١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

«اعلم ـ رحمك اللّه ـ ان للّه عز وجل عليك حقوقا (١) محيطة بك في كل حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، أو آلة تصرفت بها. بعضها أكبر من بعض. وأكبر حقوق اللّه عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تتفرع ، ثم ما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل لبصرك عليك حقا ، ولسمعك عليك حقا ، وللسانك عليك حقا ، وليدك عليك حقا ، ولرجلك عليك حقا ، ولبطنك عليك حقا ، ولفرجك عليك حقا ، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال. ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا : فجعل لصلاتك عليك حقا ، ولصومك عليك حقا ، ولصدقتك عليك حقا ، ولهديك عليك حقا ، ولأفعالك عليك حقا.

ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك حق أئمتك ، ثم حقوق رعيتك ، ثم حقوق رحمك. فهذه حقوق يتشعب منها حقوق : ـ

فحقوق أئمتك ثلاثة : أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم ثم حق سائسك بالملك ، وكل سائس إمام. وحقوق رعيتك ثلاثة : أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم ، فان الجاهل

__________________

(١) وفي رواية أخرى «اعلم رحمك اللّه ان للّه عليك» ... الخ.

١٩

رعية العالم ، وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان. وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك حق أمك ، ثم حق أبيك ، ثم حق ولدك ثم حق أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى ، ثم حق مولاك المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجارية نعمته عليك (١) ثم حق ذي المعروف لديك ، ثم حق مؤذنك بالصلاة ، ثم حق إمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ، ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك ، ثم حق شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم حق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ، ثم حق خصمك المدعي عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ، ثم حق مستشيرك ، ثم حق المشير عليك ، ثم حق مستنصحك ، ثم حق الناصح لك ، ثم حق من هو أكبر منك ، ثم حق من هو أصغر منك ، ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته ، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل ، أو مسرة بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد ، ثم حق أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة ، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب ، فطوبى لمن أعانه اللّه على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفقه وسدّده.

١ ـ حق اللّه

فأما حق اللّه الأكبر عليك : فأن تعبده ولا تشرك به شيئا. فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحب منهما.

__________________

(١) هكذا جاءت في المقدمة وفي تفصيل الحقوق «مولاك الذي أنعمت عليه» وهو الصحيح.

٢٠