إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري

إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري


المحقق: الدكتور حنيف بن حسن القاسمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

الدنيا على وجه استخراج الجواب لقول قومه : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً).

١٤٨ (لَهُ خُوارٌ) : قيل (١) : إن الروح لم يدخلها ، وإنما جعل له خروق يدخلها الريح فيسمع كالخوار (٢) ، وإن صار ذا روح يشبه المعجزة لإجراء الله العادة أن القبضة من أثر الملك إذا ألقيت على أية صورة حييت.

١٤٩ (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) : يقال للعاجز النادم سقط ، وأسقط في يده فهو مسقوط. ويقرأ «سقط» (٣) ، ومعناه أيضا الندم.

١٥٠ (أَسِفاً) : حزينا (٤). وقيل (٥) : شديد الغضب.

__________________

(١) قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٧٧ : «والجسد هو الذي لا يعقل ولا يميز ، إنما معنى الجسد معنى الجثة فقط».

ونقل ابن الجوزي في زاد المسير : (٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢) عن ابن الأنباري قال : «ذكر الجسد دلالة على عدم الروح منه ، وأن شخصه شخص مثال وصورة ، غير منضم إليهما روح ولا نفس».

(٢) الخوار صوت البقر.

مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٢٨ ، والمفردات للراغب : ١٦٠ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٦٢ ، واللسان : ٤ / ٢٦١ (خور).

(٣) بفتح السين والقاف مبنيا للفاعل ، وتنسب هذه القراءة إلى ابن السميفع ، وأبي عمران الجوني.

ينظر الكشاف : ٢ / ١١٨ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٦٣ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٤.

وفي توجيه هذه القراءة قال النحاس في معاني القرآن : ٣ / ٨١ : «أي : ولما سقط الندم في أيديهم».

(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٣ / ١٢١ عن ابن عباس ، والحسن ، والسدي.

وانظر تفسير الماوردي : ٢ / ٥٧ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٠١.

(٥) أخرجه الطبري في تفسره : (١٣ / ١٢٠ ، ١٢١) عن أبي الدرداء. وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٧٣ وقال : «يقال : أسفني فأسفت ، أي : أغضبني فغضبت».

وانظر هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٧٨ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ٨٢.

٣٤١

(قالَ ابْنَ أُمَ) : بالفتح (١) على جعل الاسمين اسما واحدا (٢) ، كقوله : جئته صباح مساء. وبالكسر (٣) على حذف ياء الإضافة (٤).

١٥٤ (وَلَمَّا سَكَتَ) : أولى من «سكن» لتضمنه مع سكون الغضب سكوته عن أخيه ، ومن كلام العرب : جرى الوادي ثلاثا ثم سكت ، أي : انقطع (٥).

وسكون غضبه لأنهم تابوا (٦).

(لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) : اللام بمعنى التعدية ؛ لأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل فكان كما لم يتعد (٧) ، أو في معنى من أجله (٨).

__________________

(١) وهي قراءة ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، وعاصم في رواية حفص.

السبعة لابن مجاهد : ٢٩٥ ، والتبصرة لمكي : ٢٠٧.

(٢) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٩٣ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ١٢٨.

قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٧٨ : «فمن قال «ابن أمّ» بالفتح فإنه إنما فتحوا في «ابن أمّ» و «ابن عم» لكثرة استعمالهم هذا الاسم ، وأن النداء كلام محتمل للحذف فجعلوا «ابن» و «أمّ» شيئا واحدا نحو خمسة عشر».

وانظر الكشف لمكي : ١ / ٤٧٨ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٢٩٠ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٦.

(٣) وهي قراءة ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية شعبة.

السبعة لابن مجاهد : ٢٩٥ ، والتبصرة لمكي : ٢٠٧.

(٤) قال مكي في الكشف : ١ / ٤٧٩ : «وحجة من كسر أنه لما يدخل الكلام تغيير ، قبل حذف الياء ، استخف حذف الياء ، لدلالة الكسرة عليها ، ولكثرة الاستعمال ، فهو نداء مضاف بمنزلة قولك : يا غلام غلام ...».

وانظر توجيه هذه القراءة أيضا في تفسير القرطبي : ٧ / ٢٩٠ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٦ ، والدر المصون : ٥ / ٤٦٧.

(٥) في تفسير القرطبي : ٧ / ٢٩٣ : «أي أمسك عن الجري».

وانظر البحر المحيط : ٤ / ٣٩٨ ، والدر المصون : (٥ / ٤٧١ ، ٤٧٢).

(٦) قال أبو حيان في البحر المحيط : ٤ / ٣٩٨ : «سكوت غضبه كان ـ والله أعلم ـ بسبب اعتذار أخيه وكونه لم يقصر في نهي بني إسرائيل عن عبادة العجل ...».

(٧) قال الزمخشري في الكشاف : ٢ / ١٢١ : «دخلت اللام لتقدم المفعول لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا ، ونحوه (لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) ، وتقول : لك ضربت».

وانظر تفسير الفخر الرازي : ١٥ / ١٧ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٢٩٣ ، والدر المصون : ٥ / ٤٧٢.

(٨) أي من أجل ربهم يرهبون. ـ ينظر معاني القرآن للأخفش : ٢ / ٥٣٥ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ١٣٩ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١٥٤ ، والتبيان للعكبري : ١ / ٥٩٦ ، والبحر المحيط : ٤ / ٣٩٨.

٣٤٢

١٥٧ (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) : ويقطع عنهم إصرهم ، (وَالْأَغْلالَ) المواثيق الغلاظ التي هي كالأغلال (١).

١٥٨ (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) : (جَمِيعاً) حال من الكاف والميم في (إِلَيْكُمْ) ، والعامل معنى الفعل في (رَسُولُ) (٢).

١٦٠ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً) / بدل (٣) ، ولو كان تمييزا لكان «سبطا» [٣٥ / ب] كقوله : اثني عشر رجلا (٤) ، أو هو صفة موصوف محذوف كأنه : اثنتي عشرة فرقة أسباطا ، ولذلك أنّثت.

١٦٣ (شُرَّعاً) : ظاهرة على الماء (٥) ، ومنه الطريق الشارع (٦).

(يَسْبِتُونَ) : يدعون السّمك في السّبت ، و (يَسْبِتُونَ) (٧) : يقيمون السبت.

__________________

(١) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٧٣ : «هي الفرائض المانعة لهم من أشياء رخّص فيها لأمة محمد صلى الله عليه وعلى آله».

(٢) الكشاف : ٢ / ١٢٣ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤٠٥.

(٣) يريد أن (أَسْباطاً) بدل من (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ).

ينظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٨٣ ، ومشكل إعراب القرآن لمكي : ١ / ٣٠٣ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٥ / ٣٦.

(٤) في نسخة «ك» : كقولك : اثنا عشر فرقة أسباطا ، وفي وضح البرهان : ١ / ٣٦٧ : «كما يقال : عشر رجلا».

(٥) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٣ / ١٨٣ ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وانظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٨٤ ، وتفسير الماوردي : ٢ / ٦٥ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٠٨ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٧٧ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٠٥.

(٦) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٤ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ١٨٣ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٥ / ٤٠.

(٧) بضم الياء وكسر الباء ، وتنسب هذه القراءة إلى الحسن كما في إتحاف فضلاء البشر : ٢ / ٦٦ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤١١.

قال أبو حيان : «من أسبت : إذا دخل في السبت».

٣٤٣

١٦٤ (قالُوا مَعْذِرَةً) : موعظتنا معذرة (١) ، فحذف المبتدأ ، أو : معذرة إلى الله نريدها ، فحذف الخبر.

ومن نصبه (٢) فعلى المصدر ، أي : نعتذر معذرة (٣).

١٦٥ (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) : من بئس باسة إذا شجع وصار مقدامة ، أي : عذاب مقدم عليهم غير متأخر عنهم.

ومن قرأ بيس (٤) ـ فعلى الوصف مثل «نقض» (٥) ـ و «نضو» أو

__________________

(١) بالرفع وعلى هذه القراءة القراء السبعة إلا عاصما في رواية حفص كما في السبعة لابن مجاهد : ٢٩٦ ، والتبصرة لمكي : ٢٠٨.

واختار سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٢٠ لأنهم : «لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه ، ولكنه قيل لهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً)؟ قالوا : موعظتنا معذرة إلى ربكم.

ولو قال رجل لرجل : معذرة إلى الله وإليك من كذا وكذا ، يريد اعتذارا ، لنصب».

قال النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ١٥٨ بعد أن ذكر قول سيبويه : «وهذا من دقائق سيبويه رحمه‌الله ولطائفة التي لا يلحق فيها».

(٢) هو عاصم في رواية حفص.

(٣) معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٨٦ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١٥٨ ، والكشف لمكي : ١ / ٤٨١ ، والتبيان للعكبري : ١ / ٦٠٠ ، والدر المصون : ٥ / ٤٩٥.

(٤) قرأ نافع ، وأبو جعفر بكسر الباء وياء ساكنة ، وقرأ ابن عامر بهمزة ساكنة بئس.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢٩٦ ، والتبصرة لمكي : ٢٠٨ ، والنشر : ٣ / ٨٢.

ذكر السمين الحلبي في توجيه القراءتين أربعة أوجه :

«أحدها : أن هذا في الأصل فعل ماض سمّي به فأعرب كقوله عليه‌السلام : «أنهاكم عن قيل وقال» بالإعراب والحكاية ، وكذا قولهم : «مذ شبّ إلى دبّ» و «مذ شبّ إلى دبّ» فلما نقل إلى الاسمية صار وصفا. كـ «نضو» و «نقض» والثاني : أنه وصف وضع على فعل كـ «حلف».

والثالث : أن أصله «بيئس» كالقراءة المشهورة ، فخفف الهمزة ، فالتقت ياءان ثم كسر الباء اتباعا كـ «رغيف» و «شهيد» ، فاستثقل توالي ياءين بعد كسرة ، فحذفت الياء المكسورة فصار اللفظ «بئس» ، وهو تخريج الكسائي.

الرابع : أن أصله «بئس» بزنة «كتف» ثم أتبعت الباء للهمزة في الكسر ، ثم سكنت الهمزة ثم أبدلت ياء. وأما قراءة ابن عامر فتحتمل أن تكون فعلا منقولا ، وأن تكون وصفا كحلف» ا ه.

(٥) النّقض والنقضة : هما الجمل والناقة اللذان قد هزلتهما وأدبرتهما ... والنّقض ـ بالكسر

٣٤٤

كان بئيسا» فخففت الهمزة ، ونقلت حركة العين إلى الفاء كما قيل : كبد وكبد (١).

١٦٧ (تَأَذَّنَ رَبُّكَ) : تألّى (٢) وأقسم قسما سمعته الآذان.

وقيل (٣) : أمر. أو أعلم ، من «آذن» (٤).

(لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : يعني العرب تأخذهم بالجزية والذلة (٥).

١٦٨ (وَقَطَّعْناهُمْ) : شتتنا شملهم.

١٦٩ (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) : يرتشون على الحكم (٦).

(وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) : أي : لا يكفيهم شيء ولا يشبعهم مال.

أو يأخذون من الخصم الآخر كما من الأول (٧).

__________________

البعير الذي أنضاه السفر ، وكذلك النضو.

ينظر اللسان : ٧ / ٢٤٣ ، تاج العروس : ١٩ / ٨٩ (نقض).

(١) الكشاف : ٢ / ١٢٧ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤١٣ ، والدر المصون : ٥ / ٤٩٦.

(٢) بمعنى حلف وأقسم ، وهو قول الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٨٧ ، وذكره الماوردي في تفسيره : ٢ / ٦٦ ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٢٧٩ عن الزجاج أيضا.

(٣) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٣ / ٢٠٤ عن مجاهد.

ونقله البغوي في تفسيره : ٢ / ٢٠٩ عن مجاهد أيضا.

(٤) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٤ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ٢٠٤ ، وذكره النحاس في معاني القرآن : ٣ / ٩٦ ، وقال : «وهذا قول حسن ، لأنه يقال : تعلم بمعنى أعلم».

وانظر تفسير الماوردي : ٢ / ٦٦ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٠٩ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٧٩.

(٥) نص هذا القول في تفسير الماوردي : ٢ / ٦٦.

وأخرج ـ نحوه ـ الطبري في تفسيره : (١٣ / ٢٠٥ ـ ٢٠٧) عن ابن عباس ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، والسدي.

(٦) عن معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٨٨.

وانظر تفسير الطبري : ١٣ / ٢١١ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ٩٩ ، وتفسير الماوردي : ٢ / ٦٧ ، والمحرر الوجيز : ٦ / ١٢٨.

(٧) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره : ١٣ / ٢١٤ عن ابن زيد.

ونقله القرطبي في تفسيره : ٧ / ٣١٢ عن ابن زيد أيضا.

٣٤٥

(وَدَرَسُوا ما فِيهِ) : تركوه حتى صار دارسا ، أو تلوه ودرسوه ثم خالفوه مع تلاوته (١).

١٧١ (نَتَقْنَا الْجَبَلَ) : قلعناه ورفعناه من أصله (٢) ، وسببه أنهم أبو قبول فرائض التوراة (٣).

(وَظَنُّوا) : قوي في نفوسهم وقوعه إن لم يقبلوا (٤).

١٧٢ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) : قال ابن عباس (٥) : أخرج الله من ظهر آدم ذريته ، وأراه إياهم كهيئة الذر ، وأعطاهم من العقل ، وقال : هؤلاء

__________________

(١) نص هذا الكلام في تفسير الماوردي : ٢ / ٦٧ دون عزو.

وانظر تفسير القرطبي : ٧ / ٣١٢.

(٢) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٩٩ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٣٢ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ٢١٧ ، والمفردات للراغب : ٤٨٢ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٨٣.

(٣) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٧٤ : «وكان نتق الجبل أنه قطع منه شيء على قدر عسكر موسى فأظل عليهم ، وقال لهم موسى : إما أن تقبلوا التوراة وإما أن يسقط عليكم».

ونقل الماوردي في تفسيره : ٢ / ٦٨ عن مجاهد قال : «وسبب رفع الجبل عليهم أنهم أبوا أن يقبلوا فرائض التوراة لما فيها من المشقة ، فوعظهم موسى فلم يقبلوا ، فرفع الجبل فوقهم ، وقيل لهم : إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا ألقى عليكم».

قال الماوردي : «واختلف في سبب رفع الجبل عليهم هل كان انتقاما منهم أو إنعاما عليهم؟ على قولين :

أحدهما : أنه كان انتقاما بالخوف الذي دخل عليهم.

والثاني : كان إنعاما لإقلاعهم به عن المعصية».

(٤) تفسير الماوردي : ٢ / ٦٨.

(٥) روي نحوه موقوفا على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وروي مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد أخرجه مرفوعا الإمام أحمد في مسنده : ٤ / ١٥١ ، حديث رقم (٢٤٥٥).

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه‌الله : «إسناده صحيح».

وأخرجه مرفوعا أيضا الطبري في تفسيره : ١٣ / ٢٢٢ ، والحاكم في المستدرك : ١ / ٢٧ ، كتاب الإيمان ، وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

وذكره الهيثمي ـ مرفوعا ـ في مجمع الزوائد : (٧ / ٢٨) ، كتاب التفسير ، باب «سورة الأعراف» ، وقال : «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».

٣٤٦

ولدك آخذ عليهم الميثاق أن يعبدوني.

وإنما أنسانا الله ذلك ليصح الاختبار ولا نكون مضطرين ، وفائدته علم آدم وما يحصل له من السرور بكثرة ذريته.

وقيل (١) : إنهم بنو آدم الموجودون على الدهر ، فإن الله أشهدهم على أنفسهم بما أبدع فيها من دلائل التوحيد حتى صاروا / بمنزلة من قيل لهم : [٣٦ / أ] أ لست بربكم؟ قالوا : بلى على وجه الدلالة والاعتبار.

١٧٥ (آتَيْناهُ آياتِنا) : أمية ابن [أبي] (٢) الصلت. وقيل (٣) : بلعم بن

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٠٦.

(٢) ما بين المعقوفين عن نسخة «ك» و «ج» ، وعن هامش الأصل الذي أشار ناسخه إلى وروده في نسخة أخرى.

وأمية بن أبي شاعر جاهلي ، أدرك الإسلام لكنه لم يسلم ، توفي في السنة الخامسة للهجرة.

أخباره في : طبقات فحول الشعراء : (١ / ٢٦٢ ـ ٢٦٧) ، والشعر والشعراء : (١ / ٤٥٩ ـ ٤٦٢) ، والمعارف لابن قتيبة : ٦٠.

وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال في قوله تعالى : (آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) أنه أمية بن أبي الصّلت.

أخرج ذلك عبد الرزاق في تفسيره : ١٩٣ ، والنسائي في التفسير : ١ / ٥٠٨ حديث رقم (٢١٢) ، والطبري في تفسيره : (١٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧) ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٦٧٥.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٣ / ٦٠٩ ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والطبراني ـ كلهم ـ عن عبد الله بن عمرو.

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : ٣ / ٥٠٨ : «وقد روي من غير وجه عنه ، وهو صحيح إليه ، وكأنه إنما أراد أن أميّة بن أبي الصّلت يشبهه فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ، ولكنه لم ينتفع بعلمه ...».

(٣) أخرجه الطبري في تفسيره : (١٣ / ٢٥٣ ـ ٢٥٥) عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة.

وينظر تاريخه : (١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٩) ، والتعريف والإعلام للسهيلي : ٦١.

وأخرج الطبري في تفسيره : ١٣ / ٢٧٣ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٦٧٩ (سورة الأعراف) ، عن قتادة قال : «هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله وتركه ...».

وقال الطبري ـ رحمه‌الله ـ بعد أن ذكر الأقوال في اسم هذا الرجل : «والصواب من القول ـ في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان أتاه حججه وأدلته ، وهي الآيات وجائز أن يكون الذي كان الله آتاه ذلك بلعم ، وجائز أن يكون أمية ...».

انظر تفسيره : (١٣ / ٢٥٩ ، ٢٦٠).

٣٤٧

باعوراء (١) كان عنده اسم الله الأعظم فدعا به على موسى.

(فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) : أتبعته : لحقته ، وتبعته : سرت خلفه (٢) ، أي : لحقه الشّيطان فأغواه (٣).

١٧٦ (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) سكن إليها ورضى بما عليها ، وأصله اللزوم على الدوام ، والمخلّد من لا يكاد يشيب أو يتغير.

(أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) : كل شيء [يلهث] (٤) فإنما يلهث من تعب أو عطش ، والكلب يلهث في كل حال ، فالكافر يتبع هواه أبدا (٥).

__________________

(١) كذا ورد في رواية الطبري عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وذكره السهيلي في التعريف والإعلام : ٦١ ، والكرماني في غرائب التفسير : ١ / ٤٢٧.

وقيل : هو بلعم بن أبر ، وقيل : بلعم بن باعر ، وقيل : هو من بني إسرائيل ، وقيل : من الكنعانيين ، وقيل : من العمالقة.

ينظر الاختلاف في اسمه ونسبه في المحبّر لابن حبيب : ٣٨٩ ، وتاريخ الطبري : ١ / ٤٣٧ ، ومروج الذهب للمسعودي : ١ / ٥٢.

وفي التعريف والإعلام للسهيلي : «وأصله من بني إسرائيل ولكنه كان مع الجبارين وكان قد أوتي الاسم الأعظم ، فسألوه أن يدعو على موسى وجيشه فأبى ، فأرى في المنام ألّا يفعل فلم يزالوا به حتى فتنوه ، فقلب لسانه فأراد أن يدعو على موسى فدعا على قومه ، وخلع الإيمان من قلبه ونسي الاسم الأعظم ...».

(٢) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٤ ، وتفسير الماوردي : ٢ / ٧١ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٨٩.

(٣) نص هذا القول في تفسير الماوردي : ٢ / ٧١.

وقال الطبري في تفسيره : ١٣ / ٢٦١ : «وقوله : (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) يقول فصيّره لنفسه تابعا ينتهي إلى أمره في معصية الله ، ويخالف أمر ربه في معصية الشيطان وطاعة الرحمن».

(٤) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».

(٥) تفسير الطبري : ١٣ / ٢٧٣ ، وزاد المسير : ٣ / ٢٩٠.

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٩١ : «ضرب الله عزوجل بالتارك لآياته والعادل عنها أخس مثل في أخسّ أحواله ، فقال عزوجل : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ) إذا كان الكلب ـ لهثان ، وذلك أن الكلب إذا كان يلهث فهو لا يقدر لنفسه على ضرّ ولا نفع ، لأن التمثيل به على أنه يلهث على كل حال حملت عليه أو تركته ، فالمعنى : فمثله كمثل الكلب لاهثا. ثم قال : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وقال : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) ... المعنى : ساء مثلا مثل القوم».

٣٤٨

١٧٩ (ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) : لما كان عاقبتهم جهنم كأنه خلقهم لها (١).

(بَلْ هُمْ أَضَلُ) : لأنها (٢) لا تدع ما فيه صلاحها حتى النملة والنحلة ، وهم كفروا مع وضوح الدلائل (٣).

١٨٠ (يُلْحِدُونَ) : لحد وألحد : مال عن الحق (٤).

وقال الفراء (٥) : اللّحد : الميل ، والإلحاد بمعنى الإعراض. وإلحادهم في أسماء الله قولهم : اللات من الله ، والعزى من العزيز (٦).

١٨١ (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِ) : عن النبي عليه‌السلام : أنها هذه الأمة (٧).

__________________

(١) وتسمى اللام في قوله تعالى : (لِجَهَنَّمَ) لام العاقبة.

(٢) الضمير عائد إلى «الأنعام».

(٣) ينظر تفسير الطبري : ١٣ / ٢٨١ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٩٢ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢١٧ ، وتفسير القرطبي : (٧ / ٣٢٤ ، ٣٢٥).

(٤) تفسير الطبري : ١٣ / ٢٨٣ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ١٠٨ ، والمفردات للراغب : ٤٤٨ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٢٨ ، والدر المصون : ٥ / ٥٢٢.

قال الطبري ـ رحمه‌الله ـ : «وأصل «الإلحاد» في كلام العرب العدول عن القصد ، والجور عنه ، والإعراض. ثم يستعمل في كل معوج غير مستقيم ... وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرق بين «الإلحاد» و «اللحد» ، فيقول في الإلحاد إنه العدول عن القصد ، وفي اللحد إنه الركون إلى الشيء ...».

(٥) لم أقف على قوله في معاني القرآن له.

(٦) ينظر تفسير الطبري : ١٣ / ٢٨٢ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ١٠٨ ، وتفسير الماوردي : ٢ / ٧٢ ، والدر المصون : ٥ / ٥٢٣.

(٧) أخرج الطبري في تفسيره : ١٣ / ٢٨٦ ، عن ابن جريج قال : «ذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : هذه أمتي! قال : بالحق يأخذون ويعطون ويقضون».

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٣ / ٦١٧ وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وأبي الشيخ عن ابن جريج.

وأخرج الطبري في تفسيره : ١٣ / ٣٨٦ عن قتادة قال : «بلغنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول إذا قرأها : «هذه لكم ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)».

وأورد السيوطي هذا الأثر في الدر المنثور : ٣ / ٦١٧ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة.

٣٤٩

وفيه دلالة على حجة الإجماع (١).

١٨٢ (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) : نهلكهم ، من درج : هلك (٢) ، أو من الدّرجة (٣) ، أي : نتدرج بهم على مدارج النعم إلى الهلاك.

(مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) : بوقت الهلاك ؛ لأن صحة التكليف في إخفائه.

١٨٣ (وَأُمْلِي لَهُمْ) : انظرهم ، والملاوة : الدهر (٤).

١٨٧ (أَيَّانَ مُرْساها) : متى مثبتها (٥).

(لا يُجَلِّيها) : لا يظهرها.

(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) : أي : يسئلونك عنها كأنك حفيّ بها (٦) ، فأخر «عن» وحذف الجار والمجرور للدلالة عليها ، فإنه إذا كان حفيا بها

__________________

(١) ينظر تفسير الفخر الرازي : ١٥ / ٧٧.

(٢) زاد المسير : ٣ / ٢٩٥ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٥ / ٧٧ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤٣٠.

(٣) ذكره الماوردي في تفسيره : ٢ / ٧٣ ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٢٩٥.

(٤) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٣٤ ، وقال الطبري في تفسيره : ١٣ / ٢٨٧ : «وأصل الإملاء من قولهم : مضى عليه مليّ ، وملاوة وملاة ، وملاة ـ بالكسر والضم والفتح ـ من الدهر ، وهي الحين ، ومنه قيل : انتظرتك مليا».

(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٥.

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٩٣ : «ومعنى (مُرْساها) مثبتها ، يقال رسا الشيء يرسو إذا ثبت فهو راس ، وكذلك «جبال راسيات» أي ثابتات. وأرسيته : إذا أثبته».

(٦) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٩٩ ، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٢٩٩ إلى ابن الأنباري ، وذكره الفخر الرازي في تفسيره : ١٥ / ٨٦.

٣٥٠

سئل عنها كما أنه إذا سئل عنها فليس ذلك إلا لحفاوته بها.

١٨٨ (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) : أعددت في الرخص للغلاء ، وما مسني الفقر.

وقيل (١) : لاستكثرت من العمل الصالح ، وما أقول هذا عن آفة ، وما مسني جنون.

١٨٩ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : من آدم ، (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) : من كل نفس زوجها على طريق الجنس ليميل إليها ويألفها. /. [٣٦ / ب] (فَلَمَّا تَغَشَّاها) : أصابها (٢) ، (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) أي : المنى (٣).

(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) : ولدا سويا صالح البنية (٤).

ومن قال : إن المراد آدم وحواء (٥) كان معنى (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ)

__________________

(١) أخرجه الطبري في تفسيره : ١٣ / ٣٠٢ عن ابن جريج ، ومجاهد ، وابن زيد.

ونقله الماوردي في تفسيره : ٢ / ٧٤ عن الحسن ، وابن جريج.

(٢) تفسير الطبري : ١٣ / ٣٠٤.

قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٩٥ : «كناية عن الجماع أحسن كناية».

وينظر معاني القرآن للنحاس : ٣ / ١١٣ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٢٠ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٠١.

(٣) ينظر تفسير الطبري : ١٣ / ٣٠٤ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٩٥.

(٤) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٦ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ٣٠٦.

ونقل الماوردي هذا القول في تفسيره : ٢ / ٧٥ عن الحسن ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٣٠١ عن الحسن وقتادة.

(٥) في قوله تعالى : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) واستدل قائلو هذا القول بالحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ٥ / ١١ عن سمرة بن جندب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال : سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسموه عبد الحارث فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره».

٣٥١

الولدين ؛ لأنها كانت تلد توأما (١).

١٩٤ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ) : الدعاء الأول : تسميتهم الأصنام آلهة ، والدعاء الثاني : في طلب النفع والضر من

__________________

ـ وأخرج الترمذي نحوه في سننه : ٥ / ٢٦٧ ، كتاب التفسير ، باب «ومن سورة الأعراف» وقال : «هذا حديث حسن غريب».

والطبري في تفسيره : ١٣ / ٣٠٩ ، والحاكم في المستدرك : ٢ / ٥٤٥ ، كتاب التاريخ ، ذكر آدم عليه‌السلام.

وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.

وفي إسناد هذا الحديث عمر بن إبراهيم.

قال الترمذي : «لا نعرفه مرفوعا إلّا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة. ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه. عمر بن إبراهيم شيخ بصري».

وأورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث في تفسيره : ٣ / ٥٢٩ ، وقال : هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه :

أحدها : «أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري ، وقد وثقه ابن معين ، ولكن قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر ، عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا ، فالله أعلم.

الثاني : أنه قد روى من قول سمرة نفسه ، ليس مرفوعا.

الثالث : أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا ، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه».

وذكر ابن العربي في أحكام القرآن : (٢ / ٨١٩ ، ٨٢٠) الحديث الذي أخرجه الترمذي ثم قال : «وذلك مذكور ونحوه في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره. وفي الإسرائيليات كثير ليس لها ثبات ، ولا يعوّل عليها من له قلب ، فإن آدم وحواء وإن كان غرهما بالله الغرور ـ فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، وما كان بعد ذلك ليقبلا له نصحا ولا يسمعا منه قولا».

أما التأويل المقبول لهذه فكما ورد في تحفة الأحوذي : (٨ / ٤٦٥) عن الحسن رحمه‌الله قال : عني بها ذرية آدم ومن أشرك منهم.

فتفسير الآية محمول على جنس الإنسان ، ولم يشرك آدم ولا حواء وآدم معصوم لأنه نبي.

قال القفال : المراد جنس الذرية الذين ينسبون الأولاد إلى الكواكب وإلى الأصنام ، وقد ذكر آدم وحواء توطئة لما بعدهما من شرك بعض الناس وهم أولادهما.

(١) زاد المسير : (٣ / ٣٠٣ ، ٣٠٤).

٣٥٢

[جهتهم] (١) وسماها عبادا لأنها مخلوقة مذللة (٢).

٢٠٠ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) : يزعجنك (٣) ، (مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) : وسوسة.

٢٠١ (طائِفٌ) : خاطر (٤) ، أو لمم كالطيف الذي يلم في النوم (٥) ، و «طيف» (٦) لغة في «طائف» ، مثل «ضيف» و «ضائف» ، و «درهم زيف» و «زائف».

والشيطان لا يقدر أن يفعل في القلب خاطرا وإنما يوجد فيه إيهام (٧) ما دعا إليه.

٢٠٣ (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) : هلّا تقبّلتها من ربك (٨) ، أو هلّا اقتضبتها (٩) من عند نفسك.

__________________

(١) في الأصل : «جهنم» ، والمثبت في النص من «ك» ، و «ج».

(٢) تفسير القرطبي : ٧ / ٣٤٢.

(٣) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره : ٢ / ٧٧.

وقال الفخر الرازي في تفسيره : ١٥ / ١٠٢ : «وقيل : النزغ : الإزعاج ، وأكثر ما يكون عند الغضب ، وأصله الإزعاج بالحركة إلى الشر».

(٤) تفسير الفخر الرازي : ١٥ / ١٠٤.

ونقل السّمين الحلبي في الدر المصون : ٥ / ٥٤٧ عن أبي علي الفارسي قال : «الطيف كالخطرة ، والطائف كالخاطر».

(٥) معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٠٢ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٣٦ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٣ / ١٢٠ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٥٠ عن النحاس.

(٦) وهي أيضا قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، والكسائي كما في السّبعة لابن مجاهد : ٣٠١ ، والتبصرة لمكي : ٢٠٩.

وانظر الكشف لمكي : ١ / ٤٨٧ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤٤٩ ، والدر المصون : ٥ / ٥٤٦.

(٧) في «ك» و «ج» : «إفهام».

(٨) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٣ / ٣٤٢ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

ونقله الماوردي في تفسيره : ٢ / ٧٨ عن ابن عباس أيضا.

(٩) أخرج الطبري في تفسيره : ١٣ / ٣٤١ عن مجاهد قوله : ـ «وإذا لم تأتهم بآية قالوا لو لا اجتبيتها» ـ قالوا : «لو لا اقتضبتها! قالوا : تخرجها من نفسك».

وفي اللسان : ١ / ٦٨٠ (قضب) : «واقتضاب الكلام : ارتجاله ، يقال : هذا شعر مقتضب ، وكتاب مقتضب. واقتضبت الحديث والشعر : تكلمت به من غير تهيئة أو إعداد له».

٣٥٣

اجتبيته ، واختلقته ، وارتجلته ، واقتضبته ، واخترعته بمعنى (١).

٢٠٤ (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا) : عن عمر (٢) أنه أتاه البشير بفتح «تستر» (٣). وهو يقرأ البقرة ـ فقال : يا أمير المؤمنين أبشر أبشر ـ يردد عليه وهو لا يلتفت إليه حتى فرغ ، ثم أقبل عليه بالدّرة (٤) ضربا ويقول : كأنك لم تعلم ما قال الله في الإنصات عند قراءة القرآن.

٢٠٦ (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) : أي : الملائكة (٥) ، فهم رسل الله إلى الإنس ، أو هم في المكان المشرّف الذي ينزل الأمر (٦) منه.

__________________

(١) قال الطبري في تفسيره : ١٣ / ٣٤٣ : «وحكي عن الفراء أنه كان يقول : «اجتبيت الكلام واختلفته ، وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك».

وانظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٩٧ ، والمفردات للراغب : ٨٧ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٥٣ ، والبحر المحيط : ٤ / ٤٥١.

(٢) لم أقف على هذا الخبر فيما تيسر لي من المصادر.

(٣) تستر : بالضم ثم السكون وفتح التاء الأخرى ، مدينة بعربستان تقع على بعد ستين ميلا شمال الأهواز.

ينظر معجم ما استعجم : ١ / ٣١٢ ، ومعجم البلدان : ٢ / ٢٩ ، وبلدان الخلافة الشرقية : ٢٦٩.

(٤) الدّرة : بالكسر السّوط يضرب به.

قال الأزهري في تهذيب اللغة : ١٤ / ٦٢ : «والدّرة : درة السلطان التي يضرب بها».

وينظر اللسان : ٤ / ٢٨٢ ، وتاج العروس : ١١ / ٢٨١ (درر).

(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٧٦ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ٣٥٧ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٩٨ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٢٧ ، وزاد المسير : ٣ / ٣١٤.

وحكى القرطبي في تفسيره : ٧ / ٣٥٦ الإجماع على هذا القول.

(٦) ينظر تفسير القرطبي : ٧ / ٣٥٦.

٣٥٤

ومن سورة الأنفال

عن عبادة بن الصامت (١) رضي‌الله‌عنه : «لما كان يوم بدر اختلفنا في النّفل من محارب ومن حارس لرسول الله ، وساءت فيه أخلاقنا ، فنزعه الله من أيدينا ، وأنزل (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ) وجعلها إلى الرسول ، فقسمه بيننا عن بواء ، أي : سواء».

١ (ذاتَ بَيْنِكُمْ) : حال بينكم ، ومعناه : حقيقة وصلكم (٢) ، أي : تواصلوا على أمر الإسلام.

٥ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) : أي : جعل النّفل لك وإن كرهوه ولم يعلموا أنه أصلح لهم كما أخرجك عن وطنك وبعضهم كارهون ، / فيكون العامل في [٣٧ / أ] «كاف» (كَما) معنى الفعل المدلول عليه بقوله : (قُلِ الْأَنْفالُ) (٣).

__________________

(١) أخرجه باختلاف في لفظه ـ الإمام أحمد في مسنده : (٥ / ٣٢٣ ، ٣٢٤) ، والطبري في تفسيره : (١٣ / ٣٦٩ ـ ٣٧١) ، والحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٢٦ ، كتاب التفسير ، وقال : «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

وأخرجه ـ أيضا ـ الواحدي في أسباب النزول : ٢٦٦ ، والبيهقي في السنن الكبرى : ٦ / ٢٩٢ ، كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب «مصرف الغنيمة في ابتداء الإسلام».

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٤ / ٥ ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.

(٢) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٤٠٠.

وانظر معاني القرآن للنحاس : ٣ / ١٢٩ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٢٠.

(٣) معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٠٣ ، وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٤٠٠ : «فموضع الكاف في (كَما) نصب ، المعني : الأنفال ثابتة لك مثل إخراج ربك إياك من بيتك بالحق».

واختار الزمخشري أيضا هذا القول في الكشاف : ٢ / ١٤٣ ، وابن عطية في المحرر ـ الوجيز : ٦ / ٢١٩.

وانظر تفسير القرطبي : (٧ / ٣٦٧ ، ٣٦٨) ، والبحر المحيط : ٤ / ٤٦١ ، والدر المصون : ٥ / ٥٦١.

٣٥٥

أو العامل معنى «الحق» أي : نزع الأنفال من أيديهم بالحق (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ) بالمدينة إلى بدر (بِالْحَقِ) (١).

٦ (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ) : لعدوله عليه‌السلام بهم عن العير إلى النفير.

٧ (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) : لما أقبلت عير قريش من الشام مع أبي سفيان سار إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرجت نفير قريش وهم «ذات الشوكة» إليها لحفظها ، فشاور النبي ـ عليه‌السلام ـ أصحابه فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك فامض لما أردت فو الذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر (٢) لنخوضه معك. فقال عليه‌السلام : «سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» (٣).

(لِيُحِقَّ الْحَقَ) : ليظهره لكم.

(وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) : يظفركم بذات الشوكة فإنه أقطع لدابرهم.

__________________

(١) ذكره الماوردي في تفسيره : ٢ / ٨٢.

(٢) قال الأستاذ محمود محمد شاكر في هامش تحقيقه لتفسير الطبري : ١٣ / ٤٠١ : «استعرض البحر ، أو الخطر : أقبل عليه لا يبالي خطره. وهذا تفسير للكلمة استخرجته لا تجده في المعاجم».

(٣) أخرج نحوه الطبري في تفسيره : (١٣ / ٣٩٩ ـ ٤٠١) عن عروة بن الزبير ، وابن عباس.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٤ / ٢٦ وزاد نسبته إلى ابن إسحاق ، وابن المنذر عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وانظر تفسير البغوي : (٢ / ٢٣٠ ، ٢٣١) ، وزاد المسير : (٣ / ٣٢٣ ، ٣٢٤) ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٥٥٧.

٣٥٦

٩ (مُرْدِفِينَ) : تابعين (١) ، ردف وأردف ، ومنصوبا (٢) أردف بعضهم بعضا ، فكانوا زمرا زمرا.

١٠ (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) : أي : الإمداد بالملائكة ليبشروا بالنصر.

والملائكة لم يقاتلوا (٣) ؛ لأن ملكا واحدا يدمر على جميع المشركين.

وقيل (٤) : بل قاتلت حتى قال أبو جهل لابن مسعود : من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال : من قبل الملائكة فقال : فهم غلبونا لا أنتم.

١٢ (فَوْقَ الْأَعْناقِ) : أي : الرؤوس ، أو على الأعناق.

(كُلَّ بَنانٍ) : كل مفصل ، أبّن بالمكان : أقام به (٥) ، فكل مفصل أقيم عليه عضو.

__________________

(١) معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٠٤ ، وتفسير الطبري : ١٣ / ٤١٢ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٤٠٢.

(٢) وهي قراءة نافع كما في السبعة لابن مجاهد : ٣٠٤ ، والتبصرة لمكي : ٢١١.

قال مكي في الكشف : ١ / ٤٨٩ : «وحجة من فتح أنه بناه على ما لم يسمّ فاعله ، لأن الناس الذين قاتلوا يوم بدر أردفوا بألف من الملائكة : أي : أنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار.

ف (مُرْدِفِينَ) بفتح الدال نعت لـ «ألف» ، وقيل : هو حال من الضمير المنصوب في (مُمِدُّكُمْ) ، أي : ممدكم في حال إردافكم لألف (مِنَ الْمَلائِكَةِ).

وحجة من كسر الدال أنه بناه على ما سمى فاعله ، فجعله صفة لـ «ألف» أي : بألف من الملائكة مردفين لكم ، يأتون لنصركم بعدكم ...».

وانظر البحر المحيط : (٤ / ٤٦٥ ، ٤٦٦) ، والدر المصون : ٥ / ٥٦٧.

(٣) ذكر ابن عطية هذا القول في المحرر الوجيز : ٦ / ٢٢٩ فقال : «وقيل : لم تقاتل يوم بدر وإنما وقفت وحضرت. وهذا ضعيف».

(٤) قال ابن عطية في المحرر الوجيز : ٦ / ٢٢٩ : «روى في الأشهر أن الملائكة قاتلت يوم بدر ، واختلف في غيره ...».

وقال القرطبي في تفسيره : ٤ / ١٩٢ : «وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت ...».

(٥) ينظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٤٠٥ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٧٩ ، والصحاح : ٥ / ٢٠٨٠ ، واللسان : ١٣ / ٥٩ (بنن).

٣٥٧

١٤ (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) : أي : الأمر ذلكم فذوقوه ، أي : كونوا للعذاب كالذائق للطعام ؛ لأن معظمه بعده (١).

(وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) تقديره : وبأن ، أو واعلموا أن (٢).

١٥ (زَحْفاً) : قريبا ، زحف القوم إلى القوم : دلفوا (٣).

١٦ (مُتَحَيِّزاً) : طالب حيّز ، أي : ناحية يقوى به.

١٧ (وَما رَمَيْتَ) : أخذ عليه‌السلام قبضة تراب فحثاه في وجوههم وقال (٤) : «شاهت الوجوه» ، فكانت الهزيمة.

__________________

(١) قال المؤلف رحمه‌الله في وضح البرهان : ١ / ٣٨٠ : «وقال : (فَذُوقُوهُ) لأن الذائق أشد إحساسا بالطعم من المستمر على الأكل ، فكان حالهم أبدا حال الذائق في إحساسهم العذاب».

(٢) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ١ / ٤٠٥ على أن موضع «أن» نصب ، ونص قوله : «فنصب «أن» من جهتين. أما إحداهما : وذلك بأن للكافرين عذاب النار ، فألقيت الباء فنصبت. والنصب الآخر أن تضمر فعلا ...».

وذكر النحاس هذا القول في إعراب القرآن : ٢ / ١٨١ عن الفراء ، وكذا مكي في مشكل إعراب القرآن : ١ / ٣١٣.

(٣) قال الزمخشري في الكشاف : ٢ / ١٤٨ : «والزحف : الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف ، أي : يدب دبيبا ... والمعنى : إذا لقيتموهم للقتال وهم كثير جم وأنتم قليل فلا تفروا فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم».

ونقل ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٣٣١ عن الليث قال : «الزحف : جماعة يزحفون إلى عدوهم».

وقال ابن الجوزي : «والتزاحف : التداني والتقارب».

(٤) أخرجه الطبري في تفسيره : (١٣ / ٤٤٤ ، ٤٤٥) عن محمد بن قيس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والسدي.

وقال الواحدي في أسباب النزول : ٢٦٨ : «وأكثر أهل التفسير على أن الآية نزلت في رمي النبي عليه‌السلام القبضة من حصباء الوادي يوم بدر حين قال للمشركين : شاهت الوجوه ، ورماهم بتلك القبضة ، فلم تبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء».

ينظر هذا المعنى في رواية الإمام مسلم في صحيحه : ٣ / ١٤٠٢ ، حديث رقم (١٧٧٧) ، كتاب الجهاد والسير ، باب «في غزوة حنين».

وذكر البغوي في تفسيره : ٢ / ٢٣٧ أنه قول أهل التفسير والمغازي أيضا.

وانظر المحرر الوجيز : ٦ / ٢٤٩ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٣٢ ، والدر المنثور : ٤ / ٤٠.

٣٥٨

وإنما جاز نفي الفعل حقيقة وإثباته مجازا لقوة السبب المؤدي / على [٣٧ / ب] المسبب.

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً) : ينعم نعمة (١).

١٨ (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ) : أي : الحق ذلكم.

١٩ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) : قال المشركون يوم بدر : اللهم من كان أقطعنا للرحم وأظلمنا فأمطر عليهم (٢).

٢٢ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) : شرّ ما دبّ على الأرض.

٢٣ (لَأَسْمَعَهُمْ) : أي : كلام الذين طلبوا إحياءه من قصيّ بن كلاب وغيره (٣).

وإن اعتبرت عموم اللّفظ كان المعنى : لأسمعهم آياته سماع تفهيم وتعليم (٤).

٢٤ (اسْتَجِيبُوا) (... لِما يُحْيِيكُمْ) : لما يورثكم الحياة الدائمة في نعيم الآخرة (٥).

__________________

(١) قال الطبري في تفسيره : ١٣ / ٤٤٨ : «وذلك البلاء الحسن» ، رمى الله هؤلاء المشركين ، ويعنى بـ «البلاء الحسن» النعمة الحسنة الجميلة ، وهي ما وصفت وما في معناه».

وانظر معاني القرآن للنحاس : ٣ / ١٤١ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٣٤ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٥ / ١٤٥.

(٢) وورد أيضا ـ أن القائل هو أبو جهل.

ينظر مسند أحمد : ٥ / ٤٣١ ، وتفسير الطبري : (١٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥٤) ، وأسباب النزول للواحدي : (٢٦٨ ـ ٢٦٩) ، وتفسير ابن كثير : ٣ / ٥٧٢ ، والدر المنثور : ٤ / ٤٢.

(٣) ذكره الماوردي في تفسيره : ٢ / ٩٣ عن بعض المتأخرين.

وانظر هذا القول في تفسير البغوي : ٢ / ٢٤٠ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٣٨٨.

(٤) رجح الطبري هذا القول في تفسيره : ١٣ / ٤٦٣ ، وأخرج نحوه عن ابن جريج ، وابن زيد.

وانظر تفسير الماوردي : ٢ / ٩٣ ، وتفسير البغوي : ٢ / ٢٤٠ ، وزاد المسير : ٣ / ٣٣٨.

(٥) ذكره النحاس في معانيه : ٣ / ١٤٤ ، ونقله الماوردي في تفسيره : ٢ / ٩٣ عن علي بن عيسى.

٣٥٩

وقيل (١) : هو إحياء أمرهم بجهاد عدوهم.

وقيل (٢) : هو بالعلم الذي يهتدون به.

(يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) : أي : بالوفاة ونحوها من الآفات ، فلا يمكنه الإيفاء بما فات (٣) ، أو هو حوله ـ تعالى ـ بين القلب وما يعزم عليه أو يتمناه.

وفي الحديث (٤) : «إنه ما يحول به بين المؤمن والمعاصي».

__________________

(١) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره : ١٣ / ٤٦٥ عن ابن إسحاق.

وذكره الماوردي في تفسيره : ٢ / ٩٣ عن ابن إسحاق أيضا.

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره : ٢٨٩ (سورة الأنفال) عن عروة بن الزبير رضي‌الله‌عنهما في قوله : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) أي الحرب التي أعزكم الله بها بعد الذل ، وقواكم بها بعد الضعف ، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم.

وحسّن المحقق إسناده».

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٤ / ٤٤ ، وزاد نسبته إلى ابن إسحاق عن عروة.

(٢) معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٤٠٩.

(٣) في «ج» : تلافي ما فاته.

(٤) أخرجه الطبري في تفسيره : ١٣ / ٤٦٩ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٢٩٢ (سورة الأنفال) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وكذا الحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٢٨ ، كتاب التفسير ، «تفسير سورة الأنفال».

وقال : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٤ / ٤٤ ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

قال الطبري رحمه‌الله في تفسيره : (١٣ / ٤٧١ ، ٤٧٢) معقبا على هذه الأقوال بقوله : «وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال : إن ذلك خبر من الله عزوجل أنه أملك لقلوب عباده منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك به شيئا من إيمان أو كفر ، أو أن يعيي به شيئا ، أو أن يفهم ، إلا بإذنه ومشيئته وذلك أن الحول بين الشيء والشيء ، إنما هو الحجز بينهما ، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه ، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبه وإدراكه سبيل.

وإذا كان ذلك معناه ، دخل في ذلك قول من قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان ، وقول من قال : يحول بينه وبين عقله ، وقول من قال : يحول بينه وبين قلبه حتى

٣٦٠