إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري

إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري


المحقق: الدكتور حنيف بن حسن القاسمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

٩٠ (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) : الهاء للاستراحة ، لأجل الوقف (١). أو هاء الضمير للمصدر المقدّر ، أي : فبهداهم اقتد اقتداء (٢) ، أو زيدت الهاء عوضا من الياء المحذوفة في «اقتد» فإذا وصلت صار حرف الوصل عوضا وسقط.

٩١ (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) : لم يجزم (يَلْعَبُونَ) ؛ لأنه ليس بجواب ، بل / توبيخ في موضع الحال (٣) ، وأما قوله (٤) : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا) [٣٠ / أ] فكان يجوز سبب أكلهم تركه لهم ، إذ يحسن ذلك ولا يقبح قبح إحالة اللعب إلى تركه.

٩٤ (فُرادى) جمع «فريد» كـ «رديف» ، و «ردافى» أو جمع «فردان» كـ «سكران» و «سكارى» ، وتقول العرب : «فراد» أيضا كـ «ثلاث» و «رباع» (٥).

__________________

ونقله النحاس في معاني القرآن : ٢ / ٤٥٥ عن مجاهد.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٣ / ٣١٢ وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما. ونسبه ـ أيضا ـ إلى عبد الرزاق ، وابن المنذر عن قتادة.

(١) الكشاف : ٢ / ٣٤ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٧٦ ، والدر المصون : ٥ / ٣١.

قال الفخر الرازي في تفسيره : ١٣ / ٧٥ : «قرأ ابن عامر : (اقْتَدِهْ) بكسر الدال وثم الهاء للكسر من غير بلوغ ياء ، والباقون : (اقْتَدِهْ) ساكنة الهاء ، غير أن حمزة والكسائي يحذفانها في الوصل ويثبتانها في الوقف ، والباقون يثبتونها في الوصل والوقف.

والحاصل : أنه حصل الإجماع على إثباتها في الوقف. قال الواحدي : الوجه الإثبات في الوقف والحذف في الوصل ؛ لأن هذه الهاء هاء وقعت في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء ، وذلك لأن الهاء للوقف ، كما أن همزة الوصل للابتداء بالساكن ، فكما لا تثبت الهمزة حال الوصل ، كذلك ينبغي أن لا تثبت الهاء ...».

(٢) تفسير الفخر الرازي : ١٣ / ٧٦ ، والدر المصون : ٥ / ٣٢.

(٣) الكشاف : ٢ / ٣٥.

(٤) سورة الحجر : آية : ٣.

(٥) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٥ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٥٧ ، وتفسير الطبري : ١١ / ٥٤٤ ، والمفردات للراغب : ٣٧٥ ، والدر المصون : ٥ / ٤٤.

٣٠١

(تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) : ذهب تواصلكم (١) وليس بظرف بل اسم لـ «الوصل» (٢) فإنه من الأضداد (٣) ، ومن نصبه (٤) أقره على الظرف على تقدير : تقطّع ما بينكم (٥) بل تقطّع السبب بينكم ؛ لأن الصلة والموصول كاسم واحد فلا يحذف الموصول.

٩٥ (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) : ففلق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة (٦).

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) : النبات الغض النامي من الحب اليابس ، (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ) الحب اليابس ، (مِنَ الْحَيِ) النبات النامي (٧).

وقيل (٨) : النطفة من الإنسان والإنسان من النطفة.

__________________

(١) هذا المعنى على قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وعاصم في رواية أبي بكر برفع النون في (بَيْنَكُمْ).

ينظر السّبعة لابن مجاهد : ٢٦٣ ، وحجة القراءات : ٢٦١ ، والكشف لمكي : ١ / ٤٤٠.

(٢) قال أبو علي الفارسي في الحجة : ٣ / ٣٥٨ : «والدليل على جواز كونه اسما قوله : (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥] ، و (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] ، فلما استعمل اسما في هذه المواضع جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو (تَقَطَّعَ) في قول من رفع ...».

(٣) الأضداد لابن الأنباري : ٧٥ ، واللسان : ١٣ / ٦٢ (بين).

(٤) وهي قراءة نافع والكسائي وعاصم في رواية حفص.

السبعة لابن مجاهد : ٢٦٣ ، والتبصرة لمكي : ١٩٦.

(٥) ينظر معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٥ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٥٩ ، والكشف لمكي : ١ / ٤٤١.

(٦) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١١ / ٥٥١ عن قتادة ، والسّدي ، وابن زيد.

ونقله الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٤٦ عن الحسن ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد.

وأورده ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٩٠ ، وقال : «روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والسدي ، وابن زيد».

(٧) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٧٣.

ورجحه الطبري في تفسيره : ١١ / ٥٥٣. وأخرج ـ نحوه ـ عن السدي ، وأبي مالك.

(٨) أخرجه الطبري في تفسيره : (١١ / ٥٥٣ ، ٥٥٤) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ونقله الفخر الرازي في تفسيره : ١٣ / ٩٢ عن ابن عباس أيضا.

٣٠٢

٩٦ (فالِقُ الْإِصْباحِ) : شاق عمود الصبح عن سواد الليل (١).

(حُسْباناً) : حسابا مصدر «حسبته» (٢) ، أو جمع «حساب» كـ «شهاب» و «شهبان» (٣) ، أي : سيّرهما بحساب معلوم. أو حساب الشهور والأعوام بمسيرهما (٤).

٩٧ (لِتَهْتَدُوا بِها) : النجوم المهتدى بها هي المختلفة مواضعها في الجهات الأربع.

٩٨ (فَمُسْتَقَرٌّ) في الصّلب ، أو على الأرض ، (وَمُسْتَوْدَعٌ) : في الرحم ، أو في القبر (٥).

__________________

(١) عن تفسير الطبري : ١١ / ٥٥٤.

وانظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٧٤.

(٢) ذكره الطبري في تفسيره : ١١ / ٥٥٩ فقال : «وقد قيل إن «الحسبان» في هذا الموضع مصدر من قول القائل : حسبت الحساب أحسبه حسابا وحسبانا. وحكى عن العرب : على الله حسبان فلان وحسبته ، أي : حسابه».

وانظر : زاد المسير : ٣ / ٩١ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٣ / ٩٩.

(٣) نص هذا القول في مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠١.

وانظر تفسير الطبري : ١١ / ٥٥٩ ، والكشاف : ٢ / ٣٨ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٣ / ١٠٥.

(٤) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره : ١١ / ٥٥٨ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

ونقله ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٩١ عن مقاتل.

(٥) قال البغوي في تفسيره : ٢ / ١١٨ : «روى عن أبيّ أنه قال : مستقر في أصلاب الآباء ، ومستودع في أرحام الأمهات».

ونقل ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ٩٢ عن ابن بحر قال : «المستقر في الأصلاب ، والمستودع في الأرحام».

وذكر الفخر الرازي في تفسيره : ١٣ / ١٠٩ : أنّ المستقر صلب الأب والمستودع رحم الأم ؛ لأن النطفة حصلت في صلب الأب لا من قبل الغير وهي حصلت في رحم الأم بفعل الغير ، فحصول تلك النطفة في الرحم من قبل الرجل مشبه بالوديعة لأن قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) يقتضي كون المستقر متقدما على المستودع ، وحصول النطفة في صلب الأب مقدم على حصولها في رحم الأم ، فوجب أن يكون المستقر ما في أصلاب الآباء ، والمستودع ما في أرحام الأمهات. ـ

٣٠٣

٩٩ (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) : رزقه ، وقيل : نبات كل صنف من النبات (١) ، كقوله (٢) : (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ).

وليس إنزال الماء سببا مولدا ولكنه مؤدّ.

(حَبًّا مُتَراكِباً) : السنبل الذي تراكب حبه.

(وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها) : ذكر الطلع (٣) مع النخل لأنه طعام وإدام بخلاف سائر الأكمام (٤).

__________________

وجمهور المفسرين على أن المراد بـ «المستقر» الرحم ، وب «المستودع» الصلب.

وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (١١ / ٥٦٥ ـ ٥٧١) عن ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم النخعي ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : (٣ / ٣٣١ ، ٣٣٢) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، والحاكم عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

قال الطبري ـ رحمه‌الله ـ في تفسيره : ١١ / ٥٧١ : «وأولى التأويلات في ذلك بالصواب أن يقال : وإنّ الله جل ثناؤه عمّ بقوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ، كلّ خلقه الذي أنشأ من نفس واحدة ، مستقرا ومستودعا ، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى. ولا شك أنّ من بني آدم مستقرا في الرحم ، ومستودعا في الصلب ، ومنهم من هو مستقر على ظهر الأرض أو بطنها ، ومستودع في أصلاب الرجال ، ومنهم مستقر في القبر ، مستودع على ظهر الأرض.

فكلّ «مستقر» أو «مستودع» بمعنى من هذه المعاني ، فداخل في عموم قوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ومراد به ، إلّا أن يأتي خبر يجب التسليم له بأنه معني به معنى دون معنى ، وخاص دون عام».

(١) عن معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٧ ، ونص كلام الفراء : «يريد ما ينبت ويصلح غذاء لكل شيء ، وكذا جاء التفسير ، وهو وجه الكلام.

وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كل شيء وأنت تريد بكل شيء النبات أيضا ، فيكون مثل قوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) ، واليقين هو الحق» ا ه.

(٢) سورة الواقعة : آية : ٩٥.

(٣) نقل الفخر الرازي في تفسيره : ١٣ / ١١٤ عن أبي عبيدة قال : «والطلع أول ما يرى من عذق النخلة ، الواحدة طلعة».

وانظر كتاب النخل لأبي حاتم : ٦٨ ، واللسان : ٨ / ٢٣٨ (طلع).

(٤) تفسير الفخر الرازي : ١٣ / ١١٥.

٣٠٤

(قِنْوانٌ) جمع على حد التثنية (١) مثل (صِنْوانٌ) (٢).

والقنو : العذق (٣).

(دانِيَةٌ) : متدلية قريبة (٤) ، أو دانية بعضها من بعض.

(وَيَنْعِهِ) : نضجه وإدراكه.

١٠٠ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) : ذلك قولهم : الملائكة بنات الله (٥) ، سموا جنا لاجتنانهم عن العيون (٦).

و (الْجِنَ) هو المفعول الأول أي : جعلوا لله الجن شركاء (٧).

__________________

(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٢ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٥٧ ، وتفسير الطبري : ١١ / ٥٧٥ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٧٥.

(٢) من آية : ٤ سورة الرعد.

(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٢ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٥٧ ، والمفردات للراغب : ٤١٤ ، واللسان : ١٥ / ٢٠٤ (قنا).

(٤) تفسير الطبري : ١١ / ٥٧٦ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٦٤ ، وزاد المسير : ٣ / ٩٤.

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٧٥ : «ودانية» أي قريبة المتناول ، ولم يقل : ومنها قنوان بعيدة ؛ لأن في الكلام دليلا أن البعيدة السحيقة من النخل قد كانت غير سحيقة ، واجتزأ بذكر القريبة عن ذكر البعيدة ، كما قال عزوجل : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ولم يقل : وسرابيل تقيكم البرد ؛ لأن في الكلام دليلا على أنها تقي البرد ؛ لأن ما يستر من الحر يستر من البرد».

(٥) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره : ١ / ٥٤٩ وعزاه إلى قتادة ، والسدي ، وابن زيد ، ثم قال : «كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) ، فسمى الملائكة لاختفائهم عن العيون جنة».

وانظر هذا القول في زاد المسير : ٣ / ٩٦.

(٦) تفسير الماوردي : ١ / ٥٤٩ ، والمفردات للراغب : ٩٩ ، وتفسير الفخر الرازي : ١٣ / ١٩٩.

(٧) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٨ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٧ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٨٧.

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٧٧ : «أما نصب الجن فمن وجهين ، أحدهما : أن يكون «الجن» مفعولا ، فيكون المعنى : وجعلوا لله الجن شركاء ، ويكون «الشركاء» مفعولا ثانيا كما قال : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) ا ه.

٣٠٥

[٣١ / أ] (وَخَرَقُوا) : كذبوا ؛ لأن الكذب خرق / لا أصل (١) له. ومن شدّد (٢) ذهب إلى التكثير والمبالغة (٣).

١٠٥ (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) : موضع الكاف نصب على صيغة المصدر (٤) : أي : نصرف الآيات في غير هذه الصورة (٥) تصريفا مثل التصريف في هذه.

(وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) : ودارست (٦) أي : قرأت وكتبت الكتب وذاكرت

__________________

(١) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٤٨ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٥٧ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٨ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٧٨ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٥٥٠.

(٢) أي «خرّقوا» بتشديد الراء ، وهي قراءة نافع كما في السّبعة لابن مجاهد : ٢٦٤ ، والتبصرة لمكي : ١٩٦.

(٣) معاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٦٦ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٣٧٣ ، وزاد المسير : ٣ / ٩٧ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ٥٣.

(٤) على صيغة المصدر المحذوف.

وانظر هذا التقدير الذي ذكره المؤلف في تفسير الطبري : ١٢ / ٢٥ ، والدر المصون : ٥ / ٩٣ ، وقدره الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٧٩ : «ونصرف الآيات في مثل ما صرفناه فيما تلي عليك».

(٥) في «ك» : «السورة».

(٦) «دارست» بألف ، قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو.

السبعة لابن مجاهد : ٢٦٤ ، والتبصرة لمكي : ١٩٦.

قال الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٦ : «اختلفت القراء في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة والكوفة : (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) ، يعني : قرأت أنت ، يا محمد ، بغير ألف. وقرأ ذلك جماعة من المتقدمين ، منهم ابن عباس ، على اختلاف عنه ، وغيره وجماعة من التابعين ، وهو قراءة بعض قراء أهل البصرة : وليقولوا دارست ، بألف ، بمعنى : قارأت وتعلمت من أهل الكتاب ... وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب ، قراءة من قرأه : (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ) بتأويل قرأت وتعلمت ، لأن المشركين كذلك كانوا يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد أخبر الله عن قبلهم ذلك بقوله : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).

فهذا خبر من الله ينبئ عنهم أنهم كانوا يقولون : إنما يتعلم محمد ما يأتيكم به من غيره ...».

٣٠٦

أهلها ، لام العاقبة (١) ، وقيل (٢) : اللام في معنى النفي ، أي : لئلا يقولوا دارست.

١٠٨ (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) : أي : العمل المأمور به (٣) ، وقيل : التزيين بميل الطباع إلى ابتغاء المحاسن واجتناب الفواحش.

١٠٩ (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) : فتح (أَنَّها) (٤) على حذف اللام أي : وما

__________________

(١) ذكره الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٨٠ ، وقال : «وهذه اللّام يسميها أهل اللّغة لام الصيرورة ، وهذا كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) فهم لم يلتقطوه يطلبون بأخذه أن يعاديهم ولكن كانت عاقبة أمره أن صار لهم عدوا وحزنا. وكما تقول : كتب فلان هذا الكتاب لحتفه ، فهو لم يقصد بالكتاب أن يهلك نفسه ، ولكن العاقبة كانت الهلاك».

وانظر هذا القول في معاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٦٩ ، والتبيان للعكبري : ١ / ٥٢٨ ، والبحر المحيط : ٤ / ١٩٨ ، والدر المصون : ٥ / ٩٣.

(٢) قال الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٥١ : «وفي الكلام حذف ، وتقديره : ولئلا يقولوا درست ، فحذف ذلك إيجازا كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) : أي : لئلا تضلوا».

(٣) ذكر الزجاج نحو هذا القول في معاني القرآن : ٢ / ٢٨١ ، وردّه.

وأورده النحاس في معاني القرآن : ٢ / ٤٧٢ دون عزو ، وعزاه الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٥٢ ، وأبو حيان في البحر المحيط : ٢ / ٢٠٠ إلى الحسن.

قال أبو حيان : «وما فسر به الحسن قد أوضحه بعض المعتزلة ، فقال : المراد بتزيين العمل تزيين المأمور به لا المنهي عنه ، ويحمل على الخصوص ، وإن كان عاما ، لئلا يؤدي إلى تناقض النصوص ، لأنه نص على تزيين الله للإيمان وتكريهه للكفر في قوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) فلو دخل تزيين الكفر في هذه الآية في المراد لوجب التناقض بين الآيتين ، ولذلك أضاف التزيين إلى الشيطان بقوله : (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) فلا يكون الله مزينا ما زينه الشيطان ، فنقول الله يزين ما يأمر به ، والشيطان يزين ما ينهى عنه حتى يكون ذلك عملا بجميع النصوص» انتهى.

قال أبو حيان ـ وأجيب أن لا تناقض لاختلاف التزيين ، تزيين الله بالخلق للشهوات وتزيين الشيطان بالدعاء إلى المعاصي. فالآية على عمومها في كل أمة وفي عملهم».

(٤) على قراءة نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية حفص كما في السبعة لابن مجاهد ٢٦٥ ، ورجح مكي هذه القراءة في الكشف : ١ / ٤٤٥.

٣٠٧

يشعركم إيمانهم؟ لأنها إذا جاءت لا يؤمنون (١) ، أو (لا) صلة (٢) وفي الكلام حذف ، أي : وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون أو لا يؤمنون؟.

وقيل (٣) : معنى (أَنَّها) لعلها.

وكسر إنها (٤) لتمام الكلام بقوله : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ) ، ثم قال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) على الاستئناف (٥).

١١٠ (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ) في جهنم على لهب النار (٦) ، أو نقلبها في الدنيا

__________________

(١) الحجة لأبي علي الفارسي : (٣ / ٣٧٧ ، ٣٧٨) ، والكشف لمكي : ١ / ٤٤٥ ، وزاد المسير : ٣ / ١٠٤.

(٢) أي زائدة ، وهو قول الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٥٠ ، وقال : «كقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) المعنى : حرام عليهم أن يرجعوا ...».

ونسب النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٩٠ ، وكتابه معاني القرآن : ٢ / ٤٧٣ هذا القول إلى الكسائي ثم قال : «وهذا عند البصريين غلط ، لأن «لا» لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافية».

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٨٣ : «والذي ذكر أن «لا» لغو غالط ، لأن ما كان لغوا لا يكون غير لغو في مكان آخر».

وانظر الحجة لأبي علي : (٣ / ٣٨٠ ، ٣٨١) ، والكشف لمكي : ١ / ٤٤٤.

(٣) نقله سيبويه في الكتاب : ٢ / ١٢٣ ، والزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٨٢ ، والنحاس في إعراب القرآن : ٢ / ٩٠ ، وأبو علي الفارسي في الحجة : ٣ / ٣٨٠ عن الخليل ، ورجح الطبري هذا القول في تفسيره : ١٢ / ٤٣.

(٤) وهي قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو.

السبعة لابن مجاهد : ٢٦٥ ، والتبصرة لمكي : ١٩٧.

(٥) الكتاب لسيبويه : ٣ / ١٢٣ عن الخليل.

وانظر هذا القول في تفسير الطبري : ١٢ / ٤٠ ، والحجة لأبي علي الفارسي : (٢ / ٣٧٦ ، ٣٧٧) ، والكشف لمكي : ١ / ٤٤٥ ، والبحر المحيط : ٤ / ٢٠١ ، والدر المصون : ٤ / ١٠١.

(٦) نص هذا القول في تفسير الفخر الرازي : ١٣ / ١٥٤ عن الجبائي.

وردّه الفخر الرازي بقوله : «أما الوجه الذي ذكره الجبائي فمدفوع لأنّ الله تعالى قال : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) ثم عطف عليه فقال : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ولا شك أن قوله : (وَنَذَرُهُمْ) إنما يحصل في الدنيا ، فلو قلنا : المراد من قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) إنما يحصل في الآخرة ، كان هذا سوءا للنظم في كلام الله تعالى حيث ـ

٣٠٨

بالخير (١).

(كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أنزلت الآيات فهم لا يؤمنون ثانيها (٢) ، وعلى الأول كما لم يؤمنوا أول مرّة في الدنيا.

١١١ (قُبُلاً) معاينة ومقابلة (٣) ، رأيته قبلا وقبلا ، وقبلا (٤).

أو جمع «قبيل» وهو الكفيل (٥) ، أي : لو حشرنا كل شيء فكفل بما تقول لم يؤمنوا ، أو «القبل» جمع «قبيل» والقبيل جمع قبيلة (٦) ، أي : لو جاءهم كل شيء قبيلة قبيلة وصنفا صنفا لم يؤمنوا.

١١٣ (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ) : لام العاقبة ، أي : ليصير أمرهم إلى ذلك (٧).

__________________

قدم المؤخر وآخر المقدم من غير فائدة ...».

(١) تفسير الماوردي : ١ / ٥٥٣.

(٢) تفسير البغوي : ٢ / ١٢٣ ، وزاد المسير : ٣ / ١٠٦.

وقال الفخر الرازي في تفسيره : ١٣ / ١٥٦ : «دخلت الكاف على محذوف تقديره : فلا يؤمنون بهذه الآيات كما لم يؤمنوا بظهور الآيات أول مرة أتتهم الآيات مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات ، والتقدير : فلا يؤمنون في المرة الثانية من ظهور الآيات كما لم يؤمنوا في المرة الأولى.

(٣) ورد هذا المعنى على قراءة نافع وابن عامر : (قُبُلاً) بكسر القاف وفتح الباء.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢٦٦ ، والتبصرة لمكي : ١٩٧ ، وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٢ / ٤٩ عن ابن عباس وقتادة.

(٤) قال أبو زيد الأنصاري في النوادر : ٢٣٥ : ويقال : لقيت فلانا قبلا ، ومقابلة وقبلا ، وقبلا ، وقبليا ، وقبيلا ، وكلّه واحد وهو المواجهة».

وانظر الحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٣٨٤ ، واللسان : ١١ / ٥٢٨ (قبل).

(٥) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٠ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٤ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٤٨ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٨٣ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٧٥.

(٦) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥١ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٤.

وقال الطبري في تفسيره : (١٢ / ٤٨ ، ٤٩) : «فيكون القبل» حينئذ جمع «قبيل» الذي هو جمع «قبيلة» فيكون «القبل» جمع الجمع».

(٧) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٨٤.

وانظر هذا القول في الكشاف : ٢ / ٤٥ ، والبحر المحيط : ٤ / ٢٠٨ ، والدر المصون : ٥ / ١١٧.

٣٠٩

١١٤ (أَبْتَغِي حَكَماً) الحكم من كان أهلا أن يتحاكم إليه ، والحاكم من شأنه أن يحكم وإن كان لا يحكم بالحق (١).

١١٥ (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) : وجبت النصرة لأوليائه.

١١٧ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُ) : (مَنْ يَضِلُ) في موضع نصب وتقديره : بمن يضل ، بدليل ظهور الباء بعده في (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، أو هو رفع بالابتداء على الاستفهام و (يَضِلُ) خبره ، أي : هو أعلم أيهم يضل ، ولا يجوز جرا (٢) بإضافة (أَعْلَمُ) لأن أفعل في الإضافة بعض المضاف [إليه] (٣). وتعالى الله عنه.

[٣١ / ب] ولا يجوز أن يكون (أَعْلَمُ) / بمعنى : يعلم (٤) ؛ لأنه لا يطابق (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

١١٨ (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) : فيه ما يخشى على مستحل متروك التسمية الكفر ، وهو اقترانه بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ).

١٢٢ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) : أي : ضالا فهديناه.

__________________

(١) قال الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٥٦ : «والفرق بين الحكم والحاكم أن الحكم هو الذي يكون أهلا للحكم فلا يحكم إلّا بحق ، والحاكم قد يكون من غير أهله فيحكم بغير حق ، فصار الحكم من صفات ذاته ، والحاكم من صفات فعله ، فكان الحكم أبلغ في المدح من الحاكم».

(٢) تفسير الطبري : ١٢ / ٦٦ ، وقال العكبري في التبيان : ١ / ٥٣٤ : «ولا يجوز أن يكون «من» في موضع جر بالإضافة على قراءة من فتح الياء لئلا يصير التقدير : هو أعلم الضالين ، فيلزم أن يكون سبحانه ضالا ، تعالى عن ذلك».

وأورد السمين الحلبي في الدر المصون : (٥ / ١٢٦ ، ١٢٧) وجوه الإعراب التي ذكرها المؤلف ، وأورد وجها آخر فقال : «الرابع : أنها منصوبة بفعل مقدّر يدل عليه أفعل ، قاله الفارسي ...» ، ورجح السمين الحلبي هذا القول فقال : «والراجح من هذه الأقوال نصبها بمضمر وهو قول الفارسي ، وقواعد البصريين موافقة له».

(٣) ما بين معقوفين عن نسخة «ج».

(٤) رد هذا القول ـ أيضا ـ الطبري في تفسيره : (١٢ / ٦٦ ، ٦٧).

وانظر البحر المحيط : ٤ / ٢١٠ ، والدر المصون : ٥ / ١٢٦.

٣١٠

١٢٥ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) : وهو تسهيل السبيل إلى الإسلام بالدلائل الشارحة للصدر. والإضلال تصعيبها (١) بالشّبه التي يضيق بها الصدر.

(ضَيِّقاً حَرَجاً) : ذا حرج (٢) ، أو هو بمنزلة «قمن» (٣) و «قمن» صفة لا مصدر (٤).

(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) : من ضيق صدره عن الإسلام كمن يراد على ما لا يقدر (٥).

(يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) : العذاب في الآخرة واللعنة في الدنيا.

١٢٧ (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) : السلامة من الآفات ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ) مضمون عند ربهم.

(وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) : يتولى أمرهم ، أو ينصرهم على عدوهم.

__________________

(١) في «ج» : تضييعها.

(٢) قال الطبري في تفسيره : ١٢ / ١٠٣ : «والحرج ، أشد الضيق ، وهو الذي لا ينفذه ، من شدة ضيقه ، وهو هنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ، ولا يدخله نور الإيمان ، لرين الشّرك عليه».

وقال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٩٠ : «والحرج في اللغة أضيق الضيق».

(٣) قمن : بفتح الميم.

قال ابن الأثير في النهاية : ٤ / ١١١ : «يقال : قمن وقمن : أي : خليق وجدير ، فمن فتح الميم لم يثنّ ولم يجمع ولم يؤنث ، لأنه مصدر ، ومن كسر ثنى وجمع ، وأنث ، لأنه وصف ، وكذلك القمين».

وانظر اللسان : ١٣ / ٣٤٧ (قمن).

(٤) هذا المعنى على قراءة : حرجا بكسر الراء ، وهي لنافع ، وعاصم في رواية شعبة.

السبعة لابن مجاهد : ٢٦٨.

وانظر توجيه هذه القراءة في تفسير الطبري : (١٢ / ١٠٦ ، ١٠٧) ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٩٠ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٤٠١ ، والدر المصون : (٥ / ١٤٢ ، ١٤٣).

(٥) قال النحاس في معاني القرآن : ٢ / ٤٨٧ : «كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك ، كأنه يستدعي ذلك».

٣١١

١٢٨ (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) : من إغوائهم (١).

واستمتع الإنس بالجن بتزيين الشهوات والعون على الهوى ، والجن بالإنس باتباعهم خطوات الجن (٢).

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) : من الفائت قبله إذ الفائت من العقاب ، يجوز تركه بالعفو عنه ، ومن الثواب لا يجوز لأنه بخس.

١٢٩ (نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) : نسلّط (٣) ، أو نكل بعضهم إلى بعض (٤) ، كقوله (٥) : (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى). وقيل (٦) : هو من الموالاة والتتابع في النار.

١٣٠ (شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) : بوجوب الحجة علينا وتبليغ الرسل إلينا (٧).

١٣٥ (عَلى مَكانَتِكُمْ) : طريقتكم (٨) ، أو تمكنكم إن رضيتم بالعقاب.

__________________

(١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (١٢ / ١١٥ ، ١١٦) عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد.

ونقله الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٦٢ عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد.

وانظر زاد المسير : ٣ / ١٢٣.

(٢) تفسير الماوردي : ١ / ٥٦٢ ، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ١٢٣ وقال : «روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس ، وبه قال محمد بن كعب ، والزجاج».

(٣) أي نسلّط بعض الظلمة على بعض.

وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٢ / ١١٩ عن ابن زيد ، ونقله الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٦٤ ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ١٢٤ عن ابن زيد أيضا.

(٤) ذكره الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٦٣ ، وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ١٢٤ إلى الماوردي.

(٥) سورة النّساء : آية : ١١٥.

(٦) أخرجه الطبري في تفسيره : ١٢ / ١١٢ عن قتادة.

وانظر تفسير الماوردي : ١ / ٥٦٤ ، وزاد المسير : ٣ / ١٢٤.

(٧) تفسير الطبري : ١٢ / ١٢٣ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٥٦٥ ، وزاد المسير : ٣ / ١٢٦.

(٨) ذكر الماوردي هذا القول في تفسيره : ١ / ٥٦٦.

٣١٢

١٣٦ (مِمَّا ذَرَأَ) : خلق (١) ، (مِنَ الْحَرْثِ) : سمّوا لله حرثا (٢) ولأصنامهم حرثا ، ثم ما اختلط من حرث الله بحرث الأصنام تركوه ، وقالوا : الله غنيّ عنه وعلى العكس.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) موضع «ما» رفع (٣) ، أي : ساء الحكم حكمهم ، أو نصب (٤) ، أي : ساء حكما حكمهم.

١٣٧ (وَلِيَلْبِسُوا) : لبست الثّوب ألبسه ، ولبست عليه الأمر ألبسه (٥).

١٤٢ (حَمُولَةً) : كبار الإبل التي يحمل عليها ، (وَفَرْشاً) : صغارها (٦).

١٤٣ (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) : أي : أنشأ الأنعام ثمانية أزواج (٧) / من أربعة [٣٢ / أ] أصناف ، من كل صنف اثنين ، ذكرا وأنثى ، فذكر الضأن والمعز ثم البقر والإبل.

__________________

(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٦ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٦٠ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ١٣٠ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٤٩٥.

(٢) أي : زرعا.

(٣) إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٩٧ ، والبيان لابن الأنباري : ١ / ٣٤٢.

(٤) قال أبو حيان في البحر المحيط : ٤ / ٢٢٨ : «ويجوز أن تكون (ما) تمييزا على مذهب من يجيز ذلك في «بئسما» ، فيكون في موضع نصب ، التقدير : ساء حكما حكمهم».

وانظر الدر المصون : ٥ / ١٦٠.

(٥) قال الراغب في المفردات : ٤٤٧ : «وأصل اللّبس ستر الشيء ، ويقال ذلك في المعاني ، يقال : لبست عليه أمره».

(٦) ينظر معنى «الحمولة» و «الفرش» في معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٥٩ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢٠٧ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٦٢ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ١٧٨ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٥٠٣.

قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٢٩٨ : «وأجمع أهل اللغة على أن الفرش صغارها».

(٧) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٦٢ : «أي ثمانية أفراد. والفرد يقال له : زوج.

والاثنان يقال لهما : زوجان وزوج».

وانظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة : ٤٩٨ ، وتفسير الطبري : (١٢ / ١٨٣ ، ١٨٤) ، وتفسير المشكل لمكي : ١٦٨.

٣١٣

(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) : إن كان التحريم من جهة الذكر فكل ذكر حرام ، أو من جهة الأنثيين فكل أنثى حرام ، أم الجميع حلال في الحال ثم حرم ما يتولد منه فكله حرام ؛ لأن الأرحام تشتمل على الجميع (١).

(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) : خبروني بعلم.

١٤٤ (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) : فخبروني عن مشاهدة ؛ فالكلام على أتم قسمة في الإلزام.

١٤٦ (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) : يدخل فيه الإبل والنّعام (٢).

وأظفار الإبل : مناسم أخفافها (٣) ، وأظفار السباع : براثنها.

(الْحَوايا) : المباعر (٤) ، بل ما يحوى عليه البطن (٥) ، «فواعل» واحدها «حاوياء» (٦) ، و «حاوية» مثل : «قاصعاء» (٧) ، و «قواصع» ، وإن كان

__________________

(١) ينظر ما سبق في معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٦٠ ، وتفسير الطبري : (١٢ / ١٨٤ ، ١٨٥) ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٢٩٩.

(٢) قال الطبري في تفسيره : ١٢ / ١٩٨ : «وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع ، كالإبل والنّعام والأوز والبط». وأخرج هذا القول عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي.

وانظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٠١ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٥١٠ ، وزاد المسير : ٣ / ١٤١.

(٣) أي : أطراف أخفافها.

اللسان : ١٢ / ٥٧٤ (نسم).

(٤) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٦٣ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٦٣ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٠١ ، قال الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٠٣ : «و «الحوايا» جمع واحدها «حاوياء» ، و «حاوية» ، «حويّة» ، وهي ما تحوي من البطن فاجتمع واستدار ، وهي بنات اللبن ، وهي المباعر ، وتسمى «المرابض» ، وفيها الأمعاء» وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (١٢ / ٢٠٣ ، ٢٠٤) عن ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي.

(٥) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره : ١ / ٥٧٥ عن علي بن عيسى.

(٦) عن سيبويه في معاني القرآن للنحاس : ٢ / ٥١٢ ، وعن الأصمعي في زاد المسير : ٣ / ١٤٣.

(٧) القاصعاء : جحر الفأر أو اليربوع. اللسان : ٨ / ٢٧٥ (قصع).

٣١٤

واحدها : «حويّة» فهي «فعائل» ، كـ «سفينة وسفائن».

١٤٩ (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) : القرآن ومحمد (١).

١٥٠ (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) : أي : لا يعلم ما ذهبتم إليه بعقل ولا سمع ، وما لا يصح أن يعلم بوجه فهو فاسد ، وإنما أمر بأن يدعوهم إلى الشهادة مع ترك قبولها ؛ إذ لم يشهدوا على الوجه الذي دعوا إليه من بينة يوثق بها.

و (هَلُمَ) يكون بمعنى تعالوا (٢) ... فلا يتعدى ، وبمعنى ، هاتوا (٣) ، فيتعدى تماما.

١٥٤ (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) : أي : أحسنه موسى من طاعة الله (٤) ، أو تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوة (٥).

و (تَماماً) : مفعول له.

__________________

(١) لم أقف على هذا القول.

وقال البغوي في تفسيره : ٢ / ١٤٠ : «التامة على خلقه بالكتاب والرسول والبيان».

وقال ابن كثير في تفسيره : ٣ / ٣٥٢ : «أي : له الحكمة التامة ، والحجة البالغة في هداية من هدى ، وإضلال من أضل ...».

(٢) مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٢٧ ، وزاد المسير : ٣ / ١٤٦ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ١٣٠.

قال السّمين الحلبي في الدر المصون : ٥ / ٢١٣ : «و «هلمّ» تكون متعدية بمعنى أحضر ، ولازمة بمعنى أقبل ، فمن جعلها متعدية أخذها من اللّمّ وهو الجمع ، ومن جعلها قاصرة أخذها من اللّمم وهو الدنو والقرب».

(٣) اختاره أبو حيان في البحر المحيط : ٤ / ٢٤٨ فقال : «و «هلم» هنا على لغة الحجاز ، وهي متعدية ، ولذلك انتصب المفعول به بعدها ، أي : أحضروا شهداءكم وقربوهم ...».

(٤) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٠٦ ، وذكره النحاس في معاني القرآن : ٢ / ٥١٩ ، والماوردي في تفسيره : ١ / ٥٧٩.

ونقله ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ١٥٤ عن الحسن وقتادة.

(٥) ذكره النحاس في إعراب القرآن : ٢ / ١٠٨ عن المبرد.

٣١٥

١٥٦ (أَنْ تَقُولُوا) : لئلا تقولوا (١) ، أو كراهة أن تقولوا (٢).

١٥٨ (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) : يصير الأمر كله لله.

(بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) : أشراط الساعة (٣).

(أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) : بعمل النوافل ووجوه البر (٤).

١٥٩ (وَكانُوا شِيَعاً) : اليهود ، شايعوا المشركين على المسلمين (٥).

١٦٠ (عَشْرُ أَمْثالِها) : عشر حسنات أمثالها (٦).

__________________

(١) ذكره الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٦٦ ، وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٦٣ : «يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا : إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا ، فحذف «لا».

وانظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣٠٦ ، والبحر المحيط : (٤ / ٢٥٦ ، ٢٥٧) ، والدر المصون : ٥ / ٢٢٩.

(٢) ذكره الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٣٩ عن بعض نحويي البصرة.

قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣٠٧ : «وقال البصريون : معناه أنزلناه ، كراهة أن تقولوا ، ولا يجيزون إضمار «لا» ، لا يقولون جئت أن أكرمك ، أي لئلا أكرمك ، ولكن يجوز فعلت ذلك أن أكرمك ، على إضمار محبة أن أكرمك ، وكراهة أن أكرمك ، وتكون الحال تنبئ عن الضمير. فالمعنى : أنزل الكتاب كراهة أن يقولوا : إنما أنزلت الكتب على أصحاب موسى وعيسى».

وانظر هذا الوجه في إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١٠٨ ، ومعاني القرآن للنحاس أيضا : ٢ / ٥٢١ ، والدر المصون : ٥ / ٢٢٩.

(٣) أخرج الإمام أحمد في مسنده : ٣ / ٣١ عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول الله عزوجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) قال : طلوع الشمس من مغربها».

وأخرج نحوه الترمذي في سننه : ٥ / ٢٦٤ ، كتاب التفسير ، باب «ومن سورة الأنعام» ، وقال : «هذا حديث حسن غريب ، ورواه بعضهم ، ولم يرفعه».

وأخرج الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٤٧ عن أبي سعيد الخدري أيضا.

(٤) تفسير الطبري : (١٢ / ٢٦٦ ، ٢٦٧).

(٥) لم أقف على هذا القول ، والمراد بـ «شيعا» في الآية الكريمة : فرقا وأحزابا ، ويدخل في ذلك اليهود والنصارى ، وليست من المشايعة التي بمعنى المناصرة كما ذكر المؤلف ، والآية فسّرت ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) ....

(٦) معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٦٦ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٢٧٤.

٣١٦

و «عشر أمثالها» على صفة عشر (١).

١٦٣ (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) : أي : من هذه الأمة (٢).

١٦٤ (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) : استفهام في معنى الإنكار (٣) ؛ إذ لا جواب لصاحبه إلا أن يبغي الله ربا.

١٦٥ (خَلائِفَ) : يخلف أهل كلّ عصر أهل عصر قبلهم (٤).

(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) : إذ ذاك يدعو إلى طاعة من يملكها رغبة في المرغوب فيه منها ، ورهبة من أضدادها (٥). / ونصب (دَرَجاتٍ) على [٣٢ / ب] وقوعه موقع (٦) المصدر كأن القول رفعه بعد رفعه.

__________________

(١) بالتنوين ورفع «أمثالها» وتنسب هذه القراءة إلى الحسن ، وسعيد بن جبير ، ويعقوب ، والأعمش ، وعيسى بن عمر.

ذكر النحاس هذه القراءة في إعراب القرآن : ٢ / ١١٠ وقال : «وتقديرها : فله حسنات عشر أمثالها ، أي : له من الجزاء عشرة أضعاف مما يجب له ، ويجوز أن يكون له مثل ويضاعف المثل فيصير عشرة».

ينظر البحر المحيط : ٤ / ٢٦١ ، والدر المصون : ٥ / ٢٣٨ ، والنشر : ٣ / ٧٠.

(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ١٢ / ٢٨٥ عن قتادة.

وذكره الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٨٣ ، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير : ٣ / ١٦١ عن الحسن ، وقتادة.

(٣) المحرر الوجيز : ٥ / ٤١٩ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ١٥٦.

قال أبو حيان في البحر المحيط : ٤ / ٢٦٣ : «الهمزة للاستفهام ومعناه الإنكار والتوبيخ ، وهو رد عليهم إذ دعوه إلى آلهتهم ، والمعنى أنه كيف يجتمع لي دعوة غير الله ربا وغيره مربوب له؟».

(٤) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٦٤ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٢٨٨ ، ومعاني القرآن للنحاس : ٢ / ٥٢٦ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٥٨٤ ، وزاد المسير : ٣ / ١٦٣.

(٥) قال الماوردي في تفسيره : ١ / ٥٨٤ : «يعني ما خالف بينهم في الغنى بالمال ، وشرف الآباء ، وقوة الأجسام ، وإن ابتدأه تفضلا من غير جزاء ولا استحقاق ، لحكمة منه تضمنت ترغيبا في الأعلى وترهيبا من الأدنى لتدوم له الرغبة والرهبة».

وانظر تفسير الفخر الرازي : ١٤ / ١٥.

(٦) في «ج» : موضع.

٣١٧

في الحديث (١) : «سورة الأنعام من نواجب القرآن» ، ويروى (٢) : «نجائب القرآن» ، [والنجيبة] (٣) التي قشرت نجبته ، أي : لحاؤه وبقي لبابه (٤).

__________________

(١) أخرجه الدارمي في سننه : ٢ / ٥٤٥ كتاب «فضائل القرآن» ، باب «فضائل الأنعام والسور» عن عمر رضي الله تعالى عنه.

وفي إسناده زهير بن معاوية عن أبي إسحاق بن سليمان بن أبي سليمان الشيباني الكوفي عن عبد الله بن خليفة.

أما زهير فهو ثقة ، وكذلك أبو إسحاق ، ولكنه سمع عن أبي إسحاق بعد اختلاطه.

ينظر التقريب : (٢١٨ ، ٢٥٢) ، والكواكب النيرات : ٣٥٠.

وأما عبد الله بن خليفة فهو مقبول كما في التقريب : ٣٠١.

وعليه يكون إسناد الدارمي ضعيفا.

والحديث ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث : ٢ / ٣٩١ ، وابن الأثير في النهاية : ٥ / ١٧.

(٢) غريب الحديث لابن الجوزي : ٢ / ٣٩١ ، والنهاية : ٥ / ١٧.

(٣) في الأصل : النجيب ، والمثبت في النص عن «ج».

(٤) قال ابن الأثير في النهاية : ٥ / ١٧ : «نواجب القرآن : أي من أفاضل سوره. فالنجائب : جمع نجيبة ، تأنيث النجيب. وأما النواجب : فقال شمر : هي عتاقه ، من قولهم : نجبته ، إذا قشرت نجبه ، وهو لحاؤه وقشره ، وتركت لبابه وخالصه».

٣١٨

ومن سورة الأعراف

للتسمية بالحروف المعجمة معان وهي : أنها فاتحة لما هو منها ، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها ، وأن التأليف الذي بعدها معجز وهو كتأليفها (١).

وموضع (المص) رفع بالابتداء ، وخبره (كِتابٌ) (٢) ، وعلى قول ابن عباس (٣) : «أنا الله أعلم وأفصل» لا موضع له ، لأنه في موضع جملة (٤).

٢ (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ) : نهي عن التعرض للحرج ، وفيه من البلاغة أن الحرج لو كان مما ينهى لنهينا عنك ، فانته أنت عنه بترك التعرض له (٥) و «الفاء» للعطف ، أي : هذا كتاب أنزلناه إليك فلا يكون بعد إنزاله

__________________

(١) ينظر البرهان للزركشي : (١ / ١٦٧ ـ ١٧٠) ، والإتقان : (٣ / ٢٥ ـ ٣٠).

(٢) هذا قول الفراء في معاني القرآن : ١ / ٣٦٨ ، وانظر مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٨١ ، وتفسير القرطبي : ٧ / ١٦٠ ، والبحر المحيط : ٤ / ٢٦٧ ، والدر المصون : ٥ / ٢٤١.

(٣) أخرجه الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٩٣ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ١ / ٢ (سورة الأعراف) ، والنحاس في معاني القرآن : ١ / ٧٣ بلفظ : «أنا الله أفصل».

(٤) اختار الزجاج هذا القول في معاني القرآن : (٢ / ٣١٣ ، ٣١٤) ، فقال : وهذه الحروف ...

في موضع جمل ، والجملة إذا كانت ابتداء وخبرا فقط لا موضع لها. فإذا كان معنى (كهيعص) معنى الكاف كاف ، ومعنى الهاء هاد ، ومعنى الياء والعين من عليم ، ومعنى الصاد من صدوق وكان معنى (الم) أنا أعلم ، فإنما موضع كموضع الشيء الذي هو تأويل لها. ولا موضع في الإعراب لقولك : أنا الله أعلم ، ولا لقولك : هو هاد ، وهو كاف ، وإنما يرتفع بعض هذا ببعض ، والجملة لا موضع لها».

وانظر تفسير الفخر الرازي : ١٤ / ١٦.

(٥) البحر المحيط : ٤ / ٢٦٦ ، والدر المصون : ٥ / ٢٤٢.

٣١٩

حرج في صدرك.

ويكون فيه أيضا معنى «إذا» أي : إذا أنزل إليك لتنذر به فلا يحرج صدرك بل لتنذر على انشراح الصدر.

والحرج : الضيق (١) ، وقيل : الشك ، بلغة قريش (٢).

(وَذِكْرى) في موضع نصب على (أُنْزِلَ) أي : أنزل إنذارا وذكرى (٣). وعلى تقدير : وهو ذكرى رفع (٤). وعلى تقدير : لأن تنذر وذكرى جرّ (٥).

٤ (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ) : «كم» في الخبر للتكثير (٦) ، وفي الاستفهام لا يجب

__________________

(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ٢١٠ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٦٥ ، وتفسير الطبري : ١٢ / ٢٩٥ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣١٥ ، والمفردات للراغب : ١١٢ ، ورجح الطبري هذا القول.

(٢) لغات القبائل الواردة في القرآن لأبي عبيد : ٩٨.

وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (١٢ / ٢٩٥ ، ٢٩٦) عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي.

وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١٦٥ وقال : «وأصل الحرج : الضيق ، والشاك في الأمر يضيق صدرا ؛ لأنه لا يعلم حقيقته ، فسمى الشّك حرجا».

وقال أبو حيان في البحر المحيط : ٤ / ٢٦٦ : «وفسّر «الحرج» هنا بالشّك ، وهو تفسير قلق ، وسمّي الشك حرجا لأنّ الشّاك ضيّق الصدر كما أن المتيقن منشرح الصدر ، وإن صح هذا عن ابن عباس فيكون مما توجه فيه الخطاب إليه لفظا وهو لأمته معنى ، أي : فلا يشكّوا أنّه من عند الله».

(٣) ذكره الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣١٥ وقال : «أي ولتذكر به ذكري ، لأن في الإنذار معنى التذكير».

(٤) أي أنها خبر لمبتدأ محذوف.

ينظر معاني القرآن للزجاج : ٢ / ٣١٦ ، وإعراب القرآن للنحاس : ٢ / ١١٤ ، والكشاف : ٢ / ٦٦ ، والبحر المحيط : ٤ / ٢٦٧.

(٥) قال الزجاج في معاني القرآن : ٢ / ٣١٦ : «فأما الجر فعلى معنى لتنذر ، لأن معنى «لتنذر» : لأن تنذره فهو في موضع جر ، المعنى للإنذار والذكرى».

وانظر البحر المحيط : ٤ / ٢٦٧ ، والدر المصون : ٥ / ٢٤٤.

(٦) قال الطبري في تفسيره : ١٢ / ٢٩٩ : «وقيل : (وَكَمْ) لأن المراد بالكلام ما وصفت من ـ الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المثلات ، بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه.

وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد ...».

٣٢٠