إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري

إيجاز البيان عن معاني القرآن - ج ١

المؤلف:

محمود بن أبي الحسن النّيسابوري


المحقق: الدكتور حنيف بن حسن القاسمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٧
الجزء ١ الجزء ٢

بالاتفاق (١).

١٠٥ (كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) : أي : بالعداوة واختلفوا في الديانة.

١٠٦ (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) : أي : بالنّبيّ قبل مبعثه (٢).

١١٠ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) : أي : فيما يتسامعه الأمم. أو «كان» تامّة بمعنى : حدثتم ؛ إذ «كنتم» و «أنتم» سواء ، إلا [في] (٣) ما يفيد «كان» من تأكيد وقوع الأمر (٤).

١١١ (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) : من دلالة النّبوّة ؛ لأنه كان كذلك حال يهود المدينة وخيبر.

__________________

معاني القرآن له : ١ / ٤٥٢. وقال أيضا : ويجوز أن تكون أمرت منهم فرقة ، لأن قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) ذكر الدعاة إلى الإيمان ، والدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه ، وليس الخلق كلهم علماء والعلم ينوب فيه بعض الناس عن بعض ، وكذلك الجهاد».

(١) تفسير الطبري : ٧ / ٩٠ ، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز : ٣ / ٢٥٤ : «أمر الله الأمّة بأن يكون منها علماء يفعلون هذه الأفاعيل على وجوهها ويحفظون قوانينها على الكمال ويكون سائر الأمة متبعين لأولئك ، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا بعلم واسع ، وقد علم تعالى أن الكل لا يكون عالما ...».

وأورد ابن عطية قول الزجاج ورده.

وانظر تفسير الفخر الرازي : ٨ / ١٨٢ ، والبحر المحيط : ٣ / ٢٠.

(٢) هذا قول الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٥٥.

وانظر تفسير الماوردي : ١ / ٣٣٨ ، وزاد المسير : ١ / ٤٣٦.

وذكر الماوردي ثلاثة أقوال أخرى في «الذين كفروا بعد إيمانهم».

(٣) عن نسخة «ج».

(٤) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٢٩.

وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن : ٢٩٥ في باب مخالفة ظاهر اللفظ معناه : «ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم ، أو مستقبل ؛ كقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ، أي أنتم خير أمة ، وقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي : وإذ يقول الله يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ).

وانظر تفسير الطبري : ٧ / ١٠٦ ، وزاد المسير : (١ / ٤٣٩ ، ٤٤٠).

٢٠١

١١٢ (بِحَبْلٍ) : بعهد (١).

١١٣ (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) : حين أسلم عبد الله بن سلام (٢) وجماعة قالوا : لم يسلم إلّا أشرارنا (٣).

(أُمَّةٌ قائِمَةٌ) : عادلة (٤) ، أو قائمة بطاعة الله (٥).

١١٥ فلن تكفروه (٦) : لا يستر عنكم ............

__________________

(١) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠١ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٠٨.

وأخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (٧ / ١١١ ـ ١١٣) عن مجاهد ، وقتادة ، وعكرمة ، والربيع ، والضحاك ، وابن زيد.

وانظر معاني الزجاج : ١ / ٤٥٧ ، والمحرر الوجيز : ٣ / ٢٧١ ، وزاد المسير : ١ / ٤٤١.

(٢) عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ، ثم الأنصاري.

صحابي جليل ، أسلم بعد هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة ، كان اسمه في الجاهلية الحصين فسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أسلم عبد الله.

توفي سنة ثلاث وأربعين للهجرة.

ترجمته في الاستيعاب : (٣ / ٩٢١ ـ ٩٢٣) ، وأسد الغابة : (٣ / ٢٦٤ ، ٢٦٥) ، والإصابة : (٤ / ١١٨ ـ ١٢٠).

(٣) السيرة لابن هشام : (١ / ٥٥٧) وأخرجه الطبري في تفسيره : (٧ / ١٢٠ ، ١٢١) ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٤٨٥ (سورة آل عمران) عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ، ونقله الواحدي في أسباب النزول : ١١٤ عن ابن عباس ومقاتل.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٢٩٦ ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن ابن عباس أيضا.

(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ٧ / ١٢٣ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٤٨٦ عن مجاهد. ونقله النحاس في معاني القرآن : ١ / ٤٦٢ عن مجاهد أيضا.

(٥) تفسير غريب القرآن : ١٠٨ ، وأخرج ـ نحوه ـ الطبري في تفسيره : ٧ / ١٢٣ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٤٨٥ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

قال الطبري رحمه‌الله : «فتأويل الكلام : من أهل الكتاب جماعة معتصمة بكتاب الله ، متمسكة به ، ثابتة على العمل بما فيه وما سن لهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

وانظر تفسير البغوي : ١ / ٣٤٣ ، وزاد المسير : ١ / ٤٤٢ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٨٧.

(٦) تكفروه : بالتاء ، قراءة ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وهي المشهورة عن أبي عمرو بن العلاء.

وقرأ حفص ، وحمزة ، والكسائي «يكفروه» بالياء.

ينظر : السبعة لابن مجاهد : ٢١٥ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٧٣ ، والكشف لمكي : ١ / ٣٥٤ ، والدر المصون : ٣ / ٣٥٨.

٢٠٢

ثوابه (١) ، سمّي المنع كفرا كما سمّي ثواب الله شكرا (٢).

١١٧ (صِرٌّ) : صوت ريح باردة من الصّرير (٣).

١١٨ (بِطانَةً) : دخلاء يستبطنون أمر المرء (٤).

(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) : لا يقصّرون فيكم فسادا (٥).

١١٩ (ها أَنْتُمْ) : تنبيه ، و (أُولاءِ) خطاب للمنافقين ، أو (أُولاءِ) بمعنى الذين.

١٢٠ (لا يَضُرُّكُمْ) : كان لا يضرركم مجزوما بجواب الشرط ، فأدغمت / [٢٠ / أ] الراء في الراء ونقلت ضمّة الأولى إلى الضّاد ، وضمّت الراء الأخيرة اتباعا للضّاد كما قالوا : مد في أمدد.

١٢١ (وَإِذْ غَدَوْتَ) : في يوم أحد (٦).

__________________

(١) تفسير الطبري : ٧ / ١٣٢ ، وتفسير البغوي : ١ / ٣٤٤.

(٢) في «ك» و «ج» : «سمي منع الثواب كفرا كما سمى ثواب الله شكرا».

(٣) معاني الزجاج : ١ / ٤٦١ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٣٤٠ ، وتفسير القرطبي : (٤ / ١٧٧ ، ١٧٨) ، واللسان : ٤ / ٤٥٠ (صرر).

(٤) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠٣ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٠٩.

وقال الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٦١ : «البطانة : الدخلاء الذين يستبطنون ويتبسط إليهم ، يقال فلان بطانه لفلان أي مداخل له ومؤانس ، فالمعنى أن المؤمنين أمروا ألا يداخلوا المنافقين ولا اليهود ...».

(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١٠٩ ، وقال الطبري في تفسيره : ٧ / ١٤٠ : «وأصل الخبل والخبال الفساد ...» ، وانظر معاني الزجاج : ١ / ٤٦٢ ، ومعاني النحاس : ١ / ٤٦٦.

(٦) تفسير الطبري : (٧ / ١٦٠ ، ١٦١) عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، والسدي ، وابن إسحاق.

وقيل في يوم الأحزاب. ورجح الطبري القول الذي أورده المؤلف قائلا : «وأولى هذين القولين بالصواب قول من قال : عنى بذلك يوم أحد ، لأن الله عزوجل يقول في الآية التي بعدها : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) ، ولا خلاف بين أهل التأويل أنه عنى

٢٠٣

١٢٢ (هَمَّتْ طائِفَتانِ) : بنو سلمة (١) وبنو حارثة حيّان من الأنصار (٢).

(وَاللهُ وَلِيُّهُما) : أي : كيف يفشل من الله وليّه.

١٢٣ (أَذِلَّةٌ) : أي : عددكم قليل ، وكانوا يوم بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا (٣) ، وفي يوم أحد ثلاثة آلاف (٤) ، ويوم حنين اثني عشر ألفا (٥).

١٢٥ (مِنْ فَوْرِهِمْ) : من وجههم (٦) ، أو من غضبهم (٧) من فوران القدر.

__________________

بالطائفتين : بنو سلمة وبنو حارثة ، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد ، دون يوم الأحزاب».

وانظر أسباب النزول للواحدي : (١٥٣ ، ١٥٤) ، وتفسير البغوي : ١ / ٣٤٦ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ٩٠.

(١) بنو سلمة ـ بفتح السين وكسر اللام ـ : هم بنو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج.

الجمهرة لابن حزم : ٣٥٨.

(٢) ثبت ذلك في صحيح البخاري : (٥ / ١٧٠ ، ١٧١) ، كتاب التفسير ، باب (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا).

(٣) ينظر صحيح البخاري : ٥ / ٥ ، كتاب المغازي ، باب «عدة أصحاب بدر» ، وتاريخ الطبري : ٢ / ٤٣٣.

(٤) المشهور أن عدد المشركين يوم أحد كان ثلاثة آلاف ، وفي السيرة لابن هشام : (٢ / ٦٣ ـ ٦٥) ، وتاريخ الطبري : ٢ / ٥٠٤ ، وجوامع السيرة لابن حزم : (١٥٧ ، ١٥٨) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى أحد في ألف مقاتل ، فبقي معه سبعمائة ، ورجع عبد الله بن أبيّ في ثلاثمائة.

وانظر دلائل النبوة للبيهقي : (٣ / ٢٢٠ ، ٢٢١) ، والبداية والنهاية : ٤ / ١٤.

(٥) السيرة لابن هشام : ١ / ٤٤٠.

(٦) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (٧ / ١٨١ ، ١٨٢) ، وابن أبي حاتم في تفسيره : (٢ / ٥٢٣ ، ٥٢٤) ، (سورة آل عمران) عن الحسن ، والربيع ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي.

وانظر معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٦٧ ، ومعاني النحاس : ١ / ٤٦٩.

(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (٧ / ١٨٢ ، ١٨٣) عن عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وأبي صالح.

قال الطبري رحمه‌الله : «وأصل «الفور» ابتداء الأمر يؤخذ فيه ، ثم يوصل بآخر. يقال منه : «فارت القدر فهي تفور فورا وفورانا ، إذا ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل. ومضيت إلى فلان من فوري ذلك ، يراد به : من وجهي الذي ابتدأت فيه ...».

٢٠٤

(مُسَوِّمِينَ) : أرسلوا في الكفار كالسّائمة في الرعي (١).

وقيل (٢) من السّومة : أي : سوّموا وأعلموا ، وكانت سومتهم عمائم بيض (٣) ، وأصواف خضر في نواصي الخيل.

والاختيار الكسر (٤) لتظاهر الأخبار أنهم سوّموا خيلهم بأصواف خضر.

١٢٦ (إِلَّا بُشْرى) : دلالة على أنكم على الحق.

١٢٧ (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) : في يوم بدر (٥).

__________________

وقال ابن عطية في المحرر الوجيز : ٣ / ٣١٠ : «والفور : النهوض المسرع إلى الشيء ، مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه ، ومنه قوله تعالى : (وَفارَ التَّنُّورُ) فالمعنى : ويأتوكم في نهضتكم هذه ...».

(١) نص هذا القول في تفسير الماوردي : ١ / ٣٤٢ ، ونقل النحاس في معاني القرآن : ١ / ٤٧٠ ، والسمين الحلبي في الدر المصون : ٣ / ٣٨٧ عن الأخفش قال : «معنى مسوّمين : مرسلين».

(٢) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠٣ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٠ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٦٧ ، وقال النحاس في معاني القرآن : ١ / ٤٧٠ : «لا نعلم اختلافا أن معنى مسومين من السّومة إلا عن الأخفش ...».

ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه قال : «السّومة أن يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته».

(٣) نقله البغوي في تفسيره : ١ / ٣٤٩ عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي‌الله‌عنهم.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٠٩ وعزا إخراجه إلى الطستي عن ابن عباس.

(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم ، وقرأ الباقون بفتح الواو على اسم المفعول.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢١٦ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٧٦ ، والكشف لمكي : ١ / ٣٥٥ ، والدر المصون : ٣ / ٣٨٧.

ورجح الطبري في تفسيره : ٧ / ١٨٥ قراءة الكسر بقوله : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر «الواو» لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل التأويل منهم ومن التابعين بعدهم بأن الملائكة هي التي سومت أنفسها ، من غير إضافة تسويمها إلى الله عزوجل ، أو إلى غيره من خلقه ...».

(٥) أخرج الطبري في تفسيره : ٧ / ١٩٢ ، وابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٥٣١ (سورة آل عمران) عن الحسن رضي‌الله‌عنه قال : «هذا يوم بدر ، قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة».

٢٠٥

(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) : يخزيهم (١) ، وقيل (٢) : يصرعهم.

١٢٨ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) : أي : في عقابهم ، أو استصلاحهم حتى يقع إنابتهم وتوبتهم (٣).

١٣٠ (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) : كلما جاء أجله أجّلوه ثانيا وزادوا على الأصل (٤). والفضل ربا.

١٣٣ (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) : قيل (٥) للنّبيّ عليه‌السلام : إذا كانت الجنة عرضها [السماوات] (٦) والأرض فأين النار؟.

قال : «سبحان الله! إذا جاء النّهار فأين اللّيل؟».

وقيل (٧) : (عَرْضُهَا) : ثمنها لو جاز بيعها ، من ............

__________________

(١) تفسير الطبري : ٧ / ١٩٣ ، ومفردات الراغب : ٤٢٠.

(٢) هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ١٠٣ ، وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٠ ، وتفسير الطبري : ٧ / ١٩٣ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٦٧ ، ومعاني النحاس : ١ / ٤٧٢.

(٣) تفسير الماوردي : ١ / ٣٤٣ ، وزاد المسير : ١ / ٤٥٧ ، وتفسير الفخر الرازي : ٨ / ٢٣٩.

(٤) قال الطبري في تفسيره : ٧ / ٢٠٤ : «كان أكلهم ذلك في جاهليتهم أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل ، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه ، فيقول له الذي عليه المال : أخّر عني دينك وأزيدك على مالك. فيفعلان ذلك. فذلك هو الربا (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) ، فنهاهم الله عزوجل في إسلامهم عنه ...».

(٥) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ٣ / ٤٤٢ عن التنوخي رسول هرقل مرفوعا وكذا الطبري في تفسيره : ٧ / ٢٠٩ وأخرجه موقوفا على عمر بن الخطاب وابن عباس رضي‌الله‌عنهم.

وأخرجه الحاكم في المستدرك : ١ / ٣٦ ، كتاب الإيمان ، عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه ورفعه. وقال : «حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولا أعلم له علة ولم يخرجاه ووافقه الذهبي».

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣١٥ ، وزاد نسبته إلى البزار عن أبي هريرة مرفوعا.

ونسبه ـ أيضا ـ إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر موقوفا على عمر رضي‌الله‌عنه.

(٦) في الأصل : «السماء» ، والمثبت في النص عن «ج».

(٧) ذكر المؤلف رحمه‌الله ـ هذا القول في كتابه وضح البرهان : ١ / ٢٥٧ فقال : «وتعسف ابن بحر في تأويلها ، فقال : (عَرْضُهَا) ثمنها لو جاز بيعها من المعارضة في عقود البياعات».

٢٠٦

المعاوضة (١) في العقود ،.

١٣٤ (يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) : لأنهما داعيتا البخل عند كثرة المال منافسة فيه ، وعند قلته حاجة إليه.

١٣٩ (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) : وهم مؤمنون ، ليعلم أنّ من صدق الإيمان أن لا يهن المؤمن ولا يحزن لثقته بالله.

١٤٠ (قَرْحٌ) : بالفتح جراح ، وبالضمّ ألم الجراح (٢) ، في يوم أحد.

(فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) : أي : أهل بدر.

(نُداوِلُها) : نصرّفها بتخفيف المحنة وتشديدها ، ولم يرد مداولة النّصر لأنه لا ينصر الكافرين ، ولم يكن الأيام أبدا لأولياء الله ، لأنه أدعى إلى احتقار الدنيا وأعرف لقيمة الظّفر ، وليعلم (٣) أنّ تداولها لمصالح.

__________________

ونقل الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٦ عن أبي مسلم الأصبهاني ـ وهو ابن بحر ـ قال :ر«وفيه وجه آخر وهو أن الجنة لو عرضت بالسماوات والأرض على سبيل البيع لكانتا ثمنا للجنة ، تقول إذا بعت الشيء بالشيء الآخر : عرضته عليه وعارضته به ، فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر ، وكذا أيضا معنى القيمة لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء بالشيء حتى يكون كل واحد منهما مثلا آخر».

وذكر الرازي وجها آخر فقال : «المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما ، ونظيره قوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فإن أطول الأشياء بقاء عندنا هو السموات والأرض ، فخوطبنا على وفق ما عرفناه ، فكذا هاهنا».

(١) في «ك» و «ج» : المعارضة ، وانظر هذا المعنى في التعليق الذي تقدم ، وهو نقل الفخر الرازي عن ابن بحر (أبو مسلم الأصفهاني).

(٢) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٣٤ قال : «وأكثر القراء على فتح القاف».

وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠٤ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٢ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٢٣٦ ، وتفسير المشكل لمكي : ١٣٢ ، وتفسير القرطبي : ٤ / ٢١٧.

قرأ بالضم حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر عنه ، وقرأ الباقون بفتح القاف.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢١٦ ، والتبصرة لمكي : ١٧٤ ، والبحر المحيط : ٣ / ٦٢ ، والدر المصون : ٣ / ٤٠٢.

(٣) في «ج» : وليعلم الله أن تداولها لمصالح ، وانظر ما سبق في تفسير الفخر الرازي : ٩ / ١٦.

٢٠٧

(وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : وصبرهم في الجهاد.

[٢٠ / ب] والمعنى : نعاملهم معاملة من / يريد أن يعلم ، أو يعلمهم متميّزين بالصبر والإيمان من غيرهم (١).

١٤١ (وَلِيُمَحِّصَ) : يخلّص ويصفّي من الذنوب (٢).

محصت الماشية محصا : انملصت وذهب وبرها.

١٤٢ (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) معناه حدوث معلوم لا حدوث علم (٣).

(وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) : نصب (يَعْلَمِ) على الصّرف عن العطف ، إذ ليس المعنى نفي الثاني حتى يكون عطفا على نفي الأول ، بل على منع اجتماع الثاني والأول (٤) ، كما ...............

__________________

(١) نصّ هذا الكلام في تفسير الفخر الرازي : (٩ / ١٧ ، ١٨) ، وانظر معاني القرآن للزجاج : (١ / ٤٧٠ ، ٤٧١) ، ومعاني القرآن للنحاس : ١ / ٤٨٢.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز : ٣ / ٣٤١ : «دخلت الواو لتؤذن أنّ اللّام متعلقة بمقدّر في آخر الكلام ، تقديره : وليعلم الله الذين آمنوا فعل ذلك ، وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ) معناه : ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلا أنهم يؤمنون ، وليساوق علمه إيمانهم ووجودهم ، وإلا فقد علمهم في الأول وعلمه تعالى لا يطرأ عليه التغيير ...».

(٢) قال الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٧١ : «وتأويل المحص في اللغة التنقية والتخليص» ، ونقل عن المبرد : «يقال : محص الحبل محصا ، إذا ذهب منه الوبر حتى يملص وحبل محص أو ملص بمعنى واحد ، وتأويل قول الناس : محص عنا ذنوبنا ، أي : أذهب عنا ما تعلق بنا من الذنوب».

وانظر معاني القرآن للنحاس : ١ / ٤٨٣ ، والمحكم لابن سيده : ٣ / ١٢٤ ، ومفردات الراغب : ٤٦٤.

(٣) معاني القرآن للنحاس : ١ / ٤٨٤ ، وقال الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٢٠ : «ظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم ، والمراد وقوعه على نفي المعلوم ، والتقدير : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يصدر الجهاد عنكم ، وتقريره أن العلم متعلق بالمعلوم ، كما هو عليه ، فلما حصلت هذه المطابقة لا جرم ، حسن إقامة كل واحد منهما مقام الآخر».

(٤) هذا مذهب البصريين في توجيه إعراب هذه الآية ، وقال الكوفيون : إن النّصب كان بواو الصّرف ، وإنه كان من حق هذا الفعل أن يعرب بإعراب ما قبله ، فلما جاءت الواو صرفته إلى وجه آخر من الإعراب.

ـ ينظر هذه المسألة في الإنصاف لابن الأنباري : (٥٥٥ ، ٥٥٦) ، والتبيان للعكبري : ١ / ٢٩٥ ، والبحر المحيط : ٣ / ٦٦ ، والدر المصون : ٣ / ٤١١.

٢٠٨

قيل (١) :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

١٤٣ (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) : غاب رجال عن بدر فتمنوا الشهادة ، ثم تولوا في أحد (٢).

١٤٤ (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) : أشيع موته يوم أحد ، وقالوا : لو كان نبيا ما قتل.

١٤٦ (وَكَأَيِّنْ) معناه : كم (٣) ، وهي «أي» دخلته كاف الجر فحدث لها بعده معنى «كم» وفيه لغات : كأي (٤) ، وكائن (٥) بوزن «كاع» ، وكأين (٦)

__________________

(١) عجزه :

عار عليك إذا فعلت عظيم

والبيت من قصيدة طويلة مشهورة نسبه المؤلف في وضح البرهان : ١ / ٢٥٩ إلى المتوكل الليثي ، وهو في خزانة الأدب للبغدادي : ٨ / ٥٦٤.

وفي نسبة البيت قال الأستاذ عبد السلام هارون رحمه‌الله : «نسبه سيبويه للأخطل. ويروى لسابق البربري ، وللطرماح ، وللمتوكل الليثي».

ينظر معجم شواهد العربية : ٣٥٥.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٥٧٧ (سورة آل عمران) نحو هذا القول عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وأخرجه الطبري في تفسيره : ٧ / ٢٤٨ عن مجاهد وقتادة.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٣٣ وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.

(٣) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٣٧ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٢٦٣ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٧٥ ، والبحر المحيط : ٣ / ٧٣.

(٤) تنسب هذه القراءة إلى ابن محيصن ، والأشهب ، والأعمش. كما في المحتسب : ١ / ١٧٠.

(٥) وهي قراءة ابن كثير.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢١٦ ، والتبصرة لمكي : ١٧٤.

(٦) تنسب هذه القراءة إلى ابن محيصن ، والأشهب ، والعقيلي.

ينظر البحر المحيط : ٣ / ٧٢ ، والدر المصون : ٣ / ٤٢٤ ، ومعجم القراءات : ٢ / ٧٠.

٢٠٩

بهمزة بعد الكاف بوزن «كعين» ، وكئن (١) في وزن «كعن».

١٤٦ (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) : في موضع الجرّ على وصف النّبيّ (٢) ، أو النّصب للحال (٣).

والربيّون : العلماء الصّبر (٤). وقيل (٥) : جماعات في فرق.

(فَما وَهَنُوا) : الوهن : انكسار الحدّ بالخوف (٦). والضّعف : نقصان القوة (٧). والاستكانة : الخضوع عن ذل (٨).

١٥٢ (صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) : أي : يوم أحد.

__________________

(١) نسب القرطبي في تفسيره : ٤ / ٢٢٨ هذه القراءة إلى ابن محيصن ، وذكرها السّمين الحلبي في الدر المصون : ٣ / ٤٢٤ ، وقال : «نقلها الداني قراءة عن ابن محيصن أيضا».

(٢) مشكل إعراب القرآن : ١ / ١٧٦ ، والتبيان للعكبري : ١ / ٢٩٩.

(٣) تنسب قراءة «ربيون» بفتح الراء إلى ابن عباس.

ينظر المحتسب لابن جني : ١ / ١٧٣ ، والبحر المحيط : ٣ / ٧٤ ، والدر المصون : ٣ / ٤٣١.

قال ابن جني : «والفتح لغة تميم».

وقال الزمخشري في الكشاف : ١ / ٤٦٩ : «وقريء بالحركات الثلاث ، فالفتح على القياس ، والضم والكسر من تغييرات النسب».

وانظر مشكل إعراب القرآن : ١ / ١٧٦ ، والتبيان للعكبري : ١ / ٢٩٩.

(٤) نصّ هذا القول في معاني القرآن للنحاس : ١ / ٤٩١ عن الحسن رضي‌الله‌عنه.

وأخرج الطبريّ في تفسيره : ٧ / ٢٦٧ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : «علماء كثير» ، وعن الحسن أنه قال : «فقهاء علماء».

وانظر معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٧٦ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ١١١ ، والدر المنثور : ٢ / ٣٤٠.

(٥) نقله المؤلف في وضح البرهان : ١ / ٢٦٠ عن يونس ، وقطرب.

(٦) في تفسير الماوردي : ١ / ٣٤٧ : «الوهن : الانكسار بالخوف».

وقال النحاس في معاني القرآن : ١ / ٤٩١ : «والوهن في اللّغة : أشد الضعف».

وانظر معنى الوهن في مفردات الراغب : ٥٣٥ ، واللسان : ١٣ / ٤٥٣ (وهن).

(٧) عن تفسير الماوردي : ١ / ٣٤٧.

(٨) تفسير غريب القرآن : ١١٣ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٢٦٩ ، ومعاني القرآن للنحاس : ١ / ٤٩١ ، وتفسير المشكل لمكي : ١٣٣ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٣٤٧.

٢١٠

(تَحُسُّونَهُمْ) : تستأصلونهم قتلا (١).

(وَعَصَيْتُمْ) في الرّماة ، أخلّوا بالموضع الذي وصّاهم به النّبيّ عليه‌السلام (٢).

(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) : النّهب والغنم وهم الرّماة (٣) ، ومنكم من يقصد الآخرة ، وهم عبد الله بن جبير (٤) وأصحابه.

١٥٣ (تُصْعِدُونَ) : تعلون طريق مكة. أصعد : ابتدأ السّير ، وصعد : ذهب من أسفل إلى فوق (٥).

(وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) : من خلفكم : «يا معشر المسلمين قفوا» (٦).

__________________

(١) هذا قول أبي عبيدة في مجاز القرآن : ١ / ١٠٤ ، وفيه أيضا : «يقال : حسسناهم من عند آخرهم ، أي استأصلناهم».

وانظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٣ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٢٨٧ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٧٨.

(٢) السيرة لابن هشام : ١ / ١١٤ ، وقال الطبري في تفسيره : ٧ / ٢٨٩ : «وإنما يعنى بذلك الرماة الذين كان أمرهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلزوم مركزهم ومقعدهم من فم الشّعب بأحد بإزاء خالد بن الوليد ومن كان معه من فرسان المشركين ...».

(٣) أخرج الطبري في تفسيره : ٧ / ٢٩٥ عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه قال : «ما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يومئذ».

(٤) هو عبد الله بن جبير بن النعمان الأنصاري ، شهد العقبة وبدرا ، واستشهد بأحد. وكان أمير الرماة يومئذ.

الاستيعاب : ٣ / ٨٧٧ ، وأسد الغابة : ٣ / ١٩٤ ، والإصابة : ٤ / ٣٥.

(٥) قال الفراء في معاني القرآن : ١ / ٢٣٩ : «الإصعاد في ابتداء الأسفار والمخارج».

تقول : أصعدنا من مكة ومن بغداد إلى خراسان ، وشبيه ذلك. فإذا صعدت على السلم أو الدرجة ونحو هما قلت : صعدت ، ولم تقل أصعدت».

وانظر المعنى الذي أورده المؤلف ـ رحمه‌الله ـ في معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٣٩ ، ومعاني القرآن للزجاج : (١ / ٤٧٨ ، ٤٧٩) ، ومعاني النحاس : ١ / ٤٩٥ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٣٤٧.

(٦) أخرجه الطبري في تفسيره : ٧ / ٣٠٣ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما بلفظ : «إليّ عباد الله ارجعوا ، إليّ عباد الله ارجعوا».

٢١١

(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) : أي : على غم (١) ، كقولك : نزلت به.

والغمّ الأول بما نيل منهم ، والثاني بما أرجف أنّ الرسول قتل (٢).

١٥٤ (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) : المنافقون ، معتّب (٣) بن قشير وأصحابه ، حضروا للغنيمة فظنوا ظنا جاهليا أنّ الله لا يبتلي المؤمنين للتمحيص والشّهادة (٤).

[٢١ / أ] (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ) : نصب (كُلَّهُ) على / التأكيد للأمر ، أو على البدل من (الْأَمْرِ) (٥) ، أي : إنّ كلّ الأمر لله. ورفع

__________________

(١) تفسير الطبري : (٧ / ٣٠٤ ، ٣٠٥) ، وتفسير الماوردي : ١ / ٣٤٨.

قال الطبري رحمه‌الله : «وإنما جاز ذلك ، لأن معنى قول القائل : «أثابك الله غما على غم» ، جزاك الله غما بعد غم تقدمه ، فكان كذلك معنى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) ، لأن معناه : فجزاكم الله غما بعقب غم تقدمه ، وهو نظير قول القائل : «نزلت ببني فلان ، ونزلت على بني فلان» ، و «ضربته بالسيف وعلى السيف».

(٢) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ٧ / ٣٠٦ عن قتادة ، والربيع بن أنس.

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره : ٢ / ٦١٢ (سورة آل عمران) عن قتادة ، وحسّن المحقق إسناده ونقله النحاس في معاني القرآن : ١ / ٤٩٦ عن مجاهد.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٥١ وعزا إخراجه إلى ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف رضي‌الله‌عنه.

(٣) معتّب : بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد التاء المكسورة.

وهو معتب بن قشير بن مليل ، من بني عمرو بن عوف.

قال الحافظ في الإصابة : ٦ / ١٧٥ : «وقيل : إنه كان منافقا ، وإنه الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. وقيل : إنه تاب».

ترجمته في الإكمال : ٧ / ٢٨٠ ، والاستيعاب : ٣ / ١٤٢٩ ، وأسد الغابة : ٥ / ٢٢٥.

(٤) أخرج الطبري في تفسيره : ٧ / ٣٢٣ عن الزبير قال : «والله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، أخي بني عمرو بن عوف ، والنعاس يغشاني ، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا».

وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره : (٢ / ٦١٨ ـ ٦٢٠) عن ابن عباس ، والزبير.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٥٣ وزاد نسبته إلى ابن إسحاق ، وابن راهويه ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عن الزبير رضي‌الله‌عنه.

(٥) ذكره الأخفش في معاني القرآن : ١ / ٤٢٥ ، والطبري في تفسيره : ٧ / ٣٢٣ ، ونقله مكي في مشكل إعراب القرآن : ١ / ١٧٧ عن الأخفش.

وانظر تفسير القرطبي : ٤ / ٢٤٢ ، والدر المصون : ٣ / ٤٤٩.

٢١٢

(كُلَّهُ) (١) على أنه مبتدأ و (لِلَّهِ) خبره (٢) ، والجملة من المبتدأ والخبر خبر (إِنَ).

١٥٥ (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) : عثمان وأصحابه (٣) ، وكان عمر من المنهزمين ولكنّه لم يبعد وثبت على الجبل (٤) إلى أن صعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأما عثمان فبلغ «الجعيلة» (٥) ورجع بعد ثالثة ، فقال : ـ عليه

__________________

(١) وهي قراءة أبي عمرو بن العلاء كما في السبعة لابن مجاهد : ٢١٧ ، والتبصرة لمكي : ١٧٤.

(٢) ينظر توجيه هذه القراءة في معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٨٠ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٩٠ ، والكشف لمكي : ١ / ٣٦١ ، والبحر المحيط : ٣ / ٨٨.

(٣) أخرج الإمام البخاري في صحيحه : ٥ / ٣٤ ، كتاب المغازي ، باب «قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) ... عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل حج البيت ، فرأى قوما جلوسا ، فقال : من هؤلاء القعود؟ قالوا : هؤلاء قريش. قال : من الشيخ؟ قالوا : ابن عمر.

فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء أتحدثني ، قال : أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال : نعم ، قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال : نعم ، قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال : نعم ، قال : فكبّر ، قال ابن عمر : تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه. أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت مريضة ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان ، وكان بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده اليمنى : هذه يد عثمان فضرب بها على يده ، فقال : هذه لعثمان ، اذهب بهذا الآن معك».

(٤) نص هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي : ٩ / ٥٢.

وأخرجه الطبري في تفسيره : ٧ / ٣٢٧ عن عاصم بن كليب عن أبيه.

وذكره ابن عطية في المحرر الوجيز : ٣ / ٣٨٥ ، والسيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٥٥.

(٥) ورد في هامش الأصل : «الجلعب» ، وكذا في تفسير الطبري : ٧ / ٣٢٩ ، والدر المنثور : ٢ / ٣٥٥.

وضبطه أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم : ١ / ٣٨٩ بفتح الجيم وسكون اللام وفتح العين.

وضبطه ياقوت في معجم البلدان : ٢ / ١٥٤ بفتح الجيم واللام وسكون العين المهملة والجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص.

٢١٣

السلام (١) ـ : «لقد ذهبتم منها عريضة» (٢).

ويروى (٣) أن فاطمة سألت عليا ما فعل عثمان ـ رضي‌الله‌عنهما ـ فقال : فضح الذّمار (٤) والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع فقال : «مه يا عليّ ، ثم قال : أعياني أزواج الأخوات أن يتحابّوا».

(الْتَقَى الْجَمْعانِ) : جمع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجمع أبي سفيان.

(إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) : أذكرهم خطايا كانت لهم فكرهوا لقاء الله إلّا على حال يرضونها (٥).

١٥٦ (غُزًّى) : جمع «غاز» كـ «شاهد» و «شهّد» (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري في تفسيره : ٧ / ٣٢٩ عن ابن إسحاق ، وأورده السيوطي في الدر المنثور : (٣ / ٣٥٥ ، ٣٥٦) وزاد نسبته إلى ابن المنذر عن ابن إسحاق أيضا.

(٢) أي واسعة.

ينظر غريب الحديث لابن الجوزي : ٢ / ٨٢ ، والنهاية : ٣ / ٢١٠.

(٣) نص هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي : ٩ / ٥٢ ، وذكر نحوها ابن المديني في المجموع المغيث : ١ / ٧٠٨ ، وابن الأثير في النهاية : ٣ / ١٦٧ ، والنكارة ظاهرة عليها ، بل كان عثمان وعلي رضي‌الله‌عنهما من المتحابين المتصافين في الله سبحانه وتعالى.

(٤) قال ابن الأثير في النهاية : ٢ / ١٦٧ : «الذّمار : ما لزمك حفظه مما وراءك وتعلّق بك».

(٥) نص هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٨١ ، وقال أيضا : «أي لم يتولوا في قتالهم على جهة المعاندة ، ولا على الفرار من الزحف رغبة في الدنيا خاصة وإنما أذكرهم الشيطان ... فلذلك عفا عنهم ، وإلا فأمر الفرار والتولي في الجهاد إذا كانت أقل من المثلين ، أو كانت العدة مثلين ، فالفرار أمر عظيم ...

وانظر هذا القول في معاني النحاس : ١ / ٥٠٠ ، والمحرر الوجيز : ٣ / ٣٨٧ ، وزاد المسير : ١ / ٤٨٣.

وأورد أبو حيان في البحر : ٣ / ٩١ قول الزجاج ثم قال : «ولا يظهر هذا القول لأنهم كانوا قادرين على التوبة قبل القتال وفي حال القتال ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وظاهر التولي هو تولى الأدبار والفرار عن القتال ، فلا يدخل فيه من صعد إلى الجبل لأنه من متحيز إلى جهة اجتمع في التحيز إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن ثبت معه فيها ...».

(٦) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٤٢٦ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٤ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٣٣٢ ، ومعاني الزجاج : (١ / ٤٨١ ، ٤٨٢) ، والدر المصون : ٣ / ٤٥٣.

٢١٤

١٥٨ (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) : اللام الأولى لام قسم ، والثانية جواب له ، أي : والله لتحشرون (١).

١٥٩ (فَبِما رَحْمَةٍ) : فبأيّ رحمة من الله (٢) ، تعظيما للنّعمة عليه فيما أعانه من اللّين لهم ، وإلّا (لَانْفَضُّوا) عنه هيبة وخوفا فيطمع العدو.

و «الفظّ» : الجافي الغليظ (٣) ، و «الافتظاظ» شرب ماء الكرش لجفائه على الطبع (٤).

(لَانْفَضُّوا) : ذهبوا. فضّ الماء وافتضه : صبّه ، و «الفضيض» : الماء السائل (٥).

(وَشاوِرْهُمْ) : أي : فيما ليس عندك فيه وحي من أمور الحرب (٦).

__________________

(١) قال المؤلف في وضح البرهان : ١ / ٢٦٣ : «اللام الأولى حلف من أنفسهم ، والثانية جواب كأنه : والله إن متم لتحشرون».

وانظر التبيان للعكبري : ١ / ٣٠٥ ، والبحر المحيط : (٣ / ٩٦ ، ٩٧) ، والدر المصون : ٣ / ٤٥٩.

(٢) ذكر الفخر الرازي هذا الوجه في تفسيره : (٩ / ٦٤ ، ٦٥) ، ونص كلامه في التفسير : «وهاهنا يجوز أن تكون «ما» استفهاما للتعجب تقديره : فبأي رحمه من الله لنت لهم ، وذلك لأن جنايتهم لما كانت عظيمة ثم أنه ما أظهر ألبتة ، تغليظا في القول ، ولا خشونة في الكلام ، علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني وتسديد إلهي ، فكان ذلك موضع التعجب من كمال ذلك التأييد والتسديد ، فقيل : فبأي رحمة من الله لنت لهم ، وهذا هو الأصوب عندي».

وأورد ابن حيان في البحر : ٣ / ٩٨ قول الرازي هذا وخطّأه ثم قال : «وكان يغنيه عن هذا الارتباك والتسلق إلى ما لا يحسنه والتسور عليه قول الزجاج في «ما» هذه أنها صلة فيها معنى التوكيد بإجماع النحويين».

(٣) ينظر تفسير الطبري : ٧ / ٣٤١ ، ومعاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٨٣ ، ومعاني النحاس : ١ / ٥٠١ ، وتفسير الماوردي : ١ / ٣٤٠.

(٤) في معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٨٣ : «والفظ ماء الكرش والفرث ، وسمّي فظا لغلظ مشربه».

وانظر الفائق للزمخشري : ٤ / ١٠٢ ، والنهاية لابن الأثير : ٣ / ٤٥٤.

(٥) النهاية : ٣ / ٤٥٤ ، واللسان : ٧ / ٢٠٨ (فضض).

(٦) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (٧ / ٣٤٣ ، ٣٤٤) ، عن قتادة. وذكره الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٨٣ ، والنحاس في معانيه : ١ / ٥٠١ ، والماوردي في تفسيره : ١ / ٣٤٩.

٢١٥

وهذا الأمر لتأليفهم والرفع من قدرهم (١). وقيل : للاقتداء به.

١٦٠ (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) : أي : لا تظنن أنك تنال منالا تحبّه إلّا بالله (٢).

١٦١ (أَنْ يَغُلَ) : يخون (٣) ، ويغلّ (٤) : يخان (٥) ، أو يخوّن (٦) أو يوجد غالا (٧) نحو : أجبنته وأبخلته ، أو يقال له : غللت نحو أكذبته وأكفرته.

(وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَ) : أي : حاملا خيانته على ظهره (٨). أو

__________________

(١) رجحه الطبري في تفسيره : ٧ / ٣٤٥ ، وانظر معاني الزجاج : ١ / ٤٨٣ ، وتفسير الماوردي : (١ / ٣٤٩ ، ٣٥٠).

(٢) نصّ هذا القول في معاني القرآن للزجاج : ١ / ٤٨٣.

(٣) معاني القرآن للأخفش : ١ / ٤٢٧ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ١١٥ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٣٤٨ ، ومعاني الزجاج : ١ / ٤٨٣ ، وتفسير المشكل لمكي : ١٣٤.

(٤) بضم الياء وفتح الغين ، وهي قراءة الكسائي ، ونافع ، وحمزة ، وابن عامر.

ينظر السبعة لابن مجاهد : ٢١٨ ، والحجة لأبي علي الفارسي : ٣ / ٩٤ ، والتبصرة لمكي : ١٧٥.

(٥) معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٤٦ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠٧ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٣٥٣.

(٦) ذكره الفراء في معاني القرآن : ١ / ٢٤٦ وقال : «وذلك جائز وإن لم يقل : يغلّل فيكون مثل قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) ـ ويكذبونك».

(٧) قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ١١٥ : «ومن قرأ : (يَغُلَ) أراد يخان. ويجوز أن يكون يلفى خائنا. يقال : أغللت فلانا ، أي وجدته غالا. كما يقال : أحمقته وجدته أحمق ، وأحمدته وجدته محمودا».

وانظر هذا المعنى في معاني القرآن للنحاس : ١ / ٥٠٣ ، ٥٠٤) ، والدر المصون : (٣ / ٤٦٥ ، ٤٦٦).

(٨) يدل على هذا القول عدة أحاديث صحيحة وردت في صحيح البخاري : (٤ / ٣٦ ، ٣٧) ، كتاب الجهاد ، باب «الغلول وقول الله ومن يغلل يأت بما غل» ، وصحيح مسلم : ٣ / ١٤٦١ ، كتاب الإمارة ، باب «غلظ تحريم الغلول» ، حديث رقم (١٨٣١) ، وسنن أبي داود : ٣ / ١٣٥ ، كتاب الإمارة ، باب «في غلول الصدقة» ، حديث رقم (٢٩٤٧) ، وسنن ابن ماجة : ١ / ٥٧٩ ، كتاب الزكاة ، باب «ما جاء في عمال الصدقة» ، حديث رقم (١٨١٠) ، وانظر تفسير الطبري : (٧ / ٣٥٦ ـ ٣٦٤) ، وتفسير ابن كثير : (٢ / ١٣٣ ، ١٣٤).

قال الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٧٥ «قال المحققون : والفائدة فيه أنه إذا جاء يوم القيامة وعلى رقبته ذلك الغلول ازدادت فضيحته».

٢١٦

لأنّه لا يكفّره إلّا ردّه على صاحبه.

١٦٣ (هُمْ دَرَجاتٌ) : مراتب الثواب والعقاب مختلفة.

النّار دركات ، والجنّة درجات (١). وفي الحديث (٢) : «إنّ أهل الجنّة ليرون أهل عليين كما يرى النّجم في السّماء» /. [٢١ / ب]

١٦٤ (رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) : ليكون ذلك من شرفهم ولسهولة تفهمهم عنه ، لأنّه بلسانهم ولشدّة علمهم بأحواله من الصّدق والأمانة [ونحوهما] (٣).

١٦٥ (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) : قتل يوم أحد سبعون من المسلمين ، وقد قتلوا يوم بدر سبعين وأسروا سبعين (٤).

__________________

(١) قال الراغب في المفردات : ١٦٧ : «الدّرك كالدّرج لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود والدّرك اعتبارا بالحدور ، ولهذا قيل درجات الجنة ودركات النار».

وفي معنى «الدرجات» نقل الحافظ ابن كثير في تفسيره : ٢ / ١٣٦ عن أبي عبيدة والكسائي قالا : منازل ، يعني : متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة ، ودركاتهم في النار». وقال المؤلف في وضح البرهان : ١ / ٢٦٥ : «ولما اختلفت أعمالهم جعلت كاختلاف الذوات في تفاوت الدرجات».

(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ٣ / ٦١ عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه مرفوعا ، واللفظ عنده : «إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء» ، وورد نحوه في صحيحي البخاري ومسلم في أثر أخرجاه عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهل الجنة بها يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم».

ينظر صحيح البخاري : ٤ / ٨٨ ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة الجنة وإنها مخلوقة ، وصحيح مسلم : ٤ / ٢١٧٧ ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف كما يرى الكوكب في السماء.

(٣) في الأصل : «ونحوها» ، والمثبت في النص عن «ج».

(٤) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : (٧ / ٣٧٢ ـ ٣٧٥) عن ابن عباس ، وقتادة ، وعكرمة ، والسدي ، والضحاك.

وأورده ابن الجوزي في زاد المسير : ١ / ٤٩٥ وقال : «وهذا قول ابن عباس ، والضحاك ،

٢١٧

١٦٦ (فَبِإِذْنِ اللهِ) : بتخليته (١) ، أو بعلمه (٢). ودخلت الفاء لأنّ خبر «ما» التي بمعنى «الذي» يشبه جواب الجزاء ؛ لأنّه يتعلق بالفعل في الصّلة كتعلّقه بالفعل في الشّريطة (٣).

١٦٧ (أَوِ ادْفَعُوا) : أي : بتكثير السّواد إن لم تقاتلوا (٤).

١٧٠ (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا) : يطلبون السّرور في البشارة بمن تقدّم عليهم من إخوانهم كما يبشر بقدوم الغائب أهله.

ويروى (٥) : «يؤتى الشّهيد بكتاب فيه من يقدم عليه من أهله».

__________________

وقتادة ، والجماعة ...».

(١) ذكر الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٨٥ عدة وجوه في تفسير قوله تعالى : (فَبِإِذْنِ اللهِ) وذكر هذا الوجه حيث قال : «الأول : إن إذن الله عبارة عن التخلية وترك المدافعة ، استعار الإذن لتخلية الكفار فإنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم ، لأن الإذن في الشيء لا يدفع المأذون عن مراده ، فلما كان ترك المدافعة من لوازم الإذن أطلق لفظ الإذن على ترك المدافعة على سبيل المجاز».

(٢) هو قول الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٨٨ ، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير : ١ / ٤٩٧ عن الزجاج أيضا.

وأورده الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٨٣ وقال : «كقوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ) أي : إعلام ، وكقوله : (آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) ، وقوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) ، وكل ذلك بمعنى العلم».

(٣) في «ك» : في الشرط.

وانظر المحرر الوجيز : ٣ / ٤١٢ ، والبحر المحيط : ٣ / ١٠٨ ، والدر المصون : ٣ / ٤٧٥.

(٤) أخرج الطبري نحو هذا القول في تفسيره : ٧ / ٣٨٠ عن ابن جريج والسدي.

وذكره النحاس في معاني القرآن : ١ / ٥٠٨ دون عزو ، ونقله الماوردي في تفسيره : ١ / ٣٥١ عن السدي ، وابن جريج ، والبغوي في تفسيره : ١ / ٣٦٠ عن السدي.

وعزاه ابن الجوزي في زاد المسير : ١ / ٤٩٧ إلى ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وابن جريج.

وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٢ / ٣٦٩ ، وعزا إخراجه إلى ابن المنذر عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

(٥) أخرجه الطبريّ في تفسيره : ٧ / ٣٩٧ ، عن السدي ، وكذا ابن أبي حاتم في تفسيره : ٨٩١ (سورة آل عمران). وحسّن المحقق إسناده.

وانظر تفسير الماوردي : ١ / ٣٥٣ ، وتفسير ابن كثير : ٢ / ١٤٣ ، والدر المنثور : ٢ / ٣٧٥.

٢١٨

واسم الشّهيد لأنّ أرواحهم أحضرت دار السّلام وأرواح غيرهم لا تشهدها إلى يوم البعث (١) ، أو لأنّ الله شهد لهم بالجنّة (٢).

ولما أراد معاوية أن يجري العين عند قبور الشّهداء أمر مناديا فنادى بالمدينة : من كان له قتيل فليخرج إليه ، فخرجنا إليهم (٣) وأخرجناهم رطابا ، فأصاب المسحاة إصبع رجل من الشّهداء فانقطرت دما (٤).

١٧٣ (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) : هو نعيم (٥) بن مسعود ، ضمن له أبو سفيان مالا ليجبّن المؤمنين ليكون التأخر منهم (٦). وإقامة الواحد مقام الجمع لتفخيم الأمر ، أو للابتداء كما لو انتظرت قوما ، فجاء واحد قلت : جاء النّاس.

١٧٥ (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) : يخوّفكم أولياءه (٧) ، أو يخوّف بأوليائه ،

__________________

(١) اللسان : ٣ / ٢٤٢ (شهد).

(٢) ذكره ابن الجوزي في غريب الحديث : ١ / ٥٧٠ عن ثعلب.

وانظر النهاية : ٢ / ٥١٣ ، واللسان : ٣ / ٢٤٢ (شهد).

(٣) ذكر الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ٩٦ أن القائل هو جابر بن عبد الله.

(٤) راجع هذه الرواية في تفسير الفخر الرازي : ٩ / ٩٦.

(٥) نعيم ـ بضم النون وبالعين المهملة ـ بن مسعود بن عامر بن أنيف الأشجعي. صحابي جليل ، أسلم ليالي الخندق ، وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق.

ترجمته في الاستيعاب (٤ / ١٥٠٨ ، ١٥٠٩) ، وأسد الغابة : ٥ / ٣٤٨ ، والإصابة : ٦ / ٤٦١.

(٦) المغازي للواقدي : ١ / ٣٢٧ ، وطبقات ابن سعد : ٢ / ٥٩ ، وتاريخ الطبري : (٢ / ٥٦٠ ، ٥٦١).

(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ٧ / ٤١٦ عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة.

قال الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٩٠ : «قال أهل العربية : معناه يخوفكم أولياءه ، أي من أوليائه ، والدليل على ذلك قوله جل وعز : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : كنتم مصدقين فقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم فقد سقط عنكم الخوف».

٢١٩

كقوله (١) : (لِيُنْذِرَ بَأْساً) ، أو يخوّف أولياءه فيخافون. وأمّا المؤمنون فلا يخافون بتخويفه.

١٧٨ (لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٢) : لتكون عاقبة إبقائهم ازدياد الإثم (٣).

١٧٩ (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) : في تمييز المؤمنين من المنافقين لما فيه من رفع المحنة (٤).

وجمع بين الزّبر والكتاب (٥) لاختلاف المعنى فهو زبور لما فيه من الزّبر والزّجر (٦) ، وكتاب لضم الحروف وجمع الكلمات (٧).

[٢٢ / أ] ١٩٤ (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) : فائدة الدّعاء / لما هو كائن إظهار الخضوع للرّبّ (٨) من العبد المحتاج إليه في كلّ حال.

__________________

(١) سورة الكهف : آية : ٢.

قال الفراء في معاني القرآن : ١ / ٢٤٨ : «المعنى : لينذركم بأسا شديدا ، البأس لا ينذر وإنما ينذر به».

وانظر تفسير الطبري : ٧ / ٤١٧ ، ومعاني القرآن للنحاس : ١ / ٥١٢.

(٢) الآية بتمامها : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة : ١ / ١٠٩ ، وتفسير الطبري : ٧ / ٤٢١.

(٤) ذكر الطبري في تفسيره : ٧ / ٤٢٧ ، والقرطبي في تفسيره : ٤ / ٢٨٩ وقال : «وهذا قول أكثر أهل المعاني».

(٥) في قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) : ١٨٤.

(٦) قال الزجاج في معاني القرآن : ١ / ٤٩٥ : «والزبور كل كتاب ذو حكمة».

وذكر الفخر الرازي في تفسيره : ٩ / ١٢٨ قول الزجاج ثم قال : وعلى هذا الأشبه أن يكون معنى الزبور من الزبر الذي هو الزجر ، يقال : زبرت الرجل إذا زجرته عن الباطل ، وسمّي الكتاب زبورا لما فيه من الزبر عن خلاف الحق ، وبه سمي زبور داود لكثرة ما فيه من الزواجر والمواعظ».

وانظر هذا المعنى في تفسير القرطبي : ٤ / ٢٩٦ ، والبحر المحيط : ٣ / ١٣٣ ، والدر المصون : ٣ / ٥١٩.

(٧) اللسان : ١ / ٦٩٨ (كتب).

(٨) ذكره الماوردي في تفسيره : ١ / ٣٥٦ ، والفخر الرازي في تفسيره : (٩ / ١٥٢ ، ١٥٣) وقال :

٢٢٠