العبّاس بن علي عليهما السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

باقر شريف القرشي

العبّاس بن علي عليهما السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار المعروف للطباعة والنشر
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8275-79-7
الصفحات: ٢٣٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0001.png

١
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

٢
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0003.png

٣
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0004.png

٤
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0005.png

٥
 &



وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *‏ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

آل عمران ٣ : ١٦٩ ـ ١٧١

٦
 &



الإِهدٰاء

إلى الفاتح العظيم الذي احتلّ قلوب الناس وعواطفهم إلى اُنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان إلى أبيّ الضيم ، وسيّد الشهداء

الإِمٰامُ الحُسَيْنُ عليه‌السلام

أرفع بتواضع هـذه الدراسة عن حياة

العَبّٰاسُ بْنُ عَليّ عليهما‌السلام

الذي جسّد في سلوكه مع أخيه الحسين عليه‌السلام حقيق الاخوّة الصادقة ، ففداه بنفسه ، ووقاه بمهجته ، راجياً التفضّل علَيَّ بالقبول .

المؤلّف

٧
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

٨
 &

بين يديك يا قمر بني هاشم وفخر عدنان

أنت ـ يا قدوة الثوّار والأحرار ـ قد تألّقت في سماء هذا الشرف ، رمزاً للبطولات ، وعنواناً للتضحية والفداء ، فقد رأيت الحكم الأموي السحيق يسوس المجتمع نحو الدمار الشامل ، يسحقّ الكرامات ، ويقضي على الحرّيّات ، ويمتصّ الأقوات ، ويقود المجتمع إلى حياة بائسة لا ظلّ فيها للعدل السياسي والاجتماعي .

فرفعت راية التحرير مع أخيك أبي الأحرار وسيّد الشهداء عليه‌السلام الذي جسّد آمال الشعوب وطموحاتها ، وسعى لتحرير إرادتها ، وإعادة كرامتها .

لقد وقفت مع أخيك في خندق واحد فرفعتما كلمة الله الهادفة إلى كرامة الإنسان ، وبناء حياة آمنة مستقرّة لا ظلّ فيها للظلم والطغيان .

أمّا أنت ـ يا أبا الفضل ـ فكنت هبة من الله لهذه الاُمّة ، فقد فتحت لها آفاقاً مشرقة من الحريّة والكرامة ، وعلّمتها أنّ التضحية يجب أن تكون خالصة لله ، وبعيدة كلّ البعد عن الرغبات والعواطف وسائر الميول التي مآلها إلى التراب ، وبهذه الروح الإسلاميّة الأصيلة كانت تضحيتك ـ يا أبا الفضل ـ فقد اتّسمت بالدفاع عن الحقّ ، والذبّ عن القيم والمبادئ ، وهذا هو السرّ في خلود تضحيتك ، وتفاعلها مع عواطف الناس على امتداد التاريخ .

٩
 &

أمّا أنت ـ يا قمر بني هاشم ـ فقد أقمت صروح الحقّ في دنيا العرب والإسلام ، وشيّدت للمسلمين مجداً شامخاً بنصرتك لأخيك سيّد الشهداء ، الذي نافح من أجل أن تسود العدالة الاجتماعيّة في الأرض ، وتوزّع خيرات الله على المضطهدين والمحرومين ، وتحمّلت معه أعباء هذه الرسالة ، وبهذا كنت مع أخيك ، وسائر الشهداء الممجّدين من أهل البيت عليهم‌السلام وأنصارهم ، الطلائع المقدّسة لشهداء الحقّ في جميع أنحاء الأرض .

سَلَامُ اللهِ وَسَلَامُ مَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ ، وَأَنْبِيائِهِ الْمُرْسَلينَ ، وَعِبادِهِ الصّالِحينَ ، وَجَميعِ الشُّهداءِ وَالصِّدِّيقينَ ، وَالزّاكِياتُ الطَّيِّباتُ فيما تَغْتَدي وَتَرُوحُ عَلَيْكَ يا بن أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ

١٠
 &

تقديمٌ

١ وبرز أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام على مسرح التاريخ الإسلامي كأعظم قائد فذّ لم تعرف له الإنسانيّة نظيراً في بطولاته النادرة ، بل ولا في سائر مُثله الاُخرى التي استوعبت بفخر جميع لغات الأرض .

لقد أبدى أبو الفضل يوم الطفّ من الصمود الهائل ، والإرادة الصلبة ما يفوق الوصف ، فكان برباطة جأشه ، وقوّة عزيمته جيشاً لا يُقهر ، فقد أرعب عسكر ابن زياد ، وهزمهم نفسيّاً ، كما هزمهم في ميادين الحرب .

إنّ بطولات أبي الفضل عليه‌السلام كانت ولا تزال حديث الناس في مختلف العصور ، فلم يشاهدوا رجلاً واحداً مثقلاً بالهموم والنكبات يحمل على جيش مكثّف مدعّم بجميع آلات الحرب ، قد ضمّ عشرات الآلاف من المشاة وغيرهم ، فيلحق بهم أفدح الخسائر من معدّاتهم وجنودهم .

ويقول المؤرّخون عن بسالته يوم الطفّ : إنّه كلّما حمل على كتيبة تفرّ منهزمة من بين يديه ، يسحق بعضها بعضاً ، قد خيّم عليها الموت ، واستولى عليها الفزع والذعر ، قد خُلعت منها الأفئدة والقلوب ، ولم تغن عنها كثرتها شيئاً .

إنّ شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه ممّا تدعو إلى الاعتزاز والفخر ، ليس له وللمسلمين فحسب ، وإنّما لكلّ إنسان يدين لإنسانيّته ، ويخضع لقيمها الكريمة .

١١
 &

٢ وبالإضافة إلى ما يتمتّع به أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام من البطولات الرائعة ، فإنّه كان مثالاً للصفات الشريفة ، والنزعات العظيمة ، فقد تجسّدت فيه الشهامة والنبل والوفاء والمواساة ، فقد واسى أخاه أبا الأحرار الإمام الحسين عليه‌السلام في أيام محنته الكبرى ، ففداه ووقاه بمهجته ، ومن المقطوع به أنّ تلك المواساة لا يقدر عليها إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ، وزاده هدىً .

٣ ومثّل أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام في سلوكه مع أخيه الإمام الحسين عليه‌السلام حقيقة الاخوّة الإسلاميّة الصادقة ، وأبرز جميع قيمها ومُثلها ، فلم يبقَ لون من ألوان الأدب ، والبرّ والإحسان إلّا قدّمه له ، وكان من أروع ما قام به في ميادين المواساة له ، أنّه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة ليشرب ، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ ، فتذكّر في تلك اللحظات الرهيبة عطش أخيه الإمام الحسين عليه‌السلام وعطش الصبية من أهل البيت عليهم‌السلام ، فدفعه شرف النفس ، وسموّ الذات إلى رمي الماء من يده ، ومواساتهم في هذه المحنة الحازبة .

تصفّحوا في تاريخ الاُمم والشعوب ، فهل تجدون مثل هذه الاخوّة الصادقة ؟!

انظروا في سجلّات نبلاء الدنيا ، فهل ترون مثل هذا النبل ، ومثل هذا الإيثار ؟!

الله أكبر ! أي رحمة مثل هذه الرحمة ، وأيّة مودّة مثل هذه المودّة !!

إنّ الإنسانيّة بجميع قيمها ومُثلها لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام أبي الفضل على ما أبداه من عظيم النبل لأخيه الإمام الحسين أبي الأحرار وسيّد الشهداء عليه‌السلام .

٤ والشيء الذي يدعو إلى الاعتزاز بتضحية أبي الفضل عليه‌السلام ونصرته لأخيه الإمام الحسين عليه‌السلام ، أنّها لم تكن بدافع الاخوّة والرحم الماسّة ، وغير ذلك من الاعتبارت السائدة بين الناس ، وإنّما كانت بدافع الإيمان الخالص لله ، ذلك الإيمان الذي تفاعل مع عواطف أبي الفضل ، وصار عنصراً من عناصره ، ومقوّماً

١٢
 &

من مقوّماته ، وقد أدلى بذلك في رجزه حينما قطعت يمينه التي كانت تفيض برّاً وعطاءً للناس ، قائلاً :

وَاللهِ إنْ قَطَعتُمُ يَمِينِي

إِنِّي أُحَامِي أَبَداً عَنْ دِينِي

وَعَن إِمَامٍ صَادِقِ اليَقينِ

إنّ الرجز في تلك العصور كان يمثّل الأهداف والمبادئ والقيم التي من أجلها يقاتل الشخص ويستشهد في سبيلها ، ورجز سيّدنا العبّاس عليه‌السلام صريح واضح في أنّه إنّما يقاتل دفاعاً عن الدين ، ودفاعاً عن المبادئ الإسلاميّة الأصيلة التي تعرّضت إلى الخطر أيّام الحكم الأموي الأسود ، كما أنّه إنّما يقاتل دفاعاً عن إمام المسلمين ، سبط رسول الله وريحانته الإمام الحسين عليه‌السلام ، المدافع الأوّل عن كرامة الإسلام .

فهذه هي العوامل التي دفعته إلى التضحية ، وليس هناك أي دافع آخر ، وهذا السرّ في جلال تضحيته ، وخلودها عبر القرون والأجيال .

٥ لقد استشهد أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام من أجل المبادئ العليا التي رفع شعارها أبو الأحرار أخوه الإمام الحسين عليه‌السلام ، والتي كان من أهمّها أن يقيم في هذا المشرق حكم القرآن ، وينشر العدل بين الناس ، ويوزع عليهم خيرات الأرض ، فليست هي لقوم دون آخرين .

لقد استشهد أبو الفضل من أجل أن يعيد للإنسان المسلم حرّيّته وكرامته ، وينشر بين الناس رحمة الإسلام ، ونعمته الكبرى الهادفة لاستئصال الظلم والجور ، وبناء مجتمع لا ظلّ فيه لأيّ لون من ألوان الفزع والخوف .

لقد حمل أبو الفضل مشعل الحريّة والكرامة ، وقاد قوافل الشهداء إلى ساحات الشرف ، وميادين العزّة والنصر للاُمّة الإسلاميّة التي كانت ترزح تحت وطأة الظلم والجور .

١٣
 &

لقد انطلق أبو الفضل إلى ميادين الجهاد من أجل أن ترتفع كلمة الله تعالى عالية في الأرض ، تلك الكلمة التي هي منهج كامل للحياة الكريمة بين الناس .

٦ وفجّر الإمام أبو الأحرار ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب ، وجعلها عبرة لاُولي الألباب ، فدكّ بها حصون الظلم وقلاع الجور .

ولم يفجّر الإمام الحسين عليه‌السلام ثورته الرائدة العملاقة أشراً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ـ حسب ما يقول ـ ، وإنّما أراد تغيير الواقع المرير الذي تعيشه الاُمّة من جرّاء الحكم الأموي المنحرف عن جميع الأعراف والقوانين ، ذلك النظام الذي أحال حياة الناس إلى جحيم لا يطاق ، فقد عجّت البلاد الإسلاميّة بجميع صنوف الجور والارهاب ، وكان من أعظمها محنة ، وأشدّها بلاءً ، البلاد الإسلاميّة الخاضعة لحكم زياد بن أبيه ، والي معاوية على العراق ، وأخيه اللّاشرعي ، الذي أجّج نار الفتنة ، وحكم بين الناس بغير ما أنزل الله ، فأخذ البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، وقتل على الظنّة والتهمة ، كما أعلن ذلك ، وطبّقه بالفعل على الحياة العامّة بين الناس .

٧ وإنّ سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمل الإسلام ، والمسؤول الأوّل عن رعاية المسلمين ، وصيانة حياتهم والواقع الاجتماعي الذي تعيشه الاُمّة ، والذي ينذر بخطر عظيم على حياتها العقائديّة ، والفكريّة والاجتماعيّة ، فقد تحكّم في مصيرها جبابرة الأمويّين ، وطغاة الرأسماليّة القرشيّة ، التي حملت معول الهدم على جميع ما أسّسه الإسلام من مجد أصيل وخلق رفيع للاُمّة .

بالإضافة إلى أنّها أخذت تستنزف الموارد الاقتصاديّة في العالم الإسلامي ، وتنفقها على شهواتها ورغباتها الخاصّة ، فهبّ أبو الأحرار لإنقاذ المسلمين ، وإعادة الحياة الكريمة لهم ، فما أعظم عائدته على الإسلام ، وما أكثر ألطافه وأياديه على المسلمين .

١٤
 &

٨ إنّ ملحمة كربلاء من أهمّ الأحداث العالميّة ، بل ومن أهمّ ما حقّقته البشريّة من انجازات رائعة في ميادين الكفاح المسلّح ضدّ الظلم والطغيان ، فقد غيّرت مجرى تاريخ الشعوب الإسلاميّة ، وفتحت لها آفاقاً مشرقة للتمرّد على الظلم والطغيان .

لقد ألهبت هذه الملحمة الخالدة عواطف الأحرار ، ودفعتهم إلى النضال المسلّح في سبيل تحرير المجتمع من نير العبوديّة والذلّ ، وإنقاذه من الحكم اللّاشرعي .

٩ لقد انتصر سيّد الشهداء في ثورته الخالدة ، وانتصرت أهدافه ومبادئه العظيمة ، وظلّ مثلاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كلّ عصر وزمان ، ويمدّ الثوّار بروح التضحية والفداء .

إنّ من الانتصارات الرائعة التي حقّقها أبي الضيم في ثورته أنّه جرّد الحكم الأموي من الشرعيّة ، وأنّه لا يمثّل الإسلام ولا المسلمين بأي حال من الأحوال ، وإنّما هو حكم ديكتاتوري قائم على النطع والسيف لا على رضى الاُمّة واختيارها .

لقد وضع أبو الأحرار العبوات الناسفة في أروقة الحكم الأموي ففجّرتها ، ونسفت معالم زهوهم وفجورهم وطغيانهم ، وظلّوا مثلاً أسوداً لكلّ حكم منحرف عن سنن الحقّ والعدل .

١٠ لقد أيقظت ثورة أبي الأحرار الشعوب الإسلاميّة من خدرها وسباتها ، فانطلقت كالمارد الجبّار في ثورات متلاحقة ، وهي ترفع شعار التحرير ، وشعار الاستقلال ، وشعار الكرامة من أجل التخلّص من ذلك الحكم الأسود .

لقد قامت الشعوب الإسلاميّة في ثورات متلاحقة كانت امتداداً لثورة الحسين عليه‌السلام ، حتّى أطاحت بالحكم الأموي ، وأزالته من دنيا الوجود .

١١ ومن الجدير بالذكر أنّ كارثة كربلاء ، وما لحق بالإمام الحسين عليه‌السلام من التنكيل ، والاعتداء الصارخ ، لم يأتِ ذلك عفواً ، وإنّما كان من النتائج المباشرة

١٥
 &

للانحرافات والسلوك في المنعطفات السياسيّة من جانب الحكّام والمسؤولين ، الذين كانوا ينظرون إلى السلطة بأنّها مغنم ، ووسيلة للظفر بالثراء العريض ، ولم يعوا أنّ الإسلام اعتبر السلطة أداة لخدمة المجتمع ، وتطوير حياته الفكريّة والاقتصاديّة ، وأنّها مسؤولة أمام الله عن اقتصاد الاُمّة ، فيجب عليها الاحتياط فيه أشدّ ما يكون الاحتياط ، فليس لرئيس الدولة ، ولا لغيره من أجهزة الحكم أن يصطفوا لأنفسهم وذويهم أي شيء من أموال الدولة .

وكان على رأس الحكّام المنحرفين ملوك بني اُميّة الذين اتّخذوا مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، فإنّهم عمدوا إلى ظلم العلويّين ، والإجهاز على شيعتهم .

وقد شاهد أبو الفضل عليه‌السلام المحن الشاقّة والعسيرة التي حلّت بأهل بيته ومحبّيهم ، وممّا لا ريب فيه أنّها تركت في أعماق نفسه أقسى ألوان المحن والآلام .

١٢ أمّا دور سيّدنا العبّاس عليه‌السلام في ملحمة كربلاء فإنّه يأتي في الأهميّة بعد أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين عليه‌السلام ، صانع الملحمة الخالدة في دنيا الحقّ والعدل ، وقد فاق جميع أصحاب الإمام الحسين عليه‌السلام ، وأهل بيته المكرّمين ، وذلك بما قدّمه من عظيم الخدمات لأخيه .

وبالإضافة إلى مواقفه البطوليّة الرائعة ، وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد ، وقد أبدى من البسالة ما يذهل الأفكار ويحيّر الألباب ، وكان يشيع في نفوس أصحاب أخيه وأهل بيته العزم والتصميم على التضحية والجهاد بين يديه ، فقد استهان بالموت وسخر من الحياة ، وقد انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم ، فاعتنقوا الشهادة ، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الأرض .

١٣ وكان العبّاس عليه‌السلام أيّام المحنة الكبرى التي حلّت بأخيه ملازماً له لم يفارقه ، وقدّم له جميع ألوان البرّ والإحسان ، فكان يقيه بنفسه ، ويفيديه بمهجته ، فهو صاحب لوائه ، ومدير شؤونه ، والمتصدّي لخدماته .

١٦
 &

ويقول الرواة : إنّه قد استوعب حبّه والإخلاص له قلب أخيه الإمام الحسين عليه‌السلام حتّى فداه بنفسه ، وكان عليه ضيفاً ، فلم يسمح له بالحرب حتّى بعد مقتل أصحابه وأهل بيته ، لأنّه كان يشعر بالقوّة والمنعة ما دام حيّاً إلى جانبه .

ولمّا استشهد العبّاس شعر الإمام الحسين بالوحدة والغربة والضياع بعده ، وفقدَ كلّ أمل له في الحياة ، وراح يبكي عليه أمرّ البكاء ، ويندبه بذوب روحه ، وسارع إلى ساحة الحرب ليلتقي به في جنان الخلد .

سلام الله عليك يا أبا الفضل ، ففي حياتك وشهادتك ملتقى أمين لجميع القيم الإنسانيّة ، وحسبك أنّك وحدك كنت اُنموذجاً رائعاً لشهداء الطفّ الذين احتلّوا قمّة الشرف والمجد في دنيا العرب والإسلام .

١٤ كان بودّي قبل حفنة من السنين أن أتشرّف بالبحث عن سيرة أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام رائد الشرف والكرامة لهذه الاُمّة ، وقد دعاني إلى ذلك بإصرار بعض السادة من فضلاء الحوزة العلميّة في النجف الأشرف ، إلّا أنّ انشغالي بتأليف موسوعة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام قد شغلني عن ذلك ، وقد ألمّت كارثة من كوارث الزمن ببعض ولدي فتوسّلت ، وتوسّل ضارعاً إلى الله تعالى أن يكشف عنه ما هو فيه ، وينقذه وينجّيه ، فاستجاب الله دعائي ودعاءه ، فأنجاه ممّا هو فيه ، والحمد لله .

وقد طلب منّي أن أكتب رسالة عن حياة أبي الفضل وسيرته وشهادته ، فاستجبت له ، وجمّدت الموضوع الذي بيدي ، واتّجهت صوب أبي الفضل آملاً من الله تعالى أن أُوفّق إلى إعطاء صورة متميّزة وكاملة عن حياته ، وأن لا أكون قد جافيت الواقع أو ابتعدت عن القصد فيما كتبته عنه .

إنّه وليّ القصد والتوفيق

مَكتَبَةُ الإمٰامِ الحَسَن العَٰامّةَ

النَّجَفُ الأَشْرَفُ

بٰاقر شَريْف القَرَشي

١٧
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

١٨
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0019.png

١٩
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

٢٠