معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٥٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

على أنّهم لو نازعوا في صحّة هذا التجوّز أو حسنه نظرا إلى عدم صلاحيّة القرينة أو خفائها لم يخف أنّ الحكم باختلال العبارة هيّن عند حكمهم باختلال الحكم.

وقد اتّضح بهذا انتفاء الخلاف من جهة الشيخ ، وبقي الكلام في تقسيم سلّار فإنّ عبارته اتّفقت على نهج عبارة الشيخ ولم نقف له على ما يقتضي الخروج عن ظاهرها ، كما وقع للشيخ. ولكنّ الظاهر أنّ غرضهما واحد ، وأنّ التقسيم مبنيّ على نوع من التوسّع.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ العلّامة احتجّ لطهارة دم السمك في المنتهى بقوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ ) (١). وقوله تعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (٢).

ووجه الدلالة في الاولى : بأنّ التحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه ، وذلك يستلزم الطهارة.

وفي الثانية : بأنّ دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرّما فلا يكون نجسا (٣).

والاستدلال بالآية الاولى محلّ تأمّل.

وأمّا الثانية : ففي الاحتجاج بها قوّة ؛ لظهور دلالتها على حلّ مثله واقتضاء الطهارة ، إلّا أنّ التمسّك بذلك يستدعي القول بحلّ دم السمك. وظاهر كلام كثير من الأصحاب خلافه ، بل لا أعلم تصريحا بتحليله (٤) إلّا في هذه العبارة.

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٩٤.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٤٣.

(٣) منتهى المطلب ٣ : ١٩٢.

(٤) في « ب » : لا أعلم تصريحا عليه.

٤١

وفي نهايته ما يقرب منها (١).

وفي كلام السيّد أبي المكارم بن زهرة نحوها ، فإنّه احتجّ لطهارته بالإجماع وبأنّ النجاسة حكم شرعيّ فيقف على الدليل ، وليس هنا دليل ، وبالآيتين. وبيّن وجه الدلالة في الاولى : بأنّها تقتضي إباحة السّمك بجميع أجزائه ، وفي الثانية : بأنّها ظاهرة في انحصار المحرّم من الدم في المسفوح ، ودم السمك ليس بمسفوح ، فيجب أن لا يكون محرّما. وذلك يقتضي طهارته (٢).

ولوالدي في الروضة عبارة يظهر منها أيضا الحكم بالحلّ (٣).

وفي قواعد العلّامة في باب الأطعمة كلام يشعر بذلك أيضا ؛ فإنّه ذكر أوّلا أنّ الدم المسفوح حرام نجس. ثمّ قال : وكذا ما ليس بمسفوح من الحيوان المحرّم كدم الضفادع والقراد وإن لم يكن نجسا لاستخباثه (٤).

ووجه الإشعار في هذه العبارة تقييد غير المسفوح بكونه من الحيوان المحرّم ولا يخفى أنّ ظاهره يقتضي قصر الحكم بالتحريم في غير المسفوح على دم الحيوان المحرّم ، فيبقى دم المحلّل على أصل الحلّ ومن جملته السمك.

ولكن له في أثر هذه العبارة بغير فصل كلام آخر ، ربّما نافى بحسب الظاهر حمل التقييد المذكور على ما قرّرناه فإنّه قال : أمّا ما لا يدفعه الحيوان المأكول إذا ذبح فإنّه طاهر حلال.

ولو كان مراده من العبارة الاولى تعميم الحكم في كلّ دم غير مسفوح

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٦٨.

(٢) غنية النزوع ، كتاب الصلاة ، فصل الطهارة ، أحكام الدماء.

(٣) الروضة البهيّة ٧ : ٣١٠ ، الطبعة المحقّقة الاولى.

(٤) قواعد الأحكام ٢ : ١٥٨.

٤٢

من حيوان محلّل لم يكن للاقتصار في الثانية على المتخلّف في الذبيحة وجه.

وبالجملة فعباراتهم ظاهرة في تخصيص التحليل بدم الذبيحة وتعميم التحريم في غيره من الدماء ووقع التصريح بذلك أيضا في كلام بعضهم ، والتنصيص على تحريم دم السمك بالخصوص ، وليس لهم عليه حجّة غير الاستخباث وهو موضع نظر.

وإذا لم يثبت تحريمه تكون الآية دليلا قويّا على طهارته. مضافا إلى ما سبق.

وقد روى الشيخ في الحسن عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه : « أنّ عليّا عليه‌السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل يعني دم السمك » (١).

الثالث ـ دم غير السمك ممّا لا نفس له : وهو طاهر أيضا عند الأصحاب لا نعرف فيه بينهم خلافا إلّا ما أوهمه ظاهر التقسيم الواقع في الجمل والمبسوط من القول بنجاسة دم البقّ والبراغيث (٢). وقد بيّنا الحال فيه.

ويظهر من تقسيم سلّار أيضا : الحكم بنجاسة دم البراغيث (٣). ولعلّه على حذو تقسيم الشيخ. وقد ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع على طهارة الدم من كلّ حيوان لا نفس له ، ومنهم الشيخ في الخلاف ؛ فإنّه احتجّ لذلك بإجماع الفرقة وعدم الدلالة في الشرع على النجاسة وهي حكم شرعي لا يثبت بدون الدليل (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٦٠ ، الحديث ٧٥٥.

(٢) الجمل والعقود : ١٧٠ ، والمبسوط ١ : ٣٥.

(٣) المراسم العلوية : ٥٤ ، الطبعة المحققة الاولى.

(٤) الخلاف ١ : ٤٧٦.

٤٣

وممّن حكى الإجماع على ذلك الشهيد في الذكرى (١). وذكر العلّامة في المنتهى والتذكرة : أنّ القول بطهارة دم ما لا نفس له مذهب علمائنا (٢). وكلام المحقّق في المعتبر يظهر ذلك منه أيضا حيث ذكر أنّ طهارة دم السمك مذهب علمائنا أجمع. وقال بعده : « وكذا كلّ دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبقّ والبراغيث » (٣).

وعلى كلّ حال فالحكم بالطهارة هنا ليس بموضع ريب ؛ إذ الأصل يقتضيه كما أشار إليه الشيخ في الخلاف. والاتّفاق المحكيّ في كلام الأصحاب يعضده. وقد بيّنا أنّ العموم الذي يمكن إثباته في الأخبار الدالّة على نجاسة الدم لا يظهر تناوله لمثل هذا ، فينتفي احتمال القول بالتنجيس رأسا.

ويزيد ما قلناه تأييدا رواية عبد الله بن أبي يعفور الصحيحة على ما ذكره المحقّق ، والفاضل. قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في دم البقّ والبراغيث؟ قال : ليس به بأس. قال : قلت : إنّه يكثر ويتفاحش؟ قال : وإن كثر » (٤).

ورواية محمّد بن الريّان ، قال : « كتبت هذا إلى الرجل عليه‌السلام : هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البقّ على البراغيث فيصلّي فيه؟ وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقّع عليه‌السلام : يجوز الصلاة

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١٣.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ١٩٠ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٥٦.

(٣) المعتبر ١ : ٤٢١.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٥ ، الحديث ٧٤٠.

٤٤

والطهر منه أفضل » (١).

الرابع ـ الدم المتخلّف بعد الذبح في حيوان مأكول اللحم : وهو طاهر قطعا بغير خلاف يعرف.

ويدلّ عليه قوله تعالى ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (٢) بالتقريب المذكور في دم السمك ؛ فإنّ حلّ هذا ليس موضع خلاف أيضا ، فتمسّك بالآية في كلا الأمرين من غير ورود إشكال على التمسّك بها في الطهارة بالتشكيك في الحلّ ، كما وقع في دم السمك. وينضاف إلى ذلك الأصل وما يظهر من كونه موضع وفاق بين الأصحاب.

الخامس ـ ما يتخلّف في غير المأكول ممّا يقع عليه الذكاة ، وظاهر الأصحاب نجاسته ؛ لحصرهم الدم الطاهر من ذي النفس فيما يبقى بعد الذبح في الذبيحة. والمتبادر منها المأكول.

وتردّد في حكمه بعض [ من ] عاصرناه من مشايخنا ؛ ومنشأ التردّد من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة الدم ممّا لا نفس له مدّعين الاتّفاق عليه ، وهذا بعض أفراده ، ومن ظاهر قوله تعالى ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) حيث دلّ على حلّ غير المسفوح وهو يقتضي طهارته.

ويضعّف الثاني بأنّ ظاهرهم الإطباق على تحريم ما سوى الدم المتخلّف في الذبيحة ودم السمك على ما فيه. وقد قلنا إنّ المتبادر من الذبيحة ما يكون من المأكول ، فدم ما لا يؤكل حرام عندهم مطلقا وعموم ما دلّ على تحريم الحيوان الذي هو دمه يتناوله أيضا ؛ إذ أكثر الأدلّة غير مقيّدة باللحم ، وإنّما علّق

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٦٠ ، الحديث ٧٥٤. وفي « ب » : يجوز الصلاة والطهر أفضل.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٤٣.

٤٥

التحريم فيها بالحيوان فيتناول جميع أجزائه ، ولا يرد مثله في المحلّل ؛ لقيام الدليل هناك على تخصيص التحليل باللحم وأجزاء اخر معيّنة.

وبالجملة فحلّ الدم مع حرمة اللحم أمر مستبعد جدّا لا سيّما بعد ما قرّرناه من ظهور الاتّفاق بينهم فيه وتناول الأدلّة بظاهرها له. وإذا ثبت التحريم هنا لم يبق للآية دلالة على طهارته كما لا يخفى.

السادس ـ ما عدا الأقسام المذكورة من الدماء التي لا تخرج بقوّة من عرق ولا لها (١) كثرة وانصباب لتناولها اسم المسفوح. والذي يظهر من الأصحاب الاتّفاق على نجاسته. والكلام الذي حكيناه في صدر المسألة عن الفاضلين في المعتبر والتذكرة يرشد إلى ذلك أيضا.

وربّما يتوهّم من ظاهر كلام العلّامة في جملة من كتبه طهارته ، بل وطهارة القسم الذي قبله ، حيث قيّد الدم المحكوم بنجاسته في كثير من عباراته بالمسفوح. وأقربها إلى هذا التوهّم عبارة المنتهى فإنّه قال فيه : قال علماؤنا الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة ـ أي يكون خارجا بدفع من عرق ـ نجس. وهو مذهب علماء الإسلام لقوله تعالى ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) (٢).

ثمّ ذكر جملة من الروايات المتضمّنة للأمر بالغسل من الدّم بقول مطلق.

ويلوح من كلامه أنّه بنى الحجّة على مقدّمتين مطويّتين إحداهما : أنّ المراد من الرجس في الآية النجس. والثانية : أنّ الإطلاق الواقع في الأخبار محمول

__________________

(١) في « ب » : ولا فيها كثرة وانصباب.

(٢) سورة الأنعام ، الآية ١٤٥.

٤٦

على التقييد بالمسفوح في الآية. ولهذا البناء في كلامه شاهد وهو أنّه ذكر في أثر هذا الحكم دم ما لا نفس له وأنّه طاهر.

وأشار إلى الخلاف الواقع فيه من أهل الخلاف.

ثمّ قال : لنا قوله تعالى ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ). وهذا ليس بمسفوح فلا يكون نجسا (١).

ولا يخفى وجه دلالة هذا الكلام على ما قلناه ؛ فإنّه لو لا تخيّل كون الأخبار المطلقة في الأمر بإزالة الدم محمولة على المقيّد في الآية لم يتمّ هذا الاحتجاج لجواز التمسّك بإطلاقها في عدم التفرقة بين المسفوح وغيره ، لا سيّما وفي الروايات التي نقلها ما هو من طريق الجمهور. فللخصم أن يتشبّث به فيما ذهب إليه ، فإقامة الحجّة عليه لا يتمّ إلّا بملاحظة ما ذكرناه من حمل المطلق في الأخبار على المقيّد في الآية.

وقد اتّضح بهذا وجه إبهام العبارة القول بطهارة الدماء المذكورة ؛ فإن حصر النجس في المسفوح يقتضي طهارة ما سواه.

ولكنّ الكلام منظور فيه.

أمّا أوّلا : فلأنّ المقدّمتين اللتين بني الاحتجاج عليهما ضعيفتان.

أمّا الاولى : فلأنّ إرادة النجس من الرجس غير ثابتة إذ لم يعدّه أهل اللغة في معانيه فضلا عن أن يقولوا إنّه معناه. وقد ذكروا له معاني كثيرة ، منها : القذر. ولا يخفى أنّه أعمّ من النجس ، وباقي المعاني لا دلالة لها عليه.

وأمّا الثانية : فلأنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما هو مع تحقّق التنافي بينهما ولا تنافي هنا إذ الحكم على المسفوح بالنجاسة لا ينافي نجاسة غيره معه.

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩.

٤٧

وأمّا ثانيا : فلأنّه احتجّ بعد هذا بقليل لطهارة دم السمك بقوله تعالى ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ). وقرّبه بأنّ دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون محرّما فلا يكون نجسا. وقد حكينا هذا عنه آنفا.

وأنت تعلم أنّه بعد ثبوت انحصار النجس في المسفوح ليس بمحتاج إلى إثبات الحلّ هنا ، وجعله وسيلة إلى إثبات الطهارة ، فربّما كان في ذلك إشعار بعدم ثبوت التقييد كما هو التحقيق.

إذا تقرّر هذا فاعلم : أنّ الباعث للعلّامة فيما يظهر على اعتبار (١) التقييد بالمسفوح في العبارات التي اتّفق له إدراج القيد فيها إنّما هو الاحتراز من الدم المتخلّف في الذبيحة حيث إنّه طاهر باتّفاق الكلّ فلا يستقيم الحكم بنجاسة دم ذي النفس على الإطلاق وليس في قصده إخراج شي‌ء من أصناف دم ذي النفس غير ما ذكر. يشهد بذلك تتبّع كلامه.

وقد أخذ هذا القيد في عبارة النهاية (٢). ثمّ فصّل بعده أنواع الدم ، وذكر حكمها في النجاسة والطهارة ولم يزد في عداد الطاهر على ما عليه الأصحاب. وقال عند ذكر الدم المتخلّف في الذبيحة أنّه طاهر لعدم وصف كونه مسفوحا.

وفي هذا الكلام قرينة واضحة على ما قلناه حيث تعرّض للتفصيل واقتصر ـ في بيان محلّ انتفاء الحكم لعدم الوصف ـ على المتخلّف في الذبيحة.

وبالجملة فعدم التزام العلّامة بما يقتضيه ظاهر التقييد الذي تفرّد به أظهر من أن يخفى.

وقد بان لك أنّ ترك القيد ـ كما فعل الأكثر ـ هو الأنسب ؛ فإنّ الإشكال

__________________

(١) في « ج » : على إثبات اعتبار التقييد.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٦٨.

٤٨

الحاصل فيه باعتبار عدم استقامة الحكم بنجاسة الدم من ذي النفس على العموم نظرا إلى دم الذبيحة يندفع بتصريحهم باستثنائه فيما بعد وإن اتّفق في بعضها بعد العهد.

وأمّا الإشكال الوارد على التقييد بإبهام (١) ما قد ذكر فيحتاج في دفعه إلى فضل تدبّر. والأصوب تفصيل المقام وترك التعبير بما يتطرّق إليه الإشكال والإبهام (٢).

فرعان :

[ الفرع ] الأوّل :

حكى المحقّق في المعتبر عن الشيخ أنّه حكم بطهارة الصديد والقيح. ثمّ قال المحقّق :

« وعندي في الصديد تردّد أشبهه النجاسة ؛ لأنّه ماء الجرح يخالطه يسير دم ، ولو خلا من ذلك لم يكن نجسا. قال : وخلافنا مع الشيخ يؤول إلى العبارة لأنّه يوافق على هذا التفصيل ». ثمّ قال :

« أمّا القيح فإنّ مازجه دم نجس بالممازج ، وإن خلا من الدم كان طاهرا. لا يقال : هو مستحيل عن الدم ؛ لأنّا نقول : إنّ كلّ مستحيل من الدم لا يكون طاهرا كاللحم واللبن. انتهى » (٣).

وما فصّله جيّد. والوجه فيه ظاهر ؛ فإنّ الأصل يقتضي طهارة كلّ منهما

__________________

(١) في « ج » : بإيهام.

(٢) في « أ » : الإيهام.

(٣) المعتبر ١ : ٤١٩.

٤٩

مع صرافته ، فإذا صاحبه الدم النجس ينجس به (١).

وما أشار إليه من التشبّث في نجاسة القيح بكونه مستحيلا عن الدم هو حجّة من قال من الجمهور بنجاسته. ولا يخفى فسادها.

[ الفرع ] الثاني :

قال الشيخ في الخلاف : العلقة نجسة يعني التي يستحيل إليها النطفة. واحتجّ لذلك بإجماع الفرقة ، وبأنّ ما دلّ على نجاسة الدم دلّ على نجاسة العلقة. وفي هذا نظر لا يخفى وجهه بعد الإحاطة بما حقّقناه في دليل نجاسة الدم.

وقال المحقّق في المعتبر : العلقة التي يستحيل إليها نطفة الآدميّ نجسة ؛ لأنّها دم حيوان له نفس ، وكذا العلقة التي توجد في بيضة الدجاج وشبهه (٢).

وناقشه الشهيد في الذكرى بالمنع ؛ فإنّ تكوّنها في الحيوان لا يدلّ على أنّها منه (٣). وهو متّجه لا سيّما بالنظر إلى ما يوجد في البيضة ، مع أنّ كونه علقة ليس بمعلوم أيضا ، فالإجماع الذي ادّعاه الشيخ لو ثبت على وجه يكون حجّة لكان في تناوله له نظر. ومقتضى الأصل طهارته. ويعضده ظاهر قوله تعالى : ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (٤) حيث إنّه دالّ على حلّ غير المسفوح مطلقا ، خرج عن ذلك ما وقع الاتّفاق على تحريمه فيبقى الباقي. وإثبات الحلّ مقتض لثبوت الطهارة كما مرّ غير مرّة.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٩٠.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢٢.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٣.

(٤) الأنعام ، الآية ١٤٣.

٥٠

مسألة [٧] :

والميتة ممّا له نفس سائلة نجس بإجماع الناس. قاله المحقّق في المعتبر. ثمّ قال : والخلاف في الآدمي. وعلماؤنا مطبقون على أنّ نجاسته عينيّة كغيره من ذوات الأنفس السائلة (١).

وقال العلّامة في المنتهى : الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة نجسة سواء كان آدميّا أو غير آدميّ وهو مذهب علمائنا أجمع (٢).

وقد تكرّر في كلام الأصحاب ادّعاء الإجماع على هذا الحكم وهو الحجّة فيه إذ النصوص لا تنهض بإثباته.

وجملة ما وقفنا عليه من الروايات في هذا الباب حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت؟ فقال : يغسل ما أصاب الثوب » (٣).

ورواية إبراهيم بن ميمون قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميّت؟ قال : إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسل الميّت فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٤).

وقصور هذين الحديثين عن إفادة الحكم بكماله ظاهر مع أنّ الصحّة منتفية عن سنديهما.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٠.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ١٩٥.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٧٦ ، الحديث ٨١٢.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٢٧٦ ، الحديث ٨١١.

٥١

وورد في عدّة روايات معتبرة الإسناد المنع من أكل نحو السمن الذائب والزيت إذا ماتت فيه الفأرة. وظاهره الحكم بنجاسته وقد تقدّم منها في بحث المضاف حديث صحيح عن زرارة. وهذا الحكم خاصّ أيضا كما لا يخفى ، فلا يمكن جعله دليلا على العموم. وحينئذ فالعمدة في إثبات التعميم هي الإجماع المدّعى في كلام الجماعة.

فروع :

[ الفرع ] الأوّل :

حكم أبعاض الميتة في النجاسة ـ إذا كانت ممّا تحلّه الحياة ـ حكم جملتها عند الأصحاب ، لا يعرف فيه خلاف. وكذا ما ابين من أجزاء الحيّ التي فيه الحياة كالأليات.

وكأنّ الحجّة في هذا أيضا الإجماع فإنّهم لم يحتجّوا له بحديث ، بل ذكره جماعة منهم مجرّدا عن الحجّة.

واقتصر آخرون على توجيهه بمساواة الجزء للكلّ أو بوجود معنى الموت فيها ، وكلاهما منظور فيه.

وقد روى الكليني في كتابه عن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن عليّ قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام قلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل يثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال : حرام هي. قلت : جعلت فداك [ فيستصبح ] بها؟ فقال : أما تعلم أنّه يصيب اليد والثوب وهو حرام؟ » (١) وفي هذه الرواية إشعار بالنجاسة لكن في طريقها ضعف.

وروي بطريق ضعيف أيضا عن الكاهلي قال : « سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٥ ، الحديث ٣.

٥٢

وأنا عنده عن قطع أليات الغنم؟ فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك. ثمّ قال : إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به » (١).

وبطريق آخر مثله عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : « أنّها ميّتة » (٢).

وهذان الخبران لو تمّ سنداهما لاحتاجا في الدلالة على النجاسة إلى وجود دليل عامّ في نجاسة الميتة ليكون إثبات كون المنقطع ميتة مقتضيا لدخوله في عموم الدليل على نجاسة الميتة. وقد علم أنّ العمدة في التعميم الإجماع المدّعى بين الأصحاب (٣).

وحينئذ فالتمسّك به موقوف على كونه متناولا لهذا المنقطع ، ومعه لا حاجة إلى توسّط الاحتجاج بما دلّ على أنّه ميتة. وعلى كلّ حال فالحكم هاهنا ليس موضع خلاف.

تذنيب :

قال العلّامة في المنتهى : الأقرب طهارة ما ينفصل من بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة مثل البثور والثالول وغيرهما لعدم إمكان التحرّز عنها فكان عفوا دفعا للمشقّة (٤).

ويظهر من تمسّكه بعدم إمكان التحرّز أنّه يرى تناول دليل نجاسة المبان من الحيّ لها وأنّ المقتضي لاستثنائها من الحكم بالتنجيس والقول بطهارتها

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٤ ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٥ ، الحديث ٢.

(٣) في « أ » و « ب » : على الإجماع المدّعى.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٢١٠.

٥٣

هو لزوم الحرج والمشقّة من التكليف بالتحرّز عنها.

وهذا عجيب ؛ فإنّ الدليل على نجاسة المبان من الحيّ كما علمت : إمّا الإجماع أو الأخبار التي ذكرناها (١) أو الاعتباران (٢) اللّذان حكيناهما عن بعض الأصحاب أعني مساواة الجزء للكلّ ، ووجود معنى الموت فيه.

والإجماع لو كان متناولا لما نحن فيه لم يعقل الاستثناء منه.

والأخبار على تقدير صحّتها ودلالتها وعمومها إنّما [ تقتضي ] نجاسة ما انفصل في حال وجود الحياة فيه ، لا ما زالت عنه الحياة قبل الانفصال ، كما في موضع البحث. والنظر إلى ذينك الاعتبارين يقتضي ثبوت التنجيس وإن لم [ تنفصل ] تلك الأجزاء ؛ لتحقّق معنى الموت فيها قبله ولا ريب في بطلانه.

والتحقيق أنّه ليس لما يعتمد عليه من أدلّة نجاسة الميتة وأبعاضها وما في معناها من الأجزاء المبانة من الحيّ دلالة على نجاسة نحو هذه الأجزاء التي يزول عنها أثر الحياة في حال اتّصالها بالبدن ، فهي على أصل الطهارة. وإذا كان للتمسّك بالأصل مجال فلا حاجة إلى تكلّف دعوى لزوم الحرج وتحمّل عب‌ء في إثباته في جميع الأحوال ليتمّ الحكم بالطهارة مطلقا.

وقد ذكر العلّامة في النهاية أيضا حكم هذه الأجزاء. واستقرب الطهارة كما قال في المنتهى ؛ وعلّلها بعدم إمكان التحرّز وبالرواية ولم يبيّنها (٣). ولعلّه أراد بها صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون به الثؤلول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثؤلول وهو في صلاته

__________________

(١) في « ب » : الأخبار التي ذكروها.

(٢) في « ج » : والاعتباران.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٦٩.

٥٤

أو أن ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله » (١).

وهذه الرواية ظاهرة في الطهارة عاضدة لما يقتضيه الأصل من حيث إطلاق نفي البأس عن مسّ هذه الأجزاء في حال الصلاة ؛ فإنّه يدلّ على عدم الفرق بين كون المسّ برطوبة ويبوسة ، إذ المقام مقام تفصيل ، كما يدلّ عليه اشتراط نفي البأس بانتفاء تخوّف سيلان الدم. فلو كان مسّ تلك الأجزاء مقتضيا للتنجيس ولو على بعض الوجوه لم يحسن الإطلاق ، بل كان اللائق البيان كما وقع في خوف السيلان. هذا إن اشترطنا في تعدّي النجاسة من القطع المبانة من الحيّ الرطوبة.

وأمّا على القول بالتعدّي مطلقا فدلالة الرواية على انتفاء التنجيس فيما نحن فيه واضحة جليّة. ولبيان المختار من القولين محلّ آخر يأتي إن شاء الله تعالى.

وبالجملة فانضمام هذه الرواية إلى الأصل يذهب عن القول بالطهارة هنا درن شكّ.

[ تذنيب ] آخر :

قال في المنتهى : فأرة المسك إذا انفصلت عن الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة ، وإن انفصلت بعد موتها فالأقرب النجاسة (٢).

وقال الشهيد في الذكرى : المسك طاهر إجماعا وفأرته وإن اخذت من

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٣٧٨ ، الحديث ١٥٧٦.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٢٠٩.

٥٥

غير المذكّى (١).

وفي نهاية العلّامة ما يوافق كلام الذكرى ويخالف ما ذكره في المنتهى حيث قال : فأرة المسك إذا انفصلت من الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة. وإن انفصلت بعد موتها فالأقرب ذلك أيضا للأصل (٢). ولم يتعرّض في المنتهى للاحتجاج على التفصيل الذي ذكره فيه.

ويمكن أن يحتجّ له بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن جعفر قال : « كتبت إليه ـ يعنى أبا محمّد عليه‌السلام ـ : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة مسك؟ فكتب : لا بأس به إذا كان ذكيّا » (٣).

ووجه الاحتجاج دلالة الحديث بظاهره على أنّ من أفراد فأرة المسك ما ليس يذكّى وأقلّه أن يكون هو المأخوذ من الميتة.

ويضعّف بأنّ انتفاء كونه ذكيّا لا يقتضي كونه نجسا. وثبوت البأس في الصلاة وهو معه لا يصلح دليلا على ذلك أيضا إذ هو أعمّ منه. فلعلّ مختار النهاية والذكرى هو الأوجه.

[ الفرع ] الثاني :

لا نعلم خلافا بين الأصحاب في أنّ ما لا تحلّه الحياة من الميتة طاهر وهو الصوف والشعر والريش والوبر والعظم والقرن والظلف والحافر والبيض المكتسي بالقشر الأعلى والإنفحة.

ويدلّ على الطهارة في جميع ذلك الأصل بملاحظة عدم الدليل العامّ

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١٤.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٠.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦٢ ، الحديث ١٥٠٠.

٥٦

على نجاسة الميتة بحيث يتناول بظاهره هذه المذكورات والأخبار الكثيرة الواردة بذلك.

فمنها : ما رواه الشيخ في الحسن عن حريز قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شي‌ء يفضل من الشاة والدابة فهو ذكيّ. وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه » (١).

وعن إسماعيل بن مراد عن يونس عنهم عليهم‌السلام : « قالوا خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيها منافع الخلق : الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر » (٢).

وفي الموثّق عن الحسين بن زرارة قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي يسأله عن السنّ من الميتة والبيضة من الميتة وأنفحة الميتة؟ فقال : كلّ هذا ذكيّ ».

قال في الكافي : وزاد فيه عليّ بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط قال : « والشعر والصوف كلّه ذكيّ » (٣).

وروى عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الشعر والصوف والريش وكلّ نابت لا يكون ميّتا. قال : وسألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال : تأكلها » (٤).

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل يذكر فيه : « أنّ رجلا سأله عليه‌السلام عن الجبن وأنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميّت؟ فقال :

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ : ٧٥ ، الحديث ٣٢١.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٧٥ ، الحديث ٣١٩.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ ، الحديث ٣.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٨ ، في ذيل الحديث ٣ عن الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ..

٥٧

ليس به بأس إنّ الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم إنّما تخرج من بين فرث ودم. وإنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميّتة اخرجت منها بيضة » (١).

وفي الصحيح عن عليّ بن رئاب عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الإنفحة يخرج من الجدي الميّت؟ قال : لا بأس به » (٢).

وعن صفوان بن يحيى عن الحسين بن زرارة عنه عليه‌السلام قال : « سأله أبي عن الإنفحة تكون في بطن العناق أو الجدي وهو ميّت؟ فقال : لا بأس به » (٣).

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ تنقيح المقام يتوقّف على بيان امور.

أحدها :

أنّ المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف والشعر والريش والوبر بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق القلع أو الجزّ إلّا أنّه يحتاج في صورة القلع إلى غسل موضع الاتّصال.

وخالف في ذلك الشيخ في النهاية فخصّ الحكم بما إذا اخذت بالجزّ (٤).

وعلّل بأنّ اصولها المتّصلة باللحم من جملة أجزائه وإنّما يستكمل استحالتها إلى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه.

وردّ بالمنع ؛ فإنّ المفروض صدق اسم أحدها على المجموع من المتّصل باللحم والمتجاوز عنه فكيف يجامع كون شي‌ء منها جزء من اللحم؟ وباب الأخبار مطلقة في الأخذ. فالتقييد يحتاج إلى الدليل.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٧ ، الحديث ١.

(٢) الاستبصار ٤ : ٨٩ ، الحديث ٢.

(٣) تهذيب الأحكام ٩ : ٧٨ ، الحديث ٦٧.

(٤) النهاية ونكتها ٣ : ٩٦.

٥٨

مع أنّ الأمر بالغسل في بعض الروايات قرينة على إرادة القلع بخصوصه ؛ إذ لا يجب الغسل مع الجزّ.

ثانيها :

أنّ ما يوجد من هذه المعدودات سوى الإنفحة في الحيوان المحلّل وغيره لا يفرق في الحكم بطهارته بين النوعين إذا كان غير المحلّل طاهرا في حال الحياة وهو ممّا لا يعرف فيه خلاف إلّا من العلّامة رحمه‌الله فإنّه فرّق في البيض بين كونه من مأكول اللحم وغيره ، فحكم بطهارة الأوّل ونجاسة الثاني.

قال في النهاية : أمّا بيض الجلّال وما لا يؤكل لحمه ممّا له نفس سائلة فالأقوى فيه النجاسة (١).

وذكر نحوه في المنتهى (٢).

ولا نرى لكلامه وجها ، ولا عرفنا له عليه موافقا. وقد نصّ الشهيد في الذكرى على عدم الفرق (٣).

وأمّا الإنفحة من غير المحلّل كالموطوء ففي طهارتها احتمالان ، منشأهما :

من كون أكثر الأخبار الدالّة على طهارتها واردة بالحلّ أو مسوقة لبيانه. ومنه استفيدت الطهارة وذلك مفقود في غير المحلّل.

ومن عدم الدليل العام على نجاسة الميتة بحيث يتناول أمثال هذه الأجزاء كما أشرنا إليه. ومقتضى الأصل هو الطهارة إلى أن يقوم الدليل على خلافها ولا دليل ، ولم أقف لأحد من الأصحاب في ذلك على كلام.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٠.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٢٠٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٤.

٥٩

وربّما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة على عدم التفرقة.

ولا يخفى أنّ فرق العلّامة في حكم البيض يقتضي الفرق هنا أيضا.

وثالثها :

أنّ أكثر الأصحاب أطلقوا الحكم بطهارة البيضة ولم يتعرّضوا بحال ظاهرها من حيث ملاقاته بالرطوبة للميتة النجسة ؛ فإنّ الظاهر فيه على قياس ما ذكروه في اصول نحو الصوف المقلوع احتياجه إلى الغسل.

ولكنّ الأخبار وردت مطلقة كما رأيت. وما تضمّن منها الأمر بالغسل مخصوص بالصوف والشعر ونحوهما بقرينة قوله بعده : « وصلّ فيه ».

وفي كلام العلّامة ما يدلّ على أنّه يرى نجاسة ظاهرها حيث قال في النهاية : « البيضة من الدجاجة الميّتة طاهرة إن اكتست الجلد الفوقاني الصلب لأنّها صلبة القشر لاقت نجاسة فلم تكن نجسة في نفسها (١).

وذكر في المنتهى ما هذا محصّله (٢).

ورابعها :

أنّ ما دلّ على حكم البيض من الأخبار التي ذكرناها ليس فيه تعرّض لاشتراط اكتساء القشر الأعلى ، ولكن ظاهر الأصحاب الإطباق على اشتراطه.

وبه رواية رواها غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة؟ قال : إن اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها (٣).

فكأنّهم حملوا الإطلاق الواقع في تلك الأخبار على التقييد المستفاد

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٠.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٢٠٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٩ : ٧٦ ، الحديث ٣٢٢.

٦٠