معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٥٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

وهم مع ذلك بين ساكت عن الحكم حال مزجه بالماء ، ومصرّح بإجزائه.

فممّن صرّح بالإجزاء الشهيد في البيان والدروس (١).

واعتبر والدي رحمه‌الله في الإجزاء مع المزج عدم خروج التراب بذلك عن اسمه (٢).

ويعزى إلى الراوندي وابن إدريس اشتراط المزج (٣). وجنح إليه العلّامة في المنتهى. وجزم بالعدم في غيره (٤).

واحتجّ له بوجهين :

أحدهما : أنّ النصّ خال من ذكر الماء.

والثاني : أنّ الغرض إزالة الأجزاء اللعابيّة الحاصلة من فمه ودلكه بالتراب بحيث تزول تلك الرطوبة.

وحكوا عن ابن إدريس الاحتجاج لما صار إليه بأنّ حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول. والتراب وحده لا يجزي ، فيعتبر مزجه بالماء تحصيلا لحقيقة الغسل.

وأجاب عنه الشهيد في الذكرى (٥) ـ اقتفاء لأثر العلّامة في المختلف (٦) ـ بأنّه لا ريب في انتفاء الحقيقة على التقديرين. والخبر مطلق فلا ترجيح.

__________________

(١) البيان : ٩٣ ، والدروس الشرعيّة ١ : ١٢٥.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ١٣٣ ، طبعة مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم ، ١٤١٣ ه‍ ق.

(٣) السرائر ١ : ٩١ ، في « ج » : اشتراطه المزج.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٩ ، وراجع تذكرة الفقهاء ١ : ٨٥.

(٥) ذكرى الشيعة : ١٥.

(٦) مختلف الشيعة ١ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦.

٢٤١

وتحقيقه : أنّ ادّعاء صدق مفهوم الغسل مع المزج (١). وإن كان بالنظر إلى الحقيقة فالمزج ليس بمحصّل لحقيقة الغسل قطعا ، وإن كانت باعتبار المجاز فهو صادق بالتراب وحده.

وليس على ترجيح أحد المجازين دليل صريح.

والإطلاق الواقع في الخبر يدلّ بظاهره على الاكتفاء بأقلّ ما يتحقّق معه الاسم فيحتاج إثبات الزائد عنه إلى دليل. هذا غاية ما يمكن أن ينقّح به هذا الجواب المذكور.

وبعد لنا فيه بحث ؛ لأنّ الباء في قوله : « واغسله بالتراب » من الحديث الذي هو مستندهم يحتمل أن يكون للاستعانة ، مثلها في قولك : « كتبت بالقلم » والظرف حينئذ لغو إذ متعلّقه خاصّ مذكور.

ويحتمل أن يكون للمصاحبة ، نحوها في قولك : « دخلت عليه بثياب السفر » ، والظرف على هذا التقدير حال من الغسل المدلول عليه بالأمر أو من الماء لدلالة الغسل عليه وهو حينئذ مستقرّ لكون (٢) متعلّقه أمرا عامّا واجب الحذف وهو الكون أو الاستقرار.

فعلى الأوّل : يتعيّن التجوّز في لفظ الغسل بإرادة الدلك منه لنوع من العلاقة.

وعلى الثاني : لا حاجة إلى التجوّز في الغسل بل يبقى على حقيقته ويحتاج الكلام إلى تقدير المتعلّق للجارّ وهو وإن كان خلاف الأصل إلّا أنّه ليس بالبعيد رجحانه هنا على ذلك التجوّز ؛ إذ مدار وجوه الترجيح في مثله على كثرة الاستعمال وسبق المعنى إلى الفهم ، ولا ريب في قلّة استعمال الغسل

__________________

(١) في « ب » : صدق مفهوم الغسل للمزج.

(٢) في « ب » : بكون متعلّقه.

٢٤٢

في الدلك بالتراب ، وبعده عن الفهم. وليس الإضمار لمتعلّق الجار بهذه المثابة ، ولا قريبا منها قطعا ، بل هو من المتعارف والشيوع بأيّ مكان. وإذا ثبت رجحانه فمقتضاه الاكتفاء بمسمّى المصاحبة.

وربّما يستبعد ذلك من حيث إنّه لا يتحقّق معه الغاية التي ذكروها أعني زوال الأجزاء اللعابيّة الحاصلة من فمه.

وليس بشي‌ء ؛ فإنّ النظر إلى نحو هذا التعليل في الأحكام الشرعيّة مع انتفاء النصّ عليه وتخلّفه في أكثر الصور بأهل القياس أليق.

وبالجملة فمجال المقال هاهنا متّسع ، وفي هذا القدر من التنبيه على جهة التحقيق كفاية. وحيث إنّ الأخذ في طريق الاحتياط أمر مطلوب فينبغي أن يكون العمل عليه.

غير أنّ الجمع بينه وبين ما ذكرناه ليس بخال عن إشكال باعتبار اشتراط عدم الخروج بالمزج عن مسمّى التراب كما حكيناه عن الوالد. ولعلّه في الغالب لا يخرج ، وربّما كانت كثرة الماء أبعد عن الخروج من بعض صور قلّته بحسب العرف. فتأمّل.

تذنيب :

قال في التذكرة : إن قلنا بمزج الماء بالتراب هل يجزي لو صار مضافا؟ إشكال.

وعلى تقديره هل يجزي عوض الماء ماء الورد وشبهه؟ إشكال (١).

وبنى الحكم في النهاية على أنّ التعفير هل يثبت تعبّدا أو استظهارا في القلع بغير الماء.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٧.

٢٤٣

فعلى الأوّل : يتوقّف فيه مع ظاهر النقل.

وعلى الثاني : يجزي عوض الماء غيره من المائعات كالخلّ وماء الورد. ولا يضرّ خروج الماء عن الإطلاق بالمزج بطريق أولى (١).

ولا يخفى عليك أنّ القدر المتحقّق هو التعبّد ؛ إذ لا دليل على قصد الاستظهار. وحينئذ فالمتّجه ـ على ما هو المشهور من عدم مدخليّة غير المطلق في التطهير من النجاسات ـ عدم إجزاء المضاف مطلقا ؛ فإنّ إثبات الخصوصيّة هنا يحتاج إلى الدليل ، والمنكرون لإجزاء المضاف مطلقا يدّعون تبادر المطلق من لفظ الغسل عند الإطلاق على ما مرّ تحقيقه.

وقد عرفت أنّ اعتبار المزج إنّما اخذ من الأمر بالغسل فلا خصوصيّة لهذا النوع من التطهير عن غيره.

وأمّا اشتراط عدم خروج المطلق عن اسمه بالمزج فموضع نظر ؛ لأنّ الظاهر من إطلاق الأمر بجعل التراب في صحبة الماء ـ على ما وجّهنا به اعتبار المزج ـ عدم الالتفات إلى بقاء الاسم في واحد منهما بعد الاجتماع.

اللهم إلّا أن يكون خروج الماء عن اسمه مقتضيا لعدم صدق الغسل حقيقة فيستوي الحال في المزج وعدمه ، كما ذكر في الجواب عن حجّة ابن إدريس.

ولا يبعد ادّعاء الصدق على بعض الوجوه بطريق الحقيقة وإن زال اسم الماء عن المجموع بشهادة العرف به.

لا يقال : التزام صدق اسم الغسل المعتبر حينئذ يقتضي التزام مثله في المزج بالمضاف ؛ لأنّ انتفاء اسم المطلق حاصل في الموضعين.

لأنّا نقول : مبنى الفرق ـ كما عرفت ـ على تبادر إرادة استعمال المطلق

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٩٤.

٢٤٤

من الأمر بالغسل وإن كانت حقيقة الغسل قد تصدق بغيره ، فإذا اقترن إلى الأمر ما يدلّ على إرادة عدم استقلال المطلق بالغسل وجب العمل بمقتضاه واحتيج إلى ملاحظة الجمع بينه وبين حصول حقيقة الغسل ؛ لكون إرادة المجاز على خلاف الأصل.

[ الفرع ] الخامس :

نصّ جمع من الأصحاب على اشتراط الطهارة في التراب ، ومنهم العلّامة في المنتهى ، فقال :

الأقرب اشتراط طهارة التراب سواء أضفناه أو لا ؛ لأنّ المطلوب منه التطهير وهو غير مناسب بالنجس (١).

واحتمل في النهاية الإجزاء ، ووجّهه بأنّ المقصود من التراب الاستعانة على القلع بشي‌ء آخر. وشبّهه حينئذ بالدفع بالنجس (٢).

وقد بيّنا ما في الاستناد إلى التعليل في هذا المقام من الإشكال ؛ إذ هو استنباط محض. ولا ريب أنّ اعتبار الطهارة أنسب وإن كان باب الاحتمال غير منسدّ ، لا لما ذكره العلّامة ، بل من حيث توقّف الاشتراط على الحجّة ؛ إذ الدليل مطلق.

ولعلّ إرادة الظاهر يتبادر إلى الفهم عند الإطلاق.

[ الفرع ] السادس :

ذكر ابن الجنيد : أنّ المرّة الاولى في الغسل من الولوغ تكون بالتراب

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ٣٤٣.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٩٤.

٢٤٥

أو ما قام مقامه (١) ، وهو يدلّ على عدم تحتّم التراب وكأنّه يريد بما قام مقامه ما يفيد فائدته في إزالة النجاسة عن المحلّ فهو يرى التخيير بين التراب وغيره ممّا في معناه.

وجمهور الأصحاب على خلافه ؛ إذ لا نعرف القول بذلك لسواه.

وحجّتهم أنّ النصّ ورد بالتراب فمن ادّعى قيام غيره مقامه فعليه الدليل.

ولم يتعرّض ابن الجنيد لبيان الحجّة على ما ذهب إليه.

ويحتمل ـ على ما يقال عنه من العمل بالقياس ـ أن يكون بناؤه في ذلك عليه.

[ الفرع ] السابع :

حكى المحقّق في المعتبر عن الشيخ أنّه قال في المبسوط : إذا لم يوجد التراب ووجد غيره ـ كالإشنان (٢) وما يجري مجراه ـ أجزأ. ثمّ وجّهه المحقّق بأنّ الإشنان أبلغ في الإنقاء فإذا طهر بالتراب فالأشنان أولى.

ثمّ قال : وفيه تردّد ؛ منشأه اختصاص التعبّد بالتراب وعدم العلم بحصول المصلحة المرادة منه في غيره. على أنّه لو صحّ ذلك لجاز مع وجود التراب (٣).

وما ذكره المحقّق جيّد ، وبه يظهر أنّ قول ابن الجنيد أقرب إلى الصواب من قول الشيخ ؛ إذ لا وجه له سوى ما قاله المحقّق.

والنظر إلى ذلك يقتضي عدم اعتبار فقد التراب كما ذهب إليه ابن الجنيد.

__________________

(١) مختلف الشيعة ١ : ٤٩٧.

(٢) قال في المصباح المنير : بضمّ الهمزة ، والكسر لغة ، معرّب. ويقال له بالعربية : الحرض. وتأشّن : غسل يده بالأشنان. وقال في المنجد : ما تغسل به الأيدي من الحمض وهو أنواع.

(٣) المعتبر ١ : ٤٥٩.

٢٤٦

وقد وافق الشيخ على قوله هذا جماعة منهم العلّامة في كثير من كتبه. وتوقّف في النهاية (١).

وقال في المنتهى : إنّ عدم إجزاء غير التراب هو الأقوى ؛ لأنّ المصلحة الثابتة من التعبّد باستعمال التراب لو حصلت بالأشنان وشبهه لصحّ استعماله مع وجود التراب (٢).

وانتصر الفاضل الشيخ علي لهذا القول فقرّب دليله واستوجهه ، ثمّ استدرك بأنّ جمعا من الأصحاب ذكروا الاجتزاء بالمشابه مع فقد التراب. قال : والخروج عن مقالتهم أشدّ إشكالا (٣).

وهذا عجيب بعد ظهور الخلاف وانتفاء ما يتخيّل منه الإجماع.

[ الفرع ] الثامن :

يعزى إلى الشيخ أيضا القول بإجزاء الماء وحده عند عدم التراب وشبهه (٤).

وقد حكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى والمختلف عبارته في ذلك ، وليس فيها تعرّض لاشتراط فقد شبه التراب ؛ فإنّ العبارة هكذا : إذا لم يوجد التراب اقتصر على الماء وإن وجد غيره كالإشنان وما يجري مجراه أجزأ.

وظاهرها القول بالتخيير ـ عند عدم التراب ـ بين الاقتصار على الماء واستعمال ما يشبه التراب.

ولا نعرف للشيخ موافقا على هذا المعنى. نعم ذكره العلّامة في التذكرة

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٢٩٣.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٨.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٩٤.

(٤) المبسوط ١ : ١٤.

٢٤٧

والنهاية احتمالا (١).

وأمّا ما عزي إليه من القول بإجزاء الماء عند فقد التراب وشبهه فقد ذهب إليه العلّامة في جملة من كتبه والشهيد (٢).

وذكر في المنتهى بعد حكاية كلام الشيخ أنّه يعطي أحد معنيين : إمّا استعمال الماء ثلاث مرّات أو استعماله مرّتين.

قال : ووجه الاحتمال الأوّل أنّه قد أمر بالغسل وقد فات ما يغسل به فينتقل إلى ما هو أبلغ وهو الماء.

ووجه الثاني أنّه أمر بالغسل بالتراب ولم يوجد فالتعدية خروج عن المأمور به ، وتنجيس الإناء دائما تكليف بالمشقّة ، فوجب القول بطهارته بالغسل مرّتين. ثمّ قال وهو قويّ (٣). هذا.

والكلام عندي ضعيف ؛ فإنّ مقتضى اشتراط حصول الطهارة للإناء بالغسل المعيّن بالتراب والماء عند عروض هذا النوع من النجاسة انتفاء المشروط عند فقدان الشرط كما هو الشأن في مثله ، ومن البيّن أنّ الشرط إذا كان مركّبا من أمرين أو امور كفى في انتفائه انتفاء جزئه.

وادّعاء قيام البدل عن الجزء المفقود أو سقوط اشتراطه عند تعذّره محتاج إلى الدليل. ألا ترى أنّ الجزء الآخر للشرط هنا وهو الماء لا يتفاوت الحال في انتفاء المشروط عند انتفائه بين إمكان وجوده وتعذّره [ وما ذاك إلّا لفقد

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٦ ، ونهاية الإحكام ١ : ٢٩٣.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٦ ، والدروس الشرعية ١ : ١٢٥.

(٣) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٧.

٢٤٨

الدليل على سقوط اعتباره في حال التعذّر ] (١) أو قيام البدل مقامه وذلك آت في المتنازع.

ثمّ إنّ الوجهين اللذين ذكرهما العلّامة بقصد الاحتجاج للحكم ليسا بشي‌ء :

أمّا الأوّل فلمنع كون الماء في هذا الغرض أبلغ.

سلّمنا ولكن من الجائز كون التكليف بالتراب للتعبّد فقط ؛ إذ مع ملاحظة الإزالة به وكون الماء أبلغ إنّما يجدي لو ثبت انحصار الغرض منه في الإزالة. واللازم من ذلك عدم رعاية فقدان التراب كما ذكره المحقّق في بدليّة الإشنان ونحوه.

وأمّا الثاني فلأنّ المشقّة الحاصلة بفقد (٢) التراب يحصل ما هو أقوى منها عند فقد الماء ، فإن كان مثلها كافيا في رفع التكليف فينبغي القول به حيث لا يوجد الماء ويكتفى بالتراب وحده.

والوجه في قوّة المشقّة مع فقد الماء بالنظر إليها في فقد التراب واضح ، ومع التنزّل فلا أقلّ من المساواة.

وبالجملة فارتكاب هذه التكلّفات في الاستدلال والاعتماد عليها في إثبات الأحكام في نهاية الغرابة.

ولقد كان للعلّامة طريق يمكنه المصير منه إلى ما قوّاه هنا من إجزاء المرّتين حينئذ بالماء أقرب إلى الصواب ممّا تكلّفه وهو :

أنّ اشتراط التراب في حصول الطهارة هاهنا ليس في النصّ ما يدلّ عليه بل ظاهره كونه واجبا فيها للأمر به وهو أعمّ من الشرطيّة. وإنّما استفيد

__________________

(١) ما بين المعقوفتين غير موجود في نسخة « ج ».

(٢) في « ب » : بفقدان التراب.

٢٤٩

الاشتراط من الإجماع وهو ليس بحاصل في صورة التعذّر فيتمسّك فيها بعموم ما دلّ على كون الماء مطهّرا.

وهذا الدليل وإن كان للنظر في بعض مقدّماته مجال إلّا أنّ المعلوم من طريقة العلّامة الاعتماد على مثله.

وقد استقرب في التحرير ـ تفريعا على قول الشيخ ـ عدم الاكتفاء بالمرّتين (١) وقال في القواعد : ولو فقد الجميع ـ يعني التراب وشبهه ـ اكتفى بالماء ثلاثا (٢).

وصار جمع من المتأخّرين إلى بقاء الإناء حينئذ على نجاسته إلى أن يوجد ما عيّنه الشارع لتطهيره. ونظرهم في ذلك إلى ما قرّرناه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ حكاية المحقّق لكلام الشيخ هنا ـ كما أشرنا إليه ـ وقعت في جملة حكايته لكلامه في الفرع المتقدّم ، واقتصر على البحث معه في ذلك. ولم يتعرّض لهذا بوجه. ولعلّه فهم منه ما ذكرناه من التخيير وراعى في جعل متعلق بحثه للإشنان كونه أحد الامور التي صار الشيخ إلى قيامها مقام التراب فيعلم من التوجيه والردّ فيه ما يقال في غيره.

[ الفرع ] التاسع :

ذكر الصدوق في المقنع ومن لا يحضره الفقيه ووالده في رسالته والشيخ المفيد في المقنعة بعد الحكم بغسل الإناء من الولوغ هنا أنّه يجفّف (٣).

ولا يعرف الوجه في ذلك. وقد حكاه الفاضلان عن المفيد وحده (٤).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٦.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٩٨.

(٣) المقنع : ٤ ، ومن لا يحضره الفقيه ١ : ٩ ، والمقنعة : ٦٨.

(٤) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، ومنتهى المطلب ٣ : ٣٣٧.

٢٥٠

وذكر المحقّق أنّه منفيّ بالأصل وبالنصّ فإنّ ظاهره الاكتفاء بمضمونه (١).

وقال العلّامة ليس التجفيف شرطا عندي في الاستعمال ؛ إذ الماء المتخلّف في المغسول طاهر وإلّا لم يطهّره التجفيف (٢).

وينبغي أن تعلم أنّ استفادة شرطيّة التجفيف في الاستعمال ـ كما أشار إليه العلّامة ـ ظاهرة في عبارة المفيد حيث قال : ثمّ يجفّف ويستعمل (٣).

وأمّا عبارات الصدوقين فليس فيها إلّا التجفيف. وإن كان كلام المحقّق في المناقشة أربط ـ بالتحقيق ـ من كلام العلّامة.

[ الفرع ] العاشر :

قال الفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير : لو خيف فساد المحلّ باستعمال التراب فهو كما لو فقد التراب (٤).

وكلامه في التذكرة صريح في الاجتزاء بالماء حينئذ. ولكن لم يتعرّض لبيان العدد المعتبر (٥).

وفي التحرير نسب القول بإجزاء الماء مع فقد التراب إلى الشيخ (٦). واستقرب ـ تفريعا عليه ـ عدم الاجتزاء بالمرّتين ، كما ذكرناه (٧) آنفا وذكرنا كلامه

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٥٨.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٧.

(٣) المقنعة : ٦٨.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٨٦.

(٦) تحرير الأحكام ١ : ٢٦.

(٧) في « أ » و « ب » : كما حكيناه آنفا.

٢٥١

في المنتهى أيضا ، وهو محتمل لأن يكون تفريعا على قول الشيخ أو حكما مستقلا. والكلام في هذا الفرع مبنيّ على ذاك.

وعلى كلّ حال فمقتضى ما ذكره في التذكرة إجزاء الغسل بالماء في الصورة المبحوث عنها ، وغاية العدد المعتبر حينئذ أن يكون ثلاث مرّات كما اختاره في القواعد وقد مرّ نقله (١).

ويظهر من جماعة من المتأخّرين الميل إلى البقاء على النجاسة حينئذ ، بل جزم به والدي في الروضة (٢) ، وبعض مشايخنا الذين عاصرناهم ؛ نظرا إلى أنّ الدليل اقتضى توقّف حصول الطهارة على التراب والماء.

وليس على استثناء حال التعذّر دليل فيبقى على أصالة النجاسة.

ولبعض الأصحاب هنا تفصيل حاصله : أنّ خوف الفساد باستعمال التراب إن كان باعتبار توقّف إيصاله إلى الآنية على كسر بعضها ـ كما في الأواني الضيّقة ـ وأمكن مزج التراب بالماء وإنزاله إليها وخضخضتها به على وجه يستوعبها وجب وأجزأ.

وإن كان باعتبار نفاسة الإناء بحيث يترتّب الفساد على أصل الاستعمال اكتفي بالماء. وكذا إذا امتنع في الصورة الاولى إنزاله ممتزجا على الوجه الذي ذكر.

وفرق بين هذا وبين ما إذا فقد التراب ـ حيث مال إلى بقائه على النجاسة ثمّ ـ بأنّ الحكم بذلك هنا يفضي إلى التعطيل الدائم وهو غير مناسب لحكمة الشارع وتخفيفه. وأمّا هناك فحصول التراب مرجوّ فلا تعطيل.

والتحقيق عندي أنّه على تقدير تناول دليل الحكم لنحو هذه الأواني يراعى

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٩٨ ، ومعالم الدين « هذه الطبعة » : ٦٨٠.

(٢) الروضة البهيّة ١ : ٣٠٨.

٢٥٢

في تحصيل مسمّى الغسل لها بالتراب أقلّ مراتبه التي من جملتها مزجه بالماء وإدخاله إلى الإناء على الوجه الذي ذكر في التفصيل.

وحصول الطهارة معه حينئذ ليس باعتبار تعذّر الحقيقة كما يظهر من كلام المفصّل بل لكونه بعض أفراد المأمور به على ما حقّقناه آنفا.

وبتقدير حصول الفساد به على كلّ حال يبقى على النجاسة وإن أفضى إلى التعطيل ؛ فإنّ التفات حكمة الشارع إلى التخفيف عن ذي آنية هذه صفتها ممّا لا سبيل إلى العلم به.

[ الفرع ] الحادي عشر :

قال الشيخ في الخلاف : إذا ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد لم يجب أكثر من غسل الإناء ثلاث مرّات. ثمّ ذكر أنّ جميع الفقهاء لم يفرّقوا بين الواحد والمتعدّد إلّا من شذّ من العامّة فأوجب لكلّ واحد العدد بكماله.

واحتجّ الشيخ لما قاله بأنّ النصّ خال من التعرّض للفرق بين الواحد والأكثر والكلب جنس يقع على القليل والكثير (١).

وهذا الكلام جيّد ؛ لأنّ سوق الحديث الذي هو العمدة في الحكم صريح في كون السؤال عن الجنس حيث قال فيه : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه فقال : لا بأس به ، حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : رجس نجس لا يتوضّأ بفضله ». الحديث (٢).

وقد ذكر هذا الحكم أكثر الأصحاب جازمين به ، وزادوا فيه : ما إذا تكرّر

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٧٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٢٥ ، الحديث ٦٤٦.

٢٥٣

الولوغ من الواحد ، وهو أولى بالحكم بعد ثبوته في المتعدّد ، ولم يحتجّوا له بما ذكره الشيخ.

وإنّما علّله الفاضلان في المعتبر والمنتهى : بأنّ النجاسة واحدة فقليلها ككثيرها ، لأنّها لا تتضمّن زيادة عن حكم الاولى (١).

وحجّة الشيخ أوضح وأقوى.

[ الفرع ] الثاني عشر :

حكم جمع من الأصحاب منهم : الفاضلان والشهيدان بالتداخل إذا انضمّ إلى الولوغ نجاسة اخرى (٢).

وكأنّ الوجه فيه حصول الغرض من الأمر بالغسل وهو إزالة عين النجاسة به ، وصدق الامتثال بالفعل الواحد ، وأصالة براءة الذمّة من التكليف بالتكرير ، وأنّ تكرّر الغسل بتعدّد نوع النجاسة غير معهود شرعا.

ولم يفرّقوا بين أن يكون عروض النجاسة الاخرى قبل الشروع في الغسل وبعده.

لكن في صورة المتأخّر يراعى حصول العدد المعتبر في تلك النجاسة.

فإن كان ما بقي من غسلات الولوغ مساويا له كفى عنهما وإن كان أقلّ منه وجب الإتيان بالزائد.

وكذا لو كان العدد المعتبر في النجاسة الاخرى زائدا على ما يعتبر هنا سواء كان عروضها قبل الشروع في الغسل أم بعده ؛ فإنّ التداخل يقع في القدر

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٥٩ ، ومنتهى المطلب ٣ : ٣٣٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٥٩ ، ومنتهى المطلب ٣ : ٣٤١ ، وذكرى الشيعة : ١٥ ، والروضة البهيّة ١ : ٣٠٨.

٢٥٤

المساوي. ويجب الإتيان بالزائد. نصّ على ذلك جماعة منهم الفاضل في المنتهى ووالدي في بعض كتبه.

قال في المنتهى بعد الإشارة إلى جملة من الاحتمالات الممكنة هنا مفصّلة : وبالجملة إذا تعدّدت النجاسة فإن تساوت في الحكم تداخلت وإن اختلفت فالحكم لأغلظها (١).

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّه يتّجه على من ذهب إلى عدم التداخل في تطهير البئر بالنزح ـ كالشهيدين (٢) ؛ نظرا إلى أنّ الأصل في الأسباب أن تعمل عملها ولا تتداخل مسبباتها ـ وحكم بالتداخل هنا ، سؤال الفرق بين المقامين؟

وله أن يقول : إنّ الأدلّة الدالّة على المقادير المقرّرة (٣) في النزح من النصوص وردت معلّقة لها بالأنواع المخصوصة من النجاسات رابطة لتلك المقادير بالأنواع ربط المسبّبات بالأسباب فلذلك عمل فيها بأصالة عدم التداخل.

وأمّا هنا فالنصوص المعتبرة خالية عن اعتبار التعدّد من غير الولوغ فيما عدا الثوب والبدن. فلو قيل بالتعدّد مطلقا لكان مبنيّا على ما لا ينهض باعتباره في موضع النزاع على جهة الاستقلال.

وإذا لم يكن دليل التعدّد حينئذ صالحا لاعتباره مستقلا فإطلاق الأوامر بالغسل أو انعقاد الإجماع عليه لا يصلح دليلا على إيجابه بطريق الاستقلال أيضا ، وإنّما يقتضي إرادة تحصيل ماهيّة الغسل لغرض الإزالة وهو يحصل

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ٣٣٩.

(٢) الروضة البهيّة ١ : ٢٦٧.

(٣) في « أ » و « ب » : المقادير المعيّنة في النزح.

٢٥٥

مع التداخل.

وهذا الوجه من التفرقة مع قوّته ليس بحاسم لمادّة الإشكال ؛ إذ يبقى السؤال في صورة اجتماع ولوغ الكلب مع ولوغ الخنزير ـ بناء على ما سيأتي من اعتبار التعدّد فيه أيضا ـ فإنّ الدليل على إيجاب العدد فيه مثل الدليل على اعتباره في الكلب بالنظر إلى النصوصيّة ، فكلّ منهما سبب مستقلّ كأسباب النزح. وإطلاقهم الحكم بالتداخل يتناوله.

والشهيد يرى التعدّد في الخمر والفأرة استنادا إلى بعض الروايات (١) ، فيأتي السؤال عليه في صور اجتماعهما.

ويظهر منه في البيان القول بعدم التداخل في بعض الصور (٢) ، لكن في نسخ الكتاب هاهنا اضطراب وفي الحكم أو التعدّي (٣) عنه اختلال ، فلذلك أضربنا عن التعرّض لحكايته والمتّجه عدم التداخل فيما يثبت التعدّد فيه بالنص.

[ الفرع ] الثالث عشر :

ذكر الشيخ في الخلاف وبعده المحقّق في المعتبر : أنّ ماء الولوغ إذا أصاب الثوب أو الجسد لم يعتبر فيه العدد (٤).

وأضاف المحقّق إليهما الإناء فحكم بعدم اعتبار التعدّد فيه أيضا إذا أصابه هذا الماء. ولم يتعرّض له الشيخ (٥).

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١٥.

(٢) البيان : ١٠٠ ، الطبعة المحقّقة.

(٣) في « أ » و « ب » : أو التأدية عنه اختلال.

(٤) الخلاف ١ : ١٨١.

(٥) المعتبر ١ : ٤٦٠.

٢٥٦

ولكنّ الظاهر من كلامه القول بمساواته لهما وأنّ ذكرهما لغرض التمثيل حيث قال : إذا ولغ الكلب في الإناء نجس الماء الذي فيه ، فإن وقع ذلك الماء على بدن الإنسان أو ثوبه وجب غسله ولا يراعى فيه العدد. ثمّ حكى عن بعض العامّة إيجاب غسل كلّ موضع يصيبه ذلك الماء بقدر العدد المعتبر في الإناء.

وقال بعد ذلك : دليلنا إنّ وجوب غسله معلوم بالاتّفاق ؛ لنجاسة الماء. واعتبار العدد يحتاج إلى دليل. وحمله على الولوغ قياس. ولا نقول به (١).

وهذه الحجّة واضحة جيّدة ، وعليها عوّل المحقّق أيضا ، فقال مشيرا إليها : « ولا يعتبر العدد اقتصارا بالحكم على موضع النصّ » (٢).

واستقرب العلّامة في النهاية إلحاق هذا الماء بالولوغ ، وعلّله بوجود الرطوبة اللعابيّة (٣). وضعفه ظاهر.

[ الفرع ] الرابع عشر :

قال في المنتهى : ليس حكم الماء الذي يغسل به إناء الولوغ حكم الولوغ في أنّه متى لاقى جسما يجب غسله بالتراب ؛ لأنّها نجاسة فلا يعتبر فيها حكم المحلّ الذي انفصلت عنه.

ثمّ حكى عن بعض الجمهور أنّه قال : يجب غسله بالتراب وإن كان المحلّ الأوّل قد غسل بالتراب.

وعن بعض آخر منهم أنّه أوجب غسله من الغسلة الاولى ستّا بناء على قولهم بوجوب السبع في الولوغ ومن الثانية خمسا ومن الثالثة أربعا وكذا

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٨١.

(٢) المعتبر ١ : ٤٦٠.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٩٥.

٢٥٧

لو كانت قد انفصلت عن محلّ غسل بالتراب غسل محلّها بغير تراب وإن كانت الاولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب.

ثمّ قال : وهذا كلّه ضعيف ، والوجه أنّه يساوي غيره من النجاسات لاختصاص النصّ بالولوغ (١).

وقد تعرّض لهذا الكلام بالمناقشة الفاضل الشيخ علي في بعض كتبه فقال : أوّلا إنّ عدم اعتبار التراب في هذه الصورة إن كان منوطا بتقدّم تعفير إناء الولوغ على غسله بالماء الذي فرض الملاقاة به فهو حقّ. وكذا إن كان الجسم الملاقى به غير إناء ، وإلّا فالظاهر اعتباره ؛ لأنّها نجاسة الولوغ.

ثمّ ذكر أنّ قوله : « والوجه مساواة هذا الماء لباقي النجاسات » مشكل ؛ لأنّ حكم النجاسة يخفّ شرعا بزيادة الغسل ويشتدّ بنقصانه فلا تتّجه التسوية (٢).

وكلام العلّامة أوجه ؛ إذ الدليل الدالّ على حكم الولوغ ليس بمتناول للصورة التي ادّعي مساواتها له قطعا.

والتعليل بأنّها نجاسة الولوغ إن أراد به كونها مسبّبة عنه فلا طائل تحته. وإن أراد أنّه يصدق عليها الاسم الذي هو العنوان في الحكم فتوجّه المنع إليه واضح جليّ.

وأمّا الإشكال الذي أشار إليه فضعيف جدّا ؛ لأنّ غرض العلّامة من الحكم بالمساواة المذكورة نفي الأقوال التي حكاها عن العامّة ؛ نظرا إلى أنّ الأعداد التي اعتبروها محتاجة إلى الدليل وليس بموجود. والقدر المتحقّق عنده كونها

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٩٠.

٢٥٨

نجسة ، فيعتبر في إزالتها ما يعتبر في غيرها ؛ لعدم الدليل على اعتبار عدد معيّن فيها بخصوصها.

والتعلّق في توجيه الإشكال بأنّ حكم النجاسة يخفّ ويشتدّ إنّما يجدي لو كان هناك دليل يمكن الاعتماد عليه في أحكام تلك المراتب. وأمّا مع فقد الدليل فليس إلّا الرجوع إلى الأمر الإجماعي (١) وهو الاتّصاف بالتنجيس واعتبار ما يصدق معه زواله.

ووقع للفاضل الشيخ علي هنا وهم عجيب حيث عبّر عن الحكم بما هذه صورته : « قال الفاضل العلّامة في المنتهى ، والشهيد في الذكرى : أنّه لا يعتبر التراب فيما نجس بماء الولوغ ». ثمّ أخذ في المناقشة التي حكيناها أوّلا وذكر بعدها قول العلّامة : أنّ الوجه مساواة هذا الماء لباقي النجاسات. واعترضه بما رأيته (٢) ، والحال أنّ كلام العلّامة وما ناقشه به صريحان في أنّ موضع البحث هو الماء الذي يغسل به إناء الولوغ لا ماء الولوغ ؛ إذ هو الماء الذي يكون في الإناء حال ولوغ الكلب فيه وقد ذكرنا حكمه قبل هذا. وكلام الشهيد متعلّق بذلك الماء ، لا بما نحن فيه ؛ فإنّ هذه عبارته في الذكرى : « ولا يعتبر التراب في ما نجس بماء الولوغ » (٣). وهي بعينها العبارة التي نسب مضمونها إلى العلّامة وإليه ، وقد عرفت ما بين كلامهما من الاختلاف وما بين الحكمين من الفرق.

__________________

(١) في « أ » و « ب » : إلى الأمر الإجمالي

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٩٠.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٥.

٢٥٩

وممّا يوضحه : أنّ الشيخ في الخلاف يرى طهارة الماء المبحوث عنه هنا (١).

وقد مرّ في مباحث المياه حكاية ذلك عنه. والماء الآخر قد ذكرنا آنفا كلامه فيه.

وما أبعد ما بين قول الشيخ بالطهارة هنا ؛ استنادا إلى أنّ الحكم بالنجاسة يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدلّ على نجاسة هذا الماء ، وقول الشيخ علي بوجوب الغسل منه ثلاثا بالتعفير على بعض الوجوه.

[ الفرع ] الخامس عشر :

ذكر جماعة من الأصحاب منهم : العلّامة في المنتهى : أنّه لو كان الإناء ممّا يفتقر إلى العصر لم يحتسب له غسله إلّا بعد عصره (٢).

والكلام في اعتبار العصر هنا كاعتباره في المسائل السابقة فليطلب تحقيق الحال فيه من هناك.

[ الفرع ] السادس عشر :

قال الفاضل في نهايته : لو ولغ في إناء فيه طعام جامد القي ما أصابه فمه وانتفع بالباقي ، كالفأرة إذا ماتت في سمن جامد ولا يجب الغسل إن لم يصب فمه أو لعابه الإناء (٣). وهذا كلّه واضح.

[ الفرع ] السابع عشر :

قال بعض الأصحاب : لو كان الإناء ممّا لا يدلك بالتراب في العادة كالقربة فهل يجب إيصاله إليه بالمزج بالماء ونحوه؟ أو لا ؛ نظرا إلى المتعارف؟ كلّ محتمل.

وعندي في هذا الكلام نظر ؛ لأنّ اعتبار التعارف في الغسل بالتراب ممّا

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٨١.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٣٤٢.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٩٥.

٢٦٠