معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي

معالم الدين وملاذ المجتهدين - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي


المحقق: السيد منذر الحكيم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-91559-5-3
الصفحات: ٥٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

وبالنظر إلى ميتة غير الآدمي مرسلة يونس بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته : هل يجوز أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيّا أو ميّتا؟ قال : لا يضرّه ولكن يغسل يده » (١).

وتقريب الدلالة في الأمرين واحد وهو ترك الاستفصال عن كون الماء والمسّ برطوبة أو غيرها وهو دليل على تعميم الحكم وانتفاء الفرق.

وحجّة الثاني : أنّ عموم هذه الروايات معارض بقوله عليه‌السلام : « كلّ يابس زكيّ » (٢). فكأنّه رأى تخصيصها به مع أنّه من جهة السند لا يصلح لمقاومة الحديث الحسن فيشكل جعله مخصّصا له.

وحجّة الثالث ـ فيما وافق به الأوّل ـ : هو حجّته فيه بعينها بحسب كون الإصابة. وفيما وافق به الثاني : أنّ رواية يونس [ لا تصلح ] لإثبات الحكم فيمكن الاستناد في نفي التنجيس حينئذ إلى الأصل أو إلى حجّة الثاني.

وقد جعل في الذكرى وجه عدم صلاحيّة الرواية لذلك : أنّ التسوية فيما بين الحيّ والميّت من الأشياء المعدودة فيها يشعر بالاستحباب لطهارتها حال الحياة. قال : فيحمل على اليبوسة ؛ للفرق مع الموت والرطوبة قطعا (٣).

وأنت تعلم أنّ القطع بالفرق مع الموت والرطوبة إنّما يتمّ في بعض ما عدّد في الرواية ، وهو ما وقع الاتّفاق على طهارته من السباع ، وإلّا فما اختلف فيه منه كالثعلب والأرنب لا يتّجه ذلك فيه. وقد مرّ الاحتجاج بها للقول بنجاستهما.

وكيف كان فضعف سندها ـ كما سبق التنبيه عليه ـ [ يريح ] من حمل عب‌ء

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٠ ، الحديث ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٤٩ ، الحديث ١٤١.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٦.

١٤١

هذه الكلفة.

والتحقيق : أنّا إن عملنا بالحديث الحسن قرب التفصيل ؛ لأنّه ظاهر في التأثير مطلقا بالنسبة إلى الآدميّ. ولا دليل على مساواة غيره له سوى المرسلة ، وهي لا تصلح حجّة ، فلا مقتضي للخروج في حكمه عن الأصل. وإلّا اتّجه توقّف النجاسة في الجميع على الرطوبة. والاحتياط في الآدميّ أولى.

ويبقى الكلام في القطع المبانة من الحيّ ، فقد سبق أن الأصحاب يلحقونها في التنجيس بالميتة فتكون على القول الأوّل مؤثّرة مطلقا.

ويشكل حكمها على القول الثالث لعدم تناول الدليل لها ، وكون الظاهر من إطلاقهم الإلحاق مساواتها للميّت فثبت لها حكمه.

ولا يخفى أنّ الرجحان للتوجيه الأوّل ، فيقرب القول بتوقّف تأثيرها على الرطوبة.

تذنيب :

ذكر جماعة من الأصحاب أنّ المعتبر من الرطوبة ـ التي يتوقّف تأثير النجاسات عليها ـ ما يتعدّى منها شي‌ء إلى الملاقي. وأمّا القليلة التي بلغت في القلّة حدّا لا يتصوّر معه تعدّي شي‌ء منها ففي حكم اليبوسة ، وهو حسن.

مسألة [٢] :

وكلّ ما حكم بنجاسته شرعا فهو مؤثّر للتنجيس في غيره أيضا مع الرطوبة عند جمهور الأصحاب. ولا نعرف فيه الخلاف ، إلّا من العلّامة وابن إدريس.

أمّا العلّامة فذهب في بعض كتبه إلى أنّ النجاسة الحاصلة عن مسّ الميّت بغير رطوبة حكميّة لا يتعدّى إلى غير الماسّ وإن كانت الملاقاة حينئذ

١٤٢

برطوبة (١).

وأمّا ابن إدريس فيعزى إليه القول بأنّه إذا لاقى شي‌ء من جسد الميّت مائعا حكم بنجاسته. ولو لاقى ذلك المائع مائعا آخر لم ينجس الثاني (٢).

فالبحث هاهنا في مقامين :

[ المقام ] الأوّل : في خلاف العلّامة وقد ذكره في المنتهى والقواعد ، واحتمله في النهاية (٣).

قال في المنتهى : لو مسّه ـ يعني ميّت الآدميّ ـ رطبا ينجس نجاسة عينيّة.

ولو مسّه يابسا فالوجه أنّ النجاسة حكميّة ، فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميّت رطبا لم يؤثّر في تنجيسه ؛ لعدم دليل التنجيس ، وثبوت الأصل الدالّ على الطهارة (٤).

وناقشه فيه بعض الأصحاب بأنّ النصوص دلّت على وجوب غسل الملاقي لبدن الميّت ، وما ذاك إلّا لنجاسته. ومن حكم النجس تنجيسه لغيره مع ملاقاته له برطوبة. وهو كما ترى.

والعجب من جزم العلّامة في هذا الكتاب بكون النجاسة ـ في صورة الملاقاة لميّت الآدميّ باليبوسة ـ حكميّة واستشكاله لذلك في ميتة غيره ، كما حكيناه عنه آنفا ، مع أنّه في ميتة الآدميّ لم يتوقّف في عدم الفرق بين كون الملاقاة برطوبة ويبوسة في حصول التنجيس بها كما رأيت. وقد علمت توقّفه في

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٢) السرائر ١ : ١٦٣.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٣٤ و ٢٣٥ ، ونهاية الإحكام ١ : ١٧٣.

(٤) منتهى المطلب ٢ : ٤٥٦.

١٤٣

النجاسة مع اليبوسة في ميتة غير الآدمي.

[ المقام ] الثاني : في خلاف ابن إدريس وقد حكاه عنه جماعة منهم الفاضلان ، واستوفى الكلام فيه احتجاجا وردّا في المعتبر ، فقال أوّلا :

« إذا وقعت يد الميّت بعد برده وقبل تطهيره في مائع فإنّ ذلك المائع ينجس. ولو وقع ذلك المائع في آخر وجب الحكم بنجاسة الثاني ». ثمّ قال :

« وخبط بعض المتأخّرين فقال : إذا لاقى جسد الميّت إناء وجب غسله. ولو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع لأنّه لم يلاق جسد الميّت. وحمله على ذلك قياس. والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل ؛ لأنّ هذه نجاسات حكميّات وليست عينيّات. ولا خلاف بين الامّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات العينيّة وقد أجمعنا بغير خلاف بيننا : أنّ من غسّل ميّتا له أن يدخل المسجد ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك ، ولأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بلا خلاف. ومن جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتا. ولو كان ما لاقى الميّت نجسا لما كان الماء الذي يغتسل به طاهرا » (١).

ثمّ إنّ المحقّق أخذ في الجواب عن هذه الوجوه التي تمسّك بها ابن إدريس.

فأجاب عن الوجه الأوّل : بأنّه لا يصلح دليلا على دعواه ، بل يصلح جوابا لمن يستدلّ على نجاسة المائع الملاقي للإناء بالقياس على نجاسة الإناء الملاقي للميّت ، لكن لم يستدلّ بذلك أحد. بل نقول لما اجتمع الأصحاب على نجاسة الملاقي للميّت وأجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع ، لا بالقياس على نجاسة الملاقي

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٤٩ ، وراجع السرائر ١ : ١٦٣.

١٤٤

للميّت ، قال : فإذا ما ذكره لا يصلح دليلا ولا جوابا.

وأجاب عن الوجه الثاني : بأنّه دعوى عريّة من برهان. قال : ونحن نطالبك بتحقيق الإجماع على هذه الدعوى ، ونطالبك أين وجدتها؟ فإنّا لا نوافقك على ذلك بل نمنع الاستيطان كما يمنع من على جسده نجاسة. ويقبح إثبات الدعوى بالمجازفات.

وأجاب عن الوجه الثالث : بأنّا لا نسلّم كون الماء المستعمل في الكبرى طاهرا ولا نسلّم طهارة ماء المغتسل من ملامسة الميّت.

قال وتحقيق هذا : إنّ ملامس الميّت تنجس يده نجاسة عينيّة ويجب عليه الغسل وهو طهارة حكميّة فإن اغتسل قبل غسل يده نجس ذلك الماء بملاقاة يده التي لامس بها الميّت. أمّا لو غسل يده ثمّ اغتسل لم يحكم بنجاسة ذلك الماء. وكذا نقول في جميع الأغسال الحكميّة ؛ فإنّ ماء الغسل من الجنابة طاهر وإن كان الغسل يجب بخروج المنيّ وينجس موضع خروجه. ولو اغتسل قبل غسل موضع الجنابة كان ماء الغسل نجسا لملاقاة مخرج النجاسة إجماعا. وكذلك غسل الحيض يجب عند انقطاع الدم ، ويكون المخرج نجسا. فلو اغتسلت ولم تغسله كان ماء الغسل نجسا. وكذا جميع الأغسال. ثمّ قال :

فقد بان ضعف ما ذكره المتأخّر. اللهم إلّا أن يقول : إنّ الميّت ليس بنجس ، وإنّما يجب الغسل تعبّدا ، كما هو مذهب الشافعي.

لكنّ هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر ؛ فإنّه ذكر أنّه نجس بإجماع الفرقة. وقد سلّم هذا المتأخّر نجاسته ونجاسة ما يلاقي بدنه.

ولو قال : أنا اوجب غسل ما يلاقي بدنه ولا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي.

قلنا : فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة والطهارة به لو كان ماء. ثمّ يلزم أن يكون الماء الذي يغسل به الميّت طاهرا مطهّرا ، ويلزمك حينئذ أن يكون

١٤٥

ملاقاته مؤثّرة في الثوب مسّا وغسلا وغير مؤثّرة في الماء القليل وهو باطل (١).

هذا كلام المحقّق رحمه‌الله وكأنّه أراد من النجاسة التي ادّعي الإجماع على تنجيس المائع بوقوعها فيه ما يشمل المنجّس لينتظم الدليل مع الدعوى ، وإلّا فالإجماع على تأثير عين النجاسة لا يدلّ على تأثير المنجّس كما هو واضح.

وإذا ثبت انعقاد الإجماع على تأثير المنجّس مع الرطوبة كالنجاسة واندفع به قول ابن إدريس ، فكذا يندفع به قول العلّامة. وربّما نازعا في تحقّق هذا الإجماع.

مسألة [٣] :

إذا علم أنّ النجاسة لاقت شيئا طاهرا على الوجه الذي بيّنا كونه مؤثّرا حكم بنجاسته وهو طاهر. وإذا حصل الظنّ بالملاقاة ففي الحكم بالتنجيس أقوال :

ثالثها : أنّه إن استند إلى شهادة العدلين أو إخبار ذي اليد وإن لم يكن عدلا حكم به ، وإلّا فلا.

ورابعها : أنّه إن استند إلى سبب كقول العدل فهو كما لو علم ، وإن لم يستند إلى سبب كما في ثياب مدمني الخمر والقصّابين والصبيان وطين الشوارع والمقابر المنبوشة لم يحكم بالتنجيس.

والقولان الأوّلان لأبي الصلاح وابن البرّاج ، فإنّه يحكى عن أبي الصلاح القول بقيام الظنّ هنا مقام العلم مطلقا (٢) ويعزى إلى ابن البرّاج نفي تأثير الظنّ

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥١.

(٢) راجع مفتاح الكرامة ١ : ١٣٠.

١٤٦

مطلقا (١).

والثالث : قول جماعة من الأصحاب منهم العلّامة في المنتهى (٢).

والرابع : مختاره في موضع من التذكرة (٣). وقد مرّت حكاية هذا الخلاف في بحث الماء المشتبه مع ذكر حجج الأقوال الأربعة وبيان الراجح منها.

فرع :

قال العلّامة في المنتهى : ثوب الكافر طاهر ما لم تعلم مباشرته له برطوبة ؛ لأنّ الأصل طهارة الثوب ولم يحصل علم المباشرة برطوبة. قال : والأفضل اجتنابه (٤).

وقال في التذكرة : يجوز أن يصلّي في ثوب عمله المشرك إذا لم تعلم مباشرته له برطوبة. واحتجّ لذلك بالأصل وبعض الأخبار ثمّ قال : والشيخ منع في المبسوط من ذلك وهو حسن ؛ لغلبة الظنّ بالمباشرة بالرطوبة (٥). انتهى كلامه.

ولا يخفى عليك أنّ الحكم في هذا الفرع مبنيّ على الخلاف في المسألة ، فإن أجرينا الظنّ مجرى العلم ـ كما هو رأي أبي الصلاح ـ حكمنا بالنجاسة هنا للظنّ القويّ غالبا ، وإلّا فالحكم هو الطهارة إلى أن يحصل القطع بخلافها.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : « سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر : إني اعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر

__________________

(١) المهذّب ١ : ٣٠.

(٢) منتهى المطلب ١ : ٥٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٩٠.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٢٢٥.

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٨٧.

١٤٧

ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنّك إذا أعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن يصلّى فيه حتّى يستيقن أنّه نجس » (١).

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال. ألبسها ولا أغسلها واصلّي فيها؟ قال : نعم. قال معاوية : فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابريّ ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنّه عرف ما اريد فخرج فيها إلى الجمعة (٢).

وروى عدّة أحاديث تخالف بظاهرها هذين الخبرين.

منها ما رواه في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : « سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه ، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : لا يصلّي فيه حتى يغسله » (٣).

ومنها ما رواه في الصحيح أيضا عن عبد الله بن علي الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي؟ فقال : « يرشّ بالماء » (٤).

وحمل الشيخ في التهذيب الخبر الأوّل على الاستحباب وهو حسن. ومثله يقال في الثاني. ولم يتعرّض في الاستبصار لغير حديثي ابن سنان.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦١ ، الحديث ١٤٩٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦٢ ، الحديث ١٤٩٧.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦١ ، الحديث ١٤٩٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦٢ ، الحديث ١٤٩٨ ، وفيه : عبيد الله بن علي الحلبي.

١٤٨

وقال بعدهما : هذان الخبران راويهما عبد الله بن سنان ، والحكاية فيهما جميعا عن مسألة أبيه أبا عبد الله ولا يجوز أن يتناقض بأن يقول تارة صلّ فيه وتارة لا تصلّ فيه إلّا أن يكون قوله لا تصلّ فيه على وجه الكراهيّة دون الحظر (١).

[ فرع ] آخر :

قال بعض الأصحاب : لو وجد عدلان في ثوب الغير أو مائه نجاسة أمكن وجوب الإخبار ؛ لوجوب تجنّب النجاسة وهو متوقّف على الإخبار المذكور فيجب.

والعدم ؛ لأنّ وجوب التجنّب مع العلم ، لا بدونه ؛ لاستحالة تكليف الغافل.

قال : وأبعد منه ما لو كان عدلا. وأبعد منهما ما لو كان فاسقا.

ثمّ قال : ولا ريب أنّ الإخبار أولى.

وما ذكره في توجيه احتمال الوجوب ظاهر الضعف. ولا ريب أنّ العدم هو مقتضى الأصل ، فيجب التمسّك به إلى أن يدلّ دليل واضح على الوجوب. وقد روى الشيخان في الكافي والتهذيب بسند يعدّ من الصحيح عن محمّد ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلّي؟ قال : لا يؤذنه حتّى ينصرف (٢).

وهذا الحديث ربّما أشعر بعدم الوجوب.

مسألة [٤] :

وإذا علمت الملاقاة على الوجه المؤثّر واشتبه محلّها :

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٣٩٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦١ ، الحديث ١٤٩٣.

١٤٩

فإن كان موضع الاشتباه غير محصور لم يظهر للنجاسة أثر وبقي كلّ واحد من الأجزاء التي وقع فيها الاشتباه على أصل الطهارة لا نعرف في ذلك خلافا.

وإن كان محصورا فظاهر جماعة من الأصحاب أنّه لا خلاف حينئذ في وجوب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه ـ كما مرّ في اشتباه الإناء من الماء الطاهر بالنجس ـ ولم يذكروا على الحكم هنا حجّة.

وقد بيّنا في مسألة الإنائين (١) أنّ العمدة في الحكم بوجوب اجتنابهما على الإجماع المدّعى هناك ، وأنّ ما عداه من الوجوه التي احتجّوا بها معه ضعيفة مدخولة. ولعلّ اعتمادهم في الحكم هنا أيضا على الإجماع لا على تلك الوجوه.

ثمّ إنّه على تقدير وجوب الاجتناب هل يكون بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة فقط؟ بمعنى أنّه إذا كان ماء مثلا لم يجز استعماله في الطهارة وإن كان ترابا لم يسغ استعماله في التيمّم ولا السجود عليه ، ولو كان ثوبا لم يجز لبسه في حال الصلاة ، وهكذا إلى آخر ما يعتبر فيه الطهارة.

أو يكون وجوب الاجتناب عبارة عن صيرورته بمنزلة النجس في جميع الأحكام حتّى لو لاقى بجزء منه جسما طاهرا برطوبة تعدّى حكمه إليه كمعلوم النجاسة. بكلّ من الاحتمالين قائل.

فالأخير يظهر من كلام العلّامة في المنتهى حيث قال في مسألة اشتباه الإناء الطاهر بالنجس : لو استعمل أحد الإنائين وصلّى به لم تصحّ صلاته ووجب عليه غسل ما أصابه المشتبه بماء متيقّن الطهارة كالنجس.

ثمّ حكى عن بعض العامّة أنّه نفى وجوب الغسل منه ؛ معلّلا بأنّ المحلّ طاهر بيقين فلا يزول بالشكّ في النجاسة.

__________________

(١) راجع الصفحة : ٣٧٧.

١٥٠

وأجاب عنه : بأنّه لا فرق في المنع بين تيقّن (١) الطهارة وشكّها هنا ، وإن فرّق بينهما في غيره (٢).

وكلامه هذا وإن كان مفروضا في حكم الإنائين إلّا أنّ ظاهرهم عدم التفرقة في أصل الحكم بين وقوع الاشتباه في الماء وغيره.

وبالاحتمال الأوّل قطع الفاضل الشيخ علي. وجنح إليه والدي رحمه‌الله وهو الأظهر ؛ فإنّ يقين الطهارة في الجسم الملاقي لا يدفع بالاحتمال. وقصارى ما يلزم من ملاقاة المشتبه إذا لم تكن مستوعبة لجميعه هو احتمال عروض التنجيس. واندفاع الأصل بمثله يتوقّف على الدليل. وقيامه في نفس المشتبه على تقدير تسليمه لا يقتضي التعدية إلى المتنازع إلّا بالقياس.

وربّما قيل في الاحتجاج لمختار العلّامة هنا : أنّ المفروض كون الاشتباه موجبا للإلحاق بالنجس في الأحكام فملاقيه إمّا نجس أو مشتبه بالنجس وكلاهما موجب للاجتناب.

وفساده ظاهر فإنّ إيجاب الاشتباه للإلحاق بالنجس إن كان في جميع الأحكام فهو عين المتنازع وإن كان في الجملة فهو غير مجد.

وكون مطلق الاشتباه موجبا للاجتناب في حيّز المنع وإنّما الموجب لذلك على ما هو المفروض اشتباه خاص كما لا يخفى.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ جمعا من الأصحاب جعلوا المرجع في الحصر إلى ما يصدق عليه معناه في العرف إذا لم يثبت له حقيقة في غيره. ومثّلوا له في الأرض بالبيت والبيتين. ولغير المحصور فيها بالصحراء.

__________________

(١) في « أ » و « ب » : من يقين الطهارة.

(٢) منتهى المطلب ١ : ١٧٨.

١٥١

وذكر بعض المتأخّرين أنّه يمكن جعل المرجع في صدق الحصر وعدمه إلى حصول الحرج والضرر بالاجتناب وعدمه.

وهذا الكلام ناظر إلى ما يوجد في عبارات كثير من تعليل عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور بلزوم المشقّة والعسر. وليس بشي‌ء ؛ فإنّ الغرض من هذا التعليل على ما يظهر تقريب الحكم ، لا الاستدلال له ، إذ لا يعقل الاعتماد في مثل هذه التفرقة والبناء في تأسيس هذا الحكم على نحو هذه القاعدة كما هو واضح.

ولو قدّر بناء الحكم على ذلك لانهار من أصله ؛ إذ المشقّة قد تنتفي في كثير ممّا ليس بمحصور. وربّما وجدت في بعض أفراد المحصور. فأيّ معنى حينئذ لجعل الحصر مناطا للحكم؟ وقد كان الواجب على هذا أن يناط بعدم المشقّة ووجودها.

وبالجملة فالإشكال في التفرقة هنا بين ما يجب فيه الاجتناب وما لا يجب قويّ جدّا ، إذ ليس لها شاهد من جهة النص يقول في حكمها عليه وإنّما هي من عبارات الفقهاء ، والرجوع إلى القاعدة المقرّرة في الألفاظ التي لم يثبت لها حقيقة من جهة الشرع يتوقّف على وجدان غيرها ، ولا يكاد يظهر من اللغة ولا من العرف معنى مشخّص لهذا اللفظ يطابق ما هو غرضهم منه.

مع أنّ في كلامهم اختلافا في التمثيل للمحصور.

فالمحقّق والفاضل مثّلا له بالبيت وقد حكينا عن جماعة التمثيل بالبيت والبيتين. ومثّل بعض بالبيتين والثلاثة.

وربّما فسّر غير المحصور بما يعسر حصره وعدّه لكثرة آحاده. والظلام يلوح على الكلّ.

١٥٢

مسألة [٥] :

لا نعلم بين الأصحاب خلافا من سوى ابن الجنيد في وجوب إزالة النجاسات كلّها عن البدن للصلاة وإن لم يكن ما أصابه منها بالغا قدر الدرهم ، عدا الدم ؛ فإنّ فيه تفصيلا نذكره ، وكذلك الثوب الذي تتمّ فيه الصلاة إذا لم يمكن إبداله بطاهر.

ويدلّ على هذا الحكم عموم الأخبار المتضمّنة للأمر بالغسل من النجاسات من غير تفصيل فيها سوى الدم.

وقد تقدّم منها جملة في بيان أصناف النجاسات وسيأتي طرف منها في بحث الخلل الواقع في الصلاة إن شاء الله تعالى.

ولابن الجنيد هنا خلاف ضعيف لا يعرف له فيه من الأصحاب موافق ؛ وذلك أنّه قصر الحكم بوجوب إزالة النجاسات كلّها ـ عدا دم الحيض والمنيّ ـ على ما بلغ منها مقدار سعة الدرهم فصاعدا وسوّى في دم الحيض والمنيّ بين القليل والكثير.

قال في مختصره : كل نجاسة وقعت على ثوب فكانت عينها فيه مجتمعة أو متفشّية دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلّا أن تكون النجاسة دم حيض أو منيّا فإنّ قليلهما وكثيرهما سواء. وقد سبق نقل هذه العبارة في بيان نجاسة الدم.

وظاهرها طهارة الناقص عن الدرهم من النجاسات التي ذكرها. ولكنّ المعروف بين الأصحاب أنّ خلافه إنّما هو في العفو. فلعلّ في عبارته توسّعا.

١٥٣

وفي المعتبر عزى إليه القول بالعفو هنا وفاقا لما هو المعروف (١) ، وفي حكم الدم نسب إليه القول بطهارة القليل منه (٢). ولا يخلو من غرابة ؛ فإنّ عبارته التي حكيناها بمعنى واحد بالنظر إلى الجميع ، اللهم إلّا أن يكون ذلك في كتاب غير هذا.

ثمّ إنّ ابن الجنيد لم يتعرّض للاحتجاج على ما صار إليه بل اقتصر على العبارة المحكيّة.

وقد احتجّ له الفاضل في المختلف بالقياس على الدم.

وأجاب عنه : بأنّ نجاسة المذكورات أغلظ من نجاسة الدم فقياس حكمها على المنيّ أولى (٣).

مسألة [٦] :

والدم النجس على أقسام ثلاثة :

[ القسم ] الأوّل : ما يجب إزالة قليله وكثيره كسائر النجاسات وهو دم الحيض على المعروف بين الأصحاب بحيث لا يعلم فيه خلاف.

وربّما كان في عبارة المعتبر إشعار باتّفاق علمائنا عليه حيث أضاف القول به إلى الأصحاب (٤).

ثمّ قال : وروي ذلك عن أبي بصير. قال : « لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٧.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢١.

(٣) مختلف الشيعة ١ : ٤٧٦.

(٤) المعتبر ١ : ٤٢٨.

١٥٤

إلّا دم الحيض فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء » (١).

وأورد على الخبر أنّ الراوي له عن أبي بصير أبو سعيد وهو ضعيف. والفتوى موقوفة على أبي بصير. وليس قوله حجّة.

وأجاب بأنّ الحجّة عمل الأصحاب بمضمونه وقبولهم له. قال : فإنّ أبا جعفر ابن بابويه قاله ، والمرتضى والشيخان وأتباعهما.

ثمّ قال : ويؤيّد ذلك أنّ مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل الدم وكثيره ؛ عملا بالأحاديث الدالّة على إزالة الدم ، كقوله عليه‌السلام لأسماء : « حتيه ثمّ اقرصيه (٢) ثمّ اغسليه بالماء » (٣).

وما رواه سورة بن كليب عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الحائض : قال : « تغسل ما أصاب ثيابها من الدم » (٤).

وترك العمل بها في بعض الدماء لوجود المعارض لا يقتضي تركه فيما لا معارض فيه.

وفي ما ذكره أوّلا نظر لا يكاد يخفى وجهه على المتذكّر للقواعد التي أسلفناها في بحثي الإجماع والأخبار من مقدّمة الكتاب.

وأمّا قوله : « إنّ مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل الدم وكثيره .. » ، فموضع تأمّل ، إذ ليس فيما وصل إلينا ونقله الأصحاب في كتبهم من الأخبار المعتمدة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ ، الحديث ٣.

(٢) في « ب » : ثمّ اقرضيه. والحت : الفرك والحكّ والقشر ، والقرص : الغسل بأطراف الأصابع وقيل هو القلع بالظفر ونحوه. راجع المصباح المنير.

(٣) عن صحيح البخاري ١ : ٨٤ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤٠٦ « كتاب الصلاة ».

(٤) الكافي ٣ : ١٠٩ ، الحديث ١.

١٥٥

بحديث مطلق في إيجاب إزالة الدم بحيث يصلح لتناول القليل من دم الحيض. بل هي إمّا ظاهرة في الكثير أو مفروضة في غير دم الحيض. والرواية التي أشار إليها ـ أوّلا ـ لا نعرف لها إسنادا عندنا. وفي سند الثانية ضعف ؛ لعدم ثبوت عدالة راويها.

ويمكن التمسّك في هذا الحكم بالأخبار الدالّة على منافاة نجاسة ثوب المصلّي لصحّة صلاته ؛ فإنّ ذلك وارد في عدّة أحاديث معتبرة. ومن البيّن أنّ ملاقاة دم الحيض ـ وإن قلّ ـ مقتضية للتنجيس.

ويعضد هذا الاعتبار ظاهر قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) بملاحظة وجوب التأسّي ، على ما هو محقّق في الاصول.

ثمّ إنّ دليل العفو عن قليل الدم غير صالح لتناول دم الحيض كما سيأتي بيانه ، فلا مقتضي لخروجه عن عموم الحكم المستفاد من تلك الأخبار.

إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ المحقّق عزى إلى الشيخ إلحاق دم الاستحاضة والنفاس بدم الحيض في إيجاب إزالة القليل منه والكثير. ثمّ قال :

ولعلّه نظر إلى تغليظ نجاسته ؛ لأنّه يوجب الغسل. واختصاصه بهذه المزيّة يدلّ على قوّة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة » (٢). هذا كلامه ولا يخفى ما فيه.

وربّما زاد بعضهم في توجيه إلحاق النفاس أنّه دم حيض محتبس.

ويشكل بأنّ الحكم معلّق بعنوان دم الحيض وهو غير صادق على دم النفاس.

ويمكن الاحتجاج هنا بنحو ما قلناه في دم الحيض.

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٤.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢٩.

١٥٦

قال المحقّق : « وألحق بعض فقهاء قم منّا دم الكلب والخنزير ولم يعطنا العلّة ولعلّه نظر إلى ملاقاته جسدهما ونجاسة جسدهما غير معفوّ عنها » (١).

وهذه العلّة التي لحظها المحقّق متوجّهة.

وقد حكى العلّامة في المختلف عن القطب الراوندي وابن حمزة إلحاق دم الكلب والخنزير والكافر بالدماء الثلاثة. وعن ابن إدريس منعه ؛ مدّعيا أنّه خلاف إجماع الإماميّة.

ثمّ اختار العلّامة الإلحاق ووجّهه بأنّ المعفوّ عنه إنّما هو نجاسة الدم. والدم الخارج من الكلب والخنزير والكافر يلاقي أجسامها ، فتتضاعف نجاسته ، ويكتسب بملاقاته الأجسام النجسة نجاسة اخرى غير نجاسة الدم ، وتلك لم يعف عنها ، كما لو أصاب الدم المعفوّ عنه نجاسة غير الدم فإنّه يجب إزالته مطلقا.

قال : وابن إدريس لم يتفطّن لذلك فشنع على قطب الدين بغير الحق (٢).

قلت : العجب من غفلة ابن إدريس عن ملاحظة هذا الاعتبار الذي حرّره العلّامة ونبّه عليه المحقّق مع تنبّهه لمثله في ظاهر كلامه السابق في البحث عمّا نزح لموت الإنسان في البئر حيث فرّق في ذلك بين المسلم والكافر ، وأنكر عليه الجماعة فيه أشدّ الإنكار ونحن صوّبنا رأيه هناك وأوضحنا المقام بما لا مزيد عليه فكيف انعكست القضيّة هنا فصار هو إلى الإنكار ورجعوا هم إلى الاعتراف ، والمدرك في المقامين واحد؟

وربّما كان مراد ابن إدريس هناك خلاف ما أفهمه ظاهر كلامه الذي حكوه عنه.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٩.

(٢) مختلف الشيعة ١ : ٤٧٦.

١٥٧

وعلى كلّ حال فالحقّ أنّ الحيثيّة مرعيّة في جميع هذه المواضع والحكم منوط بها فالعفو الثابت في مسألتنا هذه على ما سيأتي بيانه متعلّق بنجاسة الدم من حيث هي ، فإذا انضمّ إليها حيثيّة اخرى كملاقاة جسم نجس كان لتلك الحيثيّة المنضمّة إليها حكم نفسها لو انفردت.

القسم الثاني : ما يعفى عن قليله وكثيره في الجملة وهو دم القروح والجروح. ولا يعرف في أصل العفو عن هذا الدم خلاف لأحد من الأصحاب.

والأخبار به كثيرة.

فمنها : ما رواه الشيخ عن محمّد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلّي؟ فقال : يصلّي وإن كانت الدماء تسيل » (١).

وعن ليث المرادي في الصحيح قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا ، وثيابه بمنزلة جلده؟ قال : يصلّي في ثيابه ولا شي‌ء عليه ولا يغسلها » (٢).

وفي الحسن عن ليث المرادي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وذكر نحو ما في الصحيح (٣).

ومنها ما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن طريف بن ناصح عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٦ ، الحديث ٧٤٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٨ ، الحديث ٧٥٠.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٣٤٩ ، الحديث ١٠٢٩.

١٥٨

ابن أبي عبد الله قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي؟ فقال : دعه فلا يضرّك أن لا تغسله » (١).

وعن أحمد بن محمّد عن موسى بن عمران عن محمّد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتّى يبرأ و (٢) ينقطع الدم (٣).

ومنها : ما رواه عن أبي بصير قال : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي فقال لي قائدي ، إنّ في ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما؟ قال : إنّ بي دما يسيل فلست أغسل ثوبي حتّى تبرأ (٤).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ كلام الأصحاب في حدّ العفو الذي حكموا به هنا مختلف. فمنهم من جعل الحدّ في ذلك البرء. ومنهم من جعله الانقطاع.

وهم بين مطلق له ومقيّد بكونه في زمان يتّسع لأداء الفريضة. فالإطلاق للعلّامة في بعض كتبه والشهيد فيما سوى الذكرى (٥). والتقييد للمحقّق في المعتبر والشهيد في الذكرى (٦). وناط العلّامة العفو في القواعد بحصول المشقّة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٩ ، الحديث ٧٥١.

(٢) في « ب » : حتّى يبرأ أو ينقطع الدم.

(٣) تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٩ ، الحديث ٧٥٢.

(٤) الكافي ٣ : ٥٨ ، الحديث ١.

(٥) إرشاد الأذهان ١ : ٢٣٩.

(٦) المعتبر ١ : ٤٢٩ ، وذكرى الشيعة : ١٦ ، ذيل البحث الثامن عشر.

١٥٩

بالإزالة (١).

وجمع في المنتهى والتحرير بينه وبين عدم وقوف جريانها فجعلهما المناط في العفو (٢).

وظاهره في النهاية اعتبار المشقّة وحدها كالقواعد (٣).

واستشكل وجوب إزالة البعض إذا لم يشقّ. وأوجب فيها وفي المنتهى إبدال الثوب مع الإمكان ؛ معلّلا بانتفاء المشقّة فينتفي الترخّص لانتفاء المعلول عند انتفاء علّته (٤).

وأنت خبير بأنّه مع وجوب إزالة البعض حيث لا يشقّ ووجوب إبدال الثوب إذا أمكن لا يبقى لهذا الدم خصوصيّة ؛ فإنّ إيجاب إزالة البعض مع عدم المشقّة يقتضي وجوب التحفّظ من كثرة التعدّي أيضا مع الإمكان كما لا يخفى.

واغتفار ما دون ذلك ثابت في مطلق الدم بل في مطلق النجاسات.

وظاهر جماعة من الأصحاب أنّ الخصوصيّة هنا ثابتة عند الكلّ وإن اختلفوا في مقدارها.

وذكر الفاضل الشيخ علي في بعض مصنّفاته : أنّ الشيخ نقل الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم ، بل تصلّي كيف كان وإن سال وتفاحش إلى أن تبرأ. قال : وهذا بخلاف المستحاضة والسلس والمبطون ؛

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٩٣.

(٢) منتهى المطلب ٣ : ٢٤٦ ، وتحرير الأحكام ١ : ٢٤.

(٣) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٦.

(٤) منتهى المطلب ٣ : ٢٤٨.

١٦٠