منع تدوين الحديث

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-635-4
الصفحات: ٧٩
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEmane-tadwin-alhadis.79imagesimage001.gif

١

٢

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEmane-tadwin-alhadis.79imagesimage002.gif

٣

٤

مقدمة الناشر

لسماحة السيّد الشهرستاني كتاب قيم بأسم ( منع تدوين الحديث ) وقد طبع عدة مرات كان أولها عام ١٤١٧ ه‍ وبعد أشهر اعادت مؤسسة الاعلمي في بيروت طبعه.

وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغات الحية كالانجليزية (١) والفرنسية والتركية والملايو التاجيك والاردو (٢) والفارسية (٣) من قبل المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام.

أن الدكتور محمد عمارة كان قد اقترح على مجمع البحوث الإسلامية بالازهر أن يتداول هذا الكتاب ، وفي يوم الثلاثاء ١٧ شوال ١٤٢٢ الاول من يناير ٢٠٠٢ م نشرت جريدة ( الجمهورية اولاين ) المصرية هذا الخبر :

قرر مجلس البحوث الإسلامية بالازهر في اجتماعه الاسبوع الماضي برئاسة الإمام الاكبر د.

_________________

(١) طبعته مؤسسة انصاريان في عام ٢٠٠٢ م.

(٢) هذه اللغات الخمسة بعضها قيد الترجمة والاخرى تحت الطبع.

(٣) طبع هذا الكتاب هذا العام.

٥

محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر رأي علماء الأزهر في مسألة تقريب العلوم بالجامعات ... ـ إلى ان قال ـ كما وافق المجمع على التقارير الثلاثة التي تقدم بها الدكتور محمد عمارة حول بعض الكتب : ... والموافقة على تداول كتاب منع تدوين الحديث للسيّد علي الشهرستاني.

وفي عام ١٤٢٣ ه‍ ـ ٢٠٠٢ م طبع الأستاد عاطف الجبالي مدير ( مركز الفجر للدراسات والبحوث / مصر ) خلاصة هذا الكتاب الذي اعدته وطبعته مركز الأبحاث العقائدية في قم للمرة الثانية ، وهذا الكراس المايل بين يديك هو عبارة عن محاضرة لسماحته عن أسباب منع تدوين الحديث في مركز البحوث العقائدية ليالي رمضان وطبعت ضمن سلسلة الندوات العقائدية.

وما بين يديك أخي العزيز هو ذاك الكراس وتلك المحاضرة مع شيء بسيط اخذناه من اصل كتابه لتعميم النفع والفائدة.

٦



السبب الأوّل :

ما نقل عن الخليفة أبي بكر

أما ما طرحه الخليفة الأول ، فيمكن أن ننتزعه من نصّين ذكرهما الذهبي في تذكرة الحفاظ :

أحدهما : عن عائشة أنها قالت : جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانت خمس مائة حديث ، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.

قالت : فغمني.

فقلت : أتتقلّب لشكوى أو لشيء بلغك ؟

فلمّا أصبح ، قال : أي بنية ، هلمي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها.

فقلت : لم أحرقتها ؟

قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن

٧

رجل قد ائتمنته ووثقت [ به ] ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك (١).

ثانيهما : وهو من مراسيل ابن أبي مُلكية وفيه : أن الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال : إنكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافاً ، فلا تحدثا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (٢).

ويمكننا فهم النص الأول من خلال طرح بعض الأسئلة ، وهي :

الأول : هل الخليفة جمع هذه الأحاديث في عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله أم من بعده ؟

الثاني : لماذا بات الخليفة ليلة جمعه للأحاديث يتقلب ، ألِعلة كان يشكو منها أم لشيء بلغه من أمر الحروب ؟!

الثالث : كيف ينقلب المؤتمن الثقة إلى غير مؤتمن وغير ثقة ؟!

الرابع : لماذا الإحراق ، وليس الاماتة والدفن ؟!

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ١ / ٥ ، الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٣٠ ، حجيّة السنة : ٣٩٤.

(٢) تذكرة الحفاظ ١ / ٣٢ ، حجيّة السنة : ٣٩٤.

٨

أما الجواب عن السؤال الأول

فأولاً : يمكن أن ننتزعه من جملة عائشة : ( جمع أبي الحديث عن رسول الله ) ، فهذه الجملة غير جملة : ( جمع أبي حديث رسول الله ) ، فلو كان الخليفة قد جمع أحاديث رسول الله على عهده لقالت عائشة : جمع أبي حديث رسول الله ، أو أملىٰ رسول الله على أبي الحديث فكتبه ، أو ما شابه ذلك.

وحيث رأيناها قد جاءت بكلمة ( عن ) و ( الحديث ) نفهم أن الجمع كان بعد حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وثانياً : لم نر اسم الخليفة ضمن من دوّن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو كان لذكره أصحاب السير والتاريخ ، فإنهم قد عدّوا رجالاً قد دوّنوا الحديث على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وعبدالله بن عمرو بن العاص وأبي بكر بن عمرو بن حزم وزيد بن ثابت وغيرهم ، فلو كان الخليفة منهم لعُدّ ضمنهم.

نعم جاء القول : أنّه كتب إلى بعض عمّاله فرائض الصدقة عن رسول الله.

٩

وهذا لا يثبت كونه من المدونين على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل كلّما في الأمر هو عبارة عن تدوين أمر الصدقة وجباية الأموال للولاة ، وهو مما يقوّم أمر الدولة ، ولا يمكن للخليفة أن يتناساه ، وهذا لا يثبت أنه كتبها عن كتاب له.

وثالثاً : لو كان الخليفة قد سمع هذه الأحاديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شفاها فكيف يبيح لنفسه حرقها أو التشكيك فيها لاحقاً ؟!

ورابعاً : نحن بقرينة صدر الخبر وذيله نفهم أن الأحاديث قد جمعت بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقول الخليفة في ذيل الخبر : ( ولم يكن كما حدثني ) ، فلو كان الخليفة قد جمع هذه الأحاديث على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما حق له أن يشك فيها ، لوجود المقوّم والمصحح بينهم ، بل كان على الخليفة أن يعرض المشكوك عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله للتثبت من النقل ، وحيث لم نره يفعل ذلك وبقاءه على حالة الشك حتىٰ الممات ، عرفنا عدم إمكانه التعرف علىٰ رسول الله للأخذ منه.

وخصوصا حينما نقف على أن هذا النص قد صدر عنه في أخريات حياته ، لقوله : ( خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها

١٠

أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقته ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذلك ).

وعليه ، فقد عرفنا أن الخليفة قد جمع الأحاديث بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي أواخر خلافته.

أما الجواب عن السؤال الثاني :

أن التقلب لم يكن لشكوىٰ أو شيء بلغ الخليفة عن أمر الغزوات والحروب ، بل لما وجده في تلك الصحيفة من روايات وأخبار ، لقول عائشة : ( فلما أصبح قال : أي بنية هلمّي الأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها ) ، وهذا المقطع يوضح لنا بأنّ نتيجة التقلب قد ظهر في الصباح وهو ما في الصحيفة من أخبار.

لأنا نعلم بأن الخليفة كان يعمل بالرأي ويفتي على طبقه وقد خالف بعض النصوص ، وقد رأينا الصحابة قد خطأوه في وقائع كثيرة ، فمما يحتمل في الأمر أن يكون الخليفة حين جمعه للأحاديث قد وقف على خطأه فيما أفتاه سابقا بالأرقام ، فحصلت في داخله هزة عنيفة لا يمكنه الاباحة بها ، لأن بقاء هذه الصحيفة بيد الصحابة والأجيال ستكون مدعاة للاختلاف لاحقاً.

١١

وانك قد وقفت في النص الثاني على منع الخليفة الصحابة من التحديث خوفاً من الاختلاف ، فكيف به لا يخاف من الأخذ بهذه الصحيفة وهي مدوّنة ومكتوبة بخطه ، فرأىٰ أن لا محيص من إحراقها تحاشياً من التمسك بها علىٰ خطأه ، فتراه يقول : ( فأكون قد نقلت ذلك ).

نعم بات الخليفة يعتقد بعدم جواز التحديث عن رسول الله دون فرق بين المحدث ، سواء كان مسموعاً عن رسول الله بواسطة أو بغير واسطة ، لأن التحديث سيعارض اجتهاده ، وهو ما ستعرفه لاحقاً ، فقال : ( لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً ).

أما الجواب عن السؤال الثالث :

كيف ينقلب المؤتمن الثقة إلى غير مؤتمن وثقة ؟!

وهل يصح طرح روايات مثل تلك بفرض احتمال الكذب عليه ؟!

ولو قبل الخليفة وثاقة الرجل لقوله : ( ائتمنته ووثقته ) ، فكيف يمكنه طرح كلامه بمجرد احتمال الكذب والسهو عليه ؟

إن اعتبار هذا الأصل في التشريع سيقضي على السنة النبوية قضاءاً تاماً ، لإمكان ورود مثل هذا الاحتمال في جميع الأخبار المعتمدة عند المسلمين.

١٢

ولا أدري هل خفي على الخليفة عمل رسول الله بأخبار الصحابة العدول في القضايا الخارجية وأمور الحرب ؟! وما مفهوم آية النبأ إلاّ دليل على أنّ المسلمين كانوا يعملون بخبر العدول ويتوقفون عند خبر الفساق ، بل إن السيرة العقلائية قاضية بالأخذ بخبر الثقة العدل ، ولا يسقط خبره بمجرد احتمال الكذب والسهو فيه.

ولو سلّمنا أن مجرد الشك والاحتمال يسقط الخبر من الحجية عند الشاك ، فلا نسلّم سقوط الخبر عند غير الشاك في تلك المرويات.

فكان على الخليفة اتخاذ عدة أمور :

إما أن ينقل المرويات ويشير إلى موارد شكه وأنّه في أي قسم يقع ، وللمخبر بالخبر أن يعمل به أو لا يعمل ، وفقاً لما يفرضه عليه الدين.

وإما أن يدعو الخليفة أعيان الصحابة ويستفتيهم في مسموعاته كي يعينوه على حذف المشكوك وإبقاء الصحيح السالم ، والصحابة لم يكونوا قد ذهبوا بعد في أقطار الأرض للغزو والفتح كما حدث في زمن عمر بن الخطاب ، وعليه فهذا التعليل لا يرضي الباحث الموضوعي.

١٣

أما الجواب على السؤال الرابع :

فيمكن أن نعرفه من نتيجة الأمر ، لأن الخليفة ـ وكما عرفت ـ كان يخاف أن تبقىٰ هذه الصحيفة بيد الصحابة لاحقاً ( فدعا بنار فحرقها ) ، لأن دفن الأوراق تحت الأرض لا يفيد ، لإمكان الحصول عليها لاحقاً ، ولاحتمال بقاءها سالمة بعد زمن تحت الأرض ، وهذا ما حصل بالفعل ، إذ يقف الأثريون ـ عادة ـ في حفرياتهم علىٰ أمثال ذلك.

ومثله الحال بالنسبة إلى عدم محوه بالماء ، لاحتمال أن يبقى فيه أثر من الكتابة ، وهذا ما لا يريده الخليفة ، فاتخذ أسلوب الحرق لكي لا تبقىٰ جذور لتلك المرويات عند المسلمين.

وبنظرنا أن الخليفة لم يبد الأحاديث الخمسمائة الموجودة عنده فحسب ، بل رسم منهجا يسير عليه الخلفاء وقسم من الصحابة من بعده ، إذ قال الزهري : ( كنّا نكره التدوين حتىٰ أكرهنا السلطان على ذلك ) (١) ، أي أن المنع والتدوين كلاهما كانا بيد السلطان ، فالشيخان

__________________

(١) سنن الدارمي ١ / ١١٠ ، وانظر : تقييد العلم : ١٠٧ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٣٨٩ ، البداية والنهاية ٩ / ٣٤١.

١٤

نهيا عنه فصار مكروهاً ، والخليفة عمر بن عبدالعزيز أمر به فصار محبذاً ، فترى الأمر يختلف عندهم بنسبة مائة وثمانين درجة من مكروه إلى محبذ لموقف السلطان !!

ونحن نترك النص الثاني دون أي شرح وتفسير ، لقلّة الوقت ، مكتفين بالتعليق على ما قاله الذهبي بعد أن أتىٰ بمرسلة ابن أبي مليكة ، فقال : ( إن مراد الصدّيق التثبت في الأخبار والتحرّي ، لا سد باب الرواية ) (١).

وهذا الكلام باطل ، لأنا نعلم أن منهج المتثبت والمحتاط هو الاصلاح والسعي إلى الأمثل ، لا الابادة والفناء ، والخليفة بعمله وضح أنه لا يريد التثبت والتحري ، لأن الذي يريد تعمير عجلة ما لا يحق له إبادتها بدعوىٰ إصلاحها ، فالاصلاح يبتني على تعمير العجلة وإعدادها للعمل مرّة أخرى ، لا إبادتها.

ومثله الحال بالنسبة إلى قرار الحاكم ، فلو قرر قاضي بتعزير شخص ما تاديباً له ، فهل يحق قتله بدعوى إصلاحه ؟! كلا والف كلا.

فموقف الخليفة يشابه هذين الأمرين ، لأنّه بفعله أكّد عدم إرادته

__________________

(١) راجع : تذكرة الحفاظ ١ / ٣٢.

١٥

التثبت والتحري ، فلو كان يثريد التثبت لا يجوز له إرشاد الناس إلى عدم التحدژث مطلقاً بقوله : ( لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً ) ، فمجيء النكره ( شيئاً ) بعد النهي ( لا تحدثوا ) تفهم أن الخليفة لا يريد التحدث بأي شيء عن رسول الله ، أي أنّه يريد الاكتفاء بالقرآن ، وهو ما صرح به بالفعل بقوله : ( بيننا وبينكم كتاب الله ).

ومثله الحال بالنسبة إلى موقفه من صحيفته ، فالحرق لا يتفق مع التثبت ، فلو كان يريد التثبت لأشار إلى ضوابط ومعايير علمية في التثبت ، أو لأحال الأمر على الصحابة الموجودين عنده للبت والتثبت فيما رواه ، أو لاتخذ ما اتخذه رسول الله مع الذين كانوا يتحدثون عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

_________________

(١) روى رافع بن خديج قال : مر علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما ونحن نتحدث ، فقال : ما تحدثون ؟

فقلنا : ما سمعنا منك يا رسول الله.

قال : تحدثوا ، وليتبوا مقعده من كذب عليّ من جهنم ! ومضى لحاجته ، وسكت القوم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما شأنهم لا يتحدثون ؟!

قالوا : الذي سمعناه منك يا رسول الله !

قال : إني لم أُردْ ذلك ، إنما أردت من تعمّد ذلك ، فتحدثنا.

قال : قلت : يا رسول الله ! إنا نسمع منك أشياء ، افنكتبها ؟

١٦

نعم إن الخليفة أراد الاكتفاء بالقرآن ، لقوله : ( بيننا وبينكم كتاب الله ) ، وهذا الموقف يشبه موقف عمر بن الخطاب بمحضر الرسول عند مرضه : ( حسبنا كتاب الله ) ، وهو من أقوال عائشة كذلك ، حيث ردّت بعض أحاديث رسول الله بقولها : ( حسبكم القرآن ).

وقد كان رسول الله قد نبأ في حديث الأريكة بمجيء من يجلس على أريكته يحدّث بحديث رسول الله فيقول : ( بيننا وبينكم كتاب الله ) (١) ، وقد انطبق هذا التنبأ بالفعل بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله على الخليفة الأول ، لقول ابن أبي مليكة في مرسلته : ( إن الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال ... فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه ).

إن تقارب هذين النصين ، أي قول رسول الله : ( يوشك ) والذي هو من أفعال المقاربة ، وحدوث ذلك بالفعل في أوائل خلافة أبي بكر ،

__________________

قال : اكتبوا ، ولا حرج.

( تقييد العلم : ٧٣ ).

(١) راجع : مسند أحمد ٤ / ١٣٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦ / ١٢ ، سنن أبي داود ٤ / ٢٠٠ / ٤٦٠٤ ، سنن البيهقي ٩ / ٣٣١ ، دلائل النبوة ١ / ٢٥ ، ٦ / ٥٤٩ ، الإحكام لابن حزم ٢ / ١٦١ ، الكفاية في علم الدراية : ٩.

١٧

لقول ابن أبي ملكية : ( جمع الصدّيق الناس بعد وفاة نبيهم ... ) ، يرشدنا إلى وجود سرّ في نقله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا الأمر ، وهو وكما قاله البيهقي في كتاب دلائل النـبوة : ( إنه من أعظم دلائل النبوة وأوضح اعلامها ).

نعم إن رسول الله لم يكن يرتضي هذا الاتجاه ، لقوله في بعض تلك الأخبار : ( لا اعرفن ) ، وفي أخرى : ( لا الفين ) ، ثم تعقيبه لها بالقول ، ( ألا واني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء ، أنّها لمثل القرآن) (١) ، وفي آخر ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله ) (٢) ، وفي ثالثة : ( ألا إن ما حرمته هو ما حرمه الله ) ، وغيرها.

وعليه ، فإن موقف الخليفة في التحديث والتدوين قد أحدث اتجاهاً وتياراً عند الصحابة ، فكان البعض لا يرتضي التحديث إلاّ عن القرآن ، والآخر يحدّث بالسنة.

فجاء عن عمران بن الحصين أنه كان يحدّث الناس عن رسول الله ، فقال له شخص : يا أبا نجيد ، حدّثنا بما قاله القرآن ، فأجابه ـ بشرح طويل ـ بأن ليس هناك حكم مفصل واحد في القرآن ، وأن

_________________

(١) الإحكام لابن حزم ١ / ١٥٩.

(٢) مسند أحمد ٤ / ١٣١ ، سنن أبي داود ٤ / ٤٦٠٤.

١٨

المكلف يحتاج ويفتقر إلى السنّة كي يعرف الحكم الشرعي ، إذ لاترى حكم المغرب ثلاثاً أو العصر أربعاً في القرآن ، بل إنّ السنة هي التي وضحت لك ذلك وأمثاله (١).

ومثل هذا ما قاله أمية بن عبدالله بن خالد لعبدالله بن عمر :

فقال : إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن ، فأجابه ابن عمر : يا ابن أخي إن الله بعث إلينا محمداً ولا نعلم شيئاً ، فانا نفل كما رأينا محمداً يفعل.

ثم امتد هذا الاتجاه من عصر الصحابة إلى عصر التابعين ، ثم عصر تابعي التابعين ، حتى ذكر الشافعي في كتاب الأمّ ، كتاب جماع العلم ، مذهب بعض العلماء في القرن الثاني الهجري بقوله : ( باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها ) ، حتى نرى اليوم مراكز تدعوا إلى الإكتفاء بالقرآن وترك السنة ، منهم منكروا السنة في باكستان ، فلقد كان ـ ولحد اليوم ـ لهؤلاء كتابات ومجلاّت وكتّاب ، منهم غلام أحمد پرويز وغيره (٢).

_________________

(١) المستدرك للحاكم ١ / ١٠٩ ، الكفاية للخطيب : ٤٨.

(٢) وعلّق السيد المحاضر هنا بقوله :

١٩

__________________

وقد ذهب إلى هذا الرأي كذلك بعض المشايخ في الأزهر والكتّاب في مصر ، كالشيخ محمد عبده ( حسب نقل الشيخ أبو ريه في الأضواء ) ، والشيخ محمد رشيد رضا كما في مجلة المنار العدد العاشر والسنة العاشرة ، وكان الدكتور توفيق صدقي قد كتب مقالاً في مجلة المنار بعنوان ( لإسلام هو القرآن وحده ) وقد طبع في العددين السابع والثاني عشر من السنة التاسعة ، وأضاف في التعليق : إن الخليفة ـ وكما عرفت ـ كان قد أرجع الناس إلى الأخذ بالقرآن الكريم ونهىٰ الناس من التحديث عن رسول الله ، ثم عاد ليستدل بحديث ـ نحن معاشر الأنبياء لا نورث ـ على عدم ملكية الزهراء لفدك ، لأن الزهراء كانت قد استدلّت عليه بعمومات القرآن في الميراث والوصية ، فالخليفة لما رأىٰ عدم قوام الحجة عنده بالقرآن استدل بالحديث المذكور ، أي أن الضرورة ألزمته الاستدلال بما هو منهي عنه.

فلو كان منهج الخليف هو التثبت في الأخبار ولزوم توثيق ما سمعه فلماذا لا يتثبت فيما نقله عن رسول الله ، وخبره : ( نحن معاشر الأنبياء ) من أخبار الآحاد ، ألم يحتمل الخطأ في نقله وفهمه ؟

٢٠