زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]
المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-022-7
الصفحات: ٦٤٨
على أنها غير قابلة للإعارة.
ولا يخفى أنّ تخصيص هذه العقود تحكّم ؛ وثبوت قيمة العوض في بعض موارد المعاوضة لا يقتضي فسادها ، بل يقتضي فساد العوض المعيّن خاصة.
قاعدة « ٥ »
ذهب الجمهور إلى أنّ المباح حسن ، وكذا المكروه ؛ بناء على أنّ الفعل الحسن ما للفاعل القادر عليه العالم بحاله أن يفعله ، والقبيح بخلافه ؛ أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح ، وإن لم ينهَ عنه فهو حسن ، سواء أمر به كالواجب والمندوب ، أم لا كالمباح (١).
وقال بعض المعتزلة : إنهما ليسا بحسن ولا قبيح ، وقال في تقسيم الفعل : إن اشتمل على صفة توجب الذم وهو الحرام فقبيح ، أو على صفة توجب المدح كالواجب والمندوب فحسن ، وما لم يشتمل على أحدهما كالمكروه والمباح فليس بحسن ولا قبيح (٢).
وأما المحسن فهو فاعل الإحسان ، وذهب بعضهم إلى أنه فاعل الحسن أيضا (٣). وفرّع عليه عدم ترتب الضمان على مثل قاطع يد الجاني قصاصا فمات ، لأنه محسن ، أي فاعل للحسن وهو المباح ، وقد قال تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٤).
__________________
(١) منهاج الأصول ( نهاية السؤل ) ١ : ٨٢ ، التمهيد للأسنوي : ٦١.
(٢) نقله في التمهيد : ٦٢.
(٣) التمهيد للأسنوي : ٦٢.
(٤) التوبة : ٩١.
وفيه نظر ، وإنما المتحقق منه فاعل الإحسان. يقال : أحسن يحسن فهو محسن ، وأما الحسن ففاعله حسن أيضا.
ويتفرع على ذلك رجوع المنفق على الحيوان من المستودع والمستأجر والمستعير والملتقط ونحوه ، حيث يتعذّر إذن المالك فيه والحاكم ، فإنه محسن على التقديرين ، لأن حفظ الحيوان بالنفقة إما واجب أو مندوب ، وكلاهما يوجب الإحسان ، وقد قال تعالى : ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) فيندرج في الآية كل ما قيل إنه محسن. والسبيل المنفي وقع نكرة في سياق النفي فيعم ، وعدم رجوعه بما غرم إثبات سبيل عليه.
وقد اختلف في رجوعه في موارد كثيرة ، والآية دليل المثبت.
وكذلك اختلف في قبول قول الوكيل في الرد ، ومقتضى الآية أنه إذا كان بغير جُعل يكون محسناً ، فيترتب عليه قبول قوله.
قاعدة « ٦ »
العبادة إن وقعت في وقتها المعيّن لها أولا شرعاً ولم تُسبق بأُخرى مشتملة على نوع من الخلل كانت أداء ، وإن سبقت بذلك كانت إعادة ، وإن وقعت بعد الوقت المذكور كانت قضاءً.
واحترزنا بقولنا في الأداء « أولا » عن قضاء رمضان ، فإنه موقت بما قبل الرمضان الّذي بعده ، ومع ذلك هو قضاء ، لأنه توقيت ثان ، لا أوّل.
واعتبر بعضهم في الأداء فعلها في الوقت مطلقا (١) ، وهو أجود.
__________________
(١) كالرازي في المحصول ١ : ٢٧.
وآخرون لم يعتبروا في الإعادة الفعل في الوقت (١). فعلى الأول بين المفهومات الثلاثة مباينة ، وعلى الثاني يكون الأداء أعم من الإعادة مطلقاً ، وهما مباينان للقضاء. وعلى الثالث يكون بينهما وبين كل منهما عموم من وجه ، لصدقها (٢) مع الأداء دون القضاء إذا فعلت في الوقت ، ومع القضاء دون الأداء إذا فعلت خارجه ، وصدق كل منهما بدونها إذا لم يكن مسبوقاً بإتيان آخر.
إذا علمت ذلك ؛ فمن فروع المسألة :
ما إذا أحرم بالحج ثم أفسده ، فإنّ المأتي به بعد ذلك يكون قضاءً ، لأنه ( بمجرّد إحرامه ) (٣) يضيّق عليه الإتيان به في ذلك العام اتفاقاً ، ولهذا لا يجوز له البقاء على إحرامه (٤) إلى عام آخر.
ويحتمل عدم وجوب نيّة القضاء هنا ، لأن المضايقة المذكورة ليست توقيتاً حقيقياً ، وإلا لزم كون النذر المطلق موقتاً إذا شرع فيه ثم أفسده على تقدير تحريم قطعه ، كالصلاة المنذورة (٥).
وهذا احتمال موجّه ، إلا أنّ الأصحاب وغيرهم أطلقوا على الحج المذكور القضاء ، وهو حقيقة في معناه الظاهر ، مع احتمال إرادة فعله مرّة أُخرى ، فإنه أحد معانيه لغةً ؛ ولعل هذا أجود.
ومنها : إذا أحرم بالصلاة في وقتها ؛ ثم أفسدها وأتى بها ثانياً في الوقت
__________________
(١) نهاية السؤل ١ : ١١٠.
(٢) أي : الإعادة.
(٣) ليس في « م ».
(٤) في « م » : إحرام.
(٥) في « م » : المندوبة.
؛ فإنها تكون قضاءً على ما ذكره بعض العلماء (١) ، لتعين الوقت لها بالشروع ، ومن ثم لم يجز الخروج منها. وقيل : تبقى أداء (٢) ، وهو الأقوى.
ومنها : ما لو ظنّ الناذر مطلقاً الوفاة قبل الفعل لو أخره عن الوقت المعيّن ، أو تعذّر فعله ، فإن الفعل يتعين عليه حينئذٍ في ذلك الوقت. فإذا كذب ظنّه ـ بأن عاش بعده أو لم يقع له عذر مانع ـ ولم يكن فَعَلَ المنذور ، ففي صيرورته حينئذٍ قضاءً ، بناء على فوات الوقت المعيّن المتعبّد فيه بظنّه ، أو يبقى أداء على أصله ، نظراً إلى خطأ ظنّه ، وجهان ، أجودهما الثاني.
ومنها : ما لو ظنّ طروء المانع قبل آخر وقت العبادة الموسعة ، فإن العبادة تتضيق عليه حينئذٍ ، ولا يجوز إخراجها عن الوقت الّذي ظن أنه لا يبقى بعده ، أو يطرأ فيه المانع من الفعل ؛ فلو أخّرها وأمكن الفعل ، فالوجهان. والأقوى بقاء الأداء وإن أثم بالتأخير.
ومن هذا الباب : ما لو ظنّت المرأة طروء الحيض عليها في أثناء الوقت من يوم معيّن ، فإنّ الفرض يتضيق عليها أيضا.
وكذا لو ظنّ صاحب السلس أو البطن وقوعه في بعض الوقت من غير انقطاع ، وانقطاعه في بعضه بحيث يسع الصلاة ، فإنه يتعبّد في جميع ذلك بظنّه ، ويجب عليه تحرّي الفترة.
مسألة :
الأمر بالأداء ، هل هو أمر بالقضاء على تقدير خروج الوقت؟ فيه مذهبان ، أصحّهما عند المحققين : أنه لا يكون أمراً به (٣).
__________________
(١) نقله عن القاضي الحسين والروياني في التمهيد : ٦٣ ، ونهاية السؤل ١ : ١١٦.
(٢) نقله عن أبي إسحاق الشيرازي في التمهيد : ٦٤.
(٣) كالرازي في المحصول ١ : ٣٢٤ ، والآمدي في الأحكام ٢ : ١٩٩.
ومن فروع المسألة :
ما لو قال لوكيله : أدِّ عني زكاة الفطرة ، فخرج الوقت ، هل له أن يخرجها بعده؟ يبنى على القولين.
ومنها : إذا نذر أُضحيّة ، ووكّل شخصاً في ذبحها وأدائها إلى الفقراء ؛ فخرج وقتها. وهي كالأول. والأولى بقاء (١) الوكالة ما لو خرج الوقت بعد ذبحها وقبل تفريقها.
ومنها : وإن لم يوصف بالأداء والقضاء ـ ما إذا قال : بع هذه السلعة في هذا الشهر ، فلم يتفق بيعها فيه ، فليس له بيعها بعد ذلك. ومثله العتق والطلاق. وربما احتمل الجواز ، بناء على القول السابق ، وهو ضعيف.
قاعدة « ٧ »
الرخصة لغةً : التسهيل في الأمر (٢) ، والعزيمة : القصد المؤكّد (٣).
وشرعاً الرخصة : هي الحكم الثابت على خلاف الدليل ، لعذر هو المشقة والحرج.
واحترز بالقيد الأخير عن التكاليف كلها ، فإنها أحكام ثابتة على خلاف الأصل ، ومع ذلك ليست برخصة مطلقاً ؛ لأنها لم تثبت كذلك لأجل المشقة.
إذا عرفت ذلك فالرخصة تنقسم أربعة أقسام :
الأول : أن تكون واجبةً ، كحل الميتة للمضطر. وربما قيل بجواز صبره إلى الموت ، وهو ضعيف. وكالتيمّم لفاقد الماء أو للخوف من استعماله ؛ و
__________________
(١) في « د » ، « ح » : وأولى ببقاء.
(٢) المصباح المنير : ٢٢٣ ، الصحاح ٣ : ١٠٤١. ( رخص )
(٣) معجم مقاييس اللغة ٤ : ٣٠٨. عزم )
إفطار المريض الّذي يتضرر بالصوم.
والثاني : أن تكون مندوبة ، كتقديم غسل الجمعة يوم الخميس لخائف عدم الماء ، وفعل المندوب للتقية ، حيث لا يتّجه بتركه ضرر.
والثالث : أن تكون مكروهة ، كالتقية في المستحب ، حيث لا ضرر عاجلاً ولا آجلاً ، ويُخاف منه الالتباس على عوام المذهب.
والرابع : أن تكون مباحة ، وهو ما رخّص فيه من المعاملات ، كبيع العرايا ، وقد وقع في بعض الأخبار التصريح بالرخصة فيها ، فقال : « ورخّص في العرايا » (١).
ومنه الاستجمار بالأحجار ونحوها ، لأنه أمر خارج عن إزالة النجاسة المعتادة ، ولكن اكتفى الشارع به تخفيفاً ، لعموم البلوى.
وقد يلحق هذا بالواجب العيني حيث يتعذر الماء ، أو التخييري عند وجوب الإزالة لواجبٍ يتوقف عليها.
ومنه إظهار كلمة الكفر عند الإكراه ، فإنه مباح على المشهور (٢) وإن أدّى تركه إلى القتل ؛ لما في قتله من إعزاز الإسلام ، وتوطيد عقائد العوام.
وربما قيل : بوجوبه حينئذٍ ، حفظاً للنفس عن التهلكة. وفيه منع التهلكة حينئذٍ.
وقد يقع الاشتباه في بعض الموارد ، كالقصر في السفر ، فإنّه عزيمة عندنا ، على ما صرّح به الأصحاب (٣) ، مع انطباق تعريف الرخصة عليه ، و
__________________
(١) الكافي ٥ : ٢٧٥ باب بيع الزرع الأخضر. حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣١١ ، الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب بيع الثمار باب ١٤.
(٢) تفسير التبيان ٦ : ٤٢٨ ، مجمع البيان ٣ : ٣٨٨ ، تفسير القرطبي ١٠ : ١٨٢.
(٣) الانتصار : ٥١ ، النهاية : ١٢٢ ، الخلاف ١ : ٥٦٩ ، الشرائع ١ : ١٠٣.
إيماء الآية الشريفة إليه (١).
واعتذر بعضهم عن ذلك : بأنّ الدليل لم يدل على وجوب الصوم سفراً ، لأنه مستثنى بالآية (٢) ، ولا على إتمام الصلاة مطلقاً ، لما روي من أنّ الصلاة وضعت ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأُقرّت في السفر (٣) ، فلم يكن السبب فيهما قائماً ، فلا يكونان رخصة حقيقة ؛ إلا أنّ المشروعية لما كانت ثابتة في الجملة أمكن إطلاق الرخصة على القصر مجازاً ، فكان التعبير بالعزيمة أولى ، حتى قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : لا يسمى فرض السفر قصراً ، لأن فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر (٤).
ورد بظاهر قوله تعالى ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (٥).
وأُجيب : بأن الآية مسوقة في الخوف ، وإن كان فيها ذكر الضرب ، بناء على الأغلبية ، والقصر في الخوف داخل في النصوص الموجبة للإتمام في الحضر ، فتكون صلاته مقصورة حقيقة ، وإن أطلق كثير من الأصحاب القصر على صلاة السفر مجازاً ، من حيث مشروعية صلاة الحضر فيه أيضا ، كما في كثير السفر.
__________________
(١) وهو قوله تعالى ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) الآية ، النساء : ١٠١.
(٢) وهو قوله تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ) البقرة : ١٨٥.
(٣) الكافي ٣ : ٢٧٣ حديث ٧ ، الفقيه ١ : ٤٥٤ حديث ١٣١٧ ، ١٣١٩ ، التهذيب ٢ : ١١٣ حديث ٤٢٤ العلل : ١١٥ ، المحاسن : ٣٢٧ ، الوسائل ٣ : ٦٥ أبواب أعداد الفرائض باب ٢٤ حديث ٦ ، ٧ ، ١٠.
(٤) الخلاف ١ : ٥٧١.
(٥) النساء : ١٠١.
قاعدة «٨»
إذا طلب الفعل الواجب من كل واحدٍ بخصوصه ، أو من واحد معيّن ـ كخصائص النبي صلىاللهعليهوآله فهو فرض العين.
وإن كان المقصود من الوجوب إنما هو إيقاع الفعل مع قطع النّظر عن الفاعل سمّي فرضاً على الكفاية.
ووجه التسمية بذلك : أنّ فعل البعض فيه يكفي في سقوط الإثم عن الباقين ، مع كونه واجباً على الجميع ؛ بخلاف فرض العين ، فإنه يجب إيقاعه من كل عين ـ أي ذات ـ أو من عين معيّنة.
وما ذكرناه من تعلّق فرض الكفاية بالجميع هو مختار جماعة من محققي الأصول (١).
وقال بعضهم : إنه يجب على طائفة غير معينة (٢).
وهذا التقسيم أيضا آت في السنة :
فسنة العين كثيرة ، كسنن الوضوء والصلاة والصوم وغيرها.
وسنة الكفاية ، كتسميت العاطس ، وابتداء السلام ، والأضحية في حق أهل البيت ، والأذان والإقامة للجماعة الواحدة.
ومن فروض الأعيان : الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج.
ومن فروض الكفاية : الجهاد ، ورد السلام ، وإقامة الحجج العلمية ، والأحكام الدينية ، والتفقه في الدين ، وحفظ القرآن ، وإغاثة المستغيثين في
__________________
(١) منهم صاحب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت١ : ٦٣ ، والآمدي في الإحكام ١ : ١١ ، والأسنوي في التمهيد : ٧٧ ، وابن الحاجب في المنتهى : ٢٤.
(٢) المحصول ١ : ٢٨٨ ، المعتمد ١ : ١٣٨ ، وحكاه عن المحصول في فواتح الرحموت١ : ٦٣.
النائبات ، وأحكام الموتى الواجبة ، وغيرها.
واختلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هل هما من الواجب العيني أو الكفائي؟ والأصح الثاني.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه فروع :
منها : تفضيل فرض الكفاية على فرض العين ، وقد ذهب إليه جماعة من المحققين ، استناداً إلى أن فاعله ساعٍ في صيانة الأمة كلها أو ما في حكمها عن المآثم (١) (٢) ، ولا شك في رجحان من ( حلّ محل ) (٣) المسلمين أجمعين ، بخلاف فرض العين ، فإن فاعله يخلّص نفسه خاصة.
ومنها : إذا صلى على الجنازة واحد مكلّف كفى وإن كان أُنثى ، وهل تشترط عدالته؟ فيه (٤) وجه : من حيث إنّ الفاسق لا يقبل خبره لو أخبر بإيقاع أفعالها التي لا تُعلم إلا من قِبَله ، لوجوب التثبّت عند خبره (٥).
ومن صحة صلاة الفاسق في نفسها معتضدة بأصالتها من المسلم (٦).
ولو كان طفلاً مميزاً ففي الاجتزاء به وجهان ، مبنيان على أنّ عبادته هل هي شرعية أم تمرينية؟
ولو صلى عليه أكثر من واحد دفعةً ، أو متعاقبين ، بحيث شرع المتأخر قبل فراغ الأول ، وقع الجميع فرضاً ، لأنه لم يسقط بالشروع سقوطاً مستقراً
__________________
(١) نقله عن إمام الحرمين واختاره في المجموع ١ : ٣٧ ، ٤٥.
(٢) في « م » : الإثم.
(٣) في « م » : خلص.
(٤) ليست في « م » ، وفي « د » : له.
(٥) هذه إشارة إلى مدلول قوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ).
(٦) أي : أصالة الصحة في أفعال المسلم.
على الأقوى ، وحينئذٍ فينوي كلّ الوجوب.
ولو صلى المتأخر بعد فراغ المتقدم جماعة أو فرادى أو بالتفريق قيل : وقع الجميع فرضاً أيضا كالسابق (١) ، لأن الفرض متعلق بالجميع ، وإنما سقط عن البعض بقيام البعض به تخفيفاً. و (٢) لما فيه من ترغيب المصلين ، لأن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل.
وقيل : تكون المتأخرة نفلاً (٣) ، لسقوط الفرض بالأولى ، ولا معنى للواجب إلا ما يأثم بتركه ، إما مطلقاً أو بغير بدل ، ولا إثم هنا على الباقين.
هذا إذا اعتبرنا نية الوجه ، وإلا سقط البحث ، واكتفى الثاني بنية القربة ؛ ويبقى جعله فرضاً أو نفلاً راجعاً إلى الله تعالى من جهة الإثابة عليه. وقد تظهر فائدته في النذر ونحوه.
ومنها : إذا سلّم شخص على جماعة ، فردّ أكثر من واحد ، فالتفصيل السابق بالتعاقب وعدمه آتٍ فيه.
ويزيد هنا : أنّ المسلّم عليه لو كان مصلياً وردّ غيره ، فإن قلنا بكون الجميع فرضاً جاز له الرد أيضا قطعاً ؛ وكذا إن قصد مع الرد قراءة القرآن مطلقاً أو جعلناه قرآناً.
ولو جعلناه سنة ، ولم يقصد القراءة ، ولم يجعل هذا المقدار قرآناً ، ففي جواز ردّه وجهان ، أجودهما الجواز ، لعموم الأدلة الدالة على الأمر بالردّ على كل من سلّم عليه ، الشامل لمن سقط عنه الفرض وغيره.
ووجه المنع سقوط الفرض ، وكون الرد من كلام الآدميين ، ليس بقرآن و
__________________
(١) المجموع ٥ : ٢١٣ ، ٢٤٥ ، فتح العزيز٥ : ١٩٢.
(٢) في « م » : أو.
(٣) بدائع الصنائع للكاساني ١ : ٣١١.
لا دعاء ، فيتناوله النهي. وضعفه واضح.
قاعدة « ٩ »
الوجوب : قد يتعلق بشيء معين ، كالصلاة ، والحج وغيره ، ويسمى واجباً معيناً.
وقد يتعلق بأحد أُمور معينة ، كخصال كفارة اليمين ، وكفارة رمضان على أحد القولين. فقيل : كل واحد من أفراده يوصف بالوجوب ، ولكن على التخيير ؛ بمعنى أنه لا يجب الإتيان بالجميع ، ولا يجوز تركه (١).
وقيل : الواجب مبهم عندنا ، معيّن عند الله تعالى ، إما بعد اختياره أو قبله ، فيتعين بأن يلهمه الله تعالى اختياره. وهذا قول مبهم القائل ، ينسبه كل من الأشاعرة والمعتزلة إلى صاحبه (٢).
والمختار الأول :
وتنقيحه : أن التعدد يرجع إلى محالّه (٣) ، لأن أحد الأشياء قدر مشترك بين الخصال ، لصدقه على كل واحد ، وهو واحد لا تعدّد فيه ، كما أنّ المتواطئ موضوع لمعنى واحد صادق على أفراده كالإنسان ، وليس موضوعاً لمعانٍ متعددة ، وإذا كان واحداً استحال فيه التخيير ، وإنما التخيير في الخصوصيات ، كالإعتاق والكسوة والإطعام. والّذي هو متعلق الوجوب لا تخيير فيه ، كما أنّ الّذي هو متعلق التخيير لا وجوب فيه.
__________________
(١) كما في المعتمد ١ : ٧٧ ، ونقله عن أبي علي وأبي هاشم في ص ٧٩.
(٢) حكاه في فواتح الرحموت١ : ٦٦ ، والتمهيد : ٧٩.
(٣) في « ح » : محالة. والمقصود بـ « محالّه » هي مواضعه ومصاديقه.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه فروع :
منها : ما إذا أوصى في الكفارة المخيّرة بخصلةٍ معيّنة ، وكانت قيمتها تزيد على قيمة الخصلتين الباقيتين ، فهل تعتبر من الأصل؟ وجهان :
أحدهما : نعم ، لأنه تأدية واجب مالي ، خصوصاً إذا قلنا : إن الواجب أحدها.
وأجودهما : اعتباره من الثلث ، لأنه غير متحتم ، وتحصل البراءة بدونه.
وعلى هذا فالمعتبر منه ما بين القيمتين ، لأن أقلهما لازم على كل حال.
ويحتمل ضعيفاً اعتبار جميع قيمة المخرج من الثلث ، فإن لم يف به عُدل إلى غيره ، لأنه فرد غير متعيّن للإخراج ، فكان كالتبرع.
ومنها : إذا أتى بالخصال معاً ، فإنه يثاب على كل واحد منها على ما ذكره جماعة (١) ، لكن ثواب الواجب أكثر من ثواب التطوّع ، ولا يحصل إلا على واحد فقط ، وهو أعلاها إن تفاوتت ، لأنه لو اقتصر عليه لحصل له ذلك ، فإضافة غيره إليه لا تنقضه ، وإن تساوت فعلى أحدها. ولو ترك الجميع عوقب على أقلها ، لأنه لو اقتصر عليه لأجزأه.
ومنها : ما لو كان بعض الأفراد داخلاً في البعض الآخر ، كمسح الرّأس في الوضوء ، حيث إنّ الواجب منه أمر كلي يحصل في ضمن المسح بإصبع وأزيد في محله ، فإن مسح جميع المقدّم أُثيب عليه ، سواء مسحه دفعة أو على التعاقب ، بناء على ما سلف من الإثابة على فعل جميع أفراد الواجب المخيّر ، أو بجعل المجموع فرداً واحداً كاملاً ، كما إذا مسح أزيد من المسمى.
ولكن هل يوصف المجموع بالوجوب (٢) فيثاب عليه ثواب الواجب ، أم يكون الواجب مسمّاه والباقي سنة؟ أوجه يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) نقله عن شرح المعالم لابن التلمساني في التمهيد : ٨١.
(٢) في « م » : بالواجب.
قاعدة «١٠»
يجوز عندنا تحريم واحد لا بعينه ، خلافاً للمعتزلة (١) ، كأن يقول الشارع : حرمت عليك أحد هذين الشيئين لا بعينه ، لا أُحرّم عليك واحداً معيناً ولا الجميع ولا أُبيحه. والكلام فيه كالكلام في الواجب المخيّر.
ومن فروع القاعدة :
ما إذا كان له أمتان ، وهما أُختان ، فإنه يجوز له وطء إحداهما ، ويحرم عليه وطؤهما معاً من غير تعيين ؛ ومتى وطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى يُخرج الأولى عن ملكه.
فإن أقدم ووطئها قبل ذلك ففيه قولان مشهوران :
أحدهما : تحرم الثانية دون الأولى (٢).
والثاني : أنه إن وطئ الثانية عالماً بالتحريم حرمت عليه الأولى أيضا إلى أن تموت الثانية ، أو يخرجها عن ملكه لا لغرض العود إلى الأولى ، فإن أخرجها لا لذلك حلّت الأولى ، وإن أخرجها ليرجع إلى الأولى فالتحريم باقٍ. وإن وطئ الثانية جاهلاً بالتحريم لم تحرم عليه الأولى (٣).
وهذا التفصيل مروي (٤) ولا حاجة بنا هنا إلى تحقيق الحال لحصول
__________________
(١) نقله عنهم الآمدي في الإحكام ١ : ١٥٧ ، والأسنوي في التمهيد : ٨١ ، وجوزه أبو الحسين من المعتزلة في المعتمد ١ : ١٦٩.
(٢) المبسوط ٤ : ٢٠٧ ، الشرائع ٢ : ٢٩٠.
(٣) كما في النهاية : ٤٥٥ ، والجامع للشرائع : ٤٣٠.
(٤) الكافي ٥ : ٣٤٣ حديث ١٤ ، التهذيب ٧ : ٢٩٠ حديث ١٢١٦ ـ ١٢٢١ ، الفقيه ٣ : ٤٤٨ حديث ٤٥٥١ ، الوسائل ١٤ : ٣٧٢ أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٢٩.
المطلوب من المثال على التقديرين.
ومنها : ما لو أعتق إحدى أمتيه لا بعينها ، وسوّغناه ، وجعلنا الوطء تعييناً (١) ، فيصدق عليه ما ذكرناه ، لأن كل واحدة منهما تحرم بوطء الأخرى ، وهو مخيّر في وطء من شاء منهما ، فيكون مخيّراً في تحريم من شاء.
ومنها : ما لو أسلم على خمس نسوة مثلاً ، وجعلنا الوطء تعييناً (٢) فإذا وطئ ثلاثاً منهنّ ، بقي الأمر في الرابعة والخامسة على ما ذكرناه في الأمتين.
ومنها : ما لو طلّق واحدة من زوجتيه لا بعينها ، وقلنا بوقوعه ، فإنه وإن حرم وطؤهما معاً قبل التعيين ، إلا أنه يمكن جعل الوطء تعييناً ، فيتخير في وطء أيتهما شاء ، فتحرم عليه الأخرى.
قاعدة « ١١ »
الواجب قسمان : مطلق ، وهو ما أوجبه الشارع من غير تعليق على أمر آخر ، كالصلاة. ومشروط ، وهو ما علّق وجوبه على حصول أمر آخر كالحج ، فإنه لم يوجب إلا على المستطيع إليه سبيلا. وسواء كان الشرط مقترناً به كالحج ، أو منفكاً عنه كالزكاة المشروطة بملك النصاب.
والثاني لا يجب على المكلّف تحصيل شرطه إجماعاً.
واختلف في وجوب ما يتوقف عليه الأول (٣) ـ وهو المعبّر عنه بمقدمة
__________________
(١) في « م » : معيناً.
(٢) في « م » « د » : معيناً.
(٣) أي : المطلق.
الواجب ـ على مذاهب ، أصحها : أنه يجب مطلقاً (١) ، ويعبَّر عنه الفقهاء بقولهم : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، سواء كان سبباً أم شرطاً.
وسواء كان ذلك السبب شرعياً كالصيغة بالنسبة إلى العتق الواجب ، أم عقلياً كالنظر المحصل للعلم الواجب ، أم عادياً كجز الرقبة في القتل ، إذا كان واجباً.
وهكذا الشرط أيضا ، فالشرعي كالوضوء ، والعقلي كترك أضداد المأمور به ، والعادي كغسل جزء من الرّأس في الوضوء للعلم بحصول غسل الوجه.
مثاله : إذا قال السيد لعبده : كن على السطح ، فلا يتأتى ذلك إلا بنصب السلم والصعود ، فالصعود سبب ، والنصب شرط.
والقول الثاني : أنه يكون أمراً بالسبب دون الشرط (٢).
والثالث : أنه لا يكون أمراً بواحد منهما (٣). وقيل في المسألة غير ذلك (٤).
إذا تقرر ذلك فيتخرج على القاعدة فروع :
منها : غسل جزء من الرّأس والرقبة ونحوهما لتيقن غسل الوجه ، وغسل جزء من العضد لتيقن غسل اليد ، ومسح جزء من الساق ، أو ما تجاوز الكعب لتيقن مسح ظاهر القدمين ، وغسل جزء من البدن لغسل
__________________
(١) كما في المستصفى١ : ٧١. وفواتح الرحموت١ : ٩٥ ، والمحصول ١ : ٢٨٩ ، ومعارج الأصول : ٧٣ ، وتهذيب الأصول : ٢٧.
(٢) كما في الذريعة ١ : ٨٣.
(٣) حكاه في فواتح الرحموت١ : ٩٥ ، ومنتهى الوصول : ٢٦.
(٤) منتهى الوصول لابن الحاجب : ٢٦ ، جعله أمراً بالشرط دون السبب واللازم ، وكذا في شرح مختصر المنتهى لعضد الدين ١ : ٢٤٤.
الرّأس والرقبة في الغسل ، وجزء من الجانب الأيمن وبالعكس لتيقن غسل كل منهما.
وأما العورتان فتابعتان للجانبين ، فيجب غسل جزء زائداً على نصف كل واحدة عند غسل جانبها ، أو غسلهما معاً معهما.
وجعلهما بعضهم عضواً مستقلاً ؛ وخيّر في غسلهما قبل الجانبين ، وبعدهما ، وبينهما وهو ضعيف.
ومثله القول في مسح التيمم ، فإن ذلك كله واجب لما ذكرناه.
ومنها : إذا اشتبهت زوجته بأجنبية ، فيجب عليه الكفّ عن الجميع.
ومثله ما لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات ، فليس له أن يتزوج واحدة منهنّ.
أو سقطت تمرة نجسة ونحوها بين تمر كثير منحصر عادة. أما لو لم ينحصر حلّ الجميع إلى أن يبقى منه ما ينحصر كذلك.
ومنها : إذا نسي صلاة من الخمس ، ولم يعرف عينها ، فيجب عليه صلاة الخمس ، أو ثلاث فرائض منها ، رباعية مطلقة إطلاقاً ثلاثياً إن كان حاضراً ، وصبح ومغرب ؛ أو فريضتين إحداهما مغرباً والأخرى ثنائية مطلقة [ إطلاقاً ] (١) رباعياً إن كان مسافراً. وكذا لو صلّاها ، لكن تيقن فساد طهارة منها.
ولو اشتبه الحضر والسفر كفت الثلاث ، مع إطلاق الثنائية بين الصبح وثنائيات المسافر.
ومنها : إذا اختلط ثوب نجس فصاعداً بثياب منحصرة طاهرة ، ولم يمكنه تحصيل ثوب طاهر يقيناً ، فإنه يصلي الواحدة متعدداً ، فيما يزيد عن عدد النجس بواحدٍ ، مع سعة الوقت.
__________________
(١) أضفناه لاقتضاء السياق.
ومنها : إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار ، فيجب غسل الجميع وتكفينهم والصلاة عليهم. ثم هو بالخيار إن شاء صلى على الجميع دفعة واحدة ، وينوي الصلاة على المسلمين منهم وإن شاء صلى على كل واحد ، وينوي : أصلي عليه إن كان مسلما.
هذا إذا تعذر الاطلاع على ذكره ، واختباره بكونه كميشا أم لا ، أو لم يعمل (١) بالرواية التي وردت بالرجوع إلى العلامة المذكورة (٢).
وربما قيل هنا بالقرعة ، لأنها لكل أمر مشتبه.
ومنها : إذا خرج منه شيء ، ولم يعلم هل هو مني أو بول ، مع تيقنه انحصاره فيهما فقيل : يجب العمل بموجبهما لتيقن البراءة ، فيغتسل ويتوضأ (٣).
وقيل : يتخيّر ، لأنه إذا أتى بموجب أحدهما ، شك في الآخر هل هو عليه أم لا ، فلا يجب (٤). والأظهر الأول ، فيكون من القاعدة.
ومنها : لو علم السهو وجهل متعلقة ، لكن علم انحصاره في موجب السجود خاصة أو التلافي ، أو في موجب الاحتياط أو التلافي ، أو في موجب السجود أو الاحتياط ، وجبا معا ، لما ذكرناه. أما لو دار بين ما يوجب شيئا وما لا يوجبه ، لم يجب ، لأصالة البراءة.
ومنها : إذا غصب لوحا ، وأدخله في سفينة له ، واشتبهت بغيرها من سفنه ، فإنه يلزمه نزع ألواح الجميع ؛ فلو كانت السفينة في اللجة ، وفيها
__________________
(١) في « م » : يعلم.
(٢) تهذيب الأحكام ٦ : ١٧٣ ، حديث ٦٣٦ الوسائل ١١ : ١١٢ أبواب جهاد العدو باب ٦٥ حديث ١.
(٣) حكاه الأسنوي في التمهيد : ٨٦.
(٤) التمهيد للأسنوي : ٨٦.
مال للغاصب فقط ولم يشتبه ، وكان نزعه يؤدي إلى غرق السفينة ، ففي النزع وجهان.
فإن قلنا به (١) ـ وهو الأقوى ـ فاختلطت التي فيها اللوح بسفن أخرى للغاصب أيضا ، بحيث لا يعرف ذلك اللوح إلا بنزع الجميع ، ففي نزعه وجهان. وأولى بعدمه هنا لو قيل به ثم (٢).
ولو كانت سفينة المغصوب منه تشرف على الغرق ، إذا لم يجعل فيها اللوح الّذي غصبه منها ، فالمتجه وجوب قلعه ، وإن منع منه ثم ، ترجيحا لحق المالك حيث تعارض غرق إحداهما.
ومنها : إذا نذر صوم بعض يوم ، فقد قيل : إنه يجب عليه صوم يوم كامل ، لأن صوم بعض اليوم ممكن بصيام باقية ، وقد التزم البعض ، فيلزمه الجميع ، بناء على هذه القاعدة (٣). وقيل : لا يلزمه شيء ، لأنه غير متعبد به شرعا (٤).
ولو قيل بأن مفهوم اللقب حجة ، فلا إشكال في الفساد ، لأنه حينئذ بمنزلة قوله : علي صوم النصف دون غيره ، والأظهر الفساد مطلقا.
ومنها : لو غصب صاعا من الحنطة مثلا ، وخلطه بآخر ، حيث لا يحكم بالانتقال إلى المثل ، فإنه يلزمه تسليم الصاعين إلى المغصوب منه لو طلبه ، لأن إعطاء المغصوب لا يمكن إلا بذلك ، ويصير حينئذ شريكا.
والقول بتنزيله منزلة التالف ، أو الفرق بين خلطه بالأجود وغيره ، خارج عن المبحث.
__________________
(١) أي بالنزع.
(٢) أي : لو قيل بعدم النزع في الصورة السابقة ، فالقول بعدم النزع في هذه الصورة أولى.
(٣) كتاب الفروع لابن مفلح ٦ : ٤٠٧ ، التمهيد للأسنوي : ٨٨.
(٤) تحرير الأحكام ٢ : ١٠٦ ، إيضاح الفوائد ٤ : ٦٢ ، نهاية المحتاج ٨ : ٢٢٧.
ومنها : ما إذا نذر الصلاة في وقت له فضيلة على غيره ، فإنه يتعين إيقاعها فيه ، أو مطلقا (١) فلو قال : لله علي أن أصلي ليلة القدر ركعتين مثلا تعينت ، ثم يبني بره (٢) في ليلة مخصوصة على ما يحكم به فيها ، فقد اختلف العلماء في تعيينها من الشهر والسنة اختلافا كثيرا ، وكذلك الروايات (٣).
فإن قيل بانحصارها في شهر رمضان ، وجب عليه الصلاة في كل ليلة منه ، أو في العشر الأخير منه فكذلك ، أو في ليالي الأفراد أو غيرها.
والقول بانحصارها في العشر الأخير قوي ، لاشتراك الأخبار الكثيرة فيه ، فيجب تكرارها في ليالي العشر.
وفي انحصارها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين رواية حسنة عن أبي عبد الله عليهالسلام (٤).
قاعدة « ١٢ »
الواجب إذا لم يكن معلقا بمقدار معين ، بل على اسم تفاوت بالقلة والكثرة ، كمسح مقدم الرّأس في الوضوء ، فزاد فيه على الاسم ، فهل يقع ذلك الزائد نفلا أم واجبا؟ فيه أقوال.
يفرق في ثالثها بين ما لو أوقعه دفعة ، وعلى التعاقب ؛ فيما يمكن
__________________
(١) أي : إذا نذر الصلاة في وقت وإن لم يكن له فضيلة ، فإنه يتعين إيقاعها فيه.
(٢) بر النذر : الوفاء به.
(٣) الكافي ٤ : ١٥٦ باب في ليلة القدر ، الوسائل ٧ : ٢٥٦ أبواب أحكام شهر رمضان باب ٣١ ، ٣٢.
(٤) الكافي ٤ : ١٥٦ حديث ١ الوسائل ٧ : ٢٥٨ أبواب أحكام شهر رمضان باب ٣٢ حديث ١.
فيه الأمران.
واستند الموجب إلى أن الواجب هو الماهية الكلية المتأدية في ضمن أفراد متعددة ، فأي فرد أوقعها في ضمنه كان واجبا ، زاد أم نقص ونافية ؛ إلى جواز ترك الزائد لا إلى بدل ، وهو آية عدم الوجوب.
وفيه منع كلية الكبرى المطوية إن أخذت كلية ، ومنع عدم البدلية هنا ، فإن المجموع الواقع كيف كان بدل عن الإفراد الناقصة وإن دخلت فيه ، لأن الكل مغاير لجزئه.
وقد وقع مثله في القصر والتمام حيث يتخير ، فإن الركعتين الأخيرتين يجوز تركهما في القصر ، مع أنه لو أتم كانتا واجبتين.
نعم يمكن أن يقال علي تقدير التعاقب : بأن الذّمّة قد برئت بفعل الجزء ، والأصل عدم وجوب الزائد ، وإن أمكن الحكم به (١) ، فإن مجرد الإمكان غير كاف ، وحينئذ فالتفصيل أجود.
ويتفرع على القاعدة مسائل :
منها : إذا مسح زيادة على الواجب ، أو زاد على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود ، أو على الأربع ، أو زاد في الحلق أو التقصير على مسماه ، أو في الهدي على واحد.
أما لو زاد في الكفارات والزكوات والنذور والديون ونحوها ، فالزائد ليس بواجب قطعا ، لأن لهذه قدرا مضبوطا محدودا شرعا بخلاف ما سبق.
وفائدة الخلاف تظهر في مواضع :
منها : الثواب ، فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب النفل ، لقوله صلىاللهعليهوآله حكاية عن الله تعالى : « وما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما
__________________
(١) أي : الحكم بوجوب الزائد.