تمهيد القواعد

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

تمهيد القواعد

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-022-7
الصفحات: ٦٤٨

يقال : جامع محرما أو صائما ونحو ذلك ، بخلاف العكس. وهكذا لو أتى بالحال جملة ، اسمية كانت أم فعلية في الأمرين.

قاعدة « ١٨٠ »

لا يكون الحال لغير الأقرب إلا لمانع ، كما قاله في التسهيل (١).

فإذا قلت مثلا : لقيت زيدا راكبا ، كان ذلك حالا من زيد ، بخلاف ما إذا قلت : لقيته راكبين ، فإنه يتعين كون الحال منهما ، لمانع وهو تعذّر اختصاصه بالراكب المثنى (٢).

ومن كلام العرب : لقيت زيدا مصعدا منحدرا. وقد اختلفوا فيه ، فالصحيح كما قاله في الارتشاف : أن الأول للثاني والثاني للأول ، لأن فيه اتصال أحد الحالين بصاحبه. وقيل بالعكس (٣) ؛ مراعاة لما سبق.

إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة :

ما إذا قال : إن كلمت زيدا في المسجد فأنت علي كظهر أمي ، فيشترط حصول المكلّم فيه دون المكلّم ـ بالكسر ـ وكذا : إن ضربت زيدا فيه ، اشترط حصول المضروب فيه دون الضارب ، حتى لو كلّمته أو رمته من خارج المسجد لم يقع.

ولو ادعى إرادة العكس أو إرادة الحال منهما فالظاهر القبول ، خصوصا

__________________

(١) التسهيل : ١٠٩.

(٢) كذا في « د » ، « م » ، وفي « ح » : التراكيب المثنى ، والمراد : تعذر اختصاص الأقرب بصفة الراكب المثنى أو التركيب المثنى.

(٣) شرح الكافية للرضي ١ : ٢٠٠.

٥٠١

مع قيام القرينة بصدقة ، كقوله : إن شتمته في المسجد مثلا ، حيث جعل الغرض الامتناع عما يهتك حرمة المسجد ، والهتك يحصل بذلك.

هذا إذا وقعت الحال بعد المفردات ، أما لو وقعت بعد الجمل ، فالمحققون (١) على أنها تعود إلى الجميع إلا مع القرينة ، كالاستثناء وغيره.

ومن فروعه :

ما إذا قال : وقفت على أولادي وأولاد أولادي محتاجين ـ بتنكير اللفظ حتى يكون حالا ـ فإن الاحتياج يكون شرطا في الجميع.

وعند بعضهم يعود إلى الأخيرة كالاستثناء (٢).

واستثنى بعضهم من ذلك ما لو قال : من يدخل الدار من عبيدي ويكلم فلانا وهو راكب فهو حر ، على وجه النذر ؛ فإن الجملة الدالة على الركوب حال من العبد المكلّم لا من فلان ، لأنه المحدث عنه بالأصالة.

قاعدة « ١٨١ »

يجوز إيقاع الجملة موقع الحال كقولك : جاء زيد وهو راكب ، عوضا عن قولك : راكبا ، وهو ظاهر.

إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه فروع كثيرة من الأيمان والنذور والتعليقات ، كقوله : والله لا آكل متكئا ، أو : وأنا متكئ ، أو نذر ذلك. أو قال : إن أكلت متكئة أو وأنت متكئة ، فأنت عليّ كظهر أمي ، ونحو ذلك.

وفرّق بعضهم (٣) ، بينهما فيما إذا قال : لله عليّ أن أعتكف ثلاثة أيام

__________________

(١) منهم البيضاوي والأسنوي في نهاية السؤل ٢ : ٤٣٠ ، والتمهيد : ٤٠٣.

(٢) المحصول ١ : ٤٢١.

(٣) تذكرة الفقهاء١ : ٢٨٧.

٥٠٢

ـ مثلا ـ صائما ، فإنه يلزمه بهذا النذر ثلاثة أشياء وهي الصوم والاعتكاف ، وكذا الجمع بينهما. بخلاف ما لو أتى بالجملة كقوله : وأنا صائم ، وما في معناه كقوله : وأنا فيه صائم ، فإن النذر المذكور لا يوجب صوما ، وإن وجب إيقاعه حالة الصوم ، فلو اعتكف في رمضان صائما أجزأه ، لأنه لم يلتزم الصوم ، وإنما نذر الاعتكاف بصفة ، وقد وجدت.

وفي الفرق نظر ، والمتجه عدمه ، وأن حكم الأول كالأخير.

ولو قال : أن أعتكف بصوم ، فحكمه حكم المفرد ، لأنه في موضع الصفة لمصدر محذوف تقديره : أعتكف اعتكافا بصوم ؛ أو متعلق بمفرد ، كما قاله ابن مالك (١) وجماعة (٢) ، وتقديره : كائنا بصوم.

__________________

(١) التسهيل : ١٤٣.

(٢) نقله عن سيبويه والأخفش في التسهيل : ١٤٣.

٥٠٣

الثالث : في العدد

قاعدة « ١٨٢ »

إذا ميّزت العدد المركب بمختلط كقولك : عندي ستة عشر عبدا وأمة ، أو درهما ودينارا ، كان المجموع ستة عشر فقط.

ثم إن كان العدد يقتضي التنصيف ـ كمثالنا ـ كان التمييز منصفا ؛ وإن كان لا يقتضيه ـ كخمسة عشر ـ كان تمييزه مجملا ، حتى يحتمل أن يكون العبيد أكثر وأقل. كذا جزم به في الارتشاف.

إذا علمت ذلك فلا يخفى ما يترتب عليه من الفروع في باب الإقرار والنذر واليمين والوكالة في البيع بذلك الثمن ونحوها. ولو قال : له عليّ اثنا عشر درهما ودانقا ، فإن ينصف ، فهما على التسوية كما مر ، فيلزمه سبعة دراهم. ويحتمل أن يلزمه درهم واحد ، ويجعل الباقي دوانق ، لأنه المتيقن ، والأصل براءة الذّمّة من الزائد.

وحكى بعضهم في المسألة وجها ثالثا ، وهو أنه يلزمه ثمانية دراهم إلا دانقا ، لجواز أن يريد اثني عشر من الدوانق والدراهم ، وغاية ما يطلق عليه اسم الدوانق خمسة ، لأن ما زاد عليه يسمى درهما ، فتجعل الدوانق خمسة

٥٠٤

والباقي وهو السبعة دراهم ، ومجموع ذلك ثمانية إلا سدسا ، كما ذكر. وهذا وجه لطيف متفرع على التصنيف مع زيادة نظر.

ولو رفع دانقا أو خفضه ، لزمه اثني عشر درهما بزيادة دانق ، وهو السدس ، لأن العطف يقتضي الزيادة.

ولو أتى بالدانق ساكنا من غير إلحاق الألف ، انحصر في الرفع والجر ، فيلزمه حكمهما. وفيه وجه أنه يجب معه الأقل ، لأنه المتيقن ، فيكون حكمه حكم المنصوب. ويضعف بأنه غير عربي صحيح ، إن لم يحتمل في حق المقر مثله. ولو قيل باختصاص لزوم ما فصّل بالعالم بالعربية والرجوع إلى تفسير غيره كان حسنا.

قاعدة « ١٨٣ »

إذا وقع المختلط تمييزا لعدد مضاف فله حالان :

أحدهما : أن يكون له تنصيف جمعي ، كقوله القائل : له عندي عشرة أعبد وإماء ، فلا بدّ في تفسيره من جمع لكل من النوعين ، وقال الفراء : لا يعطف المذكر على المؤنث ، ولا المؤنث على المذكر ، بل إن وقع ذلك كانا كاملين مستقلين حتى يلزمه في مثالنا عشرة أعبد وعشر إماء.

الثاني : أن لا يكون له تنصيف جمعي ، فيعطف على العدد لا المعدود ، ويصير المعطوف مجملا.

فإذا قال مثلا : له عليّ أربعة أعبد وإماء ، فيجب رفع الإماء حينئذ ، فيلزمه أربعة من العبيد وثلاث من الإماء ، لأنها أقل الجمع. ولو جرّ ففيه نظر ، من إمكان التجوّز وفساد التركيب.

إذا عرفت ذلك فالتفريع عليه لا يخفى.

٥٠٥

قاعدة «١٨٤»

أحد عشر إلى تسعة عشر يدل على العدد المعروف ، لكن هل يدل على جملة العدد بالمطابقة ، بحيث يكون الواحد والعشرة من أحد عشر مثلا كالاثنين والثلاثة في أنهما جزءان من المسمّى يدل اللفظ عليهما بالتضمن ؛ أم يدل على الواحد بالمطابقة وعلى العشرة أيضا بالمطابقة ، وأما على أجزاء العشرة فبالتضمن؟ مقتضى كلام النحويين (١) هو الثاني ، لأنهم نصوا على أن أحد عشر أصله واحد وعشر ، وأن الواو مقدّرة بعد التركيب ، وأنه بني لأجل ذلك (٢). وقولهم : إنهما جعلا بالتركيب اسما واحدا ، لا ينافيه ، لأن ذلك صحيح بالنسبة إلى اللفظ ، فإنهما لا يعربان ، حتى لو أضيف المركب يبقى البناء أيضا ، ويجوز إعراب العجز (٣) وحده في لغة. وكل هذا دليل على أنهما في اللفظ خاصة كالاسم الواحد.

إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه :

ما إذا قال : له عندي أحد عشر درهما. فإن هذا التمييز وهو الدرهم يعود إلى الأفراد كلها. ولو صرح بالعطف لكان فيه وجهان ، وإن كان الأصح عوده أيضا إلى الجميع.

وفرّع عليه العامة (٤) المجوزة لوقوع الطلقات ولاء : ما لو قال لزوجته قبل

__________________

(١) الهداية ( جامع المقدمات ) : ١٩٦.

(٢) الهداية ( جامع المقدمات ) : ١٩٦.

(٣) كذا في « د » ، وفي « م » ، « ح » : الفجر.

(٤) منهم الشافعي في الأم ٥ : ٢٦١ ، وابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ٨ : ٢٤٠ ، ٤٠٧ والرملي في نهاية المحتاج ٦ : ٤٦٢.

٥٠٦

الدخول : أنت طالق إحدى عشرة طلقة : فعلى الأول تقع ثلاث ، وهو الّذي جزم به الرافعي. وعلى الثاني تقع طلقة واحدة ، لأنها بانت بها ؛ فأشبه ما لو قال : إحدى وعشرين طلقة ، وفيه وجهان عندهم ، أصحهما وقوع الواحدة فقط.

واعلم أن تعليلهم السابق يشعر بأن التمييز يعود إلى المعطوف والمعطوف عليه ، فإذا قال : له عندي خمسة وعشرون درهما ، كان الجميع دراهم.

والأقوى أنّ الأمر كذلك ، لدلالة العرف عليه. ويحتمل عوده إلى الثاني وبقاء الأول على إبهامه حتى يميزه بما أراد.

وكذا لو ضم إلى ما ذكرناه لفظ « المائة » فقال : مائة وخمسة وعشرون درهما. أو ضمّ أيضا لفظ « الألف » إليه. وكذا لو قال ألف وثلاثة أثواب ، بخلاف ألف وثوب ، فإن الألف تقع مبهمة.

قاعدة « ١٨٥ »

إذا قلت : له عندي عشرة بين عبد وأمة ، كانت العبيد خمسا ، والإماء خمسا.

وإذا عطفت فقلت : أربعة وعشرين بين عبد وأمة ، فكذلك ، على ما دل عليه كلام النحاة (١). بخلاف ما إذا لم ينقسم ، كأحد وعشرين ، فيرجع إليه حينئذ في البيان.

ومقتضى المذهب وجوب التسوية حيث يمكن ، كما اقتضاه كلام النحاة. وقد نبّهوا عليه فيما لو قال : الدار التي في يدي بين زيد وعمرو (٢).

__________________

(١) الإتقان للسيوطي ٢ : ٢٢١ ، شرح المفصل لابن يعيش٢ : ١٢٨.

(٢) شرح المفصل ٢ : ١٢٨.

٥٠٧

الرابع : في العطف

قاعدة « ١٨٦ »

إذا قلت : قام زيد وعمرو ونحوه ، فالصحيح. أنّ العامل في الثاني هو العامل في الأول ، بواسطة الواو (١). وثاني الأقوال : أنّ العامل فعل آخر مقدر بعد الواو (٢). والثالث : أن الواو نفسها قامت مقام فعل آخر (٣).

إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة :

ما إذا حلف لا يأكل هذا الرغيف وهذا الرغيف ، فعلى الأول لا يحنث إلا بأكلهما جميعا ، كما لو عبّر بالرغيفين. وعلى القول بأنه مقدّر يكون كل منهما محلوفا عليه بانفراده ، فيحنث بأكل كل منهما. وكذا على الثالث.

ومنها : إذا قال : وقفت هذا على زيد وعمرو ثم على الفقراء ، فمات أحدهما. فإن قلنا إن العامل مقدر فهما جملتان ، إذ التقدير : وقفته على زيد و

__________________

(١) مختصر المعاني : ٨١ ، وحكاه عن سيبويه في شرح الكافية ١ : ٣٠٠ ، وشرح المفصل ٣ : ٨٩ ، ٧٥.

(٢) حكاه عن الفارسي في شرح الكافية ١ : ٣٠٠ ، وشرح المفصل ٨ : ٨٩.

(٣) نقله عن ابن سراج في شرح المفصل ٨ : ٨٩.

٥٠٨

وقفته أيضا على عمرو ، لكن ظاهره مستحيل ، فيكون المعنى : وقفت نصفه على زيد ثم على الفقراء ، ونصفه الآخر على عمرو ثم على الفقراء ، فإذا مات أحدهما صرف إلى الفقراء.

وإن قلنا ـ بالأصح ـ إن العامل هو الأول بواسطة الحرف ، فإذا مات أحدهما صرف إلى صاحبه ، لأنه جملة واحدة دالة على وقف واحد على متعدد ، ثم على الفقراء.

ومنها : هل يجب في التشهد إعادة « أشهد » في المرة الثانية ، فيقول : وأشهد أن محمدا رسول الله ، أو مع ما جامعه من النسب؟ فيه خلاف ، فعلى القول الأول يكون الإتيان به ثانيا تأكيدا واهتماما ، وحذفه مفوّت لذلك ؛ ويؤيده وروده في الخبر الصحيح (١). وعلى القول بالتقدير لا يجب ، لأن المعنى حينئذ لا يختلف بين تقديره والتصريح به. وهو مختار العلامة رحمه‌الله عليه (٢).

قاعدة « ١٨٧ »

إذا عطف على منفي بإعادة « لا » النافية كقولك : ما قام زيد ولا عمرو ، كان ذلك نفيا لكل واحد ، بخلاف ما إذا لم تكن معادة ، فإنه يكون نفيا للمجموع ، حتى يصدق ذلك بانتفاء قيام واحد. كذا جزم به في التسهيل وشرحه (٣).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ حديث ١٤١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ حديث ١٢٨٩ ، الوسائل ٤ : ٩٩٢ أبواب التشهد باب ٤ حديث ٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٤٣ ، قواعد الأحكام ١ : ٣٥.

(٣) التسهيل : ١٧٥.

٥٠٩

إذا علمت ذلك فمن فروعه :

ما إذا قال : والله لا أكلّم زيدا ولا عمرا ، فيحنث الحالف بكل واحد منهما ، ولا ينحل اليمين بأحدهما ، بخلاف ما إذا لم يكرر « لا » فإن ذلك يكون يمينا واحدة ، حتى ينعكس الحكم الّذي ذكرناه في الحنث بأحدهما. ويحتمل كون التصويرين يمينا واحدة ، ولا أثر لتكرار « لا ». وقس على ذلك نظائره.

قاعدة « ١٨٨ »

يغتفر في المعطوف ما لا يغتفر في المعطوف عليه.

ويعبر عنه أيضا بعبارة هي أعم مما ذكرناه ، فيقال : يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل.

وبيان ذلك بذكر مسألتين :

الأولى : اسم الفاعل المقرون بـ « أل » يجوز إضافته إلى ما فيه « أل » فتقول : جاء الضارب الرّجل بالكسر. ولا تجوز عند سيبويه (١) والجمهور (٢) إضافته إلى العاري عنها ، فلا يقال : جاء الضارب زيد بالكسر ، بل بالنصب.

فإن كان معطوفا على ما فيه « أل » كقولك : جاء الضارب الرّجل وزيد ، فقال سيبويه (٣) وغيره (٤) : يجوز جرّه ، لكونه في الثواني كما سبق. ومنعه المبرد (٥).

__________________

(١) الكتاب ١ : ١١٤.

(٢) شرح الكافية للرضي ١ : ٢٨١ ، شرح العوامل ( جامع المقدمات ) : ١٦٧.

(٣) الكتاب : ١١٤.

(٤) الكافية ( شرح الرضي ) ١ : ٢٨٤ ، التسهيل : ١٣٨.

(٥) نقله في حاشية المقتضب ٤ : ١٦٣.

٥١٠

الثانية : مجرور « ربّ » لا يكون إلا نكرة ، فلا يجوز أن يكون ضميرا ، لكونه معرفة. ويجوز أن يعطف على مجرورها مضاف إليه ، ومنه قولهم : ربّ شاة وسخلتها ، وربّ رجل وأبيه ، كذا قال الأخفش (١) وغيره (٢) واختاره أبو حيان ، وعلل بأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل.

وقيل : إنّ ضمير النكرة نكرة أيضا (٣) ، ونقل ذلك عن سيبويه (٤) وأشار إليه في التسهيل في الكلام على عدّ المعارف ، حيث عبّر بقوله : ثم ضميرا لغائب السالم عن إبهام (٥). وعلى هذا لا يتم ما ذكروه.

إذا عرفت ذلك فمن فروع القاعدة :

ما إذا وقف على أولاده ، فإن أولاد الأولاد لا يدخلون. فلو نصّ عليهم فقال : وعلى أولاد أولادي ، دخلوا وإن كانوا معدومين حال الوقف ، مع أنه لو وقف ابتداء على من يحدث له منهم لم يصح.

ومثله ما لو وقف على مدرسة أو مسجد سيبنيه لم يصح ، فإن قال : على هذه المدرسة أو المسجد وما سأبنيه منهما ، صحّ.

ومنها : إذا وكّله باستيفاء حقوقه وما يجب منها ، ونحو ذلك ، كالتوكيل في بيع ما هو في ملكه وما سيملكه ، وفي صحته وجهان. ولو وكّله في المتجدد ابتداء لم يصح.

وقريب منه ما لو وكّله في تزويج امرأة وطلاقها ، أو شراء عبد وعتقه ، أو استدانة دين وقضائه ، فإنه يصح. كما جزم به العلامة في التذكرة (٦) ، مع أنه لو

__________________

(١) التسهيل : ١٤٨.

(٢) مغني اللبيب ٢ : ٩٠٨ ، شرح الكافية للرضي ٢ : ٣٣٢.

(٣) القائل هو ابن عصفور والزمخشري ، نقله عنهما في شرح التصريح على التوضيح ٢ : ٤.

(٤) الكتاب ١ : ٢٤٨.

(٥) التسهيل : ٢١.

(٦) تذكرة الفقهاء٢ : ١١٧.

٥١١

وكّله فيما سيملكه ابتداء لم يصح ، ويقرب من ذلك ما لو وكّلته المرأة في العقد عليها بمهر معيّن وبراءة الزوج منه أو من بعضه.

ومنها : لو باعه حمل الدّابّة أو الجارية ابتداء لم يصح للجهالة ، ولو باعه الحامل والحمل صح واغتفرت الجهالة ، لأن المجهول تابع ، والمقصود بالذات معلوم. ومثله كل مجهول يضم إلى معلوم ، بحيث يكون تابعا له ، فإنه يصح ، بخلاف ما لو انفرد.

قاعدة « ١٨٩ »

إذا أمكن عود المعطوف إلى ما هو أقرب لم يعد إلى الأبعد ، لأن الأصل في التابع أن يلي المتبوع. ولو تعذّر عوده إليه ، صرف إلى ما قبله بغير فصل ، دون السابق ، وهكذا.

إذا تقرر ذلك فمن فروعه :

ما لو قال : له عليّ عشرة إلا ثلاثة وثلاثة ، فيعود المعطوف إلى المستثنى قبله ، فيبقى من العشرة أربعة. ولا تجعل الثلاثة الثانية معطوفة على العشرة ، ليكون المقرّ به ثلاثة عشر استثني منه ثلاثة ، كما لو قال : له سبعة وثلاثة.

ولبعض الفقهاء وجه ، أنه في نظائر ذلك يعود إلى المستثنى منه ، لأنه هو المقصود بالكلام ، والمستثنى فضلة ، فكان الأول أولى ، وهو نادر ضعيف.

قاعدة « ١٩٠ »

إذا حكم على العام بحكم ثم عطف عليه فرد من أفراده محكوما عليه بذلك الحكم ، لم يقتض ذلك العطف عدم دخول ذلك الفرد في العام ، كما

٥١٢

صرح به أبو علي الفارسي (١) ، وابن جني (٢) ؛ وذهب ابن مالك في باب العطف من التسهيل إلى اقتضائه عدم دخوله فيه ، وبنى عليه وجوب عطفه بالواو خاصة (٣). ومن مثله قوله تعالى ( مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) (٤). وقوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ) (٥).

إذا علمت ذلك فمن فروعه :

ما إذا قال : أوصيت لزيد وللفقراء بثلث مالي. وزيد فقير ، سواء وصفه بالفقر أم لا ، وسواء قدّمه على الفقراء أم أخره ؛ وفي مقدار استحقاقه أوجه :

أحدها : أنه كأحدهم ، فيجوز أن يعطى أقل ما يتموّل ، ولكن لا يجوز حرمانه.

والثاني : أنه يعطى سهما من سهام القسمة ، فإن قسّم المال على أربعة من الفقراء ، أعطي زيد الخمس ، أو على خمسة فالسدس ، وعلى هذا.

والثالث : أنّ له ربع الوصية والباقي للفقراء ، لأن الثلاثة أقل من يقع عليه اسم الفقراء.

والرابع : له النصف ولهم النصف.

والخامس : وهو أضعفها ، أن الوصية له باطلة ، لجهالة ما أضيف إليه.

والوجه الأول والثاني متفقان على دخوله ، والثالث والرابع على عدمه.

ولو وصف زيدا بغير صفة الجماعة فقال ، أعطوا ثلثي لزيد الكاتب وللفقراء ، قوي الوجه بالتنصيف.

__________________

(١) نقل عنه القول بالاقتضاء الزركشي في البرهان ، ٢ : ٤٦٧.

(٢) نقل عنه القول بالاقتضاء الزركشي في البرهان ٢ : ٤٦٧.

(٣) التسهيل : ١٧٨.

(٤) البقرة : ٩٨.

(٥) البقرة : ٢٣٨.

٥١٣

الخامس : في النعت

مقدمة :

النعت : تابع مشتق ، أو مؤوّل به ، يفيد تخصيص متبوعه ، أو توضيحه ، أو غيرهما.

ومن الأول قوله تعالى ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (١). ومن الثاني ( نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ) (٢) و ( عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) (٣) ( لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) (٤).

ومما خرج عنهما : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، فإن النعت في الأول للذم وفي الباقي للمدح.

إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور :

منها : الاختلاف في ملك العبد وعدمه ، من قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٥) فإن جعلناه للتوضيح دلّ على عدم ملكه مطلقا ، وإن

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) الحاقة : ١٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) النحل : ٥١.

(٥) النحل : ٧٥.

٥١٤

جعلناه للتخصيص فمفهومه الملك ، لأن التخصيص بالوصف يدلّ على نفيه عن غيره. والحق أنّ اشتراكه يمنع دلالته بمجرده.

ومنها : الاختلاف في اشتراط القبض في الرهن من قوله تعالى ( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) فإن جعلناه للتوضيح دلّ على اشتراطه ، أو التخصيص فلا ، بل يفيد حينئذ تخصيص الفرد من الرهان الّذي يحصل به التوثّق لصاحب الدين.

ويؤيده قرينة السياق ، حيث رتّبه على السفر وفقد الكاتب ، مع أنهما غير شرط فيه. والقول في دلالته كالأول.

ومنها : الاختلاف في العارية ، فإنها عندنا لا تضمن إلا بالشرط ، أو مع كون المستعار ذهبا أو فضة أو للرهن ، على ما فصّل (٢). وعند بعض العامة تضمن من غير شرط (٣). لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعار من صفوان بن أمية دروعا فقال له : أغصبا؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بل عارية مضمونة » (٤) فجعلوا الوصف للتوضيح. ويجوز عندنا كونه للتخصيص ، ويكون ذلك شرطا لضمانها.

ومنها : ما لو قال لوكيله : استوف ديني الّذي على فلان ، فمات ، استوفاه من وارثه ، لأن الصفة للتوضيح. وقال بعضهم بالمنع ، بناء على أنها للتخصيص. وهذا بخلاف ما لو قال : اقبض حقي من فلان ، لأن الجار يتعلق بالقبض لا بالحق ، ومن ابتدائية ، والقبض من وارثه ليس قبضا منه.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) شرائع الأحكام ٢ : ٤١٠.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٣٥٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٠ باب ضمان العارية والوديعة حديث ١٠ ، الفقيه ٣ : ٣٠٢ باب العارية حديث ٤٠٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٨٢ حديث ٨٠٢ ، ٨٠٣. الوسائل ١٣ : ٢٣٦ كتاب العارية باب ١ حديث ٤ ، ٥ ، الأم ٣ : ٢٤٥ ، مختصر سنن أبي داود ٥ : ١٩٨ حديث ٣٤١٨. باب تضمين العارية ، سنن البيهقي ٦ : ٨٩ باب العارية المضمونة.

٥١٥

بخلاف الأول ، فإن قبضه من الوارث قبض للحق الّذي على المورث. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة (١).

ومنها : لو قال لزوجته إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت عليّ كظهر أمي. فإن جعلنا الأجنبية للتوضيح ، وظاهر منها بعد تزويجها ، وقع الظهاران ؛ وإن جعلناها للتخصيص لم يقع ، لأن التزويج يخرجها عن كونها أجنبية ، وهو الّذي قوّاه الأصحاب (٢). هذا إذا لم يقصد أحدهما ، وإلا انصرف إلى ما قصده.

ومنها : لو حلف لا يكلم هذا الصبي ، فصار شيخا ، أو لا يأكل من لحم هذا الحمل ، فصار كبشا ، أو لا يركب دابة هذا العبد ، فعتق وملك دابة فركبها ؛ فعلى التوضيح يحنث ، وعلى التخصيص لا.

ويقرب منه ما يعبّر عنه الفقهاء باجتماع الإضافة والإشارة كقوله : لا كلمت هذا عبد زيد ، أو هذه زوجته ، فإن الإضافة في معنى الصفة ، فإن جعلناها للتوضيح فاليمين باقية وإن زال الملك والزوجية ، أو للتخصيص انحلت بزوالهما.

قاعدة « ١٩١ »

الفصل بين الصفة والموصوف يجوز بالمبتدإ ، كقوله تعالى ( أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) (٣). وبالخبر ، كقولك : زيد قائم العاقل.

وبجواب القسم ، كقوله تعالى ( قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ ) (٤).

__________________

(١) تقدم في ص ٤٢٣.

(٢) منهم الشيخ في المبسوط ٥ : ١٥٣.

(٣) إبراهيم : ١٠.

(٤) سبأ : ٣.

٥١٦

إذا تقرر ذلك فيتفرع عليه :

ما تقدم في باب الاستثناء ، وهو ما لو قال الزوج : كل امرأة لي غيرك أو سواك طالق ، ولم يكن له إلا المخاطبة ، فإنها لا تطلق. وكذا لو أخّر سوى ونحوها وفصل بالخبر ، وهي مسألتنا ، وقد تقدم (١).

ومثله لو قال المقرّ : كل دابة تحت يدي لفلان سوى هذه الفرس ، أو كل دار سوى هذه ، أو قال البائع أو المؤجر ذلك ؛ فإن الإقرار والبيع والإجارة لا يتناولها.

قاعدة « ١٩٢ »

إذا تعقّب النعت جملا متعددة ، ففي رجوعه إلى الجميع ، أو الأخيرة ، أو التوقف ، أو التفصيل بالإضراب عن الأولى فيعود إلى الأخيرة وعدمه فيعود إلى الجميع ، خلاف ، تقدّمت الإشارة إليه في القسم الأول ، وأن عوده إلى الجميع ما لم تقم قرينة على خلافه أظهر.

وتفصيل أبي الحسين يرجع إلى القرينة ، ولا نزاع فيه معها (٢).

إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه :

ما لو أوصى لأولاده وأولاد أولاده المحتاجين. أو قال لوكيله : فرّق هذا المال على القرّاء وطلبة العلم الصالحين أو العدول ، أو وقف على أولاده وأولاد أولاده المتصفين بطلب العلم مثلا ، ونحو ذلك. فعلى ما اخترناه يرجع الوصف إلى الجميع في هذه الفروض ، لعدم القرينة ؛ وإن فرضت اتبعت.

__________________

(١) تقدم في ص ٢٠٠ ، قاعدة ٧٠.

(٢) المعتمد لأبي الحسين ١ : ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٣٩.

٥١٧

ومن مشكل ما يتفرع عليه :

تحريم أمهات النساء عند عدم الدخول بالأزواج وعدمه. وتنقيح المبحث : إنه لا خلاف في اشتراط الدخول بالأم في تحريم الربيبة ، وإنما الخلاف في اشتراطه في تحريم أم الزوجة ؛ ومنشأ الاختلاف من قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (١).

فذكر جملتين ، إحداهما : أمهات النساء ، والثانية : الربائب ، ثم وصفهن بقوله ( مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) فإن جعلنا الوصف راجعا إلى الجملة الأخيرة مطلقا أو مع اشتباه الحال انحصر اشتراط الدخول في التحريم بالربائب ، وبقيت جملة ( أمهات ) عامة شاملة لأمهات المدخول بهنّ وغيرهن.

وإن قلنا بعوده إلى الجملتين ، فمنهم (٢) من إعادة إليهما هنا ، وجعل الدخول بالنساء شرطا في تحريم أمهاتهن وبناتهن ، إما من جهة مفهوم الوصف ، أو من قوله بعد ذلك ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٣) وإلى هذا القول ذهب ابن أبي عقيل من أصحابنا (٤). وهو أحد قولي الشافعي ، بناء على أصلهما من عود الصفة إلى الجميع.

ومنهم (٥) من منع من عوده هنا إلى الجملتين لعارض ، وإن عاد إليهما لولاه ، وهو في معنى القرينة الصارفة عنهما (٦) ؛ وذلك من جهة قوله

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) حكاه عن داود ومالك في التذكرة ٢ : ٦٣٠ ، وعن بشر المربسي ومحمد بن شجاع في شرح فتح القدير ٣ : ١١٩.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف ٢ : ٥٢٢.

(٥) نهاية المحتاج ٦ : ٢٧٥ ، تذكرة الفقهاء٢ : ٦٣٠.

(٦) الكشاف ١ : ٤٩٤.

٥١٨

تعالى ( مِنْ نِسائِكُمُ ) فإن الجار إن تعلق بنسائكم من قوله تعالى ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) كانت لبيان الجنس ، وتمييز المدخول به من النساء من غير المدخول به ، إذ لو جعلناها للابتداء لكان التقدير : أمهات نسائكم الكائنات من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فينقلب المعنى إلى اشتراط الدخول بأمهات النساء وهو فاسد الوضع. وإذا علق بربائبكم من قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) كانت « من » لابتداء الغاية ، كما تقول بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة ، وحينئذ فيمتنع تعلقه بهما معا ، حذرا من استعمال المشترك في معنييه دفعة ، وحينئذ فيتعين عوده إلى إحداهما ، ولا قائل بعوده إلى الأولى دون الأخيرة ، فيتعين الآخر ، ولأن عوده إلى الثانية اتفاقي بل منصوص ، وكذا حكمها ، بخلاف الأولى. وهذا هو الّذي تمسك به في الكشاف (١) على تعلق الجار بالثانية دون الأولى ، ثم جوّز جعل « من » لمجرد الاتصال ، على حد « من » في قوله تعالى ( الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) (٢) إذ النساء متصلات بالنساء ، لأنهن أمهاتهن ، كما أن الربائب متصلات بأمهاتهن لأنهن بناتهن.

واعلم أنّ ابن هشام نقل في المغني عن جماعة : أن سائر معاني « من » راجعة إلى الابتداء بعد أن جعله الغالب (٣). وعلى هذا فحملها على الابتداء ممكن ولو بتكلّف ، فيقوى الإشكال في دلالة الآية. وأما الأخبار فمتعارضة من الجانبين (٤). وكيف كان فالمذهب اختصاص الوصف هنا بالثانية. والله أعلم.

__________________

(١) الكشاف ١ : ٤٩٤.

(٢) التوبة : ٦٧.

(٣) مغني اللبيب ١ : ٤١٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٥٤ أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب ٢٠ حديث ١ ، ٢.

٥١٩

السادس التوكيد

قاعدة « ١٩٣ »

التوكيد : تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر.

وهو إما معنوي ، كقولك : جاء القوم كلهم أجمعون ، أو لفظي ؛ وهو ما وقع بإعادة اللفظ الأول بعينه ، كقولك : جاء القوم جاء القوم ، بالتكرار.

وقد اتفقوا على أن التأكيد خلاف الأصل ، لأن الأصل في وضع الكلام إنما هو إفهام السامع ما ليس عنده ، فإذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد تعيّن حمله على التأسيس.

وفروع القاعدة كثيرة ، وقد يقع النّظر في بعضها :

فمنها : إذا كرّر الظهار (١) كقوله : أنت عليّ كظهر أمي ، أنت عليّ كظهر أمي ، أو كرّر الطلاق على مذهب العامة (٢). وفي حمله على التأكيد أو التأسيس وجهان. وكذا القول لو كرّر الإيلاء.

ومقتضى القاعدة القطع بالتكرر مطلقا ، لكن الأصحاب في الإيلاء على

__________________

(١) في « د » ، « م » : المخبر ، وفي « ح » : المتجر.

(٢) المغني لابن قدامة ٨ : ٣٩٩.

٥٢٠