زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]
المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-022-7
الصفحات: ٦٤٨
لإفادة اللام الملك ، والمسلم لا يملكهما (١).
وفيه نظر ، لإمكان كونها للاختصاص ، أي مختصة به ، وغايتها أنها مشتركة ، فيلحق بالإقرار المجهول ، فيرجع في تفسيره إليه حيث يحتمله اللفظ ؛ ويمكن اختصاص المسلم بالخمر ، بأن يكون محرزا له لأجل التخليل ، وكذا الخنزير على بعض الوجوه.
والعلامة حكم في التذكرة (٢) بصحة التفسير بهما ، محتجا بأنه شيء مما عنده ، مع جزمه في القواعد بعدمه ، محتجا بلام الملك (٣). وما عللنا به أوضح ، خصوصا في الخمر.
ومنها : لو قال : له عليّ ألف من ثمن خمر أو خنزير ، أو ثمن مبيع هلك قبل قبضه ، أو ثمن مبيع فاسد ونحو ذلك لم يقبل ، لدلالة اللام على خلاف ما يدعيه أخيرا ، فيكون معقبا للإقرار بما ينافيه ، فلا يسمع المنافي.
ومنها : الخلاف الواقع بين العلماء في وجوب صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية ، أو جواز تخصيص بعضهم ، وسببه دعوى دلالة اللام ظاهرا على الملك الموجب للبسط عليهم على السوية ، والاستحقاق كذلك.
وفيه نظر ، لأن الحمل على الملك غير لازم ، والاستحقاق والاختصاص لا يفيدان المطلوب. ومن ثمّ ذهب أصحابنا وجماعة من غيرهم (٤) إلى أنّ
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٥ ، شرائع الإسلام ٣ : ٦٩٢.
(٢) التذكرة ٢ : ١٥٢.
(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٧٩.
(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ٢٤٥ ، والعلامة في تحرير الأحكام ١ : ٧٠ ، وابن قدامة في المغني ٢ : ٥٢٩ ، والزمخشري في الكشاف ٢ : ٢٨٢.
الآية لبيان المصرف ، بمعنى بيان أنّ الصدقة لا تخرج عنهم ، بقرينة سياق الآية من دفع عتب من عتب على النبي صلىاللهعليهوآله في شأنها ، ولمزه فيها (١). ولأن في الرقاب ليس فيه ما يقضي الملك ، ولا قائل بالفرق.
فائدة :
لام الجر أصلها الفتح ، وإنما كسرت مع الاسم الظاهر ، نحو لزيد ولعمرو ، مناسبة لعملها. ويدل عليه فتحها مع المضمر ، نحو لنا ولكم ولهم ، والإضمار يرد الشيء إلى أصله.
ويستثني من ذلك لام المستغاث المباشر لياء مفتوحة ، نحو : يا لله.
وأما قراءة بعضهم (٢) : الحمد لله ، بضم اللام ، فهو عارض للاتباع. ومع ياء المتكلم فمكسورة.
إذا تقرر ذلك فمن فروعه :
ما إذا ادعى عليه شيئا فقال : ماله عليّ حق ، فإن فتح كان منكرا ، وإن ضم وكان ممن يحسن العربية لزمه ، وإلا فلا.
ولكن هل يلزمه الحق المدعى أم مال في الجملة ، ويرجع في تفسيره إليه؟
قال بعضهم بالأول ، إما لأنه المحدّث عنه ، أو لأن المفرد المضاف يعم ، فلا أقل من أن يتناول المدعى.
ويحتمل الثاني ، لقيام الاحتمال ، واشتراك اللفظ ، وأصالة البراءة من الزائد عما يفسر به.
ومثله ما لو سمع منشدا لمال ضائع فقال له : مالك عندي ، فإنه يكون إقرارا بوصوله إليه. وأولى منه ما لو قال : في يدي أو في ذمتي ، ونحو ذلك.
__________________
(١) تفسير التبيان ٥ : ٢٤٢ ، تفسير الطبري ١٠ : ١٠٨ ، الكشاف ٢ : ٢٨١.
(٢) حكاها عن ابن أبي عبلة في مغني اللبيب ١ : ٢٧٤.
القسم الثاني : حروف العطف
قاعدة « ١٥٧ »
واو العطف : تفيد مطلق الجمع ، من غير ترتيب ، ولا معية ، وإن كثر فيها الترتيب.
وقيل عكسه (١).
ومما عطفت فيه الشيء على مصاحبه ( فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ ) (٢) وعلى سابقه ( أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ ) (٣) وعلى لاحقة ( كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ ) (٤).
وإذا قيل : قام زيد وعمرو ، احتمل الثلاثة.
ويجوز أن يكون بين متعاطفيها تقارب وتراخ كما في ( إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (٥).
__________________
(١) نقله عن ابن مالك وقطرب وربعي والفراء في مغني اللبيب ١ : ٤٦٣.
(٢) العنكبوت : ١٥.
(٣) الحديد : ٢٦.
(٤) الشورى : ٣.
(٥) القصص : ٧.
هذا هو المختار عند أكثر المحققين (١) بل ادّعي عليه الإجماع (٢).
وذهب بعض البصريين وجماعة من الكوفيين ، منهم الفراء ، ونقل عن الأخفش والكسائي وثعلب والربعي وابن درستويه (٣) ، وبعض الفقهاء أنها تفيد الترتيب (٤).
وقد تخرج عن إفادة مطلق الجمع ، وذلك على أوجه :
أحدها : بمعنى « أو » كقولنا : الكلمة اسم وفعل وحرف ، وهي التقسيمية. وبمعناها في الإباحة ، كـ : جالس الحسن وابن سيرين. وبمعناها في التخيير نحو :
وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكاء (٥)
الثاني : بمعنى باء الجر نحو : أنت تعلم ومالك ، أي بمالك.
والثالث : بمعنى لام التعليل مثل ( يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ ) (٦).
والرابع : بمعنى واو الاستئناف نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، فيمن رفع. والخامس : بمعنى واو المفعول معه ، كـ : سرت والنيل.
والسادس : واو القسم ، ولا تدخل إلا على مظهر ، ولا تتعلق إلا بمحذوف نحو ( وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (٧) ، فإن تلتها واو أخرى فالثانية للعطف ، وإلا لاحتاج كل إلى جواب نحو ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) (٨).
__________________
(١) منهم الآمدي في الإحكام ١ : ٩٦ ، والرازي في المحصول ١ : ١٦٠ ، شرح الكافية ٢ : ٣٣٦.
(٢) نقله عن السيرافي في المغني ١ : ٤٦٤ ، وعن الفارسي في التمهيد : ٢٠٩ ، والمحصول ١ : ١٦٠.
(٣) المغني لابن هشام ١ : ٤٦٤ ، التمهيد للأسنوي : ٢٠٩.
(٤) الناقل هو الماوردي في الحاوي كما في التمهيد : ٢٠٩.
(٥) قائله كثير عزة ، وهو في ديوانه ٢ : ٢٥١.
(٦) الأنعام : ٢٧.
(٧) يس : ٢.
(٨) التين : ١.
والسابع : واو ربّ ، ولا تدخل إلا على منكر.
والثامن : الزائدة ، مثل ( حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها ) (١).
والتاسع : واو الثمانية ، مثل ( سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) (٢).
والعاشر : واو الوقت ، وتقرب من واو الحال ، مثل : اعمل وأنت صحيح ، وواو الحال مثل : أتيته والشمس طالعة.
ذكر نحو ذلك في القاموس ، وزاد في معانيها إلى نحو من سبعة وعشرين معنى (٣) ، ذكرنا منها ما يناسب المقام. وأنكر في المغني واو الثمانية غاية الإنكار (٤).
ومعنى قولهم : الواو لمطلق الجمع : أنه يجمع بها بين أمرين في ثبوت ، نحو : ضرب زيد وأكرم عمرو ، وفي حكم ، نحو : ضرب زيد وعمرو ، وفي ذات ، نحو : ضرب وأكرم زيدا.
إذا علمت ذلك فالظاهر عند الإطلاق والتجرّد عن القرائن الدالة على أحدها حملها على الجمع مطلقا ، كما قررناه ، لمبادرة الذهن إليه عند إطلاق قولك : جاء زيد وعمرو ، وأكرمت خالدا وبكرا ، ونحو ذلك.
ويتفرّع عليه أمور :
منها : ما لو قال : بعتك الدار والثوب بكذا ، فإنه يحمل على بيع الاثنين معا ، دون أحدهما ، وغيره ، مما يحتمله اللفظ من معانيها ، ويوزع الثمن عليهما بنسبة القيمتين. وكذا لو قال : بعتك الدار بألف درهم ومائة دينار ، ونحو ذلك.
ومنها : لو قال : وكلتك في بيع الدار والثوب ، أو في شرائهما ، فيصح له
__________________
(١) الزمر : ٧٣.
(٢) الكهف : ٢٢.
(٣) القاموس المحيط ٤ : ٤١٦.
(٤) مغني اللبيب ١ : ٤٧٤.
بيع كل واحد منهما ، وبيعهما معا ، وشراؤهما كذلك ، على الجمع والتفريق ، مقدما لكل منهما.
ومنها : لو قال لزوجته : إن دخلت الدار وكلمت زيدا ، فأنت عليّ كظهر أمي ، فلا بدّ من اجتماع الشرطين ، ولا فرق بين أن يتقدم الكلام على الدخول ، أو يتأخر عنه. ويجيء على القول بإفادتها الترتيب اشتراط تقدّم المذكور أولا.
ومنها : إذا أوصى في مرض موته بعتق سالم وغانم ، وضاق الثلث عنهما ، فإن جعلنا الواو للترتيب ، فلا إشكال في تقديم الأول ، وإلا احتمل تساويهما ، فيعتق من كل منهما بحساب ما يخصّه من الثلث ، والأقوى تقديم الأول مطلقا.
ومنها : إذا قال لوكيله خذ مالي من زوجتي وطلّقها ، فعلى الترتيب لا بد من أخذ المال منها قبل الطلاق. وإلا فوجهان ، من عدم اقتضاء الصيغة ترتيبا ، ومن أنه هنا احتياط ، لاحتمال إنكارها بعد الطلاق ، والاحتياط في مال الموكّل واجب على الوكيل ، إذا لم يكن في لفظ الموكل ما ينفيه.
ولو قال : طلّقها وخذ مالي منها ، لم يشترط تقديم الأخذ ، مع احتماله للاحتياط ، وفي وجوبه مطلقا نظر. والعمل بمقتضى دلالة اللفظ حيث لا يدل العرف على خلافه قوي.
ومنها : لو قال : خذ هذا وديعة يوما ، وعارية يوما ، قيل : هو وديعة في اليوم الأول وعارية في اليوم الثاني ، ثم لا يعود وديعة أبدا ، لتعليق الوديعة في اليوم الثالث على شرط فتبطل.
بخلاف ما إذا قال : خذه وديعة يوما وغير وديعة يوما ، فإنه يكون وديعة أبدا ، كذا نقله العلامة في التذكرة عن الشافعية ، وحكم بموجبة (١). وتنزيله على القاعدة مشكل.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ١٩٩ ، وهو في التمهيد : ٢١١.
فائدة :
ذكر جماعة من النحاة منهم ابن مالك في شرح التسهيل في الكلام على تثنية المشترك وجمعه : أنّ واو العطف بمثابة ألف التثنية مع الاثنين ، وبمثابة واو الجمع مع الثلاثة فصاعدا ، حتى يكون قول القائل : قام الزيدان كقوله : قام زيد وزيد.
ويتفرع على ذلك أمور :
منها : ما لو قال : بعتك هذا وهذا بكذا ، فإنه لا فرق بينه وبين قولك : بعتك هذين بكذا. وكذا غيره من العقود ، كرهنتك ، أو أجّرتك ، أو أقرضتك هذا وهذا ؛ وكذلك الفسوخ.
ويشكل ذلك بما مر من وصية المريض بعتق سالم وغانم ، حيث حكموا بعتق الأول خاصة حيث يضيق الثلث عنهما ، بخلاف ما لو قال : أعتقوا هذين ، أو أعتقهما منجزا كذلك ، فإنه يقرع بينهما ، أو يتحرر من كل واحد جزء.
وكذا يشكل بما لو قال : أنت طالق وطالق وطالق ، فإنها تطلق واحدة عندنا (١) ، ويلغو الزائد ، ويقع الجميع عند العامة (٢) ؛ بخلاف ما لو قال : أنت طالقتان ، أو طوالق ، فإنه لا يقع عندنا ، لمخالفته الصيغة المنقولة شرعا (٣). وعندهم يقع واحدة خاصة (٤).
ومنها : لو قال : له علي درهم ودرهم ودرهم ، فيلزمه ثلاثة لما ذكر ، إلا أن يقول : أردت بالثالث تأكيد الثاني ، فيقبل ، ويلزمه درهمان. ولو قال : أردت بالثاني تأكيد الأول لم يقبل ، لأن التأكيد اللفظي يشترط فيه اتحاد اللفظ ،
__________________
(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٥ : ٥٨ ، مختلف الشيعة : ٥٨٦.
(٢) المبسوط للسرخسي ٦ : ١٣٣ ، المغني لابن قدامة ٨ : ٤٠١ ، شرح فتح القدير ٣ : ٣٩٢.
(٣) المختلف : ٥٨٦.
(٤) نهاية المحتاج ٦ : ٤٢٦ ، التمهيد للأسنوي : ٢١٣ ، ونقله عن القفال.
والثاني والثالث متفقان فيه ، بخلاف الأول.
ولو قال : له عليّ درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ، ففيه وجهان ، أحدهما : أنا نجمع هذا المفرق ويصح الاستثناء ، فكأنه قال : عليّ ثلاثة دراهم إلا درهما.
والثاني : أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة ، فيبطل الاستثناء. لكونه مستغرقا. وهذا مما تخالف فيه واو العطف ألف التثنية وواو الجمع ، فإنه لو قال : له درهمان إلا درهما ، صح قولا واحدا ، إلا عند من لا يجوّز استثناء المساوي والأكثر.
ويأتي الخلاف فيما إذا كان المستثنى منه مجموعا والاستثناء مفرغا ، كقوله : له عليّ ثلاثة إلا درهمان ودرهم. فإن جمعنا أبطلنا ، لصيرورته مستغرقا ؛ وإن لم نجمع صححنا الاستثناء في درهمين وأبطلناه في الثالث ، لحصول الاستغراق.
ومثله ما لو قال : له درهمان ودرهمان إلا درهمين ، أو ثلاثة ودرهمان إلا درهمين ، أو ثلاثة وثلاثة إلا ثلاثة ، ونحو ذلك ، وهذا كله يخالف القاعدة.
ومنها : لو قال : بعتك بدرهم ودرهم ، صحّ البيع بدرهمين ، لأنه في معناه ، كما لو قال بدرهم وثوب مخصوص ، ونحو ذلك.
ومنها : لو أكرهه على طلاق حفصة مثلا ، فقال لها ولعمرة : أنتما طالقتان ، فقيل : إنهما تطلّقان ، لأنه عدل عن المكره عليه ، فأشعر بالاختيار.
بخلاف ما لو قال : حفصة طالق وعمرة طالق ، فإن المكره عليها لا تطلّق ، وتطلّق الأخرى.
ويحتمل وقوع الطلاق بهما في الصورتين ، للعدول عن الوجه المكره عليه ، كما لو أكرهه على طلاق حفصة ، وطلّق عمرة ، فعلى الأول يخالف القاعدة ، وعلى الاحتمال لا.
فائدة :
الواو العاطفة يجوز حذفها إذا دلّ عليها دليل ، على ما ذكره جماعة (١) ، منهم الفارسي وابن عصفور وابن مالك. واستدلوا بقول العرب : أكلت لحما سمكا تمرا ، وخرّجوا عليه قوله تعالى في سورة الغاشية ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ) ثم قال ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ) (٢). أي ووجوه ، وذهب ابن جني والسهيلي إلى منع ذلك في غير الشعر (٣).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه :
ما إذا قال مثلا : بعتك عبدي سالما غانما بألف ، أو زوجتك بنت عمّي فلان بنت خالتي فلانة ، ونحو ذلك من العقود ، مريدا العطف ، فإنه يصح. ولو كان العقد مما يستقل به الشخص كالوقف والعتق والطلاق اتجه الرجوع إليه فيه.
قاعدة « ١٥٨ »
الفاء العاطفة تفيد ثلاثة أمور :
أحدها : الترتيب المعنوي ، كـ : قام زيد فعمرو ؛ أو الذكري ، فهو عطف مفصل على مجمل ، نحو ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ ) (٤) ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ) (٥) ( وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) (٦) ونحو : « توضأ فغسل وجهه
__________________
(١) نقله عن سعيد بن أوس الأنصاري والأخفش الأوسط في مغني اللبيب ٢ : ٨٣١.
(٢) الغاشية : ٢.
(٣) أمالي السهيلي : ١٠٣.
(٤) البقرة : ٣٦.
(٥) النساء : ١٥١.
(٦) هود : ٤٥.
ويديه ومسح رأسه ورجليه ».
وقال الفراء : لا تفيد الترتيب مطلقا (١). وهذا مع قوله السابق : إن الواو تفيد الترتيب ، غريب. واحتج بقوله تعالى ( أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ ) (٢).
وأجيب بأن المعنى : أردنا إهلاكها ، كقوله تعالى ( فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ ) ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (٣) أو أنها للترتيب الذكري (٤).
وقال الجرمي (٥) : لا تفيد الترتيب في البقاع ولا في الأمطار ، بدليل قوله : بين الدخول فحومل (٦).
وقولهم : مطرنا مكان كذا فمكان كذا ، وإن كان وقوع المطر فيهما في وقت واحد.
وثانيها : التعقيب ، وهو في كل شيء بحسبه ، فيقال : تزوّج فلان فولد له ، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن طالت ؛ ودخلت البصرة فبغداد ، إذا لم يقم في البصرة ، ولا بين البلدين.
ومنه قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ) (٧).
__________________
(١) معاني القرآن ١ : ٣٧١.
(٢) الأعراف : ٤.
(٣) النحل : ٩٨ ، المائدة : ٦.
(٤) نقل قول الفراء والجواب عنه في مغني اللبيب ١ : ٢١٤.
(٥) نقله عنه في مغني اللبيب ١ : ٢١٤.
(٦) جاء هذا في مطلع معلقة إمرئ القيس وتمامه « قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل بسقط اللوى. ». انظر ديوان إمرئ القيس : ١٤٣ ، وشرح الزوزني : ٧٩. وسقط اللوى والدخول وحومل أسماء مواضع.
(٧) الحج : ٦٣.
وقيل : الفاء هنا للسببية ، وهي لا تستلزم التعقيب ، بدليل صحة قولك : إن يسلم فهو يدخل الجنة ، مع ما بينهما من المهلة (١).
وقيل : تقع الفاء بمعنى « ثم » كما في قوله تعالى ( فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ) (٢) لتراخي ما بين معطوفاتها. وبمعنى الواو ، كقوله : بين الدخول فحومل (٣).
وثالثها : السببية ، وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة (٤). فالأوّل نحو ( فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) ( فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ) (٥). والثاني نحو ( لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ) (٦).
وقد تجيء في ذلك (٧) لمجرد الترتيب ، نحو ( فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ) ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ ) (٨).
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور :
منها : إذا قال : إن دخلت الدار فكلّمت زيدا فأنت عليّ كظهر أمي ، اشترط تقديم الدخول على الكلام. وفي اشتراط اقترانه بالكلام ، أم يكفي تراخيه ، وجهان مرتبان ، والأجود عدم اشتراطه.
ومنها : إذا قال : بعتك بدرهم فدرهم ، انعقد البيع بدرهمين ، كما لو
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٤١٢. ( الفاء )
(٢) المؤمنون : ١٤.
(٣) القاموس المحيط ٤ : ٤١٢. ( الفاء )
(٤) في « د » ، « م » : صلة.
(٥) القصص : ١٥ ، البقرة : ٣٧.
(٦) الواقعة : ٥٣ ـ ٥٥.
(٧) في « د » : وقد يجيء ذلك.
(٨) الذاريات : ٢٦ ، ق : ٢٢.
عطف بالواو. ويحتمل هنا عدم الانعقاد ، لاقتضاء الفاء كون السابق ثابتا قبل اللاحق ، والثمن يثبت جملة. ويضعف بالحمل على التعقيب الذكري خاصة.
ومنها لو قال : له عليّ درهم فدرهم ، فإنه يلزمه درهمان ، حملا على الغالب من العطف. ولو قال : أردت فدرهم لازم ، قبل بيمينه لو خالفه المقرّ له.
وقيل : يلزمه واحد مطلقا ، لأن احتمال إرادة ذلك يوجب سقوط الجزم بالإقرار بالدرهم الثاني ، إلا أن يصرّح بإرادة العطف المغاير ، والأول أقوى.
فائدة :
ظاهر كلام النحاة ـ وبه صرّح ابن مالك في التسهيل (١) وغيره (٢) ـ أن الفاء الداخلة على خبر المبتدأ كقولك : الّذي يأتيني فله درهم ، أو كل رجل يأتيني فله درهم ، وما أشبه ذلك مشعر باستحقاق ذلك بالإتيان ، بخلاف حذفها ، فإن الكلام حينئذ يدل على مجرد الإخبار من غير استناد إلى الإتيان ، وكذلك إذا وقعت بعد « من » شرطية كانت أم موصولة.
إذا علمت ذلك فيتفرع عليه :
عدم استحقاق الجعل في هذه الحالة ، إذا صدر ذلك من المالك بغير الفاء ، وكلام الأصحاب يشعر بذلك أيضا ، فإنهم ضبطوا الإيجاب بقولهم في الصيغة الدالة على الإذن في العمل بعوض يلتزمه. وقد ذكر أهل اللسان أن حذف حرف الفاء لا يدل على الالتزام ، ولما مثلوه قرنوه بالفاء ، فدل على ما قلناه.
ويحتمل الاجتزاء به ، خصوصا إذا دلّ العرف عليه ، لأن الجعالة من العقود الجائزة ، التي يكفي في ثبوتها ما دل من الألفاظ عليها عرفا ، وإن لم يكن على النهج العربي ، وهذا متجه.
__________________
(١) التسهيل : ٥١.
(٢) مغني اللبيب ١ : ٢١٩.
فائدة
فاء الجزاء كقولك : من يقم فإني أكرمه ، هل تدل على التعقيب ، كما تدل عليه لو كانت لمجرد العطف ، فيه مذهبان.
ومن فوائد الخلاف : استتابة المرتد ، فإنه صلىاللهعليهوآله قال : « من بدّل دينه فاقتلوه » (١). فإن جعلناها للتعقيب كانت دليلا على عدم الوجوب ، وإلا فلا ، وهذا الخلاف يجري بين العامة ، نظرا إلى مجرد الحديث ، وأما عندنا فالمروي استتابة الملّي دون الفطري (٢).
قاعدة « ١٥٩ »
« ثمّ » من حروف العطف ، ويجوز إبدال ثائها فاء ، كقولهم في جدث : جدف (٣) ، وأن تلحق آخرها تاء التأنيث ، متحركة تارة ، ساكنة أخرى. وهي تفيد الترتيب لكن بمهلة ، وقد تستعمل أيضا للترتيب بلا مهلة كالفاء. وقال الفراء والأخفش وقطرب : إنها لا تدل على الترتيب بالكلية (٤).
والحاصل أنها تقتضي على المشهور ثلاثة أمور : التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة. وفي كل منها خلاف.
فأما التشريك : فزعم الأخفش والكوفيون أنها تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة البتة ، وحملوا على ذلك قوله تعالى : ( حَتّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٧٤ باب لا يعذّب بعذاب الله ، سنن النسائي ٧ : ١٠٤ كتاب تحريم الدم ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨ باب المرتد حديث ٢٥٣٥.
(٢) الوسائل ١٨ : ٥٤٥ أبواب حد المرتد باب ١ حديث ٢ ، ٣ ، ٥.
(٣) لاحظ المصباح المنير : ٩٢ ، ( جدث ) وجعلها لغة نجد.
(٤) نقله في التمهيد : ٢١٦.
بِما رَحُبَتْ ـ إلى قوله ـ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ) (١). وأجيب بتخريجها على تقدير الجواب (٢).
وأما الترتيب : فخالف فيه من ذكر ، تمسكا بقوله تعالى ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها ) (٣) ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) ( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) (٤) ( ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ) (٥). وقول الشاعر :
إن من ساد ثم ساد أبوه |
|
ثم قد ساد قبل ذلك جده (٦) |
وأجيب عن الآية : بأنّ العطف على محذوف ، أي : من نفس واحدة ، أنشأها ثم جعل منها زوجها ، أو أن الذرية محمولة في ظهر آدم كالذر ، ثم خلقت حواء من قصيراه أو أن خلق حواء من آدم لما لم تجر العادة بمثله ، جيء بثم ، إيذانا بترتبه وتراخيه في الإعجاب ، وظهور القدرة ، لا لترتيب الزمان وتراخيه ؛ أو إنه لترتيب الإخبار كما يقول : أعجبني ما صنعت اليوم ، ثم ما صنعت أمس أعجب ، أي : أخبرك أنّ الّذي صنعت أمس أعجب.
والأجوبة السابقة أنفع من هذا ، لأنها تصحح ( الترتيب والمهلة ، وهذا يصحح ) (٧) الترتيب فقط ، إذ لا تراخي بين الإخبارين ، ولكن (٨) الجواب
__________________
(١) التوبة : ١١٨.
(٢) نقل زعم الأخفش والكوفيين والجواب عن حملهم في مغني اللبيب ١ : ١٥٨.
(٣) الزمر : ٦.
(٤) السجدة : ٧ ـ ٩.
(٥) الأنعام : ١٥٣.
(٦) البيت لأبي نواس « الحسن بن هاني » والموجود في ديوانه : ٤٩٣ :
قل لمن ساد ثم ساد أبوه |
|
قبله ثم قبل ذلك جده |
(٧) ما بين القوسين ليس في « م ».
(٨) في « م » : وكذا.
الأخير أعم ، لأنه يصح أن يجاب به عن الآية الأخيرة والبيت (١).
وأجيب عن الآية الثانية أيضا : بأن « سوّاه » عطف على الجملة الأولى لا الثانية. وعن البيت : بأن السؤدد ، قد يأتي للأعلى من الأدنى (٢) كما قيل :
وكم أب قد علا بابن ذرى حسب |
|
كما علت برسول الله عدنان (٣) |
وأما المهلة : فزعم الفراء أنها تتخلف ، للآية الأخيرة ، وقولهم : أعجبني إلى آخره (٤). وقد تقدمكم جوابه.
إذا عرفت ذلك فيتفرع عليه أمور :
منها : إذا قال لوكيله : بع هذا ثم هذا ، ونحو ذلك.
ومنها : في الوقف ، إذا قال : وقفت على زيد ثم عمرو ، أو قال : أوصيت إلى زيد ثم عمرو ، فلا بدّ من الترتيب.
وقياس كونها للانفصال : أن لا يصح تصرّف الوكيل والوصي متصلا بولاية الأول ، وأن يكون الوقف منقطعا في لحظة ، ويشكل على القول ببطلان المنقطع. والأولى حمل « ثم » هنا على معنى الفاء ، كما تقدم في عكسه (٥).
ومنها : لو قال لوكيله : طلّق زوجتي ثم خذ مالي منها ، وقد قال بعضهم هنا : إنه يجوز تقديم أخذ المال ، لأنه زيادة خير ، خلاف القاعدة (٦).
وفيه نظر ، لأنه ممنوع من القبض قبل ذلك ، وزيادة الخير إنما تسوغ للوكيل إذا لم يصرح الموكّل بخلافه ، كما لو قال : بعه بمائة ، ولا تبعه بزيادة
__________________
(١) مغني اللبيب ١ : ١٥٩.
(٢) نقله عن ابن عصفور في مغني اللبيب ١ : ١٦٠.
(٣) القائل هو ابن الرومي ، وهو علي بن العباس بن جريج (٢٨٣ ه ) شاعر كثير الهجاء والتشاؤم ، نقله في المغني ١ : ١٦٠.
(٤) نقله عنه في المغني ١ : ١٦٠.
(٥) ص ٤٥١ ، قاعدة ١٥٨.
(٦) نقله عن الرافعي في التمهيد : ٢١٧.
عليها ، فإنه لا يبيع بذلك ، وإن كان فيه زيادة خير.
نعم لو استفيد ذلك من القرائن العرفية أمكن الرجوع إليه لذلك ، لكنه بعيد.
ومنها : ما لو قال لعبده : إن صمت يوما ثم يوما آخر فأنت حر ، على جهة النذر ، فمقتضى القاعدة : أنه لا يكفي اليوم الّذي بعد الأول ، لأنه متصل به ، إذ الليل لا يقبل الصوم ، فلا بدّ من الفصل بيوم ، لتتميز « ثم » عن « الواو » ويحتمل الاكتفاء بذلك ، لصدق الانفصال في الجملة.
قاعدة « ١٦٠ »
« أو » حرف عطف ، ويقع لمعان :
منها : التخيير ، وهي الواقعة بعد الطلب ، وقبل ما يمتنع فيه الجمع ، نحو : تزوج هندا أو أختها ، وخذ من مالي درهما أو دينارا.
ومنها : الإباحة ، وهي الواقعة بعد الطلب ، وقبل ما يجوز فيه الجمع ، نحو : جالس العلماء أو الزهاد ، وتعلّم الفقه أو النحو.
وإذا دخلت « لا » الناهية امتنع فعل الجميع نحو ( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ) (١) إذ المعنى ، لا تفعل أحدهما. وكذا حكم النهي الداخل على التخيير ، كذا قاله في الارتشاف والمغني (٢). وقال ابن كيسان : لا يلزم ذلك ، بل يحتمل الجميع والبعض.
إذا علمت ذلك ، فمن فروعه :
ما إذا قال : والله لا أدخل هذه الدار أو هذه ، فأيتهما دخل حنث على
__________________
(١) الإنسان : ٢٤.
(٢) المغني ١ : ٨٨.
الأول ؛ بخلاف الداخلة بين إثباتين ، فإنها تقتضي ثبوت أحدهما ، حتى إذا قال : لأدخلن اليوم هذه الدار أو هذه ، فيبر بدخول إحداهما.
وعلى قول ابن كيسان إذا دخلت بين نفيين كفى للبرّ أن لا يدخل واحدة ، ولا يضر دخول الأخرى ، كما تكفي الواحدة في ظرف الإثبات.
وعلى الأول لو دخلهما هل تلزمه كفارة أو كفارتان؟ المتجه الأول ، لأنها يمين واحدة ، كما لو قال : والله لا أدخل (١) كل واحدة منهما ، وينحلّ اليمين بالدخول الأول. ومثله ما لو حلف لا يطأ واحدة منهما ، أو لا يأكل لحما أو خبزا ونحو ذلك.
هذا كله إذا لم يقصد أحد الأمرين ، وإلا تعين ما قصده.
ومنها : ما لو قال : بع هذا أو هذا ، ثم نهى عنه باللفظ المذكور ، أو أبحت لك هذا أو هذا فخذ أيهما شئت ، ثم نهى عنه بهذه الصيغة ؛ أو قال لعبده : خط هذا القميص أو ذاك ، ثم قال : لا تخط ذا أو ذاك ، أو أمر الخياط كذلك ثم نهاه. فيبني استحقاقه الأجرة على ما فعل وعدمه على القولين.
ومن فروع التخيير فيما يمتنع فيه الجمع : إيتاء الكفارة والفدية ، فإنه يمتنع الجمع بين الخصال الثلاث ، وبين الصيام والصدقة والنسك على وجه الكفارة والفدية (٢). وإن أمكن الجمع بينها قربة مستقلة ، فلو نوى بالثانية الكفارة أو الفدية لم يجز.
ومن معاني « أو » الجمع المطلق كالواو ، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي (٣). ومنه قول النابغة :
__________________
(١) في « ح » : لأدخل.
(٢) في « ح » زيادة : فإنه يمتنع الجمع به.
(٣) نقل قولهم في المغني ١ : ٨٨.
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا أو نصفه فقد (١) |
ومنه « أو » في قوله تعالى ( وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ ) (٢) الآية ، فيصح الأكل من بيوت الجميع على الجمع.
وزعم ابن مالك أن « أو » التي للإباحة حالّة في محل الواو (٣). وذكر الزمخشري عند الكلام على قوله تعالى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ) ما يؤيد ذلك ، فقال : إن « أو » تأتي للإباحة نحو : جالس الحسن أو ابن سيرين ، وإنه إنما جيء بالفذلكة دفعا لتوهم إرادة الإباحة في ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (٤) (٥). وأنكر ذلك كله ابن هشام في المغني (٦). ثم اعترف به في حواشي التسهيل ، وعليه يتفرع ما ذكرناه في الآية وغيرها.
ومن معانيها أيضا : التقسيم ، كقولهم : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ، والطهارة : وضوء أو غسل أو تيمم ، سواء كان الكلام خبرا أم إنشاء ، تعليقا كان أم تخييرا.
ومن فروعه :
ما إذا قال : إن دخلت الدار أو كلّمت زيدا فأنت عليّ كظهر أمي ، فيقع بأيهما وجد ، أو علّق الإيلاء منها على أحدهما كذلك ، لو قلنا بصحة الإيلاء المعلق ، لكن هنا تنحل اليمين بأيهما ، فلا يلزم بالآخر شيء.
ومنها : لو قال : أنت طالق وهذه أو هذه ، ولم يشترط تعيين المطلقة ، رجع إلى قصده ، فإن أراد ضم الثانية إلى الأولى فهما حزب ، والثالثة حزب ،
__________________
(١) هذا البيت في ديوان النابغة : ٤٥ ، و « قالت » يعود إلى زرقاء اليمامة.
(٢) النور : ٦١.
(٣) التسهيل : ١٧٦.
(٤) البقرة : ١٩٦.
(٥) الكشاف ١ : ٢٤١.
(٦) المغني ١ : ٨٨.
والطلاق مردد بين الأولتين والثالثة ، فإن عيّن الثالثة طلّقت وحدها ، وإن عيّن الأولتين أو إحداهما طلقتا. وإن ضم الثانية إلى الثالثة وجعلهما حزبا والأولى حزبا ، طلّقت الأولى وإحدى الأخيرتين. وهذا الضم والتحزيب يعرف من قرينة الوقفة والنغمة. فإن لم تكن قرينة وتعذر الرجوع إليه في التفسير ، فمقتضى الواو الجمع بين الأولى والثانية في الحكم ، فيجعلا حزبا والثالثة حزبا.
هذا إذا كان عارفا بالعربية ، ولو كان جاهلا طلّقت الأولى بيقين (١) وتخيّر بين الأخيرتين أو وقع الاشتباه فيهما.
ولو انعكس فقال : هذه طالق أو هذه وهذه ، قيل : طلقت الثالثة ، ويعيّن من شاء من الأولى والثانية. وهو يتم إن قصد عطف الثالثة على إحداهما ، فلو قصده على الثانية عين الأولى أو الثانية والثالثة ، ولو مات قبل التعيين أقرع.
ولو قيل لا يقع الطلاق على غير من واجهها بالصيغة ، دون من عطفها كان حسنا.
ومنها : لو قال : بع هذا العبد أو ذاك ، قيل : لا يصح التوكيل (٢) ، حملا لـ « أو » على التقسيم أو الشك ، كقوله تعالى ( لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) (٣) ، أو الإبهام كقوله تعالى ( وَإِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (٤) ، والشاهد في « أو » الأولى.
ويحتمل الصحة ، حملا لها على التخيير أو الإباحة ، فيكون كقوله : بع أحدهما. وحملها على الشك بعيد ، لأنه إنما يتجه ويظهر في شيء وقع.
ويمكن أن يقال : اشتراكها بين المعاني المتباينة الدال بعضها على صحة التوكيل ، وبعضها على بطلانه ، يوجب عدم الصحة ، للشك في إرادة أيّهما.
__________________
(١) في غير « د » : بتعين
(٢) المبسوط ١ : ٣٩٢.
(٣) الكهف : ١٩.
(٤) سبأ : ٢٤.
نعم لو دلّت القرينة على إرادة بعضها فلا إشكال في الحمل عليه والعمل بمقتضاه ، من صحة أو بطلان.
ومنها : لو قال : بعتك بدرهم أو دينار ونحوه ، فإن أراد الجمع فلا إشكال في الصحة ، كما لا إشكال في البطلان لو أراد أحدهما لا بعينه ، إما بجعله مخيرا أو مشكوكا فيه ونحوه. وإن اشتبه الحال بطل ، لاشتراك اللفظ بين المصحّح والمبطل ، فلم يحصل الشرط الّذي هو تعيين العوض بما لا يحتمل الزيادة والنقصان.
ومنها : لو قال : له عليّ درهم أو دينار ، لزمه أحدهما وطولب بالبيان ، فإن عيّن قبل. ولو عكس قيل : يلزمه دينار ، لعدم قبول الرجوع إلى الأقل ؛ بخلاف الأول ، فإنه رجوع إلى الأكثر. ويشكل بجواز كونه شاكا في أيّهما اللازم ، فلا يكون إقرارا ، ولا من باب تعقيب الإقرار بالمنافي ، وإلا لزم مثله في جميع الصور ، فيقال في الأولى : يلزمه درهم أيضا ، وكذا في غيره. ولو قال : إما درهم أو درهمان ، ثبت الدرهم وطولب بالجواب عن الثاني ، فلعله يتذكر إن كان ناسيا.
ومنها : لو قال : هذه الدار لزيد أو عمرو ، فيلزم بالبيان ، فإن عيّن قبل. وللآخر إحلافه وإحلاف الآخر ، ولو رجع بالإقرار إلى الثاني غرم له ، إلا أن يصدّقه الأول. وهل له إحلاف الأول؟ وجهان : من أنه مكذّب لنفسه في إقراره الأول ، فلا يلتفت إليه ، ومن إمكان تذكره فيدفع عن نفسه الغرم ، ولأن الأول لو أقرّ لزمه ، ولعله ينكل عن اليمين. وهو قوي إن أظهر لإقراره الأول تأويلا ممكن القبول. نعم للثاني إحلاف الأول قطعا.
ولو قال : هي لزيد أو للحائط ، ففي صحة الإقرار وجهان : من الترديد بين من يملك وما لا يملك ، فهو في قوة : هو لزيد أو ليس له ، فلم يفد (١) زيادة
__________________
(١) في « د » ، « م » : يقدر.