زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]
المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-022-7
الصفحات: ٦٤٨
شرعا ، كالشهادة والرواية والأخبار ، فهو مقدّم على الأصل بغير إشكال ؛ وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظن ونحو ذلك ، فتارة يعمل بالأصل ، ولا يلتفت إلى الظاهر ، وهو الأغلب ، وتارة يعمل بالظاهر ، ولا يلتفت إلى هذا الأصل ، وتارة يخرج في المسألة خلاف.
فهاهنا أقسام :
القسم الأول :
ما يترك العمل بالأصل للحجة الشرعية ، وهو قول من يجب العمل بقوله ، وله صور كثيرة :
منها : شهادة العدلين بشغل ذمة المدعى عليه.
ومنها : شهادتهما ببراءة ذمة من علم اشتغال ذمته بدين ونحوه.
ومنها : شهادتهما بدخول الليل للصائم ، وطلوع الفجر له ، ورؤية الهلال للصوم والفطر ، والنجاسة ، والطهارة ، ودخول وقت الصلاة ، حيث يجوز التقليد ، إن قدمناهما على تقليد الواحد ، كما هو الظاهر ، ونحو ذلك.
ومنها : إخبار الواحد ذي اليد بطهارة ما بيده ، بعد العلم بنجاسته ؛ أو بالعكس ، وإن لم يكن عدلا.
ومنها : إخبار العدل الواحد بهلال رمضان ، على قول بعض الأصحاب (١).
ومنها : إخباره بعزل الموكل الوكيل ، فإنه كاف وحده ، كما دلّت عليه
__________________
(١) المراسم : ٩٦.
صحيحة هشام بن سالم (١).
ومنها : إخباره بدخول وقت الصلاة والفطر للمعذور ، كالأعمى ، والمحبوس ، ومن لا يعلم الوقت ، ولا يقدر على التعلم ، إما مطلقا ، أو مع تعذر خبر العدلين كما مر.
ومنها : إخباره إذا كان مؤذنا بدخول الوقت بالأذان للمعذور كما مر قطعا ، ولغيره أيضا على قول المحقق (٢) وبعض الأصحاب (٣) استنادا إلى قوله صلىاللهعليهوآله : « المؤذنون أمناء » (٤) ولا تتحقق الأمانة إلا مع قبول قولهم.
ومنها : إخباره بكون « الجدي » من المستقبل على الجهة الموجبة للقبلة ، ونحوه من العلامات ، وإخباره بوصول الظل إلى محل مخصوص يعلم المخبر بأنه يوجب دخول الوقت على قول بعض الأصحاب ، وإن لم يجز تقليده في نفس دخول الوقت.
ومنها : قبول قول الأمناء ، ونحوهم ، ممن يقبل قوله في تلف ما اؤتمن عليه من مال وغيره.
ومنها : قبول قول المعتدة في انقضاء عدتها بالأقراء ، ولو في شهر واحد ، سواء كانت عادتها منتظمة بما يخالف ذلك أم لا ؛ وإخبارها بابتداء الحيض بها وانقطاعه عنها بعد العلم بخلافه ، ما لم يعلم كذبها ، ونحو ذلك ، وهو كثير جدا.
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٨٣ حديث ٣٣٨٥ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٨٦ كتاب الوكالة باب ٢ حديث ١.
(٢) المعتبر في شرح المختصر ٢ : ٦٣.
(٣) نقله عن الموجز لأبي العباس في مفتاح الكرامة ٢ : ٤٤.
(٤) الفقيه ١ : ٢٩٢ حديث ٩٠٥ ، مجالس الصدوق : ١٢٧ ، الوسائل ٤ : ٦١٨ أبواب الأذان والإقامة باب ٣ حديث ٧.
ومنها : ادعاء المطلّقة ثلاثا التحليل في وقت إمكانه مطلقا ، أو مع كونها ثقة على رواية (١) ، أو إصابة المحلل وإن أنكرها على الأقوى.
القسم الثاني :
ما عمل فيه بالأصل ، ولم يلتفت إلى القرائن الظاهرة ، وله صور كثيرة :
منها : إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء ، أو ثوب ، أو أرض ، أو بدن ، وشك في زوالها ، فإنه يبنى على الأصل ، وإن دلّ الظاهر على خلافه ، كما لو وجد الثوب نظيفا بيد من عادته التطهير إذا نظّف (٢) ونحوه ؛ إلا أن يتفق مع ذلك خبر محتفّ بالقرائن الكثيرة ، الموجب للعلم ، أو الظن المتاخم له ، فيقوى العمل به.
وفي الاكتفاء بالقرائن منفكة عن الخبر وجه ، من حيث إنّ العبرة في إفادة الخبر المحفوف بالقرائن العلم [ العلم ] (٣) بالقرائن ، لا به. وكذا القول فيما علم من نكاح وطلاق وغيرهما.
ومنها : إذا شكّ في طلوع الفجر في شهر رمضان ، فإنه يباح له الأكل حتى يستيقن الطلوع ، وإن ظنّ خلافه بالقرائن المحتملة لظهور خلافه ، أو كان المخبر ثقة واحدا ، في ظاهر المذهب.
ومنها : ثياب من لا يتوقّى النجاسة من الأطفال ، والقصابين ، ومدمني الخمر ، والكفار ، فإن الظاهر نجاستها ، والأصل يقتضي طهارتها ؛ وقد رجّح الأصحاب هنا الأصل على الظاهر.
ومنها : إذا وجد كلبا خارجا من بيت فيه إناء مكشوف ، ومعه أثر مباشرته
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٣٤ حديث ١٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٢٧٥ حديث ٩٨٠ ، الوسائل ١٥ : ٣٧٠ أبواب أقسام الطلاق باب ١١ حديث ١.
(٢) في « د » : إذ الظن.
(٣) أضفناه ليتم المعنى.
له برطوبة ، فإنه يعمل بالأصل ، وهو الطهارة ، وعدم مباشرته ، وإن كان الظاهر خلافه. حتى لو كان الإناء فيه مثل اللبن مما يظهر على العضو ، ووجد على فم الكلب أثره ، لم يحكم بالنجاسة ، على ما صرّح به جمع من الأصحاب (١).
ومنها : معاملة الظالمين ، ومن لا يتوقّى المحارم ، بحيث يظن تحريم ما بيده ، فإن الأصل الحل ، وإن كرهت معاملتهم.
ومنها : البناء على تمام الشهر ، لو لم يتمكن من رؤية الهلال لغيم ونحوه ، حيث لا قائل بالرجوع إلى غيره من الأمارات ؛ وإلا كان من باب الخلاف في ترجيح أيهما ، كما لو غمّت الشهور.
منها : إذا ادّعت الزوجة ـ بعد (٢) طول بقائها مع الزوج ويساره ـ أنه لم يوصلها النفقة الواجبة ، فقد قال الأصحاب : القول قولها ، لأن الأصل معها ، مع أن العادة والظاهر لا يحتمل ذلك.
ولو قيل بترجيح الظاهر كان وجها في المسألة ليس بذلك البعيد ، إلا أنّ القائل به غير معلوم ؛ لكن بعضهم أشار إليه في تعريف المدعي والمنكر حيث إنّ معها الأصل ، ومعه الظاهر ، فهو مدّعي على الأول ، وهي على الثاني. وكذا على القول بأنه يخلّى وسكوته ، أو يترك لو ترك.
القسم الثالث :
ما عمل فيه بالظاهر ، ولم يلتفت إلى الأصل ، وله صور :
منها : إذا شكّ بعد الفراغ من الطهارة ، أو الصلاة أو غيرهما من العبادات ، في فعل من أفعالها ، بحيث يترتب عليه حكم ، فإنه لا يلتفت إلى الشك ، وإن كان الأصل عدم الإتيان به ، وعدم براءة الذّمّة من التكليف به ؛
__________________
(١) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤١٠.
(٢) في « م » : مع.
لكن الظاهر من أفعال المكلفين بالعبادات أن تقع على الوجه المأمور به ، فيرجّح هذا الظاهر على الأصل. وللحرج لو أمر بالتحفّظ إلى بعد حين.
وهو مرويّ عندنا صحيحا عن الصادق عليهالسلام ، أنه قال لزرارة بن أعين : « إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » (١).
وكذا لو شكّ في فعل من أفعال الصلاة بعد الانتقال منه إلى غيره ، وإن كان فيها ، لأن الظاهر فعله في محله ، مع أن الأصل عدمه ، وليس كذلك الطهارة ، والفارق النص (٢) ، وإلا لأمكن القول باتحاد الحكم.
ومنها : شك الصائم في النية بعد الزوال ، فإنه لا يلتفت وإن كان الأصل عدمها ، عملا بالظاهر السابق ، من عدم إخلاله بالواجب ، ولو كان قبل الزوال وجب الاستئناف.
وهذا الفرع في معنى الشك في أفعال الصلاة بعد تجاوز محله ، فإنّ محل النية ما قبل الزوال في الجملة.
ويحتمل على السابق : الاكتفاء في عدم الالتفات بالشك فيها بعد الفجر مطلقا ، لفوات محلها الاختياري ؛ لكن لما أمكن استدراكها في الجملة ، وجب على الشاك فيها قبل الزوال التجديد ، عملا بالأصل ، مع سهولة الحال.
ومنها : لو شكّ بعد خروج وقت الصلاة في فعلها ، فإنه يبني على الفعل ، ولا يجب عليه القضاء ، وإن كان الأصل عدم الفعل ، بناء على الظاهر من أنّ المكلّف لا يفوّت العبادة في وقتها اختيارا ، وهو قريب من السابق.
ومنها : لو صلى ثم رأى على ثوبه أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها ، وشكّ
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ حديث ١٤٥٩ ، الوسائل ٥ : ٣٣٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب ٢٣ حديث ١.
(٢) الوسائل ١ : ٣٣٠ أبواب الوضوء باب ٤٢.
هل لحقته قبل الصلاة أو بعدها ، وأمكن الأمران ، فالصلاة صحيحة ، وإن كان الأصل عدم انعقاد الصلاة عليها ، وبقاءها في الذّمّة حتى يتيقن صحتها ، لكن حكموا بالصحّة ، لأن الظاهر صحة إعمال المكلفين وجريانها على الكمال. وعضد ذلك : أنّ الأصل عدم مقارنة النجاسة للصلاة.
ويمكن رجوع المسألة إلى تعارض الأصلين ، فيرجّح أحدهما بظاهر يعضده.
هذا إذا أوجبنا على الجاهل الإعادة مطلقا أو في الوقت ، وكان يمكن ، وإلا سقط الفرع.
ومنها : إذا ظنّ دخول الوقت ، ولا طريق إلى العلم ، لغيم وحبس ونحوهما ، فيجوز البناء على الظاهر من الدخول ، وإن كان الأصل عدمه.
ومنها : ما لو شك في دخول الليل للصائم ، حيث لا طريق إلى العلم ، فيجوز البناء على الظاهر والإفطار.
ومنها : أن المستحاضة المعتادة ترجع إلى عادتها ، وإن لم يكن لها عادة فإلى تمييزها ، وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز رجعت إلى نسائها ، ثم إلى الروايات ، على ما فصّل في محله ، لأن الظاهر مساواتها لهنّ ، وكون ما هو بصفة الحيض حيضا بشرائطه الباقية ، مع أن الأصل عدم انقضاء حيضها حينئذ حيث قد علم ابتداؤه ، وعدم ابتدائه ، وبقاء التكليف بالعبادة حيث لا يعلم.
ومنها : امرأة المفقود تتزوج بعد البحث عنه أربع سنين على ما فصّل ، لأنّ الظاهر حينئذ موته ، وإن كان الأصل بقاءه.
وهل تثبت له أحكام الموتى مطلقا أم للزوجة خاصة؟ ظاهر الأصحاب والأخبار : الثاني ، حتى ورد الأمر بأن الحاكم يطلّقها بعد المدة ، ثم
تعتد بعده.
ووجه الأول : الأمر باعتدادها عدة الوفاة ، فلو كان الحكم للطلاق لاعتدّت عدّته ، وجاز كون الطلاق احتياطا للفروج.
وأما قسمة ماله ، فظاهر الأكثر توقفه على مضيّ مدة لا يعيش مثله إليها عادة ، مع ما فيه من الخلاف المشهور ، المستند إلى اختلاف الروايات في التحديد.
ومنها : إذا ادّعى من نشأ في دار الإسلام من المسلمين الجهل بتحريم الزنا والخمر ووجوب الصلاة ونحو ذلك ، فإنه لا يقبل قوله ، لأن الظاهر يكذبه ، وإن كان الأصل عدم علمه بذلك. ومثله من يدّعي ما يشهد الظاهر بخلافه ، كالجهل بالخيار وعدمه.
ومنها : لو ادعت امرأة على رجل أنه تزوجها في يوم معيّن بمهر مسمّى ، وشهد به شاهدان ؛ ثم ادعت عليه أنه تزوجها في يوم آخر معيّن بمهر معيّن ، وشهد به شاهدان ، ثم اختلفا ، فقالت المرأة : هما نكاحان ، فلي المهران ، وقال الزوج : بل نكاح واحد تكرر عقده ، فالقول قول الزوجة ، لأن الظاهر معها.
وكذا لو شهدت بيّنة أنه باعه هذا الثوب في يوم كذا بثمن ، وشهدت بيّنة أخرى أنه باعه منه في يوم آخر بثمن ، فقال المشتري : هو عقد واحد كررناه ، وقال البائع : بل عقدان ، فالقول قول البائع ، لأن الظاهر معه. ويحتمل تقديم منكر التعدد ، لأصالة براءة الذّمّة من الثاني.
ومنها : ما لو ادّعى زوجية امرأة ، وادعت أختها زوجيته ، وأقاما بيّنة ، مع انضمام الدخول إلى بيّنتها ، وهي المسألة المشهورة ، فالرواية والفتوى على تقديم قولها ، لشهادة الظاهر لها ، وهو الدخول.
ومنها : ما لو اختلف البائع والمشتري في نقصان المبيع ، وكان المشتري قد حضر الكيل أو الوزن ، فإنّ القول قول البائع كما ذكروه ، لشهادة الظاهر له من أنّ المشتري إذا حضر الاعتبار يحتاط لنفسه ، وإن كان الأصل عدم قبض الجميع. ولو لم يحضر قدّم قوله ، عملا بالأصل.
ويمكن رد هذا الفرع إلى تعارض الأصلين مع شهادة الظاهر لأحدهما ، بأن يقال : إنّ المشتري عند قبضه للحق وقبل دعواه الاختبار كان يعترف بوصول حقه إليه وقبضه إياه كمّلا ؛ فإذا ادّعى بعد ذلك النقصان كان مدعيا لما يخالف الأصل ، إذ الأصل براءة ذمة البائع من حقّه بعد قبضه ، ويخالف الظاهر أيضا كما قلناه.
ولا يرد مثله لو لم يحضر الاعتبار ، لأنه حينئذ لا يكون معترفا بوصول حقه إليه ، لعدم اطلاعه عليه ، وإنما اعتمد على قول غيره.
ومنها : نجاسة البلل الخارج من الفرج إذا لم يستبرئ فإنه يحكم بنجاسته وإن كان الأصل فيما عدا النجاسات العشرة الطهارة ، لشهادة الظاهر بأنه من البول إن كان السابق بولا ، ومن المني إن كان منيا.
ومنها : غيبة المسلم بعد نجاسته ، أو نجاسة ما يصحبه من الثياب ونحوها ، فإنه يحكم بطهره إذا مضى زمان يمكنه فيه الطهارة ، عملا بظاهر حال المسلم أنه يتنزّه عن النجاسة في ظاهر مذهب الأصحاب. ومن التعليل يظهر اشتراط علمه بها واعتقاده نجاستها.
وألحق به بعضهم اعتقاده استحباب التنزّه عنها ، وإن لم يعتقد نجاستها ، كالمخالف في بعض النجاسات التي لا يحكم بنجاستها ، بل يُسن عنده التنزه عنها للخلاف فيها أو غيره.
ومنها : إذا شكّ المصلي في عدد الركعات ، أو في فعل من الأفعال ، وغلب ظنه على فعله ، فإنه يبني على وقوعه ، عملا بالظاهر ؛ وإن
كان الأصل عدم فعله.
وأما كثير السهو ، فإنه وإن حكم بالوقوع المخالف للأصل ، إلا أنه لا ظاهر معه يشهد له ، وإنما مستند حكمه النص العام برفع الحرج وإرادة اليسر ، أو الخاصّ به في الصلاة.
ومنها : لو قال : له عليّ ألف درهم ودرهم ودرهم ، وأطلق ، فإن الثالث يمكن كونه معطوفا على الثاني ، ويمكن كونه تأكيدا ، لاتحاد لفظهما مقترنا بالواو ؛ لكن الظاهر العطف ، والأصل يقتضي براءة الذّمّة مما زاد على الدرهمين.
وقد رجّحوا هنا الظاهر على الأصل ، وحكموا بلزوم الثلاثة. لكن لو قال : أردت التأكيد ، قبل ، ولزمه درهمان ، فرجّحوا هنا الأصل على الظاهر ، رجوعا إلى نيته التي لا تعلم إلا منه.
القسم الرابع :
ما اختلف في ترجيح الظاهر فيه على الأصل أو العكس ، وهو أمور :
منها : غسالة الحمام ، وهو الماء المنفصل عن المغتسلين فيه ، الّذي لا يبلغ الكثرة حال الملاقاة. والمشهور بين الأصحاب الحكم بنجاسته ، عملا بالظاهر ، من باب مباشرة أكثر الناس له بنجاسة (١). ومستنده مع ذلك رواية مرسلة ضعيفة السند عن الكاظم عليهالسلام (٢).
وقيل : يرجح الأصل ، لقوته ؛ مع معارضة تلك بأخرى مرسلة مثلها
__________________
(١) السرائر ١ : ٩٠ ، المعتبر ١ : ٩٢ ، المختصر النافع ١ : ٢ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٣٨ ، وانظر مفتاح الكرامة ١ : ٩٧.
(٢) الكافي ٣ : ١٤ باب الحمام حديث ١ ، التهذيب ١ : ٣٧٣ حديث ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المضاف باب ١١ حديث ١ ، ٣.
عنه عليهالسلام ، بنفي البأس عما يصيب الثوب منها (١) (٢) وهذا هو الظاهر.
ومنها : طين الطريق إذا غلب على الظن نجاسته ، فإن الظاهر يشهد بها ، والأصل يقتضي الطهارة. والمشهور : الحكم بطهارته (٣). لكن ذهب العلامة في النهاية إلى العمل بالظن الغالب هنا ، عملا بالظاهر (٤).
ومنها : ما بأيدي المخالفين من الجلد واللحم ، فالمشهور بين الأصحاب أنه طاهر مطلقا ، ما لم نحكم بكفر من بيده منهم (٥). وبه نصوص كثيرة (٦) مؤيدة بظاهر حال المسلم من تجنبه للمحرم والنجس والميتة.
وقيل : يحكم بنجاسته ، لأصالة عدم التذكية ، مع عدم اشتراطهم لجميع ما نشترطه من الأمور المعتبرة في التذكية ، كالتسمية والقبلة ، واستحلالهم لجلد الميتة بالدبغ (٧) ، ويعضده أيضا ظاهر حالهم في ذلك.
ومنها : لو سمع مصليا يلحن في صلاته ، أو يترك آية ، أو كلمة ، وكان المصلي من أهل المعرفة بالقراءة ، بحيث يظهر أنه ما فعل ذلك إلا سهوا ، ففي وجوب تنبيهه عليه وجهان : من أصالة عدم معرفته بذلك على الوجه المجزي ، فيجب تعليمه ؛ ودلالة ظاهر حاله على كونه قد ترك ذلك سهوا ، والحال أنه غير مبطل للصلاة ، فلا يجب ، كما لا يجب تنبيهه على السهو ، وإن استحب ،
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ٢٥.
(٢) الكافي ٣ : ١٥ حديث ٤ ، الفقيه ١ : ١٢ حديث ١٧ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ حديث ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المضاف باب ٩ حديث ٩.
(٣) منتهى المطلب ١ : ١٨٠.
(٤) نهاية الأحكام ١ : ٢٧٦.
(٥) المقنعة : ٥٨٠ ، النهاية : ٥٨٢ ، المعتبر ٢ : ٧٨ ، شرائع الإسلام ٣ : ٧٤١ ، تحرير الأحكام ٢ : ١٥٩.
(٦) الوسائل ٢ : ١٠٧١ أبواب النجاسات باب ٥٠.
(٧) المنتهى١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٩٤.
معتضدا بأصالة البراءة من وجوب تنبيهه ، وهذا هو الأظهر.
ولو احتمل في حقه الجهل بذلك وجب تعليمه ، لتطابق الأصل والظاهر ، أو عدم معارضة غير الأصل له ، فيعمل عمله ؛ مع احتمال عدم الوجوب أيضا ، نظرا إلى الاحتمال مع أصالة البراءة.
ومنها : لو غمّت الشهور فقيل : يعمل في كل شهر بالأصل ، وهو التمام ، فيعد كل ما اشتبه ثلاثين (١).
وقيل : يرجع إلى العدد ، وهو عدّ خمسة أيام من هلال الماضية ؛ أو عدّ شهر تاما وشهر ناقصا ، عملا بالظاهر من نقصان بعض الأشهر وتمام بعض (٢) ، وهو الأقوى.
ومنها : الجلد المطروح في بلاد الإسلام إذا ظهرت عليه قرائن التذكية ، كما لو كان جلدا لبعض كتبنا التي لا تتداولها أيدي الكفار عادة ، فالأصل يقتضي عدم تذكيتها ، والظاهر يقتضيها ؛ وفي تقديم أيّهما وجهان ، والمشهور الأول (٣).
ومنها : إذا قال : أحلتك عليه ، فقبض ، فقال المحيل : قصدت الوكالة ، وقال المحتال : إنما أحلتني بما عليك ، فالأصل يقتضي براءة ذمة المحيل من حق عليه للمحتال ؛ والظاهر مع المحتال ، لأن ظاهر لفظ الحوالة إرادة معناها ، لا معنى الوكالة ، وإن جاز إطلاقها عليها ، من حيث إن الوكالة من العقود الجائزة ، يكفي فيها ما دلّ على الإذن فيما وكّل فيه ، ولفظ الحوالة صالح له.
وقد اختلف في تقديم قول أيّهما ، والمشهور تقديم قول المحيل ، لأنه أعرف بقصده.
__________________
(١) شرائع الإسلام ١ : ١٤٨.
(٢) المبسوط ١ : ٢٦٨ ، قواعد الأحكام ١ : ٦٩.
(٣) تحرير الأحكام ٢ : ١٥٢ ، الذكرى : ١٤٣.
ومنها : لو أقرّ لحمل ، فولد لأقصى الحمل فما دون إلى ستة أشهر ، وكانت المرأة خالية من زوج أو مولى ، فإن الظاهر وجوده حال الإقرار ، والأصل يقتضي عدمه.
وقد اختلف الأصحاب وغيرهم في تقديم أيّهما على الآخر ، والمشهور تقديم الظاهر. ومثله ما لو أوصى له بشيء.
ومنها : لو اختلف المتعاقدان ببيع وغيره في بعض شرائط صحته ، كما لو ادعى البائع أنه كان صبيا أو غير مأذون له أو غير ذلك ، وأنكر المشتري ، فالقول قوله على الأقوى ، وإن كان الأصل عدم اجتماع الشرائط ، عملا بظاهر حال المسلم من إيقاعه العقد على وجه الصحة. وكذا القول في الإيقاعات. ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين ، وقد تقدم.
ومنها : اختلاف الزوجين في أصل المهر ، ولا بيّنة ، فإنّ الأصل يقتضي براءة ذمته مما زاد عما يعترف به ، والظاهر يشهد لها بمهر المثل. وفي ترجيح أيّهما خلاف ، فالمشهور تقديم قول الزوج.
والأقوى عندي التفصيل ، فإن كان النزاع قبل الدخول فالقول قوله ، لأصالة عدم التسمية وبراءة ذمته ، وإن كان بعده يعارض ما ذكر مع أصالة ثبوت عوض للبضع المحترم ، وأنّ عدم التسمية يوجب مهر المثل مع الدخول ، والأصل عدم سقوطه ، والظاهر يشهد به أيضا ، فيرجح قولها في مهر المثل بيمينها.
ويمكن ردّ هذه المسألة إلى تعارض الأصلين مع شهادة الظاهر لأحدهما.
هذا كله إذا لم يمكن تعلّق المهر بذمة غير الزوج ، فلو أمكن فقيل : القول قوله في نفيه مطلقا ، إذ لا معارض لأصالة براءة ذمته ؛ وذلك بأن يكون صغيرا قد زوّجه أبوه ، أو عبدا زوّجه مولاه ، على خلاف هنا أيضا ناشئ من تعارض
الأصل والظاهر أو أنه فرد نادر فلا يلتفت إليه ، أو أنّ أصالة عدم التسمية توجب مع الدخول مهر المثل على الزوج ، فيأتي هنا أيضا ، وهذا متجه.
ولو كان اختلافهما في القدر مع اتفاقهما على التسمية فالقول قوله مطلقا ، عملا بالأصل.
ولو كان النزاع بين ورثة أحدهما والآخر ، أو ورثته ، فكالاختلاف بين الزوجين ، فيستفسران حين يطلقان الدعوى.
ولو قالا ؛ أو وارث (١) الزوج : لا ندري ، فإشكال ، لتعارض الأصلين ، وشهادة الظاهر بمهر المثل ، مع أصالة عدم المسقط ، والمشهور السابق آت هنا.
ومنها : إذا أسلم الزوجان قبل الدخول ، وقال الزوج : أسلمنا معا ، فنحن على نكاحنا ، وقالت الزوجة : بل على التعاقب ، فلا نكاح ، فوجهان :
أحدهما : القول قول الزوج ، لأن الأصل معه ، لأصالة عدم تقدم كل منهما ، فيلزم الاقتران.
والثاني : القول قول الزوجة ، لأن الظاهر معها ، إذ وقوع إسلامهما معا في آن واحد نادر ، والظاهر خلافه.
ومنها : إذا خلا بامرأته خلوة تامة ، ثم اختلفا في الدخول ، فأنكره ، تعارض هنا الأصل وهو عدم الدخول ، والظاهر وهو الدخول بالحليلة عند الخلوة بها أولا (٢). وقد اختلف الأصحاب في تقديم أيّهما ، والأشهر تقديم قوله ، عملا بالأصل.
ومنها : لو قال المقرّ : له عليّ شيء أو حق ، وفسّرهما برد السلام ، والعيادة ، وتسميت العاطس ، فإن الأصل يقتضي براءة ذمته من غير ذلك ، والظاهر يشهد بخلافه ، لأن مثل ذلك لا يعدّ حقا وشيئا في معرض الإقرار ،
__________________
(١) في « م » : لوارث
(٢) كذا في النسخ.
والعرف يأباه.
وقد اختلف في تقديم أيهما ، والأقوى تقديم الثاني لما ذكر ، ولأن المتبادر منه الحق الّذي يثبت في الذّمّة بقرينة « عليّ » وهذه الأشياء لا تثبت في الذّمّة.
وما روي « أن للمسلم على المسلم ثلاثين حقا : يرد سلامه ، ويسمّت عطسته » إلى آخره (١) مع تسليم سنده لا يقتضي استقراره في الذّمّة.
وفرّق بعضهم : بين الشيء والحق ، فقبل تفسيره بهذه الأمور في الثاني دون الأول ، نظرا إلى ظاهر الخبر.
ويشكل : بأن الشيء أعم من الحق ، فكيف يقبل تفسير الأخص بما لا يقبل به تفسير الأعم.
ومنها : لو قال : له عليّ أكثر من مال فلان ، ثم تأوله بأن قال : مال فلان حرام أو شبهة أو عين ، والحلال والدين أكثر نفعا من ضديهما ، فالأصل يقتضي براءة ذمته من غير ما يعترف به ، والظاهر يشهد بخلافه ، وأنّ المراد الكثرة المقدارية. وفي تقديم أيّهما قولان ، أجودهما تقديم الظاهر.
ومنها : ما لو ادعى اللقطة مدع ، وعرّفها بأوصاف تخفى على غير مالكها غالبا ، فالظاهر [ يقتضيه والأصل ] (٢) يقتضي عدمه ، وفي تقديم أيهما قولان ، أشهرهما جواز دفعها إليه حينئذ وإن لم يجب ، ومنعه ابن إدريس للأصل (٣).
ومنها : لو وجد على اللقطة ـ الكنز ونحوه ـ أثر الإسلام ، وهو في بلاد الإسلام ، فإن المشهور بين الأصحاب كونه لقطة ، لشهادة الظاهر بسبق (٤) يد
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٥٥٠ أبواب أحكام العشرة باب ٢٢ حديث ٢٤ ، نقلا عن كنز الفوائد.
(٢) أضفناه لاقتضاء السياق.
(٣) السرائر ٢ : ١١١.
(٤) في « د » : لسبق.
المسلم فتستصحب (١).
وقيل : يكون لواجده ، لأصالة عدم ملك المسلم وعدم دلالة الأثر على يد المسلم قطعا ، لجواز وقوعه من غيره (٢).
هذا إذا وجد في خربة باد أهلها ، أو أرض غير مملوكة.
ومثله الموجود في جوف سمكة ودابة ملكت بالاصطياد ، لعدم توجه القصد بحيازتها إلى تملك ما لم يشاهد في بطنها ، مما لا يخطر بالبال غالبا ، ولأصالة عدم تملّكه ؛ بخلاف المملوكة لغيره ، مما لا يتوقف على القصد إلى التملك. وبهذا يظهر عدم الفرق بين السمكة والمملوكة ، فإن كلا منهما قد يملك بالحيازة وبغيرها.
ومنها : ما لو ادعي على الحاكم المعزول القضاء بشهادة فاسقين ، قيل : يكلّف (٣) البينة ، لاعترافه بنقل المال ، وادعائه مزيل الضمان (٤). وقيل : يقبل قوله بيمينه ، لأن الظاهر من الحكام الاستظهار في حكمهم ، فيرجح الظاهر (٥) ، وهو أقوى.
ومنها : لو حاسب وكيل الحاكم أمناء المعزول ، فادعى واحد منهم أنه (٦) أخذ شيئا أجرة قدّرها له المعزول ، لم يقبل وإن صدّقه المعزول ، لكن هل يقبل قوله في قدر أجرة المثل (٧)؟ وجهان :
__________________
(١) المبسوط ١ : ٢٣٦ ، الشرائع ١ : ١٣٤ ، الإيضاح ١ : ٢١٦.
(٢) الخلاف ٢ : ١٢٢ ، السرائر ١ : ٤٨٧.
(٣) أي : الحاكم المعزول.
(٤) المبسوط ٨ : ١٠٣.
(٥) الشرائع ٤ : ٨٦٧ ، وحكاه الشيخ في المبسوط ٨ : ١٠٣.
(٦) في « د » : إني ، وفي « م » : أن.
(٧) يعنى : بمقدار أجرة المثل.
أحدهما : لا ، لأنه مدع والأصل عدم استحقاقه.
والثاني : نعم ، لأن الظاهر أنه لا يعمل مجانا ، وقد فاتت منافعه ، فلا بدّ من عوض.
ومنها : لو قذف مجهول النسب وادعى رقّه ، وأنكر المقذوف ، فهل يحدّ؟ فيه قولان ، لأن الأصل عدم لزوم الحد ، والأغلب على الناس الحرية ، فكانت أظهر.
ويمكن ردّه إلى تعارض الأصلين ، بناء على أنّ الأصل في الناس الحرية ، ويكون الظاهر عاضدا له. وهذا هو الأقوى ، ولكن يعزر (١) القاذف مطلقا.
__________________
(١) في « د » : يعذر ، وفي « م » : يقدر.
المقصد السابع في الاجتهاد والإفتاء
مسألة :
اختلفوا في جواز الاجتهاد لأمة محمد صلىاللهعليهوآله في زمنه على مذاهب (١) :
أحدها : يجوز مطلقا.
والثاني : يمنع مطلقا.
والثالث : يجوز للغائبين من القضاة والولاة ، دون الحاضرين.
والرابع : إن ورد فيه إذن خاص جاز ، وإلا فلا.
والخامس : أنه لا يشترط الإذن ، بل يكفي السكوت مع العلم بوقوعه.
ثم اختلف القائلون بالجواز ، فمنهم من قال : وقع التعبّد به ، ومنهم من توقف فيه مطلقا ، ومنهم من توقف في الحاضر دون الغائب.
ويتفرع على هذا الخلاف : جواز الاجتهاد في الأحكام بالظن مع القدرة على اليقين بالتأخير في موارد ، كالاجتهاد في وقت الصلاة مع إمكان الصبر إلى اليقين ، ومثله وقت الصوم ، والأصح الجواز هنا حيث لا طريق إلى اليقين
__________________
(١) حكى هذه المذاهب الآمدي في الأحكام ٤ : ١٨٤.
معجّلا ، لغيم ونحوه.
ومنها : إذا روى الصحابي حديثا عن غيره ، ثم لقيه صلىاللهعليهوآله ، فهل يلزمه سؤاله؟ فيه وجهان مرتبان ، أحدهما : نعم ، لقدرته على اليقين. والثاني : لا ، لأنه لو لزمه السؤال إذا حضر لكانت الهجرة تجب إذا غاب.
قاعدة « ١٠٠ »
لا يجوز للمجتهد بعد اجتهاده تقليد غيره اتفاقا.
وفيما قبله مذاهب ، أصحها : المنع مطلقا.
والثاني : الجواز كذلك.
والثالث : في ما يخصه دون ما يفتي به.
والرابع : في ما يفوت وقته مما يخصه.
والخامس : إن كان المقلّد أعلم.
والسادس : إن كان صحابيا ، وهو أرجح في نظره من غيره.
والسابع : كذلك أو تابعيا.
والثامن : إن كان أعلم وتعذّر الاجتهاد.
إذا تقرر ذلك ، فمن فروع القاعدة :
ما إذا قدر العارف بأدلة القبلة على اعتبارها ، فلا يجوز له التقليد. ولو خفيت عليه لغيم أو ظلمة يرجى زوالهما فوجهان ، أحوطهما الصبر إلى أن يضيق الوقت ، أو يستبين الحال.
ومنها : الأعمى إذا أمكنه معرفتها بلمس الكعبة ، لا يجوز له التقليد ، وكذا لو أمكنه بلمس محراب يعتمد ، بل علامة نصبها له المبصر وكانا عدلين ، فإنه يقدّم على التقليد.
ومنها : عدم جواز تقليد المؤذن الثقة لغير المعذور ، وقيل بالجواز هنا (١) ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « المؤذنون أمناء » (٢) فلا تتحقق الأمانة إلا مع تقليدهم.
وفيه : أنّ إثبات أمانتهم غير عام ، فيتحقق للمعذور.
وقريب من ذلك جواز الاستنابة لعادم الماء في طلبه.
والأقوى ( هنا ) (٣) الجواز.
مسألة :
من لم يبلغ رتبة الاجتهاد ، هل له التقليد؟ فيه ثلاثة مذاهب :
أحدها : الجواز ، بل الوجوب ، لقوله تعالى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٤) ولأن المعاش يفوت باشتغال جميع الناس بأسباب الاجتهاد.
والثاني : لا يجوز ، بل يجب عليه أن يقف على الحكم بطريقه ، ذهب إليه معتزلة بغداد (٥) ، ونسبه في الذكرى إلى قدماء علمائنا وفقهاء حلب منهم (٦).
وثالثها : يجوز ذلك في المسائل الاجتهادية ، كإزالة النجاسة بالمضاف ؛ دون المنصوصة ، كتحريم الرّبا في الأشياء الستة.
__________________
(١) المعتبر ٢ : ٦٣ ، التمهيد : ٥٢٥.
(٢) الفقيه ١ : ٢٩٢ حديث ٩٠٥ ، مجالس الصدوق : ١٢٧ ، الوسائل ٤ : ٦١٩ أبواب الأذان والإقامة باب ٣ حديث ٧.
(٣) ليس في « د ».
(٤) النحل : ٤٣.
(٥) نقله عنهم في المعتمد ٢ : ٣٦٠ ، والتمهيد : ٥٢٦.
(٦) الذكرى : ٢. ومن القدماء : العماني والإسكافي والجعفي ، ومن فقهاء حلب : ابن زهرة ، وأبو الصلاح ، وعلاء الدين صاحب إشارة السبق.
ولا فرق في هذا الخلاف (١) بين العاميّ المحض وغيره.
وفائدة المسألة ظاهرة في تقليد العاميّ في أحكام العبادات والمعاملات وغيرهما.
ومنها : إذا لم يكن عالما بأدلة القبلة ، ولكن يمكنه تعلّمها ، فهل يجوز له أن يقلّد؟ فيه خلاف يبنى على أنّ تعلّمها فرض عين فلا يجوز ، أو كفاية فيجوز. والأظهر الأول فيما يبتلى بالكون به (٢) غالبا دون النادر ، إلا أن يعرض له سفر إليه ، فيجب تعلّم أماراته حينئذ.
مسألة :
إذا وقعت للمجتهد حادثة ، فاجتهد فيها وأفتى وعمل ، ثم وقعت له ثانيا ، ففي وجوب إعادة الاجتهاد ثلاثة أقوال ، ثالثها : إن كان ( ذاكرا لما مضى ) (٣) من طرق الاجتهاد لم يجب ، وإلا وجب.
ومن فروع المسألة :
ما إذا اجتهد للقبلة وصلّى ، ثم حضر وقت أخرى ، ففي وجوب تجديد الاجتهاد خلاف مبني.
وما إذا طلب الماء في المقدار المعتبر وصلّى بالتيمم ، ثم دخل وقت فريضة أخرى ، ففي وجوب الطلب ثانيا خلاف مبني على المسألة.
مسألة :
قال في المحصول : اتفقوا على أنّ العامي لا يجوز له أن يستفتي إلا من غلب على ظنه أنه من أهل الاجتهاد والورع ، وذلك بأن يراه منتصبا للفتوى بمشهد من الخلق ، ويرى إجماع المسلمين على سؤاله.
__________________
(١) في « ح » : الحكم ، بدل الخلاف.
(٢) في « م » : فيما يكون. والمراد هو الكون في محل تشتبه عليه فيه القبلة.
(٣) من « ح ».