تمهيد القواعد

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

تمهيد القواعد

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مكتب الإعلام الإسلامي ، فرع خراسان
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-022-7
الصفحات: ٦٤٨

سال الوادي ، ( يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (١) ، وأنبت الربيع البقل ، و ( إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً ) (٢) كذا مثّلوا به للأربعة بضرب من التكلف.

قيل : ومع التعارض فالثاني من القسمين الأولين أولى ، لأن السبب المعين ، يدل على المسبب المعين ، دون العكس ، كالبول مثلا ، فإنه يدل على انتقاض الوضوء ، والانتقاض لا يدل على البول.

والعلة الأخيرة ، وهي الغائية ، من أخواتها (٣) ، لأنها علة في الذهن ، من جهة أن الخمر مثلا هو الداعي إلى عصر العنب ، ومعلولة في الخارج ، لأنها لا توجد إلا متأخرة (٤).

إذا تقرر ذلك فمن فروع المسألة :

أن النكاح يطلق على العقد والوطء ، فمن الأول قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (٥) وقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٦) وغيرهما.

ومن الثاني قوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٧) والاشتراك مرجوح بالنسبة إلى المجاز ، فوجب المصير إلى كونه في أحدهما مجازا. ولا شك أن العقد سبب في الوطء ، وهو العلة الغائية له غالبا. فإن جعلناه حقيقة في العقد مجازا في الوطء ، كان ذلك المجاز من

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) يوسف : ٣٦.

(٣) أي إذا تعارضت الأقسام الأربعة من أقسام إطلاق السبب على المسبب فالعلة الغائية أولى من أخواتها.

(٤) المحصول ١ : ١٣٥ ، التمهيد للأسنوي : ١٨٩.

(٥) النور : ٣٢.

(٦) النساء : ٢٢.

(٧) البقرة : ٢٣٠.

١٠١

باب إطلاق اسم السبب على المسبب ، وإن جعلناه بالعكس فبالعكس ، والأول أرجح ، لما تقدم. ومن عكس نظر إلى اعتضاد المرجوح بمجامعة الغاية له.

ويتفرع على ذلك :

ما لو حلف على النكاح ، ولم ينو شيئا ، فإنه يحمل على العقد ، لا على الوطء على الأول.

ومنها : إطلاق اسم البعض على الكل وعكسه ، وفي معناه الأخص مع الأعم.

ومن فروعه : ما لو حلف أن يصوم نصف يوم ونوى جميعه ، فإنه يلزم ما نواه ، لأن ذلك مجاز ، واليمين يقبل المجاز بالنية ، كما يقبل تخصيص العام وتقييد المطلق وغيرها من الاعتبارات (١) الصحيحة لغة.

ويحتمل عدم الصحة ، لعدم التعبد بما تلفظ به ، وعدم التلفظ بما يتعبد به ، وهو اليوم الكامل. ومثله ما لو نذر ركوعا أو سجودا ونوى الركعة.

ومنها : ما إذا حلف أن لا يشرب له ماء من عطش ، ونوى جميع الانتفاعات ، فيسري إليها ، عملا بالمجاز ؛ مع احتمال اختصاصه بما تلفظ به كما ذكر.

ومنها : ما إذا أشار الزوج إلى زوجتيه ، فقال : إحداكما طالق ، ونواهما معا جميعا ، ففي طلاقهما جميعا وجهان :

نعم ، لأن مسمّى إحداهما قدر مشترك ، وهو صادق عليهما ، وقد أوقع الطلاق عليه ونواهما ، فتعين وقوعه. ( ولأن ) (٢) إحداهما بعض من كليهما ، فيحمل عليه مع النية.

__________________

(١) في « م » : العبارات.

(٢) ليست في « د » ، وفي « م » : لأن.

١٠٢

ولا ، لأنه خلاف وضع إحداهما لغة وعرفا ، كما لو قال : أنت طالق نصف طلقة ، ونوى طلقة كاملة. وللشك في مزيل الزوجية حيث لا وثوق بذلك شرعا.

ومنها : ما إذا قال : إن شفى الله مريضي فلله على رقبتي أن أحج ماشيا ، فيلزمه ، لأن إطلاق الرقبة على الجملة مجاز شائع ، وربما بلغ حد الحقيقة ؛ ومثلها الرّأس والوجه.

ويحتمل العدم ما لم ينوه ، لأن الرقبة حقيقة في العضو الخاصّ ، وهو لا يقبل الالتزام منفردا. ولو نوى به الجملة فلا إشكال.

ولو قال : على رجلي ، فكذلك مع نيته ، ومع الإطلاق أو قصد إلزام الرّجل خاصة نظر ، ولا يبعد عدم الانعقاد.

ومنها : المجاورة ، كإطلاق اسم المحل على الحال ، كالرواية على الإناء الجلد (١) الّذي يحمل فيه الماء ، مع أنه لغة : الحيوان المحمول عليه ، ومثله الغائط وقد تقدم.

ومن فروعه : ما إذا قال : أصلي على الجنازة ، وأتى بالجيم مكسورة ، فإنه لا يصح ، لأن المكسور اسم للنعش ، وإذا أريد الميت فتحت جيمه ، وهو معنى قولهم : الأعلى للأعلى ، والأسفل للأسفل.

ولا يشكل مع قصد الميت ، فإن النية في أمثال ذلك كافية ، ولا عبرة باللفظ ، وإنما يقع الإشكال مع الإطلاق. والأقوى الصحة مطلقا ، ما لم يقصد خلاف الميت ، عملا بالقرينة ؛ مع أن بعض أهل اللغة جوز إطلاق الأمرين على الأمرين (٢) ، وغايته مع النية أن يكون قد عبر بلفظ مجازي ، للعلاقة المذكورة ، وهو شائع.

__________________

(١) في « د » : والجلد ، وفي « ح » : كالجلد.

(٢) المصباح المنير : ١١١. ( جنز )

١٠٣

مسألة :

إذا غلب الاستعمال المجازي على الاستعمال الحقيقي.

ويعبر عنه بالحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح ؛ ففي تساويهما ، أو ترجيح الحقيقة ، أو المجاز ، للأصوليين خلاف مشهور.

ومنشؤه الرجوع إلى الأصل ، ومراعاة الغلبة الموجبة للظهور ، والتوقف ، لتعارضهما.

ومحل الخلاف : ما إذا كان المجاز راجحا ، والحقيقة تتعاهد في بعض الأوقات ، فأما إذا كانت مما لا تراد في العرف ، ارتفع النزاع وقدم المجاز ، لأنه حينئذ يصير حقيقة شرعية أو عرفية ، وهما مقدمتان على الحقيقة اللغوية.

ومن فروع المسألة :

لو قال : لأشربن من هذا النهر ، فهو حقيقة في الكرع من النهر بفيه ، وإذا اغترف بالكوز وشرب فهو مجاز ، لأنه شرب من الكوز ، لا من النهر ، لكنه المجاز الراجح المتبادر ؛ والحقيقة قد تراد ، لأن كثيرا من الناس يكرع بفيه من الماء ، فيبني الحمل على أيهما على المختار في الأقوال.

ومنها : إذا حلف لا يأكل من هذه الشجرة ، فإن اليمين يحمل على الأكل من ثمرها دون الورق والأغصان ، وإن كان هو الحقيقة ، لأنها قد أميتت.

بخلاف ما إذا حلف لا يأكل من هذه الشاة ، فإن اليمين يحمل على الأكل من لحمها ؛ وفي حمله على لبنها الوجهان.

ومنها : إذا أوصى له بدابة ، فإنه يعطى من الخيل والبغال والحمير ، عملا بالعرف العام ـ أو يختص بالأول ـ دون العصافير والشياه ونحوها.

ومنها : لو كان له زوجتان إحداهما فاطمة بنت محمد ، والأخرى بنت رجل سماه أبوه محمدا ، إلا أنه اشتهر في الناس بزيد ، ولا ينادونه إلا بذلك ، فقال الزوج : زوجتي فاطمة بنت محمد طالق. ثم قال : أردت بنت الّذي

١٠٤

يدعونه زيدا ، فيبني قبول قوله على الخلاف السابق ، فإن جعلناهما متساويين أو رجحنا الحقيقة قبل ، وإلا فلا. ويحتمل تقديم الاسم المشهور في الناس ، لأنه أبلغ في التعريف.

مسألة :

صيغ العقود ، كبعت أو اشتريت ، والفسوخ والإلزامات ، كقول القاضي « حكمت » ، إخبارات في أصل اللغة.

وقد تستعمل في الشرع أيضا كذلك ، فإن استعملت لإحداث حكم كانت منقولة إلى الإنشاء عندنا.

والفارق القصد ودلالة القرائن الحالية والمقالية. ولو حصل الشك في إرادة أحدهما ، فالأصل يقتضي بقاءه على الإخبار وعدم نقله.

قاعدة « ٢٣ »

يصرف اللفظ إلى المجاز عند قيام القرينة ، وكذلك عند تعذر الحقائق الثلاث ، صونا للفظ عن الإهمال. ويعبر عن ذلك : بأن إعمال اللفظ أولى من إهماله.

إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع :

منها : إذا قال : بنو آدم كلهم أحرار ، لا تعتق عبيده ؛ بخلاف ما إذا قال : عبيد الدنيا كلهم أحرار ، فإنهم يعتقون.

ووجهه : أن إطلاق الابن علي ابن الابن مجاز على الأصح ، فالحقيقة إنما هي الطبقة الأولى ، وهم أحرار بغير شك ؛ بخلاف قوله : عبيد الدنيا ، فإنهم شاملون لعبيدة.

ويحتمل انعتاق عبيده في الأول أيضا ، إما بناء على تناول الأولاد

١٠٥

للحفدة ، كما ذهب إليه بعضهم (١) ، أو لتعذر حمله على المعنى الحقيقي على جهة الإنشاء الشرعي ، فيحمل على مجازه.

هذا كله إذا لم ينو المجاز أو ما يشمله ، وإلا حمل اللفظ على ما نواه.

ومنها : إذا أوصى بعين ، ثم قال : هي حرام على الموصى له ، قيل (٢) : يكون رجوعا ، وإن كان اسم الفاعل حقيقة في الحال ، ولا شك أنه في الحال حرام على الموصى له ، لكن حمله على ذلك يوجب عرية عن الفائدة ، فحمل على المجاز.

ويحتمل قويا عدم كونه رجوعا ، استصحابا للحكم ، مع الشك في كون ذلك رجوعا.

والأجود الرجوع في ذلك إلى دلالة القرائن الحالية أو المقالية ، ومع تعذرها فالوجهان.

ومنها : إذا وقف على أولاده ، وليس له إلا أولاد أولاد ، فإنه يصح ، ويكون وقفا عليهم ، لتعذر الحمل على الحقيقة ، مع إمكان المجاز وظهور إرادته.

ومثله ما لو استفيد من اللفظ إرادة العموم ، كقوله : الأعلى فالأعلى.

ومنها : إذا ناوله شمعة مثلا ، وقال : أعرتكها لتستضي‌ء بها ، فيحتمل البطلان ، لأن شرط المستعار أن لا يتضمن استهلاك عينه ، واللفظ حقيقة في العارية.

والمتجه الصحة ، حملا للفظ على الإباحة ، لدلالة القرائن على إرادتها ، مع عدم انحصارها في لفظ.

ومنها : إذا قال : عبدي أو ثوبي لزيد ، فإن الإقرار لا يصح على المشهور ، لأن إضافته إليه تستدعي أنها ملكه ، وذلك مناف لمدلول آخره.

__________________

(١) رد المختار ٣ : ٤٣٧.

(٢) كما في نهاية المحتاج ٦ : ٩٤ ، التمهيد للأسنوي : ٢٣٧.

١٠٦

كذا قالوه ، ولم يحملوه على المجاز باعتبار ما كان ـ لو تنزلنا وجعلناه مجازا مع أن المختار أنه حقيقة ـ أو بأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة ، كما يقال : هذه دار زيد ، الدار التي يسكنها بالأجرة وغيرها. ومثله كثير في لغة العرب ، وهو استعمال شائع ؛ وحينئذ فحمله عليه أقوى ، فيصح الإقرار.

ويقوى الإشكال لو قال : ملكي لفلان ، من حيث ظهور التناقض ، وإمكان إرادة : ملكي ظاهرا ، له في الواقع ، كما هو الواقع من معنى الإقرار ؛ ومساواته للأول أقوى.

ومنها : إذا قال لغيره : أنت تعلم أن العبد الّذي في يدي حر. فإنا نحكم بعتقه ، لأنه قد اعترف بعلمه بذلك ، فلو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته ، وحينئذ فيحمل لفظ العبد على المجاز ، مع أن مدلوله الحقيقي يناقض ما بعده ؛ إلا أن يجعل حقيقة باعتبار ما كان.

ومنها : إذا حلف لا يشرب ماء النهر ، فشرب بعضه ، لا يحنث ، لإمكان حمله على الحقيقة وهو جميع مائه ، لإمكان الامتناع منه أجمع ؛ بخلاف الإثبات ، فإن شربه أجمع غير ممكن ، فيحمل على المجاز ، وهو ممكن ، بحمل الشرب على بعض مائه ؛ بخلاف ماء الكوز ، فإن شربه أجمع ممكن ، فيحمل على مجموعه نفيا وإثباتا.

هذا كله إذا لم يدل العرف على غير ما ذكرناه ، كما لو دل على أن المحلوف عليه في ماء النهر بعضه ، فيحنث بالبعض ، إلا أن يقصد خلافه ، فيرجع إلى قصده مطلقا.

ومنها : إذا قال : له علي ألف إذا جاء رأس الشهر ، لم يلزمه شي‌ء على الصحيح ، لأنه حقيقة في الإقرار المعلق ، مع احتمال أن يريد به التأجيل ، فإن المؤجل لا يجب أداؤه قبل الحلول ، إلا أنه مجاز ، لأنه ثابت في ذمته قبله ، فيصدق أنه عليه ، وحمله على الحقيقة ممكن.

١٠٧

بحث المفاهيم

ومن لواحق هذا الباب : البحث عن دلالة اللفظ ، حقيقة كان أم مجازا ، وهي قسمان : منطوق ومفهوم.

فالأوّل ما دل عليه اللفظ في محل النطق ، والثاني بخلافه.

ثم المفهوم قسمان : مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة.

فالأوّل : أن يكون المسكوت عنه موافقا في الحكم ، ويسمى : فحوى الخطاب ، ولحن الخطاب.

والثاني : أن يكون المسكوت عنه مخالفا ، ويسمى دليل الخطاب ، وهو أقسام.

منها : مفهوم الصفة ، ومفهوم الشرط ، والغاية ، واللقب ، والعدد ، والحصر ، والزمان ، والمكان ، وغيرها.

قاعدة « ٢٤ »

مفهوم الموافقة حجة عند الجميع ، لأن الحكم في المسكوت عنه أولى به في المنطوق ، ومن ثم نرده لو كان مساويا.

ومن مثله دلالة قوله تعالى ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) (١) على تحريم ضربهما ونحوه من أنواع الأذى. والجزاء بما فوق المثقال من قوله تعالى ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) (٢). وتأدية ما دون القنطار من ( يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) وعدم الآخر

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

(٢) الزلزال : ٧.

١٠٨

من ( لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ) (١) وهو تنبيه بالأدنى ، فلذلك كان في غيره أولى ؛ ويعرف بمعرفة المعنى ، وأنه أشد مناسبة في المسكوت عنه.

إذا علمت ذلك فمن فروعه :

ما لو أذن المالك للوكيل في بيع متاعه بمائة ، فإنه يجوز له بيعه بأزيد بطريق أولى.

نعم لو دلت القرائن على إرادته حصر الثمن في القدر المعيّن للإرفاق بالمشتري ونحوه ، لم تجز الزيادة ، لانتفاء الدلالة حينئذ.

ومن فروعه المشكلة :

ما لو قال ولي المحجور عليه لغيره : بع هذه العين بعشرة ، وكانت تساوي مائة ، فإنه لا يصح البيع أصلا ، لا بالمائة ، ولا بما دونها ، مع أنّ الإذن في بيعها بالعشرة يدل بالمفهوم الموافق على الإذن فيها بالمائة. ولو أذن ابتداء في البيع بها صح ، فيفيد حينئذ الصحة في الزيادة ، حيث يدل عليها بهذا المفهوم.

والوجه في المنع حينئذ : أنّ اللفظ المنطوق به وقع لاغيا شرعا ، وهو الأصل في استفادة المفهوم ، فإذا لغا الأصل لغا الفرع بطريق أولى.

مسألة :

دلالة الالتزام حجة في كثير من الموارد ، وإن لم تكن من قبيل المفاهيم ، وذلك مثل أن تتوقف دلالة اللفظ على المعنى على شي‌ء آخر ، كقوله : أعتق عبدك عني ، فإنه يستلزم سؤال تمليكه ، حتى إذا أعتقه تبيّنا دخوله في ملكه ، لأن العتق لا يكون إلا في مملوك.

ومن فروع المسألة :

ما إذا قال : أبرأتك في الدنيا دون الأخرى ، فتحتمل براءته فيهما ، لأن البراءة في الأخرى تابعة للبراءة في الدنيا. ويلزم من

__________________

(١) آل عمران : ٧٥.

١٠٩

وجودها في الدنيا وجودها في الأخرى ، لأن وجود الملزوم يستلزم وجود اللازم.

ويحتمل العكس ، لأنه لما لم يبرأ في الأخرى فقط انتفى اللازم ، ويلزم من عدم اللازم عدم الملزوم.

ومما تخلّف فيه اعتبار الدلالة الالتزامية دخول ما يتناوله المبيع بالالتزام ، فإنه لا يندرج في المبيع عند الإطلاق ، كما لو باع السقف ، فإنه لا يدخل الحائط ، مع أنه دالّ عليه بالالتزام. فموارده كثيرة في تضاعيف الفقه.

قاعدة « ٢٥ »

ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة ، أي يدلان على نفي الحكم عند انتفاء الصفة والشرط (١). وقيل : ليسا بحجة (٢). وفصل آخرون ، فجعلوا مفهوم الشرط حجة دون الصفة (٣).

ولا فرق فيهما بين النفي والإثبات. ولا إشكال في دلالتهما في مثل الوقف والوصايا والنذور والأيمان ، كما إذا قال : وقفت هذا على أولادي الفقراء ، أو إن كانوا فقراء ، ونحو ذلك.

وإنما تظهر الفائدة في مواضع تتفرع على المذاهب :

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا » (٤)

__________________

(١) كالشافعي في الأم ٢ : ٥ ، ونقله عن الشافعي وجمهور أصحابه الأسنوي في التمهيد : ٢٤٥.

(٢) كالآمدي في الإحكام ٣ : ٨٠ ، ٩٦ ونقله عن القاضي.

(٣) نقله عن فخر الدين في التمهيد : ٢٤٥ ، ونقله عن العباس بن سريج في الإبهاج ١ : ٢٤٠.

(٤) السرائر ١ : ٦٣ ، سنن النسائي ١ : ١٧٥ باب التوقيت في الماء ، عوالي اللئالي ١ : ٧٦. سنن الترمذي ١ : ٤٦ ، مختصر سنن أبي داود ١ : ٥٦ باب ما ينجس الماء حديث ٥٨.

١١٠

وقول الصادق عليه‌السلام « إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (١).

فعلى حجية مفهوم الشرط ، يدل على تنجس ما دونه بمجرّد الملاقاة ، لأنه موضع النزاع ، إذ لا خلاف في تنجس الماء مطلقا بالتغير بالنجاسة ، فيكون حجة على القائل بعدم انفعال القليل كابن أبي عقيل (٢) ، وعلى من يخصه بالجاري كقول الأكثر (٣) ، فإنه شامل له ولغيره من حيث العموم أو الإطلاق هنا.

وادعى بعض الفقهاء إجماع الأصوليين على حجية المفهوم في هذا الخبر وإن نوزع في غيره.

وعلى القول بعدم العمل بمفهوم الشرط مطلقا يبقى عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء ، إلا ما غيّر لونه ، أو طعمه ، أو ريحه » (٤).

وعلى الأول يجب الجمع بينهما بتقييد ما أطلق هنا بما قيّد في السابق.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليس لعرق ظالم حق » (٥) بالإضافة على الحقيقة ، أو الوصف على الإسناد المجازي ، فإنه يدل بمفهوم (٦) وصفه على أن عرق غير الظالم له حق.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ حديث ١ ، التهذيب ١ : ٤٠ حديث : ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٧ حديث ٦ ، الوسائل ١ : ١١٧ أبواب الماء المطلق باب ٩ حديث ١ ، ٢ ، ٦.

(٢) نقله عنه في كشف الرموز١ : ٤٥.

(٣) الأم ١ : ٤ ، المغني ١ : ٣٢.

(٤) السرائر ١ : ٦٤ ، المعتبر ١ : ٤٠ ، الوسائل ١ : ١٠١ أبواب الماء المطلق باب ١ حديث ٨.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٤٠ كتاب المزارعة ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ حديث ١٣٧٨ ، سنن أبي داود ٣ : ١٧٨ حديث ٣٠٧٣ ، الموطأ ٢ : ٧٤٣ كتاب الأقضية حديث ٢٦.

(٦) في « د » ، « م » : بمضمون.

١١١

وعليه يتفرّع حكم : ما لو زرع أو غرس المفلس في الأرض التي اشتراها ولم يدفع ثمنها ، وأراد بائعها أخذها ، فإنه لا يقلع زرعه وغرسه مجانا ولا بأرش ، بل عليه إبقاؤه إلى أوان جذاذ الزرع ، وفي الغرس يباعان ويكون للمفلس بنسبة غرسه من الثمن.

وكذا لو انقضت مدة المزارعة (١) والزرع باق. ولم يعلما تأخره عن المدة المشروطة وقت العقد ، فإن الزرع حينئذ لا يقلع أيضا ، لأنه ليس بظالم ، نعم يجمع بين الحقين بالأجرة. والفرق أن المشتري دخل على أن تكون المنفعة له مباحة بغير عوض ، بخلاف العامل.

وكذا لو أخذ الشفيع الأرض بالشفعة بعد زرع المشتري. ونظائر ذلك كثيرة. وادعى بعضهم الإجماع أيضا على العمل بمفهوم الحديث هنا ، وإن منع من العمل بمفهوم الوصف (٢).

قاعدة « ٢٦ »

إنما يكون مفهوم الشرط والوصف حجة عند القائل به إذا لم تظهر للتقييد فائدة غير نفي الحكم ، فإن ظهرت له فائدة أخرى لم يدل على النفي.

فمن الفائدة : أن يكون العاري عن تلك الصفة أولى بالحكم من المتصف بها.

أو يكون رجوعا بالسؤال ، كالسائل مثلا عن سائمة الغنم هل فيها زكاة؟

فقال : في سائمة الغنم الزكاة فلا يدل على النفي ، لأن ذكر السوم والحالة هذه

__________________

(١) في « د » ، « م » : الزراعة.

(٢) كما في الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٣٩٢ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٣ : ٩٣.

١١٢

لمطابقة كلام السائل.

أو لكون السوم هو الغالب ، فإن ذكره إنما هو لأجل غلبة حضوره في ذهنه.

إذا تقرر ذلك فمن فروع القاعدة :

ما إذا قال : لله علي أن أعتق رقبة كافرة ، فأعتق مؤمنة ؛ أو قال : معيبة ، فأعتق سليمة. فقيل : لا تجزي ، ويتعين ما ذكره ، عملا بمدلول اللفظ (١).

وقيل : تجزي ، لأنها أكمل ، وذكر العيب والكفر ليس للتقرب ، بل لجواز الاقتصار على الناقص ، كمن نذر الصدقة بحنطة رديئة ، فإنه يجوز له التصدق بالجيدة (٢).

هذا إذا كان المنذور مطلقا. أما لو قال : هذا الكافر ، أو : هذا المعيب ، فإنه لا يجزيه غيره قولا واحدا ، لتعلق النذر بعينه.

ومنها : إذا قال : إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ، فتزوجها وظاهرها ، فإنه يصير مظاهرا من الأخرى على أحد الوجهين ، حملا للوصف على التعريف بالواقع.

ويحتمل أن لا يصير مظاهرا ، لأن الوصف لم يوجد.

هذا إذا قصد بظهار الأجنبية مواجهتها باللفظ ، ولو قصد المعنى الشرعي لم يقع مطلقا. والكلام في هذه كالتي قبلها.

ومنها : جواز مخالعة الزوجين عند الأمن من إقامة الحدود ، والخوف من عدم إقامتها ، مع أن الله تعالى قد قال ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) (٣) لأن الغالب أن الخلع لا يقع إلا في حالة الخوف ، فلا يدل ذلك على المنع عند انتفاء الخوف.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٦٥.

(٢) التمهيد للأسنوي : ٢٤٩ ، التجريد لنفع العبيد ٤ : ٣٤٣ ، الروضة ٣ : ٣٠٧.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

١١٣

وذهب بعض العامة إلى عدم جوازه إلا في هذه الحالة ، عملا بظاهر الآية (١).

ومنها : أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها » (٢) وإن أشعر تقييده أن التارك عمدا لا يقضي ، إلا أن هذا التقييد لا مفهوم له ، لأن القضاء إذا وجب على المعذور فغيره بطريق أولى.

وخالف جماعة من العامة فقالوا : لا يقضي تغليظا عليه ، قالوا : وليس وجوب القضاء من باب المعاقبة حتى يقال : يجب على غيره بطريق أولى ، لأن تأهيل شخص للعبادة من باب اصطفائه وتقريبه ، فإن المملوك لا ترضى كل أحد لخدمتها (٣).

وهذا البحث على تقدير انحصار الدلالة في الخبر. ويمكن استفادته عندنا من نصوص أخر (٤).

قاعدة « ٢٧ »

مفهوم العدد حجة عند جماعة من الأصوليين (٥) ، لأنه لما نزل قوله تعالى ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) (٦) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والله

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٨ : ١٧٧ ، ونقله عن العز بن عبد السلام في الإبهاج ١ : ٢٣٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ باب من نسي صلاة ، صحيح مسلم ٢ : ١٢٧ كتاب المساجد ومواضع الصلاة حديث ٣٠٩ ، سنن أبي داود ١ : ١١٨ حديث ٤٣٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠.

(٣) مغني المحتاج ١ : ١٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٦ ، وحكاه عن جماعة في التمهيد : ٢٥٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٤٧ أبواب قضاء الصلوات ب ١.

(٥) نقله عن الشافعي في المنخول : ٢٠٩.

(٦) التوبة : ٨٠.

١١٤

لأزيدن على السبعين » (١).

وذهب المحققون إلى أنه ليس بحجة مطلقا إلا بدليل منفصل (٢) ، كما إذا كان العدد علة لعدم أمر ، فإنه يدل على امتناع ذلك الأمر في الزائد أيضا لوجود العلة ، وعلى ثبوته في الناقص لانتفائها ، كحديث القلتين.

وكذا إذا لم يكن علة ، ولكن أحد العددين داخل في العدد المذكور ، زائدا كان كالحكم بالحظر ، فإن تحريم جلد المائة مثلا يدل عليه في المائتين ولا يدل في الناقص ، لا على إثبات ولا على نفي ؛ أو ناقصا ، كالحكم بإيجاب العدد أو ندبه أو إباحته ، فإنه يدل على ذلك في الناقص ، ولا دلالة فيه على الزائد بشي‌ء.

إذا علمت ذلك فللمسألة فروع :

منها : إذا قال : بع ثوبي بمائة ، ولم ينهه عن الزيادة ، فباع بأكثر ، صح.

وفيه وجه أنه لا يصح ، كما لو نهاه عن الزيادة ، وهو الموافق لقاعدة كون المفهوم المذكور حجة.

ويقوى هذا القول مع دلالة القرائن على إرادة المالك الاقتصار على العدد المذكور للإرفاق بالمشتري الخاصّ أو مطلقا ، لأنه أمر مطلوب شرعا ، ونحو ذلك ؛ ومع انتفائها يتخرج على أحد القولين ، ويتجه الجواز ، لضعف القول الأول.

ومنها : لو قال لزوجته : إن أعطتني فلانة ألفا فأنت علي كظهر أمي ، فزادت ، فإنه يقع أيضا ، إلا على القول السابق ، وعدم الوقوع هنا أضعف من السابق ، لأن من أعطى مائة ودرهما يصدق أنه أعطى مائة ، بخلاف من باع بمائة ودرهم.

__________________

(١) تفسير الطبري ١٠ : ١٣٨ ، الدر المنثور ٤ : ٢٥٤ ، مجمع البيان ٢ : ٥٥.

(٢) كالآمدي في الإحكام ٣ : ٨٨ ، والغزالي في المستصفى٢ : ١٩١ ، ١٩٥ ، والبيضاوي في المنهاج ( نهاية السؤل ) ٢ : ٢٢١.

١١٥

ويتفرع على ما سبق :

ما لو قال : بع ثوبي ولا تبعه بأكثر من مائة ، لم يبعه بأكثر من مائة ، ويبيعه بها وبما دونها ، ما لم ينقص عن ثمن المثل.

ولو قال : بعه بمائة ، ولا تبعه بمائة وخمسين ، فليس له بيعه بمائة وخمسين ، ولا بما زاد عليها في الأصح ، ويجوز بما دون ذلك ، ما لم ينقص عن مائة.

ومنها : إذا قال : أوصيت لزيد بمائة درهم ، ثم قال : أوصيت له بخمسين ، فوجهان. أصحهما : ليس له إلا خمسون ، ولا يجمع بينهما ؛ كما لو عكس فأوصى له بخمسين ثم أوصى له بمائة ؛ فليس له إلا الموصى به أخيرا وهو المائة.

والوجه الثاني : أن له مائة وخمسين ، وهو ضعيف.

وهذا يأتي في كل عقد يجوز تغييره ، كما إذا قال : من رد آبقا فله عشرة ، ثم قال قبل العمل : فله خمسة (١).

قاعدة « ٢٨ »

مفهوم الزمان والمكان حجة عند جماعة (٢) ومردود عند المحققين (٣).

ومن فروعه :

ما إذا قال لوكيله : افعل هذا ، ثم قال : افعله في هذا اليوم ، أو في هذا المكان ، فمقتضى العمل بالمفهومين أنه يكون منعا له فيما عدا ذلك.

__________________

(١) في « م » زيادة : كذلك الفرض ونحوه.

(٢) نقله عن الحنابلة الآمدي في الإحكام ٢ : ١٩٩ ، وعن الشافعي في المنخول : ٢٠٩.

(٣) المحصول ١ : ٣٢٦ ، الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ١٩٩.

١١٦

ومنها : إذا ادعي عليه عشرة ، فأجاب بأنه لا يلزمه تسليم هذا المال اليوم ، فقيل : لا يجعل مقرا ، لأن الإقرار لا يثبت بالمفهوم (١).

ويتجه عند القائل به اللزوم ، لأن مقتضاه لزومه في غيره ، فيكون إقرارا بالمؤجل. ويتفرع عليه لزومه حالا إن لم يقبل إقراره بالأجل كما هو المشهور.

ومنها : إذا قال : بعه في يوم كذا ، أو في مكان كذا ، فخالف الوكيل ، فإن العقد لا يصح ، وكذا نحوه من العقود والإيقاعات.

والحق أن التقييد في الوكالة ونحوها تابع للفظ ، ومختص بما قيده ، لا من حيث المفهوم. ومن ثم لم يخالف من رد المفهوم في اختصاص الوكالة أو الوقف ونحوهما بما قيده وصفا ، وشرطا ، وزمانا ، ومكانا ، وغيرها.

قاعدة « ٢٩ »

مفهوم اللقب

أي تعليق الحكم بالاسم ، طلبا كان أم خبرا ، ليس بحجة عند الجمهور ، فإذا قال قائل : أكرم زيدا ، أو قام زيد ، أو بعتك هذا العبد ، فلا يدل اللفظ الصادر منه بمفهومه على نفي ذلك عن غيره ، بل يكون مسكوتا عنه ، وإن كان منفيا بالأصل ، لأنه لو دل على ذلك للزم أن يكون قول القائل : محمد رسول الله ، دالا على نفي رسالة غيره من الرسل ، وهو كفر.

وذهب الدقاق والصيرفي من الشافعية وجماعة من الحنابلة وبعض المالكية إلى أنه حجة ، لأن التخصيص لا بد له من فائدة (٢).

__________________

(١) قال الآمدي : اتفق الكل على أن مفهوم اللقب ليس بحجة ، خلافا للدقاق ، وأصحاب الإمام أحمد بن حنبل. الإحكام في أصول الأحكام : ٣ : ٩٠ ، وكذا نقله عنهم في التمهيد : ٢٦١.

(٢) نقله الرافعي عن القاضي حسين كما في التمهيد : ٢٥٩.

١١٧

إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة :

ما إذا وكل جماعة في بيع أو تزويج ونحوه ، ثم خصص واحدا بالإذن ، فإنه لا يكون رجوعا عن غيره بمجرده ، إلا أن تدل القرينة الخارجة عليه.

ومنها : إذا أوصى بعين لزيد ، ثم قال : أوصيت بها لعمرو ، فقال بعضهم : لا يكون رجوعا عن الوصية الأولى ، بل يشرك بينهما بناء على القاعدة فإنه خص الاسم بالثاني (١) ، فلا يدل على نفيه عن الأول (٢).

والأقوى أنه رجوع ، لأنه المفهوم منه عرفا ، ولا إشكال لو صرح بإرادة التشريك أو الرجوع.

قاعدة « ٣٠ »

الحكم المعلق على اسم يكفي فيه الاقتصار على ما يتحقق ( معه في ) (٣) أقل مراتبه ، وقيل : لا بد من آخر مراتبه احتياطا (٤).

ومن فروعه :

ما إذا أسلم إليه في شي‌ء على أن يسلمه في البلد الفلاني وشبهه ، فإنه يكفي تسليمه في أول جزء من البلد ، لأن الظرفية قد تحققت ، ولا يجب عليه أن يوصله إلى منزله ، ولا إلى آخر البلد.

ومنها : ما لو أسلم أو أجل المبيع أو مال الإجارة ونحوها إلى جمادى أو ربيع ، فإنه يحمل على أقربهما ، لصدق الاسم على الأول. ومثله إلى

__________________

(١) كذا ، والمراد أن التعبير بالاسم الثاني لا يدل على نفيه عن غيره.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٤٨٣ ، التمهيد للأسنوي : ٢٦٢.

(٣) في « م » : منه.

(٤) نقله عن شرح المحصول والتنقيح الأسنوي في التمهيد : ٢٦٣.

١١٨

الخميس وغيره من أيام الأسبوع.

وفرّق بعض الأصحاب بين الأمرين ، فحمل الإطلاق في الثاني على الأول ، دون الأول ، استنادا إلى دلالة العرف (١).

وقد يشكل الحكم فيهما معا ، بأنه يعتبر علمهما بالأجل على وجه لا يحتمل الزيادة والنقصان قبل العقد ، ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط ، فلا يكفي ثبوته شرعا مع جهلهما أو أحدهما ، كما لو أجله إلى النيروز ونحوه ، وهما أو أحدهما لا يعلمانه ، فإنه لا يكفي في صحته إمكان الرجوع فيه إلى الشارع أو غيره.

ويمكن الفرق : بأن اللفظ ، إذا دلّ على شي‌ء مشترك أو مجمل على بعض الوجوه ، بحيث يمكن الرجوع عند التنازع إلى مفهوم اللفظ صح ، وكذا لو استفيد معناه من العرف ونحوه ، بخلاف ما لا يدل اللفظ وما في معناه عليه. وفيه نظر.

ومن ثم ذهب بعضهم إلى عدم جواز التأجيل بذلك من دون التعيين ، حيث لا يكون معلوما بينهما. وله وجه وجيه.

ومنها : ما روي من كراهة تقليم الأظفار وحلق الشعر لمريد التضحية إذا دخل عليه عشر ذي الحجة (٢) ، فلو أراد التضحية بأعداد من النعم ، فهل يبقى النهي إلى آخرها ، أم يزول بذبح الأول؟ يتخرج على القاعدة ، ويتجه زوال الكراهة بذبح واحد أو نحره ، لصدق الاسم به.

ومنها : إذا طلّق الحامل فولدت توأمين ، فإن عدتها تنقضي بوضع الأول ؛ على الأول ، وبالثاني ، على الثاني.

__________________

(١) هذا التفريق للعلامة في قواعد الأحكام ١ : ١٣٧ ، والتذكرة ١ : ٥٤٨.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ٢٢٠ كتاب الأضاحي حديث ١٩٧٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٥٢ حديث ٣١٤٩ ـ ٣١٥٠ ، سنن النسائي ٧ : ٢١١ كتاب الضحايا.

١١٩

والمسألة موضع خلاف ، ويمكن بناؤه على القولين.

والأقوى توقف انقضائها على وضع الجميع ، لتعليق أجلهن في الآية (١) بوضع حملهن ، ولا يتحقق وضع الحمل المضاف إليهن إلا بوضع الجميع ، ولأن الغرض من العدة استبراء الرحم من الحمل ، ولا يتحقق بدونه. وهذان دليلان من خارج.

ومنها : ما لو نذر الصوم يوم تلد امرأته ، فولدت توأمين ، كل واحد في يوم ، ففي وجوب الأول أو الثاني الوجهان ، وأقواهما الأول. وقس عليه نظائر ذلك.

__________________

(١) وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهن ـ الطلاق : ٤

١٢٠