نظرة عابرة الى الصحاح الستة

عبد الصمد شاكر

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

المؤلف:

عبد الصمد شاكر


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٧

وبسند رابع : « لا يزال الاسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لاَبي : ما قال؟ فقال : « كلّهم من قريش »

وبسند خامس عنه : « لا يزال هذا الاَمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ... » فقال : « كلّهم من قريش ».

وبسند سادس عنه : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة » فقال كلمة صمنيها الناس ... « كلهم من قريش ».

وبسند سابع ... سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم جمعة عشية رجم الاَسلمي يقول : « لايزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش » (١).

أفضل الاَعمال

( ٦٢٦ ) عن النعمان بن بشير : كنت عند منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رجل : ما اُبالي أن لا أعمل عملاً بعد الاسلام إلاّ أن اسقي الحاج ، وقال آخر : ما اُبالي أن لا أعمل عملاً بعد الاسلام إلاّ أن أعمر المسجد الحرام ، وقال آخر الجهاد في سبيل الله أفضل ممّا قلتم ، فزجرهم عمر ... فانزل الله عزّ وجلّ : ( أجعلتم سقايةَ الحاجَّ وعمارةَ المسجد الحرام كمن آمن بالله ... ) (٢) (٣)؟.

أقول : رواه الشيعة الامامية باسناد معتبر وفيه انّ هؤلاء الذين حذفت اسماؤهم في هذه الرواية هم : العباس ، وحمزة ، وعلي. والظاهر انّ ذكر زجر عمر موضوع ، فانّه لم يصلح لزجر امثال هؤلاء يؤمذاك ، وقد يزعم انّ حذف اسماء هؤلاء لاَجل تضمنها فضيلة لعلي ، فانّه هو الذي ذكر الايمان

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٢٦.

(٣) التوبة ٩ : ١٩.

٣٤١

والجهاد ، والله العالم.

أرواح الشهداء وتجندها

( ٦٢٧ ) عن مسروق : سألنا عبدالله عن هذه الآية : ( ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون ) (١) ، قال : أما إنّا سألنا عن ذلك ، فقال : « أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع اليهم ربّهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا : أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا انّهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا رب نريد أن ترد أرواحنا في اجسادنا حتّى نقتل في سبيلك مرة أُخرى ... » (٢).

أقول : داعياً من الله أن يرزقني الشهادة في سبيله ، انّه قد يورد بانّ جعل أرواح الشهداء بل مطلق المؤمنين في جوف طير مناف لكرامتهم واهانة لهم ، فلا بد من تأويله(٣).

ثم انّه يقال انّ المنعم أو المعذّب من الاَرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح ، وهو الذي يتألم ويعذّب ويلتذ وينعم ، وهو الذي يقول : ربّ ارجعون. وقد اختلفوا في الروح ما هي اختلافاً لا يكاد يحصر كما قيل ، فقال أرباب المعاني وعلم الباطن : لا تعرف حقيقتها ولا يصح وصفها لقوله تعالى : ( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ).

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٦٩.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٣٣.

(٣) لاحظ شرح النووي حتّى تعرف اختلاف نسخ الحديث في جملة ( في جوف طير ) ففي نسخة بحواصل طير ، وفي نسخة طير ، وهذا أحسن للتأويل ، وانّها تطير كطيران الطير.

٣٤٢

وغلت الفلاسفة فقالت : بعدم الروح.

وعن جمهور الاطباء : هو البخار اللطيف الساري في البدن.

وقال كثيرون من شيوخ القاضي عياض : هو الحياة.

وقال آخرون : هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم يحيى لحياته أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه.

وقيل : هو بعض الجسم ، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم وقال بعض متقدمي أئمة القاضي : هو جسم لطيف متصوّر على صورة الانسان داخل الجسم.

وقال بعض مشايخه وغيرهم : انّه النفس الداخل والخارج.

وقال آخرون : هو الدم.

يقول النووي ـ بعد نقل الاَقوال المذكورة ـ : والاَصح عند أصحابنا ، انّ الاَرواح أجسام لطيفة متخلّلة في البدن فاذا فارقته مات (١).

أقول : والحق انّ الروح والنفس موجود واحد وحقيقته مجهولة ، وما أوتينا من العلم إلاّ قليلاً وبهذا القليل نعلم انّ الروح غير داخل في البدن ، وتعلّقه بالبدن تعلّق تدبيري ، لا كتعلق الراكب والمركوب ولا كتعلق الظرف والمظروف. ثم انّ البراهين العقلية تشهد بتجرّد الروح ونفي جسمانيّته ، وإن كان المشهور بين المتكلمين انّه جسم لطيف.

وعلى كل ، أكثر الاَقوال المتقدّمة ضعيفة صدرت عمّن لا خبرة لهم ، وأمّا الظواهر النقلية فلا بدّ من تأويلها بوجه حسن ان تمت البراهين على التجرد ، ثم انّ المتنعم والمعذّب هو الروح المدرك ، ونحن وان نعتقد بانّ الحشر في المعاد جسماني لكنّه لاَجل التعبّد بالقرآن الكريم والجسم لا

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٣١ ـ ٣٣.

٣٤٣

يدرك العذاب ، فما أضعف قول من يقول بانّ المنعم والمعذّب هو جزء من الجسد. وتحقيق المقام وتفصيل المقال في محلّه.

( ٦٢٨ ) عن أبي هريرة : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الاَرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف » (١).

موقف الناس مع الحكومات

( ٦٢٩ ) عن عبادة بن صامت ... وان لا ننازع الاَمر أهله ، قال : « الاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » (٢).

( ٦٣٠ ) وعن أبي هريرة : « ... وستكون خلفاء فتكثر » قالوا : فما تأمرنا؟ قال : « فوا ببيعة الاَول فالاول ، واعطوهم حقهم ، فانّ الله سائلهم عما استرعاهم »(٣).

( ٦٣١ ) عن عبدالله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستكون بعدي أثرة وامور تنكرونها ... » قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم » (٤).

( ٦٣٢ ) عن عبدالله بن عمرو : « ... ومن بايع اماماً ... فليطعه ان استطاع ، فان جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ... » فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول : ( يا أيّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ... ولا تقتلوا أنفسكم ... ) فسكت ساعة ثم قال : اطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ١٨٥.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٢٨.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٣١.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٣٢.

(٥) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٣٤.

٣٤٤

أقول : لا أدري كيف نسي عاجلاً أمر النبي بضرب عنقه حيث ادّعى الخلافة بعد بيعة الناس لعلي. ثم الحديث يدلّ على فسق معاوية.

( ٦٣٣ ) عن سلمة بن يزيد : .... فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اسمعوا واطيعوا ، فانّما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم » (١).

( ٦٣٤ ) عن حذيفة : ... يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس » قال : قلت : كيف اصنع يا رسول الله إن ادركت ذلك الزمان؟ قال : « تسمع وتطيع للاَمير ، وان ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع واطع ».

( ٦٣٥ ) عن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ... » (٢).

( ٦٣٦ ) عن ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رآى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فانّه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية » (٣).

( ٦٣٧ ) عن نافع : جاء عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ماكان ، زمن يزيد بن معاوية ، فقال : اطرحوا لاَبي عبد الرحمن وسادة فقال انّي لم آتك لاَجلس اتيتك لاَحدّثك حديثاً سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... يقول : « من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (٤).

أقول : هل سمع هذه الاَحاديث زعماء حرب الجمل وحرب صفين

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٣٦.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٣٨.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٤٠.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٤٠.

٣٤٥

أم لا ، وهذا ابن عمر يؤكد على بيعة يزيد الفاسق ولا يبايع عليّاً ، وهل يزيد أصلح من علي؟ أو انّ ابن عمر لا يخاف الله ويخاف يزيد ، ثم انّ هذه الاحاديث قويت أمر حكام بني أميّة ، ولا يبعد انّها كلّها ممّا وضعها اجراؤهم ترويجاً لاَمرهم على الناس واسكاتاً للمظلومين. ولو انّ المسلمين قاموا في وجه الطغاة والفساق من الحكام لما بلغ وضع المسلمين إلى هذه الدرجة الدنية ولم يخسروا الدين والدنيا ولم يغلب الكفار عليهم ، ومن تعمق في التاريخ الاسلامي يفهم جيداً انّ السبب الاَكبر في انحطاطهم وضعفهم وتخلفهم عن الصنعة والاقتصاد والسياسة واستيلاء الفقر والجهل والذلة عليهم ، بل وابتعادهم عن دينهم وقرآنهم وشيوع الفسق والفجور فيهم واعتزال الدين عن اوساط المجتمع إلى زوايا المساجد انّما هو الحكومات الظالمة والسلطات الجائرة ، فلعن الله من خدع المسلمين بوضع امثال هذه الروايات الكاذبة المخالفة للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد علم المسلمون اليوم انّ اصلاح حال الاَمّة انّما هو باسقاط هذه الحكومات والانظمة الفاسقة ، فثاروا في مصر والجزائر وايران وتونس وغيرها تحكيماً للكلمة الطيبة لا إله إلاّ الله ولا معبود سواه ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ).

الاختلاف في عدد الجيش

( ٦٣٨ ) عن أبي الزبير ، عن جابر : كنّا أربع عشرة مائة ... » (١).

وعن سالم ، عن جابر : كنّا ألفاً وخمسمائة.

وعن سالم أيضاً ، عنه : كنّا ألفاً واربعمائة (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٢.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٤.

٣٤٦

( ٦٣٩ ) وعن معقل : ... نحن أربع عشرة مائة (١).

الاختلاف في الروايات غير عزيز ، وانّما الغرض من ذكره بطلان القول بصحة أحاديث كتب البخاري ومسلم وغيرهما ، فانّ الروايات والاَحاديث المتضاربة فيها كثيرة ، فيعلم كذب أحد المتعارضين قطعاً ، فلا يجوز الغلو.

قتل الخليفة الآخر

( ٦٤٠ ) عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما » (٢).

حلية أكل الضب

( ٦٤١ ) عن عبدالله بن عباس : ... قال خالد ( بن الوليد ) فاجتررته ( أي الضب ) فأكلته ورسول الله ينظر ، فلم ينهني (٣).

وفي سند آخر : « لا آكله ، ولا أنهى عنه ، ولا أحرّمه » (٤).

أقول : لكنّه من الخبائث ، والخبائث يحرّمها النبي على الناس كما أخبر القرآن بذلك ، فالحديث موضوع.

الأضحية

( ٦٤٢ ) عن عائشة : انّ رسول الله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد ... فاضجعه ثم ذبحه ثم قال : « باسم الله ، اللّهم تقبّل من محمّد وآل محمّد ومن اُمّة محمّد » ثم ضحى به (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٥.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٢ : ٢٤٢.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ١٠٠.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ١٠١.

(٥) صحيح مسلم بشرح النووي١٣ : ١٢٢.

٣٤٧

التناقض في التنفّس في الاناء

( ٦٤٣ ) عن أبي قتادة : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يتنفّس في الاناء (١).

( ٦٤٤ ) عن أنس : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتنفّس في الاناء ثلاثاً (٢).

أقول لفظ كان يدلّ على المداومة كما لا يخفى.

اهانة مقام النبوة

( ٦٤٥ ) عن أنس : انّ جاراً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارسيّاً كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم جاء يدعوه فقال : « وهذه لعائشة! » فقال : لا ، فقال رسول الله « لا ».

فعاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وهذه » قال : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ».

ثم عاد يدعوه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وهذه » قال : نعم في الثالثة ، فقاما يتدافعان؟!! حتّى اتيا منزله (٣).

أقول : أيّها المسلم العاقل هل يرضى عقلك بهذا النسبة إلى هذه الشخصية العظيمة. أليس أبو حنيفة على حق في عدم قبوله روايات أنس كما نقل عنه؟

( ٦٤٦ ) عن عمرو بن العاص : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل ، فأتيته فقلت : أي الناس أحبّ اليك؟ قال عائشة.

قلت : من الرجال؟

قال : « أبوها ».

قلت : ثم من؟

__________________

( ١و٢ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ١٩٨.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٣ : ٢٠٩.

٣٤٨

قال : عمر. فعد رجالاً! (١).

أقول : هل ترى الرسول الذي بعثه الله إلى الانس والجن إلى يوم القيامة وهو أفضل رسل الله أن يتكلم بمثل هذا الكلام وانّ زوجته أحبّ اليه من جميع أُمتّه؟ وهل يتكلم به عالم عند انصاره وخواصه؟ ونحن لا نشك في انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحبّ عائشة كجملة من زوجاته حب الزوج لزوجته الجميلة لكن ليس معنى هذا تقديمها في الحب على العلماء والزهاد والمجاهدين إلى يوم القيامة ، فان هذا لا يليق بعاقل.

الايثار والانقياد

( ٦٤٧ ) عن أبي هريرة : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : انّي مجهود ، فأرسل إلى بعض نسائه فقالت : والذي بعثك بالحق ما عندي إلاّ ماء ، ثم أرسل إلى اُخرى فقالت : مثل ذلك ، حتّى قلن كلهنَّ مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلاّ ماء.

فقال : « من يضيف هذا الليلة رحمه الله ».

فقام رجل من الانصار فقال : أنا يا رسول الله ، فأنطلق به إلى رحله فقال لامرأته : هل عندك شيء؟ قالت : لا ، إلاّ قوت صبياني.

قال فعلليهم بشيء ، فاذا دخل ضيفنا فاطفىء السراج وأريه انّا نأكل ، فاذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتّى تطفئيه.

قال : فقعدوا وأكل الضيف ، فلمّا أصبح غدا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة » (٢).

( ٦٤٨ ) عن ابن عباس : انّ رسول الله رأى خاتماً من ذهب في يد

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٥٣.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ١١.

٣٤٩

رجل فنزعه فطرحه وقال : « يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده » فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذ خاتمك انتفع به.

قال : لا ، والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

فائدة لغوية

( ٦٤٩ ) عن عبد الرحمن : ... سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها... »(٢).

عن الكسائي : اعظم القصاع الجفنة ، ثم القصعة تليها تشبع العشرة ، ثم الصفحة تشبع الخمسة ، ثم المكيلة تشبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصحيفة تشبع الرجل.

في حق علي

( ٦٥٠ ) عن ابن عمر : ... اُتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحلل سيراء ، فبعث إلى عمر بحلّة ، وبعث إلى اُسامة بحلّة ، واعطى علي بن أبي طالب حلّة وقال : « شقّقها خمراً ( جمع خمار ) بين نسائك ».

قال : فجاء عمر بحلته يحملها فقال : يا رسول الله بعثت اليَّ بهذه وقد قلت بالاَمس في حلة عطارد ما قلت ( اي انّما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ) فقال : « انّي لم أبعث بها اليك لتلبسها ... » (٣).

( ٦٥١ ) وعن أبي صالح الحنفي ، عن عليّ : انّ اُكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثوب حرير ، فأعطاه علياً فقال : شقّقه خمراً بين

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٦٦.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٣٧.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٤٠.

٣٥٠

الفواطم » (١) ، ( فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت حمزة ، كما قيل ).

( ٦٥٢ ) عن أبي صالح ، عن علي قال : اُهديت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّة سيراء ، فبعث بها اليَّ فلبستها ، فعرفت الغضب في وجهه فقال : « انّي لم أبعث بها اليك لتلبسها ، انّما بعثت بها اليك لتشقّقها خمراً بين النساء » (٢).

( ٦٥٣ ) عن زيد ، عن علي قال : كساني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّة سيراء ، فخرجت فيها ، فرأيت الغضب في وجهه. قال : فشققتها بين نسائي (٣).

( ٦٥٤ ) عن علي : انّه اُهدي لرسول الله حلّة مكفوفة بحرير ، إمّا سداها وإما لحمتها ، فأرسل بها اليَّ ، فأتيته فقلت : يا رسول الله ما أصنع بها ألبسها؟ قال : « لا ، ولكن اجعلها خُمراً بين الفواطم » (٤).

قيل : السدى من الثوب خلاف اللحمة ، وهو ما يمد طولاً في النسج ، ولحمة الثوب بالفتح ما ينسج عرضاً ، والضم لغة.

أقول : انظر التعارض والتضارب بين الروايات واهانة علي.

بديعة من أبي هريرة

( ٦٥٥ ) عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من قتل وزغاً في أول ضربة كتبت له مائة حسنة ، وفي الثانية دون ذلك ، وفي الثالثة دون ذلك » (٥).

وكأنّ ابن ماجة استحى من ذكر مائة حسنة فذكر كذا وكذا!

( ٦٥٦ ) وعنه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يوشك الفرات أن يحسر عن جبل

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٤٩.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٤٩.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٥٠.

(٤) سنن ابن ماجة رقم ٣٥٩٦.

(٥) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٢٣٨.

٣٥١

من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً!! » (١).

خاتم النبوة

( ٦٥٧ ) عن عبدالله بن سرجس : ... قال : ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى ، جُمعاً عليه خيلانٍ كأمثال الثآليل (٢).

( ٦٥٨ ) وعن جابر بن سمرة قال : رأيت خاتماً في ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنّه بيضة حمام (٣).

( ٦٥٩ ) وعن السائب : ... ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة (٤).

قيل : الحجلة : واحدة الحجال بيت كالقُبَّة لها ازرار كبار وعرى.

وقيل : الحجلة : الطائر المعروف وزرها بيضها كما عن الترمذي ، وانكره عليه العلماء.

وفي صحيح البخاري : كانت بضعة ناشزة : أي مرتفعة على جسده.

وأمّا ناغض كتفه : أي أعلى الكتف. وقيل غير ذلك.

ومعنى جُمعاً : انّه كجمع الكتف ، وهو صورته بعد أن تجمع الاَصابع وتضمّها.

والخيلان : ـ بكسر الخاء واسكان الياء ـ : جمع خال ، وهو الشامة في الجسد. ولاحظ شرح النووي ، والبخاري برقم ( ١٨٧ ).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ : ١٩.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٩٩.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٩٧.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٤ : ٩٨.

٣٥٢

خلاف الواضحات

( ٦٦٠ ) عن أنس : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... بعثه الله على رأس أربعين سنة ، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين ، وتوفّاه الله على راس ستين سنة (١).

أقول : وحتّى كثير من العوام يعرفون انّه قبض وهو ابن ثلاث وستين سنة ، وقد روي ذلك حتّى عن أنس أيضاً.

( ٦٦١ ) عن عروة : لبث النبي بمكة عشراً.

قلت : فإنّ ابن عباس يقول بضع عشر.

قال : فغفره وقال : انّما أخذه من قول شاعر (٢).

ومعنى غفره : أي قال : غفر الله له ، وعن بعض النسخ صغره.

أقول : لا مجال للترديد في صحة قول ابن عباس واشتباه عروة.

( ٦٦٢ ) وعن ابن عباس : انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّى وهو ابن خمس وستين (٣).

( ٦٦٣ ) وعنه : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة خمس عشرة سنة ، يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ، وثمان سنين يوحى اليه ، وأقام بالمدينة عشراً (٤).

أقول : هذا أيضاً غلط واضح ، وليعلم أهل التحقيق أولاً انّ ما تسمّى بالصحاح مشتملة على المتناقضات والاَغلاط الواضحة ، وليعلموا أيضاً انّ الاعتماد على أخبار أنس وأمثاله في ما جرى في مكة أو على اخبار عائشة

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٠٠.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٠١.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٠٣.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٠٤.

٣٥٣

وابن عباس وامثالهما عمّا حدث قبل ولادتهما أو في صغرها اشتباه يوهن قيمة الروايات ، فليكن هذا ببالكم في جميع أحاديث الصحاح.

أعظم المسلمين جرماً

( ٦٦٤ ) عن سعد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أعظم المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرَّم ، فحرَّم على الناس من أجل مسألته » (١).

أبو هريرة وخليل الرحمن عليه‌السلام ووجوب الكذب تقيّة

لاَبي هريرة روايات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّه عليه‌السلام ، فمنها : انّه اختتن وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم (٢).

ومنها : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « نحن أحقّ بالشك من ابراهيم إذ قال : ( ربّ أرني كيف تحيي الموتى .. ).

ومنها : انّه لم يكذب قط إلاّ ثلاث كذبات ... (٣).

وفي شرح النووي : نقلاً عن المازري وأمّا ما لا يتعلّق بالبلاغ ويعد من الصفات كالكذبة الواحدة في حقير من امور الدنيا ففي امكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف ... وفيه أيضاً : وقد اتفق الفقهاء على انّه لو جاء ظالم يطلب انساناً مختفياً ليقتله أو يطلب وديعة لانسان ليأخذها غصباً وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك اخفاؤه وانكاره العلم به ، وهذا كذب جائز ، بل واجب؛ لكونه في دفع الظالم (٤).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١١١.

(٢) وفي موطأ مالك : وهو ابن ١٢٠ سنة. ثم القدوم بالتشديد : اسم قرية ، وبالتخفيف : اسم آلة النجار ، ويحتمل ارادة القرية ، وفي شرح النووي : والاكثرون على التخفيف وارادة الآلة!

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٢٤.

٣٥٤

ثم انّه يمكن الخدش في صحة هذه الروايات ، لكن البحث فيها وحول ما نسب إلى إبراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه‌السلام من كذبات ثلاث لا يناسب هذا المختصر.

اجتهاد معاوية وغيره في لعن علي

( ٦٦٥ ) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه » (١)

( ٦٦٦ ) عن سهل بن سعد ، قال : استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، قال : فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أمّا إذا أبيت فقل : لعن الله أبا التراب ... » (٢).

( ٦٦٧ ) عن ابن مسعود : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « ... انّما الشقي من شقي في بطن اُمّه ، والسعيد من وعظ بغيره ، ألا انّ قتال المؤمن. كفر وسبابه فسوق ... » (٣).

أقول : لا أريد أن أبحث عن تلاعن الصحابة وسب بعضهم بعضاً ولا عن شدّة بغض جمع من الصحابة لا سيما معاوية وحزبه عليّاً وحزبه ، ولكن اريد أن أنبه على ما ذكره النووي في شرح الحديث الاَول ، قال :

قال العلماء : الاَحاديث الواردة التي في ظاهرها دِخل على صحابي يجب تأويلها ... فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بانّه أمر سعداً بسبه وانّما سأله عن السبب المانع له من السب ... ولعلّ سعداً كان في طائفة

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٧٥.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٨٢.

(٣) سنن ابن ماجة : حديث ٤٦.

٣٥٥

يسبّون فلم يسب معهم ... فسأله هذا السؤال.

قالوا : ويحتمل تأويلاً آخر انّ معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وانّه أخطأ (١).

أقول : أولاً : انّ معاوية لتأخُّر اسلامه وعدم اعتنائه بالشريعة غير مجتهد ، وهو نفسه يصرح بانّه : ما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقلّ عنه حديثاً مني (٢).

وثانياً : لو بنينا مذهبنا على هذه التأويلات الركيكة ، المشمئزة منها الطبع ، الخارجة عن طريقة أهل اللسان المألوفة ، لحكمنا على انفسنا ، ولا يقبل عاقل منّا هذا الدفاع عن الصحابة ، لا سيّما كمعاوية وامثاله ، والله سبحانه لا يرضى الغلو في الدين لاَحد.

ثم انّه لو سلّمنا وسلّم العقلاء انّ مراد معاوية من تأنيب سعد على عدم سبّه علياً هو تشويقه لذكر مناقب علي!! لكن ماذا يصنع المتأوّلون بما صدر عن معاوية من سبّ علي وآله وشتمهم وتحقيرهم بما هو متواتر؟ وماذا يقولون عن حربه معه في صفين وكونه من فئة باغية داعية إلى النار ، إلاّ أن يقال انّ المراد بالنار هي الجنة ، وان الغرض من حربه في صفين إلزامه عليّاً بأن يقبل بيعته وبيعة أهل الشام وادخال الشام في دائرة حكومته كالكوفة!!

اخرج أحمد والحاكم وصحّحه عن اُمّ سلمة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحبَّ عليّاً فقد أحبّني ، ومن أحبّني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ».

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٧ : ٢٣.

٣٥٦

من جمع القرآن

( ٦٦٨ ) عن همام : قال : قلت لاَنس : من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : أربعة كلّهم من الاَنصار : اُبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، ورجل من الاَنصار يكنّى أبا زيد (١).

ردّ على حديث العشرة المبشرة بالجنة

( ٦٦٩ ) عن سعد : ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لحيّ يمشي انّه في الجنة إلاّ لعبدالله بن سلام (٢).

أقول : يظهر منه انّ حديث العشرة المبشرة لم يكن مشهوراً بين الصحابة في تلك الاَزمان.

من فضائل أبي سفيان

( ٦٧٠ ) عن عكرمة ، عن أبي زميل ، عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون ( الى ) أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا نبي الله ثلاث أعطنيهنَّ ، قال : « نعم ».

قال : عندي أحسن العرب وأجمله اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها.

قال : « نعم ».

قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك.

قال : « نعم ».

قال : وتؤمّرني حتّى اُقاتل الكفار كما كنت اُقاتل المسلمين.

قال : « نعم ».

قال أبو زميل : ولولا انّه طلب ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أعطاه ذلك؛ لانّه

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٢٠.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٤١.

٣٥٧

لم يكن يُسئل شيئاً إلاّ قال : « نعم » (١).

أقول : أما انّ المسلمين لا ينظرون ولا يقاعدون أبا سفيان فوجهه معلوم ، فانّهم على شكّ من اسلامه أو على ظن ببغضه ونفاقه ، وأمّا الحديث فوضعه جاهل أجير ، ولذا يقول النووي في شرحه على المقام : انّ هذا الحديث من الاَحاديث المشهورة بالاشكال ، ووجه الاشكال : انّ أبا سفيان انّما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة ، وهذا مشهور لا خلاف فيه. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تزوّج اُم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل ... سنة ست ، وقيل : سنة سبع...

وقال ابن حزم : هذا الحديث وهم من بعض الرواة ، لانّه لا خلاف بين الناس انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج اُم حبيبة قبل الفتح بدهر...

وفي رواية عن ابن حزم أيضاً انّه قال : موضوع ، والآفة فيه من عكرمة بن عمار الراوي عن أبي زميل.

أقول : دع عنك غلو المتعصبين وتأويل المتأوّلين ، ولا تغتر بوجود الروايات في الكتب الستة فتكون من الضالّين.

( ٦٧١ ) عن عائذ بن عمرو : انّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر ، فقالوا : والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدّو الله مأخذها.

قال : فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم! فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فقال : « يا أبا بكر لعلك اغضبتهم ، لئن كنت اغضبتهم لقد اغضبت ربّك » فأتاهم أبو بكر فقال : يا أخوتاه أغضبتكم؟ قالوا : لا ، يغفر الله لك يا أخي (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٦٣.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٦٦.

٣٥٨

أقول : يظهر منه انّ أبا سفيان عدو الله ، وانّما أظهر الاسلام خوفاً ، وان زعمه أبو بكر شيخ قريش وسيّدهم.

من فضائل جعفر وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم

( ٦٧٢ ) عن أبي موسى قال : بلغنا مخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... حتّى قدمنا جميعاً ، قال : فوافقنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين فتح خيبر فأسهم لنا ... فدخلت اسماء بنت عميس ـ وهي ممّن قدم معنا ـ على حفصة زوج النبي ... فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم ، فغضبت وقالت كلمة : كذبت يا عمر كلاّ ، والله كنتم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنّا في دار ـ أو أرض ـ البعداء البغضاء في الحبشة ... فقال رسول الله : « ليس ( أي عمر ) بأحق بي منكم ، له ولاَصحابه هجرة واحدة ، ولكم انتم أهل السفينة هجرتان ... » (١).

سبّ الصحابة

( ٦٧٣ ) عن أبي سعيد قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسبوا أحداً من أصحابي ، فانّ أحدكم لو أنفق مثل اُحدٍ ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه » (٢).

أقول : اي ما أدرك ثواب نفقة أحد منهم مدّاً ولا نصف مدّ.

وفي شرح النووي : قال القاضي وسبّ أحدهم من المعاصي الكبائر ، ومذهبنا ومذهب الجمهور انّه يعزّر ولا يقتل ، وقال بعض المالكية : يقتل.

أقول : الاَمر كما ذكر القاضي ، لكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعزر خالداً ، وكذا الخلفاء لم يعزروا السابّين كما مرّ.

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ٩٣.

٣٥٩

تكوّن الجنين وأطواره في الرحم

( ٦٧٤ ) عن عبدالله : حدّثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الصادق المصدوق : « انّ أحدكم يجمع خلقه في بطن اُمّه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات ، يكتب : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد ... » (١).

أقول : لا بدّ من مراجعة علوم اليوم في تعيين حياة الجنين ، وظاهر هذه الرواية ـ كبعض روايات الشيعة ـ انّ الجنين تحلّه الحياة بنفخ الروح فيه بعد أربعة أشهر.

( ٦٧٥ ) لكن في حديث حذيفة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة ، فيقول : يا ربّ أشقي أو سعيد؟ فيكتبان ، فيقول : أي ربّ أذكر أو انثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص » (٢).

( ٦٧٦ ) وفي سند آخر عن عبدالله بن مسعود : الشقيّ من شقي في بطن اُمّه ، والسعيد من وعظ بغيره ... فانّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « إذا مرّ بالنظفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله اليها ملكاً ... » (٣).

والمذكور في الاحاديث مقادير :

١ ـ أربعة أشهر.

٢ ـ أربعون أو خمسة وأربعون.

__________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ١٩٢.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ١٩٣.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٦ : ١٩٣.

٣٦٠