فقال : انّ الرافضة تقول انّ علياً في السحاب فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء ـ يريد علياً انّه ينادي : اخرجوا مع فلان ـ يقول جابر : فذا تأويل هذه الآية ... (١)
أقول : في شرح النووي عن الاصمعي وغيره : سمّوا رافضة لانّهم رفضوا زيد بن علي فتركوه (٢).
وقال : الرجعة بفتح الراء ، ونقل عن الاَزهري وغيره لا يجوز فيها إلاّ الفتح ، وحكي الكسر أيضاً. وأمّا رجعة المرأة المطلقة ففيها لغتان : الكسر والفتح.
واعلم انّ في المقام أموراً :
( الاول ) : ان معظم علماء الشيعة الامامية يقبلون روايات أهل السنة إذا كان رواتها ثقات صادقين ، بل يكتفي بعضهم بمجرد اثبات صدقهم ولا يتوقفون عن العمل بالروايات المروية عن الصادقين لاَجل كونهم من أهل السنة وهذا من انصافهم وتجنبهم عن العصبية الباطلة ، وأمّا علماء أهل السنة ففي قبولهم روايات الشيعة إذا كانوا صادقين وثقات اختلفوا على أقوال أضعفها عدم القبول مطلقاً ، كما يظهر من هذه الروايات المنقولة في حق الحارث وجابر ، مع انّ جماعة من رواة البخاري ومسلم شيعة.
( الثاني ) : انّ دعوى الوصية لا توجب فسقاً وباطلاً فانّها ممّا اختلف فيها الانظار ، وقد تحقق انّ القائل بها جماعة من الصحابة ولا دليل على انكارها سوى العصبية. وكذا دعوى اسرار النبي إلى علي الوحي وعلم الغيب وما لم يطلع عليه غيره لا يوجب الفسق إذ لا دليل على بطلانها ،
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ١٠٢.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ١٠٣.
كيف ومرّ أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أسرّ إلى أبي هريرة وعائين من العلم ، وانّه لم يبث إلاّ وعاء واحداً ولو بث الوعاء الثاني لقطع حلقومه ، وكذا مرّ اخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بما يكون إلى يوم القيامة لجمع من الاصحاب ، فكيف يقبل هذا ولا يقبل ذاك؟ وما هو الفارق بينهما سوى العصبية البغيضة ، فهل يحصل الائتلاف والاتحاد بين المسلمين بهذا التفريق ، وهل يرضى به نبينا الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم أو ربّنا جلّ جلاله؟ وهل يرضى مسلم عاقل أن نقبل كلّ ما يقول أبو هريرة ولا نقبل ما ينقل عن علي وأولاده العلماء الصالحين؟
( الثالث ) : نفرض الرجعة باطلة لكنّها لا علاقة لها بردّ الاَحاديث الكثيرة المروية عن أبي جعفر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فان بطلان الآراء لا يضر بصحة الروايات إذا كان الراوي مسلماً صادقاً ، وهل يمكن لاَحد أن يدعي أنّ رواة الكتابين وغيرهما كلّهم بريئون عن الآراء الباطلة مطلقاً؟ أليس عمران بن الحطان الخارجي يروي عنه البخاري مع انّه يمدح قاتل علي بن أبي طالب بقوله :
ياضـربة من تقـي ما أراد بها |
|
إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا |
انّي لاَذكره يــوماً فأحســبه |
|
أوفى البـرية عنــد الله ميزانا |
هل الحارث وجابر أسوأ من مروان بن الحكم؟ وقال العجلي في حق عمر بن سعد الذي قاد الجيش إلى كربلاء وباشر قتال الحسين سيد شباب أهل الجنة وأهله وأصحابه : تابعي ثقة ، روى عنه الناس!! ولو دخلنا في هذا الباب لطال بنا الكلام ، لعن الله العصبية الحمقاء ورزقنا الله الانصاف وحب الحقّ واتباعه وان يصلح أمر هذه الامّة باصلاح علمائها أولاً وبتبدل اُمرائها ثانياً.
وعلى كلّ ، فقد اعتمد على جابر ابن ماجة في السنن فروى عنه في
عدة موارد ، منها في كتاب التجارات رقم ٢٢٤١ ، وفي الديات برقم ٢٤٤٧ ، وفي تعبير الرؤيا برقم ٣٩٠٥ ، وفي كتاب النكاح برقم ١٩١١ ، وغير ذلك.
( الرابع ) : انّ ما نقله سفيان عن الرافضة ( الشيعة ) : انّ عليّاً في السحاب ، ونقله النووي في شرحه عن القاضي عياض شيء يبرأ منه الشيعة ويقولون انّه من مفتريات أعدائهم عليهم ، وأنا اُكذب أيضاً هذا النقل عنهم ، فانّي بعد تتبّعي الشديد في كتبهم الكلامية والاعتقادية وكتب أحاديثهم لم أجده ، بل وجدت في بحار الاَنوار انّه كانت للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عمامة يعتم بها يقال لها السحاب : فكساها عليّاً ، وكان ربّما طلع فيها فيقول : « أتاكم علي في السحاب » يعني عمامته التي وهبها له (١). ولم أجد شيعياً يعتقد انّه في السحاب على ما نسب اليهم سفيان والقاضي سامحهما الله.
وبهذه المناسبة أريد أنّ أنصح المحقّقين والمتتبعين في عقائد أهل المذاهب أن لا يكتفوا بما نقل في كتب غيرهم فانّ كثيراً من أهل المذاهب لا يتورعون عن الكذب والمغالطة والمبالغة في ابطال سائر المذاهب وتقبيحها بكل وجه أمكنهم وعليه شواهد كثيرة ولو أراد أحد استيفائها لاحتاج إلى تأليف ، فلابدّ لفهم آراء أهل المذاهب ـ بل الاَديان ـ من مراجعة كتبهم نفسها ولا يعتمد على ما ينقل عنهم غيرهم.
بناء الاسلام على الخمس
( ٥٥٤ ) عن عبدالله بن عمر : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بني الاِسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان » (٢).
__________________
(١) بحار الانوار ١٦ : ٢٥١.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ١٨٣.
( ٥٥٥ ) وعن ابن عباس ... قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « آمركم بأربع ... الايمان بالله » ثم فسّرها لهم فقال : « شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، وأن تؤدّوا خمس ما غنمتم ... » (١).
أقول : الشهادة إسلام ، والاِيمان اعتقاد.
( ٥٥٦ ) وعن أبي ذر : قلت يا رسول الله أي الاَعمال أفضل؟ قال : « الايمان بالله ، والجهاد في سبيله ... » (٢).
ولاحظ المصدر تجد بقية الاحاديث فيه باختلاف في ترتيب تفاضل الاعمال.
تنقيص النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
( ٥٥٧ ) وعن أبي هريرة ... فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ... فاذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة ، والربيع الجدول فاحتفزت (٣) كما يحتفز الثعلب! ، فدخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ... فقال : « يا أبا هريرة اذهب بنعليّ هاتين ممّن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر ... فضرب عمر بيده بين ثديي فخررت لاَستي!! ، فقال : ارجع يا ابا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأجهشت بكاء ... قال عمر : يا رسول الله ... أبعثت أبا هريرة بنعليك ... قال : « نعم » قال : فلا تفعل فانّي اخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فخلهم » (٤).
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ١٨٣.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٧٣.
(٣) أي تضاممت وجمعت بدني.
(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ١ : ٢٣٤ ـ ٢٤٠.
أقول : المستفاد من هذه الرواية امور :
١ ـ انهيار شخصية أبي هريرة عند نفسه حيث يشبه نفسه بالثعلب ويذكر استه واجهاشه بالبكاء ، ومن يحقّر نفسه هكذا فلا يسلم من الكذب والدناءة لا محالة.
٢ ـ اعطاء النعلين له للعلامة على صدقه ، وهذه اهانة اخرى له كما لا يخفى ، إنْ لم يكن قد كذب في خبره.
٣ ـ كثرة اشفاق عمر على الدين والموحدين من اشفاق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الدين والاُمّة.
٤ ـ انّ عمر أعلم من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بتدبير الموحدين واصلاح حالهم.
أليس هذا منافيّاً لتوقير النبي الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم واهانة له؟ وجعله محكوماً وجعل عمر حاكماً.
ثم انّ مضمون الحديث رواه غيره أيضاً ، ولم ينقل عن السامعين أنّ أحداً منهم ترك العمل الصالح اتكالاً عليه ، وقد خفي على الواضع انّ الشهادة بالتوحيد مستيقناً يمكن انفكاكها عن العمل الصالح والاجتناب عن المحرمات ، فانّ اليقين بالله أعظم حاجز عن المعصية واكبر داع إلى الطاعة ، وانّ منشأ العصيان هو الشكّ والنبي الاَكرم قيّد الشهادة باليقين ، فكيف يعقل انصرافه عن أمره بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فخلهم؟! » على انّ النبي الاَكرم ـ كما في قوله تعالى ـ : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (١) ، فيجب على كلّ مسلم الطاعة والقبول ، فكيف صحّ لمسلم أن يقبل كون عمر آمراً والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مأموراً مثلاً (٢).
__________________
(١) النجم ٥٣ : ٣.
(٢) وحديث أبي ذر أوسع من هذه الرواية ، وقد أفشاه أبو ذر وحدّث به ولم يضل به الناس وفيه : « ما من عبد قال لا إله إلاّ الله ثم مات على ذلك إلاّ دخل الجنة ».
٥ ـ انّ عمر ضرب أبا هريرة ، وضرب المسلم بلا وجه حرام ، فإمّا أن يكون عمر ارتكب محرّماً ، وإمّا انّه يعرف انّ أبا هريرة مستحقاً للضرب. والثاني أولى عند أهل الخبرة!
وجوب الاَمر بالمعروف
( ٥٥٨ ) أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصلاة مروان ، فقام اليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد ... سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك اضعف الايمان » (١).
أقول : وفي شرح النووي : وقيل أوّل من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان رضي الله عنه ، وقيل عمر رضي الله عنه لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتطر الخطبة ... وقيل أوّل من فعله معاوية ، وقيل فعله ابن الزبير.
وأمّا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فليغيّره » فهو أمر ايجاب باجماع الاُمّة ولم يخالف في ذلك إلاّ بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال الامام أبو المعالي امام الحرمين : لا يكترث بخلافهم ... (٢).
__________________
قلت : وإن زنى وسرق.
قال : « وإن زنى وسرق ».
قلت : وإن زنى وسرق.
قال : « وإن زنى وسرق ».
قلت : وإن زنى وسرق.
قال : « وان زنى وسرق » ثلاثاً ثم قال في الرابعة : « على رغم أنف أبي ذر ». صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٩٤. فما هو موقف عمر وأبي هريرة تجاه هذا الحديث؟
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٢١ ـ ٢٥.
(٢) شرح النووي ٢ : ٢١ و ٢٢.
أقول : أمّا بدعة مروان الاموي فلا كلام لنا عليها فلمروان افعال أكبر منها ، وقد ادّعى بعضهم الاجماع على تقديم الصلاة عليها كما نقله النووي ، وهو كذلك.
وأمّا نسبة عدم وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى بعض الرافضة فلم افهم مراده من هذا البعض ، فان الشيعة الامامية ـ كما يظهر من كتب احاديثهم وفقههم ـ متفقون على وجوبها بلا خلاف ، بل عدّوهما من أعظم الواجبات العشرة ( الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والجهاد ، والخمس ، والصوم ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتولي ، والتبري ) فأي فائدة في هذه الافتراءات بين الطائفتين المسلمتين. واكبر من هذا ادعائه وادعاء امامه بعدم الاعتداد في اجماع الاُمّة بمخالفة الرافضة ( الشيعة ) وهم ما يقرب من مائة مليون مسلم في البلاد الاسلامية؟! ولهم علماء مجتهدون وافاضل محققون ، وربما أفرط بعض كتاب الشيعة أيضاً فيدعون الاجماع ولا يعتدون بمخالفة علماء أهل السنة ، وانا أقول أي منفعة للاسلام والمسلمين في هذا التحقير المتبادل؟ فهل اصبحنا رحماء على الكفّار أشدّاء بيننا؟ نعوذ بالله منه.
وعلى كلّ ، لا يفهم معنى القول المنسوب اليه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وذلك اضعف الايمان » بعد فرض كونه غير مستطيع باليد واللسان ، ولذا أوّله بعضهم بأقله ثمرة!
هل الايمان يمان؟
( ٥٥٩ ) عن أبي هريرة : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « جاء أهل اليمن هم أرق
أفئدة ، الايمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية » (١).
أقول : ورواه البخاري أيضاً ( برقم ٣٣٠٨ فضائل الصحابة ) بحذف الجملة الوسطى ، فالحديث متفق عليه بين الشيخين ، لكنّه كذب لفقّه أبو هريرة لمدح أهل اليمن فانّه يمني ، والعجب منهما كيف ابتليا بالغلو في حق من يسمّى بالصحابي ، وكلّ عاقل يعرف انّ الايمان مكي ومدني والفقه مدني وكذا الحكمة ان اريد بها ما أراده الله منها في كتابه ، وان اريد بها الفلسفة فهي يونانية ، نعم ايمان أبي هريرة يمان.
ومن بدائع الغلو تفسير اليمن بمكة أو بها وبالمدينة صوناً لكذب شيخ المضيرة! ولكن للشيخ انتاج آخر حول يمنه اسمع له : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « انّ الله يبعث ريحاً من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة ( حبة ) من ايمان إلاّ قبضته »(٢).
أقول : وعلى هذا فالموت أيضاً يمان! لكن عبدالله بن عمرو يحدّث في حديث طويل عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الاَرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو ايمان إلاّ قبضته ... » (٣).
أقول : فاختر كذب أحد النقلين ولا تكن من المقلّدة المتأوّلين الذين يبنون على الاَوهام.
اثر التكفير
( ٥٦٠ ) عن ابن عمر : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٤٠.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ١٣٢.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨ : ٧٦.
بها أحدهما » (١).
لا ترجعوا بعدي كفاراً
( ٥٦١ ) عن جرير : قال لي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجّة الوداع : « استنصت الناس » ثم قال : « لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » (٢).
كذبة اُخرى
( ٥٦٢ ) عن أبي هريرة قال : لمّا انزلت هذه الآية : ( وانذر عشيرتك الأَقربين ) (٣) دعا رسول الله قريشاً ... يا بني هاشم انقذوا أنفسكم من النار ... يا فاطمة انقذي نفسك من النار فاني لا أملك لك من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها (٤).
ورواه عن عائشة بتفاوت وفيه : قام على الصفا فقال : « يا فاطمة بنت محمّد ويا ... ».
أقول : أبو هريرة لم يكن في مكة وعائشة لم تكن قد ولدت ، فانّى لهما نقل هذه الروايات جازماً؟ والذي يدل على انّ هذا الحديث بتمام اسانيده موضوع ، انّ فاطمة لم تولد في أوائل البعثة ، وحاشا النبي الحكيم أن يخاطب المعدوم! ولو فرض ـ فرضاً بعيداً جداً ـ ولادتها انذاك فقد كانت طفلة لا تصلح للخطاب المذكور.
هل يؤاخذ باعمال الجاهلية؟
( ٥٦٣ ) عن عبدالله : قال اناس لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يا رسول الله أنؤاخذ بما
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٤٩.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ٥٥.
(٣) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.
(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ٣ : ٨٠.
عملنا في الجاهلية؟ قال : « أما من احسن منكم في الاسلام فلا يؤاخذ بها ، ومن أساء أُخذ بعمله في الجاهلية والاسلام » (١).
وفي شرح النووي نقلاً عن جماعة من المحققّين : انّ المراد بالاحسان هنا الدخول في الاسلام بالظاهر والباطن جميعاً ، وان يكون مسلماً حقيقياً ، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز ، والحديث الصحيح : « الاسلام يهدم ما قبله » وباجماع المسلمين ، والمراد بالاساءة عدم الدخول في الاسلام بقلبه ... فهذا منافق باق على كفره فيؤخذ بما عمل في الجاهلية.
أقول الحديث ورد من طريق الشيعة أيضاً فقد أخرجه البرقي في محاسنه بسند صحيح عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر ( الباقر ) قال : انّ اناساً أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد ما أسلموا فقالوا : يا رسول الله أيؤخذ الرجل منّا بما عمل في الجاهلية بعد اسلامه؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من حسن اسلامه وصح يقين ايمانه لم يأخذه الله بما عمل في الجاهلية ، ومن سخف اسلامه ولم يصح يقين إيمانه أخذه الله بالاَول والآخر » (٢). وفي المقام بحث.
الهم بالسيئة
( ٥٦٤ ) عن أبي هريرة : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف ، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب ، وان عملها كتبت » (٣).
أقول : وللحديث ألفاظ مختلفة رواها أبو هريرة ، ورواه عبدالله بن
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ١٣٥.
(٢) بحار الانوار ٧٠ : ١٧٧.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ١٤٩.
عباس أيضاً ولفظه : « وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ».
ورواه الشيعة أيضاً بالفاظ واسانيد ، ولا كلام في الحديث إلاّ في الهمّ بالسيئة إذا لم يعملها ، فقد اختلف فيه الباحثون من الشيعة والسنة ، فقيل : انّ من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه ، ويحمل ما في الاَحاديث على مجرد الخطور والمرور في الفكر.
ويقول النووي : وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين واخذوا بظاهر الحديث.
وقال القاضي عياض : عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين على الاَول للاحاديث الدالة على المؤاخذة باعمال القلوب ، وقالوا : انّ هذا العزم يكتب سيئة وليست السيئة التي همّ بها لكونه لم يعملها.
أقول : العقل يحكم بقبح التجري على الله تعالى وحسن الانقياد له ، فقصد المعصية والهم بها يستحق به العقاب عقلاً ، ويؤيده أو يدلّ عليه قوله تعالى : ( انّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم ) (١) وقوله تعالى : ( ان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) (٢) لكن مقتضى هذه الاَحاديث العفو وحمل الهمّ على مجرد التفكر والتصور خلاف الظاهر ، وأما حرمة الحسد وسوء الظن وتحقير المسلمين وسائر أعمال القلب فلا تدلّ على حرمة الهمّ المذكور كما تخيّله النووي وغيره ، ومن اراد تحقيق المقام فعليه أن يراجع مظانه ، وليس كتابنا معداً المثل هذه المباحث.
نزول عيسى عليهالسلام واقتداؤه بإمامنا
( ٥٦٥ ) عن أبي هريرة : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كيف انتم إذا نزل ابن
__________________
(١) النور ٢٤ : ١٩.
(٢) البقرة ٢ : ٢٨٤.
مريم فيكم وامامكم منكم » (١).
أقول : لاَبي هريرة في ذلك ألفاظ مختلفة كعادته في سائر الاَحاديث ، وروى انّه عليهالسلام ينزل حكماً وعادلاً ومقسطاً ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد!
( ٥٦٦ ) وعن جابر بن عبدالله يقول : سمعت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « لا تزال طائفة من اُمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ».
قال : « فينزل عيسى بن مريم صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول : لا ، انّ بعضكم على بعض اُمراء تكرمة الله هذه الاُمّة » (٢).
الردّ على الوهابية
( ٥٦٧ ) عن أبي هريرة : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج إلى المقبرة فقال : « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون ... » (٣).
أقول : في خطاب الاَموات بصيغة التخاطب ( عليكم ـ بكم ) ردّ على ما تفوه به الوهابية.
المسح على الخفين
( ٥٦٨ ) عن شريح بن هانئ قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفّين ، فقالت : عليك بعلي بن أبي طالب فانّه كان يسافر مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسألناه فقال : جعل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم (٤).
وفي رواية اخرى : فقالت : ائت علياً فانّه أعلم بذلك مني (٥).
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ١٩٣.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٢ : ١٩٤.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٣ : ١٤٠.
( ٤ و ٥ ) صحيح مسلم بشرح النووي ٣ : ١٧٥.
أقول : كل من تعمق في حال عائشة يعلم بانّها لا ترضى بذكر علي فضلاً عن اعترافها بأعلميّته منها ، والذين سافروا مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خلق كثير منهم أبوها فأيّ وجه للتخصيص بعلي ، فالمظنون قوياً انّ الحديث موضوع ، وانّما وضعه من وضعه للرد على الشيعة الناقلين عن علي انّه يرى بطلان الوضوء والصلاة بالمسح على الخفين ، وانّه أوجب المسح على الرجلين مستدلاً بانّه سبق الكتاب الخفّين ، يريد به انّ آية الوضوء في سورة المائدة نسخت المسح على الخفين ، والشيعة أعلم بمذهب علي.
عدم وجوب الغسل بالدخول
( ٥٦٩ ) عن اُبيّ ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : انّه قال في الرجل يأتي أهله ثم لا ينزل ، قال : « يغسل ذكره ويتوضّأ » (١).
ورواه عن أبي سعيد الخدري بهذا المعنى بألفاظ اُخر وفيه : « إذا اعجلت أو اقحطت فلا غسل عليك وعليك الوضوء » (٢).
وعليه ، فلا يجب الغسل بالدخول المجرد عن الاِمناء ولا معه في فرض العجلة ويكفيه الوضوء ، ويدل على الاول ما رواه عثمان عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبو أيوب ، وهذا مخالف للقرآن ، ولما رواه أبو هريرة وعائشة (٣) ، وما نقل عن المهاجرين ، وللاجماع المذكور في كلام النووي.
أقول : ومن يدّعي انّ احاديث الصحيحين مقطوعة الصحة فهو متهم في عقله!
ثم تحكي عائشة : انّ رجلاً سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الرجل يجامع أهله
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٣٩.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٣٧.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٤٠ ـ ٤١.
ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي لاَفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل » (١).
أقول : من يعتقد وقار النبي الخاتم يعتقد كذب هذه القصة وانّها من تخيل عائشة التي افتقدت زوجها في شبابها ، فانّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أجل من أن يتكلّم بهذه الكلمات ، على انّه مخالف لما مرّ عن أنس من انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطى قوة ثلاثين ، وانّه يدور على نسائه في الساعة الواحدة كما قصه رواة البخاري.
الاَذان
لاحظ الاَحاديث الواردة في صفة الاَذان (٢) فانّها متعارضة ومتضاربة أولاً وليس فيها الجملة المخترعة ( الصلاة خير من النوم ) ثانياً ويقول أبو هريرة على ذوقه العام : انّ الشيطان إذا سمع صوت النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوته ... ولكنه لا ينسبه إلى كيسه بل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
حول البسملة وموقف علي
( ٥٧٠ ) عن أنس بن مالك : صلّيت خلف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءتها ولا في آخرها.
أقول : لا نبحث عن البسملة وهل تجب قراءتها في الصلاة أم لا ـ وإن كان الحق عندي انّها آية قرآنية في كل سورة قرآنية ، وتجب قراءتها على المصلّي ، وتركها عمداً يوجب بطلان الصلاة ـ وانّما نبحث عن سيرة جمع من الصحابة والرواة وأرباب الصحاح في ترك ذكر علي في عداد الخلفاء ، وهذا الترك عمدي ، وكلّ من تعمّق في الصحاح يعلم انّه لا شأن
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٤٢.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٧٩ في أول كتاب الصلاة.
لعلي عندهم ، وان انظار الصحابة والرواة إلى الخلفاء الثلاثة فقط! وهل لم يصلّ انس خلف علي حتى لا يحكي عنه؟! وهكذا عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس (١) ـ لو صح ما نسب اليه في الصحاح ـ وغيرهما حيث يقتصرون على ذكر أفعال الثلاثة فقط ، وتصدق الشيعة حيث تقول انّ أهل السنة انّما يرون عليّاً خليفة بالقول فقط.
وأقول انا : لولا مخافة عبدالله بن عمر وأبي هريرة وأنس وابن الزبير وغيرهم من تكذيب الناس لهم لقالوا بأفضلية معاوية ويزيد من علي ، وهذه السيدة عائشة تبغض عليّاً إلى حدّ لا ترضى بأن تذكر اسمه ، بل حاربته وكانت تحرض العسكر على قتل علي ومن معه من الاَصحاب وأهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنا ُأقسم صادقاً لو فوض عثمان أمر الخلافة إلى مائة من الصحابة من بعده لم يختاروا عليّاً للخلافة أصلاً لا في المرة الرابعة ولا في المرة الرابعة والاربعين ، وانّما بلغت الخلافة اليه في ظروف تهدّمَ فيها النظام السائد وقام الناس غضباً وغيضاً على اللاعبين فبايعوه ، وان شئت فقل ان خلافته جاءت بثورة جماهيرية اسلامية حطّمت كلّ ما تواطأ عليه مخالفوه من الصحابة ، وحينما نجحت الثورة الاسلامية تجدّدت الحركة الرجعية في البصرة والشام. ومن يدّعي انّه لم يكن بين علي وحزبه وبين مخالفيه عداوة ولا مخالفة سوى المخالفات الاجتهادية فهو مجنون لا يعقل التأريخ المتواتر المقطوع. ومن يدّعي براءة ذمّة الطرفين المتخاصمين لاَجل انّ كلاً منهما اجتهدوا فالمصيب له أجران والمخطيء له أجر واحد فهو يريد تحقير الاسلام والعقل ، نعوذ بالله من الغواية والعصبية والجهالة.
__________________
(١) وعن ابن عباس : شهدت صلاة الفطر مع النبي وأبي بكر وعمر وعثمان ... صحيح مسلم بشرح النووي ٦ : ١٧٠ كتاب العيدين.
اعتقاد مسلم في كتابه
يقول مسلم في باب التشّهد حول حديث : فقال هو عندي صحيح ، فقال ( أبو بكر ) : لِمَ لم تضعه ههنا؟ قال : ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته ههنا ، انّما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه (١).
أقول : فيعتقد مسلم انّ أحاديث كتابه ليست بصحيحة فقط بل هي ممّا أجمع العلماء أو المحدثون عليها.
يقول النووي في شرحه : ثم قد يكسر هذا الكلام ويقال قد وضع أحاديث كثيرة غير مجمع عليها ، وجوابه انّها عند مسلم بصفة المجمع عليه ، ولا يلزم تقليد غيره في ذلك(٢).
هل أمَّ أبو بكر الناس في مرضه صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
روايات الصحاح في هذا البحث مختلفة ، ففي بعضها : انّ أبا بكر صلّى بالناس.
وفي بعضها : انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وجد خفة فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً ، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر.
وفي بعضها : فاُتي برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى اُجلس إلى جنبه ( أي جنب أبي بكر ) وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير.
وفي حديث آخر : فجلس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلّي وأبو بكر إلى جنبه وأبو بكر يسمع الناس (٣).
أقول : وللسيدة عائشة ان تقول كيف تشاء في خلافة أبيها ومن بعده
__________________
(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٢٢.
(٢) شرح النووي ٤ : ١٢٣.
(٣) انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٤٠ وما بعدها.
والناس يقبلون منها ولا يلتفتون إلى متناقض كلامها ولا يسألونها من أين علمت قصد الناس وقصد أبيها انّهم اقتدوا بأبيها وأبوها بالنبي؟ ولم يقولوا لها انّ مثل هذه الجماعة التي يكون الامام فيها مأموماً لاِمام آخر غير مشروعة ، على انّ قصتها معارضة بما ورد من لزوم جلوس المأمومين إذا كان الاِمام جالساً (١) وإذا كان أبو بكر مسمعاً فهل هو بقى على صلاته أو أبطلها لاِسماع الناس بصلاة النبي؟ فيه وجهان ، والمراد بالاسماع ظاهراً هو اسماع تكبيره صلىاللهعليهوآلهوسلم عند الركوع ورفع الرأس عنه والهوي إلى السجود وعند رفع الرأس عنه كما هو المعتاد اليوم في الجماعات الكبيرة ، فأبو بكر أول مسمع وأول مكبّر في الاسلام.
ثم انّ ما تدعيه عائشة من قولها لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( انّ أبا بكر رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ). ضعيف ، إذ لم ينقل أحد انّه بكى في صلاته وعند مشاهدة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ضعفه ومرضه! والعجيب انّها تكذب نفسها وتقول : والله ما بي إلاّ كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فحقاً انّها كصواحب يوسف كما نقلتها نفسها « فانكن صواحب يوسف » (٢).
وللسيدة اختلاف آخر في كلامها فتارة تقول : انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج بين عباس ورجل آخر ، وأخرى تقول : ويد له على الفضل بن عباس ويد له على رجل آخر (٣).
وتأويلات المتأوّلين لا تقل عن سذاجة الجهال في قبول هذه الاَقاويل.
__________________
(١) انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٣٥.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٤٠.
(٣) أي علي كرم الله وجهه كما صرّح به عبدالله بن عباس ، لكنّ عائشة لا تسميه بغضاً وعداء. وفي حديث آخر لها : بعث النبي صلىاللهعليهوآله رجلاً على سرية ... فيختم بقل هو الله أحد ... صحيح مسلم ٦ : ٩٥ والظاهر انّه أيضاً علي!
والحق انّ كثرة رواية الصحاح عن امرأة تعترف بما عرفت في هذا الكتاب ـ وان كانت زوجة الرسول الاكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وبنت الخليفة ـ قلّلت من قيمة الصحاح واعتبارها بل أساءت إلى عظمة الاسلام ، إذ يقول المحللون غير المسلمين انّ عمدة السنّة القولية ترجع إلى امرأة وخادم كأنس وتاجر لبطنه كأبي هريرة وأمثالهم!! ثم انّ لعبدالله بن زمعة كلاماً آخر يخالف حديث عائشة ، واليك نصه :
( ٥٧١ ) عن عبدالله بن زمعة : لما استعزّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين دعاه بلال إلى الصلاة فقال : « مروا من يصلّي للناس » ، فخرج عبدالله بن زمعة فاذا عمر في الناس ـ وكان أبو بكر غائباً ـ فقلت : يا عمر قم فصلّ بالناس ، فتقدم فكبّر ، فلمّا سمع رسول الله صوته ... قال : « فأين أبو بكر؟! يأبى الله ذلك والمسلمون...» وبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة، فصلّى بالناس(١).
وفي سند آخر : لمّا سمع النبي صوت عمر خرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى اطلع رأسه من حجرته ثم قال : « لا ، لا ، لا ، ليصلّ للناس ابن أبي قحافة » قال ذلك مغضباً (٢).
ومن يتعمق في هذه الاَحاديث يرى يد الجعل والوضع جلية.
أقول : واليك أحاديث متغايرة اُخرى حتى تعلم جديدة بعد جديدة :
( ٥٧٢ ) عن ابن عباس : لمّا مرض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ... فقال : « ادعوا عليّاً » قالت عائشة : يا رسول الله ندعو لك أبا بكر؟ قال : « ادعوه ».
قالت حفصة : يا رسول الله ندعو لك عمر؟ قال : « ادعوه ».
__________________
(١) سنن أبي داود ٤ : ٢١٥ حديث ٤٦٦٠.
(١) سنن أبي داود : ٤ : ٢١٦ حديث ٤٦٦١.
قالت اُم الفضل : يا رسول الله ندعو لك العباس؟ قال : « نعم ».
فلمّا اجتمعوا رفع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأسه فنظر فسكت؟! فقال عمر : قوموا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : ثم جاء بلال يؤذنه بالصلاة...
قال ابن عباس : واخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلممن القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر (١).
أقول : في الحديث بحث يطول بنا المقام بتفصيله. واليك نموذج آخر من هذه القصة في سنن النسائي :
( ٥٧٣ ) عن أنس : آخر صلاة صلاّها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع القوم صلّى في ثوب متوشّحاً خلف أبي بكر (٢).
( ٥٧٤ ) وعن عائشة : انّ أبا بكر صلّى للناس ورسول الله في الصف (٣).
( ٥٧٥ ) عن جابر : صلّى بنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الظهر وأبو بكر خلفه ، فاذا كبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كبّر أبو بكر ليسمعنا (٤).
( ٥٧٦ ) عن عائشة : وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بين يدي أبي بكر فصلّى قاعداً وأبو بكر يصلّي بالناس والناس خلف أبي بكر (٥).
( ٥٧٧ ) وعن جابر : اشتكى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّينا وراءه وهو قاعد ، وأبو بكر يكبّر ليسمع الناس تكبيره (٦).
( ٥٧٨ ) وعنه : قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا صلّى الامام جالساً فصلوا جلوساً ، وإذا
__________________
(١) سنن ابن ماجة : ح ١٢٣٥.
( ٢ و ٣ ) سنن النسائي ٢ : ٧٩.
(٤) سنن النسائي ٢ : ٨٤.
(٥) سنن النسائي ٢ : ٨٤. وانظر ص ١٠٠ و١٠١ أيضاً.
(٦) سنن أبي داود ١ : ١٦٥.
صلّى الامام قائماً فصلوا قياماً » (١).
ورواه أنس وأبو هريرة أيضاً.
قراءة السورة في الصلاة
( ٥٧٩ ) عن أبي قتادة : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقرأ في الركعتين الاَوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ، ويسمعنا أحياناً ... (٢)
يدلّ الحديث لمكان لفظ ( كان ) على عادته صلىاللهعليهوآلهوسلم بقراءة السورة التامة في الركعتين الاَوليين في الظهرين وعلى جواز الاجهار ببعض الآيات فيهما.
عائشة وغيرها في ما يقطع الصلاة
( ٥٨٠ ) عن أبي هريرة : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرجل » (٣).
ويظهر من كلام عروة انّ القائل به جماعة ، لكن عائشة لا تقبله وتقص عن اعتراضها بين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والقبلة في وتره ، والمظنون صحة قطع الصلاة ، ويشكل الاَعتماد على قصص عائشة وغيرها.
عرض الاَعمال عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم
( ٥٨١ ) عن أبي ذر ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « عرضت عليَّ أعمال اُمتي حسنها وسيئها فوجدت ... » (٤).
بعض كلام عمر
( ٥٨٢ ) عن معدان ... فان عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء
__________________
(١) سنن أبي داود ١ : ١٦٢.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ١٧٢.
(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٤ : ٢٢٨.
(٤) صحيح مسلم بشرح النووي ٥ : ٤٢.