نظرة عابرة الى الصحاح الستة

عبد الصمد شاكر

نظرة عابرة الى الصحاح الستة

المؤلف:

عبد الصمد شاكر


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٢٧

بمحمد بن مسلمة ... (١).

( ٤٠٢ ) عن علي بن أبي طالب قال : « كنت إذا سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً ... وإذا حدّثني عنه غيره استحلفته ، فإذا حلف صدّقته ... » (٢).

( ٤٠٣ ) عن عبدالله بن عمرو : كان على ثقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هو في النار » فذهبوا ينظرون ، فوجدوا عليه كساء أو عباءة قد غلّها (٣).

( ٤٠٤ ) عن ابن مسعود ... بعرفات ... : « ألا وانّي فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الاُمم ، فلا تسوّدوا وجهي! ألا وانّي مستنقذ اُناساً ومستنقذ منّي اُناس ، فاقول : يا ربي اصحابي؟ فيقول : انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » (٤).

( ٤٠٥ ) عن ابن عباس : كانت امرأة تصلّي خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسناء من أحسن الناس ، قال : وكان بعض القوم يتقدم في الصف الاَول لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخّر إذا ركع ، يعني نظر من تحت ابطه ، فانزل الله عزّ وجلّ : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) (٥).

أقول ولو كان للمسلم ذرة عقل وحياء لم يقل بعدالة جميع الصحابة مع هذه الاحاديث وغيرها.

__________________

(١) سنن أبي داود ٤ : ١٩٠ كتاب الديات ، وفي سنن ابن ماجه ـ كتاب الفرائض برقم ٢٧٢٤ فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله ( ص ) ... فقال أبو بكر : هل معك غيرك؟ فقام محمّد بن مسلمة...

(٢) سنن ابن ماجه رقم ٣٩٥ اقامة الصلاة.

(٣) سنن ابن ماجه رقم ٢٨٤٩ الجهاد.

(٤) المصدر ٣٠٥٧ المناسك.

(٥) انظر سنن النسائي ٣ : ٦٦ ، وجامع الترمذي أيضاً.

٢٠١

الجبار

( ٤٠٦ ) عن أبي هريرة : العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس (١).

قيل : العجماء البهيمة ، وسميّت بذلك لانّها لا تتكلم. ومعنى جبار أي جنايتها هدر ، ليس فيها ضمان.

وفسّر قوله : المعدن جبار ، بانّه لا زكاة فيما يستخرج منه. وهذا التفسير لا دليل عليه.

والركاز : الكنوز المدفونة قبل الاسلام.

تخريب الكعبة

( ٤٠٧ ) عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة (٢).

أقول : وفي بعض أحاديث الشيعة المعتبرة سنداً عندهم : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « تاركوا الحبشة ما تاركوكم ، فوالذي نفسي بيده لا يستخرج كنز الكعبة إلاّ ذو السويقتين » (٣).

ونقل في البحار عن نهاية ابن الاثير : وانّما صغر الساقين؛ لانّ الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة.

قضاء الحج عن الحي والميت

( ٤٠٨ ) عن ابن عباس ... انّ أُمّي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحجّ عنها؟ قال : « نعم حجّ عنها ، أرأيت لو كان على أُمّك دين ، أكنت قاضيته

____________

(١) صحيح البخاري رقم ١٤٢٨ كتاب الزكاة.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٥١ كتاب الحج.

(٣) بحار الانوار ١٨ : ١٤٥.

٢٠٢

اقضوا الله فالله أحق بالوفاء » (١).

أقول : يظهر من كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجوب قضاء كل العبادات ، والمورد لا يقيد الاطلاق.

( ٤٠٩ ) عن ابن عباس : ... انّ فريضة الله على عباده في الحج ادركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع ان يستوي على الراحلة ، فهل يقضى عنه أن احجّ عنه؟ قال : « نعم » (٢).

أقول : لا يجوز الاستنابة عن الحي في اتيان العبادات الواجبة عليه إلاّ في الحج لهذا الحديث.

تعارض في سفر المرأة مع محرم

( ٤١٠ ) إذن عمر لا زواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر حجّة حجّها ، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف (٣).

أقول : ويعارضه ما عن ابن عباس وغيره عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم ... » (٤).

من أحدث بالمدينة

( ٤١١ ) عن انس : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « المدينة حرم ... من أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين » (٥).

صوم العاشر من المحرم

( ٤١٢ ) عن عائشة : انّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٧٥٤.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٧٥٥.

(٣) صحيح البخاري رقم ١٧٦١.

(٤) صحيح البخاري رقم ١٧٦٣ ـ ١٧٦٥.

(٥) صحيح البخاري رقم ١٧٦٨.

٢٠٣

ثم أمر رسول الله بصيامه حتى فرض رمضان ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (١).

( ٤١٣ ) عن الربيع ، قالت : أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الانصار : « من اصبح مفطراً فليتم بقية يومه ، ومن اصبح صائماً فليصم » (٢).

( ٤١٤ ) عن ابن عباس : قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : « ماهذا ».

قالوا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني اسرائيل من عدوهم فصامه موسى.

قال : « فانا أحقّ بموسى منكم » فصامه وأمر بصيامه (٣).

( ٤١٥ ) وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي : « فصوموه انتم » (٤).

وله نقل آخر ، وفيه : « نحن أحق بصومه » فأمر بصومه (٥).

( ٤١٦ ) عن ابن عباس : ما رأيت النبي يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر ، يعني شهر رمضان (٦).

( ٤١٧ ) وعن عائشة : كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي يصومه ، فلّما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلّما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه (٧).

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٧٩٤.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٧٥٩ كتاب الصوم.

(٣) صحيح البخاري رقم ١٩٠٠ وانظر ٣٧٢٧.

(٤) صحيح البخاري رقم ١٩٠١.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٧٢٦.

(٦) صحيح البخاري رقم ١٩٠٢.

(٧) صحيح البخاري رقم ٣٦١٩ كتاب فضائل الصحابة ، اقول : انظر صحيح مسلم ٨ : ٤ ـ ١٣.

٢٠٤

أقول : المستفاد من رواية عائشة وعبدالله بن عمر وغيرهما انّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثم فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحباً. ولكن المستفاد من خبر عبدالله بن عباس وأبي موسى انّ النبي لم يكن متلفتاً الى صوم عاشوراء وانّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لاَحقيّته من اليهود بموسى عليه‌السلام ، فالاَحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده الى تقليد اليهود ، وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبدالله بن عباس ، واليك نصّه :

( ٤١٨ ) حين صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يارسول الله انّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فإذا كان العام المقبل ان شاء الله صمنا اليوم التاسع » قال فلم يأت العام المقبل حتى توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم(١).

فترى الحديث يقول : انّ النبي لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفي قبل حلول العام المقبل. وفي هذا الحديث اُمور اُخر ، منها : انّ امره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً الى قبل سنة من موته لا انّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وثانياً : انّ تعظيم اليوم المذكور لم يكن مختصاً باليهود ، بل ويعظّمونه النصارى أيضاً.

وثالثاً : انّ النبي لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١٢ كتاب الصيام.

٢٠٥

يقول انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصوم اليوم التاسع! ، واليك نصّه من كتاب مسلم :

( ٤١٩ ) عن الحكم ... فقال ( عبدالله بن عباس ) : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد واصبح يوم التاسع صائماً.

قلت : هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصومه.

قال : نعم (١).

أقول : المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم انّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُميّة الفجرة ، ويزيد في وضوح كذبها انّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك! ، لعن الله الكاذبين المفترين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى سنته.

رحمة للعالمين

( ٤٢٠ ) عن جابر : انّ امرأة من الانصار قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله ألا أجعل لك شيئاً تقعد عليه ، فانّ لي غلاماً نجاراً.

قال : « ان شئت ».

قال : فعملت له المنبر ، فلّما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر الذي صنع ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها ، حتى كادت ان تنشق ، فنزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أخذها فضّمها اليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت ، قال : « بكت على ما كانت تسمع من الذكر (٢).

معاوية

( ٤٢١ ) وعن الحسن : استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب

__________________

(١) صحيح مسلم ٨ : ١١.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٩٨٩ كتاب البيوع.

٢٠٦

امثال الجبال ، فقال عمرو بن العاص : اني لاَرى كتائب لا تولّى حتى تقتل أقرانها ، فقال له معاوية ـ وكان والله خير الرجلين ـ : أي عمرو ، وان قتل هؤلاء هؤلاء ، وهؤلاء هؤلاء ، من لي بامور الناس ، من لي بنسائهم ، من لي بضيعتهم ، فبعث اليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبدالله بن عامر بن كريز فقال : اذهبا الى هذا الرجل ، فاعرضا عليه ، وقولا له ، واطلبا اليه.

فاتياه فدخلا عليه فتكلمّا وقالا له فطلبا اليه ، فقال لهما الحسن بن علي : « انا بنو عبدالمطلب قد اصبنا من هذا المال ، ان هذه الاُمّة قد عاثت في دمائها ».

قالا : فانّه يعرض عليك كذا وكذا ، ويطلب اليك ويسألك.

قال : « فمن لي بهذا؟ ».

قالا : نحن لك به ، فما سألهما شيئاً إلاّ قالا : نحن لك به ، فصالحه ، فقال الحسن : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر والحسن بن علي الى جنبه ، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أُخرى ويقول : « ان ابني هذا سيد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ».

أقول : يدلّ الحديث على انّ الحسن بن علي انّما أراد قتال معاوية لاَجل المال ، فحيث انّهما ضمناه له صالح معاوية ، والحسن لا يهمه قتل المسلمين ، وانما معاوية يحزنه أمر المسلمين ونسائهم وضيعتهم وكانت المصالحة بهذه السهولة ، وهل الواقع كذلك يا شيخنا البخاري ويا حسن البصري؟ من هو سيد شباب أهل الجنة ، ومن هو رأس الفئة الباغية الداعية الى النار ، ولا يمسخ التأريخ بهذه الموضوعات الاَمويّة.

كذبة

( ٤٢٢ ) عن أبي بكرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « شهران لا ينقصان شهراً : عيد

٢٠٧

رمضان ، وذو الحجة » (١). والاحاديث أيضاً تعارضه.

بدعة ونعم البدعة!

( ٤٢٣ ) عن عبد الرحمن : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان الى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ... فقال عمر : انّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان امثل ، ثم عزم فجمعهم على اُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة اُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه ... (٢)

أقول : مرّ انّ عائشة كانت تنكر أصل صلاة التراويح مخبرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان يزيد في رمضان وغيره على أحدى عشرة ركعة ... (٣)

ثم نقول لعمر رضي الله عنه : لا تكون البدعة حسنة أبداً ، بل هي الى النار.

ليلة القدر

تدلّ الاحاديث على أنّها في العشر الاَواخر أو السبع الاَواخر على اختلاف بينها كما في غيرها ، والحاصل انّ ليلة القدر باقية ويستحب فيها العبادة ، وهي ليلة مباركة وقد ورد في بعض الاَحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي رأيت ليلة القدر ثم انسيتها ... » لكن بناء على انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي تنزل عليه الملائكة والروح لا يعقل نسيانه لها ، فانّ الملائكة والروح تنزل فيها من كل أمرِ ، فلا أحد تلقى اليه علم اُمور السنّة إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته.

تأثير الاسلام

( ٤٢٤ ) عن ابن عوف : لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيني وبين

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٨١٣ ، وانظر صحيح مسلم ٧ : ١٩٩ كتاب الصيام.

(٢) صحيح البخاري رقم ١٩٠٦.

(٣) انظر صحيح البخاري رقم ١٩٠٩.

٢٠٨

سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : انّي أكثر الانصار مالاً فاقسم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها ، فإذا حلّت تزوجتها.

فقال عبدالرحمن : لا حاجة لي في ذلك ، هل من سوق فيه تجارة؟ ... (١)

التأمين الحكومي في الاسلام

( ٤٢٥ ) عن أبي هريرة : عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من ترك مالاً فلورثته ، ومن ترك كلاًّـ أي عيالاً لا نفقة لهم أو ديناً لا وفاء له كما قيل ـ فإلينا » (٢).

وعنه بلفظ آخر : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم ( النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم ) فايّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك ديناً أو ضياعاً ـ عيالاً محتاجين يضيعون ان تركوا ـ فليأتني فأنا مولاه » (٣).

نزول القرآن على سبعة أحرف

( ٤٢٦ ) عن عمر بن الخطاب : سمعت هشام ... يقرأ سورة الفرقان على غير ما اقرؤها ... فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « هكذا اُنزلت ، انّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر » (٤).

( ٤٢٧ ) عن ابن عباس : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اقرأني جبرئيل على حرف ، فلم أزل اتزيده حتى انتهى الى سبعة أحرف » (٥).

( ٤٢٨ ) عن انس : انّ حذيفة ... فقال حذيفة لعثمان : ادرك هذه الاُمة

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ١٩٤٣ كتاب البيوع.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٢٦٨.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٢٦٩.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٢٨٧.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٠٤٧ ، وانظر صحيح مسلم ٦ : ١٠١.

٢٠٩

قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فارسل عثمان الى حفصة أن ارسلي الينا بالمصحف ... وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فانّما نزل بلسانهم ... وارسل الى كلّ اُفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن
يحرق (١).

( ٤٢٩ ) عن عمر : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... من أقرأك ... قال : أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت كذبت! ... فقال رسول الله : « كذلك أُنزلت » ثم قال : « أقرأ يا عمر » فقرأ ـ القراءة التي أقرأنيها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كذلك انزلت ، ان هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه » (٢).

( ٤٣٠ ) عن اُبي : كنت في المسجد ، فدخل رجل يصلّي ، فقرأ قراءة انكرتها عليه ، ثم دخل رجل آخر ، فقرأت قراءة سوى قراءة صاحبه ... فأمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقرءا فحسن ، فحسّن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « شأنهما ... فقال : « يا أُبي ارسل اليَّ أن اقرأ القرآن على حرف ، فرددت اليه أن هون على اُمّتي ، فرد اليَّ الثانية اقرأ على حرفين ... فرد اليَّ الثالثة اقرأه على سبعة احرف » ... (٣).

( ٤٣١ ) وعنه : « ... ثم جاء الثالثة فقال : انّ الله يأمرك ان تقرأ اُمّتك القرآن على ثلاثة أحرف » فقال : اسأل الله معافاته ومغفرته ... ثم جاءه الرابعة ... على سبعة أحرف ... (٤)

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٤٧٠٢ كتاب التفسير.

(٢) صحيح البخاري رقم ٤٧٠٦ كتاب فضائل القرآن ، وانظر صحيح مسلم ٦ : ٩٩.

(٣) صحيح مسلم ٦ : ١٠٢.

(٤) صحيح مسلم ٦ : ١٠٣.

٢١٠

أقول : الروايتان من صحابي واحد ، وبينهما اختلاف من وجوه ، فلاحظ (١). ومع الغض عن اختلاف الاحاديث فيما بينها (٢) يتوجّه اليها اسئلة :

فمنها : انّ القرآن بايديكم فاوجدوا له سبعة عبارات تقرؤون بها ، هل يمكن لكم هذا؟ والجواب منفي قطعاً ، فهذا دليل كذب هذه الاَحاديث.

ومنها : انّ ما في بعضها من انّ الاُمّة لا تقدر قراءة القرآن على حرف واحد ، فهذا ايضاً مخالف للواقع ، فانا نرى الاُمّة اليوم يقرؤونه على حرف واحد في تمام ارجاء المعمورة.

وثالثاً : ما معنى جمع عثمان القرآن ، وقوله : انّه نزل على لسان قريش ، وخوف الصحابة من اختلاف الناس على قراءات مختلفة؟ وهل فعل عثمان وجمعه الناس على قراءة واحدة مخالف لاَمر الله وكلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أو هو فعل حسن؟

ورابعاً : هل القول بهذه الاَحاديث ، وتبديل الكلمات لا يبطل اعجاز القرآن وفصاحته المعجزة من اساسه؟

وخامساً : هل لا يبطل به تحدي القرآن الناس باتيان سورة منه ، إذ يمكن ان يأتي به على ستة أوجه! اُخر.

وسادساً : هل يمكن لعاقل يدّعي انّ الله انزل مثل القرآن ستة امثال من عباراته؟ أو يدّعي انّ الله فوّض اتيانه الى الناس ، فيتناقض التحدّي

__________________

(١) انظر سنن أبي داود ٢ : ٧٧ كتاب الصلاة.

(٢) من أوجه الاختلاف ما في النسائي : قال : « نعم انّ جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام أتياني ، فقعد جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : القرآن على حرف ، قال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ سبعة أحرف ، فكلّ حرف شاف كاف » سنن النسائي ٢ : ١٥٤.

٢١١

المشار اليه؟ فالمقطوع به كذب هذه الاحاديث. وربّما قيل ـ فراراً عن هذا الفضيحة ـ انّ المراد بسبع أحرف هي لغات أهل الحجاز ، والهذيل ، وهوازن ، وطي ، وثقيف ، وبني تميم ، أو القراءآت السبع للقرّاء ، لكنّه أيضاً تأويل غلط كما حقّقه مؤلف تفسير البيان في مقدّمته بما لا مزيد عليه.

وهنا أمر اُخر ، وهو انّ الشعوب الاسلامية في آسيا واروبا وافريقيا واميركا ربّما لا يقدرون على اداء بعض الحروف إلاّ بصعوبة ، فبعضهم ينطق حرف القاف كافاً ، وبعضهم كالگاف الفارسية ، وبعضهم ينطق حرف الفاء كحرف پ الفارسية ، وبعضهم يبدّلون الكاف بحرف ج ، وبعضهم يبدّلون حروف الحاء والعين بالهمزة ، والصاد بالسين ، والظاء والضاد بالزاي ، واللام بالراء ، والطاء بالتاء ، فهل يمكن ان نطبّق الحروف السبعة على هذا؟

فمن قرأ : الاُمد لله لب الئالمين ... مالك يوم الدين ... نابد ... نستئين ... سرات المستغيم أو المستكيم أو المستگيم ... گير المگزوب عليهم ولا الزالين ، فقد قرأ القرآن المنزّل ، وصحّ صلاته ، وان تمكن من تعلّم العربية الفصحى الرائجة وتركها مع القدرة على ادائرها؟

ونقول : لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً والصحيح عدم صحّة هذا التطبيق ـ كما لايخفى ـ على انّه لا يمكن بيان ثلاثة وجوه على هذا الاحتمال فضلاً عن سبعة ، نعم إذا لم يقدر أحد على القراءة الصحيحة فلا شكّ في صحّة الصلوات بها عند الاضطرار ، لكن سقوط التكليف بها اضطراراً أو ثواب القراءة بها أمر وصدق القرآن حقيقة عليه أمر آخر.

ولقد احسن وتجرّأ جرأة جميلة جلال الدين السيوطي حيث ذكر في

٢١٢

شرحه على سنن النسائي حينما اخرج هذه الاحاديث ( انّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف ) : والمراد به أكثر من ثلاثين قولاً حكيتها في الاتقان والمختار ، عندي انّه من المتشابه الذي لا يدري تأويله (١).

أقول : والاَحسن له ان يحكم بوضعه رأساً لوجوه مرّت.

( ٤٣٢ ) عن اُبي بن كعب : لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرئيل ، فقال : « يا جبرئيل انّي بعثت الى اُمّة اُميّين ، منهم : العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط » قال : « يا محمّد انّ القرآن أنزل على سبعة أحرف »(٢).

جواز الدفاع

( ٤٣٣ ) عن عبدالله بن عمرو قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من قتل دون ماله فهو شهيد » (٣).

أقول : هكذا ورد من طريق الشيعة أيضاً ، والحديث محتاج الى بحث فقهي ليس هنا موضع ذكره.

قصة خرافية موضوعة ( العنبر بعد العنقاء )

( ٤٣٤ ) عن جابر : بعث رسول الله بعثاً قبل الساحل ، فأمر عليهم أبا عبيدة الجراح وهم ثلاثمائة وانا فيهم ... ثم انتهينا الى البحر ، فإذا حوت مثل الظرب ( الجبل الصغير ) ، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة ، ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من اضلاعه فنصباً ، ثم أمر براحلة فرحلت ، ثم مرت تحتهما فلم تصبهما (٤).

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١٥٢.

(٢) جامع الترمذي ٣ : ١٥.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٣٤٨ كتاب المظالم.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٣٥١.

٢١٣

أقول : إذا فرض أكل كلّ شخص في ٢٤ ساعة مرتين يبلغ عدد الآكلين منها ١٠٨٠٠ شخصاً!

وفي صحيح مسلم : فإذا هي دابة تدعى العنبر! قال : قال أبو عبيدة. ميتة ، ثم قال : لا ، بل نحن رسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي سبيل الله ، وقد اضطررتم فكلوا فاقمنا عليه شهراً ( ! ) ونحن ثلاثمائة حتّى سمنا ... فلقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فاقعدهم في وقب (١) عينه ، وأخذ ضلعاً من اضلاعه فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا ، فمرّ من تحتها ... فارسلنا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه فأكله! (٢).

وفي رواية أُخرى : فأكلنا منها نصف شهر وفي أُخرى : ثماني عشرة ليلة!

أقول للاذكياء : ايّاكم وأخذ دينكم من أصحاب العنبر ثاني العنقاء!

سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مأكله

( ٤٣٥ ) عن عائشة : ان كنّا لننظر الى الهلال ثم الهلال ، ثلاثة اهلّة في شهرين ، وما أوقدت في ابيات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نار ، فقلت : يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت الاَسودان : التمر والماء! إلاّ انّ قد كان لرسول الله جيران من الانصار كانت لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ألبانهم فيسقينا (٣).

أقول : المنيحة هي الشاة أو الناقة التي تعطى للغير لينتفع بلبنها ثم يردّها على صاحبها.

__________________

(١) قيل : الوقب : داخل العين ونقرتها.

(٢) صحيح مسلم ١٣ : ٨٧ كتاب الجهاد.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٤٢٨.

٢١٤

تناقض في أكل الحمار الوحشي

( ٤٣٦ ) عن أبي قتادة ... فابصروا حماراً وحشياً ... فناولته العضد ـ أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فأكلها حتى نفدها وهو محرم (١).

( ٤٣٧ ) عن الصعب : انّه اهدى لرسول الله حماراً وحشياً ... امّا انّا لم نرده عليك إلاّ انّا حرم (٢).

( ٤٣٨ ) وعن ابن عباس ... وترك الضب تقذّراً ... وأكل على مائدة رسول الله ، ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

أقول : وينافيه قوله تعالى ( ويحرم عليهم الخبائث ).

انّما الرضاع من المجاعة وكذبة مستهجنة

( ٤٣٩ ) عن عائشة ... قلت : هذا أخي من الرضاعة قال : « يا عائشة انظرن من اخوانكن ، فانّما الرضاعة من المجاعة » (٤).

قيل : أي جوع الرضيع الذي يسده اللبن ، ولا يكون ذلك إلاّ في الصغر.

( ٤٤٠ ) وعنها ـ كما في صحيح مسلم (٥) ـ : جاءت سهلة بنت سهيل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله انّى أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم ( وهو حليفه ).

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ارضعيه ».

قالت : وكيف ارضعه وهو رجل كبير.

فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : « قد علمت انه رجل كبير ».

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٤٣١.

(٢) صحيح البخاري رقم ٢٤٣٤.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٤٣٦.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٥٠٤ ، صحيح مسلم ١٠ : ٣٤.

(٥) صحيح مسلم ١٠ : ٣١ كتاب الرضاع.

٢١٥

وفي حديث آخر : « ارضعيه تحرمي عليه ... » فقالت : انّي قد ارضعته ، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة!!!

أقول قال النووي في شرحه : ويحتمل انّه عفى عن مسّه للحاجة ، كما خصّه مع الكبر. ونقل عن القاضي قوله : لعلّها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها.

أقول : هذا الحديث عن عائشة كذبة وقحة وفرية مستهجنة على النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ادري واضعها ـ عليه ما عليه ـ ونفس هذا الحديث في كتاب مسلم اقوى دليل على وجوب الاحتياط مع الاحاديث ، وعدم الاغترار بما اشتهر ـ شهرة كاذبة ـ من صحّة أحاديث البخاري ومسلم وغيرهما ، ولا بدّ من النظر عند أخذ الاحاديث في الاسناد والقواعد وسائر الاُمور ، وكلّ من له فطرة سليمة يعرف انّ هذا الحديث ـ مع الغض عن سابقه بان الرضاعة من المجاعة ـ لعب بالدين فعله الكاذبون وروّجه البسطاء المحدّثون ، ولعائشة حديث آخر نقله مسلم ، واليك نصّه مختصراً :

( ٤٤١ ) قالت اُمّ سلمة لعائشة : انّه يدخل عليك الغلام الايفع الذي ما احب أن يدخل عليَّ فقالت عائشة أما لك في رسول الله اسوة ، ان امرأة أبي حذيفة ... فقال رسول الله : « ارضعيه حتى يدخل عليك ... » (١).

اقول : لا ادري ما تريد عائشة من هذا الحديث ، إذ لم يكن لها لبن ، ويمكن أن يقال انّه أمرت اختها بارضاعه فتكون خالة له. وحسن ظننا بها انّ الحديث لم يصدر عنها ، بل هو مكذوب عليها.

نسيان النبي عن آيات

( ٤٤٢ ) عن عائشة : سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً يقرأ في المسجد ، فقال :

__________________

(١) صحيح مسلم ١٠ : ٣٢ كتاب الرضاع.

٢١٦

« رحمه الله لقد اذكرني كذا وكذا آية اسقطتهنّ من سورة كذا وكذا » (١).

أقول : هل تقبل أيّها المسلم انّ الرسول نسي آيات من سورة؟! على انّ الله يقول : ( سنقرئُكَ فلا تنسى ) (٢) فهل تقبل نسيان النبي وتردّ عقلك والقرآن تصديقاً للبخاري ورواته أم تكذب الحديث تصديقاً للقرآن ومقام النبوة؟

بلوغ الابن

( ٤٤٣ ) عن ابن عمر ... (٣)

أقول : يظهر من الخبر انّ بلوغ الرجل بكونه ابن خمس عشرة.

القرعة

لاحظ ما ورد فيها في الباب ( ٣٠ ) من كتاب الشهادة ، لكن احاديثها كغالب احاديث البخاري ناقصة.

هل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب؟

( ٤٤٤ ) عن البراء ... ثم قال لعلي : « امح رسول الله » قال : « لا والله لا أمحوك أبداً » فاخذ رسول الله الكتاب فكتب : « هذا ما قاضى عليه محمّد ابن عبدالله ، لا يدخل مكة سلاح إلاّ في القراب ... » (٤).

أقول : اختلفت كلمات البخاري في هذه القصة كغيرها ، ولعلّ الاجماع منعقد على انّه لم يكتب سواء قلنا بقدرته عليها من جهة النبوة أم لا ، وقد صرّح البراء بانّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يكتب فقال لعلي : « امح ... (٥) وفي كتاب ... : فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب

__________________

(١) صحيح البخاري رقم ٢٥١٢ كتاب الشهادات.

(٢) الاَعلى ٦.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٥١٢ كتاب الشهادات.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٥٢٢.

(٥) صحيح البخاري رقم ٣٠١٣ كتاب الجزية.

٢١٧

فكتب...! (١)

واستقصاء اختلافات احاديث البخاري في الفاظه وجملاته يحتاج الى تأليف رسالة.

ما تركناه صدقة

( ٤٤٥ ) عن عائشة ـ في حديث طويل حول مطالبة فاطمة بميراث أبيها ـ : فقال أبو بكر انّ رسول الله قال : « لا نورث ما تركناه صدقة (٢) ... » (٣).

( ٤٤٦ ) وعن أبي هريرة : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا يقتسم ورثتي ديناراً ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة » (٤).

فرحم الله أبا هريرة حيث رحم زوجاته وعامله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستثناء نفقتهن ومؤنة عامله من الصدقة ، ولسوء حظ فاطمة لم يوجد من يضع استثناء نفقتها من الصدقة! ومر ان عمر ارسل ابنه الى عائشة يسألها الاذن في أن يدفن في جنب رسول الله وأبي بكر ، فكأنّ الحديث نسي أو كأن غير عائشة لم يكن من أولياء الميراث.

( ٤٤٧ ) عن عيسى : أخرج الينا انس نعلين جرداوين لهما قبالان ، فحدّثني ثابت البناني بعد عن انس انّهما نعلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

الاَجرد : البالي. القبال : الزمام الذي بين الاصبع الوسطى والتي تليها أو ما يشدّ به سير النعل كما قيل.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤٠٠٥ كتاب المغازي.

(٢) قال بعض الشيعة : انّ كلمة ما الموصولة مفعولة لقوله : « لا نورث » فمعنى الحديث : ما جعلناه صدقة لا نورثه لكنّه ـ حينئذ ـ غير مختص به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالانبياء ، بل يشمل جميع المكلفين ويأتي بحثه.

(٣) صحيح البخاري رقم ٢٩٢٦.

(٤) صحيح البخاري رقم ٢٦٢٤.

(٥) صحيح البخاري رقم٢٩٤٠.

٢١٨

( ٤٤٨ ) عن أبي بردة قال : أخرجت إلينا عائشة كساء ملبداً وقالت : في هذا نزع روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وزاد سليمان عنه : أخرجت الينا عائشة ازاراً غليظاً مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة. ولاحظ الجزء الرابع عشر من كتاب مسلم.

( ٤٤٩ ) وعن علي بن الحسين : انّ المسور قال له : فهل انت معطي سيف رسول الله ، فانّي أخاف أن يغلبك القوم عليه...

( ٤٥٠ ) عن اسماء : ... انّها اخرجت جبة كسروانية ... فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت ، فلما قبضت قبضتها ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلبسها ، فنحن نغسلها للمرضى ونستشفى بها. ( صحيح مسلم ).

أقول : فأين حديث كون ماله « صدقة ، وعلى فرض الميراث فكيف أخذتها عائشة وحدها حتى ورثتها اختها؟ أقول : المنصف الحر المتعمق يفهم انّ الغرض من حديث « لا نورث » هو حرمان فاطمة فقط من ميراث ابيها ، والواقع انّ حرمانها منه وجعلها وبعلها في عيشة ضيقة كان ممّا يستلزمه استحكام الخلافة في ذلك الزمان. ثم انّه مرّ في مقدّمة هذا الكتاب انّ أبا بكر أحرق خمسمائة حديث جمعها ، للشكّ في صحتها كما تخبر به بنته عائشة ، ولعلّ حديث « لا نورث » من تلك الاَحاديث التي احرقها ، وسيأتي فيما بعد صورة جديدة ومتكاملة من « لا نورث! ».

كلام حول فدك

انّ فاطمة ادّعت انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحلها فدكاً في حياته ، فلم يقبل أبو بكر قولها ، وطلب منها بيّنة ، فشهدت لها اُمّ أيمن وزوجها علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ذكر ذلك جماعة كثيرة من العلماء ، منهم

٢١٩

ابن حجر في صواعقه ( الشبهة السابعة ) ، ومنهم الفخر الرازي في تفسير الكبير ( سورة الحشر ) ، وابن تيمية ، وصاحب السيرة الحلبية ، وابن القيّم ، وغيرهم.

وبما انّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وانّها ممّن اُذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً ـ كما في الصحاح ـ قولها يفيد القطع بصدقه ومطابقته للواقع ، فلا معنى لطلب الشاهد منها ، بل لا يجوز اغضابها ، فانّ من اغضبها اغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نقله البخاري ، وهو محرّم قطعاً ، مع انّ عليّاً شهد لها ، وهو أيضاً ممّن أذهب الله عنه الرجس ، وهو مع الحق والحق معه (١).

ولا شكّ انّ عليّاً وفاطمة لم يكونا أقلّ شأناً من جابر ، فانّه قال لمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر : من كان له على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دين أو كانت له قبله عدة فلياتنا ، قال جابر : فقلت : وعدني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا ، فبسط يديه ثلاث مرات.

قال جابر : فعدّ في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة. ( صحيح مسلم كتاب الفضائل ).

فترى أبا بكر يصدّق جابراً في دعواه بلا بيّنة ، ولا يصدّق عليّاً وفاطمة ، إلاّ أن يقال انّ استحكام خلافته يتوقّف على حرمان فاطمة وهو أهم من حقّها ، وللبحث تتمة تمرّ بك عن قريب ، فانتظر.

وهنا أمر آخر ، وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الوكالة من باب

__________________

(١) لاحظ الحديث في الملل والنحل للشهرستاني ، وتاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ، وتاريخ ابن عساكر ٣ : ١١٩ ، وكنز العمال ٥ : ٣٠ على ما نقلوا عنها.

٢٢٠