فقه القرآن - ج ١

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ١

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٢

بالديانة هو التقرب إلى الله بعملها مع ارتفاع الشوائب ، والتقرب لا يصح الا بالعقد عليه والنية له ببرهان الدلاة.

وروي عن الرضا عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لا قول الا بعمل ، ولا قول ولا عمل الا بنية ، ولا عمل ولا نية الا بإصابة السنة ، ومن تمسك بسنتي عند اختلاف أمتي كان له أجر مائة شهيد (١).

ومحل النية القلب ، وذلك لأن النية هي الإرادة المخصوصة التي تؤثر في وقوع الفعل على وجه دون وجه ، ولا يكون من فعل غيره ، وبها يقع الفعل عبادة وواقعا موقع الوجوب أو الندب ، وقد قال النبي عليه‌السلام ( الأعمال بالنيات ) (٢).

ولا يجوز في تكبيرة الافتتاح الا قول ( الله أكبر ) مع القدرة عليه ، لان المسلمين قد أجمعوا على أن من قاله انعقدت صلاته بلا خلاف. وإذا أتى بغيره فليس على انعقادها دليل ، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.

وقال قوم : ان قوله ( ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ) (٣) أمر بذلك ، وهو على الايجاب شرعا ، وكذا قوله ( وربك فكبر ) (٤).

وقيل معناه : صل لله طاهرا في ثياب طاهرة. فكنى بالتكبير عن الصلاة ، ولولا وجوب التكبير في الصلاة لما كنى به عنها ، وهذا كقوله ( الحج عرفة ).

( فصل )

القراءة شرط في صحة الصلاة ، قال تعالى ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) (٥)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٣٣ مع اختلاف في بعض الألفاظ.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٣٤.

(٣) سورة الإسراء : ١١١.

(٤) سورة المدثر : ٣.

(٥) سورة المزمل : ٢٠.

١٠١

وقال ( فاقرأوا ما تيسر منه ) (١) ، والامر في الشريعة يقتضي الايجاب.

وقال عليه‌السلام ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) (٢). وهذا تفصيل ما أجمله الآيتان ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) و ( أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ).

وقال تعالى ( وقرآن الفجر ) (٣) أي صلاة الفجر ، فسمى الله الصلاة قرآنا اعلاما بأنها لا تتم الا بالقراءة.

وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (٤) ) لما كان الله في كثير من الآيات أمر بالصلاة جملة ثم نص على بعض أفعالها ، تنبيها على عظم محله وكبر شأنه ، كذلك أمر بالركوع والسجود مفردا تفخيما لمنزلتهما في الصلاة ، أي صلوا على ما أمرتكم به من الركوع والسجود. ثم أمرهم تعالى بعد ذلك بأوامر ، فقال ( واعبدوا ربكم وافعلوا الخير ) إلى أن أمر مرة أخرى بإقامة الصلاة فقال ( فأقيموا الصلاة ). وكل هذا يدل على شدة التأكيد في الركوع والسجود وانهما ركنان من الصلاة على ما ذكرناه ، لا تتم الا بهما مع الاختيار أو ما يقوم مقامهما مع الاضطرار.

والتسبيح فيهما واجب أيضا ، والدليل عليه ما روى أنه لما نزل قوله تعالى ( وانه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم ) (٥) قال النبي عليه‌السلام : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزل قوله ( سبح اسم ربك الاعلى ) (٦) قال عليه‌السلام : ضعوا هذا في سجودكم (٧). وهذان أمران يقتضيان الوجوب.

__________________

(١) سورة المزمل : ٢٠.

(٢) مستدرك الوسائل : ١ / ٢٧٤.

(٣) سورة الإسراء : ٧٨.

(٤) سورة الحج : ٧٧.

(٥) سورة الحاقة : ٥١ ـ ٥٢.

(٦) سورة الاعلى : ٢.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣١٥.

١٠٢

( فصل )

ان سأل سائل عن قوله تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) (١) أن قوله ( أقيموا الصلاة ) يدخل فيها الركوع ، فلم قال ( واركعوا ) ، وهل هذا الا تكرار؟

قلنا : هذا أولا يدل على أن الركوع ركن من أركان الصلاة على بعض الوجوه لا تصح من دونه ، فهذا انما ذكره للتفخيم والتعظيم لشأن الركوع ، كقوله ( وملائكته ورسله وجبرئيل وميكال ) (٢) وكما قال ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) (٣).

وفعل الركوع يعبر به أيضا عن الصلاة بتمامها ، فقول القائل ( فرغت من ركوعي ) أي من صلاتي ، وانما يعبر به عنها لأنه أول ما يشاهد مما يدل على أن الانسان في الصلاة ، لان أصل الركوع الانحناء.

وقال بعض المفسرين : ان المأمورين في الآية هم أهل الكتاب ولا ركوع في صلاتهم ، فكان الأحسن ذكر المختص دون المشترك لأنه أبعد من اللبس ، فأمرهم الله بالصلاة على ما يرونها من أمرهم بضم الركوع إليها ، والامر شرعا على الوجوب.

ويمكن أن يقال : ان قوله ( أقيموا الصلاة ) انما يفيد ايجاب اقامتها ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى صلاتهم التي يعرفونها. ويجوز أن يكون أيضا إشارة إلى الصلاة الشرعية ، فلما قال ( واركعوا مع الراكعين ) حتى مع هؤلاء المسلمين الراكعين ، فخصصت بالصلاة المنفردة في الشرع ، فلا يكون تكرارا بل يكون بيانا.

وقيل فيه وجه لطيف ، وهو أنه لما أمر بالصلاة بقوله ( أقيموا الصلاة )

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٣.

(٢) سورة البقرة : ٩٨.

(٣) سورة الرحمن : ٦٨.

١٠٣

حث بقوله ( واركعوا مع الراكعين ) على صلاة الجماعة ، لتقدم الصلاة للمنفرد في أول الآية ، ويجئ بيانها في بابها.

( فصل )

وقال تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) (١).

قال الطبري : المراد ( لا تجهر بصلاتك ) يعنى صلاة النهار العجماء (٢) ( ولا تخافت بها ) يعني صلاة الليل التي يجهر بها في القراءة (٣). فالجهر في صلاة الغداة واجب ، وكذلك في الركعتين الأوليين من العشائين.

فأما صلاة النهار فهي عجماء كما ذكرناه ، يجب في الظهر والعصر جميعا المخافتة الا في الجمعة يوم الجمعة ، وفي الركعتين الأوليين من الظهر أيضا من يوم الجمعة ، فإنه يستحب الجهر فيهما.

وقيل : انه نهي من الله تعالى عن الجهر العظيم في حال الصلاة وعن المخافتة الشديدة ، وأمر بأن يتخذ بين ذلك طريقا وسطا ، فأقل الجهر أن تسمع من يليك ، وأكثر المخافتة أن تسمع نفسك. ولا مانع من الحمل على القولين لعمومه.

وعن ابن عباس : ان النبي عليه‌السلام بمكة كان إذا صلى يجهر بصلاته على المأمور ، فسمع به المشركون فشتموه وآذوه وأرادوا أصحابه ، فأمره الله بترك الجهر.

وعن عائشة : المراد بالصلاة ههنا الدعاء ، أي لا تجهر بدعائك ولا تخافت به ولكن بين ذلك.

ويجوز أن يكون جميع ما ذكرناه مرادا ، لأنه لا مانع.

وقال قوم : هذا خطاب لكل واحد من المصلين ، والمعنى لا تجهر أيها

__________________

(١) سورة الإسراء : ١١٠.

(٢) عبر عنها بالعجماء لأنها لا تبين لاخفات الصوت فيها.

(٣) تفسير الطبري ١٥ / ١٢٥.

١٠٤

المصلي بصلاتك تحسنها مراءاة في العلانية ولا تخافت بها تسئ في القيام بها في السريرة.

وصلاة الغداة يجهر بها وان كانت من صلاة النهار ، لان النبي عليه‌السلام صلاها في غلس الصبح.

( فصل )

وقال قوم : يمكن أن يستدل على أن الصلاة على النبي وآله في التشهد واجب بقوله ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (١) ، وهو أمر ، وهو في الشرع على الوجوب.

والاجماع حاصل باستحباب الصلاة على النبي وآله في كل موضع وعلى كل حال.

ووجوبها لا يعتبر الا في التشهد والقنوت في كل صلاة مستحب في الموضع المخصوص منها ، يدل عليه قوله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) (٢). قال صاحب العين : القنوت في الصلاة دعاء بعد القراءة في آخر الركعتين يدعو قائما.

فإذا قيل : القنوت هو القيام الطويل ههنا.

قلنا : المعروف في الشريعة أن هذا الاسم يختص الدعاء ، ولا يعرف من اطلاقه سواه (٣). على انا نحمله على الامرين لأنه عام.

ويجوز الدعاء في الصلاة أين شاء المصلي منها. والحجة ـ بعد اجماع الطائفة ـ ظاهر أمر الله بالدعاء على الاطلاق ، قال تعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٥٦.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٣) قال الجوهري : القنوت الطاعة ، هذا هو الأصل ، ومنه قوله تعالى ( والقانتين والقانتات ) ، ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا ، وفى الحديث ( أفضل الصلاة طول القنوت ) ، ومنه قنوت الوتر ـ صحاح اللغة ١ / ٢٦١.

١٠٥

الرحمن ) (١) وقال ( ادعوني استجب لكم ) (٢).

وقال قوم : القنوت السكوت ، وقوله ( قوموا لله قانتين ) يدل على أن الكلام والتحدث في الصلاة محظور نهى الله عنه. وهذا التأويل أيضا غير مستبعد ، مع أنه لا ينافي ما قدمناه. ويجوز أن يكون الكل مرادا.

( فصل )

ويجب القراءة في الركعتين الأوليين على التضيق للمنفرد ، والمصلي مخير في الركعتين الأخيرتين بين القراءة والتسبيح. ويمكن أن يستدل عليه بقوله ( فاقرأوا ما تيسر من القرآن ) (٣) ، لان ظاهر هذا القول يقتضي عموم الأحوال كلها التي من جملتها أحوال الصلاة.

ولو تركنا وظاهر الآية قلنا : ان القراءة واجبة كلها تضييقا ، لكن لما دل الدليل على وجوبها في الأوليين على التضيق وفى الأخيرتين يجب على التخيير للمنفرد ، قلنا بجواز التسبيح في الأخيرتين ، الا أن الأثر ورد بأن القراءة للامام في الأخيرتين أيضا أفضل من التسبيح.

وافتتاح الصلاة المفروضة يستحب بسبع تكبيرات ، يفصل بينهن بتسبيح وذكر الله. والوجه فيه ـ بعد اجماع الفرقة المحقة ـ هو أن الله ندبنا في كل الأحوال إلى تكبيره وتسبيحه واذكاره الجميلة ، وظواهر آيات كثيرة من القرآن تدل عليه ، مثل قوله ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) (٤) فوقت افتتاح الصلاة داخل في عموم الاخبار التي أمرنا فيها بالأذكار.

__________________

(١) سورة الإسراء : ١١٠.

(٢) سورة غافر : ٦٠.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

(٤) سورة الأحزاب : ٤١ ٤٢.

١٠٦

ويجب الطمأنينة في الركوع والسجود ، وكذا بعد رفع الرأس منهما.

وقد بين النبي عليه‌السلام كيفية الصلاة من الفرائض والسنن وما يترك لأمر الله بذلك ، قال تعالى ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ) ، ورواها علماء أهل البيت. وعلى صحة جميع ذلك اجماع الطائفة ، وهو دليل قاطع ، ففي أول ركعة ثلاثة عشر فعلا مفروضا ، وكذا في كل ركعة الا النية [ وتكبيرة الاحرام ] (١).

( باب هيئات الصلاة )

قال الله تعالى ( فصل لربك وانحر ) (٢).

أمر منه تعالى لنبيه ، ويدخل فيه جميع المكلفين ، يأمرهم الله بالصلاة وأن ينحروا.

قال قوم : معناه صل لربك الصلاة المكتوبة واستقبل القبلة بنحرك ، تقول العرب ( منازلنا تتناحر ) أي تتقابل ، أي هذا ينحر ذا ، يعنى يستقبله. وأنشد :

أبا حكم هل أنت عم مجالد

وسيد أهل الأبطح المتناحر (٣)

وهذا قول الفراء.

وروي عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : لما نزلت هذه السورة قال رسول الله لجبرئيل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربى؟ قال : ليست بنحيرة ، وانما يأمرك إذا تحرمت للصلاة ان ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت ، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع ، وان لكل شئ زينة وان زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة (٤).

__________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) سورة الكوثر : ٢.

(٣) لبعض بنى أسد ، لسان العرب ( نحر ).

(٤) تفسير البرهان ٤ / ٥١٤. وهو حديث عامي انظر الدر المنثور ٦ / ٤٠٣.

١٠٧

وأما ما رووه عن علي عليه‌السلام أن معناه ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة (١). فمما لا يصح عنه ، لان جميع عترته الطاهرة قد رووا عنه بخلاف ذلك ، وهو أن معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة حسب ما قدمناه.

وكذا روي عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى ( فصل لربك وانحر ) هو رفع يديك حذاء وجهك (٢).

وروى مثله عنه عليه‌السلام عبد الله بن سنان (٣).

وقال حماد بن عثمان : سألته ما النحر؟ فرفع يديه إلى صدره فقال : هكذا.

يعني استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة (٤).

وعن جميل : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ( فصل لربك وانحر ) فقال بيده هكذا. يعنى استقبل بيديه حذو وجهه القبلة في افتتاح الصلاة (٥).

وقال النبي عليه‌السلام : رفع الأيدي من الاستكانة. قيل : وما الاستكانة؟ قال : ألا تقرأ هذه الآية ( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) (٦).

وقد أورد الثعلبي والواحدي في تفسيريهما الحديث الذي قدمناه عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام ، وجعلا هذا الخبر من تمامه ، وهو الصحيح.

وروى جماعة عن الباقر والصادق عليهما‌السلام في قوله ( وتبتل إليه تبتيلا ) (٧) أن التبتيل هنا رفع الأيدي في الصلاة (٨).

__________________

(١) الدر المنثور ٦ / ٤٠٣.

(٢) وسائل الشيعة ٤ / ٧٢٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ / ٦٦.

(٤) مجمع البيان ٥ / ٥٥٠ ز.

(٥) وسائل الشيعة ٤ / ٧٢٨.

(٦) الدر المنثور ٦ / ٤٠٣.

(٧) سورة المزمل : ٨.

(٨) تفسير البرهان ٤ / ٣٩٧.

١٠٨

وفى رواية : هو رفع يديك إلى الله وتضرعك إليه (١).

والعموم يتناولهما.

( فصل )

وقال تعالى ( وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ) (٢).

قال الفراء والزجاج : المساجد مواضع السجود من الانسان الجبهة واليدان والرجلان.

وزاد في رواية أصحابنا عنهم عليهم‌السلام تفصيلا فقالوا في قوله ( وان المساجد لله ) السجود على سبعة أعظم فريضة الجبهة واليدين والركبتين وطرف أصابع الرجلين (٣).

والمعنى أنه لا ينبغي أن يسجد بهذه الأعضاء لاحد سوى الله ، أي ان الصلاة لا تجب الا لله لأنها عبادة ، والعبادة غاية الشكر ، والشكر يجب على النعمة ، وغاية الشكر ـ التي هي العبادة ـ تجب على أصول النعمة ، وهي خلق الحياة والقدرة والشهوة [ .. ] (٤) وغيرها مما لا يدخل تحت مقدور القدر ، ولا يقدر على أصول النعمة غير الله ، فلا تجب العبادة الا له تعالى.

وقال تعالى ( فلا تدعوا مع الله أحدا ) أي لا تراؤوا أحدا ، نهاهم الله عن الرياء في الصلاة حتى لا يراؤوا بها غيره ، فإنها لا تكون مقبولة الا إذا كانت خالصة لله تعالى.

والسجود على هذه الأعضاء السبعة واجب ، ووضع الانف على الأرض سنة ، وكنايتهم عليهم‌السلام فيه الارغام بالأنف سنة (٥).

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٣٩٧.

(٢) سورة الجن : ١٨.

(٣) انظر وسائل الشيعة ٤ / ٩٥٤ ـ ٩٥٥.

(٤) كلمة لا تقرأ في النسختين.

(٥) انظر وسائل الشيعة ٤ / ٩٥٤.

١٠٩

وقال بعضهم : الانف والجبهة عظم واحد ، فلا تقبل صلاة لا يصيب الانف منها ما يصيب الجبهة ، وهذا لشدة تأكيد الندب في ذلك.

( فصل )

قوله ( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) (١).

قال مجاهد : هو غض الطرف وخفض الجناح ، أي بقيت أعمالهم الصالحة فهم خافضون متذللون فيها لله.

وقيل : الخشوع هو أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده في حال القيام وينظر في حال الركوع إلى ما بين قدميه ، أو يغمض عينه في هذه الحالة ، وأما في حال السجود فإلى طرف أنفه ، وفي جلوسه إلى حجره.

وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرفع بصره إلى السماء ، فلما نزلت هذه الآية طأطأ رأسه ونظر إلى مصلاه (٢).

وانما أعاد ذكر الصلاة ههنا بقوله ( والذين هم على صلاتهم يحافظون ) (٣) مع جري ذكرها في الآية المقدمة ، لأنه أمر بالخشوع في أول الآيات وأمر في آخرها بالمحافظة عليها والقراءة بالتوحيد ، لان الصلاة اسم جنس يقع على القليل والكثير أي لا يضيعونها وهم يواظبون على أدائها.

وفي تفسير أهل البيت عليهم‌السلام : ان معناه الذين يحافظون على مواقيت الصلاة فيؤدونها في أوقاتها ولا يؤخرونها حتى يخرج وقتها (٤). وبه قال أكثر المفسرين.

__________________

(١) سورة المؤمنون ١ ـ ٢.

(٢) الدر المنثور ٥ / ٣.

(٣) سورة المؤمنون : ٩.

(٤) تفسير علي بن إبراهيم القمي ٢ / ٨٩.

١١٠

( فصل )

وقوله ( يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة ) (١).

قال ابن عباس : كل تسبيح في القرآن صلاة.

وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : ان الله مدح قوما بأنهم إذا دخل وقت الصلاة تركوا تجارتهم وبيعهم واشتغلوا بالصلاة (٢).

وهذان الوقتان من أصعب ما يكون على المتبايعين ، وهما الغداة والعشي.

وقوله ( قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له ) (٣) انما أضاف الصلاة إلى أصل الواجبات من التوحيد والعدل ، لان فيها التعظيم لله عند التكبير ، وفيها تلاوة القرآن التي تدعو إلى كل بر ، وفيها الركوع والسجود وهما غاية خضوع لله ، وفيها التسبيح الذي هو تنزيه الله تعالى.

وانما جمع بين صلاته وحياته وإحداهما من فعله والأخرى من فعل الله ، لأنهما جميعا بتدبير الله.

والكيفيات المفروضة في أول ركعة ثمانية عشر ، وفي أصحابنا من يزيد في العدد (٤) ، وان كانت الواجبات بحالها في القولين.

__________________

(١) سورة النور : ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) تفسير البرهان ٢ / ١٣٩.

(٣) سورة الأنعام : ١٦٢ / ١٦٣.

(٤) من يزيد في العدد ويقول إحدى وعشرون كيفية كما ذكره المصنف رضي‌الله‌عنه في كتاب ( فرائض العبادات ) ، وهي : مقارنة النية بتكبيرة الاحرام لأول الصلاة ، واستمرار حكم النية إلى حين الفراغ ، وقول ( الله أكبر ) خاصة ولا يتلفظ مكانه ( الله وأكبر ) أو ( الله الكبير ) أو نحوه فإنه لا يجزئ ، وقراءة الحمد وسورة أخرى معها في الفرض مع القدرة والاختيار ، والترتيب بين الحمد والسورة يبدأ بقراءة الحمد أولا ، والاخفات فيما يخافت فيه ، والجهر فيما يجهر فيه ، والترتيب بين القراءة والركوع يقرأ أولا ثم يركع ،

١١١

وفي الركعة الثانية مثلها ، الا كيفية النية وكيفية التكبير.

وفي التشهد يجب ستة أشياء ، ويستدل عليها من فحوى الآيات التي تقدم ذكرها ، ومن الآيات التي يأتي بيانها من بعد.

( فصل )

قال الله تعالى ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) (١).

ومعنى الآية حث على مراعاة الصلوات ومواقيتهن ، وان لا يقع فيها ولا في شرائطها ولا في أفعالها ولا في كيفياتها التي بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجوبها تضييع وتفريط. وهذا عام في جميع واجباتها من الافعال والتروك وكيفياتها والفرائض والسنن.

وقوله ( الصلاة الوسطى ) هي العصر فيما روي عن النبي صلوات الله عليه وآله وعن علي عليه‌السلام وعن ابن عباس والحسن (٢). وقال ابن عمر وزيد بن ثابت انها الظهر ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام (٣). وقال قبيصة بن ذؤيب هي المغرب. وقال جابر هي الغداة. وعن ابن عمر هي واحدة من الخمس غير مميزة.

وقال الحسن بن علي المغربي : المعني بها صلاة الجماعة ، [ لان الوسط

__________________

والطمأنينة في الركوع ، والطمأنينة في الانتصاب من الركوع ، والسجود على سبعة أشياء الجبهة وباطن الكفين والركبتين وإبهامي الرجلين ، والترتيب بين الركوع والسجود يركع أولا ثم يسجد ، والطمأنينة في السجدة الأولى وفى الانتصاب منها ، وفى السجدة الثانية كذلك. والكيفيات الثلاث الزائدة على البواقي هي : الترتيب بين الحمد والسورة ، وبين القراءة والركوع ، وبين الركوع والسجود ( هـ ج ).

(١) سورة البقرة : ٢٣٨.

(٢) الدر المنثور ١ / ٣٠٢ ـ ٣٠٥.

(٣) تفسير البرهان ١ / ٢٣١.

١١٢

العدل ، فلما كانت صلاة الجماعة ] (١) أفضلها خصت بالذكر. وهذا وجه مليح غير أنه لم يذهب إليه غيره.

فمن جعلها العصر قال لأنها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل ، وانما حث عليها زيادة لأنها وقت شغل الناس في غالب الامر.

ومن قال إنها صلاة الظهر قال لأنها وسط النهار ، ولأنها أول صلاة فرضت فلها بذلك فضل.

ومن قال هي المغرب قال لأنها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات ، فهي أول صلاة الليل وقد رغب الله في الصلاة بالليل.

واما من قال هي الغداة قال لأنها بين الظلام والضياء ، وهي صلاة لا تجمع معها غيرها.

ومن حمل الصلاة الوسطى على صلاة الجماعة ، جعل الصلوات على عمومها من الفرائض.

ومن حملها على واحدة من الصلوات على الخلاف فيه اختلفوا : فمنهم من قال أراد بقوله ( على الصلوات ) ما عدا هذه الصلاة حتى لا يكون عطف الشئ على نفسه ، ومنهم من قال لا يمتنع لمن يريد بالأول جميع الصلوات وخص هذه الصلاة بالذكر تعظيما لها وتأكيدا لفضلها وشرفها ، كقوله ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) (٢).

( فصل )

اعلم أن الله تعالى لما حث على الطاعة بقوله ( ولا تنسوا الفضل بينكم ) (٣) خص بعده الصلاة بالمحافظة عليها لأنها أعظم الطاعات ، فقال ( حافظوا على الصلوات )

__________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) سورة البقرة : ٩٧.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٧.

١١٣

أي داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها ، ثم خص الوسطى تفخيما لشأنها ، ثم اختلف فيها على ستة أقوال على ما ذكرنا.

واكد من ذكر أنها الظهر بقول النبي عليه‌السلام : إذا زالت الشمس سبح كل شئ لربنا ، فأمر الله بالصلاة في تلك الساعة ، وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلى الظهر ويستجاب فيها الدعاء. وذكر أنها الجمعة يوم الجمعة ، والظهر سائر الأيام.

ومن ادعى أنها العصر اكد قوله بقول النبي عليه‌السلام : الذي تفوته صلاة العصر (١) فكأنما وتر أهله وماله.

ومن ذكر أنها المغرب اكد قوله بقول النبي عليه‌السلام : ان أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب ، لم يحطها الله عن مسافر ولا مقيم ، فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار ، فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة ، ومن صلى بعدهما أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين أو أربعين سنة.

ومن زعم أنها صلاة العشاء الآخرة قال : لأنها بين صلاتين لا يقصران ، وقال النبي عليه‌السلام : من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليله.

ومن قال إنها إحدى الصلوات الخمس لم يعينها الله وأخفاها في جملة المكتوبات كلها ليحافظوا على كلها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان واسمه الأعظم في جميع أسمائه وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.

ومن قال إنها صلاة الفجر دل عليه أيضا من التنزيل بقوله ( وقرآن الفجران قرآن الفجر كان مشهودا ) (٢) يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، وهي مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار ، ولأنها صلاة لا تجمع مع غيرها كما تقدم ، فهي منفردة بين مجتمعتين ، فقد جمع النبي عليه‌السلام بين الظهر والعصر وجمع بين المغرب

__________________

(١) في ج ( من فاتته صلاة العصر ).

(٢) سورة الإسراء : ٧٨.

١١٤

والعشاء بالمزدلفة ، فصلاة الظهر متآخية لصلاة العصر وكذا المغرب للعشاء وصلاة الغداة منفردة.

ويستحب الجمع في هذين الموضعين ـ يعنى عرفة والمشعر ـ على الرجال والنساء في أي يوم كان من الأسبوع ، وفي أية ليلة كانت سوى ليلة الجمعة أو غيرها من الليالي ، ولا يستحب الجمع في غيرهما من المواضع بل هو رخصة ، سواء كان في الحضر أو السفر ، الا في يوم الجمعة فإنه يستحب فيه الجمع بين الظهر والعصر لا غير في كل بقعة وعلى كل حال.

ويلزم النساء خاصة الجمع بين الظهر والعصر والجمع بين المغرب والعشاء الآخرة في بعض وجوه استحاضتهن.

( فصل )

ثم قال تعالى في آخر الآية ( وقوموا لله قانتين ) أي داعين ، والقنوت هو الدعاء في الصلاة في حال القيام ، وهو المروي عنهما عليهما‌السلام (١). وقيل ساكتين لأنهم نهوا بذلك عن الكلام في الصلاة. وقيل خاشعين ، فنهوا عن العبث والالتفات في الصلاة ، فالالتفات فيها إلى خلف محظور والى ما سواه من الجوانب مكروه.

والأصل في القنوت الاتيان بالدعاء وغيره من العبادات في حال القيام (٢) ، ويجوز أن يطلق في سائر الطاعات ، فإنه وان لم يكن فيه القيام الحقيقي فان فيه القيام بالعبادة.

__________________

(١) أي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، انظر البرهان ١ / ٢٣١. وذكر القنوت في

روايات أخرى أيضا بمعنى الإطاعة والرغبة والمحافظة على الصلوات.

(٢) قال ابن فارس : والأصل في الطاعة ، يقال قنت يقنت قنوتا ، ثم سمى كل استقامة في طريق الدين قنوتا ، وقيل لطول القيام في الصلاة قنوت ، وسمى السكوت في الصلاة والاقبال عليها قنوتا ، قال الله تعالى ( وقوموا لله قانتين ) ـ معجم مقاييس اللغة ٥ / ٣١.

١١٥

واستدل الشافعي على أنها هي الغداة بقوله ( وقوموا لله قانتين ) بمعنى وقوموا فيها لله قانتين. وهذا في جميع الصلوات عندنا.

والقنوت جهرا في كل صلاة ، وعن زيد بن ثابت ان النبي عليه‌السلام كان يصلي الهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فلا يكون وراءه الا الصف والصفان ، فقال : لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم ، فنزل قوله ( حافظوا على الصلوات ) (١).

( فصل )

وقوله ( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (٢).

لا خلاف بين الأمة أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام حين تصدق بخاتمه وهو راكع ، روى ذلك المغربي عن أبي بكر الرازي والطبري والرماني ومجاهد والسدي ، وقالوا : المعني بالآية هو الذي أتى الزكاة في حال الركوع ، وهو قول أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

[ وأجمعت الأمة على أنه لم يؤت الزكاة في الركوع غير أمير المؤمنين عليه‌السلام ] (٤).

وفي هذه الآية دلالة عن أن العمل القليل لا يفسد الصلاة.

وقيل في قوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) (٥) هو وضع الجبهة والأنف في السجود على الأرض.

__________________

(١) الدر المنثور ١ / ٢٩٨.

(٢) سورة المائدة : ٥٥.

(٣) الدر المنثور ٢ / ٢٩٣ ، تفسير البرهان ١ / ٤٧٩.

(٤) الزيادة من ج.

(٥) سورة طه : ١١١.

١١٦

( فصل )

وقوله تعالى ( وأقم الصلاة لذكري ) (١) قال قوم معناه متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها فأقمتها أو فات وقتها فاقضها ، سواء فاتت عمدا أو نسيانا.

وقيل : معناه أقم أيها المكلف الصلاة لتذكرني فيها بالتسبيح والتعظيم واني أذكرك (٢) بالمدح والثواب.

وقال تعالى ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) (٣) أي تركوها ، وقيل أي أخروها عن مواقيتها ، وهو الذي رواه أصحابنا.

وقال ( فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون ) (٤) وهذا تهديد لمن يؤخرها عن وقتها ، لأنه تعالى قال ( عن صلاتهم ) ولم يقل ساهون فيها. وانما ذم من وقع منه السهو مع أنه ليس من فعل العبد بل هو من فعل الله ، لان الذم توجه في الحقيقة على التعرض للسهو بدخوله فيها على وجه الرياء وقلبه مشغول بغيرها لا يرى لها منزلة تقتضي صرف الهمة إليها.

وعن يونس بن عمار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ) أهي وسوسة الشيطان؟ قال : لا كل أحد يصيبه هذا ولكن ان يغفلها ويدع أن يصلي في أول وقتها (٥).

وعن أبي أسامة زيد الشحام سألته أيضا عن قوله ( الذين هم عن صلاتهم ساهون ). قال : هو الترك لها والتواني عنها (٦).

__________________

(١) سورة طه : ١٤.

(٢) كذا في م وفى ج ( ولان أذكر بالمدح ).

(٣) سورة مريم : ٥٩.

(٤) سورة الماعون : ٤ ـ ٥.

(٥) تفسير البرهان ٤ / ٥١١.

(٦) تفسير البرهان ٤ / ٥١١.

١١٧

وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : هو التصنيع لها (١).

وعن ابن عباس : هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها.

وقيل : يريد المنافقين الذين لا يرجون لها ثوابا ان صلوا ولا يخافون عليها عقابا ان تركوا ، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها ، فإذا كانوا مع المؤمنين صلوها رياءا ، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا ، وهو قوله ( الذين هم يراؤن ).

وقيل : ساهون عنها لا يبالون صلوا أو لم يصلوا.

وعن أبي العالية : هم الذين لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها ولا سجودها ، هم الذين إذا سجدوا قالوا برؤوسهم هكذا وهكذا ملتفتين.

وقال أنس : الحمد لله الذي قال ( عن صلاتهم ) ولم يقل في صلاتهم. أراد بذلك أن السهو الذي يقع للانسان في صلاته من غير عزم لا يعاقب عليه.

( فصل )

وقوله تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) (٢).

خاطب محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد به هو وجميع المكلفين ، أي إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله ، لان بعد القراءة لا تكون الاستعاذة الا عند من لا يعتد بخلافه.

وقيل : هو التقديم والتأخير. وهذا ضعيف ، لان ذلك لا يجوز مع ارتفاع اللبس والشبهة.

والاستعاذة عند التلاوة مستحبة الا عند أهل الظاهر ، فإنهم قالوا ( فاستعذ بالله ) أمر وهو على الايجاب. ولولا الرواية عن أهل البيت أنها مستحبة وعلى صحتها اجماع الطائفة لقلنا بوجوبها.

والتعوذ في الصلاة مستحب في أول ركعة دون ما عداها ، وتكراره في كل.

__________________

(١) تفسير البرهان : ٤ / ٥١١.

(٢) سورة النحل : ٩٨.

١١٨

ركعة يحتاج إلى دليل ولا دليل.

ويسر في التعوذ في جميع الصلوات ، ويجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد وفى كل سورة بعدها في كل صلاة يجب الجهر فيها ، وتجب قراءته لأنه آية من كل سورة ، والدليل عليه اجماعنا الذي تقدم أنه حجة ، فان كانت الصلاة مما لا يجهر فيها استحب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيها.

واختلف فيه أيضا ، فقيل إنه مقصور على الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والأظهر انه على العموم في جميع المواضع التي كانت فيها من الصلوات.

وقالوا في قوله ( واذكر اسم ربك ) (١) أي اقرأ أيها المخاطب بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة.

( فصل )

قال الله تعالى ( وانه لتنزيل رب العالمين ) إلى قوله ( بلسان عربي مبين ) (٢).

تدل هذه الآية أن من قرأ بغير العربية معنى القرآن بأي لغة كانت في الصلاة كانت صلاته باطلة ، لان ما قرأه لم يكن قرآنا.

وان وضع لفظا عربيا موضع لفظ من القرآن يكون معناهما واحدا فكمثله ، فإنه تعالى وصف اللسان بصفتين ، ألا ترى انه تعالى أخبر انه انزل القرآن بلسان عربي مبين ، وقال تعالى ( انا أنزلناه قرآنا عربيا ) (٣) فأخبر انه أنزله عربيا.

فمن قال : إذا كان بغير العربي فهو قرآن ، فقد ترك الآية ، وقال تعالى ( وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ) (٤). وعند أبي حنيفة أرسل الله رسوله بكل لسان.

__________________

(١) سورة المزمل : ٨.

(٢) سورة الشعراء : ٩٢ ـ ٩٥.

(٣) سورة يوسف : ٢.

(٤) سورة إبراهيم : ٤.

١١٩

وإذا ثبت أنه بغير العربية لا يكون قرآنا سقط قولهم وثبت أنها لا تجزي.

على أن من يحسن الحمد لا يجوز أن يقرأ غيرها ، لقوله عليه‌السلام : كل صلاة ليس فيها فاتحة فهي خداج (١).

فإن لم يحسن الحمد وجب عليه أن يتعلمها ، فان ضاق عليه الوقت وأحسن غيرها قرأ ما يحسن ، فإن لم يحسن الا بعض سورة قرأه ، فإن لم يحسن شيئا أصلا ذكر الله وكبره. ولا يقرأ معنى القرآن بغير العربية.

( فصل )

وقوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (٢).

يدل على أنه يجوز للمصلي أن يدعو لدينه ودنياه ولاخوانه ، لأنه قال ( فادعوه ) ولم يستثن حال الصلاة ، وظاهره في عرف الشرع الاستغراق والعموم فلا مانع.

وإذا سلم عليه وهو في الصلاة رد عليه مثله ، يقول ( سلام عليكم ) ولا يقول ( وعليكم السلام ) فإنه يقطع الصلاة.

ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن لفظة ( سلام عليكم ) من ألفاظ القرآن يجوز للمصلي أن يتلفظ بها تاليا للقرآن وناويا لرد السلام ، إذ لا تنافي بين الامرين ، قال الله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) (٣).

قال الحسن وجماعة من متقدمي المفسرين : ان السلام تطوع والرد فرض ، لقوله ( فحيوا ) والامر شرعا على الوجوب ، فإذا أطلق الامر ولم يقيده بحال دون حال فالمصلي إذا سلم عليه وهو في الصلاة فليرد عليه مثل ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ / ٧٣٣. والخداج ـ بكسر الخاء ـ النقصان ، يقال ( خدجت الناقة ) إذا ألقت ولدها قبل الاوان ـ النهاية لابن الأثير ٢ / ١٢.

(٢) سورة الأعراف : ١٨٠.

(٣) سورة النساء : ٨٦.

١٢٠