جواهر الفقه - المقدمة

الشيخ جعفر السبحاني

جواهر الفقه - المقدمة

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩١

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

انطلاقا من أهمية التراث الإسلامي ومكانته السامية في حياة الأمة أخذت مؤسستنا على عاتقها القيام بكل جهد ممكن في إحياء التراث الإسلامي القويم.

فقامت ـ والى الآن والحمد لله ـ بطبع ونشر مئات الكتب والمصنفات الإسلامية القيمة التي ألفها علماء الإسلام لا سيما القدامى من الأصحاب وأرباب الفكر في شتى مجالات الفقه والأصول والحديث والتفسير والكلام وغيره.

وكتاب « جواهر الفقه » تأليف الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البراج أحد تلك المصنفات القيمة التي قامت المؤسسة بطبعه ونشره بعد أن حققته مؤسسة سيد الشهداء العلمية. وبهذه المناسبة نتقدم بالشكر الجزيل لجميع الاخوة الذين ساهموا في تحقيقه وتخريجه وتصحيحه سائلين الله لهم المزيد من التوفيق إنه ولي النعم.

مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة

٣

الشيعة والتشريع الإسلامي

تدوينا وتطويرا

بقلم : جعفر السبحاني

الكتاب والسنة هما المصدران الرئيسيان للتشريع الإسلامي لدى المسلمين ، ولو كان هناك مصدر آخر فربما يرجع إليهما ، فالكتاب نور وضياء في جميع المجالات ، وهداية للأمة في شتى حقوق الحياة ، قال سبحانه « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ » (١) فلو شككنا في عمومية الشي‌ء في الآية الشريفة وسعته لكل ما يصدق عليه ، فلا يشك في أن التشريع اعنى وظائف العباد امام الله وامام الناس في الحياة الدنيا ، من أوضح مصاديقه ، فهو مبين لكل ما يحتاج إليه الإنسان فيما يرجع الى المبدأ والمعاد ، والى ما يحتاج إليه في حياته الفردية والاجتماعية من السنن والقوانين.

فإذا كان هذه مكانة الكتاب ، فما هي مكانة السنة في ذلك الحقل؟

ان السنة أولا مبينة لإجمال الكتاب وإبهامه ، وموضحة لتنزيله وتفسيره. قال سبحانه « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » (٢).

وثانيا ان الرسول هو الاسوة والقدوة ، فهو بقوله وفعله يبين عزائم الشرع ورخصه ، فرائضه ونوافله. قال سبحانه « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً » (٣) ، وقال سبحانه : « وَما آتاكُمُ

__________________

(١) النحل : ٩٨.

(٢) النحل : ٤٤.

(٣) الأحزاب : ٢١.

٤

الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (١) وقال الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الا اني أوتيت الكتاب ومثله معه ، الا اني أوتيت القرآن ومثله معه ، الا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته ، يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم من حلال فاحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه. » (٢).

وفي ظل هذين المصدرين المباركين استغنت الأمة عن كل تقنين بشري وتشريع غير إلهي إلى يوم القيامة فقد كان لهم في هدى الكتاب والسنة غنى وكفاية. كيف وقد سمى سبحانه غير حكمه حكم الجاهلية ، وقال « أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » (٣).

فإذا كان هذه منزلة السنة النبوية ، كان من الواجب على الأمة القيام بضبط كل دقيق وجليل أثر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن ـ يا للأسف ـ تقاعست الأمة الإسلامية عن تدوين السنة وجمعها وضبطها في حياة صاحبها وبعد رحلته ، وتوانت عن القيام بهذا الواجب الى منتصف القرن الثاني بعد ضياع قسم كبير من السنة وتشرب الاسرائيليات والأحاديث الموضوعة إلى أوساط المسلمين عامة والمحدثين خاصة ، وبعد ما ندموا قاموا بالوظيفة ولما ينفعهم الندم.

روى السيوطي ، قال : « أراد عمر بن الخطاب أن يكتب السنن واستشار فيها أصحاب رسول الله فأشار إليه عامتهم بذلك فلبث عمر بن الخطاب شهرا يستخير الله تعالى في ذلك شاكا فيه ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله تعالى له ، فقال : إنى كنت فكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم ، ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب كتبوا مع كتاب الله كتابا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وانى والله لا البس كتاب الله بشي‌ء فترك كتابة السنن ».

__________________

(١) الحشر : ٨.

(٢) أحمد ـ المسند ، ج ٤ ـ ١٣١.

(٣) المائدة : ٥٠.

٥

« وروى ابن سعد بسنده عن الزهري قال : لما أراد عمر بن الخطاب ـ رض ـ ان يكتب السنن فاستخار الله شهرا ثم أصبح وقد عزم الله له فقال : ذكرت قوما كتبوا كتابا فاقبلوا عليه وتركوا كتاب الله » (١).

هذا قرظة بن كعب الأنصاري ، قال : أردنا الكوفة فشيعنا عمر الى صرار ، وقال : تدرون لم شيعتكم؟ قلنا : نعم. نحن أصحاب رسول الله ، فقال : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث ، فتشغلوهم. جردوا القرآن ، وأقلوا الرواية عن رسول الله ، وامضوا وانا شريككم. (٢).

وقد جرت السيرة في ظل هذا الحظر على ترك كتابة السنة وصارت النتيجة حرمان الأمة من عدل الكتاب وقرينه ، ولو صح ما ذكره الخليفة من التعليل ، لوجب على الأمة في جميع الأجيال والقرون تمزيق الصحاح والمسانيد والقضاء على السنة النبوية ، ولا ينتج ذلك إلا البؤس والشقاء والتجاءها في مجال التشريع والأخلاق والسياسة والنظم الاجتماعية الى القوانين الموضوعة بيد البشر الخاطى.

نعم أحس الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ( ت ١٠١ ) بخطورة الموقف وضرورة تدوين الحديث ، فكتب الى عالم المدينة أبي بكر بن حزم ، وقال : انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه فاني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولتفشوا العلم ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم ، فان العلم لا يهلك حتى يكون سرا (٣).

__________________

(١) السيوطي : تنوير المالك في شرح موطإ مالك الفائدة الثانية : وراجع : فتح الباري بشرح صحيح البخاري المقدمة ص ٦ ط دار المعرفة.

(٢) ابن سعد : الطبقات الكبرى ، ج ٦ ، ص ٧ ، الحاكم : المستدرك : ١ ـ ١٠٢.

(٣) البخاري : الصحيح ، كتاب العلم ، ج ١ ، ص ٢٧.

٦

ومع هذا الإصرار المؤكد من الخليفة حالت رواسب الحظر السابق من جانب الخلفاء الماضين عن قيام ابن حزم بمهمته الملقاة على عاتقه ، فلم يكتب شي‌ء من أحاديث النبي إلا صحائف غير منظمة ولا مرتبة الى ان دالت دولة الأمويين وقامت دولة العباسيين وأخذ أبو جعفر المنصور بمقاليد الحكم ، فقام المحدثون عام ١٤٣ ، بتدوين الحديث ، فهذا هو السيوطي يشرح تلك المأساة في سنة ١٤٣ : « شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنف ابن جريج بمكة ، ومالك الموطأ بالمدينة ، والأوزاعي بالشام ، ابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما في البصرة ، ومعمر باليمن ، وسفيان الثوري بالكوفة وصنف ابن إسحاق المغازي ، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي ـ الى ان قال : وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة (١).

وقد ادعى ذلك التقاعس والتواني إلى انه لما تكثرت الفروع بسبب اختلاط المسلمين بغيرهم ولم يجدوا في السنة النبوية نصا فيها ، مال قسم من العلماء الى القول بالرأي والاستحسان ، فأفتوا بآرائهم فيما لا يجدون نصا فيه فاشتهروا بأصحاب الرأي والقياس ، وكان أكثر أهل العراق من أتباع هذه المدرسة ، كما أن أكثر أهل الحجاز كانوا يتجنبون عنه وقد روي انه لما سأل ربيعة بن عبد الرحمن ( ت ١٣٦ ) سعيد بن المسيب عن علة الحكم ، فأجاب : أعراقي أنت؟ (٢).

ولم تكن إحدى الطائفتين أولى من الأخر في أداء الوظيفة ، فإذا كان العمل بالرأي والقياس أمرا محظورا فالتزمت بالنصوص المحدودة وعدم هداية الأمة إلى واجبها مجال الفروع والتكاليف محظور مثله ، وما ذلك الا ان الحظر الذي أصدره

__________________

(١) السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص ٢٦١.

(٢) أحمد أمين : فجر الإسلام ، ١ ـ ٢٩٠.

٧

الخليفة بعد رحلة النبي ادعى الى ذلك وقسم العلماء والفقهاء الى قسمين بين معتمد على المقاييس والمعانى الظنية كالقياس والاستحسان وسد الذرائع وشرع من قبلنا الى غير ذلك مما لم ينزل الله بها من سلطان ، ومتزمت حصر التشريع الإلهي في النصوص المحدودة التي لا تتجاوز عن أربعمائة حديث أو ما يقرب من ذلك (١).

وقد ظهر اثر ذلك التقاعس في ضبط الحديث في عصر الخلفاء فضلا عن الأعصار المتأخرة فلنأت بنموذج أو نموذجين من ذلك :

١ ـ ان مسألة العول شغلت بال الصحابة فترة من الزمن وكانت من المسائل المستجدة التي واجهت جهاز الحكم بعد الرسول ، قد طرحت أيام خلافة عمر بن الخطاب ، فتحير فادخل النقص على الجميع استحسانا ، وقال : والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر. ما أجد شيئا أوسع لي من ان أقسم المال عليكم بالحصص وادخل على ذي حق ما ادخل عليه من عول الفريضة (٢).

أو يصح الاعتماد في الفتيا على هذا التعليل الوارد عن الخليفة أو يجب ان يصدر المفتي عن دليل شرعي إلهي يقنعه بأنه قام بواجبه؟

٢ ـ سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته في الجاهلية تطليقتين وفي الإسلام تطليقة واحدة فهل تضم التطليقتان إلى الثالثة أو لا؟ فقال السائل : لا آمرك ولا أنهاك (٣).

وقد ادى ذلك الى القول بحجية قول الصحابي وفعله وتقريره وعومل معه معاملة الإنسان المعصوم في حجية أقواله وأفعاله وتقريراته يقول محمد بن عمر الأسلمي وكل أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا أئمة يقتدى بهم

__________________

(١) السيد محمد رشيد رضا ، الوحي المحمدي ، ص ١٢٥.

(٢) الجصاص : أحكام القرآن ، ٢ ـ ١٠٩ ، الحاكم : المستدرك ، ٤ ـ ٣٤٠.

(٣) المتقي الهندي : كنز العمال ، ٥ ـ ١١٦.

٨

ويحفظ عليهم ما كانوا يفعلون ويستفتون فيفتون (١) وهذا يناقض موقف أهل السنة من حصر العصمة في النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

موقف الشيعة من السنة النبوية :

إذا كان هذا حال الأمة المنتسبة إلى السنة وهم الجمهور الأعظم من المسلمين ، ولكن كان حال ائمة الشيعة وقادتهم ومتابعيهم على خلاف ذلك فهم لم يتقاعسوا عن أداء الواجب بل عمدوا الى ضبط سنة النبي دقيقا وجليلها ، فهذا أمير المؤمنين كتب ما أملى عليه رسول الله ، في حقوق الحلال والحرام والعزائم والرخص عند ما قال له رسول الله : يا علي ، اكتب ما املي عليك قلت يا رسول الله أتخاف علي النسيان؟ قال : لا وقد دعوت الله ـ عزوجل ـ ان يجعلك حافظا ولكن اكتب لشركائك الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف الله عن الناس البلاء وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم وأشار الى الحسن. ثم قال : وهذا ثانيهم وأشار الى الحسين عليه‌السلام قال : والأئمة من ولده (٢).

وقد ورث هذا الكتاب ائمة أهل البيت عليهم‌السلام واحدا بعد واحد فيصدرون عنه ، وهذا هو العذافر الصيرفي ، قال : كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر عليه‌السلام ، فكان يسأله وكان أبو جعفر عليه‌السلام له مكرما ، فاختلفا في شي‌ء ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام هذا خط علي عليه‌السلام وإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واقبل على الحكم ، وقال : يا أبا محمد اذهب أنت وسلمة وأبو المقداد حيث شئتم يمينا وشمالا فو الله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل (٣).

__________________

(١) ابن سعد : الطبقات الكبرى ٢ ـ ٣٧٦.

(٢) القندوزي : ينابيع المودة ، ص ٢٠.

(٣) النجاشي : الرجال ، ٢ ـ ٢٦٠ برقم ـ ٩٦٧ ذكره في ترجمة محمد بن عذافر الصيرفي نقلا عن « عذافر » ننشأ فلاحظ.

٩

نعم كان لأمير المؤمنين غير هذا كتب اخرى مثل كتاب الفرائض ، وكتاب الآداب وغيرهما مما ورد في الكتب الحديثية.

ثم ان الطبقة الاولى من الشيعة اقتدوا بإمامهم أمير المؤمنين عليه‌السلام فالفوا في ذلك كتبا ورسائل حفظوا بذلك السنة النبوية ، واستقوا العلم من مصدر نميره الصافي وقد ذكرهم أصحاب المعاجم في طبقاتهم وإليك أسماء لفيف منهم :

١ ـ أبو رافع مولى رسول الله وخازن بيت المال في عهد أمير المؤمنين ، صنف كتاب السنن والاحكام والقضايا (١).

٢ ـ عبيد الله بن أبي رافع مؤلف كتاب « من شهد حروب أمير المؤمنين من أصحاب النبي » (٢).

٣ ـ علي بن أبي رافع ، كاتب أمير المؤمنين ، صنف كتابا في فنون من الفقه :

الوضوء والصلاة وسائر الأبواب (٣).

٤ ـ ربيعة بن سميع صنف كتاب زكاة النعم على ما سمعه من أمير المؤمنين (٤).

٥ ـ سليم بن قيس مؤلف الأصل المعروف المطبوع المنتشر (٥).

٦ ـ الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، قد كتب عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر النخعي ووصيته الى ابنه محمد بن الحنفية (٦).

٧ ـ سلمان الفارسي الصحابي الجليل ، ذكر ابن شهراشوب له كتاب خبر جاثليق (٧).

__________________

(١) النجاشي : الرجال ، ١ ـ ٦٤ برقم ١.

(٢) الطهراني : الذريعة ١ ـ ١٤.

(٣) النجاشي : ١ ـ ٦٥ برقم ١.

(٤) النجاشي : الرجال ، ١ ـ ٦٧ برقم ٢.

(٥) المصدر نفسه برقم ٣.

(٦) المصدر نفسه برقم ٤.

(٧) ابن شهراشوب : معالم العلماء ـ ٥٧ برقم ٣٨٢.

١٠

٨ ـ أبو ذر الغفاري ، قال ابن شهراشوب : له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) كتاب وصايا النبي ، وقد شرحه العلامة المجلسي وأسماء عين الحياة المطبوعة.

٩ ـ أبو الأسود الدؤلي ، التابعي المعروف ، أخذ النحو عن أمير المؤمنين وكتبه في كراس وعرضه على أمير المؤمنين ، فقال : نعم ما نحوت (٢).

١٠ ـ زيد بن وهب الجهني الكوفي ، جامع خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنابر في الجمع والاعداد (٣).

الطبقة الثانية :

ثم ان الطبقة الثانية نهجوا منهاج سلفهم ، حذو القذة بالقذة وألفوا كتبا ورسائل في الحديث والفقه والتفسير ، فبلغوا الذروة في فهم الحديث وفقهه واستنباط الاحكام من المصادر نظراء زرارة بن أعين ( ت ١٥٠ ) ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وأبي بصير الأسدي ( ت ١٥٠ ) وبريد بن معاوية ، والفضيل بن يسار من تلاميذ مدرسة أبي جعفر الباقر ( ت ١١٤ ) والامام الصادق ( ت ١٤٨ ).

ويليهم في الفضل ثلة اخرى وهم خريجو مدرسة الامام الصادق نظراء جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وابان بن عثمان ، وهم أصحاب الأصول والكتب المذكورة في المعاجم.

وهناك طبقة رابعة من خريجي مدرسة الامام الكاظم وأبي الحسن الرضا عليه‌السلام ذكرت أسماؤهم وآثارهم في المعاجم وكفاك في عنايتهم بحديث رسول الله المروي عن طريق العترة الطاهرة الذين هم أعدال الكتاب وقرناؤه في حديث الثقلين ان ابان بن تغلب ( ت ١٤١ ) وهو من خريجي مدرسة الباقر

__________________

(١) المصدر نفسه ـ ٣٢ برقم ١٨٠.

(٢) التستري : قاموس الرجال ، ٥ ـ ١٧١ نقله عن الذهبي.

(٣) ابن شهراشوب : معالم العلماء ـ ٥١ برقم ٣٤.

١١

والصادق ، حدث عن الصادق بثلاثين ألف حديث (١).

لا قياس ولا استحسان ولا ... :

وفي ظل احاديث العترة الطاهرة المروية عن النبي الأكرم بواسطتهم استغنى فقهاء الشيعة عن القياس والاستحسان والاعتماد على كل ما لم يدل دليل قطعي على حجيته ، حيث انهم دونوا الأصول والفروع في حياة أئمتهم وجاؤوا بجوامع حديثية عديدة في أعصارهم (٢) وبعدهم (٣) الى ان وصلت النوبة إلى المحمدين الثلاثة : أبي جعفر الكليني ( ت ٣٢٩ ) والشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ـ ٣٠٦ ) والشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ـ ٣٨٥ ) فالفوا الجوامع الحديثية الكبرى ، فصارت المدار في استنباط الأحكام فألف الكليني كتاب الكافي في الأصول والفروع في ثمانية أجزاء ، والصدوق. كتاب « الفقيه » في أربعة اجزاء والطوسي. كتاب التهذيب في عشرة أجزاء والاستبصار في أربعة أجزاء شكر الله مساعيهم.

مراحل تدوين الفقه وتطويره :

كان تدوين الفقه بين الشيعة بعد رحلة النبي الأكرم على غرار تدوين الحديث ، فالكتب الفقهية هي الكتب الحديثية لكنها مختصة بروايات وردت حول الفروع والاحكام والسنن والآداب فكان الفقهاء من أصحاب الأئمة يؤلفون الكتب الفقهية ويذكرون الحديث بسنده وانصه ولا يتجاوزون ذلك. وربما يرون ذلك امرا غير صحيح ، الى ان وصلت النوبة ، إلى علي بن الحسين بن بابويه ( ت ٣٢٩ ) فقام بتدوين الفقه على نمط جديد ، وأحدث فيه تطويرا ،

__________________

(١) البهائي : الوجيزة ، ص ٦ الطبعة الحجرية.

(٢) كجامع الحسين بن سعيد الأهوازي المعروف. بالثلاثين « الرجال للنجاشي ـ ١٧٢ ، برقم ١٣٥ وجامع على بن مهزيار من أصحاب الإمام الجواد ، الرجال للنجاشي ـ ٦٢٢ برقم ٦٦٥.

(٣) كنوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى يقول النجاشي وهو كتاب كبير حسن ، ج ٢ ـ ٢٤٤ برقم ٩٤٠.

١٢

فحذف الأسانيد ، واتى بالمتون على ترتيب الكتب الفقهية ، فألف كتاب الشرائع وقد كان عمله هذا ثورة في ذلك المجال ، وتبعه ابنه الصدوق ( ت ٣٨١ ـ ٣٠٦ ) فألف المقنع والهداية على ذلك الغرار ، وتبعه الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ـ ٣٣٦ ) فألف المقنعة ، والشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ـ ٣٨٥ ) النهاية وراج هذا النمط في الفقه. وهو كان تدوينا وتطويرا للفقه تلقاهما الأجيال بالقبول ، وتعد تلك المرحلة ، المرحلة الأولى بالنسبة إلى التطوير ، كما تعد المرحلة الثانية بالنسبة إلى تدوين الفقه ، وقد كانت المرحلة للتدوين ذكر المتون مع الأسانيد.

ولما اتسع نطاق الفقه باتساع دائرة الحاجات ، لم ير فقهاء الشيعة محيصا عن التجاوز عن متون الأحاديث الى صياغة فروع جديدة مستنبطة من تلك الأحاديث ومضامينها بعبارات جديدة ، انطلاقا من قولهم عليهم‌السلام علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع (١).

ولعل أول كتاب خرج على هذا النمط هو كتاب « المتمسك بحبل آل الرسول » تأليف الشيخ الأقدم الحسن بن علي بن أبي عقيل المعاصر للشيخ الكليني وكتاب « تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة » تأليف محمد بن أحمد بن الجنيد المعاصر للصدوق.

ثم قام شيخ الطائفة بتأليف المبسوط في ذلك المجال فخرج في ثمانية أجزاء كما ألف الخلاف في الفقه المقارن الذي أودع فيه آراء فقهاء المذاهب الإسلامية وتوالت حركة التأليف بعده على ذلك النمط الى يومنا هذا فالفت مجاميع فقهية مفصلة تتجاوز عن المئات والألوف.

وتشكل هذه المرحلة الثالثة من تدوين الفقه ، والمرحلة الثانية من تطويره ، وبما أن الشيعة الإمامية التزمت بانفتاح باب الاجتهاد ووجوب رجوع العامي إلى المجتهد الحي لم يزل هذا النوع من التطوير يتكامل من صورة إلى

__________________

(١) الحر العاملي ، وسائل الشيعة ، ج ١٨ ـ كتاب القضاء ـ الباب ٦ ، برقم ٥٢.

١٣

ـ صورة يقف عليها السائر في الكتب الفقهية لهذه الطائفة. وشتان ما بين استنباط الاحكام والفروع من الكتاب والسنة وبين الرجوع فيها الى المقاييس الظنية.

انجازات ثلاثة :

تقوم مؤسسة النشر الإسلامي بنشر آثار فقهية وكلامية ثلاثة لثلاث من كبار فقهاء الشيعة في القرن الخامس وهي :

١ ـ جواهر الفقه ، للقاضي عبد العزيز بن البراج ( ت ٤٨١ ـ ٤٠٠ ) صاحب المهذب والكامل في الفقه الإمامي ، وهو من إبطال الفقه في عصره وتلميذ المرتضى وزميل شيخ الطائفة.

٢ ـ المسائل الميافارقية ، للسيد الشريف المرتضى ( ت ٤٣٦ ـ ٣٥٥ ) صاحب التآليف الممتعة في مجال الفقه والأصول والتفسير.

٣ ـ العقائد الجعفرية ، لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ ـ ٣٨٥ ). وهو أستاذ الشيعة في عصره ومهذب أصولهم وفروعهم وله أياد بيضاء على العلم واهله.

والرسالتان الأوليان في الفقه والثالثة في عقائد الإمامية يجمعها كونها من آثار القدماء ومن تراث الشيعة الخالد قام بتأليفها أستاذ بعد أستاذ ، فالمرتضى أستاذ شيخ الطائفة وهو أستاذ ابن البراج. ولإيقاف القاري على حياتهم نذكر شيئا يسيرا منها :

القاضي ابن البراج (١) :

الشيخ سعد الدين أبو القاسم ، عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ، يعرفه الشيخ منتجب الدين بقوله : « وجه الأصحاب وفقيههم وكان

__________________

(١) قدمنا ذكره لكون كتابه ابسط من التألفين الآخرين ولأجل ذلك قدم في الطبع على الآخرين.

١٤

ـ قاضيا بطرابلس وله مصنفات منها » « المهذب » و « المعتمد » و « الروضة » و « المقرب » : و « عماد المحتاج في مناسك الحاج » أخبرنا بها الوالد عن والده عنه (١).

يقول ابن شهراشوب : « أبو القاسم المعروف بابن البراج من غلمان المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ له كتب في الأصول والفروع فمن الفروع الجواهر ، والمعالم ، المنهاج ، الكامل ، روضة النفس في أحكام العبادات الخمس ، المقرب ، المهذب ، التعريف شرح جمل العلم والعمل للمرتضى رحمه‌الله (٢).

وقد اثنى عليه كل من تأخر عنه كالعلامة الحلي في إجازته لبني زهرة والشهيد الاولى في بعض مجاميعه وابن فهد في مهذبه والمحقق الثاني في إجازته والشهيد الثاني في إجازته الى غير ذلك من ائمة الفقه ، تراهم أثنوا عليه ثناء بليغا كاملا (٣).

وقد تعرفت على أسماء تآليفه فقد طبع منه اثنان :

١ ـ شرح جمل العلم والعمل ، وهو شرح كتاب جمل العلم والعمل للسيد المرتضى على وجه موجز وقد القى فيها الأصول والقواعد في فني الكلام والفقه وقد تولى شيخ الطائفة شرح القسم الكلامي منه وقد انتشر باسم تمهيد الأصول ، بينما تولى القاضي ابن البراج شرح القسم الفقهي ، وقد نشر وحقق نصوصه الأستاذ الشيخ كاظم مدير شانه‌چى دام ظله.

٢ ـ المهذب ، وهو أبسط كتاب فقهي استدلالي بعد كتاب المبسوط للشيخ الطوسي وقد اشتغل به عام ٤٦٧ فالكتاب حصيلة ممارسة فقهية شغلت عمر المؤلف وقد انتشر في جزئين ضخمين :

جواهر الفقه وهو كتاب فقهي اقتصر فيه المؤلف على ذكر الفتيا لعلها

__________________

(١) منتجب الدين : الفهرس ، ص ١٠٧ ، برقم ١٠٧.

(٢) ابن شهراشوب : معالم العلماء ، ص ٨٠ برقم ٥٤٥.

(٣) راجع للوقوف على نصوصهم تقديمنا لكتاب المهذب لابن البراج ، ج ١ ، ص ٣٢ ـ ٣٦.

١٥

كانت رسالة عملية لمن كان يرجع إليه في الشامات.

الشريف المرتضى ( ت ٣٥٥ ـ ٤٣٦ ) :

هو السيد المرتضى ، علم الهدى ، ذو المجدين ، أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الامام موسى الكاظم عليه‌السلام مفخرة من مفاخر العترة الطاهرة ، وامام من ائمة العلم والحديث والأدب ، وبطل من ابطال الدين والعلم والمذهب ، وهو بعد أستاذ الكلام ومحققه ، وامام الفقه ومؤسس أصوله.

ولأجل إيقاف القاري على منزلته العلمية نأتي ببعض ما ذكره علماء الفريقين في حقه :

قال النجاشي ( ت ٣٧٢ ـ ٤٥٠ ) :

« أبو القاسم المرتضى حاز من العلوم ما لم يدانه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلما شاعرا أديبا عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا » (١).

وقال تلميذه الآخر شيخنا الطوسي ( ت ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ) :

« انه أكثر أهل زمانه أدبا وفضلا ، متكلم ، فقيه ، جامع العلوم كلها ـ مد الله في عمره ـ » (٢).

وقال في فهرسه : « المرتضى متوحد في علوم كثيرة ، مجمع على فضله ، مقدم في العلوم ، مثل علم الكلام ، والفقه ، وأصول الفقه ، والأدب والنحو ، والشعر ، ومعاني الشعر ، واللغة ، وغير ذلك ، له من التصانيف ومسائل البلدان شي‌ء كثير مشتمل على ذلك فهرسه المعروف (٣).

__________________

(١) النجاشي : الفهرس ، ١ ـ ١٠٢ ، برقم ٧٠٦.

(٢) الطوسي : الرجال ، باب في من لم يرو عنهم ـ ٤٨٤ برقم ٥٣.

(٣) الطوسي : الفهرس ، ص ٩٩.

١٦

وقال الثعالبي :

« وقد انتهت الرسالة اليوم ببغداد الى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم ، وله شعر في نهاية الحسن » (١).

وقال ابن خلكان ( ـ ٦٨٦ ) :

« كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر ، وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين ، وذكره ابن بسام في الذخيرة ، وقال : « كان هذا الشريف إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق ، اليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وآنسها ، ممن سارت اخباره وعرفت به إشعاره ، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره ، الى تآليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين مما يشهد أنه فرع تلك الأصول ومن أهل ذلك البيت الجليل والملح الشريف ، وفضائله كثيرة » (٢).

ترى نظير هذه الكلمات كثيرة مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم كلها تهدف الى مكانته المرموقة ومآثره الجليلة ، نكتفي بما ذكرنا.

ويشهد على ذلك : الثروة العلمية التي تركها السيد المرتضى وكانت ولم تزل مرجعا لإعلام الدين في اجيالهم ، وهي تربو على ٨٦ كتابا ورسالة في النواحي المختلفة ، وحيث لا يمكن لنا سرد أسمائها والإشارة بأبعادها نكتفي في المقام بكتبه الفقهية والأصولية ، ومن أراد التفصيل ، فليرجع الى المعاجم.

١ ـ الذريعة في أصول الفقه ، وهو ابسط كتاب في أصول الفقه ، فرغ عنه في نهاية القرن الرابع ( سنة ٤٠٠ ) على ما شاهدت في بعض النسخ الخطية في مدينة قزوين ، وطبع الكتاب في جزئين.

٢ ـ مفردات في أصول الفقه.

__________________

(١) الثعالبي : تتميم يتيمة الدهر ، ١ ـ ٥٣.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ، ٣ ـ ٣١٣ ، برقم ٤٤٣.

١٧

٣ ـ الخلاف في الفقه.

٤ ـ الناصريات في الفقه.

٥ ـ الانتصار فيما انفردت به الإمامية.

ثم ان للسيد رسائل وافرة في الكلام والفقه وفنون شتى ، ومنها هذه الرسالة التي يزفها الطبع الى القراء الكرام وهي « مسائل ميافارقية » و « تشتمل على ٦٥ مسألة فقهية وغير فقهية ذكرها ابن شهراشوب في ترجمته.

وللسيد رسائل أخرى في مسائل فقهية وكلامية وأصولية ، نطوي الكلام عنها رعاية للإيجاز.

هذا هو السيد المرتضى وهذه كلمات الثناء من العلماء في حقه وهذه آثاره ، وأما تلاميذه فكفى انه قد أنجبت مدرسته إبطالا يفتخر بهم الدهر ، وإليك أسماؤهم :

١ ـ شيخ الطائفة ، أبو جعفر الطوسي ( ت ٤٦٠ ).

٢ ـ أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي مؤلف المراسم ( ت ٤٦٣ ).

٣ ـ أبو الصلاح تقي بن النجم ، خليفته في بلاد حلب ( ت ٤٤٧ ).

٤ ـ القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ( ت ٤٨ ).

٥ ـ الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري ( ت ٤٦٣ ).

٦ ـ الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي ( ت ٤٤٩ ).

٧ ـ أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.

٨ ـ السيد نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوي.

٩ ـ السيد التقي بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.

١٠ ـ الشيخ أبو الحسن سليمان الصهرشتي ، صاحب كتاب قبس المصباح.

الى غير ذلك من الشخصيات البارعة الذين استقوا من منهل علمه ومعين فقهه (١).

__________________

(١) قد استقصى العلامة الاميني في موسوعته أسماء تلامذة السيد ، فلاحظ : الغدير : ٤ ، ص ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٨

شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ ) :

لا عتب على اليراع أن تهيب شخصية شيخ الطائفة ، ومكانته العلمية ومنزلته الرفيعة ، وجهاده المتواصل في طريق نشر العلم والهدى ، ومناضلته المخالفين والمعاندين الى غير ذلك من مآثر وفضائل جمة لا يحيط بها القلم ولا يبلغ مداها البيان وعجز عن تحديدها ورسمها ، وبما ان الميسور لا يسقط بالمعسور ، نكتفي بتعريف بعض نواحي شخصيته ، قال تلميذه الجليل النجاشي :

« أبو جعفر ، جليل من أصحابنا ، ثقة ، عين ، من تلامذة شيخنا أبي عبد الله ( المفيد ) (١).

وقال العلامة الحلي ( ٦٤٨ ـ ٧٢٨ ) :

« شيخ الإمامية ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ثقة ، عين ، صدوق عارف بالاخبار والرجال والفقه والأصول ، والكلام ، والأدب وجميع الفضائل تنسب اليه ، صنف في كل فنون الإسلام ، وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع ، والجامع لكمالات النفس في العلم والأدب ، وكان تلميذ الشيخ المفيد ، ولد ـ قدس الله سره ـ في شهر رمضان سنة ٣٨٥ ـ وقدم العراق سنة ٤٠٨ وتوفي رضي‌الله‌عنه ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ٤٦٠ بالمشهد المقدس الغروي ودفن بداره » (٢).

وقد ألف شيخ الباحثين ، الشيخ آقا بزرك الطهراني رسالة مستقلة في ترجمة شيخنا الطوسي ، أدى فيها حق المقال ، ولم يبق في القوس منزعا ، ولكن نكمل مقاله بكلمة هي :

كلمة السيد المحقق البروجردي ( ١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ ) :

كان السيد البروجردي كثير الإعجاب بالشيخ وتآليفه القيمة وقال في

__________________

(١) النجاشي : الرجال : ٢ ـ ٣٣٢ ، برقم ١٠٦٩.

(٢) العلامة الحلي : خلاصة الأقوال في علم الرجال ص ١٤٨.

١٩

تقديمه على كتاب الخلاف ما هذا نصه. و « يستفاد من ادعيته للمفيد (٤) في كتاب التهذيب عند نقل عبارة المقنعة إلى أواخر كتاب الصلاة بقوله قال الشيخ أيده الله تعالى : ومنه الى آخر الكتاب بقوله : قال الشيخ رحمه‌الله ، أنه كتب الطهارة والصلاة من التهذيب في حياة الشيخ المفيد ، وهو من أبناء أربع أو ثمان وعشرين سنة ، ولكنك إذا نظرت الى كلماته في الكتابين (٥) وما جادل به المخالفين في المسائل الخلافية كمسألة مسح الرجلين ، وما أفاده في مقام الجمع بين الاخبار ، واختياراته في المسائل وما يستند اليه فيها وما يورده من الاخبار في كل مسألة ، تخيلته رجلا من أبناء السبعين وصرف عمره في تحصيل العلوم الأدبية والأصولين ، والقراءات والتفسير ، ومسائل الخلاف والوفاق ، وطاف البلاد في طلب احاديث الفريقين وما يتعلق بها من الجرح والتعديل حتى صار له قدم راسخة في جميع العلوم الدينية ، ولو قيل لك أنه كان شابا حدثا لانكرت ذلك ولقلت « إِنَّ هذا لَشَيْ‌ءٌ عُجابٌ » (١).

ثم إن تأليف شيخنا الطوسي في نواح مختلفة يشهد على كونه متخصصا في بعض العلوم وملما بكثير منها ، وقد ذكر أصحاب المعاجم فهرس كتبه (٢).

واما تلاميذه فحدث عنهم ولا حرج ، وقد ذكر السيد البروجردي أسماء بعض تلاميذه ممن قرأوا عليه وصدروا عنه في تقديمه على كتاب الخلاف ، ونذكر بعض المشاهير ، ومن أراد التفصيل فليرجع اليه :

على طريق التحقيق :

قام بتحقيق هذه الانجازات الثلاثة ، الشيخ الفاضل المحقق ، إبراهيم البهادري

__________________

(٤) لتهذيب الشيخ الطوسي شرح استدلالي على كتاب المقنعة للشيخ المفيد.

(٥) المقصود بالكتابين التهذيب والاستبصار.

(١) البروجردي : مقدمة الخلاف ، ص ١ و ٢ الطبعة الحجرية.

(٢) النجاشي : الرجال ، ٢ ـ ٣٣٢ ، برقم ١٠٦٥ ، العلامة ، خلاصة الأقوال ، ص ١٤٨. وقد ذكر الشيخ الطوسي ـ قده ـ فهرس تأليفه في فهرسه ، ص ١٨٨ برقم ٧١٢.

٢٠