المسح على الرّجلين في الوضوء

السيّد علي الحسيني الميلاني

المسح على الرّجلين في الوضوء

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-266-0
الصفحات: ٥١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: image001

١

Description: rafed

٢

دليل الكتاب :

مقدمة المركز ......................................................  ٥

تمهيد ............................................................  ٧

الأقوال في المسألة .................................................  ٩

الاستدلال بالقرآن علىٰ المسح ....................................  ١١

الاستدلال بالسنّة علىٰ المسح .....................................  ٢٥

النظر في أدلّة القائلين بالغسل ....................................  ٣٥

الاستدلال بحديث « ويل للأعقاب من النار » .....................  ٣٦

مناقشة الاستدلال بحديث « ويل للأعقاب من النار » ..............  ٣٧

الاستدلال بحديث كيفية وضوء رسول الله ومناقشته ..................  ٤٢

خاتمة البحث ...................................................  ٤٥

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز :

لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلىٰ تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.

وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمىٰ السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلىٰ اتّخاذ منهج ينتظم علىٰ عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي الشيعي علىٰ أوسع نطاق ممكن.

ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً علىٰ الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

٥

والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول علىٰ أفضل النتائج.

ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلىٰ شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.

كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتىٰ أرجاء العالم.

وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها علىٰ شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.

وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.

سائلينه سبحانه وتعالىٰ أن يناله بأحسن قبوله.



مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسّون

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ سيّدنا محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

بحثنا في مسألة المسح علىٰ الرجلين في الوضوء.

وهي مسألة علمية تحقيقيّه فقهيّة ، مطروحة في كتب العلماء في الفقه والكلام والحديث والتفسير.

وأُلّفت في هذه المسألة رسائل كثيرة ، لكون المسألة تتعلّق بالوضوء ، والوضوء مقدّمة الصلاة ، والصلاة عمود الدين ، فريضة يقوم بها كلّ فرد من المكلّفين في كلّ يوم خمس مرّات.

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي بالناس ، ولعلّه كان يتوضّأ أمامهم وفي حضورهم ، والصحابة أيضاً لا سيّما الملازمون له ، المطّلعون

٧

علىٰ جزئيّات حالاته ، لابدّ وأن يكونوا علىٰ اطّلاع من وضوئه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع هذه التفاصيل ، وتعليم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوضوء للناس ، نرىٰ هذا الخلاف الشديد بين المسلمين في كيفيّة الوضوء.

ومسألتنا مسألة المسح ، وبحثنا الآن في مسألة المسح علىٰ الرجلين في الوضوء ، وإلّا فالمسائل الأُخرىٰ المتعلّقة بالوضوء ، التي وقع النزاع فيها بين المسلمين أيضاً موجودة ، لكنّا نتعرّض الآن لمسألة المسح علىٰ الرجلين أو غسل الرجلين علىٰ الخلاف الموجود.

٨

الأقوال في المسألة

الأقوال في هذه المسألة متعدّدة ، فأجمعت الشيعة الإماميّة الإثنا عشريّة علىٰ أنّ الحكم الشرعيّ في الوضوء هو المسح علىٰ الرجلين علىٰ التعيين ، بحيث لو أنّ المكلّف غسل رجله ، وحتّىٰ لو جمع بين الغسل والمسح بعنوان أنّه الواجب والتكليف الشرعي ، يكون وضوؤه باطلاً بالإجماع.

هذا رأي الطائفة الإماميّة ، ولهم علىٰ هذا الرأي أدلّتهم من الكتاب والسنّة المرويّة عن أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم ، وقد ادّعي التواتر في الروايات الدالّة علىٰ وجوب المسح دون الغسل ، بل ذكر أنّ المسح في الوضوء من ضروريّات هذا المذهب.

إذن ، لا خلاف بين الشيعة الإماميّة في وجوب المسح علىٰ التعيين ، ولهم أدلّتهم.

وأمّا الآخرون ، فقد اختلفوا :

٩

منهم من قال بوجوب الغسل علىٰ التعيين ، وهذا قول الأئمّة الأربعة ، والقول المشهور بين أهل السنّة.

ومنهم من قال : بوجوب الجمع بين المسح والغسل ، وينسب هذا القول إلىٰ بعض أئمّة الزيديّة وإلىٰ بعض أئمّة أهل الظاهر.

ومن أهل السنّة من يقول بالتخيير ، فله أن يغسل وله أن يمسح.

وسنذكر أصحاب هذه الأقوال في خلال البحث.

إلّا أنّ المهمّ هو البحث عن المسح علىٰ وجه التعيين والغسل علىٰ وجه التعيين ، فالقول بالغسل علىٰ وجه التعيين قول جمهور أهل السنّة ، والقول بالمسح علىٰ التعيين قول الطائفة الشيعيّة الاماميّة الإثنى عشرية.

فلننظر ماذا يقول هؤلاء ، وماذا يقول أولئك ، ولنحقق في أدلّة القولين علىٰ ضوء الكتاب والسنّة ، لنتوصّل إلىٰ النتيجة التي نتوخّاها.

١٠

الاستدلال بالقرآن على المسح

أمّا في الكتاب ، فقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١).

ومحل الشاهد والاستدلال في هذه الاية كلمة ( وَأَرْجُلَكُمْ ).

في هذه الكلمة ثلاثة قراءات ، قراءتان مشهورتان : الفتح والجر ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ( وَأَرْجُلِكُمْ ) ، وقراءة شاذّة وهي القراءة بالرفع : ( وَأَرْجُلُكُمْ ).

القراءة بالرفع وصفت بالشذوذ ، يقال : إنّها قراءة الحسن البصري وقراءة الأعمش ، ولا يهمّنا البحث عن هذه القراءة ، لأنّها قراءة شاذّة ، ولو أردتم الوقوف علىٰ هذه القراءة ومن قرأ بها ،

_______________

(١) سورة المائدة : ٦.

١١

فارجعوا إلىٰ تفسير القرطبي (١) ، وإلىٰ أحكام القرآن لابن العربي المالكي (٢) وإلىٰ غيرهما من الكتب ، كتفسير الآلوسي ، وتفسير أبي حيّان البحر المحيط ، وفتح القدير للشوكاني ، يمكنكم الوقوف علىٰ هذه القراءة.

والوجه في الرفع ( وَأَرْجُلُكُمْ ) قالوا بأنّ الرفع هذا علىٰ الإبتداء ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلُكُمْ ) هذا مبتدأ يحتاج إلىٰ خبر ، فقال بعضهم : الخبر : مغسولة ، وأرجلكم مغسولة ، فتكون هذه الآية بهذه القراءة دالّة علىٰ وجوب الغسل.

لاحظوا كتاب إملاء ما منّ به الرحمن في إعراب القرآن لأبي البقاء ، وهو كتاب معتبر ، هُناك يدّعي بأنّ كلمة ( وَأَرْجُلُكُمْ ) بناء علىٰ قراءة الرفع مبتدأ والخبر مغسولة ، فتكون الاية دالّة علىٰ وجوب الغسل (٣).

لكنّ الزمخشري (٤) وغير الزمخشري من كبار المفسّرين

_______________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٩٤.

(٢) أحكام القرآن لابن العربي ٢ / ٧٢.

(٣) إملاء ما منّ به الرحمن ١ / ٢١٠.

(٤) الكشاف ١ / ٦١١.

١٢

يقولون بأنّ تقدير مغسولة لا وجه له ، لأنّ للطرف الآخر أن يقدّر ممسوحة.

ومن هنا يقول الآلوسي (١) : وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين ، إذ لكلّ أن يقدّر ما شاء ، القائل بالمسح يقدّر ممسوحة والقائل بالغسل يقدّر مغسولة.

نرجع إلىٰ القراءتين المشهورتين أو المتواترتين ، بناء علىٰ تواتر القراءات السبع.

أمّا قراءة الجر ( وَأَرْجُلِكُمْ ) وجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة ، تعطف الأرجل علىٰ الرؤوس ، الرؤوس ممسوحة فالأرجل أيضاً ممسوحة ( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) ، بناء علىٰ هذه القراءة تكون الواو عاطفة ، والأرجل معطوفة علىٰ الرؤوس ، وحينئذ تكون الاية دالّة علىٰ المسح بكلّ وضوح.

أمّا بناء علىٰ القراءة بالنصب ( وَأَرْجُلَكُمْ ) الواو عاطفة ، وأرجلكم معطوفة علىٰ محلّ الجار والمجرور ، علىٰ محلّ رؤوسكم ، ومحلّ رؤوسكم منصوب ، والعطف علىٰ المحل مذهب مشهور في علم النحو وموجود ، ولا خلاف في هذا علىٰ المشهور

_______________

(١) روح المعاني ٦ / ٧٧.

١٣

بين النحاة ، وكما أنّ الرؤوس ممسوحة ، فالأرجل أيضاً تكون ممسوحة.

فبناء علىٰ القراءتين المشهورتين تكون الاية دالّة علىٰ المسح دون الغسل.

وهذا ما يدّعيه علماء الإماميّة في مقام الاستدلال بهذه الآية المباركة.

ولننظر هل لأهل السنّة أيضاً رأي في هاتين القراءتين أو لا ؟ وهل علماؤهم يوافقون علىٰ هذا الاستنتاج ، بأنْ تكون القراءة بالنصب والقراءة بالجرّ كلتا القراءتان تدلّان علىٰ وجوب المسح دون الغسل أو لا ؟

أمّا الإماميّة فلهم أدلّتهم ، وهذا وجه الاستدلال عندهم بالآية المباركة كما قرأنا.

تجدون الاعتراف بدلالة الآية المباركة ـ علىٰ كلتا القراءتين ـ علىٰ وجوب المسح دون الغسل ، تجدون هذا الاعتراف في الكتب الفقهيّة ، وفي الكتب التفسيريّة ، بكلّ صراحة ووضوح ، وأيضاً في كتب الحديث من أهل السنّة ، أعطيكم بعض المصادر : المبسوط

١٤

في فقه الحنفيّة للسرخسي (١) ، شرح فتح القدير في الفقه الحنفي (٢) ، المغني لابن قدامة في الفقه الحنفي (٣) ، تفسير الرازي (٤) ، غنية المتملّي (٥) ، حاشية السندي علىٰ سنن ابن ماجة (٦) ، تفسير القاسمي (٧).

هذه بعض المصادر التي تجدون فيها الاعتراف بدلالة الآية المباركة علىٰ كلتا القراءتين بوجوب المسح ، وحتّىٰ أنّ الفخر الرازي يوضّح هذا الاستدلال ، ويفصّل الكلام فيه ويدلّل عليه ويدافع عنه ، وكذا غير الفخر الرازي في تفاسيرهم.

وفي هذه الكتب لو نراجعها نرىٰ أموراً مهمّة جدّاً :

الأمر الأول : إنّ الكتاب ظاهر ـ علىٰ القراءتين ـ في المسح على وجه التعيين.

الأمر الثاني : يذكرون أسماء جماعة من كبار الصحابة والتابعين

_______________

(١) المبسوط ١ / ٨.

(٢) شرح فتح القدير ١ / ١١.

(٣) المغني ١ / ١٥١.

(٤) تفسير الرازي ١١ / ١٦١.

(٥) غنية المتملي : ١٦.

(٦) حاشية السندي ١ / ٨٨.

(٧) تفسير القاسمي ٦ / ١٨٩٤.

١٥

وغيرهم القائلين بالمسح دون الغسل ، وسنذكر بعضهم.

الأمر الثالث : إنّهم يصرّحون بأنّ الكتاب وإنْ دلّ علىٰ المسح ، فإنّا نقول بالغسل لدلالة السنّة علىٰ الغسل.

فإذن ، يعترفون بدلالة الكتاب علىٰ المسح ، إلّا أنّهم يستندون إلىٰ السنّة في القول بوجوب الغسل.

لكنّ الملفت للنظر أنّهم يعلمون بأنّ الاستدلال بالسنّة للغسل سوف لا يتمّ ، لوجود مشكلات لابدّ من حلّها وبعضها غير قابلة للحل ، فالاستدلال بالسنّة علىٰ وجوب الغسل لا يتم ، والاعتراف بدلالة الآية علىٰ وجوب المسح ينتهي إلىٰ ضرورة القول بوجوب المسح ، لدلالة الكتاب ولعدم دلالة تامّة من السنّة ، حينئذ يرجعون ويستشكلون ويناقشون في دلالة الكتاب علىٰ المسح.

١٦

مناقشات القوم في الاستدلال بالقرآن وردّها

أذكر لكم بعض المناقشات ، وهذه المناقشات تجدونها في كتبهم ، وتجدون أيضاً الردّ علىٰ هذه المناقشات في كتبهم أيضاً ، فأقرأ لكم بعض المناقشات وبعض الردود علىٰ تلك المناقشات من أنفسهم.

المناقشة الأُولىٰ :

إنّ قراءة النصب في أرجلكم ليس هذا النصب بالعطف علىٰ محلّ رؤوسكم كما ذكرنا ، وإنّما هو لأجل العطف علىٰ الوجوه والأيدي ، فكأنّه قال : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم.

فإذن يجب الغسل لا المسح ، والنصب ليس للعطف علىٰ محل رؤوسكم ، وإنّما العطف علىٰ لفظ الوجوه والأيدي ، ولفظ الوجوه والأيدي منصوب ، وأرجلكم منصوب.

١٧

إذن ، يسقط الاستدلال بالاية المباركة ـ علىٰ قراءة النصب ـ لوجوب المسح دون الغسل ، بل تكون الاية دالة علىٰ الغسل دون المسح ، بناء علىٰ صحّة هذا الوجه.

هذا الإشكال تجدونه في أحكام القرآن لابن العربي المالكي يقول : جاءت السنّة قاضيّة بأنّ النصب يوجب العطف علىٰ الوجه واليدين ، النصب في أرجلكم بمقتضىٰ دلالة السنّة لابدّ وأنْ يكون لأجل العطف علىٰ الوجه واليدين ، لا لأجل العطف علىٰ محلّ رؤوسكم ، وقد ذكر ابن العربي المالكي بأنّ هذا الذي أقوله هو طريق النظر البديع (١).

ردّ المناقشة الأُولىٰ :

لكنّ المحققين منهم يردّون هذا الوجه ، ويجيبون عن هذا الإشكال ، ويقولون : بأنّ الفصل بين المتعاطفين بجملة غير معترضة خطأ في اللغة العربية ، والقرآن الكريم منزّه من كلّ خطأ وخلط ، وكيف يحمل الكتاب علىٰ خطأ في اللغة العربيّة.

لاحظوا ، يقول أبو حيّان ـ وهو مفسر كبير ونحوي عظيم ،

_______________

(١) أحكام القرآن ٢ / ٧٢.

١٨

وآراؤه في الكتب النحويّة مذكورة ينظر إليها بنظر الاحترام ، ويبحث عنها ويعتنى بها ـ يقول معترضاً علىٰ هذا القول : بأنّه يستلزم الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض بل هي منشئة حكماً.

قال : قال الأُستاذ أبوالحسن ابن عصفور [ وهذا الإسم نعرفه كلّنا ، من كبار علماء النحو واللغة ] وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه قال : وأقبح ما يكون ذلك بالجمل ، فدلّ قوله هذا علىٰ أنّه ينزّه كتاب الله عن هذا التخريج (١).

وتجدون هذا الاعتراض علىٰ هذه المقالة أيضاً في عمدة القاري ، وفي الغنية للحلبي ، وفي غير هذين الكتابين أيضاً.

المناقشة الثانية :

قال بعضهم بأنّ لفظ المسح مشترك بين المسح المعروف والغسل ، أي في اللغة العربية أيضاً يسمىٰ الغسل مسحاً ، وإذا كان اللفظ مشتركاً حينئذ يسقط الاستدلال.

قال القرطبي : قال النحّاس : هذا من أحسن ما قيل في المقام ،

_______________

(١) البحر المحيط ٣ / ٤٣٨.

١٩

أي لأنْ تكون الآية غير دالّة علىٰ المسح ، نجعل كلمة المسح مشتركة بين الغسل والمسح المعروف.

ثمّ قال القرطبي : وهو الصحيح.

فوافق علىٰ رأي النحّاس (١).

وراجعوا أيضاً : البحر المحيط (٢) ، وتفسير الخازن (٣) ، وابن كثير (٤) ، يذكرون هذا الرأي.

ردّ المناقشة الثانية :

لكنّ المحقّقين لا يوافقون علىٰ هذا الرأي ، وهذه المناقشة عندهم مردودة ، ولا يصدّقون أن يقول اللغويون بمجيء كلمة المسح بمعنىٰ الغسل ، وأن تكون هذه الكلمة لفظاً مشتركاً بين المعنيين.

لاحظوا مثلاً : عمدة القاري في شرح البخاري يقول بعد نقل

_______________

(١) الجامع لأحكام القرآن ٦ / ٩٤.

(٢) البحر المحيط ٣ / ٤٣٨.

(٣) تفسير الخازن ٢ / ٤٤١.

(٤) ابن كثير ٢ / ٣٥.

٢٠